الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
بعد أن ذكر أحوال كل من الكافرين والمؤمنين فى الآخرة- ذكر أن الدنيا ليست كالآخرة، فلا يرثها إلا من كان قادرا على إصلاحها، والانتفاع بخيراتها، والاستفادة مما على ظاهرها وباطنها، فمن كان أحصف رأيا، وأحكم فكرا، ملكها وتسلط عليها، وجنى ثمارها واهتدى إلى ما أودع فيها من الخير.
ثم بين أن ما أوحى إلى الرسول من الشرائع وضروب الهداية كاف جدّ الكفاية لمن يعتبر بسنن الله فى الكون، فيستفيد منها ما ينفعه فى دينه ودنياه، فجميع ما جاء به الوحى من المواعظ وأحكام الشرائع هداية وذكرى لو تدبرها المتدبرون، وتأملها المنصفون.
الإيضاح
(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) أي ولقد كتب الله عنده، وأثبت فى قديم علمه الأزلى الذي لا ينسى، ثم أثبت فى الكتب السماوية من بعد ذلك أن الأرض لا يعمرها من عباده إلا من يصلح لعمارتها من أي دين كان وأىّ مذهب انتجل.
وصلاح الأمة يقوم على أربعة عمد:
(1)
أن يكون قادتها علماء مفكرين، وساستها حكماء عادلين، بعيدين عن الجور والظلم والمحاباة، يأخذون بيد المظلوم وينصفونه من الظالم، ويعملون لخير الأمة وسعادتها، ويواصلون ليلهم بنهارهم فى كل ما يرفع من شأنها، ويسمو بها على الأمم.
(2)
أن يكون لها جيش منظم يحمى حريمها، ويدافع عنها إذا جدّ الجدّ، وادلّهم الخطب، ولن يكون كذلك إلا إذا كان فيه المهندسون والمخترعون والقادة البارعون، ولديه من السلاح وعدد الحرب ما يكشف عنه العلم من وسائل الدفاع، من
طائرات وغواصات وسفن خربية وآلات للهدم والتدمير، وجند حذقوا فنون الحرب، ويلوا أساليبها المختلفة.
(3)
أن يقوم أبناء الحرف المختلفة، من تجار وصناع وزراع بأداء أعمالهم على الوجه المرضى، وكل طائفة منها تظاهر الطوائف الأخرى وتعاونها لخير الجميع، وتقوم بما يجب نحوها من المساعدة فيما يكفل نجاح الأعمال.
(4)
أن تنظّم هذه الطوائف أعمالها بحيث تتوزع هذه المهن بين الأفراد بحسب حاجة الأمة إليها حتى لا تمد يدها إلى غيرها لمعونتها، ويكون فى كل طائفة جماعة مبرّزون، يفكرون فيما يرقى شئون الطائفة، بحيث تنافس أمثالها فى الأمم الأخرى أو تفوقها، بما أوتيت من حسن التدبير والتصرف.
وهذا حكم أيدته التجارب فى سائر العصور لدى جميع الدول، فما من أمة تهاونت فى هذه الأمور أو فى شىء منها إلا حكم عليها بالفناء والزوال، وتواريخ الفرس والروم والأمم الإسلامية والدولة التركية تدل على صدق ما نقول.
(إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) أي إن فيما ذكر فى هذه السورة من أنظمة الدول والتسلط على ألطف الأشياء كالهواء، وعلى أصلبها كالحديد، ومن الجمع بين حرب الأعداء، والاستغراق فى ذكر الله، وتسخير العمال فى المبانى العظيمة، واستخراج ما فى البحار من أصناف اللآلئ، وما فى باطن الأرض من مختلف المعادن- لكفاية لقوم يجمعون بين العلم والعمل، إذ يعلمون أن العلم شجرة، ثمرتها العمل.
فعلى المسلمين قاطبة أن يصدعوا بما أمروا به فى هذا الكتاب، وأن يعرضوا عن الجاهلين بأمور دينهم، فالله محاسبهم على أعمالهم، كما يحاسبهم على قدرهم الجسمية،