الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
بعد أن ذكر عز اسمه صدّ المشركين عن دين الله وعن المسجد الحرام، ثم أردفه ذكر مناسك الحج، وبين ما فيها من منافع فى الدين والدنيا- قفى على ذلك ببيان ما يزيل الصدّ عنه ويؤمن معه من التمكن من أداء تلك الفريضة على أتم الوجوه.
الإيضاح
(إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) أي إن الله يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابوا إليه- شر الأشرار وكيد الفجار، ويكلؤهم وينصرهم على أعدائهم ويكتب لهم الفلج عليهم والظفر بهم كما قال:«إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا» .
ثم ذكر السبب فى وعيدهم بقوله:
(إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) أي وإنما دفعهم وقهرهم، لأنهم خانوا أمانة الله وهى أوامره ونواهيه، وكفروا أنعمه التي يسديها إليهم بكرة وعشيا، وعبدوا غيره مما لا يضر ولا ينفع.
وفى هذا إيماء إلى أن المؤمنين هم أحباء الله.
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) أي رخّص للمؤمنين، وأبيح لهم أن يقاتلوا المشركين لظلمهم إياهم، فقد كانوا يؤذون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أذى شديدا فيأتون إليه بين مضروب ومشجوج فى رأسه ويتظلمون إليه فيقول لهم صبرا صبرا، فإنى لم أوذن بالقتال حتى هاجر، وأنزل الله هذه الآية، وهى أول آية نزلت بالإذن بالقتال بعد ما نهى عنه فى نيف وسبعين آية كما رواه الحاكم فى المستدرك عن ابن عباس.
ثم وعدهم بالنصر ودفع أذى المشركين عنهم فقال:
(وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) أي وإن الله على نصر المؤمنين الذين يقاتلون فى سبيله لقادر، وقد فعل فأعزهم ورفعهم، وأهلك عدوهم وأذلهم بأيديهم.
وفى هذا الأسلوب مبالغة عظيمة زيادة فى توطين عزائم المؤمنين وتثبيتهم على الجهاد فى سبيله.
وبمعنى الآية قوله: «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها» وقوله: «قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» وقوله: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ» .
وإنما شرع الجهاد بعد الهجرة إلى المدينة، لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر من المؤمنين عددا، حتى أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم وهمّوا بقتله وشرّدوا أصحابه، فذهبت طائفة منهم إلى الحبشة وذهب آخرون إلى المدينة، فلما استقروا بالمدينة وأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعوا إليه وقاموا بنصره وصارت المدينة لهم دار إسلام ومعقلا يلجئون إليه- شرع الجهاد ونزلت الآية مرخّصة فيه.
روى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس أنه قال: لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم، إنا لله وإنا إليه راجعون.
ليهلكنّ القوم. فأنزل الله: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) قال أبو بكر: فعرفت أنه سيكون قتال.
ثم وصف سبحانه هؤلاء المؤمنين بقوله:
(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) أي أولئك المظلومون هم الذين أخرجهم المشركون من مكة إلى المدينة وعذبوا بعضهم وسبوا بعضا آخر، وما كان لهم من إساءة إليهم ولا ذنب جنوه إلا أنهم عبدوا الله وحده لا شريك له.
ونحو الآية قوله: «يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ» وقوله فى قصة أصحاب الأخدود «وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» .
ولما كان المسلمون ينشدون حين بناء الخندق:
لا همّ لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الألى بغوا علينا
…
إذا أرادوا فتنة أبينا
كان رسول الله يوافقهم ويقول معهم آخر كل قافية، فإذا قالوا: إذا أرادوا فتنة أبينا يقول أبينا ويمدّ بها صوته.
ثم حرض المؤمنين على القتال، وبيّن أنه أجرى العادة به فى الأمم الماضية، لينتظم أمر الجماعات، وتقوم الشرائع، وتصان بيوت العبادة من الهدم فقال:
(وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً) أي فليقاتل المؤمنون الكافرين، فلولا القتال وتسليط المؤمنين على المشركين فى كل عصر وزمان لهدّمت فى شريعة كل نبى معابد أمته، فهدمت صوامع الرهبان وبيع النصارى وصلوات اليهود ومساجد المسلمين التي يذكرون فيها اسم الله كثيرا.
وفى هذا ترقّ وانتقال من الأقل إلى الأكثر حتى انتهى إلى المساجد وهى أكثر عمّارا وأكثر عبّادا وهم ذوو القصد الصحيح.
والخلاصة- إنه لولا ما شرعه الله للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء، وإقامة حدود الأديان، لاستولى أهل الشرك على مواضع العبادة وهدموها، وقد يكون المراد لولا هذا الدفع لهدمت فى زمن موسى الكنائس، وفى زمن عيسى الصوامع والبيع، وفى زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد.
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) أي وليعينن الله من يقاتل فى سبيله، لتكون كلمته
العليا، وتكون كلمة عدو دينه السفلى، ولقد أنجز الله وعده. وسلط المهاجرين والأنصار على صناديد قريش وأكاسرة العجم وقياصرة الروم وأورثهم أرضهم وديارهم.
ونحو الآية قوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ» .
(إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) أي إن الله لقوى على نصر من جاهد فى سبيله من أهل طاعته، منيع فى سلطانه، لا يقهره قاهر، ولا يغلبه غالب.
ونحو الآية قوله: «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» وقوله: «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ» .
ثم وصف الله الذين أخرجوا من ديارهم بقوله:
(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) أي هؤلاء الذين أخرجوا من ديارهم هم الذين إن مكنا لهم فى البلاد، فقهروا المشركين وغلبوهم عليها- أطاعوا الله فأقاموا الصلاة على النحو الذي طلبه، وأعطوا زكاة أموالهم التي حباها لهم، ودعوا الناس إلى توحيده، والعمل بطاعته، وأمروا بما حثت عليه الشريعة، ونهوا عن الشرك واجتراح السيئات.
وخلاصة ذلك- إنهم هم الذين كمّلوا أنفسهم باستحضار المعبود والتوجه إليه فى الصلاة على قدر الطاقة، وكانوا عونا لأممهم بإعانة فقرائهم وذوى الحاجة منهم، وكمّلوا غيرهم، فأفاضوا عليهم من علومهم وآدابهم، ومنعوا المفاسد التي تعوق غيرهم عن الوصول إلى الرقى الخلقي والأدب السامي.
ثم وعد بإعلاء كلمته ونصر أوليائه فقال:
(وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أي ولله آخر الأمور ومصايرها، فى الثواب عليها أو العقاب فى الدار الآخرة.
ونحو الآية قوله: «وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» .