الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا فلماذا لا ترجعون الروح لميتكم وهو يعالج سكرات الموت، فإن كنتم صادقين فارجعوها، الحق أنكم لا تعقلون الدليل والبرهان، بل لا تفهمون إلا المحسوسات، فلمّا لم تروا الفاعل كذبتم به، وهذا من شيمة الجهال، إذ للعلم وسائل عديدة، فليس عدم رؤية الشيء دليلا على عدم وجوده.
ثم بين حال المتوفى، ومن أىّ الأزواج الثلاثة هو، فإن كان من السابقين فله روح واطمئنان نفس، علما منه بما سيلقاه من الجزاء، ورزق طيب فى جنات النعيم فيرى فيها ما تلذ الأنفس، وتقرّ به الأعين، وإن كان من أصحاب اليمين فتسلم عليه الملائكة، وتعطيه أمانا من ربه، وإن كان من أصحاب الشمال فضيافته ماء حميم وعذاب فى النار أبدا.
ثم بين لرسوله صلى الله عليه وسلم أن الخبر الذي أخبر به هو الحق اليقين، وعليه أن ينزّه ربه العظيم عن كل ما لا يليق به.
الإيضاح
(فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ. وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) أي فهلا إذا بلغت النفوس عند خروجها من أجساد موتاكم حلا قيمهم وأنتم ومن حضركم من أهليكم تنظرون إليهم، ورسلنا الذين يقبضون أرواحهم أقرب إليهم منكم ولكن لا تبصرون- وجواب لولا هو ما سيأتى بعد وهو (ترجعونها) .
وخلاصة المعنى- إذا لم يكن لكم خالق وأنتم الخالقون، فهلا ترجعون النفوس إلى أجسادها حين خروجها من حلاقيمها؟
ثم كرر الحث والتحضيض مرة أخرى فقال:
(فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ. تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي فهلا ترجعون النفس التي قد بلغت الحلقوم إلى مكانها الأول، ومقرها من الجسد، إن كنتم غير مصدقين أنكم تبعثون وتحاسبون وتجزون.
وبعد أن ذكر حال المحتضرين فى الدنيا أردفها ذكر حالهم بعد الوفاة وقسمهم أزواجا ثلاثة فقال:
(1)
(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) أي فإن كان المتوفّى من الذين قرّبهم ربهم من جواره فى جناته، لفعله ما أمر به، وتركه ما نهى عنه، فراحة واطمئنان لنفسه، ورزق واسع من عنده، وتبشره الملائكة بجنات النعيم،
وقد جاء فى حديث البراء بن عازب: «إن ملائكة الرحمة تقول: أيتها الروح الطيبة فى الجسد الطيب، كنت تعمرينه، فاخرجى إلى روح وريحان، ورب غير غضبان» .
(2)
(وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ. فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) أي وإن كان المتوفّى من أصحاب اليمين فتبشره الملائكة وتقول له: سلام لك من إخوانك أصحاب اليمين.
(3)
(وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ. فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) أي وإن كان المتوفى من المكذبين بالحق، الضالين عن الهدى، فيقدم ضيافة له ماء حميم يصهر به ما فى بطنه والجلود، ويدخل فى النار التي تغمره من جميع جهاته.
(إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) أي إن هذا الذي ذكر فى هذه السورة من أمر البعث الذي كذبوا به، ومن قيام الأدلة عليه، ومن حال المقربين وأصحاب اليمين، وحال المكذبين الضالين- لهو حق الخبر اليقين الذي لا شك فيه، لتظاهر الأدلة القاطعة عليه، كأنه مشاهد رأى العين.
(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) أي فبعد أن استبان لك الحق، وظهر لك اليقين، فنزه ربك عما لا يليق به، مما ينسبه الكفار إليه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.