الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تغير حال العرب بالاسلام
ولكن سرعان ما تغيرت الاحوال، وانقلبت الحقائق، وبطلت التجارب السابقة، وتاه العقل، اذ خرج هؤلاء الاعراب من صحرائهم، يفتحون، ويقهرون، ويغلبون، ويخضعون. تدفق هذا السيل من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم عاصمة العرب الاسلامية، لاحدى عشرة سنة للهجرة النبوية، واثنين وثلاثين وست مائة لميلاد المسيح، فغلب كل شيء اعترضه في الطريق، وطما (1) على السهل والجبل، ولم تكن جيوش فارس والروم ومصر وغيرها المعدودة بمئات الألوف، الشاكة السلاح (2)، الشديدة البطش، التي كانت الأرض تزلزل بها زلزالا، لم تكن هذه الجنود المجندة الا حشائش في هذا التيار الجارف، فلم تعق سيره، ولم تغير مجراه، حتى فاض في مروج الشام، وفلسطين، وسهول العراق وفارس، وربوع مصر والمغرب الأقصى، وأودية هملايا، سال هذا السيل القوي بالمدنيات العتيقة، والحكومات المنظمة القوية، والأمم العريقة في المجد والسلطان فأصبحت خبرا بعد عين {فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق} [سبأ: 19].
خرج العرب من جزيرتهم فاحتكوا بالفرس والروم، وكان العرب يكرهون وجوههم (3) ويرهبون سطوتهم في ديارهم، ولكن هانوا عليهم
(1) علا وغطى.
(2)
الشاكة السلاح: التامة السلاح أو الحادة السلاح.
(3)
قال الطبري: عندما أراد عمر فتح فارس تخوفوا من الفرس وعجبوا كيف يستطيعون أن يحاربوهم؟ وكان وجه فارس من أكره الوجوه اليهم، وأثقلها عليهم، لشدة سلطانهم وشوكتهم، وعزهم وقهرهم الأمم. (تاريخ الطبري ج 4 ص 61).
في هذه المرة، فغزوهم في عقر دارهم، ونزلوا لساحتهم، فما لبثوا أن مزقوا جموعهم شر ممزق، وثلوا عروشهم (1) ووطأوا تيجان ملوكهم، وفتحوا كنوزهم، واقتسموا أموالهم وتراث ملوكهم، وسبوا ذراريهم، ومزقوا رداء فخرهم وعظمتهم، فلم يرقع أبدا، وكسروا شوكتهم، فلم تعد أبدا، وهلك كسرى فلا كسرى بعده، وهلك قيصر فلا قيصر بعده.
{وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها} [الأعراف: 137].
خرج هؤلاء العرب من جزيرتهم في ثياب صفيقة (2) مرقعة، ونعال وضيعة مخصوفة (3)، يتقلدون سيوفا بالية الأجفان (4)، رثة المحامل، على خيل بعضها عارية الظهور، متقطعة الغرز (5)، قد بلغ بهم البعد عن المدنية الى حد أنهم كانوا يحسبون الكافور ملحا، وربما استعمله بعضهم في العجين (6).
(1) ثلوا عروشهم: هدموها.
(2)
صفيقة: كثيقة النسيج.
(3)
خصف النعل: خرزها وضم بعضها الى بعض.
(4)
الجفن: غمد السيف أي بيته.
(5)
الغرز: ركاب من جلد يضع الرجل رجله فيه ثم يمتطي دابته.
(6)
قال ابن كثير: كان المسلمون يجيئون بعض تلك الدور، فيجدون البيت ملآنا الى أعلاه من أواني الذهب والفضة، ويجدون من الكافور شيئا كثيرا، فيحسبونه ملحا، وربما استعمله بعضهم في العجين، فوجدوه مرا حتى تبينوا أمره (البداية والنهاية ج 7 ص 67).