الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
انشقت: تصدعت، وردة: أي كالوردة فى الحمرة، والدهان: ما يدهن به: أي كانت مذابة كالدهان، والسيما: العلامة، والنواصي: واحدها ناصية وهى مقدم الرأس، والأقدام: واحدها قدم، وهى قدم الرجل المعروفة، والحميم: الماء الحارّ، وآن: أي متناه فى الحرارة لا يستطاع شر به من شدة حرارته.
المعنى الجملي
بعد أن عدد عزت قدرته نعماءه على عباده، وما يجب من شكرهم عليها، ثم أرشدهم إلى أن هذه النعم لا بقاء لها ولا ثبات، ثم ذكر أن الناس محاسبون على الصغير والكبير من أعمالهم، وسيلقون الجزاء عليها، ولا مهرب حينئذ منها، ولا نصير لهم ينقذهم مما سيحل بهم من العذاب- ذكر هنا أنه إذا جاء ذلك اليوم اختل نظام العالم، فتتصدع السموات، ويحمر لونها، وتصير مذابة غير متماسكة، كالزيت ونحوه مما يدّهن به، ويكون للمجرمين حينئذ علامات يمتازون بها عن سواهم، فيتعرفهم الرائي لهم دون حاجة إلى سؤال نكالا وخزيا لهم، ثم يجرّون إلى جهنم من نواصيهم وأرجلهم، ويقال لهم توبيخا وتقريعا: هذه جهنم التي كنتم تكذبون بها، وينتقل بهم من جهنم إلى ماء حار كالمهل يشوى الوجوه ومن عذاب إلى ما هو أشد منه.
الإيضاح
(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) أي فإذا جاء يوم القيامة تصدعت السموات واختلت نظمها، وتبعثرت أجرامها وكواكبها عن مداراتها، واحمر لونها وأذيبت حتى صارت كأنها الزيت ونحوه مما يدّهن به.
ونحو الآية قوله: «إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ. وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ» .
وقوله: «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ» وقوله: «وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ» .
والخلاصة- إنها تذوب كما يذوب دردئ الزيت والفضة حين السبك، وتتلوّن كما تتلون الأصباغ التي يدّهن بها، فتارة تكون حمراء وأخرى صفراء وثالثة زرقاء.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن الإخبار بنحو ما ذكر مما يزجر عن الشر، فهو لطف أىّ لطف، ونعمة أيّما نعمة.
(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) لأنهم يعرفون بسيماهم حينما يخرجون من القبور ويحشرون إلى الموقف.
ونحو الآية قوله تعالى: «هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» ثم يسألون بعدئذ كما يدل على ذلك قوله: «فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ» .
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟) أي فبأى هذه النعم تكذبان، فإن تخويف المجرم نعمة عليه، حتى يرتدع عن ذنبه، ويثوب إلى رشده، ويتوب إلى ربه.
ثم ذكر السبب فى عدم سؤال الإنس والجان عن ذنوبهم فقال:
(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) أي يعرف المجرمون حينئذ بعلامات يمتازون بها عن سواهم، فلا حاجة حينئذ إلى السؤال والجواب، لأن السيما ميزت كل مجرم بنوع جرمه.
ولقد اهتدى الإنسان بعقله إلى فوائد هذه العلامات فى الدنيا، فأنشأت الحكومات إدارات خاصة لعلامات المشتبه فى سلوكهم ومعتادى الأجرام، فتأخذ إبهاماتهم وتحفظها فى أضابير خصّيصى بهم، ولكل امرئ خطوط فى إبهامه لا تشابه خطوط غيره فيه ولا يحصل فيها التباس، فمتى أحدث أحدهم حدثا وجاء بجرم روجع ملفّه الخاص،
واستخرجت صورة إبهامه من ملفه، وطبقت على الصورة الخارجية ولاقى فى المحاكم ما يستحقه من عقاب.
والخلاصة- إن لكل امرئ أحوالا تخصه فى جسمه وعقله وأخلاقه، يعرف الناس منها الآن قليلا، وبقية علمها عند الله يعلمها ملائكته يوم القيامة فيعرفون المجرمين بها.
ثم تسحبهم الملائكة تارة بأخذ النواصي، وأخرى بأخذ الأقدام، روى عن الضحاك «أن الملك يجمع بين ناصية أحدهم وقدميه فى سلسلة من وراء ظهره، ثم يكسر ظهره ويلقيه فى النار، وقيل: تأخذ الملائكة عليهم السلام بعضهم سحبا بالناصية، وبعضهم سحبا بالقدم، ولا نجزم بشىء من ذلك إلا بالنص القاطع.
وهذا الوضع معهم سبيل من سبل الإهانة والإذلال والنكال.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) يقال هنا مثل ما سلف حذو القذّة بالقذّة.
(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ. يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) أي ويقال لهم على سبيل التأنيب والتوبيخ: هذه جهنم التي كنتم تكذبون بها فى الدنيا، فهأنتم الآن قد شاهدتموها ورأيتموها رأى العين، فذوقوا عذابها واشربوا من الحميم الذي يقطّع الأمعاء والأحشاء فأنتم بين الجحيم والحميم.
والخلاصة- إنهم إذا استغاثوا من النار جعل عذابهم الحميم الآنى الذي صار كالمهل (دردىء الزيت: أي عكره) .
ونحو الآية قوله: «إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ. فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ» .
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) يقال هنا مثل ما قيل فيما سلف.