المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌منبع القوة الحقيقي عند العرب المسلمين - إلى الإسلام من جديد

[أبو الحسن الندوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌إلى ممثلي البلاد الإسلامية

- ‌مَعْقِل الإنسانية

- ‌المد والجزر في تاريخ الاسلام

- ‌حال العرب قبل الاسلام

- ‌آراء رجال ذلك العصر في العرب

- ‌تغير حال العرب بالاسلام

- ‌اللغز الذي أدهش المؤرخين

- ‌قول المؤرخ جبون:

- ‌قول المؤرخ ستودارد

- ‌قول المؤرخ فيشر

- ‌ويقول مؤلف شيوعي:

- ‌نظرة تحليلية في هذا اللغز

- ‌مسألة العدد

- ‌مسألة العتاد والسلاح

- ‌مسألة تفوق العرب في النظام الحربي

- ‌منبع القوة الحقيقي عند العرب المسلمين

- ‌تفطن عقلاء الناس لسر قوة العرب

- ‌قول هرقل في هذا الأمر

- ‌قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

- ‌قول علي رضي الله عنه

- ‌قول سعد وسلمان رضي الله عنهما

- ‌قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه

- ‌قول أبي عبيدة رضي الله عنه

- ‌قول خالد رضي الله عنه

- ‌ربعي بن عامر في مجلس يزدجرد

- ‌المغيرة بن شعبة يجلس على سرير رستم

- ‌أخلاق الصحابة وسيرتهم التي انتصروا بها

- ‌ما جرى للمسلمين حين نسوا دينهم

- ‌حال المسلمين في القرون الأخيرة:

- ‌إبتلاء المسلمين بالشك والذل النفسي

- ‌ابتلاء المسلمين بعبادة المادة وحب الدنيا

- ‌أسوأ جيل عرفه تاريخ الإسلام

- ‌خاتمة

- ‌بين الصُورة والحقيقة

- ‌ثورة في التفكير

- ‌بين الجباية والهداية

- ‌دعوتان مُتنافستان

- ‌مصرع الجاهلية

- ‌أزمة إيمان وأخلاق

- ‌ردة ولا أبا بكر لها

الفصل: ‌منبع القوة الحقيقي عند العرب المسلمين

أما ما قيل عن النظام فلا ننكر حسن نظام العرب في حروبهم وغزواتهم، وروح التعاون والتفادي، الساري في جنودهم والطاعة والانقياد لأمراء الجيوش وقوادها، والتفاني والاستماتة في سبيل الله، ولكن يعلم الخبير أن النظام ليس شيئا صناعيا ميكانيكيا، يحصل بمجرد تنظيمات عسكرية، وفنون حربية وقواعد رياضية، ولو صففت الحجارة تصفيفا بديعا، أو أقيمت العمد والسواري على نظام فني رياضي كامل لم تنفع شيئا، وقد قرأت في التاريخ أن الروم والفرس قد كانوا في بعض المواقف الجليلة يسلسلون أنفسهم، ويحفرون لهم في الأرض لئلا يندحروا أو ينسحبوا من ميدان القتال، ثم لا يغني عنهم هذا شيئا، فليس الشأن كله في النظام في الحرب، إنما الشأن الكبير والتأثير البليغ للروح والمبدأ والغاية التي يقاتل لأجلها الجنود، وتمكنها من النفوس، وهي منبع القوة الخارقة للعادة، ومبعث الشجاعة التي تبهر العقول وسبب الفتوح العظيمة التي يندهش لها المؤرخون والفلاسفة.

‌منبع القوة الحقيقي عند العرب المسلمين

وعن هذا المنبع نبحث في نفوس العرب الأولين الذين خرجوا لفتح العالم، وفتحوا نصف الأرض في نصف قرن،

ص: 54

منبع هذه القوة وسبب هذا الانقلاب العظيم الذي لا يوجد له مثيل في التاريخ، أن العرب أصبحوا بفضل تعليم محمد صلى الله عليه وسلم أصحاب دين ورسالة، فبُعثوا بعثا جديدا، وخُلقوا من جديد وانقلبوا في داخل أنفسهم فانقلبت لهم الدنيا غير ما كانت، وانقلبوا غير ما كانوا، نظروا الى العالم حولهم - وطالما رأوه في جاهليتهم بدهشة واستغراب - فاذا الفساد ضارب أطنابه، وإذا الظلم مادّ رُواقه، وإذا الظلام مخيم على العالم كله، وكل شيء في غير محله، فمقتوه وأبغضوه، ونظروا الى الأمم وطوائف البشر حول جزيرتهم - وطالما رأوها بتعظيم واجلال، وغبطة واكبار - فاذا أنعام ودواب في صورة البشر {يأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} [محمد: 12]، وإذا صور ودمى قد كسيت ملابس الانسان، فاستهانوا بهم، وبما هم فيه من ترف ونعيم، وزخارف وزينة، وقرأوا قول الله تعالى:{زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه} [طه: 131]- {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا، وتزهق أنفسهم وهم كافرون} [التوبة: 55].

وعلموا أن الله قد ابتعثهم ليخرجوا الناس من الظلمات الى النور، ومن عبادة العباد الى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا الى سَعتها ومن جور الأديان الى عدل الإسلام، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم، وأرضا لم يطأوها، واستخلفهم في الأرض ومكنهم فيها، وقرأوا قول الله تعالى:{ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عباديَ الصالحون} [الأنبياء: 105] وقوله: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني

ص: 55