الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: 54 [في كتابة الحديث وضبطه]
"كتابة الحديث وضبطه اختلف الصحابة والتابعون في كتابة الحديث" أي اختلف في ذلك كل فريق في عصره.
"فكرهه" كراهة تحريم كما صرح به جماعة "ابن عمر1 وابن مسعود وزيد بن ثابت2 وأبو موسى وأبو سعيد الخدري وآخرون من الصحابة" بل قالوا تحفظ عنهم حفظ قلب كما أخذه عنهم حفظا "والتابعين" منهم الشعبي والنخعي "لقوله صلى الله عيله وآله وسلم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد3" وفي رواية أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الحديث فلم يأذن له4.
"وجوزه" أي كتب الحديث "وفعله جماعة من الصحابة منهم علي وابنه الحسن وعمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس بن مالك وابن عباس وابن عمر في رواية والحسن" وقال البلقيني في محاسن الإصطلاح أعلى من روى عنه ذلك من الصحابة عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان روى عن عمر أنه قال قيدوا العلم بالكتابة ونحوه عن عثمان "وعطاء وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز وحكاه
1 ابن عمر هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أسلم قديما بمكة مع إسلام أبيه وهاجر وهوابن عشر وكان من سادات الصحابة وفضلائهم لازما للسنة فارا من البدعة مات سنة 73. له ترجمة في: أسد الغابة 3/340.والإصابة 1/338.
2 زيد بن ثابت بن الضحاك أبو خارجة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فرده وشهد احدا وما بعدها مات سنة 45. له ترجمة في: اسد الغابة 2/278. والإصابة 1/543. والعبر 1/53.
3 مسلم في: الزهد: حديث 72. وأحمد 3/12، 21.
4 الترمذي 2665. والدارمي 457.
القاضي عياض1 عن أكثر الصحابة والتابعين".
"قال" القاضي "ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف" بناء على وقوع الإجماع بعد الخلاف والإعتداء به وهي مسألة خلاف في الأصول.
"ومما يدل على الجواز" أي في عصره صلى الله عليه وسلم فضلا عما بعده ما ذكره زين الدين من "قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "اكتبوا لأبي شاه" 2" بالشين المعجمة وهاء منونة في الوقوف والدرج على المعتمد وهو أمر منه صلى الله عليه وسلم بكتب خطابته التي سمعها أبو شاه يوم الفتح من رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب أن تكتب له فأمر صلى الله عليه وسلم بكتابتها له قال ابن عبد البر في الإستيعاب إن أبا شاه رجل من أهل اليمن حضر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم مكة فقال أبو شاه أكتب لي يا رسول الله الخطبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه" قال ابن عبد البر وهو من ثابت الحديث وأما قول البلقيني يجوز أن يدعي أنها واقعة عين فقد نظره السخاوي وكأن وجهه أن الأصل التشريع العام.
ومن الأدلة على الجواز ما ي صحيح البخاري3 من حديث: "إيتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا
…
"، الحديث.
"و" من الأدلة على جوازها "ما روى أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو" ابن العاص "قال كنت أكتب كل شيء سمعته عن رسول الله وذكر الحديث وفيه أنه ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له اكتب" وفي لفظ قلت: يا رسول الله أكتب ما أسمعه منك في الغضب والرضا قال: "نعم، فإني لا أقول إلا حقا" 4 وكانت تسمى صحيفته تلك الصادقة رواه ابن سعد وغيره.
"وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن عبد الله بن عمرو كان يكتب" فإنه قال أبو هريرة ما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب5.
1 الإلماع ص 147- 148.
2 البخاري 1/39. ومسلم في: الحج 447. وأحمد 2/238.
3 البخاري 3138. ومسلم 1637، وأحمد 1/293.
4 أحمد 2/207، والحاكم 1/105.
5 البخاري 113. والترمذي 2688. وأحمد 2/248.
"قلت: وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقات لأبي بكر الصديق وهو في صحيح البخاري" قلت: وكتب صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وملك مصر وعمان وغيرهم "وكتب لعمرو بن حزم الديات والزكوات كما قدمنا في الوجادة وكتب علي عليه السلام صحيفة كانت معلقة في سيفه فيها أسنان الإبل ومقادير الديات وهو صحيح أظنه في صحيح البخاري" هو كما ظنه رحمه الله وأوله فيه: "ما كتبنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة"1.
"وبالجملة فلو تركت الكتابة في الأعصار الأخيرة لكان ذلك سبيلا إلى الجهل بالشريعة وموت كثير من السنن" بل قد كتب عمر بن عبد العزيز في عصره إلى أهل المدينة: "انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل المدينة انظروا ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فانى خشيت دروس العلم وذهاب العلماء"2 وعن الشافعي إن هذا العلم يند كما تند الإبل ولكن الكتب له حماة والأعلام عليه رعاة وبالجملة فقد استقر الأمر جواز الكتابة.
قال ابن حجر: لايبعد وجوبها على من خشى النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم ونحوه قول الذهبى إنه يتعين من المائة الثالثة وهلم جرا وأول من دون الحديث الزهرى بأمر عمر بن عبد العزيز وبعث به إلى كل أرض له عيله سلطان.
"وقد إختلف في الجواب عن حديث أبي سعيد" الدال على النهي عن الكتابه "والجمع بينه وبين أحاديث الإذن" في الكتابه كحديث أبي شاه فأجيب بجوابات ثلاثة:
الأول: [ما أفاده قوله]"فقيل إن النهى منسوخ بها وكان النهي في أول الأمر لخوف إختلاطه" أى الحديث "بالقرآن" أي بسبب أنه لم يكن قد إشتد إلف الناس بالقرآن ولم يكثر حفاظه والتقنون له فلما ألفه الناس وعرفوا أساليبه وكمال بلاغته وحسن تناسب فواصله وغايته صارت لهم ملكة يميزونه بها من غيره فلم يخش اختلاطه بعد ذلك فلذا قال: "فلما أمن ذلك أذن فيه" وهذا الجواب جنح إليه ابن شاهين فإن الإذن لأبي شاه كان في فتح مكة قال الحافظ وهو أي هذا الجمع أقربها.
"و" الثاني: "قيل إن النهي في الحق من وثق بحفظه" وهذا كما قال ثعلب: إذا أردت أن يكون عالما فالكسر القلم "والإذن لمن لم يثق".
1 البخاري 111، والدارمي 2361، وأحمد 1/79.
2 البخاري 1/194، وسنن الدارمي 1/104، وشرح السنة 1/296.
"و" الثالث "قيل النهي عن كتابه الحديث مع القرآن في صحيفةواحدة لانهم كانوا يسمعون تأويل الآيه فريما كتبوه معه" قال الحافظ ابن حجر: ولعل ما قرىء في الشاذ في قوله "ما لبثوا حولا في العذاب المهين" قلت: هذه قراءة ذكرها ابن خلكل لابن شنبوذ وذكر غيرها في شواذه وذكر لها قصة فلا يصح تمثيل به إذ الكلام فيما كان يكتبه الصحابة "فنهوا عن ذلك" عن خلط كتابه القرآن بتأويل في صحيفة "لخوف الإشتباه والله أعلم1".
* * *
مسألة:
"وينغي" إستحبابا مؤكدا بل عبارة بن خلاد وعياض2 تقتضى الوجب وعبارة ابن الصلاح3 ثم إن على كتبة الحديث وطلبته صرف الهمة إلى ضبطه إلى آخر فأدت عبارته الوجوب "لطالب الحديث العناية في تجويد كتابه بإعجام" أى بالنقط "ما يلتبس منه" لو ترك إعجابه والإجام إزلة العجمة وذلك بالنقط نحوه فيميز الخاء المعجمة من الحاء المهملة والذال المعجمة من الدال المهملة كما في مثل "عليكم بمثل حصى الخذف" 4 فيعجم كلا من الخاء والذال بانقط وروى عن الثورى أنه قال الخطوط المعجمة كالبرود المعلمة قال وإعجام المكتوب يمنع من استعجامه وشكله يمنع إشكاله "لاسيما إعجام أسماء الرواة" كخباب بالعجمة وأبي الجوزاء باجيم والزاى وأبي الحوراء بالحاء المهملة والراء.
"ويعرف" عطف على العناية أي وينبغي له أن يعرف "ما اصطلح عليه أهل الحديث فلهم اصطلاحات في تخريج الساقط" قال زين الدين إنهم يسمون ما سقط من أصل الكتاب فألحق في الحاشية أو بين السطور اللحق بفتح اللام والحاء معا قال وأما كيفية ما يسقط من الكتاب فلا ينبغي أن يكتب بين السطور لأنه يضايقها ويعكس ما يقرأ خصوصا إن كانت السطور ضيفة متلاصقة والأولى أن يكتب في الحاشية فإن
1 جامع بيان العلم 1/68، وتقييد العلم ص 286.
2 المحدث الفاضل ص 608، والإلماع ص 150.
3 علوم الحديث ص 162.
4 مسلم 1282. وأحمد 1/210.
كان السقط من وسط السطر فينبغي أن يخرج له إلى جهلة اليمين لاحتمال أن يبقى في بقية السطر سقط فيخرج له إلى جهلة الشمال ثم أطال في هذا البحث بآداب قد أعرض عنها الكتاب في هذه الأزمنة.
"والتخريج" أي صفة التخريج قال الزين أما صفة التخريج للساقط فقال القاضي عياض وأحسن وجوهها ما استمر عليه العمل عندنا من كتابة خط بموضع النقص صاعدا إلى تحت السطر الذي فوقه ثم ينعطف إلى جهة التخريج في الحاشية انعطافا يشير إليه.
"والتمريض والتضبيب" قال الزين التمريض هو كتابة صورة ض هكذا في الحرف الذي يشار إليه تمريضه وقال القاضي عياض في الإلماع شيوخنا من أهل المغرب يتعاملون أن الحرف إذا كتب عليه صح أن ذلك علامة لصحة الحرف فوضع حرف كامل على حرف صحيح وإذا كان عليه صاد ممدودة دون حاء كان علامة أن الحرف غير مستقيم وأما التضبيب فهو مثناة فوقية مقتوحة فضاد معجمة فموحدة بعدها مثناة تحتية فموحدة وهو عطف تفسيري للتمريض فإنه عبارة عن الصورة التي قالها القاضي عياض فإنه قال إن ذلك علامة على أن الحرف لا يستقيم إذا وضع عليه حرف غير تام ليدل نقص الحرف على أختلال الحرف قال ويسممى أيضا ذلك الحرف ضبة أي أن الحرف مقفل لا يتجه لقراءة كما أن الضبة مقفل بها.
"والكشط والمحو والضرب" قال الزين لما تقدم إلحاق الساقط تعقيبة بإبطال الزائد فإذا وقع في الكتاب شيء زائد يلس منه فإنه ينبه عليه إما بالكشط وهوالحك وإما بالمحو بأن يكون الكتاب في لوح أورق صقيل جدا في حال طراوة المكتوب وقد أطال زين الدين في هذه الثلاثة في شرحه.
"والعمل في اختلاف الروايات والإسناد بالرمز" أي إذا كان الكتاب مرويا بروايتين فأكثر في نسخة واحدة فالعمل أن يبني الكتاب أولا على رواية واحدة ثم ما كان من رواية أخرى ألحقها في الحاشية أو غيرها مع كتابة اسم راويها معها أو الإشارة إليه أي بالرمز إن كان زيادة وإن كان الاختلاف بالنقص أعلم على الزائد أنه ليس في رواية فلان باسمه أو الرمز إليه وأما الرمز في الإسناد فهو ماجرت عادة أهل الحديث باختصار بعض ألفاظ الأداء في الخط دون النطق فإنهم يقتصرون من حدثنا على ثنا وربما اقتصروا على الضمير فقط فقالوا نا وربما اقتصروا على حذف الحاء فقط
فكتبوا دثنا قال ابن الصلاح: إنه رآه في خط الحاكم وأبي عبد الرحمن السلمي والبيهقي ومن ذلك أخبرنا اقتصر وافيها على الألف والضمير أعنى أنا وربما لم يحذف بعضهم الراء فيكتب أرنا وبعضهم بحذف الخاء والراء ويكتب أبنا وقد فعله البيهقي وطائفة من المحدثين قال ابن الصلاح: وليس بجيد ومما جرت عادة أهل الحديث حذف قال في أثناء الإسناد في الخط والإشارة إليه بالرمز فرأيت في بعض الكتب المعتمدة الإشارة إليها بقاف فبعضهم بجمعها مع أداة التحديث فيكتب قثنا يرد قال حدثنا وبعضهم يفردها فيكتب في ثنا وهذا اصطلاح متروك قال ابن الصلاح: جرت العادة بحذفها خطا قال ولا بد من ذكرها حال القراءة لفظا ومما جرت به عادتهم عند الإنتقال من سند إلى سند وذلك أنه إذا كان للحديث إسنادان فأكثر وجمعوا بين الأسانيد في متن واحد أنهم إذا انتقلوا من إسناد إلى إسناد آخر كتبوا بينهما حاء مفردة مهملة صورة ح والذي عليه عمل أهل الحديث أن ينطق القاريء بها كذلك مفردة واختاره ابن الصلاح ونقل كلاما كثيرا في ذلك.
"وكتابة التسميع" قال الخطيب في كتاب الجامع يكتب الطالب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه قال وصورة ما ينبغي أن يكتب حدثننا أبو فلان فلان بن فلان بن فلان الفلاني قال حدثنا فلان ويسوق ما سمعه من الشيخ على لفظه قال وإذا كتب الطالب الكتاب المسموع فإنه ينبغي أن يكتب فوق صدر التسمية أسماء من سمع معه وتاريخ وقت السماع قال وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب فكلاهما قد فعله شيوخنا قال إن كان سماعه للكتاب في مجالس عديدة كتب عند انتهاء السماع في كل مجلس علامة البلاغ ويكتب في الذي يليه التسميع والتاريخ والتقطيع كما يكتب في أول الكتاب فعلى هذا شاهدت أصول جماعة من شيوخنا مرسومة.
"وقد ذكروا في هذا النوع آدابا كثيرة وفوائد حسنة أو دعوها هذا النوع من كتب علم الحديث وإنما اختصرتها لطول الكلام فيها واعتمادي على ما يتعلق به التحليل والتحريم غالبا" وقد ذكرنا مما ذكروه محل الحاجة.
* * *