الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اشتدي أزمة تنفرجي
…
قد آذن لَيلك بالفرج (1)
ولكن يبقى النظر هل الشيخ محمد الخَلوتي منسوب إلى هذه الطريقة اعتقادًا، أو هي مجرد نسبة إلى محلة حملت اسم هذه الطريقة لغلبة أهلها عليها؟ اللَّه أعلم بذلك!.
* * *
*
المطلب الثاني: مولده، ونشأته، وحياته:
مولده: ولد الشيخ محمد الخَلوتي في القاهرة بمصر، ولم تذكر المصادر التي ترجمت له تاريخ سنة ولادته.
نشأته، وحياته: لا بد قبل الشروع في الكلام عن حياة المؤلف رحمه الله أن ألقي الضوء على الفترة الزمنية التي عاشها من الناحية السياسية، والاجتماعية، لما لها من أثر بارز في مجريات حياة كل فرد؛ لأن الإنسان يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، وينطبع ذلك على سلوكه.
وقد كان من أهم المظاهر السياسية والاجتماعية في الفترة التي عاشها الخَلوتي رحمه الله، وهي ما بين عام (1000 هـ) إلى (1089 هـ) تقريبًا، ما يلي:
1 -
كانت مصر تتبع العثمانيين، وكان السلطان العثماني في الآستانة يعين حاكما من قِبَله على مصر يكون مقَره عاصمتها القاهرة.
وكان حكام مصر النواب عليها كُثر، حيث كان الوالي لا يبقى في ولايته كثيرًا؛ حيث مآله إلى العزل أو القتل إن لم يمت قبل ذلك.
2 -
كانت تعطى للوالي صلاحيات مطلقة فيما يبدو، فإذا اقترن هذا بضعف
(1) السحب الوابلة (2/ 499) مع تعليق المحقق.
الديانة لديه، وكونه غريبًا ليس من أهل البلد مع المطامع المادية، أنتج ما كان يحصل، من انشغال كثير من ولاة العثمانيين في مصر تلك الفترة بالنهب، والاختلاس بشتى السبل.
3 -
غلبة العناية بالمظاهر والألقاب، كما هو دَيْدَن الأتراك (1).
4 -
عمَّت تلك الفترة في مصر حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، نتيجة سرعة تغير الولاة، بسبب قتلهم أو استبدالهم، وبسبب الثورات المتكررة من الجند، الذين كان لهم نفوذ، وفيهم نفور غير هادي.
فمثلًا: في سنة (997 هـ) عصى الجنود الوالي أوريس باشا ونهبوا بيته، وذبحوا أحد أمرائه، وقتلوا قاضيين من القضاة، ثم عمدوا إلى الحوانيت فنهبوها؛ حتى إنهم قبضوا على أولاد الوالي رهنًا لما يريدون، فاستقال الوالي سنة (999 هـ)، وفي عام (1006 هـ) قامت ثورة عسكرية في سائر أرجاء مصر، لم يتمكن معها الوالي محمد باشا من حماية نفسه -فضلًا عن غيره- حيث حاصروه في القلعة حتى تمكنوا منه وقتلوه وعلقوا رأسه على باب زويلة، وأثخنوا في الناس قتلًا ونهبًا، وفي رمضان سنة (1009 هـ) سار العسكر مع قاضيهم إلى ديوان الحاكم التركي خضر باشا؛ بسبب عسفه لهم، وحاصروه حتى سلَّم بما يطلبون، وجاء بعده الوزير علي باشا السلحدار الذي كان سفَّاكًا للدماء، ووافق ذلك جوع عظيم، وخراب، ورعب في البلد، وفي سنة (1013 هـ) تمردت الجند على إبراهيم باشا، وقطعوا رأسه، وعلقوه على باب زويلة.
وفي حدود سنة (1047 هـ) كان الوالي حسين باشا الذي جاء بعصابة من الدروز، فساموا المصريين الويل؛ من النهب، والظلم، حتى إنه أبطل الميراث،
(1) انظر: تاريخ مصر الحديث (2/ 12، 13).
وجعل نفسه وارثًا لكل ميت. وخلفه محمد باشا الذي لم يكن يختلف عنه في النهب، وفي أوائل شعبان سنة (1052 هـ) ظهر وجاء شديد عامٌّ، كانت الوفيات فيه واحدًا من ثمانية، واستمر ستة أشهر، حتى صاروا يدفنون الموتى بلا صلاة، ومن سنة (1058 - 1061 هـ) تولى الوزير أحمد باشا على مصر، وكانت مدة اضطراب وقلاقل وغلاء، وعلى الأعم الأغلب كان الباشوات العثمانيون يأتون من تركيا ولا هَمَّ لهم في مصالح البلد وأهله، وتحول الأمر في الآخر من أيديهم إلى أيدي البكوات المماليك.
ولم يكن الناس بمعزل عن هذا بالطبع، فكانت تمر بالبلد فترات من المجاعة، أو الأوبئة، أو الخوف، أو الغلاء، هم ضحيتها.
5 -
حماية الدولة العثمانية في مصر بعض المظاهر الدينية المزعومة؛ من الأضرحة، والمحدثات في الدين من البدع، والشركيات باسم الدين، وكان الولاة في مصر يحرصون على ذلك في الغالب، ويعدُّونه من المناقب الدينية التي يتعبدون بها، ويطلبون الحظوة بها عند الناس وهذا -بلا شك- له تأثير كبير في فساد الاعتقاد، وشيوع البدع وقبولها لدى العامة حيث ينشأ الصغير ويكبر عليها.
6 -
ضعف الصلة بين العلماء والولاة، وقلة أثر العلماء في الحياة السياسية، ويظهر هذا جليًا في تلك الحوادث والقلاقل التي لم يكن لهم فيها كلمة تذكر، بل شأنهم شأن العامة فيها (1).
هذه هي الحالة السياسية والاجتماعية في الفترة التي عاش فيها المؤلف رحمه الله.
(1) انظر: تاريخ مصر الحديث (2/ 23 - 43)، أوضح الإشارات فيمن ولي مصر والقاهرة من الوزراء والباشات ص (156 - 178).
أما عن نشأته: فقد نشأ الشيخ محمد الخَلوتي -رحمه اللَّه تعالى- في بيت علم وأدب، إذ كان خاله الشيخ منصور بن يونس البَهوتي رحمه الله من كبار أئمة المذهب، وشيخ الحنابلة إمامهم في مصر دون مدافع.
فاتجه الشيخ محمد إلى طلب العلم على يد خاله الشيخ منصور البَهوتي، ولازمه ملازمة تامة، وحرص على الاستفادة منه، فقرأ عليه (المنتهى) و"الإقناع" وغيرها من كتب المذهب، وقيد كثيرًا من تحريرات الشيخ منصور أثناء قراءته عليه.
ولما ألف الشيخ منصور "شرح المنتهى" قرأه عليه، فقد ذكر الشيخ محمد الخَلوتي رحمه الله في "حاشيته على المنتهى": أن له درسَين على شيخه في هذا الكتاب، قال رحمه الله في باب الحجر: "الثالث أن يلزم الحكم قسم ماله. . . إلخ، إلى هنا انتهت قراءة شيخنا، وأستاذنا، علَّامة زمانه، وفريد عصره وأوانه، خاتمة المحققين، وعمدة المدققين، من طنَّت حصاته في سائر الأقطار، واتفقت الكلمة على أنه لم يكتحل ولا يكتحل عين الزمان ثانية فيما مضى، وما يأتي من الأعصار، وهو أستاذي، وخالي، الراجي عفو ريه العلي، منصور بن يونس البَهوتي الحنبلي، وكانت قراءته تلك لشرحه على هذا الكتاب، فاتفق وقوفه على هذا يوم السبت رابع شهر ربيع الثاني من شهور سنة إحدى وخمسين بعد الألف، ثم انقطع يوم الأحد التالي، ومات يوم الجمعة العاشر من الشهر والسنة المذكورين، وكان وقوفه من الدرس الثاني على باب القذف. . .).
ولم يقتصر الشيخ محمد الخَلوتي رحمه الله على التفقه في مذهب الإمام أحمد رحمه الله بل أخذ عن أصحاب المذاهب الأخرى، فقرأ على الشهاب الغنيمي الشافعي وأخذ عنه العلوم العقلية، وبه تخرج وانتفع، واختص بعده بالنور الشبراملسي الشافعي، ولازمه، فكان لا يفارفه في دروسه، وكان يجري بينهما في الدرس محاورات، ونكات دقيقة لا يعرفها من الحاضرين إلا من كان