الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخصب بلاد الله مستبحرة العمران، مكتظة بالسكان، وكانت خليتها تعسل حينا بعد حين، وتقطع بعوثا اثر بعوث، وتتدفق سيول من الجيوش والمقاتلة، وتأتيهم الميرة من كل مكان لا تكاد تنتهي، وكان العرب الغرباء كنقطة مغمورة في بحار من الاعداء، نازحين عن بلادهم، منقطعين عن مركزهم، ولا يصلهم المدد الا بشق الأنفس وبعد شهور، ولا يجدون من الميرة الا ما يتغلبون عليه وينتزعون من أيدي أعدائهم انتزاعا فلو تطوعت جزيرة العرب كلها لقتال الروم والفرس، ونفر جميع أهاليها للجهاد في سبيل الله على أن ذلك من المستحيل - لما وقعوا من العالم النصراني والمجوسي - وهما أكثر من نصف الأرض المعمورة - بمكان، فكيف والذين تطوعوا للجهاد ما كانوا نصف عشر عمران الجزيرة؟!.
مسألة العتاد والسلاح
…
أما العُدد والعتاد، فكان العرب أفقر فيها، وأقل منهم في العدد، فلم تكن هناك جنود مرتزقة، ولا جيوش منظمة تعبئها الحكومة وتسلحها من عندها، ثم تبعثها كاملة السلاح تامة الجهاز، إنما كان متطوعون، يجهزون أنفسهم وينفرون شوقا الى الجهاد في سبيل الله ورجاء ثوابه، ومنهم من لا يجد راحلة ويلتمس عند غيره فلا يجد، فيقعد متلهفا على ما يفوته من سعادة الجهاد في سبيل الله، وقد أنزل الله فيهم:{ولا على الذين اذا ما أتوك لتحملهم قلت: لا أجد ما أحملكم عليه، تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون} [التوبة: 92].
وكان المسلمون تزدريهم أعين الروم والفرس لما خرجوا لقتالهم. وكانوا يسخرون من سلاحهم ونبالهم وثيابهم ويضحكون. قال أبو وائل - أحد الذين شهدوا القادسية -:
كان الفرس يقولون للمسلمين: "لا يد لكم ولا قوة ولا سلاح، ما جاء بكم؟ ارجعوا. قال: قلنا: ما نحن براجعين، فكانوا يضحكون من نبلنا، ويقولون: دوك دوك، ويشبهونها بالمغازل (1) ".
قال ابن كثير: "وكان سعد قد بعث طائفة من أصحابه الى كسرى يدعونه الى الله قبل الوقعة، فاستأذنوا على كسرى فأذن لهم، وخرج أهل البلد ينظرون الى أشكالهم، وأرديتهم على عواتقهم، وسياطهم بأيديهم، والنعال في أرجلهم، وخيولهم الضعيفة، وخبطها الأرض بأرجلها، وجعلوا يتعجبون منها غاية العجب، كيف مثل هؤلاء يقهرون جيوشهم مع كثرة عددها وعُددها (2) ".
ويقول "ماكس مايرهوف" في تأليفه "العالم الاسلامي":
"يكاد يكون مستحيلا أن نفهم كيف أن أعرابا منتمين الى عشائر، ليست عندهم العدد والاعتدة اللازمة، يهزمون في مثل هذا الوقت
(1) البداية والنهاية (ج 7 ص 40).
…
...
(2)
أيضا (ج 7 ص 41).