الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتمهيد الأمور: تسويتها وإصلاحها، ومن كل شىء: أي ومن كل جنس من الحيوان، زوجين: أي ذكر وأنثى، ففروا إلى الله: أي اعتصموا بحبل الله وأقروا بوحدانيته، إنى لكم منه نذير مبين: أي إنى لكم من عقابه منذر ومخوّف.
المعنى الجملي
بعد أن أثبت الحشر وأقام الأدلة على أنه كائن لا محالة- أرشد إلى وحدانية الله وعظيم قدرته، فبين أنه خلق السماء بغير عمد، وبسط الأرض ودحاها، لتصلح لسكنى الإنسان والحيوان، وخلق من كل نوع من أنواع الحيوان زوجين ذكرا وأنثى، ليستمر بقاء الأنواع إلى أن يشاء الله فناء العالم، ثم أمرهم أن يعتصموا بحبل الله وأنذرهم شديد عقابه، وحذرهم أن يجعلوا مع الله ندّا وشريكا.
الإيضاح
(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) أي ولقد بنينا السماء ببديع قدرتنا، وعظيم سلطاننا، وإنا لقادرون على ذلك لا يمسنا نصب ولا لغوب.
وفى ذلك تعريض باليهود الذين قالوا: أن الله خلق السموات والأرض فى ستة أيام واستراح فى اليوم السابع مستلقيا على عرشه.
(وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) أي ومهدنا الأرض، وجعلناها صالحة لسكنى الإنسان والحيوان، وجعلنا فيها الأرزاق والأقوات، من الحيوان والنبات وغيرهما مما يكفل بقاءهما إلى حين، ووضعنا فيها من المعادن فى ظاهرها وباطنها ما فيه زينة لكم، فتبنون المساكن من حجارتها، وتتخذون الحلىّ من ذهبها وفضتها وأحجارها الكريمة، وتصنعون آلات الحرب والسفن والطائرات من حديدها ومعادنها الأخرى.
وفى الآية إشارة إلى أن دحو الأرض كان بعد خلق السماء، لأن بناء البيت يكون قبل الفرش، وهذا ما يثبته العلم الحديث الآن، وقد تقدم ذكر ذلك غير مرة.
ثم مدح سبحانه نفسه على ما صنع فقال:
(فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) أي فنعم ما فعلنا، وما أجمل ما خلقنا، مما فيه عظة لمن يتذكر ويتدبر.
(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي وإنا خلقنا لكل ما خلقنا من الخلق ثانيا له، مخالفا له فى مبناه والمراد منه، وكل منهما زوج للآخر، فخلقنا السعادة والشقاوة، والهدى والضلال، والليل والنهار، والسماء والأرض، والسواد والبياض- لتتذكروا وتعتبروا فتعلموا أن الله ربكم الذي ينبغى لكم أن تعبدوه وحده لا شريك له- هو الذي يقدر على خلق الشيء وخلافه، وابتداع زوجين من كل شىء لا ما لا يقدر على ذلك.
(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) أي فالجئوا إلى الله واعتمدوا عليه فى جميع أموركم، واتبعوا أوامره، واعملوا على طاعته، ثم علل الأمر بالفرار إليه بقوله:
(إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي إنى لكم نذير من الله أنذركم عقابه، وأخوّفكم عذابه الذي أحله بهؤلاء الأمم التي قص عليكم قصصها، وإنى مبيّن لكم ما يجب عليكم أن تحذروه.
ثم ذكر أعظم ما يجب أن يفر المرء منه، وهو الشرك فقال:
(وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ) أي ولا تجعلوا مع معبودكم الذي خلقكم معبودا آخر سواه، فإن العبادة لا تصلح لغيره.
ثم علل هذا النهى بقوله:
(إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي إنى لكم نذير ومخوف من عقابه على عبادتكم غيره.