الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النار التي يقتحمونها بأفعالهم وأقوالهم أعظم مما ينالهم من الغم والغيظ حين تلاوة هذه الآيات.
الإيضاح
(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي قد علمت أيها الرسول أن علم الله محيط بما فى السموات وما فى الأرض، لا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وهو حاكم بين خلقه يوم القيامة على علم منه بما عملوه فى الدنيا، فمجازى المحسن منهم بإحسانه، والمسيء بإساءته.
ثم أكد علمه بقوله.
(إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ) أي إن علمه بذلك فى اللوح المحفوظ الذي كتب فيه ربنا قبل أن يخلق ما هو كائن إلى يوم القيامة ويرى أبو مسلم الأصفهانى أن المراد بالكتاب فى مثل هذا الحفظ والضبط الشديد بحيث لا يغيب عنه مثقال ذرة.
ثم زاده تأكيدا بقوله.
(إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) أي إن علمه تعالى بما فى السماء والأرض وكتبه فى اللوح المحفوظ والفصل بين عباده يوم القيامة- يسير عليه إذ لا يخفى عليه شىء، ولا يتعسر عليه مقدور.
ثم حكى سبحانه بعض أباطيل المشركين وأحوالهم الدالة على سخافة عقولهم فقال:
(ا)(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) أي ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه ما لم ينزل بجواز عبادته حجة وبرهانا من السماء فى كتاب من كتبه التي أنزلها إلى رسله، وما ليس لهم بجواز عبادته علم من ضرورة العقل، وإنما هو أمر تلقوه عن آبائهم وأسلافهم بغير حجة ولا برهان.
والخلاصة- ويعبدون من دون الله ما لم يقم دليل من الوحى ولا من العقل على صحة عبادته.
ونحو الآية قوله: «وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ» (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) أي وليس للظالمين من ينصرهم يوم القيامة فينقذهم من عذاب الله ويدفع عنهم عقابه إذا أراد ذلك.
(ب)(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ) أي وإذا تتلى على المشركين العابدين من دون الله ما لم ينزّل به سلطانا- آيات القرآن ذوات الحجج والبينات، بدت على وجوههم أمارات الإنكار بالتّجهّم والعبوس والبسور ونحو ذلك مما يذل على الغيظ والحفيظة الكامنة فى نفوسهم مما يسمعون منها.
ثم بين مقدار ذلك الغيظ ومبلغ أمره فقال:
(يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي هم من شدة حنقهم على من يتلونه من المؤمنين يكادون يثبون عليهم ويبطشون بهم ويبسطون أيديهم وألسنتهم بالسوء.
وقصارى ذلك- إنهم قد بلغوا من الجهالة حدا لا ينفع فيه العلاج، ولا تقنع فيه البينات والحجج.
ثم ذكر لهم أن هذا الغيظ الكمين فى نفوسهم ليس بشىء إذا قيس بما سيلاقونه من العذاب يوم القيامة فقال:
(قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ؟) أي قل لهم: أتسمعون فأخبركم بشر من ذلكم الذي فيكم من الغيظ من التالين للآيات حتى قاربتم أن تسطوا بهم وتمدّوا إليهم أيديكم وألسنتكم بالسوء؟
ثم أجاب عن هذا الاستفهام فقال:
(النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي النار وعذابها أشق وأعظم مما تخوّفون به أولياء الله المؤمنين فى الدنيا، ومما تنالون منهم إن نلتم بإرادتكم واختياركم.