الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: 40 [في زيادة الثقات]
من أنواع علوم الحديث "زيادة الثقات هي فن لطيف تستحسن العناية قه وقد كان الفقيه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري مشهور بمعرفة ذلك وكذلك أبو الوليد حسان بن محمد القرشي تلميذ ابن سريج وغير واحد من أئمة الحديث" هذا كلام ابن الصلاح وزين الدين وزاد وأبو نعيم الجرجاني ولكنه قال بزيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث.
قال عليه الحافظ ابن حجر مراده بذلك الألفاظ التي يستنبط منها الأحكام الفقهية لا ما رواه الفقهاء دون المحدثين في الأحاديث فإن تلك تدخل في المدرج لا في هذا وإنما نبهت على هذا وإن كان ظاهرا لأن العلامة مغلطاوي استشكل ذلك على المصنف ودل أنه ما فهم مغزاه قال ابن حبان في مقدمة الضعفاء لم أر على أديم الأرض من كان يحسن صنعة السنن ويحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم بزيادة كل لفظة زادها في الخبر حتى كأن السنن نصب عينيه إلا محمد بن اسحق بم خزيمة فقط.
"واختلف العلماء فيها" أي في حكم الزيادة من الثقات "فالذي عليه أئمة أهل البيت قبولها وهو الذي حكاه الخطيب عن الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث وادعى ابن طاهر الاتفاق على هذا عند أهل الحديث" فقال في مسألة الانتصار لا خلاف نجده بين أهل الصنعة أن الزيادة من الثقة مقبولة.
"وشرط أبو بكر الصيرفي الشافعي والخطيب أن يكون راويها حافظا" الظاهر أن هذا الشرط لا خلاف فيه للعمل بها.
"و" شرط "ابن الصباغ" في العدة "أن لا يكون" راوي الزيادة "واحدا ومن روى الحديث ناقصا" عن تلك الزيادة "جماعة" فاعل روى منصفين بأن "لا يجوز عليهم الوهم ومجلس الحديث" الذي سمع فيه راوي الزيادة وراوي النقص "واحد" فهذه
ثلاثة شروط زادها ابن الصباغ وكأن دليله عليها أنه يبعد أن يحفظ واحد ولا يحفظ جماعة ومجلس السماع والشيخ واحد فإن الوهم يتطرق إلى الواحد دون الجماعة.
ولهذا تنتقض القاعدة المشهورة بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ بالتخصيص بمثل هذه الصورة ولم يستدل المصنف لهذا القول كما لم يستدل لغيره ولعله يقول دليل قبولها مطلقا ما علم من دليل وجوب قبول خبر الآحاد وبهذا احتج من قبل الزيادة مطلقا وهم الأولون فقالوا إن الراوي إذا كان ثقة وانفرد بالحديث من أصله كان مقبولا فكذلك انفراده بالزيادة ورد هذا الاحتجاج من لم يقبله بأنه ليس كل حديث تفرد به أي ثقة كان مقبولا كما سبق بيانه في نوع الشاذ وبالفرق بين تفرد الراوي بالحديث من أصله وبين تفرده بالزيادة فإن تفرده بالحديث لا يتطرق نسبة السهو والغفلة إلى غيره من الثقات إذ لا مخالفة في روايته لهم بخلاف تفرده بالزيادة إذا لم يروها من هو أتقن منه حفظا وأكثر عددا فإن الظن غالب بترجيح روايتهم على روايته ومبني هذا الأمر على غلبة الظن واحتج بعض الأصوليين أنه من الجائز أن يقول الشارع كلاما في وقت فيسمعه شخص ويزيده في وقت آخر فيحضره غير الأول ويؤدي كل ما سمع وبتقدير اتحاد المجلس فقد يحضر أحدهما في أثناء الكلام فيسمع ناقصا وبضبطه الآخر تاما أو ينصرف أحدهما قبل تمام الكلام ويتأخر الآخر وبتقدير حضورهما فقد يذهل أحدهما أو يعرض له ألم أو جوع أو فكر شاغل أو نحو ذلك من العوارض ولا يعرض لمن حفظ الزيادة.
وأجيب عن هذا بأن الذي يبحث فيه المحدثون في هذه إنما هو في زيادة أحد روايتي التابعين فمن بعدهم أما الزيادة الحاصلة من بعض الصحابة على صحابي آخر إذا صح السند إليه فلا يختلفون في قبولها كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين في قصة آخر من يخرج من النار وأنه تعالى يقول له بعد ما يتمنى "لك ذلك ومثله معه" وقال أبو سعيد الخدري أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لك ذلك وعشرة أمثاله معه" 1 ونحوه من الأمثلة كثير وأنما الزيادة التي يتوقف أهل الحديث في قبولها من غير الحافظ حيث يقع في الحديث الذي يتحد مخرجه كمالك عن نافع عن ابن عمر إذا روى الحديث جماعة من الحفاظ الإثبات العارفين بحديث ذلك
1 البخاري في: الرقاق: ب 51، وابن ماجة في: الزهد: ب 39، وأحمد 1/460.
الشيخ وانفرد دونهم بعص رواته بزيادة فيه فإنها لو كانت محفوظة ما غفل الجمهور من رواته عنها وينفرد واحد بحفظها دونهم مع توفر دواعيهم إلى الأخذ عنه وجمع حديثه فإن ذلك يقتضي ريبة توجب التوقف عنها.
قلت: وبمعرفتك محل النزاع تعرف عدم نهوض الاحتجاج بقبوله صلى الله عليه وسلم خبر الأعرابي برؤية الهلال وقبول خبر ذي اليدين وأبي بكر وعمر كما استدل به البرماوي.
"والقول الثاني" هذا مقابل لقوله فالذي عليه أئمة أهل البيت فإنه القول الأول "أنها لا تقبل الزيادة مطلقا" ممن رواه ناقصا ومن غيره "حكاه" أبو بكر "الخطيب" البغدادي "في الكفاية وابن الصباغ في العدة عن قوم من أصحاب الحديث" وروايته للقبول ع جمهور المحدثين وروايته لعدم قبوله عن قوم منهم.
قال الحافظ ابن حجر: والذي اختاره يعني الخطيب لنفسه أن الزيادة مقبولة إذا كان راويها عدل حافظا متقنا ضابطا قال قلت: وهذا متوسط بين المذهبين فلا ترد الزيادة من الثقة مطلقا ولا تقبل مطلقا.
"والثالث" من الأقوال التفصيل وهو "أنها لا تقبل ممن رواه ناقصا وتقبل من غيره من الثقات حكاه الخطيب عن فرقة من الشافعية وفي المسألة أقوال غير هذه".
قلت: ذكر البرماوي في شرح ألفيته في أصول الفقه عشرة أقوال.
"وقد قسمه" أي ما يرى بالزيادة "ابن الصلاح إلى ثلاثة أقسام":
"أحدهما: ما يقع منافيا لما قد رواه الحافظ فهو مردود كما مر في الشاذ".
"الثاني ما تفرد برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما روى الغير لمخالفة أصلا فهذا مقبول وقد ادعى فيه اتفاق العلماء وقد تقدم أيضا في الشاذ" قال ابن الصلاح: قد سبق مثاله في نوع الشاذ.
"الثالث ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظ في حديث لم يذكرها" تلك الزيادة "سائر من روى ذلك الحديث" المجرد عن الزيادة قال ابن حجر: هذا التفصيل قد سبق المؤلف إليه يريد ابن الصلاح إمام الحرمين في البرهان فقال بعض أن حكى عن الشافعي وأبي حنيفة قبول زيادة الثقة هذا عندي فيما إذا سكت الباقون فإن صرحوا بنفي ما نقله هذا الراوي مع إمكان اطلاعهم فهذا يوهن قول قابل الزيادة.
وفضل أبو نصر ابن الصباغ في العدة تفصيلا آخرين أن يتعدد المجلس فيعمل بهما
لأنهما كالخبرين أو يتحد فإن كان الذي نقل الزيادة واحدا والباقون جماعة لا يجوز عليهم الوهم سقطت الزيادة وإن كان بالعكس أو كان كل من الفريقين جماعة فالقبول وكذا إن كان كل منهما واحد حيث يستويان وإلا فرواية الضابط منهما أولى بالقبول.
وقال الإمام فخر الدين: إن كان الممسك عن الزيادة أضبط من الراوي لها فلا يقبل ذلك إن صرح بنفيها وإلا قبلت.
وقال الآمدي وجرى عليه ابن الحاجب إن اتحد المجلس فإن كان من لم يروها قد انتهوا إلى حد لا تقضي العادة بغفلة مثلهم عن سماعها والذي رواها واحد فهي مردودة وإن لم ينتهوا إلى هذا الحد فاتفق جماعة الفقهاء والمتكلمين على قبول الزيادة خلافا للجماعة ثم قال فائدة حكى ابن الصلاح عن الخطيب فيما إذا تعارض الوصل والإرسال أن الأكثر من أهل الحديث يرون أن الحكم للمرسل وحكى هنا عنه أن الجمهور من أئمة الفقه والحديث يرون أن الحكم لمن أتى بالزيادة إن كان منه وهو ظاهر التعارض ومن أبدى فرقا بين المسألتين فلا يخلو عن تكلف وتعسف وقد جزم ابن الحاجب أن الكل بمعنى واحد فقال إذا أسند الحديث وأرسلوه أو رفعه ووقفوه أو وصله وقطعوه فحكمه حكم الزيادة في التفصيل السابق ثم ذكر جوابا لا يخلو عن تكلف وتعسف.
"ومثله ابن الصلاح1 بما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر في رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين2" قال ابن الصلاح: فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة من المسلمين "وروى عبيد الله" مصعر "ابن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة فأخذ بها غير واحد من الأئمة منهم الشافعي وأحمد قال الزين وهذا المثال غير صحيح فقد تابع مالكا على ذلك" أي على زيادة من المسلمين "عمر بن نافع" أي العدوي مولى ابن عمر ثقة "والضحاك بن عثمان" بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي بكسر أوله وبالزاي أبو عثمان النهدي
1 علوم الحديث ص 113.
2 البخاري في: الزكاة: ب 70، 71، ومسلم في: الزكاة: حديث 12، 13، 16. وأحمد 2/102.
"ويونس بن يزيد وعبد الله بن عمر" البصري وأبو المظفر السري بالتشديد العطار "والمعلي بن إسماعيل" لم أجده في الميزان ولا في التقريب ثم رأيت في نكت البقاعي أنه قال فيه أبو حاتم الرازي ليس بحديثه بأس صالح الحديث لم يرو عنه غير أرطاة وذكره ابن حبان في الثقات وحديثه هذا أخرجه ابن حبان في صحيحه والدارقطني في سننه عن أرطاة بن منذر عن المعلي بن إسماعيل عن نافع بالزيادة المذكورة وكثير بن فرقد نزيل مصر ثقة وثقة ابن معين وأبو حاتم وأخرج له البخاري قاله البقاعي في نكته وروايته أخرجها الحاكم في المستدرك من رواية الليث بن سعد عن "كثير بن فرقد" عن نافع وقال فيها من المسلمين وأخرجها الدارقطني في السنن وقال الحاكم هذا الحديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه "واختلف في زيادتها على عبيد الله بن عمر وأيوب".
واعلم أن أصل التمثيل للزيادة وقع للترمذي لأنه قال ما لفظه حديث ابن عمر رواه مالك عن نافع عن ابن عمر نحو حديث أيوب وزاد فيه من المسلمين ورواه غير واحد عن نافع ولم يذكر فيه من المسلمين انتهى فتبعه ابن الصلاح واعترضه النووي بقوله لا يصح التمثيل بهذا الحديث لأنه لم ينفرد به بل وافقه في الزيادة عمر بن نافع بن عمر والضحاك بن عثمان والأول في صحيح البخاري والثاني في صحيح مسلم وقد تعقب النووي الشيخ تاج الدين التبريزي بقوله إنما مثل به حكاية عن الترمذي فلا يرد عليه شيء وتعقب بأن ابن الصلاح أقره ورضيه فورد عليه ما ورد على الترمذي.
فعرفت أن القول بأنها زيادة تفرد بها مالك كلام الترمذي وأنه قد سبق بالاعتراض على ابن الصلاح النووي.
وقال ابن حبان أورده بالزيادة الحاكم والدارقطني والطحاوي وبدونها مسلم وللزيادة شاهد وهو حديث ابن عباس عند أبي داود1 فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وأخرجه الحاكم2 والدارقطني ووجه الدلالة فيه أن الكافر لا طهرة له. انتهى.
"قال" أي الزين "والصحيح في المثال" ما ذكره ابن الصلاح أيضا وهو "حديث
1 في: الزكاة: ب 18. وابن ماجة في: الزكاة: ب 61.
2 علوم الحديث ص 131.
"جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" زاد فيه "وتربتها طهورا" 1 أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي وانفرد بذلك من دون سائر الرواة" قال الزين بعد هذا والحديث رواه مسلم والنسائي2 من رواية الأشجعي عن ربعي عن حذيفة قال عليه الحافظ ابن حجر وهذا التمثيل ليس بمستقيم أيضا لأن أبا مالك قد تفرد برواية جملة الحديث عن ربعي بن خراش كما تفرد بروايته ربعي عن حذيفه فإن أراد أن لفظة تربتها زائدة في هذا الحديث على باقي الأحاديث في الجملة فإنه يرد عليه أنها في حديث علي رضي الله عنه كما نبه عليه شيخنا وإن أراد أن أبا مالك تفرد بها وأن رفقته عن ربعي لم يذكروها كما هو ظاهر كلامه فليس صحيح.
قلت: وحديث علي أخرجه أحمد في مسنده بإسناد حسن بلفظ وجعل التراب لي طهورا وأخرجه البيهقي أيضا.
"قال ابن الصلاح: وفي هذا القسم شبه من القسم الأول المردود" وهو أول الأقسام الثلاثة من تقسيم ابن الصلاح "من حيث أن ما رواه الجماعة عام" لأجزاء الأرض "وهذا مخصوص" بالتربة "وفي ذلك نوع مخالفة ومغايرة" وهي مغايرة الخاص والعام "ويشبه القسم الثاني" من الثلاثة وهو "المقبول من حيث إنه لا منافاة بينهما" إذ لا منافاة بين عام وخاص في الحقيقة ولذا قال في العبارة الأولى نوع مخالفة.
"قلت: وهو موضع ترجيح واجتهاد" في القبول وعدمه وحيث لا يحصل موجب الرد فالأصل وجوب قبول الثقات وقد يقع الغلط في الحكم بالانفراد أي في حكم العالم بأن هذا الحديث أو الزيادة تفرد بها الراوي لأن الأصل عدمه فلا يحكم به إلا بدليل كذا عللوه والانفراد وعدمه ليس أحدهما أصلا بل يتوقف الحكم بهما على البحث والاستقراء "فهذا ابن الصلاح غلط على مالك في ذلك" كما عرفت آنفا "وهو" أي ابن الصلاح "من أئمة هذا العلم فكيف بغيره قال ابن الصلاح: وبين الوصل والإرسال من المخالفة نحو ما ذكرناه" إذ الوصل زيادة ثقة "وقد قدمنا الكلام عليه" أي في القسم الثالث.
"قال" أي ابن الصلاح "ويزداد ذلك بأن الإرسال نوع قدح في الحديث وترجيحه"
1 البخاري 1/91، ومسلم في: المساجد: حديث 3. وأبو داود 489. والترمذي 317، وأحمد 1/250.
2 2/56.
أي الأرسال "من قبيل تقديم الجرح على التعديل" لأنه بإطراح من وصل كان كالجرح له "قال ويمكن أن يجاب عنه بأن الجرح إنما قدم لما فيه من زيادة الثقة والزيادة هنا مع من وصل" وليس في عبارة ابن الصلاح لفظ يمكن.
* * *