الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي طال العهد بينهم وبين أنبيائهم، فقست قلوبهم: أي صلبت وصارت كالحجارة أو أشد قسوة، فاسقون: أي خارجون عن حدود دينهم، رافضون لما جاء فيه من أوامر ونواه، والأرض الميتة: هى التي لا تنبت شيئا، والآيات: هى البينات والحجج، تعقلون: أي تتدبرون.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر فرق ما بين المؤمنين والمنافقين يوم القيامة، وأن الأولين لهم نور يهديهم إلى طريق الجنة، وأن الآخرين يطلبون منهم أن يأتوهم قبسا من نورهم يهديهم إلى سبيل النجاة، فيردونهم خائبين، ويقولون لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا- أردف هذا عتاب قوم من المؤمنين فترت هممهم عن القيام بما ندبوا له من الخشوع، ورقة القلوب بسماع المواعظ وسماع القرآن، ثم حذرهم أن يكونوا كأهل الكتاب الذين طال العهد بينهم وبين أنبيائهم فقست قلوبهم وأعرضوا عن أوامر الدين ونواهيه، ثم أبان لهم بضرب المثل أن القلوب القاسية تحيا بالذكر وتلاوة القرآن كما تحيا الأرض الميتة بالغيث والمطر.
روى عن ابن مسعود أنه قال: «لما قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأصابوا من لين العيش ما أصابوا بعد أن كانوا فى جهد جهيد، فكأنهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا فنزلت الآية» .
وعن ابن عباس أنه قال: «إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن فقال: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا» الآية.
الإيضاح
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) أي أما آن للمؤمنين أن ترق قلوبهم عند سماع القرآن والمواعظ، فتفهمه وتنقاد له، وتطيع أوامره، وتنتهى عن نواهيه؟.
وإذا كان المؤمنون قد أصابهم الوهن ولم يمض على الإسلام أكثر من ثلاث عشرة سنة كما قال ابن عباس، فما بالهم اليوم وقد مضى عليهم أكثر من ثلاثة عشر قرنا، فتعبير الآية عن حالهم الآن بالأولى، فالوهن الآن أضعاف مضاعفة عما كان فى تلك الحقبة، ومن ثم أفرط الفرنجة فى إذلالهم واستعبادهم، وصاروا غرباء فى ديارهم، والأمر والنهى فيها لسواهم:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم
…
ولا يستأذنون وهم شهود
ثم حذرهم أن يكونوا كأهل الكتاب قبلهم فقال:
(وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي لا يتشبهوا بالذين حمّلوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى حين طال الأمد بينهم وبين أنبيائهم، فقست قلوبهم ولم تقبل موعظة ولم يؤثر فيها وعد ولا وعيد، وبدلوا كتاب الله الذي بأيديهم، واشتروا به ثمنا قليلا، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المختلفة، والأقوال المؤتفكة، وقلدوا فى دين دون دليل ولا برهان، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، وكثير منهم خرج عن أوامر الدين فى الأعمال والأقوال كما قال:«فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ» .
أي فسدت قلوبهم فقست وصار سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه، فتركوا الأعمال التي أمروا بها، واجترحوا ما نهوا عنه.
والخلاصة- إن الله نهى المؤمنين أن يكونوا حين سماع القرآن غير متدبرين مواعظه كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم، لما طال العهد بينهم وبين أنبيائهم.
ثم ضرب المثل لتأثير المواعظ وتلاوة القرآن فى القلوب فقال:
(اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي إن الله تعالى يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدى النفوس الحيارى بعد ضلّتها،