الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأُولاهُمْ»
أي وقال وضعاؤهم لأشرافهم ورؤسائهم، وقد جاء لفظ (الأخرى) بهذا المعنى بين المصريين فيقول: هو الآخر وهى الأخرى، يريدون الضعة وتأخر القدر والشرف، ضيزى: من ضزته حقه (بالضم والكسر) أي نقصته، والمراد أنها قسمة جائرة غير عادلة، قال امرؤ القيس:
ضازت بنو أسد بحكمهم
…
إذ يجعلون الرأس كالذنب
المعنى الجملي
بعد أن بين ما رآه محمد صلى الله عليه وسلم من العجائب ليلة المعراج- قال للمشركين ماذا رأيتم فى هذه الأصنام؟ وكيف تحصرون أنفسكم فى العالم المادي وأصنامه، وتقطعون على أنفسكم طريق التقدم والارتقاء، وإن النفس لا ترقى إلا بما استعدت له، فإذا وقفت النفوس عند هذه المادة وتلك الأصنام لم يكن لها عروج إلى السماء، ولا سيما أن هذه الأصنام لا تشفع لهم عند ربهم ولا تجديهم نفعا.
الإيضاح
(أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى؟) أي أفبعد أن سمعتم ما سمعتم من آثار كمال الله عز وجل وعظمته فى ملكه وملكوته، وجلاله وجبروته، وأحكام قدرته ونفاذ أمره، وأن الملائكة على رفعة مقامهم وعلوّ قدرهم ينتهون إلى السدرة ويقفون عندها- تجعلون هذه الأصنام على حقارة شأنها شركاء لله مع ما علمتم من عظمته.
وفى هذا تقريع شديد، وتوبيخ عظيم، وتأنيب لا إلى غاية، وإن عاقلا لا ينبغى أن يخطر بباله مثل هذا، ويمتهن رأيه إلى هذا الحد.
روى أن أبا سفيان قال يوم أحد: لنا العزّى ولا عزّى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم.
وبعد أن أنّبهم على سخف عقولهم، وسفاهة أحلامهم، بعبادتهم الأصنام التي كانوا يزعمون أنها هياكل للملائكة، والملائكة بنات الله- وبخهم على نسبة البنات إليه سبحانه وهم لا يرضونها لأنفسهم فقال:
(أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى؟) أي أتجعلون له ولدا وتجعلون هذا الولد أنثى؟ وتختارون لأنفسكم الذكران، على علم منكم أن البنات ناقصات والبنين كاملون، والله كامل العظمة، فكيف تنسبون إليه الناقص، وأنتم على نقصكم تنسبون إلى أنفسكم الكامل.
(تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) أي تلك قسمة جائرة غير مستوية، ناقصة غير تامة، لأنكم جعلتم لربكم ما تكرهونه لأنفسكم، وآثرتم أنفسكم بما ترضون لها.
ثم أنكر عليهم ما ابتدعوه من الكذب والافتراء فى عبادة الأصنام وتسميتها آلهة فقال:
(إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي إن هذه الأصنام التي تسمونها آلهة- هى أسماء فحسب وليس لها مسميات هى آلهة البتة، كما تزعمون وتعتقدون أنها تستحق أن يعكف على عبادتها وتقديم القرابين إليها، وليس لكم من حجة ولا برهان تؤيدون به ما تقولون، وإنما قلّد فيها الآخر الأول، وتبع فى ذلك الأبناء الآباء.
ولا يخفى ما فى ذلك من التحقير، كما تقول: ما هو إلا اسم إذا لم يكن مشتملا على صفة معتبرة لها شأن وقدر.
ونحو الآية قوله تعالى «ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً» الآية.
ثم أكد ما سلف بقوله:
(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) أي ليس لهم مستند إلا حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم، وإلا حظوظ نفوسهم فى رياستهم وتعظيم آبائهم الأقدمين.
والخلاصة- إنكم تعبدون هذه الأصنام توهما منكم أن ما عليه آباؤكم حق، وإشباعا لشهوات أنفسكم.
ثم بين أنه ما كان ينبغى لهم ذلك، لأنه قد جاءهم ما ينبههم إلى سوء رأيهم وعظيم غفلتهم فقال:
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) أي هم يتبعون ما كان عليه أسلافهم وينقادون إلى آرائهم، وقد أرسل الله إليهم الرسول بالحق المنير، والحجة الواضحة، وقد كان ينبغى أن يكون لهم فى ذلك مزدجر، لكنهم أعرضوا عنه وتولوا «كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ» .
وبعد أن بين أن جعلهم الأصنام شركاء لله لا يستند إلى دليل، بل لا يستند إلا إلى التشهي والهوى واتباع الظن- ذكر أنها مع هذا لا تجديهم نفعا، فهى لا تشفع لهم عند الله، ولا يظفرون منها بجدوى فقال:
(أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى؟ فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) أي بل ألهم ما يتمنونه من شفاعة الآلهة يوم القيامة كلا إن هذا لن يكون، ولن يجديكم ذلك فتيلا ولا قطميرا، فإن كل ما فى الدنيا والآخرة فهو ملك له تعالى، ولا دخل لهذه الأصنام فى شىء منه.
وهذا تيئيس لهم من أن ينالوا خيرا من عبادتها والتقرب إليها، ولا تكون وسيلة لهم عند ربهم.
ثم حرمهم فائدة عبادتها من وجه آخر فقال:
(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) أي وكثير من الملائكة لا تفيد شفاعتهم شيئا إلا إذا أذن بها ربهم لمن يشاء ويرضى عنهم ممن أخلصوا له فى القول والعمل، وإذا كان هذا حال الملائكة وهم عالم روحى لهم القرب من ربهم والزلفى لديه، فما بالكم بأصنام أرضية ميتة لا روح فيها ولا حياة، فهى بعيدة كل البعد عن الذات الأقدس.