الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مساقط النجوم، إنه لكتاب كريم لا يمسه إلا المطهرون، وأنه نزل من لدن حضرة القدس على يد جبريل عليه السلام، فكيف تتهاونون فى اتباع أوامره، والانتهاء عن نواهيه، وتجعلون شكركم على هذا تكذيبكم بنعم الله وجزيل فضله عليكم؟.
الإيضاح
(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) أي أقسم بمساقط النجوم ومغاربها، وإنما خص القسم بهذه الحال، لما فى غروبها من زوال أثرها، والدلالة على وجود مؤثر دائم، ومن ثم استدل إبراهيم عليه السلام بالأفول على وجود الإله جلت قدرته.
وقد أقسم سبحانه بكثير من مخلوقاته العظيمة، دلالة على عظم مبدعها، فأقسم بالشمس والقمر، والليل والنهار، ويوم القيامة، والتين والزيتون، كما أقسم بالأمكنة فأقسم بطور سينين ومكة المكرمة.
ويرى أبو مسلم الأصفهانى وشرذمة من المفسرين: أنّ لا ليست مزيدة والكلام على ظاهره المتبادر منه، والمعنى: لا أقسم بهذه: إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم ما، فضلا عن هذا القسم العظيم.
(وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) أي وإن هذا القسم عظيم لو تعلمون ذلك.
وفى هذا تفخيم للمقسم به، لما فيه من الدلالة على عظيم القدرة، وكمال الحكمة، وفرط الرحمة، ومن مقتضيات رحمته، ألا يترك عباده سدى.
ثم ذكر سبحانه المقسم عليه فقال:
(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) أي إن هذا القرآن جم المنافع، كثير الفوائد، فقد اشتمل على ما فيه صلاح البشر فى دنياهم وآخرتهم.
قال الأزهرى: الكريم اسم جامع لما يحمد، والقرآن كريم يحمد، لما فيه من الهدى والبينات، والعلم والحكمة، فالفقيه يستدل به ويأخذ منه، والحكيم يستمد منه
ويحتج به، والأديب يستفيد منه ويتقوى به، فكل عالم يطلب أصل علمه منه اه.
(فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) أي فى لوح محفوظ مصون عن غير المقرّبين من الملائكة الكرام.
(لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) أي لا يمس هذا اللوح إلا المنزهون عن دنس الأرجاس والحظوظ النفسية وقد يكون المراد: لا ينزل به إلا المطهرون وهم الملائكة الكرام، أو لا يمس هذا القرآن إلا المطهرون من الحدث الأصغر والحدث الأكبر، والمراد بذلك النهى: أي لا ينبغى أن يمس القرآن إلا من هو على طهارة.
أخرج ابن أبى شيبة فى المصنف وابن المنذر والحاكم عن عبد الرحمن بن زيد قال: كنا مع سلمان الفارسي فانطلق إلى حاجة فتوارى عنا ثم خرج إلينا، فقلنا لو توضأت فسألناك عن أشياء من القرآن، فقال: سلونى فإنى لست أمسه، إنما يمسه المطهرون، ثم تلا (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) .
وقد ذهب جمهور العلماء إلى منع المحدث عن مس المصحف، وبذلك قال على وابن مسعود وسعد بن أبى وقاص وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي.
وروى عن ابن عباس والشعبي فى جماعة منهم أبو حنيفة أنه يجوز للمحدث مسه، يراجع شرح المنتقى للشوكانى.
وقال الحسين بن الفضل: المراد أنه لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق.
(تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي وهو منزل نجوما من لدن رب العالمين، فليس بالسحر ولا الكهانة ولا الشعر، وهو الحق الذي لا مرية فيه، وليس وراءه شىء نافع.
وبعد أن بين مزاياه وأنه من لدن عليم خبير ذكر أنه لا ينبغى التهاون فى أوامره ونواهيه، بل ينبغى التمسك به فقال:
(أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) أي أفبهذا القرآن تتهاونون، وتمالثون من يتكلم منه، ولا تظهرون له المخالفة وعدم الرضا؟.
قال البقاعي: فهو على هذا إنكار على من سمع أحدا يتكلم فى القرآن بما لا يليق به، ثم لا يجاهره بالعداوة. وابن العربي الطائي صاحب كتاب الفصوص، وابن الفارض صاحب التائية أول من صوّبت إليهما هذه الآية، فإنهما تكلما فى القرآن على وجه يبطل الدين أصلا ورأسا ويحلّه عروة عروة، فهما من أضر الناس على هذا الدين، ومن يتأول لهما أو ينافح عنهما أو يعتذر لهما أو يحسن الظن بهما مخالفا إجماع الأمة- فهو أعجب حالا منهما، فإن مراده إبقاء كلامهما الذي لا أفسد للاسلام منه من غير أن يكون لإبقائه مصلحة ما بوجه من الوجوه اه بتصرف.
(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) أي وتجعلون الشكر على هذا أنكم تكذبون بمن منح هذا الرزق، فتنسبونه إلى الأنواء وتقولون مطرنا بنوء كذا، دون أن تقولوا أفاض الله علينا الرزق من لدنه، ومنحنا الفضل برحمته.
والخلاصة- إنكم تضعون الكذب مكان الشكر، وهذا على نحو ما جاء فى قوله تعالى:«وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً» أي لم يكونوا يصلون، لكنهم كانوا يصفرون ويصفّقون مكان الصلاة.
قال القرطبي: وفى هذا بيان لأن ما يصيب العباد من خير فلا ينبغى أن يروه من قبل الوسائط التي جرت العادة بأن تكون أسبابا، بل ينبغى أن يروه من قبل الله تعالى، ثم يقابلونه بالشكر إن كان نعمة، وبالصبر إن كان مكروها، تعبدا له وتذللا اه.