الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: 50 [في ذكر مراتب التعديل]
من علوم الحديث ذكر "مراتب التعديل" مصدر عدله نسبه إلى العدالة مثل فسقه "قال زين الدين هذه الترجمة معقود لبيان ألفاظهم في التعديل التي يدل تغابرها على تباين أحوال الرواة في القوة وقد رتب ابن أبي حاتم" هو الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن الإمام أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي1 "في مقدمة كتاب الجرح والتعديل2 طبقات ألفاظهم فيها فأجاد وأحسن" كما قاله ابن الصلاح3 "وقد أوردها ابن الصلاح وزاد فيها ألفاظا أحذها من كلام غيره" أي غير ابن أبي حاتم "قال زين الدين وقد زدت عليها ألفاظا من كلام أهل هذا الشأن غير متميزة بقلت" أي لا يميزها عن غيرها بقوله قلت: "ولكنني أوضح ما زدته عليها هنا إن شاء الله تعالى" انتهى كلام الزين.
"ثم قال مراتب التعديل أربع أوخمس" وقال السخاوى4 ست وسأوضح مازاده.
"فالمرتبة الأولى العليا من ألفاظ التعديل ولم يذكرها ابن أبى حاتم ولاابن الصلاح فيما زاده عليه وهو أن يكرر لفظ التوثيق الذكور في هذه الرتبة الأولى إما مع تباين اللفظين" مع تقارب المعنى.
"كقولهم ثبت" بسكون الموحدة الثابت القلب واللسان والكتاب وأما ثبت بالفتح ففما يثبت فيه للمحدث مسموعه مع أسماء الشاركين له فيه لأنه كالحجة عند الشخص لسماعه وسماع غيره "حجة أو ثبت حافظ أو ثقه ثبت أوثقه متقن" هو
1 له ترجمة في: البداية والنهاية 11/191. والعبر 2/208. والنجوم الزاهرة 3/256.
2 1/1/37.
3 علوم الحديث ص 110.
4 فتح المغيث 2/109.
الضابط الجيد الضبط فلا بد حينئذ مما يدل على العدالة فاذا قال ثبت أفاد ذلك وزيادة فان معناه ما تطمئن به النفي وتقنع به فيثبت عندها أي لاتطلب عليه مزيدا إذ ذلك لايكون إلا لمن جمع مع الضبط العدالة قال في القاموس ثبته عرفه حق المعرفة والإثبات الثقات انتهى وفي النهايه الثبت بالتحريك الحجة والبينة وحينئذ يكون من الرتبة التى قبلها أو نحو ذلك كقولهم كأنه مصحف هذا مع اختلاف اللفظين.
"أومع إعادة الفظ الأول" بعينه "كقولهم ثقة ثقة" تأكيد لفظي لزيادة التقرير "أو نحوها" وذلك لأن التأكيد الحاصل بالتكرار فيه زيادة على الكلام الحاكي عنه.
قال السخاوي وعلى هذا فما زاد على مرتين مثلا يكون أعلى منهما كقول ابن مهدي ثقه ثقة مأمون ثبت حجة صاحب حديث قال وأكثر ماوقفنا عليه من ذلك قول ابن عيينة حدثنا عمرو بن دينار وكان ثقة سبع مرات وكأنه سكت لانقطاع نفسه.
"فهذه المرتبة أعلى العبارات في الرواة المقبولين كما قاله الحافظ أبو عبد الله الذهبي في مقدمة كتابه ميزان الإعتدال" 1 فأنه قال فأعلى العبارات في المقبولين ثبت حجة إلى آخر ما هنا وقال السخاوي2 إن أعلاها كما قاله شيخه الحافظ ابن حجر الإتيان بصيغة أفعل كأن يقال أوثق الناس أوأثبت الناس أو نحوهما كقول حسان لبن هشام حدثنى أصدق من أدركت من البشر محمد بن سيرين لما تدل عليه هذه الصيغة من الزيادة وألحق بها شيختا المنتهى في الثبت ثم يليه ما هو المرتبه الأولى عند بعضهم كقولهم فلان لايسأل عن مثله ثم يليه ما هو المرتبه الأولى عند الذهبي والزين3. انتهى.
قلت: الذي في مقدمه التقريب4للحافظ أنه جعل أفعل وتكرير الصيغة مرتبة واحدة هي أول المراتب.
واعلم أنه جعل الحافظ ابن حجر أول المراتب كونه صحابيا فإنه قال وبإعتبار ما
1 1/4.
2 فتح المغيث 2/110.
3 نزهة النظر ص 134.
4 1/4.
ذكرته انحصر لى الكلام على أحوالهم في ثنتى عشرة فأولها الصحابة والثانية من أكد مدحه إما بأفعل كأوثق الناس إلى آخر كلامه فأول المراتب توثيقا كون الراوى صحابيا وظاهر هذا أن كونه صحابيا قد تضمن أنه ثقه حافظ فصفة الصحبة قد تكفلت بالعدالة والضبط وهذا لا إشكال فيه بالنظر إلى العدالة على أصل أئمة الحديث ولكن بالنظر إلى الضبط والحفظ لا يخلو عن الإشكال إذ الحفظ وعدمه من لوازم البشرية لا ينافي الصحبة بل لا ينافي النبوة فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه نسى في صلاته وغيرها فكيف يجعل كون الراوي صحابيا أبلغ من الموصوف بأوثق الناس ونحوه والصحبة لا تنافي النسيان وعدم الحفظ بل قد ثبت في صحيح البخاري نسيان عمر لقصة التيمم وتذكيرر عمار له بها ولم يذكر بل قد ثبت أنه قال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله فلانا لقد ذكرني البارحةآية كنت أنسيتها1" وقد ورد علينا سؤال في هذا الشأن وكتبنا فيه رسالة وأطلنا فيها البحث ولم أعلم من تنبه لذلك.
"المرتبة الثانية: وهي التي جعلها ابن أبي حاتم الأولى وتبعه على ذلك ابن الصلاح قال ابن أبي حاتم وجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى" جمع شتيت كمرضى ومريض "فإذا قيل للواحد" من الرواة "إنه ثقة أو متقن فهو محتج بحديث قال ابن الصلاح2 وكذا إذا قال ثبت أو حجة" فكل هذه الألفاظ من المرتبة الاولى وهذه الصفات قد تضمنت العدالة والحفظ فأما إذا أفرد الحفظ والضبط فلا تتضمن العداة كما يشير إليه قوله "وكذا إذا قيل في العدل إنه حافظ أو ضابط" إذ مجرد الوصف بكل منهما غير كاف في التوثيق بل بين المعدل وبنهما عموم وخصوص من وجه لأنه لايوجد بدونهما ويوجدان بدونه ويوجد الثلاثة.
ويدل لذلك ان ابن أبي حاتم سأل أبا زرعة عن رجل فقال له: هو صدوق وكان أبو سليمان بن داود الشاذ كوني من الحفاظ الكبار إلا انه كان يتهم بشرب النبيذ وبالوضع حتى قال البخاري: إنه أضعف عندي من كل ضعيف ورؤي بعد موته في النوم فقيل له: مافعل الله بك؟ فقال غفر لي قيل له: بماذا؟ قال: كنت في طريق أصفهان فأخذني مطر وكان معي كتب ولم أكن تحت سقف ولا شيء فانكببت على كتبي حتى أصبحت وهذا المطر فغفر الله لي بذلك في آخرين. انتهى. قال السخاوي: ومجرد
1 الشفا 2/345، والإتحاف 4/493، والكنز 2793.
2 علوم الحديث ص 110.
الوصف بالإتقان كذلك قياسا على الضبط سوى إشعاره بمزيد الضبط.
"قال الخطيب: أرفع العبارات أن يقال: حجة أو ثقة" فالحجة والثقة مستويان عنده وفي كلام ابن أبي داود حسين سأله الآجري عن سليمان بن بنت شرحبيل فقال: ثقة يخطى كما يخطى الناس فقال الآجري فقلت: هو حجة قال: الحجة مثل أحمد بن حنبل وكذا قال ابن أبي شيبة في أحمد بن عبد الله بن يونس: ثقة وليس بحجة وقال في محمد بن إسحاق: ثقة وليس بحجة وفي ابن أويس صدوق وليس بحجة.
"المرتبة الثالثة قولهم ليس به بأس أولا بأس به" فإن قيل إنه ينبغي أن يكون لا بأس به أبلغ من ليس به بأس لعراقه لا في النفي أجيب بأن في العبارة الأخرى قوة من حيث وقوع النكرة في سياق النفي فسارت الأولى في الحملة "أو صدوق" على صيغة المبالغة لا محله للصدق فيأتي أنها دونها "أو مأمون أو خيار" من الخير ضد الشر ومن ذلك الوصف لسيف بن عبيد الله أنه من خيار الخلق كما في أصل حديثه من سنن النسائي.
"وجعل ابن أبي حاتم وأبن الصلاح هذه المرتبة الثانية لا الثالثة واقتصرا فيها على قولهم صدوق أو لا بأس به وأدخلا فيها قولهم محله الصدق وقال ابن أبي حاتم من قيل فيه ذلك فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه" قال ابن الصلاح: لأن هذه اللفظة لا تشعر بشريطة الضبط فينظر حديثه الخبير حتى يعرف ضبطه.
"وأخرت هذه اللفظة" وهي محله الصدق "إلى المرتبة التي تلي هذه تبعا لصاحب الميزان" فإنه هكذا صنع وهذه اللفظة دالة على أصاحبها محله ومرتبته مطلق الصدق فهي ون يصدوق لأنه وصف بالصدق على طريقة المبالغة ولذا جعل صدوق من المرتبة الثانية ومحله الصدق من المرتبة الرابعة.
"والمرتبة الرابعة قولهم محله الصدق أورووا عنه أو على الصدق ما هو" يعني ليس ببعيد عن الصدق وقال البقاعي معناه عند أهل الفن أنه غير مدفوع عن اليصدق وتحقيق معناها في اللغة أن حرف الجر يتعلق بما يصلح التعليق به وهو هنا قريب فالمعنى فلان قريب إلى الصدق ويحتمل أن تكون ما نافية وحينئذ يجوز أن يكون المعنى ما هو ثريب منه فيكون نفيا لما أثبتته الجملة الأولى فتفيد مجموع العبارة التردد فيه.
قلت: بل المعنى على هذا فلان قريب إلى الصدق وهي الجملة الاولى ما هو
قريب وهي الثانية فتفيد تناقض الجملتين لا التردد فلا ينبغي حمل كلامهم على هذا الأحتمال.
قال: ويحتمل ماهو بعيد فيكون تأكيدا للجملة الأولى.
قلت: هذا متعين.
قال ويحتمل أن تكون استفهامية فكأنه قيل هو قريب إلى الصدق ثم سألت عن مقدار القرب فقال ماهو قليل أو كثير.
قلت: هذا يبعده السسباق لأن القائل إلى الصدق ما هو هو الذي عدل من وصف فكيف يسأل غيره عنه فأولى التوجيهات هو الأول ومعنى ماهو اتكون ما نافية وهو اسمها وخبهرا محذوف أي ماهو بعيد عن الصدق والجملة تأكيد لما قبلها.
"أو شيخ وسط أو سط أو شيخ أو صالح لحديث أو مقارب الحديث بفتح الراء" ومعناه حديثه يقارب حديث غيره "وكسرها" ومعناه أن حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات وبالكسر صبطت في الأصول الصحيحة من كتب ابن الصلاح المقروءة عليه وكذا ضطها النووي في مختصر يه وابن الجوزي "كما حكاه القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي" وبهما ضبطه ابن دحية والبطليوسي وابن رشد في رحلته قال ومعناه يقارب الناس في حديثه ويقاربونه أي ليس حديثه بشاذ ولا منكر "أو" يقال فيه "جيد الحديث" من الجودة "أو حسن الحديث أو صويلح أو صدوق إن شاء الله تعالى" بخلافه إذا لم يقيد بالشيئة فإنه من الثالثة كما عرفت "أو أرجو أنه ليس به بأس واقتصر ابن أبي حاتم في المرتبة الثالثة من كلامه على قولهم شيخ وقال هو بالمنزلة التي قبلها يكتب حديثه وينظر فيه إلا إنه دونها واقتصر" ابن أبي حاتم في المرتبة الرابعة على قولهم صالح الحديث وقال إن من قيل فيه ذلك يكتب حديثه للاعتبار قال ابن الصلاح: وإن لم يستوف النظر المعرف بكون ذلك المحدث في نفسه ضابطا مطلقا واحتجنا إلى حديث من حديثه ونظرنا هل له أصل من رواية غيره كما تقدم من بيان طريقة الاعتبار في محله.
"ثم ذكر ابن الصلاح من ألفاظهم" أي أئمة الحديث "في التعديل على غير ترتيب قولهم فلان روى عنه الناس فلان وسط فلان مقارب الحديث فلان ما أعلم به بأسا قال وهو دون قولهم لا بأس به" فإنه جزم فيها بنفي البأس وهنا ينفي علمه والفرق بين الأمرين واضح.
"وأما تمييز الألفاظ التي زدتها" الأولى أن يقدم قبل هذا قال الزين لأن هذا كلامه وليس في عبارة المصنف إشعار به "على كتاب ابن الصلاح فهي المرتبة الأولى بكاملها وفي الثالثة مأمون وخيرا وفي الرابعة إلى الصدق ماهو وشيخ وسط ووسط وجيد الحديث وحسن الحديث وصويلح وصدوق إن شاء الله تعالى وأرجوا أنه لا بأس به وهو نظير ما أعلم به بأسا إذ الأولى" وهي وأرجو "أرفع لأنه لا يلزم من عدم العلم حصول الرجاء لذلك وقد روى عن" الإمام يحيى "بن معين أنه إذا قال لرجل ليس به بأس فهو ثقة وإذا قال هو ضعيف فليس بثقة ولا يكتب حديثه".
ولما كان هذا خلاف ما سلف عن ابن أبي حاتم جمع ابن الصلاح بينهما كما نقله عنه المصنف بقوله "وقال ابن الصلاح: إنه" أي ابن معين "حكى هذا عن نفسه لا عن غيره بخلاف ما ذكره ابن أبي حاتم يعني فإنه نسبه إلى أهل الحديث" وأجاب الزين بغير هذا كما أفاده قوله "وقال زين الدين ولم يقل ابن معين إن قولي ليس به بأس مثل قولي ثقة حتى يلزم منه التساوي بين اللفظين إنما قال إن من قال فيه هذا فهو ثقة".
وليس لفظ الثقة يطلق على مرتبة معينة بل كما قال "وللثقة مراتب فالتعبير عنه بأنه ثقة أرفع من التعبير عنه بأنه لابأس به وإن اشتركا في مطلق الثقة وعن عبد الله بن إبراهيم" في شرح البخاري عبد الرحمن ابن إبراهيم دحيم وهو الذي كان في أهل الشام مثل ابن أبي حاتم قال أهل الشرق "مثل كلام يحيى بن معين" قال أبو زرعة قلت: لعبد الرحمن ما تقول في علي بن حوشب الفزاري قال لا بأس به قال قلت: ولم لا تقول ثقة ولا نعلم إلا خيرا قال قلت: لك إنه ثقة.
"و" روى "عن عبد الرحمن بن مهدي مثل ما تقدم في الفرق بين العبارتين" وذلك أنه سأله عمر بن علي الفلاس حين روى عن أبي جلدة بالجيم وسكون اللام وهو خالد بن دينار التميمي "فإنه قيل" أي قال له الفلاس "في رجل" هو أبو جلدة "أكان ثقة قال كان صدوقا وكان مأمونا وكان خبرا وفي رواية وكان خيارا" ثم قال "الثقة شعبة وسفيان" الثوري وفي بعض الروايات عن ابن مهدي بدل سفيان مسعر يصرح بأن حجيته ثقة على كل من صدوق وخيرا ومأمون التي كل منها من مرتبة ليس به بأس ولا يخدش فيه قول ابن عبد البر كلام ابن مهدي لا معنى له في اختيار الألفاظ إذ أبو جلده ثقة عند جميعهم كما صرح به الترمذي حيث قال هو ثقة عند أهل الحديث فإن هذا لا يمنع الاستدلال المشار إليه قاله السخاوي.
"وعن أحمد بن حنبل أنه سئل عن عبد الوهاب بن عطاء هل هو ثقة فقال للسائل أتدري ما الثقة إنما للثقة يحيى بن سعيد القطان وكان ابن مهدي فيما ذكر أحمد ابن سنان ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه ضعف وهو رجل صدوق فيقول رجل صالح الحديث" فيجعله منحطا عن رتبة ليس به بأس.
ولما فرغ من مراتب التعديل أخذ في بيان مراتب التجريح فقال:
* * *