الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: 52 [في بيان السن التي يصلح تحمل الحديث فيها]
"متى يصلح تحمل الحديث" أي في أي سن يصلح تحمل الراوي عن غيره الرواية "العبرة" في ذلك أي في سن التحمل أو زمنه "بالعقل" أي بتعقل الراوي والتمييز لما يرويه لا بحين معين ووقت متحد بين الرواة.
"وقد يخلف الناس في ذلك وتختلف الأمور التي تحفظ فالأمور العظيمة" التي يعظم وقعها ويندر حصولها "ربما حفظت في حال الصغر بخلاف الألفاظ" ولم أجد هذا في شرح الزين ولا في كلام ابن الصلاح.
"وبالجملة متى ثبت العقل والبلوغ والعدالة" ذكر العقل والبلوغ مع العدالة زيادة إيضاح وإلا فإن ذكرها يكفي لأنها لا يكون منصفا بها إلا عاقل بالغ.
"وجزم" فعل ماض عطف على قوله ثبت "الثقة بأنه يحفظ من صغره شيئا لم يكن لأحد تكذيبه".
قال زين الدين ومنع من ذلك قوم وهو خطأ مردود عليهم وقد مثل من تحمل في صباه برواية الحسنين وعبد الله بن الزبير1 والنعمان بن بشير2 وابن عباس والسائب بن يزيد والمسور ابن مخرمة ونحوهم وقبل الناس روايتهم من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وبعده.
1 عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي أمير المؤمنين وهو أول مولود من المهاجرين بايعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين. مات سنة 73. له ترجمة في الرياض المستطابة ص 201- 202.
2 النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري الخزرجي كان أول مولود من الأنصار بعد الهجرة سكن الشام ثم ولي الكوفة وحمص لمعاوية وكان كريما جوادا شاعرا مات سنة 64. لله ترجمة في: الرياض المستطابة ص 262.
وأما سن السماع فاختلفوا فيها على أقوال:
الأول: أن أقله خمس سنين حكاه القاضي عياض في الألماع1 عن أهل الصنعة وقال ابن الصلاح: هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين.
وحجتهم في ذلك ما رواه البخاري في صحيحه ولانسائي وابن ماجه2 من حديث محمود بن الربيع قال: عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي من دلو وأنا ابن خمس سنين، بوب عليه البخاري متى يصح سماع الصغير قال زين الدين3 وليس في حديث محمود سنة متبعة إذ لا يلزم منه أن يميز الصغير تمييز محمود بل قد ينقص عنه وقد يزيد ولا يلزم منه أن لا يعقل مثل ذلك سنه أقل من ذلك ولا يلزم من عقل المجة أن يعقل غير ذلك مما سمعه انتهى.
قلت: على أنه أخبر عن نفسه ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم قول ولا تقرير ولا رواه في حياته صلى الله عليه وسلم وإنما فيه دليل على جواز المجة في وجه الصبي مداعية له وتبريكا عليه وكأنه يقول الدليل أنه رواه محمود وعين وقت تحمله وقبله العلماء ولم يردوه فيكون إجماعا على ذلك ولئن سلم ففيه ما قاله الزين.
ثم مما يدل على عدم اعتبار حد معين لسن التحمل أنه روى الخطيب4 بإسناده إلى القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الملبان الأصهاني قال سمعته يقول حفظت القرآن ولي خمس سنين وأحضرت عند أبي بكر بن المقري ولي أربع سنين فأرادوا أن يسمعوا لي ما حضرت قراءته فقال بعضهم إنه يصغر عن السماع فقال ابن المقري اقرأ سورة الكافرون فقرأتها فقال أقرأ سوة التكوير فقرأتها فقال لي غيره اقرأ سورة المرسلات فقرأتها ولم أغلط فيها فقال ابن المقري اسمعوا له والعهدة على.
وفي شرح السخاوي5 أنه روى الخطيب من طريق أحمدبن نصر الهلالي قال:
1 ص 62.
2 البخاري في: العلم ب 18، وابن ماجة في: الطهارة: ب 136. وأحمد 5/427.
3 فتح المغيث 2/45.
4 ص 64- 65.
5 2/146.
سمعت أبي يقول كنت في مجلس ابن عيينة فنظر إلى صبي دخل المسجد فكأن أهل المجلس تهاونوا به فقال سفيان كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ثم قال لو رأيتني ولي عشر سنين طولي خمسة أشبار ووجهي كالدينار وأنا كشعلة نار ثيابي صغار وأكمامي قصار وذيلي بمقدار ونعلي كآذان فار أختلف إلى علماء الأمصار مثل الحسن وعمرو بن دينار أجلس بينهم كالمسمار محبرتي كالجوزة ومقلت: ي كالموزة وقلمي كاللوزة إذا دخلت المسجد قالوا أوسعوا للشيخ الصغير قال النووي في ترجمة ابن عيينة في التهذيب قال سفيان قرأت القرآن وأنا ابن أربع سنين وكتبت وأنا ابن سبع سنين.
القول الثاني من الثلاثة أنه متى فهم الخطاب ورد الجواب كان سماعه صحيحا وإن كان ابن أقل من خمس وإن لم يكن كذلك لم يصح وإن زاد على الخمس قال زين الدين وهذا هو الصواب ولعل أهل القول الأولى يشترطون فهمه الخطاب ورده الجواب.
القول الثالث: إنه إذا عقل وضبط وهو قول أحمد بن حنبل قلت: وهو قريب من الثاني.
الرابع: قول موسى بن هرون الحمال يجوز سماع الصغير إذا فرق بين البقرة والدابة وفي رواية بين البقرة والحمار1 قال الحافظ ابن حجر: الذي يظهر أنه على سبيل المثال.
"إلا أن يكون" الخبر الذي تحمله الراوي حال صغره ورواه بعد كبره "أمرا يعلم بطلانه بالضرورة أو الدلالة فإنه لا يقبل" قلت: لإخفاء في أنه ما كان كذلك فإنه لا يقبل ممن تحمل بعد تكليفه "ومثل هذا لم يقع فلا نطول بذكره وكذا تقبل رواية من سمع وهو كافر وروى" ذلك "بعد الإسلام فالعبرة بحال الأداء" أي حال تأديته ما سمعه.
قال زين الدين مثاله حديث جبير بن مطعم المتفق على صحته أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور وكان قدم في فداء أسارى بدر قبل أن يسلم وفي رواية للبخاري وذلك أول ما وقر الأسلام في قلبي2.
1 علوم الحديث ص116.
2 البخاري في: المغازي: ب 12.
خاتمة: قال ابن الصلاح1: وينبغي بعد أن صار الملحوظ بقاء سلسلة الإسناد أن يبكر بإسماع الصغار في أول زمان يصح فيه سماعه وأما الإشتغال بكتب الحديث وتحصيله وضبطه وتقييده فمن حين يتأهل لذلك ويستعد له وذلك يختلف باختلاف الأشخاص وليس ينحصر في سن مخصوص انتهى.
ونقل زين الدين2 عن الزبير بن أحمد من الشافعية أنه قال يستحب كتب الحديث في العشرين لأنها مجمع العقل قال وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض ضقال الحافظ ابن حجر: المراد ما يجب على الشخص وجوب عين لا علم المواريث وقال موسى بن إسحاق كان أهل الكوفة لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارا حتى يستكملوا عشرين سنة3 وقال موسى بن هرون الحمال أهل البصة يكتبون لعشر سنين وأهل الكوفة لعشرين وأهل الشام لثلاثين4
* * *
1 علوم الحديث ص 115- 116.
2 فتح المغيث 2/44، وعلوم الحديث ص 115.
3 علوم الحديث ص 115.
4 المصدر السابق.