الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من العقوبات العاجلة والمترتبة على الذنوب
-كلما دعتك نفسك إلى مقارفة المعاصي والذنوب -فاستحضر بعض العقوبات التي رتبها الله سبحانه وتعالى عليها وجوّز وصولها إليك، واجعل ذلك داعياً للنفس إلى هجرانها.
وأنا أسوق إليك منها طرفاً يكفي العاقل مع التصديق ببعضه فمنها: الختم على القلوب والأسماع، والغشاوة على الأبصار، والأقفال على القلوب، وجعل الأكنة عليها، والرَّيْن عليها، والطبع عليها، وتقليب الأفئدة والأبصار، والحيلولة بين المرء وقلبه، وإغفال القلب عن ذكر الرب، وإنساء العبد نفسه، وترك إرادة الله تطهير القلب، وجعل الصدر ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء، وصرف القلوب عن الحق، وزيادتها مرضاً على مرضها، وإركاسها، وإنكاسها.
ومنها: التثبيط عن الطاعة والابتعاد عنها.
ومنها: جعل القلب أصم لا يسمع الحق، أبكم لا ينطق به، أعمى لا يراه.
فتصير النسبة بين القلب وبين الحق الذي لا ينفعه غيره كالنسبة بين أذن الأصم والأصوات، وعين الأعمى والألوان، ولسان الأخرس والكلام.
وبهذا يُعلم أن الصم والبكم والعمى للقلب بالذات والحقيقة، وللجوارح بالعَرَض والتبعية، (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
وليس المراد نفي العمى الحسي عن البصر وإنما المراد أن العمى التام على الحقيقة هو عمى القلب.
والمقصود أن من عقوبات المعاصي جعل القلب أعمى أصم أبكم.
ومنها: الخسف بالقلب كما يُخسف بالمكان وما فيه. فيخسف به إلى أسفل سافلين وصاحبه لا يشعر.
وعلامة الخسف به أنه لا يزال جوّالاً حول السفليات والقاذورات والرذائل.
كما أن القلب الذي رفعه الله وقرّبه إليه لا يزال جوالاً حول البر والخير ومعالي الأمور من الأعمال والأقوال والأخلاق.
قال بعض السلف:
إن هذه القلوب جوالة، فمنها ما يجول حول الشر، ومنها ما يجول حول الخير.
ومنها: مسخ القلب فيمسخ كما تمسخ الصورة. ويصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه وأعماله وطبيعته. فمن القلوب ما يمسخ على خنزير لشدة شبه صاحبه به، ومنها ما يمسخ على قلب كلب أو حمار أو حية أو عقرب أو غير ذلك.
فسبحان الله كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر وقلب ممسوخ، وقلب مخسوف به، وكم من مفتون بثناء الناس عليه، ومغرور بستر الله عليه، ومستدرج بنعم الله
عليه. وكل هذه عقوبات وإهانات ويظن الجاهل أنها كرامة. (1)
إنتهى كلام ابن القيم رحمه الله مختصراً.
(1) من الجواب الكافي لابن القيم باختصار.