الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحب والحبيب
أراك سمعت عن الحب والحبيب، من منافقين لا حظ لهم في الآخرة ولا نصيب، أغروك بزخرف القول من الغزل والتشبيب، فظننت أن ذلك غاية المطالب، ونهاية المآرب، وأنه الجالب للسعادة والسرور، والنعيم والحبور.
إن هؤلاء قطاع طريقك عن حقيقة الحب وعن من ليس لك سواه حبيب، وإنما أرادوا بهذه الوسائل الحصول على أغراضهم منك وبعد ذلك فلك منهم التضييع والتسييب.
أتصدّقين الفاسق الفاجر وتظنين أن له أمانة، وقد خان مولاه معك هذه الخيانة، هو مأمور مثلك بغض البصر وحفظ الفرج والبعد عن مواطن التهم والريب، لكنه عصى ربه ولبس ثياب الفسق والعيب، فصار يبحث عن خليلة، يحتال بكل حيلة. ويتوسل بكل وسيلة. يعطيك معسول الكلام لتنقادي له مطيعة ذليلة.
إن الذي أودع قلبك هذه المحبة لا يرضى بذلها للأغيار إنها أصل العبودية ولبها فكيف تبذلينها للفسقة والفجار، حتى الزوج المطيع لربه، ليس له منك، ولا لك منه إلا المودة والرحمة، لا مجاورة الحد بالمحبة، فما طوفان الحب والمحبة في هذا الزمان، إلا أثر الزيغ والطغيان، وما خلق الله الصور الجميلة لتعبد من دونه وإنما للابتلاء والإمتحان.
وما أودع المحبة القلوب إلا لتتعلق به دون من سواه من الخلائق، لأنها في الحقيقة قواطع وعوائق، أما سمعت بيوم المزيد، حيث يتجلى الحبيب الحق للعبيد، فيغشاهم نوره وينظرون إليه بأبصارهم من فوقهم، فلا تزيغ أبصارهم عن رؤية معبودهم وإلههم، لكمال لذتهم وتمام نعيمهم وغاية فرحهم وسرورهم.
هذا هو المطلب الأسني، فلا تكوني مغبونة بالتعلق بالخسيس الفاني الأدنى، إن كنت فهمت المعنى وإلا فروحك سفلية، لا تصلح للمقامات العلية، والحلل السنية،
فاسألي ربك البتوفيق للهداية، وأن يجنبك سبل الضلالة والغواية.
صور الجمال إلى الفناء تصير
…
وإلى التحول فالزمان يسير
يا من تعلق قلبها في صورة
…
هذا افتتان قد أتاك نذير
فتعوذي بالله من غاو طغى
…
وحداك فيه من الأمور خطير
من خان مولاه احذريه فإنه
…
سيكون في كل الشرور جدير
أنت الملومة بالتعرض للذي
…
تُنْهين عنه وقد نهاك خبير
إن تقربي ركب الغواة فإنما
…
ركب الغواة إلى الجحيم يسير
الأغاني
يا من هيجتها الأغاني، وفتحت لها أبواب الخيالات والأماني، أنت الملومة بتعرضك للمحظور، وجرأتك على عظائم الأمور.
إن الغناء مفسد للقلوب، ومن أعظم الصوارف عن المحبوب، يُهيج ويغري بالسفليات المليئة بالآفات والعيوب،
هو قرآن الشيطان، فلا يجتمع في القلب هو وقرآن الرحمن.
سكر الغناء أشد من سكر الشراب، إنه يخطف الأرواح ليجول بها في مهامه الخيال ومفاوز السراب.
من شُغِفت به تلاعب بها الشيطان وأسلمها للذئاب، إن حقيقة ما يُصوّت به المغني كلام يجاوز به الحدود، فيصف العيون والخدود، والثغور والقدود.
شاطح بالخيال، داع إلى عبادة الجمال، يظهر الحزن والتأوه تلك الساعة، ليروّج على السفهاء فاسد البضاعة، وتصاحبه آلات لها طنين ورنين، تُستخف بها عقول الفاسقين، وكل ذلك خيال كالأحلام إن كنت تعقلين.
إذا سكت المغني من أصواته، وسكتت آلاته، فالسامع من رأى حلماً في نومه ثم أفاق من سباته، لا شيء بين يديه إلا التخيل والأماني الباطلة، مع زيادة ظلمة الران على قلبه والكدر على روحه العاطلة.
إن وظيفة المغني صرف قلبك عما خلق له من محبة المعبود، وهو يعلم أنه لا يحصل له ذلك إلا بالتخييل بلا حدود، هو يصور الرجل للمرأة بأنه غاية الأماني والمراد ويصور المرأة للرجل مثل ذلك ليستحكم الفساد.
ما يزال في ذكر الحب والحبيب، والعشق والتشبيب وكأن الله أودع المحبة قلوب عبيده وإمائه ليتعلق بعضهم ببعض، ومن أجل ذلك خلق الله السموات والأرض.
وقد قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
المراد: بغاية الذل والمحبة يوحدون.
التشريك بالمحبة داء لا يشبه الأدواء، وهو من عظيم المصائب والبلوى، كيف بمن يصرح بإخلاص المحبة لمخلوق محشو بالأنجاس، وهو كسائر الناس، جماله قشرة تغشي الأقذار والأدناس، وسرعان ما تذبل وتتحول جيفة في الآخر نطفة مهينة في الأول، وبين ذلك تحمل النتن والريح في الباطن تتجول، خلق الله الخلق هكذا ليعرف العبد قدره وقدر غيره من العباد، فلا يهيم بكل واد، وينسى البعث يوم المعاد، ويضل عن معبوده الجميل الجليل الذي لا يرضى مشاركة الأنداد.
الذي يحب لجماله محبة مقرونة بإجلاله. فمحبته لجماله محركة للإرادة والطلب وصدق الإنابة. وإجلاله يوجب الخوف من مقته وطرد العبد عن بابه.
إن الغنا لَرُقى الزنا ومُفتّحٌ
…
أبواب تخييل لمن هو عاطل
فيهيم في وديان غيّ سارحاً
…
ويظل في أوقاته متخايل
متصور عشق الجمال نعيمه
…
وكمال لذته وما هو آمل
قرآن شطان وعقد قرانه
…
لا يرتضيه من الرجال العاقل
هو منبت في القلب داء نفاقه
…
هو في البداية والنهاية باطل