الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين لا همّ لهم إلا جمع حطام الدنيا، والتمتع بزخرفها، وإن ربك هو العليم بحالهم، وما تخفى صدورهم، وسيحاسبهم على النقير والقطمير، ويجازيهم بما يقولون ويعتقدون جزاء وفاقا.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) أي إن هؤلاء الذين لا يؤمنون بالبعث وما بعده من أحوال الدار الآخرة على الوجه الذي بيّنته الرسل يضمون إلى كفرهم مقالة شنعاء وجهالة جهلاء وهى قولهم: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وإنما جعلها مقالة من لا يؤمن، للاشارة إلى أنها بلغت من الفظاعة حدا لا يمكن معه أن تصدر من موقن بالجزاء والحساب، فقد اشتملت على جريمتين أولاهما نسبة الولد إلى الله، ثانيتهما أن الولد أنثى تفضيلا لأنفسهم على بارئهم وموجدهم من العدم.
(وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) أي وليس لهم بذلك برهان، ولا أتى لهم به وحي حتى يقولوا ما قالوا.
ثم أكد نفى علمهم الحق بذلك فقال:
(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) أي إن معرفة الشيء معرفة حقيقية يجب أن تكون عن يقين لا عن ظن وتوهم، وأنتم لا تتبعون فيما تقولون فى هذه التسمية إلا الظن والتوهم، وليس هذا من سبيل العلم فى شىء،
وقد جاء فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث» .
ونحو الآية قوله تعالى: «وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً، أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ؟ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ» .
والخلاصة- إن مثل هذا الاعتقاد إما أن يكون عن دليل عقلى والعقل لا يركن إليه فى مثل هذا، وإما عن وحي ولم يصل إليهم شىء منه يخبرهم بما يقولون.
ثم أمر رسوله بالإعراض عنهم فقال:
(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) أي فأعرض عن مثل هؤلاء الذين أعرضوا عن كتابنا ولم يأخذوا بما فيه مما يوصل إلى سعادتهم فى المعاش والمعاد من المعتقدات الحقة وقصص الأولين المذكّرة بأمور الآخرة وما فيها من نعيم مقيم أو عذاب أليم، واقتصروا على شئون الدنيا ورضوا بزخرفها وجدّوا فى بلوغ أسمى المراتب فيها كما فعل النضر بن الحارث والوليد بن المغيرة وأضرابهما.
والخلاصة- لا تبالغ فى الحرص على هدى من تولى عن ذكرنا وانهمك فى أمور الدنيا، وجعلها منتهى همته، وأقصى أمنيته، وقصارى سعيه، فلا سبيل إلى إيمان مثله، فلا تبخع نفسك على مثله أسفا وحزنا كما قال:«لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» .
ثم أكد ما مضى من أن همتهم مقصورة على الحياة الدنيا بقوله:
(ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أي إن منتهى علمهم أن يتفهموا شئون الحياة الدنيا، ويتمتعوا باللذات، ويتصرفوا فى التجارات، ليحصلوا على ما يكون لهم فيها من بسطة فى المال، وسعة فى الرزق، ويكونوا ممن يشار إليهم بالبنان، وما به يذكرون لدى الناس، ولا يعنون بما وراء ذلك، فشئون الآخرة دبر أذنهم، ووراء ظهورهم، لا يعرفون منها قبيلا من دبير.
روى أحمد عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له»
وفى الدعاء المأثور «اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا» .