الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيئا من الضوء يستنيرون به ليهديهم سواء السبيل، فيتهكم بهم المؤمنون ويخيّبون آمالهم ويقولون لهم: ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا نورا بتحصيل العلوم والمعارف، فلا نور إلا منها ثم أرشد إلى أنه يضرب بين الفريقين حاجز باطنه مما يلى المؤمنين فيه الرحمة، ومما يلى المنافقين فيه العذاب، لأنه فى النار، ثم ذكر السبب فيما صاروا إليه، وهو أنهم أهلكوا أنفسهم بالنفاق والمعاصي، وانتظروا أن تدور على المؤمنين الدوائر، فينطفئ نور الإيمان، وشكّوا فى أمر البعث وغرهم الشيطان فأوقعهم فى مهاوى الردى، ثم أعقبه ببيان أنه لا أمل فى النجاة لهم إذ ذاك، فلا تجدى الفدية كما كانت تنفع فى الدنيا، فلا مأوى لهم إلا النار وبئس القرار.
الإيضاح
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) أي لهم الأجر الكريم حين ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى بين أيديهم ما يكون السبب فى نجاتهم وهدايتهم إلى سبيل الجنة من العلوم التي كملوا بها أنفسهم فى الدنيا كالاعتقاد بالتوحيد وخلع الأنداد والأوثان، والأعمال الصالحة التي زكوا بها أنفسهم، وبها أخبتوا لربهم وأنابوا إليه مخلصين له الدين، وبأيمانهم تكون كتبهم كما جاء فى آية أخرى:«فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً» .
(بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) أي وتقول لهم الملائكة: أبشروا بجنات تجرى من تحتها الأنهار جزاء وفاقا لما قدمتم من صالح الأعمال، وجاهدتم به أنفسكم فى ترك الشرك والآثام، وكنتم تذكرون الله بالليل والناس نيام، فطوبى لكم وهنيئا بما عملتم.
ونحو الآية قوله: «وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ» .
(ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي ذلك الخلود فى الجنات التي سمعتم أوصافها هو النجح العظيم الذي كنتم تطلبونه بعد النجاة من عقاب الله.
وبعد أن ذكر حال المؤمنين فى موقف القيامة أتبعه ببيان حال المنافقين فقال:
(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) أي فى هذا اليوم يقول المنافقون والمنافقات: أيها الذين نجوتم بإيمانكم بربكم وفزتم برضوانه حتى دخلتم فسيح جناته، انتظروا نلحق بكم ونقتبس من نوركم حتى نخرج من ذلك الظلام الدامس، والعذاب الأليم الذي نحن مقبلون عليه، فيجابون بما يخيّب آمالهم ويلحق بهم الحسرة والندامة كما قال:
(قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) أي ارجعوا من حيث أتيتم، واطلبوا لأنفسكم هناك نورا، فإنه لا سبيل إلى الاقتباس من نورنا الذي كان بما قدمنا لأنفسنا وادّخرنا لها من عمل صالح، فأيهات أيهات أن تنالوا نورا، إذ لا ينفع المرء حينئذ إلا عمله، ولله در القائل:
صاح هل ريت أو سمعت براع
…
ردّ فى الضّرع ما قرى فى الحلاب
ولا يخفى ما فى هذا من التهكم بهم، والاستهزاء بطلبهم، كما استهزءوا بالمؤمنين فى الدنيا حين قالوا آمنا، وما هم بمؤمنين، وذلك ما عناه سبحانه بقوله:«اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ» أي حين يقال لهم: «ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً» .
ثم ذكر ما يكون بعد هذه المقالة فقال:
(فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) أي فضرب بين الفريقين حاجز جانبه الذي يلى مكان المؤمنين وهو الجنة فيه الرحمة، وجانبه الذي يلى المنافقين وهو النار فيه العذاب.
ثم أرشد إلى ما يكون من المنافقين حينئذ فقال:
(يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ؟ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) أي ينادى المنافقون المؤمنين: