الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: 49 [في قبول رواية الفساق المتأولين]
من علوم الحديث "الكلام في قبول أهل التأويل" من كفاره وفساقه وغيرهم وردهم "الظاهر من مذهب أئمة الزيدية قبول المتأولين على خلاف يسير وقع في ذلك" ولفظه في الروض الباسم الظاهر من مذهب الزيدية قبول أهل التأويل مطلقا كفارهم وفساقهم وادعوا على ذلك إجماع الصحابة وذلك في كتب الزيدية طاهر لا يدفع ومكشوف لا يتقنع.
"قال الأمير علي بن الحسين في كتاب اللمع حكاية عن المؤيد بالله في كفار أهل التأويل ما لفظه فعلى هذا شهادتهم جائزة عند أصحابنا انتهى وهذا اللفظ" يعني لفظ أصحابنا "يقتضي العموم" لأنه من صيغ العموم "ذكره غير واحد من أهل العلم" أي من أن النكرة إذا أضيفت اقتضت العموم.
"وقد خالف في ذلك" أي في قبول كفارة التأويل "السيد الإمام أبو طالب وروى الخلاف فيه عن الناصر رضى الله عنه على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى وقد ذكرت هذه المسألة في كتاب العواصم" في الجزء الأول منه "واستوفيت الأدلة وما يرد عليها".
وعقد أيضا فصلا لقبول فساق التأويل وذكر خمسا وثلاثين حجة على قبولهم منها آيات قرآنية نحو قوله: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] الآية وأطلق أهل الذكر فدل على قبول خبر من كان من أهله ولو كان فاسق تأويل وهي الحجة الخامسة عشرة فيما عده والسادسة عشرة قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] وقوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} [البقرة: 38] وهذا عام لكل ما جاء عن الله سواء كان في القرآن أو على لسان رسوله وحديث المتأولين مما جاء عن الله وعن رسوله الحجة السابعة عشرة قوله: {وَقَالُوا لَوْ
كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] ذمهم الله تعالى بعدم الإستماع وهو مطلق في كل ما جاء عن الله من معلوم ومظنون فخرج المجمع على رده وبقي المختلف فيه إلا ما خصه دليل ثم ساق في العواصم من الآيات الدالة بعمومها على قبول أخبار المتأولين ومن الأحاديث مافيه مقنع للناظر وسكون القلب لقبول أخبارهم للمناظر فلا نطيل فقد أطال وأطاب وخرج من الإيجاز إلى الإطناب ووشحه بفوائد لا توجد إلا فيه ولم تخرج إلا من فيه جزاه الله خيرا.
"ونقلت: ألفاظ أهل المذهب بنصها من كتب كثيرة" قال في العواصم إن السيد يريد شيخه علي بن محمد بن أبي القاسم الذي جعل العواصم جوابا على رسالته لم يذكر عن أحد من العشرة أنه يقبل خبر المتأولين إلا عن المؤيد بالله كأنه لا يعرف هذا القول منسوبا إلى غيره وما هذا علم المتصف ثم ذكر ما أشار إليه قريبا عن اللمع الذي لا يزال السيد بالتدريس فيه مشتغلا وفيه ما لفظه والأظهر عند أصحابنا أن شهادته جائزة ثم نقل كلام القاضي حسن النحوى والفقيه على الوشلي وغيرهما مما يلاقي ما نقله عن اللمع وأطال في ذلك.
"وأنا أشير هنا إلى نكت كافية إن شاء الله تعالى فأقول المتأولون أقسام":
"الأول: من لا يكفر ولا يفسق ببدعته". أي المتأول الذي لا يكفر ولا يفسق ببدعته "كالمعتزلة عند الزيدية" لأنهم عندهم مبتدعون متأولون.
"قال القاضي شرف الدين حسن بن محمد النحوي رحمه الله في تذكرته" في فقه الزيدية "إن المخالف في الإرجاء" أي القائل به وهو القائل بأنها لا تضر مع الإيمان معصية "كذلك لا يكفر ولا يفسق وكذلك القاضي فخر الدين عبد الله ابن حسن الداوري ذكر أنه لا يكفر ولا يفسق وكذلك الحاكم" المحسن اب كرامة الجشمي "في شرح العيون وذكر الفقيه حميد" المعروف بالشهيد "في عمدة المسترشدين معنى ذلك وذكر الحاكم في شرح العيون والفقيه حميد في العمدة والقاضي" عبد الله الدواري "في تعليق الخلاصة أن المرجئة صنفان عدلية وغير عدلية وقال الحاكم في الشرح في فصل عقده فيما أجمع عليه أهل التوحيد والعدل إن اسم الاعتزال صار في العرف لمن يقول بنفي التشبيه والجبر وافق في الوعيد أو خالف وافق مسائل الأمامة أو خالف وكذا في فروع الكلام ولذا تجد الخلاف بين الشيخين" أبي علي وأبي هاشم "والبصرية والبغدادية" من المعتزلة "يؤيد الخلاف بينهم وبين سائر المخالفين.
انتهى بلفظه وإنما لم يفسق من خالف في الأمامة" كالمعتزلة فإنهم فساق تأويل عند الهدوية بمخالفتهم في الإمامة والأرجاء وقدمنا لك أنه القول بأنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة.
قال المصنف إن الإرجاء ليس بكفر ولا فسق عند أهل المذهب نص عليه القاضي شرف الدين في تذكرته والحاكم في شرح العيون وقال الشيخ مختار في المجتبئ ما لفظه لم يكفر شيوخنا المرجئة لأنهم يوافقونهم في جميع قواعد الإسلام لكنهم قالوا عنى الله بآيات الوعيد الكفرة دون بعض الفسقة أو التخويف دون التحقيق وأنه ليس بكفر انتهى "والأعواض وتفضيل الملائكة" على الأنبياء "وسائر فروع الكلام لأن الأدلة السمعية القاطعة لم ترد بذلك" ولا دليل إلا السمع على ذلكظ.
"وقد بينت ذلك في العواصم" وأنه لا تفسيق إلا بقاطع والعقل لا مدخل له هنا والسمع لم يرد فيه دليل على تفسيق من ذكر.
"القسم الثاني" من أقسام المتأولين "من فسق بتأويله ولم يكفر وقد روى الإجماع على قبوله من طرق كثيرة ثابتة عن جلة من الأئمة والعلماء تذكر منها" أي من طرق رواية الإجماع على ذلك "عشر طرق" وزاد في العواصم الحاية عشرة والثانية عشرة إلا أنه قد دخلها فيما سرده هنا.
"أحدها" وهو الأولى "طريق الإمام المنصور بالله" عبد الله بن حمزة "فإنه ادعى الإجماع على ذلك" أي على قبول رواية فساق التأويل "في كتابيه" الأول الذي ألفه في أصول الفقه وسماه "صفوة الإختيار و" الثاني كتابه في الفقه الذي سماه "المهذب ولكن في الصفوة بالنص الصريح الاحتجاج الصحيح" فإنه قال فيه بعد ذكر خبر الفاسق حكى شيخنا الحسن بن محمد عن الفقهاء بأسرهم والقاضي وأبي رشيد أنه يقبل إلى أن قال وهوالذي تختاره والذي يدل على صحته إجماع الصحابة على قبوله وإجماعهم حجة على ما يأتي بيانه "وفي المهذب ما يقتضي مثل ذلك" فإنه قال فيه ما لفظه وقد ذكر أهل التحصيل من العلماء جواز قبول أخبار المخالفين في الاعتقادات وروى عنهم المحققون بغير منا كرة ذكره في كتاب الشهادات محتجا به على قبول شهادتهم قال في العواصم:
والدليل على أنه ادعى الإجماع في المقام من وجه أولها وهو أقواها أنه احتج
على جواز الشهادة بالقياس على الأخبار ولم يحتج على قبولهم الأخبار قال لأن الأخبار نوع من الشهادة ويجرى مجرها في بعض الأحكام فاحتج بأن المحصلين ذهبوا إلى ذلك بغير منا كرة وأراد بالمحصلين العلماء وأنه لم يناكر الآخرن ولفظه صالح لإفادة دعوى الإجماع في اللغة من غير تعسف الطريق.
"الثانية طريق الإمام يحيى بن حمزة ذكره في الانتصار في كتاب الأذان مرة" فإنه قال وأما كفار التأويل وهم المجبرة والمشبهة والروافض والخوارج فقد اختلف أهل القبلة في كفرهم والمختار أنهم ليسوا بكفار لأن الأدلة في كفرهم تحتمل احتمالات كثيرة وعلى الجملة من حكم بكفرهم أو إسلامهم قضى بصحة أذانهم وقبول أخبارهم وشهادتهم وقال في كتاب المعيار ما لفظه إن الإجماع منعقد على قبول رواية الخوارج مع ظهور فسقهم وتأويلهم قلت: ما خلا الخطابية هكذا كلامه في كتاب المعيار "وفي كتاب الشهادات مرة ثانية" فإنه قال ومن كفر المجبرة المشبهة قبل أخبارهم وأجاز شهادتهم على المسلمين وعلى بعضهم وناكحوهم وقبروهم في مقابر المسلمين وتوارثوا هم والمسلمين.
"الطريق الثالثة طريق القاضي زيد ذكرها في كتاب الشهادات من شرحه المعروف ورواها عنه الأمير الحسين في التقرير" فإنه قال فيه ما لفظه وفي الوافي لا بأس بشهادات أهل الأهواء إذا كان لا يرى أن يشهد لموافقة بتصديقه وقبول يمينه تخريجا قال القاضس زيد وذلك لأن الإجماع قد حصل على قبول خبرهم فجاز أن تقبل شهادتهم هكذا كلام القاضي زيد قال في العواصم بعد نقله وكلام زيد يعم الكفار والفساق.
"الرابع" من طرق رواية الإجماع "طريق الفقيه عبد الله بن زيد ذكرها في الدرر المنظومة" فإنه قال عند ذكره كافر التأويل وفاسقه والمختار أنه يقبل خبرهما متى كانا عدلين في مذهبهما إلى أن قال والذي يدل على صحة مذهبنا أن الصحابة أجمعت على ذلك وإجماعهم حجة.
"الخامس طريق الأمير الحسين بن محمد ذكرها في كتاب شفاء الأوام" في كتاب الوصايا في باب ما يجوز من الوصية ومالا يجوز فإنه قال فأما الفاسق من جهة التأويل فلسنا نبطل شهادته في النكاح ونقبل خبره الذي نجعله أصلا للأحكام الشرعية بإجماع الصحابة على قبول أخبار البغاة على أمير المؤمنين عليه السلام
وبإجماعهم حجة.
"السادس: طريق الشيخ أبي الحسين محمد بن علي البصري ذكرها في كتاب المعتمد" فإن قال وعند جل الفقهاء أن الفسق في الاعتقادات لا يمنع من قبول الحديث لأن من تقدم في قبل بعضهم حديث بعض بعد الفرقة وقبل التابعون رواية الفريقين من السلف.
"السابع" من طريق رواية الإجماع "طريق الحاكم أبي سعيد المحسن بن محمد ابن كرامة ذكرها في شرح العيون" فإنه قال فيه ما لفظه الفاسق من جهة التأويل يقبل خبره عند جماعة الفقهاء وهو قول أبي القاسم البلحي وقاضي القضاة ابن رشيد ووجهه ما قاله الفقهاء إجماع الصحابة والتابعين لأن الفتنة وقعت وهم متوافرون وبعضهم يحدث عن بعض مع كونهم فرقا أو أحزابا من غير نكير.
الطريق "الثامنة والتاسعة طريق الشيخ أبي محمد الحسن بن محمد بن الحسن الرصاص وحفيده والشيخ أحمد بن محمد بن الحسن ذكرها حفيده في الجوهرة لنفسه" فإنه قال فيها ما لفظه واختلف في قبول الفاسق من جهة التأويل فذهب الفقهاء بأسرهم إلى أنه يقبل خبرهه إلى أن قال ووجه ما قاله الفقهاء إجماع الصحابة على قبول خبر فاسق التأويل فإن الفتنة لما وقعت في الصحابة ودارت رحااها وشبت لظاها كان بعضهم يحدث عن بعض ويسند الرجل إلى من يخالفه كما يسند إلى من يوافقه من غير نكير من بعضهم على بعض في ذلك فكان إجماعا انتهى "و" ذكرها "في" كتاب "غرر الحقائق" عن مسائل الفائق "وعن جده" الحسن بن محمد بن الحسن فإنه قال حكى رضي الله عنه قبوله عن الفقهاء إلى قوله ووجه القول الأول أي القول بالقبول إجماع الصحابة وساق في ذلك نحو ما ذكره قريبا.
الطريق "العاشر طريق ابن الحاجب ذكرها في المنتهى" فإنه قال في الاستدلال للقابل خبر الفاسق المتأول ما لفظه قالوا أجمعوا على قبول خبر قاله عثمان رضي الله عنه.
"فهذه الطرق تقوي صحة الإجماع" عن الصحابة "لصدورها" أي الطريق "عن عدد كثير مختلفي المذاهب والأغراض متباعدي البلدان والأزمان وأكثرهم" أي رواة الإجماع "من أهل الورع الشحيح" فلا يجوز أن أحدهم ينقل ما لا يعلم "وجميعهم من أهل المعرفة التامة" فلا يجوز أنه يجهل الخلاف عن الصحابة ولو كان موجودا في المسألة
"وليس يظن بواحد منهم أنه يقول ما يعلم لا سيما وقد ادعواهم وأكثرهم العلم بذلك" أي بوقوع إجماع الصحابة "كما ثبتت ألفاظهم في كتاب العواصم" فإنه صرح الشيخ الحسن الرصاص بقوله أما أنهم أجمعوا فمعلوم من أحوالهم وقال أبو طالب في المجزي إن القائلين بقبول أخبار المتأولين قالوا لأن المعلوم من أحوالهم أي الصحابة أنهم كانوا يراعون في قبول الشهادة والأخبار الإسلام إلى قوله وإنهم كانوا مجمعين على التسوية بين الكل إلى آخر كلامه قال المصنف بعد نقله وهذه حكاية عن أبي طالب عن جميع الفقهاء أنهم ادعوا العلم الإجماع.
"على أن السيد أبا طالب ذكر عنه في اللمع أن كل من قبلهم ادعى الإجماع" من الصحابة على قبولهم "وقال رضي الله عنه في المجزي" كتابه في الأصول "إن الفقهاء كلهم ادعوا العلم بثبوت هذا الإجماع" قد قدمنا نصفه تقريبا "وتوقف عليهم في ثبوت الإجماع ولم يجزم برده بل قال أن حجة من قبلهم الأجماع وحجة من ردهم القياس على الفاسق المصرح" أي غير المتأول فإن روايته ورد بها النص في قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} الآية "قال فإن صح الإجماع فلا معنى للقياس" أي لا يقدم على الإجماع لقوة الإجماع "وتوقف في ثبوت الإجماع" ولذا قال فإن وأتى بكلمة إن دون إذا زيادة في ثبوت التوقف.
واعلم أن ابن الحاجب وتبعه من أخذ من كتابه كصاحب الغاية احتجوا لرد رواية فاسق التأويل بالآية المذكورة وليس استدلالا صحيحا ولذا قال أبو طالب ابن دليل الرد القياس على المصرح وذلك لأن الآية وردت في فاسق التصريح لأنها نزلت في الوليد بن عقبة في قصة بني المصطلق وكذبه عليه بأنهم أرادوا قاله والقصة معروفة فسقه إما بكذبه أو بشربه الخمر ولا يقال العام لا يقصر على سببه ووقوعه لأنا نقول هو عام في فساق التصريح دون فساق التأويل إذ لا وجود لهم عند نزول الآية ولأنه لا يطلق اللفظ إلا على ما كان في عرف اللغة وعرف اللغة لم يكن فيه أطلاق الفاسق على المتأول وقد أورد المصنف على استدلال ابن الحاجب بالآية على رد رواية فاسق التأويل سبعة عشر إشكالا سردها في العواصم لأن علي بن محمد بن أبي القاسم الذي رد عليه المصنف بالعواصم نقل دليل ابن الحاجب مستدلا به.
"وهاهنا فائدة وهي أن أحدا من الأئمة لم يدع الإجماع على رد الفساق المتأولين وإنما ادعى الإجماع على قبولهم" كما عرف "فقطع بثبوته طائفة من العلماء" وقد عرفت
أنهم الأكثر "وشك في ثبوت الإجماع" على قبولهم "آخرون" وهم الأقل "فهذا الكلام في فساق التأويل" قبولا وردا.
* * *
مسألة:
"وأما كفار التأويل" أي وأما الحكم في قبول رواية كفار التأويل وردها "فالمدعون للإجماع على قبولهم أقل من أولئك" أي الذين ادعوه في فساق التأويل "في معرفتي فالذي عرفت من طرق دعوى الإجماع على قبولهم أربع طرق عن أربعة من ثقات العلماء وكبرائهم وهم الإمام يحيى بن حمزة في" كتاب "الانتصار" في باب الأذان نصا صريحا قال المصنف في العواصم إنه قال وأما كفار التأويل وهم المجبرة والمشبهة والروافض والخوارج فهولاء اختلف أهل القبلة في كفرهمة والمختار أنهم ليسوا بكفار لأن الأدلة بكفرهم تحتمل احتمالات كثيرة وعلى الجملة فمن حكم بإسلامهم أو كفرهم قضى بصحة أذانهم وقبول أخبارهم وشهادتهم وقد تقدم هذا.
"و" الثاني "المنصور بالله" عبد الله بن حمزة "في" كتاب "المهذب عموما ظاهرا" وقد قدمنا لفظه وبيان عمومه. "و"الثالث "الفقيه عبد الله بن زيد في الدور نصا صريحا" تقدم أيضا نصه بلفظه.
"و" الرابع "القاضي زيد في الشرح والتقرير نصا صريحا" تقدم أيضا لفظه لأن التقرير ليس القاضي زيد بل للأمير الحسين وإنما نقل عنه الأمير في التقرير ذلك كما تقدم للمصنف قريبا فالمراد أنه نص عليه في الشرح نصا صريحا ونقله عنه في التقرير.
"وقد تقدم قول المؤيد بالله رضي الله عنه أن ذلك مذهب أصحابنا هكذا على العموم من غير استثناء" الكلام في الناقلين من طرق الإجماع على قبول كفار التأويل لا في القائلين لذلك فهو الذي تقدم وكأنه يريد أنه لا يقول مذهب أصحابنا إلا استنادا إلى إجماع أصحابه "ولكن قاضي القضاة" عبد الجبار بن أحمد "ذكر أن كفار التأويل لا يقبلون بالإجماع" فهذا خلاف ما رواه غيره.
"وقال الشيخ أحمد" بن محمد الرصاص "إنه روى عن أبي طالب قريب من الإجماع يعني على ردهم والجواب" عن التعارض في النقلين "أن تلك الدعوى" أي
دعوى الإجماع على قبولهم "أرجح بالكثرة" فإن رواتها خمسة قال في العواصم والترجيح يحصل بزيادة واحد فكيف أربعة وهذا الترجيح بكثرة العدد "و" تترجح أيضا "الزيادة" في رواتها "في الفضل والعلم وعدم الإبتداع عند من يوافقهم في المذهب" فإنهم غير مبتدعين عنده للقول بعدم قبول المتأول.
قلت: وقد يعارض بأنهم مبتدعون عنه من يخالفهم وليس اعتبار مذهب من يوافقهم بأولى من اعتبار مذهب من يخالفهم.
واعلم أن هذا إشارة إلى كلام السيد علي بن محمد بن أبي القاسم صاحب الرسالة المردود عليها بالعواصم فإنه قال إن رواية العدل المنزه عن البدع مقدمة على رواية المبتدع بالإجماع وقاضي القضاة مبتدع عند الجميع لمخالفته لأهل البيت في مسائل قطعية توجب ترجيحهم عليه.
"وهذه" أي رواية الإجماع على عدم قبولهم "تفرد بها القاضي" عبد الجبار كما تقدم "وقد رد ذلك عليه الشيخ أبو الحسين في المعتمد" فإنه قال وأما الكفر بتأويل فإنه ذكر قاضي القضاة أيده الله أنه يمنع من قبول الحديث قال لاتفاق الأمة على المنع من قبول خبر الكافر قال والفقهاء قبلوا أخبار من هو كافر عندنا لأنهم لم يعتقدوا فيه أنه كافر قال أبو الحسين والأولى أن يقبل خبر من هو كافر أو فاسق بتأويل إذا لم يخرج من أهل القبلة وكان متحرجاا لأن الظن بصدقه غير زائل وادعى الإجماع على نفي قبول خبر الكافر على الإطلاق ولا يصح لأن كثيرا من أصحاب الحديث يقبلون خبر سلفنا كالحسن وقتادة وعمرو مع علمهم بمذهبهم وإكفارهم من يقول بقولهم وقد نصوا على ذلك انتهى.
قال المصنف بعد نقله له وقول أبي الحسين على الإطلاق يعني أنه لم يقيد بالكفر المجمع على رد صاحبه بالكفر المخرج عن الملة وهذا الرد لقول قاضي القضاة "وعلمنا من المخالفين الذي ادعى عليهم الموافقة أنهم يخالفون في ذلك" فلم يتم دعواه.
"وأما السيد أبو طالب فإنما حكى الشيخ أحمد عنه ما هو قريب من الإجماع والقريب من الشيء غير الشيء" والحجة إنما هو الإجماع لا القريب منه على أنه رواه عنه بصيغة التمريض.
قلت: وما أحسن قول المصنف في العواصم على هذه العبارة حيث قال وليت شعري ما حد مقاربة الإجماع فقال مالفظه وكذلك السيد أبو طالب حكى الإجماع
في كفار التأويل انتهى وأنكر المصنف وجود هذا عن أبي طالب وقال إنما المروي عنه ما ذكره الشيخ أحمد الرصاص.
"وكذا ابن الحاجب لم يدع" في مسألة كفار التاويل وردهم "إجماعا قط كما بينه في العواصم" وذلك أن السيد علي بن أبي القاسم ادعى أن ابن الحاجب حكى الاجماع في رد روايه كفار التأويل فقال المنصف ما لفظه والمبتدع بما يتضمن التفكير كالسافر عند المكفر قال المنصف المكفر بعض الأمة فلم يلزم أن تجمع الأمة على رده فان قلت: كلامه يقضي بأن الذين لم يكفره لردوا روايته قلت: ليس كلامه يقتضي هذا لوجهين:
أحدهما: أن الذي لم يكفر لا يسمى مكفر إلا حقيقةولا مجازا وابن الحاجب إنما روى عمن يكفر وإذا ثبت أن الأمة غير مجمعة على التفكير فقد تعذر الإجماع وهو مأخوذ من نص ابن الحاجب ثم قال:
الوجه الثاني: أن زبدة الكلام أن السيد توهم من ابن الحاجب أنه قال إن الذين لم يكفروا لو كفروا لما قبلوا من كفروه وهذا ليس بدعوى الإجماع البتة بل هذا دعوى على أهل الإجماع وفرق بين دعوى إجماع الأمة ودعوى الإجماع على الأمة قال ابن الحاجب لو نص على هذا لماصدق ولا صدق لأن هذا من قبيل علم الغيب فمن أين له أن الذين لم يكفروا لو كفروا لردوا روايتهم وما أمنه أنهم يكفرونهم من أنهم يقبلونهم كما قال بذلك الشيخ أبو الحسين وغيره انتهى باختصار.
"ويرجح هذا" يعنى دعوى إجماع الأمة على قبول كفار التأويل "بأشياء أحدها أن دعوى هؤلاء" وهم المنصور بالله والإمام يحيى ومن ذكر معها "إجماع الأمة يشمل دعوى إجماع العترة" قال المصنف في العواصم ولا شك أن هؤلاء الذي ادعوا الإجماع نم المشاهير بتعظيم العترة ومن أهل الورع والإطلاع وذلك يقضي أنهم ما ادعوا إجماع الأمة حتى عرفوا إجماع أهل البيت أولا خاصة في ذلك العصر فإن أهل البيت عليهم السلام في زمان حدوث الفسق في المذاهب لم يكونوا إلا ثلاثة على وولداه وإجماعهم حجة ومعرفته متيسرة سهلة لانحاصرهم واشتهارهم فأقل أحوال الإمام المنصور بالله رضي الله عنه والإمام يحيى بن حمزة أنهما لا يدعيان إجماع الصحابة إلا وهما يعرفان ما مذهب علي عليه السلام وولديه فإنهما لو لم يعرفا مذهبهم لكانا مجازفين بدعوى الإجماع وهما منزهان عن ذلك بإتفاق الجميع على
إمامتهما وسعة اطلاعهما.
"وعلى" دعوى أنه "مذهب علي عليه السلام لا سيما والمدعون لذلك من أئمة أولاده" وهما الإمامان المذكوران قال في العواصم فإن ذلك يقتضي أنهما عرفا أن قبول المتأولين مذهب علي عليه السلام لأن أقل أحوالهما حين ادعيا العلم بمذهب جميع الصحابة المشهور والمغمور أن يكونا قد عرفا أن ذلك مذهب إمام الأئمة وأفضل الأمة وكفي به عليه السلام حجة لمن أراد الهدى وعصمة لمن خاف الردى "وكبار شيعتهم" من الفقيه عبد الله بن زيد والقاضي زيد "وكذلك ذلك" أي دعوى إجماع الأمة على قبولهم "يقوي أنه مذهب الهادي والقاسم عليهما السلام" لأنها من أعيان الأمة ويبعد أن يخالفا إجماع الصحابة "كما هو تخريج المؤيد بالله وأحد تخريجي أن طالب وظاهر رواية أبي مضر وذلك أرجح من أحد تخريجي أبي طالب والله أعلم".
في العواصم أنه خرج السيد المؤيد بالله للهادي أنه يقبلهم ورواه عنهم الفقيه علي بن يحيى الوشلي في تعليقه بلفظ التخريج ورواه عنه القاضي شرف الدين الحسن بن محمد النحوري في تذكرته بلفظ التحصيل ولم يختلف في ذلك عن المؤيد بالله وكذلك السيد أبو طالب نسب ذلك إلى الهادي في أحد تخريجه رواه الفقيه علي بن يحيى الوشلي في تعليقه ونص في اللمع على ذلك فقال قال السيد أبو طالب وأما شهادة أهل الأهواء من البغاة والخوارج فإن جواز شهادتهم لا يمتنع أن يخرج على اعتباره لكون الملة واحدة لأن الواحدة لأن هؤلاء كلهم من أهل ملة الإسلام وهذا لفظه في اللمع وظاهر رواية أبي مضر قال فيها أيضا إن القاضي أبا مضر من أئمة مذهب الزيدية والجلة وقد روى عن الهادي والقاسم عليهما السلام قبول المتأولين رواية غير تخريج وذلك أرجح من أحد تخريجي أبي طالب قال فيها أيضا لأن السيدين الأخوين إماما مذهب الهادي وقد تطابقا على تخريج قبوله رواية المتأولين ولم يتطابق على تخريج رده لهم بل انفرد بهذا أبو طالب قثبت بهذا ترجيح تخريج رواية قبولهما وإنما ذكر المصنف هذا لأن السبب علي بن أبي القاسم رجح تخريج أنهم لا يقبلون عند الهادي والقاسم على رواية تخريج قبولهم فرده المصنف بإيراد ستة إشكالات على كلامه وأتى هنا بزبدة ما في تلك الإشكالات.
"فإن قيل: كيف يصغي إلى قبول دعوى الإجماع وقد علم وقوع الخلاف" هذا السؤال وارد على رواية الإجماع على قبول رواية فساق التأويل وعلى رواية قبول كفار
التاويل فلا يتوهم أن إتيانه به هنا أنه يختص برواية إجماع كفار التأويل.
"قلت" إنما أصغي إلى دعوى الإجماع "لأن دعوى الإجماع لم يتحد بمتعلق الخلاف" قد أورد المصنف السؤال في العواصم على كلام المعيار للإمام يحيى فقال فإن قيل فقد روى الإمام الخلاف في المعيار فناقض قلنا شرط التناقض عزيز إذا لا يصح مع إمكان الجمع والجمع ممكن في ذلك بأن يكون الخلاف الذي في المعيار منسوبا إلى أهل عصر والإجماع الذي رواه في الإنتصاد منسوبا إلى أهل عصر آخر ووذلك كثير في مسائل الإجماع. انتهى.
وقد عين أهل الإجماع في قوله "بل الإجماع المدعى إجماع الصدر الأول ولم ينقل عن أحد منهم نص على رد المتأولين أبدا" فلم يكن في عصرهم خلاف "والخلاف إنما وقع بين أهل عصر آخر" فلا تناقض إذا من شرطه اتحاد الزمان قال المصنف في العواصم واعلم أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه لا يقبلهم البتة وكذلك لم يدع أحد من الخلف ولا السلف أن الأمة أحمعت على رد فساق التأويل فتأمل هاتين الفائدتين انتهى.
"فإن قيل: لعل الصحابة" المدعى إجماعهم "إنما قبل بعضم بعضا أيام الفتنة" وهي من حين حصار عثمان "وبعدها" تحقق حصول فساق التأويل "من غير تمييز منهم لما وقع من ذلك" المروي "قبلها" حيث لا فاسق تأويل "أو بعدها" وهو بعد حصوله "وكذلك التابعون" إنما قبلوا مع ذلك وإما لم يمزوا بين الواقع بعدها وقبلها "لأمور" ثلاثة أي لأحدها:
الأول: "إما لأنهم لم يعلموا بوقوع المعصية من أولئك الذين رووا عنهم" بخصوصهم وإذا لم تعلم لم يتحقق أنهم قبلوا فاسق التأويل.
الثاني: "أو علموا بوقوع ذلك منهم ولكنهم اعتقدوا إصابتهم توقفوا فيها" في المعصية فلم يجزموا بأنهم عصاة.
الثالث: "أو علموا ذلك وأنه معصية ولكن ما علموا أنه فسق" حتى يتم القول أنهم أجمعوا على قبول رواية فساق التأويل.
"قلت: هذا السؤال أورده ابن الحاجب ولكن لم يحرره هذا التحرير" إنما أورده ابن الحاجب جوابا على القائلين حيث قال ورد بالمنع أو بأنه مذهب بعض الصحابة قال عضد الدين في شرحه وتفسير كلامه الجواب لا نسلم القبول إجماعا على كون ذلك
بدعة واضحة حتى يلزم الإجماع على قبول ذي البدعة الواضحة بل كان ذلك مذهبا لبعضهم فإن أهل القبلة لا يرون ذلك وكذلك كثير من الآخرين ويجعلونه اجتهاديا انتهى وسماه المصنف سؤالا وإن كان منعا لأن المنع سؤال إذ هو طلب الدليل على المدعى.
"وهذا سؤال ركيك لأن مضمونة أن هؤلاء الذين ادعوا العلم بثبوت الإجماع وقطعوا بصحته قالوا بغير علم وقطعوا في موضع الشك ولو قبل مثل هذا السؤال لورد مثله أيضا على من روى خبرا نبويا أو غير ذلك فيقال لعل هذا الخبر النبوي موقوف على بعض الصحابة أو نحو ذلك" وعبارته في العواصم وأما رده لرواية الثقات من الأئمة والعلماء بقوله لعل بعض الصحابة لم يقبل المتأولين فمثل هذا الكلام لا يصدر عن المحصل فإن هذا مجرد ترج صدر من صاحبه فقد نقل أهل العدالة والأمانة والإطلاع على العلوم والتواريخ أقوال السلف والخلف والإجماع وحرصهم على أنهم قد علموا انعاده وإخبارهم لنا وأنهم أخبروا بذلك عن علم يقين لا عن مجازفة وتبخيت.
وحاصل هذا الاعتراض أن صاحبه قال لعل راوي الإجماع غير صادق فيما رواه ولا متحقق لما ادعاه ولو كان مثل هذا يقدح في رواية الثقات لبطلت الروايات فما من رواية تصدر عن ثقة في الإجماع أو في الحديث أو في الشهادة إلا ويمكن أن يقال لعل راويها وهم فيها وقالها بغير علم يقين وأصدرها إما لمجرد اعتقاد الصحة أو ظنها أو نحو ذلك مما لا يلتفت إليه من تطريق الشك إلى فهم الثقات بمجرد كونه تجوزا على البشر ولو كانت روايات الثقات العلماء تعارض بمجرد ترحبي كذبهم أو تمني صدور الدعوى منهم على سبيل التبخيت من غير تحقيق لبطلت طرق النقل وتعطلت فوائد الرواية انتهى.
"وقد ذكرت في العواصم أشياء" من الأدلة "مما يقوي القول بقبولهم" أي بقبول رواية كافر التأويل وفاسقه.
"منها" وهي الحجة الرايعة في العواصم "أنا لو لم نقبلهم" أي كفار التأويل وفساقة "لم نقبل الصحابة" زاد في العواصم أجمعين ولا أهل البيت المطهرين إذ لم يصرحوا بالسماع من النبى صلى الله عليه وسلم "لأن هؤلاء العدول لذين ادعوا الإجماع" من الأئمة وغيرهم "قد أخبروا بأنهم قد علموا ذلك من الصحابة وعدالتهم"
أي الرواة للإجماع "تقتضى هذا حتى يعلموا قول الصحابة كلهم" فيكون إجماعا قوليا "أو قول أكثرهم وسكت عنه الباقون سكوت رضى" فيكون إجماعا سكوتيا.
قال في العواصم فلا بد أن يفيد العلم أو الظن بأنهم كانو كذلك أقصى ما في الباب أن ذلك يفيد الشك في قبولهم للفساق التأولين فلو كانو مردودين بالقطع وحصل الشك أن رواية بعض العدول مستندة إليهم لم يجز قبوله إلا إذا حصلت قرينة صحيحة يحصل معها الظن الراجح أن روايته غير مستندة إلى من لا يقبل قطعا.
"ومنها: إن ردهم يؤدي إلى أنا لانقبل من يقبلهم إو روى عنه إنه يقبلهم" هذا هو الوجه الثاني في العواصم من الأوجه التي جعلها أدلة على قبولهم قال فيه إن الزيدية يروون عن المخالفين ويدروسن كتب المخلفين في مدارسهم إلى أن قال وأما كتب الأوصول فالزيدية يعتمدون على كتاب أبى الحسين مع أنه يقبل فساق التأويل وكفارهم ومعتمدهم في هذه الأزمنة الأخيرة كتاب الشيخ أحمد الجوهرة مع شهرة بغيه على الإمام الشهيد أحمد بن الحسين وكتاب منتهى السول لابن الحاجب فإنه معتمد عليه هذه الأعصار في بلاد الزيدية وكتب الأوصول وإن كانت نظرية فإن فيه آثارا كثيرة ولا بد فيها من عدالة الرواة.
وأما كتب القراءات فلا زال الناس يعتمدون على كتاب الشاطبية آخذين ما وجد فيها مماليس بمتواتر وأما كتب العربية فلم يزل الناس من الزيدية يقرؤون مقدمة طاهر وشرحه وكذلك كتب ابن الحاجب في النحو التصريف مع ما اشتملت عليه من رواية اللغة والإعراب.
وأما المعاني والبيان فالمعتمد عليه في هذه الأزمنة الأخيرة كتاب التلخيص في ديار الزيدية وغيرها وهو من رواية الأشعرية.
"وهذا يؤدي إلى رد حديث كثير من الأئمة كالمنصور والمؤيد بالله ويحيى بن حمزة والقاضي زيد بل يؤدي إلى التوقف في قبول حديث القاسم والهادي لرواية أبي مضر عنهما ذلك" أي قبول رواية فساق التأويل كمت قدمناه "وتخريج المؤيد بالله" لها "وأحد تخريجي أبي طالب" كما تقدم ذلك كله "بل يؤدي إلى عدم الانتفاع بتصانيف المتأخرين في الحديث من زمن المؤيد بالله مثل أصول الأحكام" للإمام أحمد بن سليمان والشفاء للأمير الحسين "والكشاف لأنهم صرحوا بالرواية عنهم ومن لم يستجز الرواية عنهم روى عمن عنهم فإن من لم يقبل كفار التأويل من الزيدية لم يرد
حديث المؤيد بالله رضي الله عنه وأمثاله من أئمة العترة لكونهم بقبلون فإن مذهب الزيدية قبول مراسيل العدول من غير استثناء وكتبهم معروفة" ولا يخفى أن هذا إلزام لا محيص عنه.
والحامل للمصنف رحمه الله على الإطالة في المسألة أن السيد علي بن محمد بن أبي القاسم كثر في رسالته وبالغ في عدم قبول رواية أهل التأويل ثم استدل على ردهم بالكتاب ولاسنة والإجماع فسرد المصنف ذلك كله في العواصم وأشار هنا إلى زبدة ما أتى به هنالك ومن جملة أدلة السييد على القياس المتأول على المصرح فأشار المصنف إليه وإلى رده بقوله:
"فإن قيل: قد وقع الإجماع على رد الفاسق المصرح والعلة في رده الفسق وهو حاصل في المتأول" هذا هو دليل السيد علي وقد أورد عليه المصنف في العواصم أحد عشر إشكالا تضمن كلامه هنا بعضها.
"فالجواب من وجوه" متنشرة متداخلة:
"الأول: أن هذا قياس مصادم للنص فلا يسمع وفاقا" إذ قد اتفق أئمة الأصول أن القياس إذا تصادم النص فهو قياس فاسد الاعتبار فلا حكم له والنص هنا آيات أوردها أيضا في العواصم وهي تسع آيات دالة بعمومها على قبول فساق التأويل وكفاره أحدها قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} وهو شامل للسؤال عن الأدلة وعام لكل مسلم من أهل الذكر فيشمل الفساق ولاكفار تأويلا وثانيها: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] وهو عام في كل مما جاء عن الله وعن رسوله.
ولما كان لقائل أن يقول هذه عمومات خصصت بالقياس أشار إلى رد القياس بوجه آخر فقال:
"الثاني أنه قياس مخصص لكثير من القرآن والسنة فلا يقبل مطلقا" في كل ما ورد فيه "ويبقى للناظر فيه نظرة وقد بينت تلك الآيات" وهي تسع كما عرفناك "والآثار في العواصم وقد ذكرت منها قدر ثلاثين حجة" هو كما قال وقد عد هنالك ثمانية وعشرين حجة سنذكر هنا بعضها.
"الثالث: أنه قياس ظني يتوقف في كونه حجة على الخصم على موافقة الخصم على صحته" ويأتي قدحه فيها "ثم" يتوقف "على موافقته على عدم معارضته بقياس أقوى
منه والأقوى بالعمل به أولى "والمعارضة ممكنة" له "فيهما" في الصحة والمعارضة بيانه في قوله "وأما المنازعة في صحته" فذلك يتم ببيان أن علة القايس ليست الفسق كما قاله المعترض بل ما أفاده قوله "فلأن الظاهر أن العلة" أي في قبول خبر الفاسق تأويلا حصول "الظن" بخبرة "لوجوه":
"الأول" قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] فأمر الله تعالى باشهاد رجلين من المؤمنين وهو يدل على أن العلة في ذلك ليست هي العدالة "فلو كانت العلة مجرد العدالة وكون الراوي والشاهد منصبا لها" إشارة إلى قول السيد علي أن قبول الشهادة والرواية منصب رفيع يلزم الخلق أحكاما شديدة فيلتزمونها فأي رفعة أعظم منها فالعلة هي هذه وهي موجودة في فاسق التأويل مثلها في المصرح انتهى "لكفى الواحد" قد يقال فد كفى في الرواية عند الجماهير لذلك وأما الشهادة فورد النص باعتبار العدد "فإن قيل لو كان العلة الظن" كما قلتم "لكفى الواحد" لحصوله.
"قلنا القصد الظن الأقوى" تقدم للمصنف إن الظن لا ينقسم إلى قسمين ولا يقف على مقدار ولا يمكن التعبير عن جميع مراتبه بالعبارة فتذكر "وأيضا فالظن يحصل بالإثنين غالبا" ويحصل أيضا بخبر الواحد بل قد يحصل به العلم كما قدمناه أول شرحا هذا فقبوله "ولا عبرة بالنادر" غير ظاهر "بخلاف الواحد فوقوع الشك في شهادتته كثير" يتحقق هذا من أصل صحيح.
"الثاني" من الأدلة على أن العلة حصول الظن قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا} فإنه دال على أن المراج الصدق والتحير فيه لا رفع المناصب.
"الثالث" من الأدلة على ذلك قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ} .
فجعل العلة خوف الخطأ والرغبة في تحرى الإصابة ولو كانت العلة المنصب لقال قتبيوا أن تعظموا فاسقا بجهالة.
"والعمل بالظن لا يسمى جهالة كما في خبر العدل والمفتي والمؤذن" على أن الآية لم تدل على عدم قبول رواية الفاسق فإنه قال تعالى {فَتَبَيَّنُوا} ولم يقل تقبلوه والتبين هوالنظر فيما يدل على صدق خبره أو كذبه إذ ليس القطع برده وتكذيب خبره يسمى تبينا في اللغة ولا في الشرع ولا في العرف فإن التبين تفعل من البيان وهو
تطلب البيان وذلك لا يكون مع بيان رده ولا مع بيان قبوله ويوضح هذا أنه جاء التبين في القرآن الكريم غير مراد به الرد والتكذيب كقوله تعالى: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} فإنه ورد في سبب نزولها أن جماعة من الصحابة لقوا رجلا في عنيمة له فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فنزلت الأية.
إذا عرفت هذا فليس في الآية دليل على رد فاسق التصريح الذي جعله الرادون دليلا على الرد فصلا عما قاسوه في الرد عليه وهو فاسق التأويل إنما فيها الأمر لما أخبره به هل هو صادق أو كاذب فهو نظير قول سليمان عليه السلام في خبر الهدهد: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: 27] وانظر لما أرد تعالى رد شهادة القاذف قال: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [ألنور: 4] وقال: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] وقوله في القذفة: {فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] .
"الرابع" قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106] فأجازة شهادة كافر التصريح عند الضرورة فدلعلى أن القصد الظن الأقوى هو حاصل بالعدلين من المسلمين "فحين لم يحصل اكتفى بالظن الضعيف" الحاصل من شهادة الكفار تصريحا.
وفي العواصم وفي هذه وجهان:
أحدهما أن الله تعالى شرع قبول الكفار عند الحاجة إليهم وهم لا يستحقون التعظيم ومنصب التكرمة والتبجيل.
وثانيهما: ما أفاده قاوله "وفي هذه الآية جواز تخصيص العلة سواء كانت العدالة أو الظن" الأقوى فإنه قبل الظن الضعيف وهذا إشارة إلى منع السيد ابن أبي القاسم لتخصيص العلة كما في العواصم.
"الخامس" قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المائدة: 108] في العواصم فقوله: {ذَلِكَ أَدْنَى} تنبيه ظاهرعلى أن المقصود قوة الظن وما هو أقرب إلى الصدق.
"السادس" قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] قال فيها وأصل الآية وإن كانت في الكتابة فقد دخلت معها الشهادة بقوله: {وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} .
"السابع ورود الشرع بشاهد ويمين" قال فيها أيضا واليمين فيها تهمة للحالف ولا رفع فيها للتهمة البتة فقامت مقام إشهاد آخر في قوة الظن لا في التعظيم وهذا شاهد قوي على أن العلة قوة الظن.
"الثامن: رد حديث العدل المغفل الذي لا يتقن حديثه" وفي العواصم زيادة على هذا فإنه قال ولنذكر مسائل مما نص العلماء فيها على التعديل بالظن الأقوى قالوا إن من سمع الحديث من غير حجاب فروايته أولى ممن سمعه من وراء حجاب ولا شك أن العلة في هذا قوة الظن لا أن من سمع من غير حجاب أفضل.
الثانية: أن يكون أحد الراويين مثبتا والآخر نافيا مع أالمثبت ليس بأفضل من النافي.
الثالثة: أن يكون أحدهما عالما بالعربية والآخر غير عالم بها وإن كان عالما بما هو أفضل منها مما لا يتعلق بالرواية.
الرابعة: أن يكون أحد الراويين لا يجيز الرواية بالمعنى فإن روايته أرجح.
الخامسة: أن يكون أحد الراويين أكثر ذكاء وفطنة فإنه أرجح ممن ليس كذلك فإن الظن بصدقه أقوى.
وأمثال هذه المسائل مما لا تحصى كثرة وهي مذكورة في كتب الأصول.
"التاسع: أن علماء الأصول عملوا في باب الترجيح بتقديم خبر من قوى الظن بإصابته لا من كثر ثوابه ومنزلته عند الله تعالى" ومن ذلك قال العلماء لا يشهد العدل لنفسه ولا يحكم الحاكم لنفسه وإن كان عدلا تقيا وعللوه بقلة الظن المستفاد من العدالة لقوة الداعي الطبيعي إلى ذلك عند الحاجة والخصوصة ومحبة القلب وغيط الحاسد ومسرة الصديق من الدواعي الطبيعية المضعفة لعلة الصدق ولا يبقى فيها إلا ظن ضعيف لا يصح الاعتماد عليه في الحقوق ولما كانت الداعية الطبيعية قوية في شهادة الإنسان لنفسه وحكمه لنفسه أجمع أهل العلم على المنع من ذلك وقد عد المصنف في العواصم مسائل كثيرة من هذا.
"العاشر أن الإجماع انعقد على قبول من عصى تأويلا ولم يفسق ولم يكفر وإن كثر ذلك منه كخطأ كثير من المعتزلة في الإمامة وكثير من فروع الكلام ولا شك أن من كثرت معاصيه من غير تأويل أنه مجروح بل من عصى عمدا وإن لم يكثر إذا أصر أو كانت المعصية مما تدل على الخسة فدار الرد" للراوة والقبول لهم "مع الجراءة
والقبول مع التأويل في هذا الموضع" وهو حيث كان عصيانه متأولا متكررا ولم يوجب كفرا ولا فسقا فقلت: م أنه يقبل "فقسنا عليه" من عصى متأولا بما لا يوجب فسقا ولا كفرا قلت: ولا يخفى أنه قد يقال المعصية التي اقتضت فسقاأو كفر أشد مما لا يقتضيه وأغلط ولا يقاس الأخف على الأغلط كما علم في الأصول وفيما سبق من الأدلة غنية عن هذا القياس.
"فإن قيل" إذا كانت علة القبول هي ظن الصدق "يلزم قبول من ظن صدقه من المصرحين ورهان النصاري والبراهمة" أقول هذا أورده السيد علي بن محمدبن أبي القاسم صاحب الرسالة التي رد عليها المصنف بالعواصم فإنه قال وأما أن عللنا بتهمته بالكذب وترى أنه يعاقب عليه ويكون عند نفسه مطيعا لله تعالى فيلزم من أرباب الملل الخارجة عن الإسلام أن تقبل روايته مثل رهبان النصارى وعباد اليهود ومثل البراهمة فإنهم يتحرزون عن الكذب أشد تحرز ويتنزهون عنه أعظم تنزه. انتهى.
فأورد المصنف سؤالا وأجاب عنه بقوله "قلنا هذا مخصوص وتخصيص العلة جائز ولا بد للمخالف منه" أي من تخصيص علته التي علل بها فإنه علل بالعدالة وهي مخصصة كما أفاده قوله "فإن من علل العدالة خص من العدول المغفل" فإنها لا تقبل روايته مع عدالته لمانع تغفيله "والآية المقدمة في الوجه الرابع" وهي قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} "حجة على تخصيص العلة فتأملها" بل خصصت شرطية إسلام الشاهد فضلا عن عدالته وهووأن كان الضرورة فقد صدق عليه أنه تخصيص علة.
"وقد بسطت القول في هذه المسألة" أي مسألة قبول المتأولين "في العواصم احتجاجا وسؤالا وانفصالا وجمعت فيها مالم يجمع في كتاب فيما أعلم ولعل الذي جمعت فيها يأتي جزءا وسطا" هو كما قال وذلك لأن السيد علي صاحب الرسالة أطال في القول بعدم قبول رواية فساق التأويل وكفاره واستدل بالكتاب والسنة والإجماع فأورد عليه المصنف من الإشكالات مائة وزيادة على سبعين إشكالا وشحها بعلوم وفوائد لم يشتمل عليها سوى كتابه كتاب "وذلك لكثرة الحاجة إليها وأنبناء كثير من الأحكام الشرعية عليها فمن أراد الإستقصاء فليطالعها في هذا الكتاب المشار إليه" في كتاب العواصم في الجزء الأول منه وقد نقلنا في غضون هذه الأبحاث زبدا منه
مما يتعلق بذلك وهذا غير ما ذكره أئمة الحديث في المسألة.
"وأما ما ذكره الحدثون في هذه المسألة فقد ذكروا في فساق التأويل أقوالا" ثلاثة فيما يتعلق بفساق التأويل فقط.
"الأول: أهم لا يقبلون كالمصرحين" أي كما لا نقبل الفاسق فسقا صريحا "روى" هذا القول "عن مالك وقال ابن الصلاح: إنه بعيد متباعد الشائع عن أئمة الحديث فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة كما سيأتي" ومن المبتدعة فساق التأويل.
وقال السخاوي في شرح ألفية الزين قال الخطيب في الكفاية إن هذا القول يروى عن طائفة من السلف منهم مالك وكذا نقله الحاكم عنه ونصه في المدونة في غير موضع يشهد له وتبعه أصحابه وكذا جاء عن القاضي أبي بكر الباقلاني وأتباعه بل نقله الآمدي عن الأكثر وجزم به ابن الحاجب انتهى وقال السخاوي أيضا بعد نقله كلام ابن الصلاح ما لفظه وكذ اقال شيخنا يريد به الحافظ ابن حجر إنه يفيده قال وأكثر ما علل به أن في الرواية ترويجا لأمره وتنويها بذكره وعلى هذا لا ينتفي أن يروى عن مبتدع شيئا يشاركه فيه غير مبتدع.
قلت: وإلى هذا التفصيل مال ابن دقيق العيد حيث قال إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه إخمادا لبدعته وإطفاء لناره يعنى أنه كما يقال من عقوبة الفاسق المبتدع أن لا تذكر محاسنه وإن لم يوافقه ولا يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما وصفناه من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالتدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته.
القول "الثاني: إن كان يستحل الكذب لنصرة مذهبه لم يقبل وإلا قبل وإن كان داعية إلى مذهبه عزاه الخطيب إلى الشافعي" كما نقله عنه الخطيب في الكفاية لأنه قال أقبل من غير الخطابية ما نقلوا قال لأنهم يرون شهادة أحدهم لصاحبه فمن لم يستحل الكذب كان مقبولا لأن اعتقاد حرمة الكذب تمنع من الإقدام عليه فيحصل صدقه قال الخطيب ويحي أيضا أن هذا مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري ونحوه عن أبي حنيفة بل حكاه الحاكم في المدخل عن أكثر أئمة الحديث وقال الفخر الرازي في المحصول إنه الحق ورجحه ابن دقيق العيد.
"الثالث" من الأقوال في المسألة "إن كان" فاسق التأويل أو كافره "داعية إلى مذهبه لميقبل وإلا قبل وهو مذهب أحمد" بن محمد بن حنبل "كما قاله الخطيب قال ابن
الصلاح: وهذا مذهب الكثير أو الأكثر وهو أعد لها وأولاها قال ابن حبان هو قول أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافا" عبارة الزين ونقل ابن حبان فيه الإتفاق فغيرها المصنف إلى أنه قال لا نعلم فيها خلافا.
وقد نقل السخاوي في شرح الألفية الخلاف في ذلك فكأنه لذلك غير المصنف العبارة وعبارة ابن حبان في ترجمة أحمد بن جعفر بن سليمان الضبعي في ثقاته بلفظ ليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعوا إليها إن الاحتجاج بأخباره جائز فإذا دعا إليها سقط الاحتجاج بأخباره انتهى.
قال السخاوي بعد نقله وليس صيرحا في الإتفاق لا مطلقا ولا بخصوص الشافعية ثم قال وقد قال شيخنا إن ابن حبان أعرب في حكاية الأتفاق قلت: هذا تقرير من شيخه وهو الحافظ ابن حجر أن عبارة ابن حبان تفيد الإتفاق على قبول ذي البدعة غير الداعية إذا كان صدوقا وهي تفيده في إتقاف أئمة الشافعية وإن قال السخاوي ما قال ولكن يشترط مع هذين أعني كونه صيدوقا غير داعية أن لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد بدعته ويشدها ويزينها فأنا لا نأمن حينئذ عليه غلبة الهوى أفاده شيخنا وإليه يومي كلام ابن دقيق العيد الماضي بل قال شيخنا نص على هذا القيد في المسألة الحافظ أبو إسحق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ النسائي "وكذا حكى بعض أصحاب الشافعي عن أصحاب السافعي أنهم لا يتختلفون في ذلك" هذا كله في فساق التأويل.
"وأما كفار التأويل فلم يذكرهم كثير منهم" أي من أئمة الحديث "لأنهم لا يقولون بتكفير أحد من أهل القبلة إلا من علم كفره بالضرورة من الذين كالباطية ومنهم من ذكرهم فحكى الخلاف فيهم ممن ذكرهم زين الدين بن العراقي فحكى عن إمام المحدثين بلا مدافعة الحافظ الثبت الخطيب البغدادي الشافعي أنه حكى عن جماعة من أهل النقل ولامتكلمين أنهم يقبلون أهل التأويل وإن كانوا كفارا أو فساقا قال زين الدين واختاره يصاحب المحصول قلت: الجمهور منهم على رد الكافر قال زين الدين ونقله السيف الآمدي عن الأكثرين وبه جزم أبو عمرو بن الحاجب" فإنه قال في مختصر المنتهى ولامبتدع بما يتضمن التكفير كالكافر عند المكفر وأما غير المكفر فكالبدع الواضحة ثم اختار رد أهل البدع الواضحة.
قال السخاوي: وحكى الخطيب في الكفاية عن جماعة من أهل النقل والمتكلمين أن أخبار أهل الأهواء كلها مقبولة وإن كانوا كفارا أو فساق التأويل.
"وقال: صاحب المحصول: الحق أنه إن اعتقد حرمة الكذب قبلنا روايته وإلا فلا لأن اعتقاد حرمة الكذب يمنعه منه".
قال السخاوي قال شيخنا والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعة لأن كل طائفة تدعى أن مخاليفها مبتدعة وقد تبالغ فتكفرها فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا معلوما من الدين بالضرورة أي إثباتا ونفيا فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله أصلا وقال أيضا ولاذي يظهر أن نحكم بالكفر على من كان الكفر صريح قوله وكذا من كان لازم قوله وعرض عليه فالتزمه أمامن لم يلتزمه وناضل عنه فإنه لا يكون كافرا ولو كان اللازم كفرا قال وينبغي حمله على غير القطعي ليوافق كلامه الأول.
وسبقه ابن دقيق العيد فقال الذي تقرر عندنا أن لا تعتبر المذاهب في الرواية إذ لا نكفر أحدا من أهل القبلة إلا بإنكار قطعي من الشريعة فإذا اعتبرنا ذلك وانضم إليه التقوى والورع فقد حصل معتمدالرواية وهذا مذهب الشافعي حيث قال تقبل رواية أهل الأهواء قال وأعراض الناس حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحكام قال الشافعي في الأم ذهب الناس في تأويل القرآن الأحاديث إلى أمور تباينوا فيها ثباينا ششديدا واستحل بعضهم من بعض بما تطول حكايته وكان ذلك متقادما منه ما كان في عهد السلف وإلى اليوم فلم نعلم من سلف الأمة ممن يقتدي به ولا من بعدهم من التابعين رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله ورآه استحل ما حرم الله عليه ولا يرد أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمل وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال انتهى نقله السخاوي في شرحه.
* * *
قال المصنف "ونلحق بهذه مسائل" خمس:
"المسألة الأولى":
"من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولو مرة واحدة وكان متعمدا ويظهر تعمده بإقراره أو نحوه بحيث ينتفي أن يكون أخطأ أو نسى "ثم تاب وحسنت توبته فإنه لا تقبل روايته أبدا" في شيء مطلقا سواء كان المكذوب فيه أو غيره ولا يكتب عنه شيء ونحتم جرحه أبدا نعلم قال الإمام تقبل توبته بينه وبين الله وعدم قبوله مطلقا هو "كما قال غير واحد من أهل العلم منهم الإمام أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي" وهو يصاحب الشافعي وشيخ البخاري واسمه عبد الله بن الزبير ونقله الخطيب في الكفاية والحازمي في شروط الستة عن جماعة والذهبي عن رواية ابن معين وغيره.
واعلم أنه يلتحق بتعمد الكذب في هذا الحكم من أخطأ ثم أصر على خطئه وصمم بعد بيان ذلك له مما يوثق بعلمه مجرد عناد.
قال السخاوي وأما من كذب عليه في فضائل الأعمال معتقدا أن هذا لا يضر ثم عرف ضرره وتاب فالظاهر كما قال بعض المتأخرين قبول روايته وكذا من كذب دفعا لضرر يلحقه من عدو.
قال اللصيرفي وليس بطعن على المحدث إلا أن يقول تعمدت الكذب فهو كاذب في الأول أي الخبر الذي رواه واعترف بالكذب فيه ولا يقبل خبره بعد ذلك أي مؤاخذة له بإقراره.
قال النووي ولم أر للقول بعدم قبوله دليلا ويجوز أن يوجه بأن ذلك جعل تغليظا وزجرا بليغا عن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لعظم مفستدته فإنه يصير شرعا مستمرا إلى يوم القيامة ثم قال وهذا الذي ذكره الأئمة ضيعف مخالفللقواعد الشرعية والمختار القطع بصحة توبته في هذا أي في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم وقبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة قال فهذا هو الجاري على قواعد الشرع وقد أجمع على صحة رواية من كان كافرا فأسلم قال وأجمعوا على قبول شهادته والرواية في هذا وكذا قال في الإرشاد هذا مخالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيره انتهى.
وقال الذهبي إن من عرف بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
يحصل لنا ثقة بقوله إني تبت يعني كما قيل في مسألة المعترف بالوضع قلت: وما كان يحسن من المصنف ذكر المسألة من دون ذكر دليلها ويأتي له تفصيل فيها.
"وأما الكذب في حديبث الناس وغيره من أسباب الفسق فنقبل رواية التائب منه وممن ذكر هذه المسألة أبو بكر الصيرفي الشافعي" فإنه ذكر في كتبه في الأصول أنه لا يعمل بذلك الخبر ولا بغيره من روايته "وزاد أيضا أن من ضفنا خيره لم نجعله قويا وذكر أبو المظفر السمعاني أن من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه" لأنه صار محل ريبة.
"قلت: كلامهم في رد الكذب في الحديث ولو بعد إظهار التوبة فوى فيما يتعلق" من الأحاديث "بالمصالح لئلا يتوصل الكذابون بإظهار التوبة إلى قبول أباطيلهم" هذا في التضعيف بالكذب "وأما من ضعف من أجل حفظه" وهو الذي زاده الصيرفي "ثم قوى حفظه وهو من أهل الديانة والصدق فلا وجه لقول الصيرفي إنا لا تجعله قويا والله أعلم" قلت: كما لا وجه لرد رواية الكذاب في الحديث بعد صحة توبته إذ بعدصحتها قد اجتمعت فيه شروط الرواية فالقياس قبوله.
* * *
"المسألة الثانية"
"من روى عن ثقة فكذبه الثقة والمسألة مشهورة في الأصول" وذلك أنه قد تعارض كلام الراوي والمروي عنه فذلك صرح بالراية وهو ثقة وشيخه صرح بكذبه عليه.
فلذا قال المصنف: "والصحيح فيها أنها موضع اجتهاد" إذ لكل جهة ترجيح أما الراوي فلكونه مثبتا
أما الشيخ فلكونه نفى ما يتعلق به مع احتمال نسيانه "فينظر في أيهما أصدق وأحفظ وأكثر جزما وأقل ترددا وكذلك أيهما أكثر" من الكثرة بالثلثة "الفرع" وهو الراوي "أو الأصل" وهو شيخه.
"فقد يدعي الواحد على الجماعة فيكذبونه والجماعة على الواحد فيكذبهم فإذا استوفيت طرق الترجيح" المعروفة في الأصول وغيرها مما يقود إليه المقام "حكم بالراجح" وقال التاج السبكي عدالة كل واحد منهما متيقنة وكذبه مشكوك فيه ولايقين لا يرفع بالشك فتساقطا يعني فيقبل الخبر وهو اختيار أبي المفظر السمعاني وبه قال أبو الحسن القطان وقد عرفت ما حققه النووي والمصنف جنح إلى الترجيح مستدلا
بقوله "فإنهما خبران متعارضان فيجب استعمال طرق الترجيح" المعروفة "بينهما كسائر الأخبار المتعارضة" وإلى الترجيح مال الفخر الرازي وقال إن الرد إنما هو عند التساوي فلو رجح أحدهما عمل به "ولا يلزم جرح واحد منهما" بكذيبه الآخر وأما تكذيب الشيخ فواضح وأما تكذيب الفرع له فلأن جزمه بكونه حدثه يستلزم تكذيبه في دعواه أنه كذب "لاحتمال النسيان" من الأصل "والقطع بالتأويل فقد يقول" الأصل "لو كان لذكرت ونجعل هذا دليلا قاطعا" على كذب الفرع "وهو موضع النزاع" لأن الفرع يقول أنه نسي والأصل يزعم أنه لم ينس.
"والغالب في هذه المسألة سقوط الحديث بالتعارض" بين الأصل وفرعه "ولكن هذا الغالب لا يوجب إسقاط الحكم النادر إذا قويت القرائن بنسيانه وغلب في الظن صدق الراوي عنه" فإن النظر إلى القرائن والترجيح بها لا بد منه.
"وهذا كله" من الحكم المذكور "إذا كذبه" أي كذب الأصل فرعه "أما إذا قال أنسيت" بالبناء للمجهول "ولم يقطع بتكذيبه صدق" أي الفرع في روايته قال السخاوي فإن جزم بالرد بدون تصيرح كقوله ما رويت هذا أو ما حدثت به قط أو أنا عالمأنني ما حدثتك أو لم أحدثك فقد سوى ابن الصلاح تبعا للخطيب وغيره بينهما أيضا وهو الذي مشى عليه شيخنا في توضيح النخبة لكن قال في الفتح الراجح عندهم أي المحدثين القبول وتمسك بصنع مسلم حيث أخرج حديث عمرو بن دينار عن أبي معيد عن ابن عباس ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير مع قول أبي معبد لعمرو لم أحدثك به فإنه دال على أن مسلما كان يرى صحة الحديث ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه عدلا وكذا صحح الحديث البخاري وغيره وكأنهم حملوا الشيخ في ذلك على النسيان ويؤيده قول الشافعي في هذا الحديث بعينه كأنه نسى.
"وقيل هذا" أي تصديقه إذا لم يصرح بتكذيبه "مذهب جمهور الفقهاء والمحدثين وأهل الأصول".
قال السخاوي وصححه غير واحد منهم الخطيب وابن الصلاح وشيخنا بل حكى فيه إتفاق المحدثين لأن الفرض أن الراوي ثقة جزما فلا يطعن فيه بالاحتمال إذ المروى عنه غير جازم بالنفي بل جزم الراوي فيه وشكه قرينة لنسيانه "خلافا لبعض أصحاب أبي حنيفة" فقالوا برده "وحكاه ابن الصباغ في العدة عن أصحاب أبي
حنيفة" كلهم لكن قال السخاوي في التعميم نظر إلا أن يريد المتأخرين منهم.
قلت: ونسبه في شرح مسلم للكرخي ولكنه قال الكيا الطبري إنه لا يعرف لهم في مسألتنا بخصوصها كلام إلا أن أخذ لهم ذلك في ردهم حديث: "إذا نكحت المرأة بدون إذن وليها فنكاحها باطل" 1 لأنه جعل ابن الصلاح من أمثلة من حدث فنسى.
قلت: قال ابن الصلاح: إن الحنفية ردوا حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نكحت المرأة الحديث من أجل أن ابن جريج قال لقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه. انتهى.
"وأما إذا روى الشيخ ذلك الخبر لغير هذا الذي كذبه الشيخ أو روى عنه ثقة آخر قبل كذا ذكره الزين قلت: إذا كان إنما أنكر رواية ذلك الفرع عنه ولم ينكر أنه يروى الحديث أو أنه رواه لغيره قبل ذلك منه" لعدم الريبة في الشيخ "وإلا" أي وغلا ينكر الشيخ رواية الفرع فقط بل أنكر الحديث نفسه "لم تقبل من الشيخ روايته إذا وقعت قبل الأنكار ولا رواية غيره عنه قبله أيضا لأن اضطراب يقدح في الحديث كما تقدم وهذا أشد من الاضطراب" إذ هو قبول للحديث مع الريبة في الرواة "إلا أن يحكم بقبول الجميع ويجعلها" أي روايات الشيخ وفرعه "توابع يقوي بعضها بعضا فقبولها قوي إما إذا استفاد" الشيخ الحديث الذي أنكر التحديث به "بعد" أي بعد إنكاره "فرواه وروى عنه" عن فرعه "فلا إشكال" لأنه حدث به بعد يقين لحمله له من الثقة.
وكأنه يشير إلى مثال معروف للمسألة وهو ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من رواية ربيعة بن عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد2 زاد أبو داود في رواية أن عبد العزيز الدراوردي قال ذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه ولا أحفظه قال عبد العزيز وقد كانت أصابت سهيلا على أذهبت بعض عقله ونسى بعض حديثه فكان سهيل بعد يحدث عن ربيعة عن أبيه وزاد أبو داود
1 أحمد 6/66، 166، والدارمي 2/137، والحاكم 2/168، والإرواء 6/243، وقال: صحيح.
2 مسلم في: الأقضية: حديث 3/، وأبو داود في: الأقضية: ب 21، وابن ماجة في: الأحكام: ب 31، وأحمد 1/248.
أيضا من رواية سليمان بن بلال عن ربيعة قال فلقيت سهيلا فسألته عن قصة الحديث فقال ما أعرفه قلت: أن ربيعة أخبرني به عنك قال إن كان ربيعة أخبرك عني فحدث به عن ربيعة عني.
"وقد كره جماعة من العلماء التحديث عن الأحياء من العلماء لأن النسيان غير مأمون على الإنسان فيبادر إلى جحود ما روى عنه" قال السخاوي1 لكن قد قيد هذه الكراهة بعض المتأخرين بما إذا كان له طريق أخر غير طريق آخر غير طريق الحي أما إذا لم يكن له سواها وحدث فلا معنى للكراهة لما في الإمساك من كتم العلم وقد يموت الراوي قبل المروى عنه فيضيع العلم وهذا حسن إذا المصلحة محققة والمفسدة مظنونة وكذا يحسن تقييد ذلك بما إذا كانا في بلد واحد أما إذا كانا في بلدتين فلا لاحتمال أن يكون الحامل له على الإنكار النفاسة.
وقد حدث عمرو بن دينار عن الزهري2 بأشياء وسئل الزهري عنه فأنكره فاجتمع بالزهري فقال أليس يا أبا بكر قد حدثتني بكذا فقال ما حدثتك به ثم قال والله ما حدثت به وأنا حي إلا أنكرته حتى توضع أنت في السجن انتهى قلت: إذا صحت هذه عن الزهري فهي قادحة فيه.
"روى عن الشعبي أنه قال لابن عون لا تحدثني عن الأحياء" رواه عن الشعبي الخطيب في الكفاية3 بأسناده إليه "وعن معمر أنه قال لعبد الرزاق أن قدرت أن لا تحدث عن رجل حي فافعل" رواه عنه أيضا الخطيب في الكفاية4.
"وعن الشافعي أنه قال لابن عبد الحكم" واسمه محمد بن عبد الله "إياك والرواية عن الأحياء وفي رواية البيهقي" في المدخل "قال" الشافعي لابن الحكم "لا تحدث عن الحي فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان قاله" الشافعي لابن عبد الحكم "حين حكى عنه حكاية فأنكرها ثم ذكرها".
1 فتح المغيث 2/85.
2 الزهري هو: أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب المدني. قال ابن منجويه: رأى عشرة من الصحابة وكان من أحفظ أهل زمانه فقيها فاضلا. مات سنة 124. له ترجمة في: العبر 1/158، ووفيات الأعيان 1/451، وشذرات الذهب 1/162.
3 ص 139.
4 ص 140.
قال السخاوي وذلك فيما روينا في مناقبه والمدخل كلاهما للبيهقي من طيرق أبي سعيد الخصاص عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال سمعت من الشافعي حكاية فكيتها عنه فنميت إليه فأنكرها قال فاغتم أبي لذلك غما شديدا وكنا نجله فقلت: له أنا أذكره لعله يتذكر فمضيت إليه فقلت: يا أبا عبد الله أليس تذكر يوم كذا وكذا في الإسلام فوقفته عن الكلمة فذكرها ثم قال يا محمد لا تحدث عن الحي فإن الحي لا يؤمن عليه أن ينسى1. انتهى.
"المسألة الثالثة":
"من أخذ أجرة على الرواية اختلفوا" أي أئمة الحديث "فيه" أي في قبول من أخذ أجرة على التحديث2 "منهم من لم يقبله وهو مذهب أحمد" ابن حنبل "وإسحق" بن راهويه "وأبي حاتم الرازي3" قالوا "لأنه يخرم من مروءة الإنسان وإن استحله" الأخذ أي رآه حلالا لأنه قد تقدم في رسم العدالة أنه لا بد من السلامة عما يخرم المروءة فمن خرمها فليس بعدل "بخلاف أخذ الأجرة على القرآن" أي على تعليمه قالوا لأن هناك العادة جارية بأخذ الأجرة فلا يخرم مروءة الآخذ قالوا "و" لأن "الظن يساء بفاعل ذلك" أي فاعل قبض الأجرة على الرواية.
قال الخطيب وإنما منعوا ذلك تنزيها للراوي عن سوء الظن به فإن بعض من كان يأخذ الأجرة على الرواية. عثر على تزيده وادعائه مالم يسمع لأجل ما كان يعطي ولذا بالغ شعبة فيما يروي عنه وقال لا تكتبوا عن الفقراء شيئا فإنهم يكذبون4.
1 التقييد والإيضاح ص 131- 132. وفتح المغيث للعراقي 2/31. وتدريب الراوي 1/337.
2 في التعليقة السابقة خلاف هؤلاء العلماء حاصل في أخذ المحدث العوض عن التحديث من تلاميذه الذين ينقطع هو لهم.
فإما أن يأخذ المحدث من بيت مال المسلمين ما يقوم بحاجاته وحاجات من تجب عليه نفقتهم جزاء احتباسه لذلك فليس بموضوع خلاف بينهم والله اعلم.
3 أنظر علوم الحديث ص 107. وفتح المغيث للعراقي 2/31، وتدريب الراوي 1/337.
4 أنظر الكفاية ص 154، 155.
"قال الزين إلا أن يقترن بذلك عذر ينفي ذلك عنه" أي سوء الظن وخرم المروءة "كما روى عن أبي الحسين بن النقور1" ضبط بالنون والقاف آخره راء "أنه فعل ذلك" أي أخذ الأجرة على الرواية "لأن أصحاب الحديث منعوه عن النكب لعياله فأفتاه بجوازذلك في هذه الحال الشيخ أبو اسحق الشيرازي2" فهذا مع العذر وأما مع عدمه فتقدم من منع ذلك.
"ومنهم من رخص فيه" أي في أخذ الأجرة "منهم أبو نعيم الفضل بن دكين" بالدال المهملة مضمومة "شيخ البخاري" روى عنه فأكثر وروى عنه الإمام أحمد وإسحق بن راهوية وابن المبارك وخلق وكان أبو نعيم من أحفظ الناس وأشدهم إتقانا وثقة الأئمة وكان يأخذ العوض على التحديث بحيث أنه كان إذا لم يكن معهم دراهم صحاح بل مكسورة أخذ صرفها ذكره البخاري3.
ومنهم عفان أحد الشيوخ الحفاظ الأثبات شيخ البخاري أيضا قال حنبل سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يقول شيخان كان الناس يتكلمون فيهم ويذكرونهما وكنا نلقي من الناس في أمرهما ما الله به عليم قاما الله بأمر لم يقم به أحد أو كثير أحد يقل ما قاما به عفان ونعيم يعني بقيامهما عدم الإجابة في المحنة وتكلم الناس فيهمامن أجل أنهما كانا يأخذان على التحديث4.
وقد عد السخاوي جماعة أخذوا على التحديث قال ابن حزم سمعت أبا نعيم يقول يلومونني على الأخذ ويف بيتي ثلاثة عشر وما في بيتي رغيف.
* * *
"المسألة الرابعة":
"رد أهل الحديث من عرف بالتساهل في السماع كالنوم" أي كمن ينام هو أو شيخه "في حال السماع" ولا يبالي بذلك ولذا قال "سواء صدر من الشيخ أو من التلميذ فإنه قدح فيمن صدر عنه ثم اعتد بذلك السماع من غير تمييز لما سمعه مما نام عند سماعه"
1 له ترجمة في: تاريخ بغداد 4/381- 382، والعبر 3/272.
2 فتح المغيث للعراقي 2/33، والعبر 3/272- 273.
3 الكفاية ص 156. وسير أعلام النبلاء 10/125.
4 تاريخ بغداد 12/348- 349.
وذلك لأنه يثبت ماسمع ولا بضبطه رد أهل الحديث روايته "ومثل من روى الحديث من غير أصل مقابل على أصله أو أصل شيخه" مع كونه هو أو القارئ أو بعض السامعين غير حافظ كما يأتي في بابه ومن ذلك من كان يحدث بعد ذهاب أصوله واختلاج حفظه كابن لهيعة حكاه هشام بن حسان.
قال جاء قوم ومعهم جزء قالوا سمعناه من ابن لهيعة فنظرت فلم أجد فيه حديثا واحدا من حديثه فأتيته فأعلمته بذلك فقال ما أفعل يجيئوني بكتاب فيقولون هذا من حديثك فأحدثهم به1 قال السخاوي2 ولاظاهر أن الرد بذلك ليس على الإطلاق وإلا فقد عرف به أئمة من الجماعة المقبولين وكأنه لما انضم إليهم من الثقة وعدم الإتيان بمالا ينكر.
"وكذا" رد "من عرف بقبول التلقين" الباطل مما يتقنه إياه والتلقين في اللغة التفيهم وفي العرف إلقاء كلام إلى الغير "في الحديث" أي إسنادا أو متنا وبادر إلى التحديث بذلك ولو مرة.
"وهو أن يلقن الشيء فيحدث به من غير أن يعلم أنه من حديثه" فلا يقبل لدلالته على مجازفته وعدم تثبته وسقوط الوثوق بالمتصف به.
"كموسى بن دينار" في الميزان قال علي سمعت يحيى القطان قال دخلت على موسى بن دينار أنا وحفص فجعلت لا أريده على شيء إلا لقنته وقال أبو حاتم مجهول وقال الدارقطني ضعيف "ونحوه وكذلك" ردوا "حديث من كثرت المناكير والشواذ في" الروايات من "حديثه" قال ابن الصلاح: في وجه رده وذلك لأنه يخرم الثقة بالراوي وضبطه "كما قال شعبة لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ3" أي النادر وجوده في الرواة.
"وكذلك قيل له" أي لشعبة "من الذي يترك الرواية عنه قال إذا أكثر من الرواية عن المعروف بما لا يعرف أو أكثر غلطه" وقال القاضي أبو بكر الباقلاني فيما حكاه الخطيب عنه4 من عرف بكثرة الغفلة والسهو وقلةالضبط رد حديثه.
1 الكفاية ص 152. وسير اعلام النبلاء 8/24. والمجروحين 1/69.
2 فتح المغيث 2/101.
3 الكفاية ص 141. والمحدث الفاضل ص 410. وعلوم الحديث ص 108.
4 الكفاية ص 152.
قال السخاوي1 وأما من لم تكثر شواذه ولا مناكيره أو كثر ذلك مع تمييزه له وبيانه فلا يرد.
"وكذلك ردوا حديث من عرف بكثرة السهو إذا لم يحدث عن أصل صحيح وأما من أصر على غلطه بعد البيان فورد عن ابن المبارك وأحمد ابن حنبل والحميدي وغيرهم أنها تسقط روايته ولا يكتب عنه2" لأن إصراره على الغلط يبطل الثقة بقوله "قال ابن الصلاح: وفي هذا نظر" قال السخاوي وكأنه لقوله قد لا يثبت عنه ما قيل إما لعدم اعتقاده علم المبين له وعدم أهليته أو لغير ذلك.
"وهو غير مستنكر إلا إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو نحو ذلك وقال ابن مهدي لشعبة من الذي تترك الرواية عنه فقال إذا تمادى على غلط مجمع عليه ولا يتهم نفسه عند الإجتماع" أي إجتماع الحفاظ "على خلافه" أي خلاف مارواه "أو رجل يتهم بالكذب وقال ابن حبان إن من تبين له خطأه وعلم" بخطئه "فلم يرجع عنه وتمادى" في ذلك "كان كذابا بعلم صحيح" قال التاج التبريزي لأن المعاند كالمستخف بالحديث بترويج قوله بالباطل وأما إذا كان عن جهل فأولى بالسقوط لأنه ضم إلى جهله إنكاره الحق وكان هذا يفمن يكون يف نفسه جاهلا مع اعتقاده علم من أخبر.
* * *
"المسألة الخامسة":
"قال زين الدين ما معناه أعرض الناس في هذه المصور المتأخرة عن اعتبار مجموع هذه الشروط" التي شرحت فيما مضى في الراوي وضبطه فلم يتقيد وابها في علمهم "لعسرها وتعذر الوفاء بها" بل استقر عندهم العمل على اعتبار بعضها كما أشار إليه بقوله "فيكتفي في أهلية الشيخ كونه مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق وما يخرم المروءة" زاد لزين ظاهرا والمراد بكونه مستور الحال فهذا في العدالة.
"ويكتفي في اشتراط ضبط الراوي بوجود سماعه مثبتا بخط ثقة غير متهم وبروايته من أصل موافق الأصل شيخه وقد سبق إلى نحو ذلك" أي ماقاله الزين الحافظ الكبير أبو بكر "البيهقي لما ذكر توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذي لا
1 فتح المغيث 2/105.
2 أنظر الكفاية ص 117- 118، وفتح المغيث للعراقي 2/34.
يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم وذلك" أي وجه الأكتفاء بما ذكر وكأنه نقل كلام البيهقي بمعناه وعبارة ابن الصلاح بلفظ ووجه ذلك يعني البيهقي بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دونت في الجواع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب على جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها "لتدوين الحديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث".
"قال" البيهقي "فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم" أي الأئمة الجامعين للأحاديث التي عرفت عندهم "لم نقبل منه" لأنه يبعد أن لا يأتي أحد من الأئمة في كتبهم "ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه" حال كونه "لا ينفرد بروايته" بل رواه غيره "فالحجة قائمة بحديثه من رواية غيره" فأن قيل فما فائدة السماع منه فجوابه قوله "والقصد بروايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا وتبقى هذه الكرامة" وهي سلسلة الإسناد بلفظ التحديث والأخبار "التي خصت بها هذه الأمة" فإنه لم يكن ذلك في الأمم الماضية "شرفا" خبر ليبقى على أنه فعل ناقض على قول أو مفعول له أو حال من الكرامة "لنبينا صلى الله عليه وسلم" تبقى أخباره على هذه الطريقة التي لا انقطاع فيها1.
قلت: ولا يعزب عن ذهنك أن المصنف قد سرد في آخر بحث المرسل هذه الفائدة وزاد عليها فائدتين فتذكر "وكذا الاعتماد في روايتهم على الثقة المفيد لهم لا عليهم" والحاصل أنه لما كان الغرض أولا معرفة التعديل والتجريح وتفاوت المقامات في الحفظ والإتقان ليتوصل بذلك إلى التصحيح والتحسين والتضعيف حصل التشديد بمجموع تلك الصفات ولما كان الغرض آخرا هو الاقتصار في التحصيل على مجرد وجود السلسلة السندية اكتفوا بمامر ذكره وتقريره "وهذا كله توصل من الحفاظ إلى حفظ الأسانيد إذ ليسوا من شرط الصحيح إلا على وجه المتابعة فولا رخصة العلماء لما جارت الكتابة عنهم" لأنهم ليسوا على شرط من كتب حديثه "ولا" جازت "الرواية إلا عن قوم منهم" انتهى كلام الحافظ البيهقي.
"قال زين الدين وهذا هو الذي استقر عليه العمل قال الذهبي في مقدمة كتابه
1 علوم الحديث 109. وفتح المغيث للعراقي 2/35، وفتح الباقي 1/347- 348.
الميزان العمدة في زماننا يلس على الرواة بل على المحدثين والمفيدين الذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين قال ثم من المعلوم أنه لا بد من صون المروى وستره" أي صائنا لعرضة ساترا لنفسه عن الأدناس وما يعيببه عليه الأكياس من الناس كذا فسره البقاعي ويظهر لي أنه أراد صوته لكتاب سماعه بدليل قوله المروي وستره له عمن بغيره ويفسده والله أعلم.
واعلم أنه ذكر هذا في الميزان علة لقوله وكذلك من قد تكلم فيه من المتأخرين لا أورد منهم إلا من قد تبين ضعفه أو على التوقف منه واتضح أمره من الرواة والعمدة إلى آخره.
ثم قال والحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس ثلثمائة ولو فتحت على نفسي تلبين هذا الباب لما سلم مني إلا القليل إذا الأكثر لا يدرون ما يرو ولا يعرفون هذا الشأن إنما سمعوا في الصغر واحتيج إلى علو سندهم في الكبر فالعمدة على من قرألهم وعلى من أثبت صفات السماع لهم انتهى.
"قلت: هذا الذي يرجع إليه أهل الحديث هو بعينه الذي بدأ به أهل البيت عليهم السلام" أي الزيديه منهم فإنه قد عد المنصف في العواصم عدة من علماء أهل البيت ليسوا على مذهب الزيدية بل في كل فرقة من فرق الأئمة الأربعة علماء من أهل البيت مذاهبهم على طربقة من هم بين اظهرهم "وهو قبول المراسيل من العدول الثقات الأمناء" وذلك لأن هؤلاء الرواة من المتأخر ين صرح أئمة الحديث بأنه ليس الإعتماد عليهم بل على المحدثين المفيدين وإذا كان الأعتماد عليهم لم يكونوا الإعتماد عليهم بل على المحدثين المفيدين وإذا كان الإعتماد عليهم لم يكونوا رواة فالذي يروي من طريقهم مرسل وإن كان موصولا صورة "ولكن لابد من تقييد المراسيل بما تقدم في بابها والله أعلم" حيث قال فأن المتأخرين من المحدثين وافقوا على قبول المراسيل وهو ملنص على صحته ثقه عارف بهذا الشأن لارتفاع العلل الموهية للمراسيل عن هذا النوع إلى آخر كلامه هنالك.
* * *