الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع تقييد ما أطلقه وضده، للتسهيل) مبدلاً، حال من فاعل اقتصرت، أي حال كوني مبدلاً غير المعتمد من المختصر بالمعتمد، مع تقييد الحكم الذي أطلقه الشيخ - وحقه التقييد - ومع إطلاق ما قيده - وحقه الإطلاق. وهو معنى قولي:(وضده). وقوله: للتسهيل: علة لما ذكر من الإبدال وما معه. أي فعلت ذلك لأجل أن يسهل الأمر على الطالب المستفيد؛ لأن ذكر القول الضعيف والتقييد في محل الإطلاق - وعكسه - فيه خفاء وصعوبة على الطالب، لإيجابه اعتقاد خلاف الواقع.
(وسميته: أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك) المسالك جمع مسلك: أي محل السلوك أي الذهاب، فالمسلك الطريق المسلوك فيه. والمراد بها هنا الكتب المؤلفة في المذهب. وسماه بذلك ليطابق الاسم المسمى؛ إذ الكتب المؤلفة في المذهب لا تخلو عن صعوبة، وهذا الكتاب سهل منقح.
يقرب الأقصى بلفظ موجز
…
ويبسط البذل بوعد منجز
وقوله: (لمذهب): متعلق بالمسالك. (وأسأل الله أن ينفع به كما نفع بأصله إنه علي حكيم، رؤوف رحيم) سأل الله تعالى النفع بهذا الكتاب لأنه لا يُسأل إلا الله وحده. والنفع ضد الضر. وحذف المعمول لإفادة العموم. أي ينفع به كل من قرأه أو كتبه أو حصله، كما نفع بأصله الذي هو مختصر الشيخ. واعلم أني متى أطلقت لفظ الشيخ في هذا الكتاب أو أتيت بضمير الغائب لغير مذكور فالمراد به المصنف صاحب المختصر.
باب في بيان الطهارة
ــ
أو لشهرته -ومعناه أن الأصل- الذي هو الشيخ خليل - إذا مشى على طريقة قال الأشياخ بضعفها، أبدلها مصنفنا بما اعتمدته الأشياخ.
قوله: [مع تقييد ما أطلقه] إلخ: كقول المختصر وسقوطها في صلاة مبطل، فهذا الإطلاق حقه التقييد بشروط تأتي، فقيده مصنفنا رضي الله عنه بتلك الشروط وقوله:[ومع إطلاق ما قيده] إلخ: كقوله في الوضوء: وإن عجز، ما لم يطل، فحقه - حيث كان العجز حقيقياً - الإطلاق، وقد أطلقه المصنف رضي الله عنه، وهكذا فلتقس.
قوله: [وسميته] إلخ: أي وضعت ذلك التركيب اسماً له؛ لأن من سنة المؤلفين تسمية أنفسهم وكتبهم لأجل الرغبة والانتفاع بها، لأن المجهول لا يرغب فيه، والضمير البارز في [سميته]: مفعول أول لسمى، و [أقرب]: مفعوله الثاني، ومادة التسمية تارة تتعدى للثاني بنفسها أو بالباء.
قوله: [والمراد بها هنا الكتب]: أي فقد شبه الكتب المؤلفة في المذهب بطرق توصل إلى مدينة مثلاً، واستعار اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية. وإضافتها للمذهب قرينة مانعة. ولك أن تجعل [في المذهب]: بمعنى الأحكام؛ استعارة بالكناية، بأن يقال: شبه مذهب مالك بمدينة يتوصل إليها بطرق عديدة، وطوى ذكر المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه - وهو المسالك - على سبيل الاستعارة بالكناية وذكر المسائل تخييل.
قوله: [يقرب الأقصى] إلخ: مقتبس من قول ابن مالك:
تقرب الأقصى بلفظ موجز
…
وتبسط البذل بوعد منجز
وإسناد التقريب للكتاب: مجاز عقلي من الإسناد للسبب. والأقصى صفة لموصوف محذوف؛ أي المعنى الأبعد الذي في غاية البعد، ومن باب أولى البعيد. والموجز: المختصر، والبسط: التوسعة. والبذل: العطاء أي المعطى. والوعد: ما كان بخير ضد الوعيد. والمنجز: المبرم. وبالجملة فقد شبه كتابه بشخص كريم ذي عطايا واسعة يعد ولا يخلف. وطوى ذكر المشبه به ورمز له بشيء من لوازمه وهو البسط والبذل والوعد، فالبذل تخييل، والبسط والوعد ترشيحان.
قوله: [كما نفع بأصله]: ما مصدرية تسبك مع ما بعدها بمصدر. والجار والمجرور صفة لموصوف محذوف مفعول مطلق والتقدير: وأسأل الله النفع به نفعاً كائناً كالنفع بأصله. قوله: [إنه علي] إلخ: بكسر الهمزة على الاستئناف المضمن معنى التعليل،
والعلي: المنزه عن كل نقص. والحكيم: ذو الحكمة والصنع الذي يضع كل شيء في محله، والرؤوف: شديد الرحمة، والرحيم: ذو الرحمة. وحكمة توسله بهذه الأسماء: إفادتها أن الله منزه عن الأغراض في الأفعال والأحكام يعطي من غير علة ومن غير تهيؤ العبد للعطايا يعطي الحكم؛ وهي العلوم النافعة لشدة رأفته ورحمته. قوله: [لأنه لا يسأل إلا الله وحده]: هذا الحصر مأخوذ من قوله: [إنه علي حكيم] إلخ.
(باب):
هو في العرف معروف. وفي اللغة: فرجة في ساتر يتوصل بها من خارج إلى داخل وعكسه حقيقة في الأجسام؛ كباب الدار ومجاز في المعاني كما هنا. وفي الاصطلاح: اسم لطائفة من المسائل المشتركة في أمر.
والباب في كلام المؤلف إما مرفوع مبتدأ خبره محذوف، أو خبر لمبتدأ محذوف أو منصوب بفعل محذوف أو موقوف على حد ما قيل في الأعداد المسرودة. واعترض الإعراب الأول: بأنه يلزم عليه الابتداء بالنكرة، ويجاب: بأن المسوغ للابتداء بها هنا وقوع الخبر جاراً ومجروراً. وهو إذا وقع خبراً عن نكرة وجب تقديمه عليها ليسوغ الابتداء بها فيقدر مقدماً عليها.
قوله: [في بيان الطهارة]: بفتح الطاء، وأما بضمها فهو ما يتطهر به، وأما بكسرها فهو ما يضاف إلى الماء من صابون ونحوه.
وأقسامها، وأحكامها، والطاهر، والنجس. وما يتعلق بذلك [1] ويسمى كتاب الطهارة.
وبدأ بالكلام على الطهارة. وما تتحصل به من الماء المطلق، وما يتعلق به الأحكام.
فقال: (الطهارة صفة حكمية يستباح بها ما منعه الحدث أو حكم الخبث).
أقول: الطهارة القائمة بالشيء الطاهر صفة حكمية؛ أي يحكم العقل بثبوتها وحصولها في نفسها
ــ
وابتدأ بالكلام على الطهارة لأنها مفتاح الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين. والكلام في الشرط مقدم على المشروط. وقدم ما يكون به الطهارة وهو - الماء في الغالب - لأنه إن لم: يوجد هو ولا بدله، لا توجد الطهارة؛ فهو كالآلة. واستدعى الكلام فيه الكلام على الأعيان الطاهرة والنجسة لكي يعلم ما ينجس الذي يكون به الطهارة، وما لا ينجسه وما يمنع التلبس به من التقرب بالصلاة وما في حكمها، وما لا يمنع من ذلك وهذه طريقة أكثر أهل المذهب. واعلم أنه قد جرت عادتهم في هذا الباب أن يتعرضوا لبيان حقائق سبعة، وهي: الطهارة والنجاسة والطاهر والنجس والطهورية والتطهير والتنجيس، واقتصر المصنف على تعريف الطهارة. ولنذكر لك الباقي على طبق تعريف المصنف الآتي.
فتعريف النجاسة: صفة حكمية يمتنع بها ما استبيح بطهارة الخبث. والطاهر الموصوف بصفة حكمية يستباح بها ما منه [2] الحدث أو حكم الخبث. والنجس -بكسر الجيم- المتنجس: هو الموصوف بصفة حكمية يمتنع بها ما أبيح بطهارة الخبث. وأما بفتحها: فهو عين النجاسة، وتقدم تعريفها. والطهورية بفتح الطاء: صفة حكمية يزال بما قامت به الحدث وحكم الخبث. وهذا الوصف لا يطرد إلا في الماء المطلق.
والتطهير: إزالة النجاسة أو رفع الحدث.
والتنجيس: تصيير الطاهر نجساً.
وقوله: [وأقسامها]: قال الأصل الطهارة قسمان: حدثية وخبثية، والأولى مائية وترابية، والمائية لغسل [3] ومسح أصلي أو بدلي. والبدلي اختياري أو اضطراري.
والترابية بمسح فقط، والخبثية أيضاً مائية وغير مائية، والمائية بغسل ونضح، وغير المائية بدابغ في كيمخت فقط، ونار على الراجح فيهما. إذا علمت ذلك فقولهم: الرافع هو المطلق لا غيره، فيه نظر بناء على الراجح. وعلى التحقيق من أن التيمم يرفع الحدث رفعاً مقيداً، والقول بأنه لا يرفعه وإنما يبيح الصلاة لا وجه له، إذ كيف تجتمع الإباحة مع المنع أو الوصف المانع؟ نعم الأمران معاً - أي الحدث وحكم الخبث - لا يرفعهما إلا الماء المطلق، وأما غيره فلا يرفعهما معاً لأن التراب إنما يرفع الحدث فقط والدباغ والنار إنما يرفعان حكم الخبث فقط.
قوله: (وأحكامها): وهي الوجوب إذا توقفت صحة العبادة عليها أو الندب أو السنية إن لم تتوقف.
قوله: [والطاهر]: سيأتي في قوله: الطاهر ميتة ما لا دم له والحي ودمعه إلخ.
وقوله: [النجس]: بينه أيضاً في باب الطاهر وفي باب إزالة النجاسة.
قوله: [وما يتعلق بذلك]: اسم الإشارة عائد على الطهارة وما بعدها، وأفرد باعتبار ما ذكر.
قوله: [ويسمى كتاب الطهارة]: أي كما يسمى بباب الطهارة وهي تسمية قديمة.
قال في الحاشية: قال ابن محمود شارح أبي داود: قد استعملت هذه اللفظة زمن التابعين، يعني لفظة باب، قال في الحاشية أيضاً وانظر لفظة كتاب، قال شيخنا في مجموعه وانظر لفظة فصل.
قوله: [الطهارة]: هذا شروع في معناها اصطلاحاً. وأما معناها لغة فهي النظافة من الأوساخ الحسية والمعنوية كالمعاصي الظاهرة والباطنة. قال في حاشية الأصل: والحاصل أن الطهارة من التحقيق كما اختاره ابن راشد، وتبعه العلامة الرصاع والتتائي على الجلاب والشبرخيتي وشيخنا في حاشيته، موضوعة للقدر المشترك وهو الخلوص من الأوساخ أعم من كونها حسية أو معنوية خلافاً لما قاله (ح) من أنها موضوعة للنظافة من الأوساخ، بقيد كونها حسية، وأن استعمالها في النظافة من الأوساخ المعنوية مجاز، ويدل للأول قوله تعالى:{ويطهركم تطهيرا} [الأحزاب: 33]، والمجاز لا يؤكد إلا شذوذاً كما صرح به العلامة السنوسي في شرح الكبرى وغيره عند قوله تعالى:{وكلم الله موسى تكليما} [النساء: 164].
قوله: [صفة]: دخل تحتها أقسام الصفات الثلاثة: المعاني والمعنوية والسلبية، فلذلك أخرج المعاني والسلبية بقوله حكمية.
قوله: [بالشيء الطاهر]: أي حيواناً أو جماداً كان الحيوان عاقلاً أو لا.
قوله: [يحكم العقل]
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
قوله: (وما يتعلق بذلك) ساقط من ط المعارف.
[2]
في ط المعارف: (منعه)، ولعله الصواب.
[3]
في ط المعارف: (بغسل).
فهي من صفات الأحوال عند من يقول بالحال، أو من الصفات الاعتبارية عند من لا يقول بالحال؛ كالوجود والظهور والشرف والخسة؛ فإنها صفات حكمية، أي اعتبارية يعتبرها العقل. أو أنها أحوال: أي لها ثبوت في نفسها، وليست وجودية كصفات المعاني، ولا سلبية بأن يكون مدلولها سلب شيء كالقدم والبقاء.
وقوله: (يستباح): أي يباح فالسين والتاء للتوكيد. وقوله: (ما): كناية عن فعل أي يباح بها فعل؛ كصلاة وطواف ومس مصحف. (منعه): أي منع منه الحدث الأصغر أو الأكبر، أو منع منه حكم الخبث، والخبث: عين النجاسة.
والمانع من التلبس بالفعل المطلوب: حكمها المترتب عليها عند إصابتها الشيء الطاهر؛ وهو أثرها الحكمي الذي حكم الشرع بأنه مانع. فالطهارة قسمان: طهارة من حدث، وطهارة من خبث، فأو في قوله:(أو حكم الخبث) للتنويع: لا للتشكيك أو الشك فلا يضر ذكرها في الحد.
واعلم أن الحدث لا يقوم إلا بالمكلف.
وهو قسمان: أصغر وأكبر.
فالأصغر يمنع الصلاة والطواف ومس المصحف. ويزيد الأكبر منع الحلول بالمسجد، فإن كان جنابة منع القراءة أيضاً، وإن كان عن حيض أو نفاس منع الوطء.
وأما حكم الخبث فيقوم بكل طاهر من بدن أو ثوب أو مكان أو غيرها. وهو يمنع الصلاة والطواف والمكث في المسجد. ثم إن أريد بالمانع ما يشمل التحريم والكراهة، شمل التعريف الأرضية، والاغتسالات المندوبة والمسنونة. كما يشمل طهارة الذمية ليطأها زوجها المسلم. ولا يرد الوضوء المجدد لأنه ليس فيه تحصيل طهارة، وإنما فيه تقوية الطهارة الحاصلة، فقد علمت أن تعريفنا الطهارة أخصر وأوضح وأشمل من تعريف ابن عرفة المشهور.
(ويرفع: بالمطلق): ضمير يرفع يعود على الحدث وحكم الخبث، وأفرده لأن العطف بأو. والحدث وصف تقديري قائم بالبدن أو بأعضاء الوضوء.
وقوله: (يرفع): أي يرتفع ويزول برفع الله له بسبب استعمال الماء المطلق على الوجه المعروف شرعاً الآتي بيانه من غسل أو مسح أو رش.
ــ
تبعاً للشرع، لأن المدار عليه.
قوله: [فهي من صفات الأحوال] إلخ: وهي على هذا القول صفة ثبوتية لا توصف بالوجود بحيث يصح أن ترى، ولا بالعدم بحيث لا تدرك إلا في التعقل، بل هي واسطة بين الوصف الوجودي والاعتباري.
قوله: [أو من الصفات الاعتبارية] إلخ: هذا هو الحق. لأن الحق أن لا حال. والحال محال، كما هو مبين في علم الكلام.
قوله: [كالوجود] إلخ: هذه الأمثلة لما فيه الخلاف.
قوله: [فإنها صفات حكمية] إلخ: توضيح للخلاف الذي ذكره أولاً.
قوله: [للتوكيد]: أي زائدتان للتوكيد وليستا للطلب.
قوله: [فعل كصلاة]: يصح قراءته بالإضافة والتنوين.
قوله: [أي منع منه]: إشارة إلى أن في كلام المصنف حذفاً وإيصالاً، أي حذف الجار، وإيصال الضمير.
قوله: [عين النجاسة]: أي وهو يزال بكل قلاع فلا تحصل بإزالته الطهارة الشرعية إلا في مسائل، كالاستجمار ونحوه.
قوله: [فلا يضر ذكرها في الحد]: أي التعريف، لأن المضر أو التي للشك أو التشكيك وهي التي قال فيها صاحب السلم:
ولا يجوز في الحدود ذكر أو
…
وجائز في الرسم فادر ما رووا
قوله: [واعلم] إلخ: إنما قال ذلك لأن التعريف للماهية وهي مجملة، فلم يكتف به وذكر هذا الحاصل للإيضاح.
قوله: [إلا بالمكلف]: هذا الحصر مشكل، لأن المكلف هو البالغ العاقل إلخ. فيقتضي أن الصبي المميز لا يقوم به الحدث، وليس كذلك. ويجاب بأن المراد بالمكلف: ما يشمل المكلف بالمندوب والمكروه فقط فيدخل المميز. وأورد أيضاً أنه يقتضي أن المجنون والنائم لا يقوم بهما الحدث، مع أنه ليس كذلك. وأجيب بأن المراد بالحدث هو الذي يتأتى رفعه. لأن المجنون حال جنونه، والنائم حال نومه لا يخاطبان برفعه، وإنما الذي يخاطب به المكلف.
قوله: [وإن كان عن حيض] إلخ: أي وإن كان الأكبر ناشئاً عن حيض أو نفاس منع الوطء، أي لا القراءة مدة سيلان الدم، وأما بعد انقطاعه وقبل الغسل فتمنع القراءة لقدرتها على إزالة مانعها. انتهى تقرير الشارح.
قوله: [الأرضية والاغتسالات] إلخ: كالوضوء لزيارة الأولياء، وللدخول على السلطان، ووضوء الجنب للنوم، وغسل الحائض والنفساء للإحرام والوقوف. فإن هذه الأمور منعها الحدث منع كراهة والوضوء والغسل أباحها. وأما غسل الجمعة والعيدين للمتوضئ فلم يستبح بهما ما منعه الحدث، بل هما خارجان من التعريف كالوضوء المجدد.
قوله: [ويرفع بالمطلق]: أي لا غيره لأن التراب وإن رفع الحدث لا يرفع الخبث، والنار والدباغ وإن رفعا الخبث لا يرفعان الحدث كما تقدم.
قوله: [والحدث وصف تقديري] إلخ: وقد يطلق على نفس المنع سواء تعلق بجميع الأعضاء كالجنابة، أو ببعضها كحدث الوضوء، لكن تسمية المنع حدثاً فيه بشاعة لأنه حكم الله فلا يليق أن يسمى بذلك، ورفعه بهذا المعنى باعتبار تعلقه بالأشخاص فيرجع لمعنى الصفة الحكمية؛ وأما باعتبار قيامه بالله فهو واجب الوجود فلا يتصور ارتفاعه، ويطلق في مبحث الوضوء على الخارج المعتاد من المخرج المعتاد، وفي مبحث قضاء الحاجة على خروج الخارج فله إطلاقات أربع كما علمت.
قوله: [أي يرتفع ويزول برفع الله]: أي يحكم الله بالرفع.
قوله: [من غسل]: أي في طهارة حدث أو خبث.
قوله: [أو مسح]: أي في حدث.
قوله: [أو رش]: أي في إزالة النجاسة
(وهو ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد): يعني أن الماء المطلق الذي يرفع الحدث وحكم الخبث هو ما صدق عليه اسم ماء من غير قيد؛ أي ما صح إطلاق لفظ الماء عليه من غير ذكر قيد؛ بأن يقال فيه: هذا ماء. فخرج ما لم يصدق عليه اسم الماء أصلاً من المائعات؛ كالخل والسمن. وما لا يصدق عليه اسمه إلا بالقيد كماء الورد وماء الزهر وماء البطيخ ونحوها. فهذه الأشياء ليست من الماء المطلق، فلا يصح التطهير بها، بخلاف ماء البحر والمطر والآبار، فإنه يصح إطلاق الماء عليها من غير قيد فيصح التطهير بها.
(وإن جمع من ندى أو ذاب بعد جموده): هذا مبالغة في قوله يرفع إلخ.
أي أن الحدث وحكم الخبث يرتفعان بالماء المطلق، ولو جمع المطلق من الندى الساقط على أوراق الأشجار أو الزرع، أو كان جامداً كالبرد والجليد، ثم ذاب بعد جموده.
(ما لم يتغير [1] لوناً أو طعماً أو ريحاً بما يفارقه غالباً من طاهر، أو نجس مخالط أو ملاصق، لا مجاور): يعني أن الماء المطلق يرفع الحدث وحكم الخبث مدة كونه لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه بشيء شأنه مفارقة الماء غالباً من طاهر - كلبن وسمن وعسل وحشيش وورق شجر ونحوها - أو نجس - كدم وجيفة وخمر ونحوها. فإن تغير بشيء من ذلك سُلب الطهورية فلم يرفع ما ذكر. ومحل سلبه الطهورية إن خالط شيء مما ذُكر الماء، بأن امتزج به أو لاصقه، كالرياحين المطروحة على سطح الماء، والدهن الملاصق له، فنشأ من ذلك تغير أحد أوصاف الماء، لا إن جاوره، فتكيف الماء بكيفية المجاور، فلا يضر. ومن المجاور: جيفة مطروحة خارج الماء فتغير ريح الماء منها، أو بخرت الآنية ببخور وصب فيها الماء بعد ذهاب الدخان، أو وضع ريحان فوق شباك قلة بحيث لم يصل الماء فتكيف الماء بريح ذلك، فإنه لا يضر. بخلاف ما لو صب الماء
ــ
كما سيأتي في قوله وإن شك في إصابتها لثوب وجب نضحه.
قوله: (وهو ما صدق عليه إلخ): الصدق معناه الحمل؛ أي ما حمل عليه اسم ماء إلخ.
قوله: [بلا قيد]: أي لازم غير منفك عنه أصلاً، فكلامه شامل لما إذا صدق عليه اسم ماء بلا قيد أصلاً أو مقيداً بقيد غير لازم كماء البئر مثلاً كما يفيده الشارح في الحل.
قوله: [يعني أن الماء المطلق] إلخ: أي ففرق بين قولهم الماء المطلق ومطلق ماء، فالأول ما علمت.
والثاني صادق بكل ماء ولو مضافاً، وهذا اصطلاح للفقهاء ولا مشاحة فيه.
قوله: [أي ما صح إطلاق] إلخ: أي الحمل عليه والإخبار عنه.
قوله: [والآبار] إلخ: أي ولو آبار ثمود، فماؤها طهور على الحق وإن كان التطهير به غير جائز. فلو وقع ونزل وتطهر بها وصلى فهل تصح الصلاة أو لا؟ استظهر الأجهوري الصحة وفي الرصاع على الحدود عدمها، واعتمدوه كما ذكره في الحاشية. وعدم الصحة تعبدي لا لنجاسة الماء لما علمت أنه طهور. وكما يمنع التطهير بمائها يمنع الانتفاع به في طبخ وعجن لكونه ماء عذاب، ويستثنى منها البئر التي كانت تردها الناقة فإنه يجوز التطهير والانتفاع بمائها، وكما يمنع التطهير بمائها يمنع التيمم بأرضها أي يحرم، وقيل بجوازه وصححه التتائي. وما قيل في آبار ثمود يقال في غيرها من الآبار التي في أرض نزل بها العذاب كديار لوط وعاد انتهى من حاشية الأصل.
قوله: [وإن جمع من ندى]: أي ولو تغيرت أوصافه لأنه كالقرار، ولا يخص بتغير الريح ولا بما جمع من فوقه خلافاً للأصل والخرشي.
قوله: (أو ذاب إلخ): أي تميع سواء كان بنفسه أو بفعل فاعل.
قوله: (كالبرد): هو النازل من السماء جامداً كالملح قال تعالى: {وينزل من السماء من جبال فيها من برد} [النور: 43].
قوله: والجليد: هو ما ينزل متصلاً بعضه ببعض كالخيوط. وأدخلت الكاف الثلج وهو ما ينزل مائعاً ثم يجمد على الأرض.
قوله: [ما لم يتغير لوناً] إلخ: ما مصدرية ظرفية، أي مدة عدم تغيره. و"لونا" و"ما" عطف عليه منصوب على التمييز المحول على الفاعل، كما يفيده الشارح في الحل. ولون الماء الأصلي البياض. وأما قولهم في تعريفه: الماء جوهر سيال لا لون له يتلون بلون إنائه، فإن ذلك في مرأى العين لشفافيته. وقول السيدة عائشة رضي الله عنها:«ما هو إلا الأسودان الماء والتمر» تغليب للتمر أو للون إنائه، وأما قوله:[أو ريحاً] قال ابن كمال باشا من الحنفية: لا بد من التجوز في قولهم تغير ريح الماء؛ إذ الماء لا ريح له أصالة أي فالمراد طرو ريح عليه. (انتهى بالمعنى من شيخنا في مجموعه).
وحاصل الفقه في المتغير أحد أوصافه بالمفارق غالباً -إن كان مخالطاً أو ملاصقاً- أن يقال: إما أن يتحقق التغير أو يظن أو يشك أو يتوهم، فهذه أربع صور مضروبة في الأوصاف الثلاثة باثني عشر، وهي مضروبة في المخالط والملاصق؛ فالحاصل أربع وعشرون صورة. فإن كان التغير محققاً أو مظنوناً ضر فالخارج اثنا عشر. فإن كان مشكوكاً أو متوهماً فلا يضر، فهذه اثنا عشر أيضاً. وأما المجاور فلا يضر التغير به مطلقاً في اثني عشر وهي تغير أحد أوصافه تحقيقاً أو ظناً أو شكاً أو توهماً، فالجملة ست وثلاثون صورة، وقد علمتها. وخلاف هذا لا يعول عليه، انتهى بالمعنى من حاشية الأصل.
قوله: [من طاهر]: أي وحكمه كمغيره، وكذلك قوله أو نجس.
قوله: [فتغير ريح الماء منها]: بل ولو فرض تغير الثلاثة لا يضر، وإنما اقتصر الشارح على الريح لكونه الشأن.
قوله: [وصب فيها الماء] إلخ: ما قاله الشارح في هذا
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (يتغيره).
قبل ذهاب دخان البخور أو وصل الريحان للماء فإنه يضر.
(لا إن تغير بمقر أو ممر من أجزاء الأرض؛ كمغرة وملح، أو بما طرح منها ولو قصداً): هذا معطوف بلا النافية على مفهوم قوله ما لم يتغير إلخ. كأنه قيل: فإن تغير بما يفارقه غالباً ضر تغيره، لا إن تغير الماء بمقر الماء أو تغير بممره أي بما مر عليه حال كون المغير من أجزاء الأرض، كالمغرة بفتح الميم والملح والكبريت والتراب، فإنه لا يضر. وكذا لا يضر التغير بما طرح فيه من أجزاء الأرض كالملح أو الطفل ونحو ذلك ولو قصداً. وقول الشيخ: والأرجح: السلب بالملح ضعيف.
(أو بمتولد منه أو بطول مكث): لا يضر تغير الماء بشيء تولد منه، كالسمك والدود والطحلب بفتح اللام وضمها، وكذا إذا تغير الماء بطول مكثه من غير شيء ألقي فيه، فإنه لا يضر.
(أو بدابغ طاهر كقطران، أو بما يعسر الاحتراز منه؛ كتبن أو ورق شجر): يعني أن الجلود التي أعدت لحمل الماء كالقرب والدلاء التي يستقى بها، إذا دبغت بدابغ طاهر كالقطران والشب والقرظ، ثم وضع فيها الماء لسفر أو غيره فتغير من أثر ذلك الدابغ، فإنه لا يضر؛ لأنه كالمتغير بقراره. وكذا إذا تغير بما يعسر الاحتراز منه، كالتبن وورق الشجر الذي يتساقط في الآبار والبرك من الريح، وسواء كانت الآبار أو الغدران في البادية أو الحاضرة؛ إذ المدار على عسر الاحتراز.
وما في كلام الشيخ مما يخالف ذلك ضعيف. بخلاف ما لو تغير بالتبن أو ورق الشجر في الأواني أو بما ألقي منهما في الآبار بفعل فاعل، فإنه يضر لعدم عسر الاحتراز منه.
(ولا إن خف التغير بآلة سقي من حبل أو وعاء أو تغير بأثر بخور أو قطران كجرمه إن رسب): هذا معطوف على قوله: لا إن تغير. أي: وكذا لا يضر تغير الماء إذا كان التغير خفيفاً بآلة سقي؛ من حبل ربط به قواديس السانية، أو علقت به الدلاء أو تغير بنفس الوعاء، كالدلاء والقواديس وكذا. إذا تغير بأثر بخور بخر به الإناء ثم زال دخانه وبقي الأثر، فوضع فيه الماء، أو بأثر قطران دهن به الإناء من غير دبغ به. وكذا إذا رُمي القطران في الماء فرسب في قراره فتغير الماء به، فإنه لا يضر على الأصح. لأن القطران كانت تستعمله العرب كثيراً في الماء عند الاستقاء وغيره، فتسومح فيه؛ لأنه صار كالتغير بالمقر، وليس غير المتغير بآلة.
ــ
المثال مثله في الحاشية تبعا للأجهوري، وبحث فيه شيخنا في مجموعه بقوله قد يقال إن الإناء اكتسب الريح وهو ملاصق.
قوله: [قبل ذهاب دخان] إلخ: أي ولو بكبريت ونحوه من أجزاء الأرض كما قال (عب) واعتمده في الحاشية.
قوله: [لا إن تغير بمقر]: أي قرار أقام عليه الماء. وقوله: أو [ممر]: أي موضع مر عليه الماء ومثل ذلك أواني الفخار المحروق والنحاس إذا سخن الماء فيها وتغير.
قوله: [وقول الشيخ] إلخ: حاصله أن المتأخرين اختلفوا في الملح المطروح قصداً.
فقال ابن أبي زيد: لا ينقل حكم الماء كالتراب وهذا هو المذهب. وقال القابسي: إنه كالطعام فينقله واختاره ابن يونس وهو المشار له بقوله والأرجح إلخ.
وقال الباجي: المعدني كالتراب والمصنوع كالطعام. فهذه ثلاث طرق للمتأخرين. ثم اختلف من بعدهم: هل ترجع هذه الطرق إلى قول واحد؟ فيكون من جعله كالتراب أراد المعدني ومن جعله كالطعام أراد المصنوع؟ وحينئذ، فقد اتفقت الطرق على أن المصنوع يضر، وهذا هو الشق الأول من التردد في كلام الشيخ خليل، وهو قوله:"وفي الاتفاق على السلب به إن صنع تردد". وأما إن كان غير مصنوع، ففيه الخلاف المشار له بقوله:[ولو قصداً] أو ترجع [1] هذه الطرق إلى ثلاثة أقوال متباينة: فمن قال: لا يضر، مراده: ولو مصنوعاً، ومن قال: يضر، مراده: ولو معدنياً. فالمصنوع فيه خلاف كغيره. وهذا هو الشق الثاني من التردد، وهو المحذوف في كلام خليل تقديره: وعدم الاتفاق، وهو صادق بالأقوال الثلاثة (انتهى من حاشية الأصل). فإذا علمت ذلك، فما قاله شارحنا هو المعول عليه. فلا ضرر بالملح ولو مطروحاً قصداً أو مصنوعاً -ما لم يكن من النبات- كما ذكره شيخنا في مجموعه.
قوله: [كالسمك] إلخ: أي حيث كان حياً فلا يضر التغير به ولو تغيرت أوصافه الثلاثة. ولو طرح قصدًا، وأما إن مات فيضر اتفاقاً، وأما خرؤه فنظر فيه الأجهوري واستظهر بعض تلامذته الضرر وبعضهم عدمه.
قوله: [والطحلب]: أي ما لم يطبخ.
قوله: [يعني أن الجلود] إلخ: لا مفهوم لها بل كل ما فيه مصلحة لأواني الماء حكمه كالدباغ لا يضر التغير به مطلقاً لوناً أو طعماً أو ريحاً [2] فاحشاً أو لا.
قوله: [على عسر الاحتراز]: وكل هذا ما لم يكن التغير بروث المواشي والدواب وبولها وإلا ضر كما ذكره خليل وشراحه.
قوله: [ولا إن خف التغير]: لم يفرق بين البين وغيره إلا في هذه المسألة؛ وهي تغير الماء بالآلة التي يخرج بها. وفي (ابن [3]): اعلم أن التغير إما بملازم غالباً، فيغتفر. أو بمفارق غالباً ودعت إليه الضرورة - كحبل الاستقاء؛ ففيه ثلاثة أقوال ذكرها ابن عرفة: قيل: إنه طهور وهو لابن زرقون. وقيل، ليس بطهور، وهو لابن الحاج.
والثالث لابن رشد: التفصيل بين التغير الفاحش وغيره وهو الراجح. ولذا اقتصر عليه خليل وتبعه المصنف.
قوله: [بآلة سقي]: هذا أشمل من قول المختصر حبل السانية فإنهم قالوا لا مفهوم لحبل ولا لسانية، بل متى تغير الماء بآلته ولم تكن من أجزاء الأرض يفصل فيها بين الفاحش وغيره.
قوله: [فتغير الماء به]: أي ريحه، أو ما لونه أو طعمه فيضر حيث لم يكن دباغاً كذا في الأصل.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
قوله: (أو ترجع) في ط المعارف: (وترجع).
[2]
قوله: (أو طعماً أو ريحاً) في ط المعارف: (وطعماً وريحاً).
[3]
في ط المعارف: (بن).
(أو شك في مغيره: هل يضر؟ ): يعني إذا [1] كان الماء متغيرا، وشك في مغيره، هل هو من جنس ما يضر؟ كالعسل والدم، أو هو من جنس ما لا يضر؟ كالمغرة والكبريت وطول المكث؟ فإنه لا يسلب الطهورية ويجوز التطهير به.
(أو في ماء جعل في الفم، هل تغير؟ أو فيما خلط بموافق، هل يغير لو خالف؟ ): يعني إذا جعل الماء في الفم، وحصل شك فيه هل تغير بالريق أو لا، فإنه يجوز التطهير به. وأولى إذا ظن عدم التغير. بخلاف ما إذا ظن التغير، فإنه لا يجوز التطهير به. وكذا إذا شك في الماء المخلوط بشيء موافق لأوصافه؛ كما لو خلط بمياه الرياحين المنقطعة الرائحة، هل تغيره لو كانت غير منقطعة الرائحة أو لا تغيره لقلتها وكثرة الماء؟ فإنه لا يضر، فقوله: أو في ماء جعل، عطف على قوله: في مغيره، أي أو شك في الماء الذي جعل في الفم، وقوله هل تغير؟ تفسير للشك. وكذا يقال فيما بعده.
(كتحققه على الأرجح): هذا تشبيه في عدم الضرر. يعني أن الماء المخلوط بموافق لا يضر التطهير به، ولو جزمنا بأنه لو كان ما خالط مخالفاً له لغيره على الأرجح. وجميع ما في كلام الشيخ مما يخالف هذا ضعيف عند الأشياخ.
(وحكمه كمغيره): يعني أن الماء المتغير بما يفارقه غالباً حكمه في الاستعمال وعدمه كحكم مغيره، فإن تغير بطاهر فالماء طاهر غير طهور يستعمل في غير الطهارة. وإن تغير بجنس [2] فالماء متنجس لا يستعمل في طهارة ولا غيرها إلا في نحو سقي بهيمة أو زرع كما سيأتي.
(وكره ماء يسير استعمل في حدث،
ــ
قوله: [أو شك] إلخ: هو بالبناء للمفعول أي وقع التردد على حد سواء في هذا المغير. ومفهوم شك أنه لو ظن أو تحقق أن مغيره يضر أنه يعمل على ذلك. والوهم أولى من الشك في عدم الضرر.
فقوله: [هل يضر] تصوير لقوله: [أو شك].
قوله: [أو في ماء جعل في الفم] إلخ: حاصل ما قاله المصنف والشارح في الماء المطلق المجعول في الفم إذا حصل فيه شك، هل تغير بالريق أم لا؟ أنه لا يضر وأولى إذا ظن عدم التغير أو تحقق، بخلاف ما إذا ظن التغير فإنه لا يجوز التطهير به، وأولى إذا تحقق التغير، وهذا حمل منه للخلاف بين ابن القاسم وأشهب على اللفظي، وهو المعتمد فقول أشهب بالضرر محمول على ما إذا تحقق التغير أو ظن، وقول ابن القاسم بعدم الضرر محمول على ما إذا شك في التغير أو ظن عدمه أو تحقق.
قوله: [أو فيما خلط بموافق] إلخ: حاصل ما قاله المصنف والشارح فيما إذا خالط الماء المطلق - شيء أجنبي موافق لأوصافه كماء الرياحين المنقطعة الرائحة وماء الزرجون -بفتح الزاي- أي حطب العنب أنه لو قدر مخالفاً ولم يغيره تحقيقاً أو ظناً أو شكاً لا يضر من غير خلاف، ولو كان يغيره تحقيقاً أو ظناً لم يضر على الراجح. وأصل المسألة خمس وأربعون صورة لأن الماء المطلق إما قدر آنية الوضوء، أو أقل منها أو أكثر، وفي كل إما أن يخلط بمساو له أو أقل أو أكثر، فهذه تسع وفي كل لو قدر مخالفاً - إما أن يتحقق عدم التغير، أو يظن عدمه، أو يشك، أو يتوهم، أو يتحقق التغير. فهذه خمس مضروبة في التسع بخمس وأربعين صورة منها سبع وعشرون لا ضرر فيها قطعاً؛ وهي ما إذا تحقق عدم التغير. أو ظن عدمه، أو شك. فهذه ثلاث صور مضروبة في التسع وهي داخلة في قول المصنف، وفيما خلط بموافق، هل يغير لو خالف؟ لأن موضوعه الشك في التغير على تقدير المخالفة، فمن باب أولى تحقق العدم وظنه. والثمانية عشر الباقية حاصلة من ضرب تحقق التغير أو ظنه في التسع، داخلة في قول المصنف:[كتحققه على الأرجح]. وهذا الترجيح من المصنف اعتمده في الحاشية وذكره (شب) أيضاً تبعاً لابن عبد السلام بناء على تقدير الموافق غير مخالف. والمخالفة لا تضبط، والشريعة السمحاء تقتضي طرح ذلك. ومقابل الأرجح يقول بتقدير الموافق مخالفاً، ويحكم بالضرر عند تحقق التغير أو ظنه. وقد ارتضاه الشيخ في قراءة (عب) وتبعه شيخنا في مجموعه. وعن الشيخ أبي علي ناصر الدين: أن المخالط إذا كان نجساً فالماء نجس مطلقاً. اهـ.
قال (بن) نقلاً عن بعض الشيوخ: وهذا هو الظاهر اهـ. ولك أن تقول كلام أبي علي ظاهر حيث كان عند المخالفة يحصل التغير تحقيقاً أو ظناً. وأما لو شك في التغير فلا وجه لظهوره. وهذا الحاصل زبدة ما قالوه في هذه المسألة فليحفظ.
قوله: [وحكمه كمغيره]: جملة مستأنفة جواب عما يقال إذا كان التغير بالمفارق يسلب الطهورية فهل يجوز تناوله في العادات أو لا يجوز تناوله فيها؟ قوله: [كما سيأتي]: أي في آخر فصل الطاهر، في قوله: وجاز انتفاع بمتنجس في غير مسجد وآدمي.
قوله: [وكره ماء] إلخ: الكلام على حذف مضاف أي استعماله، وقوله:[استعمل]: صفته.
وقوله: [في حدث]: تنازعه كل من استعمال المقدر واستعمال المذكور، فكأنه قال:" وكره استعمال ماء في حدث استعمل في حدث ". وحاصل ما قاله المصنف والشارح أن الماء اليسير الذي هو قدر آنية الغسل فأقل، المستعمل في حدث، يكره استعماله في حدث بشروط ثلاثة: أن يكون يسيراً، وأن يكون استعمل في رفع حدث لا حكم خبث، وأن يكون الاستعمال الثاني في رفع حدث. فصار المأخوذ من المتن والشرح أن الماء المستعمل في حكم خبث لا يكره له استعماله، وأن الماء المستعمل في حدث لا يكره استعماله في حكم خبث. وهذا ما نقله زروق عن ابن رشد وهو خلاف ما ذكره شيخنا في مجموعه. وحاصل ما ذكره: أن الماء اليسير المستعمل في [3] متوقف على طهور، ولو
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (إذ).
[2]
في ط المعارف: (بنجنس)، ولعل الصواب:(بنجس).
[3]
زاد بعدها في ط المعارف: (حدث).
أو حلت به نجاسة لم تغيره، أو ولغ فيه كلب، ومشمس بقطر حار): هذا شروع في المياه المكروهة الاستعمال.
ولا تكون الكراهة إلا في الماء اليسير فيما قبل المشمس.
ــ
غسل ذمية من الحيض ليطأها زوجها - فإنه رفع حدثاً في الجملة - أو غسلة ثانية أو ثالثة، لأنهما من توابع رفع الحدث، حتى قال القرافي ينوي أن الفرض ما أسبغ من الجميع والفضيلة الزائدة، فبالجملة الكل طهارة واحدة، والخبث كالحدث لا نحو رابعة، وغسل ثوب طاهر مما لا يتوقف على طهور يكره استعمال ما ذكر في مثله. اهـ. بالمعنى أي يكره استعماله في حدث ولو غسل ذمية أو غسلة ثانية أو ثالثة أو حكم خبث، وهذا هو المعول عليه. وحاصل الفقه أن صور استعمال الماء المستعمل خمس وعشرون صورة، لأن استعماله أولاً إما في حدث أو حكم خبث، وإما في طهارة مسنونة أو مستحبة، وإما في غسل إناء. وكل من هذه إذا استعمل ثانياً فلا بد أن يستعمل في أحدها؛ فالمستعمل في حدث أو في حكم خبث يكره استعماله في مثلهما فهذه أربع. وكذا يكره استعماله في الطهارة المسنونة والمستحبة، فهذه أربع أيضاً ولا يكره استعماله في غسل كالإناء، وهاتان صورتان. والمستعمل في الطهارة المسنونة والمستحبة يكره استعماله في رفع الحدث وحكم الخبث. وفي الطهارة المسنونة والمستحبة على أحد الترددين، فهذه ثمانية، لا في غسل كالإناء. فهاتان اثنتان والمستعمل في غسل كالإناء لا يكره استعماله في شيء فهذه خمس اهـ من حاشية الأصل بتصرف.
تنبيه: عللت كراهة الاستعمال بعلل ست.
أولها: لأنه أديت به عبادة.
ثانيها: لأنه رفع به مانع.
ثالثها: لأنه ماء ذنوب.
رابعها: للخلاف في طهوريته.
خامسها: لعدم أمن الأوساخ.
سادسها: لعدم عمل السلف. وأوجه تلك العلل مراعاة الخلاف وهو علة كراهة استعمال الماء القليل الذي حلته نجاسة، وعلة كراهة استعمال الماء الذي ولغ فيه كلب.
مسألة: لو جمعت مياه قليلة مستعملة أو حلتها نجاسة ولم تغيرها فكثرت هل تستمر الكراهة لأن ما ثبت للأجزاء يثبت للكل؟ وهو ما للحطاب. واستظهر ابن عبد السلام نفيها. قيل: وعليه فالظاهر لا تعود الكراهة إن فرق لأنها زالت ولا موجب لعودها، وقد يقال: له موجب وهو القلة، والحكم يدور مع العلة. ويجزم بزوال الكراهة إذا كانت الكثرة بغير مستعمل.
مسألة أخرى: الاستعمال عند أصحابنا بالدلك لا بمجرد إدخال العضو، والظاهر الكراهة في استعماله، وإن لم يتم الوضوء سواء قلنا إن كل عضو يطهر بانفراده أو لا يرتفع الحدث إلا بكمال الأعضاء، خلافاً لما في (عب) من التفصيل. اهـ. بالمعنى من شيخنا في مجموعه. قوله [1]:[أو حلت به] إلخ: حاصل فقه المسألة أن الماء اليسير وهو ما كان قدر آنية الغسل فأقل إذا حلت فيه نجاسة يكره استعماله بقيود ستة:
الأول: أن يكون يسيراً كما تقدم.
الثاني: أن تكون النجاسة كالقطرة. أي نقطة المطر المتوسطة ففوق.
الثالث: عدم التغيير.
الرابع: أن يوجد غيره.
الخامس: أن يستعمل فيما يتوقف على طهور.
السادس: أن لا يكون له مادة. فإن تغير منع استعماله في العادات والعبادات. وإن اختل [2] شرط من باقي الشروط فلا كراهة.
قوله: [أو ولغ] إلخ: معطوف على [حلت] وهو بفتح اللام في الماضي والمضارع وحكي كسرها في الماضي؛ أي أدخل لسانه فيه وحركه. فإنه يكره استعماله حيث كان يسيراً ولم يتغير ووجد غيره، ولو تحققت سلامة فيه من النجاسة، لا إن لم يحرك لسانه، ولا إن سقط منه لعاب في الماء من غير إدخال فلا كراهة. والحاصل أن حكمه حكم الماء الذي حلته نجاسة يكره استعماله فيما يتوقف على طهوره ولا يكره استعماله في العادات.
قوله: [ومشمس]: معطوف على ماء بقطع النظر عن وصفه باليسير، وهو صفة لموصوف محذوف على حذف مضاف تقديره: وكره استعمال ماء مشمس إلخ.
وهذه الكراهة طبية لا شرعية لأنها لا تمنع من إكمال الوضوء أو الغسل، بخلاف ما لو كانت كراهته لشدة حرارته، والفرق بين الكراهتين أن الشرعية يثاب تاركها بخلاف الطبية؛
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
ليست في ط المعارف.
[2]
في ط المعارف: (أخل).
واليسير: ما كان كآنية المغتسل كالصاع والصاعين والكثير ما زاد على ذلك، أي وكره استعمال ماء يسير [1] في رفع حدث قد كان استعمل أولاً [2] في رفع حدث.
فالقيود ثلاثة: أن يكون يسيراً، وأن يكون استعمل في رفع حدث لا حكم خبث، وأن يكون الاستعمال الثاني في رفع حدث. والمراد بالمستعمل في حدث: ما تقاطر من الأعضاء أو غسلت فيه. وأما لو اغترف منه وغسلت الأعضاء خارجه فليس بمستعمل. وعلم أن استعماله في تطهير حكم الخبث غير مكروه، كالذي رفع به حكمه، لم يكره في الحدث إذا لم يتغير. وكذا يكره اليسير الذي حلت فيه نجاسة ولم تغيره لقلتها ولو من خبث.
وقول الرسالة: وقليل الماء ينجسه قليل النجاسة وإن لم تغيره، ضعيف، وإن كان هو قول ابن القاسم. وكذا اليسير الذي ولغ فيه كلب؛ فإنه يكره استعماله، وسيأتي أنه يندب إراقته، وغسل الإناء سبعاً، وهذا ظاهر في كراهة استعماله في الحدث والخبث.
وكذا يكره الماء المشمس أي المسخن بالشمس في الأقطار الحارة كأرض الحجاز، لا في نحو مصر والروم، وقيد بعضهم الكراهة أيضاً بالمشمس في الأواني النحاس ونحوها لا الفخار، وقيل لا يكره مطلقاً.
(كاغتسال براكد): هذا تشبيه في الكراهة؛ أي أنه يكره الاغتسال من الجنابة ونحوها في ماء راكد أي غير جارٍ؛ كحوض ولو كان كثيراً ما لم يستبحر كبركة وغدير. وما لم تكن له مادة، وإلا لم يكره إلا أن يكون الذي له مادة قليلاً في نفسه فيكره أيضاً.
(وراكد مات فيه بري ذو نفس سائلة ولو كان له مادة. وندب نزح لظن زوال الفضلات، لا إن أخرج حياً أو وقع ميتاً): قوله: راكد بالرفع عطف على "ما": أي وكره ماء راكد - أي استعماله في حدث أو خبث - إذا مات فيه حيوان بري بفتح الباء نسبة للبر ضد البحر - بقيوده الآتية قبل النزح منه، لأنه ماء تعافه النفوس، ولو كثر أو كانت له مادة كالبئر. وإذا مات الحيوان البري في الماء القليل أو الكثير - له مادة أو لا - كالصهاريج، وكان له نفس سائلة - أي دم يجري منه إذا جرح - فإنه يندب النزح منه بقدر الحيوان من كبر أو صغر وبقدر الماء من قلة وكثرة إلى ظن زوال الفضلات، خرجت من فيه حال خروج روحه في الماء. وينقص النازح الدلو لئلا تطفو الدهنية فتعود للماء ثانياً. والمدار على ظن زوال الفضلات، ولهذا حذفنا من المتن قول الشيخ:"بقدرهما"، فلو أخرج الحيوان من الماء قبل موته أو وقع فيه ميتاً أو كان الماء جارياً أو مستبحراً كغدير عظم جداً، أو كان الحيوان بحرياً كحوت، أو برياً ليس له نفس سائلة كعقرب وذباب، لم يندب النزح فلا يكره استعماله كما لا يكره بعد النزح. وهذا ما لم يتغير الماء بالحيوان المذكور. فإن تغير لوناً أو طعماً أو ريحاً تنجس لأن ميتته نجسة.
(ولو زال تغير متنجس بغير إلقاء طاهر فيه، لم يطهر): يعني إذا تغير الماء بحلول نجاسة فيه ثم زال تغيره لا بصب شيء طاهر فيه بل بنفسه - فإنه يكون باقياً على تنجيسه. ولا يستعمل في عبادة أو عادة،
ــ
وما قلناه من أنها طبية، هو ما قاله ابن فرحون والذي ارتضاه الحطاب أنها شرعية.
قوله: [كآنية المغتسل]: أي ولو للمتوضئ والمزيل لحكم الخبث.
قوله: [لا حكم خبث]: قد علمت ما فيه.
قوله: [في رفع حدث]: أي أو حكم خبث.
قوله: [فليس بمستعمل]: أي ولم ينو الاغتراف خلافاً للشافعية.
قوله: [غير مكروه]: قد علمت ما فيه أيضاً.
قوله: [لقلتها]: لا مفهوم له بل المدار على عدم التغير.
قوله: [وإن كان هو قول ابن القاسم]: أي فلا غرابة في ضعفه وإن كان.
قوله: [ونحوها]: كالرصاص والقصدير لأنها تورث البرص، فتحصل أن الكراهة بقيود ثلاثة: أن يكون الماء مسخناً بالشمس في أواني [3] نحو النحاس من كل ما يمد تحت المطرقة غير النقدين، وغير المغشى بما يمنع اتصال الزهومة بالبلاد الحارة كما يؤخذ من الأصل.
قوله: [كاغتسال براكد] إلخ: حاصل ما فيه أن مالكاً يقول بكراهة الاغتسال في الماء الراكد كان يسيراً أو كثيراً، والحال أنه لم يستبحر ولم تكن له مادة سواء كان جسد المغتسل نقياً من الأذى أو لا، ولكن لا يسلب الطهورية. فإن كان يسلبها منع الاغتسال فيه. فليس عند مالك حالة جواز للاغتسال فيه، بل إما المنع أو الكراهة. وهي عنده تعبدية. وقال ابن القاسم: يحرم الاغتسال فيه إن كان يسيراً وبالجسد أوساخ؛ وإلا جاز بلا كراهة، فقول المصنف:[كاغتسال براكد] لا يصح حمله على قول ابن القاسم، وإنما يحمل على كلام مالك.
قوله: [مات فيه] إلخ: سيأتي محترز هذا وهو شيئان خروجه حياً ووقوعه ميتاً أما الأول فمتفق عليه وأما الثاني فقال (بن) عن ابن مرزوق الوقوع ميتاً كالموت فيه، ولكن ما مشى عليه المصنف ظاهر التعليل الآتي وهو زوال الرطوبات التي تخرج عند الموت.
قوله: [في حدث أو خبث]: المراد كل ما توقف على طهور.
قوله: [بقيوده]: متعلق باستعماله، وقبل النزح ظرف له. والقيود الآتية ستة، وهي: مات الحيوان البري في الماء القليل أو الكثير إلخ، وكان له نفس سائلة، ولم يغير كما يأتي في آخر عبارة الشارح.
قوله: [لأن ميتته نجسة]: أي لكونه: برياً ذا نفس سائلة، وأما لو كان بحرياً أو برياً لا نفس له سائلة وتغير الماء به، فهو طاهر غير طهور ومفهوم قول الشارح [وكره ماء] أنه لو وقع في طعام ومات فيه أو وقع ميتاً أنه يجري على حكم الطعام الذي حلته نجاسة الآتي. وإن وقع حياً وخرج كذلك، فإن كان يغلب على جسده النجاسة عمل عليه وإلا فلا ضرر لأن الطعام لا يطرح بالشك
قوله: [لم يطهر]: هذا قول ابن القاسم وقال (بن) الأرجح أنه
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (سير).
[2]
في ط المعارف: (أو لا).
[3]
في ط المعارف: (أوان).
خلافاً لمن قال إنه إذا زال تغيره بنفسه طهر لأن علة تنجيسه تغيره وقد زالت. وأما لو زال تغيره بصب ماء مطلق فيه ولو قل لعادت له الطهورية. وكذا إذا زال بسقوط شيء طاهر فيه كتراب أو طين فإنه يكون طهوراً إذا زال أثر ما سقط فيه. ومفهوم متنجس: أنه لو زال تغير الطاهر بنفسه لكان طهوراً.
فصل: في بيان الأعيان الطاهرة والنجسة
(الطاهر: الحي، وعرقه، ودمعه ومخاطه، ولعابه، وبيضه، إلا المذر وما خرج بعد موته): الأصل في الأشياء الطهارة. فجميع أجزاء الأرض وما تولد منها طاهر، والنجاسة عارضة. فكل حي - ولو كلباً وخنزيراً - طاهر، وكذا عرقه وما عطف عليه، إلا البيض المذر، بفتح الميم وكسر الذال المعجمة، وهو ما تغير بعفونة أو زرقة، أو صار دماً؛ فإنه نجس بخلاف الممروق: وهو ما اختلط بياضه بصفاره من غير نتونة وإلا ما خرج من الحيوان من بيض أو مخاط أو دمع أو لعاب بعد موته بلا ذكاة شرعية؛ فإنه يكون نجساً. فهذا في الحيوان الذي ميتته نجسة.
(وبلغم، وصفراء، وميت الآدمي، وما لا دم له، والبحري، وما ذكي من غير محرم الأكل، والشعر، وزغب الريش): البلغم: وهو ما يخرج من الصدر منعقداً كالمخاط، وكذا ما يسقط من الدماغ من آدمي أو غيره، طاهر. وكذا الصفراء: وهي ماء أصفر ملتحم يخرج من المعدة يشبه الصبغ الزعفراني؛ لأن المعدة عندنا طاهرة فما خرج منها طاهر، ما لم يستحل إلى فساد كالقيء المتغير. ومن الطاهر: ميتة الآدمي ولو كافراً على الصحيح.
وميتة ما لا دم له من جميع خشاش الأرض؛ كعقرب،
ــ
يطهر وهو قول ابن وهب عن [1] مالك، واعتمد الأجهوري و (عب) أنه لا يطهر. ورجح ابن رشد ما لابن وهب وفيه نظر. اهـ تقرير الشارح
قوله: [لعادت له الطهورية]: أي اتفاقاً.
قوله: [فإنه يكون طهوراً]: قال شيخنا في مجموعه: حاصل ما أفاده الأجهوري وتلامذته والزرقاني وابن الإمام التلمساني: إذا زال تغير النجس بنحو تراب، فإن ظن زوال أوصاف النجاسة طهر، وإن احتمل بقاؤها، غاية الأمر أنها خفيت بالمخالط فنجس. وبعد، فالقياس في غير صب المطلق تخريج الفرع من أصله على ما سبق في المخالط الموافق. وقد سبق أن الأظهر فيه الضرر، فلذا اعتمدنا هنا بقاء النجاسة تبعاً للأجهوري و (عب) و (شب) و (خش) وإن اعتمد (بن) الطهورية. اهـ.
قوله: [لكان طهوراً]: أي اتفاقاً ومفهومه أيضاً أنه لو زال تغير نفس النجاسة كالبول فنجس جزماً؛ لأن نجاسته لبوليته لا لتغيره، ولا وجه لما حكي عن ابن دقيق العيد من الخلاف فيه كما في (شب) اهـ. شيخنا في مجموعه.
فصل:
هو لغة الحاجز بين الشيئين، واصطلاحاً اسم لطائفة من مسائل الفن مندرجة تحت باب أو كتاب غالباً.
ولما قدم أن المتغير بالطاهر طاهر. وبالنجس نجس ناسب أن يبين الأعيان الطاهرة والنجسة في هذا الفصل.
قوله: [الطاهر]: بينه وبين المباح عموم وخصوص من وجه، فيجتمعان في الخبز مثلاً، وينفرد الطاهر في السم، وينفرد المباح في الميتة للمضطر. كذا في الحاشية. ويعلم من هذا أن بين النجس والممنوع عموم وخصوص وجهي أيضاً؛ فيجتمعان في الخمر مثلاً، وينفرد الممنوع في السم والنجس في الميتة للمضطر.
قوله: [الحي]: أي من قامت به الحياة وهي ضد الموت، فهي صفة تصحح لمن قامت به الحركة الإرادية.
قوله: [وبيضه]: أي ولو من حشرات.
قوله: [فجميع أجزاء الأرض]: أي لأنها من جملة الجماد. وسيأتي ذكره.
قوله: [وما تولد منها]: أي كالنباتات لأنها من الجماد أيضاً، وجميع الحيوانات لأنها من المني، وهو ناشئ من الغذاء، وهو مما يخرج من الأرض فلذلك فرع عليه قوله "فكل حي" إلخ.
قوله: [فكل حي]: أي ولو كافراً أو شيطاناً ونجاستهما معنوية. قوله: [وكذا عرقه]: ولو شارب خمر.
قوله: [وما عطف عليه]: الذي هو دمعه ومخاطه ولعابه وبيضه. وهي طاهرة ولو أكل نجساً، ومحل كون اللعاب طاهراً إن خرج من غير المعدة. وأما الخارج من المعدة فنجس وعلامته أن يكون أصفر منتناً.
قوله: [أو صار دماً]: وأولى ما صار مضغة أو فرخاً ميتاً، وأما وجود نقطة دم غير مسفوح فيه فلا تضر.
قوله: [من بيض]: أي ولو يابساً.
قوله: [فهذا في الحيوان الذي ميتته نجسة]: وأما الخارج مما ميتته طاهرة -كالسمك والجراد- والخارج بعد الموت بذكاة شرعية، فجميعه طاهر.
قوله: [وميت الآدمي]: بسكون الياء والمشدد للحي قال تعالى: {إنك ميت} [الزمر: 30] قال بعض الأدباء [2]:
أيا سائلي تفسير ميت وميت
…
فدونك قد فسرت ما عنه تسأل
فما كان ذا روح فذلك ميت
…
وما الميت إلا من إلى القبر يحمل
هذا هو الأصل الغالب في الاستعمال ولا يكادون يستعملون "ميتة" بالتاء إلا مخففاً اهـ شيخنا في مجموعه.
قوله: [الآدمي]: إنما كان طاهراً لتكريمه قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70].
قوله: [كالقيء المتغير]: ومثله الصفراء المنتنة. قوله: [ما لا دم له]: هو معنى قول غيره: لا نفس له سائلة أي لا دم ذاتي له، بل إن وجد فيه دم يكون منقولاً ويحكم. بنجاسة الدم فقط، فلذلك قال:"لا دم له" ولم يقل: لا دم فيه.
قوله: [خشاش الأرض]: أي وليس منه ما هو كالوزغ والسحالي من كل ما له لحم ودم. واعلم أنه لا يلزم من الحكم بطهارة ميتة ما لا نفس له سائلة، أنه يؤكل بغير ذكاة؛ لقول الشيخ خليل: وافتقر نحو الجراد لها بما
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (ظن).
[2]
قوله: (قال بعض الأدباء) في ط المعارف: (قيل).
وجندب وخنفس. ومنه البرغوث، بخلاف القمل، وكذا ميتة البحري من السمك وغيره ولو طالت حياته بالبر. وجميع ما ذُكي بذبح أو نحر أو عقر من غير محرم الأكل، بخلاف محرمه؛ كالحمير والبغال والخيل، فإن الذكاة لا تعمل فيه وكذا الكلب والخنزير لا تعمل فيهما الذكاة. فميتة ما ذكر نجسة ولو ذكي. ومن الطاهر: الشعر ولو من خنزير. وكذا زغب الريش وهو ما اكتنف القصبة من الجانبين، وأراد بالشعر ما يعم الوبر والصوف.
(والجماد إلا المسكر، ولبن آدمي، وغير المحرم، وفضلة المباح، إن لم يستعمل النجاسة، ومرارته، والقلس، والقيء إن لم يتغير عن حالة الطعام، ومسك، وفأرته، وخمر خُلل أو حُجر، ورماد نجس ودخانه، ودم لم يسفح من مذكَّى) أي من الأعيان الطاهرة الجماد وهو جسم ليس بحي أي لم تحله الحياة، ولا منفصل عن حي. فشمل النبات بأنواعه وجميع أجزاء الأرض وجميع المائعات؛ كالماء والزيت لا اللبن والسمن وعسل النحل؛ فإنها ليست بجماد لانفصالها عن الحيوان كالبيض، ويستثنى من الجماد: المسكر. ولا يكون إلا مائعاً، كالمتخذ من عصير العنب وهو الخمر. أو من نقيع الزبيب أو التمر أو غير ذلك، فإنه نجس، ويحد شاربه بخلاف نحو الحشيشة والأفيون والسيكران فطاهرة لأنها من الجماد. ويحرم تعاطيها لتغييبها العقل، ولا يحرم التداوي بها في ظاهر الجسد. ومن الطاهر لبن الآدمي ولو كافراً. ولبن غير محرم الأكل ولو مكروهاً كالهر والسبع. بخلاف محرم الأكل، كالخيل والحمير فلبنه نجس. ومن الطاهر: فضلة المباح، من روث وبعر وبول وزبل دجاج وحمام وجميع الطيور، ما لم يستعمل النجاسة. فإن استعملها أكلاً أو شرباً ففضلته نجسة. والفأرة من المباح؛ ففضلتها طاهرة إن لم تصل للنجاسة ولو شكاً لأن شأنها استعمال النجاسة كالدجاج. بخلاف نحو الحمام فلا يحكم بنجاسة فضلته إلا إذا تحقق أو ظن استعمالها للنجاسة. ومن الطاهر مرارة غير محرم الأكل من مباح أو مكروه، والمراد بها الماء الأصفر الكائن في الجلدة المعلومة للحيوان.
ــ
يموت به. والحاصل أن الخشاش المتولد من الطعام، كدود الفاكهة والمش يؤكل مطلقاً. وغير المتولد إذا كان حياً وجب نية ذكاته بما يموت به. وإن كان ميتاً فإن تميز أخرج ولو واحدة، وإلا أكل إن غلب الطعام لا إن قل أو ساوى على الراجح. فإن شك هل غلب الطعام أو لا فلا يطرح بالشك. وليس كضفدعة شك أبرية أم بحرية؛ فلا تؤكل كما في (عب) لعدم الجزم بإباحتها. اهـ شيخنا في مجموعه بالمعنى.
قوله: [بخلاف القمل]: أي فميتتها نجسة. خلافاً لسحنون من أنها لا نفس لها سائلة. فهي كالبرغوث عنده.
قوله: [وكذا ميتة البحري] إلخ: وفي الحديث «أحلت لنا ميتتان السمك والجراد» فعلى المذهب فيه تغليب السمك على الجراد لكون ذكاته بما يموت به مطلقاً اهـ من شيخنا في مجموعه.
قوله: [ولو طالت حياته بالبر]: أي ولو مات به على أظهر الأقوال، ولو على صورة الخنزير والآدمي، ولا يجوز وطؤه لأنه بمنزلة البهائم، ويعزر واطئه.
قوله: [وجميع ما ذكي] إلخ: لم يقل وجزؤه كما قال خليل لأن حكمه كالكل في مثل هذا.
قوله: [من غير محرم الأكل]: أي فيشمل مكروهه كسبع وهر، فإن ذكي لأكل لحمه طهر جلده تبعاً له، لأنه يؤكل كاللحم، وإن ذكي بقصد أخذ جلده فقط جاز أيضاً أكل لحمه بناء على أن الذكاة لا تتبعض وهو الأرجح.
قوله: [لا تعمل فيه]: أي على مشهور المذهب عندنا في الثلاثة، ومقابله ما نقل عن مالك من كراهة البغال والحمير والكراهة والإباحة في الخيل.
قوله: [وكذا الكلب]: أي على القول بحرمة أكله، وأما على القول بكراهته فتعمل فيه وسيأتي القولان في باب المباح. وأما الخنزير فلا تعمل الذكاة فيه إجماعاً.
قوله [ولو من خنزير]: أي لا تحله الحياة وأما أصول الشعر فكالجلد.
قوله: [والجماد]: معطوف على الحي.
قوله: [ولبن آدمي]: ذكراً أو أنثى ولو كافراً ميتاً سكران. لاستحالته إلى صلاح.
قوله: [وغير المحرم]: أي فلبنه طاهر.
قوله: [فشمل النبات]: من ذلك البن والدخان، فالقهوة في ذاتها مباحة ويعرض لها حكم ما يترتب عليها. هذا زبدة ما في (ح) هنا ومثلها الدخان على الأظهر. وكثرته لهو اهـ من شيخنا في مجموعه.
قوله: [وهو الخمر]: أي فهو عندهم المتخذ من عصير العنب.
قوله: [أو من نقيع الزبيب أو التمر أو غير ذلك]: أي كالمستخرج من دقيق الشعير ويسمى بالنبيذ.
قوله: [فإنه نجس ويحد شاربه]: أي فحقيقة المسكر هو ما كان مائعاً مغيباً للعقل مع شدة وفرح - سواء كان من ماء العنب وهو الخمر، أو من غيره وهو النبيذ - فموجب للحد والحرمة في قليله ككثيره وإن لم يغب عقله بالفعل.
قوله: [بخلاف نحو الحشيشة والأفيون]: أي فليست من المسكر ولا من النجس ولا توجب حداً، وإنما فيها الأدب إن تعاطى منها ما يغيب العقل.
والحاصل أن المسكر هو ما غيب العقل دون الحواس مع نشوة وطرب. والمخدر - ويقال له المفسد - ما غيب العقل دون الحواس لا مع نشوة وطرب، والمرقد ما غيبهما معاً كالداتورة. فالأول نجس والآخران طاهران ولا يحرم منهما إلا ما أثر في العقل.
قوله: [ولو شكا]: على ما للأجهوري و (عب) وجعله الشيخ في الحاشية: شكاً في المانع، أي فلا يضر، فإن تولد الحيوان من مباح وغيره فكذات الرحم، ما لم يكن على صورة محرم الأكل كخنزيرة من شاة فهي نجسة كفضلتها على كل حال.
ومن الطاهر القلس بفتح القاف واللام، وهو ما تقذفه المعدة من الماء عند امتلائها. وكذا القيء طاهر ما لم يتغير عن حالة الطعام بحموضة أو غيرها، فإن تغير فنجس. ومن الطاهر المسك وفأرته وهو الجلدة المتكون فيها. وكذا الزباد [1] وكذا الخمر، إذا خلل بفعل فاعل أو حجر، أي صار كالحجر في اليبس بفعل فاعل، فإنه يصير طاهراً. وأولى لو تخلل بنفسه أو تحجر بنفسه. ومن الطاهر رماد النجس، كالزبل والروث النجسين. وأولى؛ الوقود المتنجس فإنه يطهر بالنار. وكذا دخان النجس فإنه طاهر. وما مشى عليه الشيخ ضعيف. نعم. قيد بعضهم طهارة رماد النجس بما إذا أكلته النار وانمحق معه أجزاء النجاسة، بخلاف ما إذا كان رماده له نوع صلابة فباقٍ على نجاسته، وهو ظاهر. ومن الطاهر: الدم غير المسفوح، أي الجاري من المذكى، وهو الباقي بالعروق، أو في قلب الحيوان أو ما يرشح من اللحم لأنه كجزء المذكى. وكل مذكى وجزؤه طاهر، بخلاف ما بقي على محل الذبح فإنه من باقي المسفوح فنجس. وكذا ما يوجد في بطنها بعد السلخ فإنه نجس لأنه جرى من محل الذبح إلى البطن، فهو من المسفوح. وقولي: من مذكى: قيد معتبر أهمله الشيخ.
(والنجس: ميت غير ما ذكر، وما خرج منه، وما انفصل منه أو من حي مما تحله الحياة، كقرن وظفر، وظلف [2]، وسن، وقصب ريش، وجلد، ولو دُبغ): يعني أن النجس بفتح الجيم، أي الأعيان النجسة الذات: ميت غير الآدمي وما عطف عليه وغيره: كل بري له نفس سائلة، من غنم وبقر وحمار ولو قملة. وقيل، بطهارة ميتتها؛ لأن دمها مكتسب لا ذاتي، وهو ضعيف. نعم يعفى عما قل للمشقة. وكذا كل ما خرج من ذلك الميت بعد موته من بول ودمع ومخاط وبيض وغير ذلك نجس.
ــ
تنبيه:
يستحب غسل الثوب والبدن من فضلات المباح وإن كانت طاهرة، إما لاستقذاره أو مراعاة للخلاف؛ لأن الشافعية يقولون بنجاستها. وذكر شيخنا في مجموعه: ليس من التلفيق الذي قيل بجوازه مراعاة الشافعي في إباحة الخيل، ومالك في طهارة رجيعها، لأن مالكاً عين للإباحة أشياء فتأمل اهـ، وذكر في مجموعه أيضاً: أن فضلات الأنبياء طاهرة حتى بالنسبة لهم لأن الطهارة متى ثبتت لذات فهي مطلقة. واستنجاؤهم تنزيه وتشريع ولو قبل النبوة، وإن كان لا حكم إذ ذاك كالعصمة لاصطفائهم من أصل الخلقة.
وأن المني الذي خلقت منه الأنبياء طاهر بلا خلاف، بل جميع ما تكون منه أصول المصطفى طاهر أيضاً اهـ.
قوله: (ومن الطاهر القلس): أي ما لم يشابه في التغير أحد أوصاف العذرة. فلا تضر حموضته لخفته وتكرره. اهـ. من شيخنا في مجموعه.
قوله: [بحموضة أو غيرها] إلخ: وقيل ما لم يشابه أحد أوصاف العذرة. والمعول عليه ما قاله الشارح. وفي الحاشية: طهارة القيء تقتضي طهارة ما وصل للمعدة من خيط أو درهم. وقالوا بنجاسته كما في كبير الخرشي. وأما الذي أدخل في الدبر فنجس قطعاً كما في (ح).
قوله: [ومن الطاهر المسك] إلخ: أي ولو بعد الموت لشدة الاستحالة إلى صلاح. بخلاف البيض فاندفع ما في الحاشية اهـ من شيخنا في مجموعه.
قوله: [إذا خلل] إلخ: أي إلا لنجاسة به قبل. قوله: [أو حجر]: قيده (ح) بما إذا لم يعد إسكاره بالبل، ورده الأجهوري. وفي (عب): يطهر بالتحجير والتخليل ولو على ثوب، تابعاً في ذلك للأجهوري. واستظهره في الحاشية. وقيل: لا بد من غسله لأنه أصاب حال نجاسته، وهو ما في (شب). وحيث طهر الخمر بالتخليل والتحجير طهر إناؤه، فيستثنى مما يأتي في قوله:[وفخار بغواص]. واختلفوا في تخليلها بالحرمة لوجوب إراقتها والكراهة والإباحة. قوله: [وهو ظاهر]: ولكن المعتمد الطهارة مطلقاً، وهذا ضعيف كما قرره الشارح وغيره من أشياخنا.
قوله: [والنجس: ميت] إلخ: عطف على الطاهر إلخ لأنه لما ذكر الأعيان الطاهرة واستشعر أضدادها، فشرع يتمم الكلام عليها صراحة، وإن تقدم له بعضها صراحة وضمناً كقوله:[إلا المذر وما خرج بعد الموت]. ومفهوم قوله [من غير محرم] و [إلا المسكر]، ومفهوم قوله إن لم يستعمل النجاسة، ومفهوم قوله إن لم يتغير على حال الطعام، ومفهوم قوله خلل أو حجر ومفهوم لم يسفح.
قوله: [غير الآدمي]: وأما هو فميتته طاهرة على المعتمد كما تقدم خلافاً لابن القاسم وابن شعبان وابن عبد الحكم، والقائل بالطهارة ابن رشد نقلاً عن سحنون.
تنبيه: قد علمت أن في ميتة الآدمي الخلاف. وأما ميتة الجن فنجسة لأنه لا يلحق الآدمي في الشرف وإن اقتضى عموم «المؤمن لا ينجس» أن له ما للآدمي. ولو قيل بطهارة المسلم منهم لكان له وجه وليس الفرع نصاً قديماً اهـ شيخنا في مجموعه. قال عياض الأمر بغسل الميت وإكرامه بالصلاة عليه يأبى تنجيسه. إذ لا معنى لغسل الميتة التي هي مثل العذرة وصلاته عليه الصلاة والسلام على سهل ابن بيضاء في المسجد، وتقبيله عثمان بن مظعون بعد الموت ولو كان نجساً ما فعل النبي ذلك.
قوله: [ولو قملة]: مبالغة في قوله له نفس سائلة.
قوله: [وقيل إلخ]: هو قول سحنون.
قوله: [نعم يعفى إلخ]: فيستخف منها ثلاث في الصلاة قتلاً وحملاً بعده. ونقل ابن مرزوق عن بعض الصالحين إن احتاج لقتلها
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
قوله: (وكذا الزباد) ساقط من ط المعارف.
[2]
زاد بعدها في ط المعارف: (وحافر).
وكذا كل ما انفصل منه مما تحله الحياة أو انفصل من حي مما تحله الحياة، كاللحم والعظم والعصب والقرن والظلف وهو للبقر والشاة والحافر، وهو للفرس والبغل والحمار. فأراد بالظلف ما يعم الحافر مجازاً، وهو داخل تحت الكاف. والظفر وهو للبعير والنعام والإوز والدجاج. والسن من جميع الحيوانات. ومنه ناب الفيل المسمى بالعاج، ورجح بعضهم كراهته تنزيهاً. وكذا قصب الريش من حي أو ميت وهو الذي يكتنفه الزغب. وتقدم أن الزغب طاهر كالشعر لأنه لا تحله الحياة. والجلد من حي أو ميت كذلك نجس ولو دبغ، فلا يصلى به أو عليه لنجاسته. وما ورد من نحو قوله عليه الصلاة والسلام:«أيما إهاب -أي جلد- دبغ فقد طهر» فمحمول على الطهارة اللغوية لا الشرعية في مشهور المذهب؛ وبعض أهل المذهب حمله على الطهارة الشرعية حملاً لألفاظ الشارع على الحقائق الشرعية، وعليه أكثر الأئمة لكنه ضعيف عندنا. وتوقف الإمام في الكيمخت، وهو جلد الحمار أو الفرس أو البغل المدبوغ. ورجح بعض المتأخرين طهارته فيستعمل في المائعات كالسمن والعسل، وتجوز الصلاة به وهو مشكل لعدم الفرق بينه وبين غيره، ثم على القول المشهور من نجاسة الجلد المدبوغ يجوز استعماله في غير المائعات كالحبوب والدقيق والخبز الغير المبلول
ــ
في المسجد ينوي ذكاتها قال (ح): كأنه بناه على قول ابن شاس من عملها في المحرم؛ فإن في "حياة الحيوان" تحريم أكلها إجماعاً. وإن بنى على قول سحنون إن القملة لا نفس لها سائلة لم يحتج لتذكية إلا زيادة احتياط.
تنبيه: إذا صارت القملة عقرباً، فالظاهر النظر لتلك العقرب. فإن كان لا نفس لها سائلة طهرت لاستحالة الحال كدود العذرة والحكم يتبع العلة اهـ شيخنا في مجموعه.
قوله: [وكذا كل ما انفصل]: أي أو تعلق بيسير جلد مثلاً.
قوله: [والعظم]: أي فتحله الحياة لظاهر قوله تعالى: {قال من يحيي العظام} [يس: 78].
قوله: [والدجاج]: وما يأتي من أن الدجاج ليس من ذي الظفر فالمراد به الجلدة بين الأصابع والظفر هنا ما يقص.
قوله: [ورجح بعضهم] إلخ: أي والفرض أن الفيل غير مذكى، وإلا فلا كراهة اتفاقاً. وسبب هذه الكراهة أن العاج - وإن كان من ميتة لكنه ألحق بالجواهر النفسية في التزين، فأعطي حكماً وسطاً وهو كراهة التنزيه.
قوله: [كالشعر]: خلافاً للشافعية القائلين بنجاسة شعر الميتة ولو دبغ جلدها.
قوله: [والجلد] إلخ: من ذلك ثوب الثعبان إذا ذكي بعد تمام ما تحته لا يطهر على الأظهر، وكذا إذا سلته وهو حي ومنه أيضاً ما ينحت من الرجل بالحجر بخلاف ما نزل من الرأس عند حلقه فوسخ منعقد، فعلى القول بنجاسة ميتة الآدمي يكون نجساً، وعلى المعتمد يكون طاهراً.
قوله: [ولو دبغ]: أي بما يزيل الريح والرطوبة ويحفظه من الاستحالة. ولا يفتقر الدبغ إلى فعل فاعل، بل إن وقع في مدبغة طهر لغة. ولا يشترط إزالة الشعر عندنا وإنما يلزم إزالته عند الشافعية القائلين أنه نجس. وإن طهارة الجلد بالدبغ لا تتعدى إلى طهارة الشعر، لأنه تحله الحياة، وأما عندنا فالشعر طاهر لذاته لا تحله الحياة. فالفرو إن كان مذكى مجوسي أو مصيد كافر، قلد في لبسه في الصلاة أبو حنيفة، لأن جلد الميتة عنده يطهر بالدباغ والشعر عنده طاهر. والشافعي - وإن قال بطهارة الجلد بالدباغ - فالشعر باق على تنجيسه ومالك. وإن [1] قال بطهارة الشعر فالجلد باق على تنجيسه. فإن أراد تقليد مذهب مالك والشافعي لفق.
قوله: [اللغوية]: أي وهي النظافة.
قوله: [وتوقف الإمام في الكيمخت] إلخ: أي في الجواب عن حكم الكيمخت هل هو الطهارة أو النجاسة لقوله في المدونة: لا أدري؟ واختلف في توقفه هل يعد قولاً أو لا؟ والراجح الثاني. واعلم أن في استعماله ثلاثة أقوال: الجواز مطلقاً في السيوف وغيرها وهو لمالك في العتبية، والجواز في السيوف فقط وهو لابن المواز وابن حبيب، وكراهة استعماله مطلقاً؛ قيل هذا هو الراجح الذي رجع إليه مالك، ولكن ذكر بعضهم أن الحق أنه طاهر وأن استعماله جائز إما مطلقاً أو في السيوف لا مكروه.
قال في الأصل: وجه التوقف أن القياس يقتضي نجاسته لا سيما من جلد حمار ميت، وعمل السلف في صلاتهم بسيوفهم وجفيرها منه يقتضي طهارته. والمعتمد - كما قالوا - إنه طاهر للعمل لا نجس معفو عنه، فهو مستثنى من قولهم: جلد الميتة نجس ولو دبغ. وانظر ما علة طهارته، فإن قالوا: الدبغ، قلنا: يلزم طهارة كل مدبوغ، وإن قالوا: الضرورة، قلنا: إن سلم فهي لا تقتضي الطهارة بل العفو. وحمل الطهارة في كلام الشارع على اللغوية في غير الكيمخت وعلى الحقيقة في الكيمخت تحكم، وعمل الصحابة عليهم الرضا في جزئي يحقق العمل في الباقي. اهـ.
قوله: [وهو مشكل] إلخ: تقدم لك تقرير الإشكال عن الأصل.
قوله: [من نجاسة الجلد]: أي غير الكيمخت.
قوله: [في غير المائعات]: من ذلك لبسها في غير الصلاة والجلوس عليها في غير المسجد لا فيه، لأنه يمنع دخول النجس فيه ولو معفواً عنه.
قوله: [والدقيق]: أي من غير أن توضع الرحا عليه.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (إن).
في الماء المطلق بأن يوضع الماء فيه سفراً وحضراً، لأن الماء طهور لا يضره إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه. وأما المائعات كالسمن والعسل والزيت وسائر الأدهان، والماء الغير المطلق - كماء الورد - ومن ذلك الخبز المبلول قبل جفافه، والجبن فإنه لا يجوز وضعه فيه، ويتنجس بوضعه فيه.
وهذا معنى قوله: وجاز استعماله بعد الدبغ في يابس ومائع: أي وأما قبل الدبغ فلا يجوز واستثنوا من ذلك جلد الخنزير فلا يجوز استعماله مطلقاً دبغ أو لا في مائع أو غيره. وكذا جلد الآدمي لشرفه وكرامته كما يعلم من وجوب دفنه.
(والدم المسفوح والسوداء، وفضلة الآدمي وغير المباح ومستعمل النجاسة): أي أن الدم المسفوح - وهو الذي يسيل عند موجبه من ذبح أو فصد أو جرح - نجس. وكذا السوداء وهو ما يخرج من المعدة كالدم الخالص بخلاف الصفراء كما تقدم. ومن النجس: فضلة الآدمي من بول وعذرة، وفضلة غير مباح الأكل وهو محرم الأكل كالحمار، أو مكروهه كالهر والسبع، وفضلة مستعمل النجاسة من الطيور كالدجاج وغيره أكلاً أو شرباً. فإذا شربت البهائم من الماء المتنجس أو أكلت نجاسة ففضلتها من بول أو روث نجسة. وهذا إذا تحقق أو ظن. وأما لو شك في استعمالها فإن كان شأنها استعمال النجاسة كالدجاج والفأرة والبقرة الجلالة حملت فضلتها على النجاسة. وإن كان شأنها عدم استعمالها كالحمام والغنم حملت على الطهارة. والتعبير بفضلة أولى وأخصر من تعبيره ببول وعذرة
(والقيء المتغير، والمني، والمذي، والودي ولو من مباح) القيء ما تقذفه المعدة من الطعام عند تغير المزاج، فهو نجس إن تغير عن حال الطعام طعماً أو لوناً أو ريحاً، وإلا فطاهر كما تقدم. ومن النجس: المني وهو ما يخرج عند اللذة الكبرى عند الجماع ونحوه. والمذي: وهو الماء الرقيق الخارج من الذكر أو فرج الأنثى عند تذكر الجماع. والودي: وهو ماء خاثر يخرج من الذكر بلا لذة بل لنحو مرض أو يبس طبيعة وغالباً يكون خروجه عقب البول؛ ولو كانت هذه الثلاثة من مباح الأكل. ولا تقاس على بوله.
(والقيح، والصديد، وما يسيل من الجسد من نحو جرب): من النجس القيح بفتح القاف: وهو المدة الخاثرة تخرج من الدمل. والصديد وهو الماء الرقيق من المدة قد يخالطه دم.
ومن النجس: كل ما سال من الجسد من نفط نار أو جرب أو حكة ونحو ذلك.
(فإن حلت في مائع تنجس ولو كثر، كجامد
ــ
قوله: [في الماء المطلق] إلخ: وليس منه لبس الرجل المبلولة له وفاقاً للحطاب ذكره شيخنا في مجموعه.
قوله: [فلا يجوز] إلخ: ومقابله ما شهره الإمام أبو عبد المنعم بن الفرس -بالفاء والراء المفتوحتين- من أنه كغيره في جواز استعماله في اليابسات والماء بعد دبغه.
قوله: [جلد الآدمي] إلخ: أي إجماعاً.
قوله: [المسفوح]: أي الجاري ولو من سمك وذباب وقراد وحلم وبق وبراغيث خلافاً لمن قال بطهارته منها. ونظر بعضهم في الدم المسفوح من السمك، هل هو الخارج عند التقطيع الأول لا ما خرج عند التقطيع الثاني؟ أو الجاري عند جميع التقطيعات؟ واستظهر الأول. وبعضهم قال بطهارة دم السمك مطلقاً، وهو ابن العربي، ويترتب على الخلاف جواز أكل السمك الذي يرضخ بعضه على بعض ويسيل دمه من بعضه إلى بعض، وعدم جواز ذلك. فعلى القول بنجاسته لا يؤكل منه إلا الصف الأول. وعلى كلام ابن العربي يؤكل كله. وقد كان الشارح رضي الله عنه يقول الذي أدين الله به أن الفسيخ طاهر لأنه لا يملح ولا يرضخ إلا بعد الموت، والدم المسفوح لا يحكم بنجاسته إلا بعد خروجه وبعد موت السمك إن وجد فيه دم يكون كالباقي في العروق بعد الذكاة الشرعية؛ فالرطوبات الخارجة منه بعد ذلك طاهرة لا شك في ذلك. اهـ. ومذهب الحنفية أن الخارج من السمك ليس بدم لأنه لا دم له عندهم، وحينئذ فهو طاهر على كل حال. وعلى القول بنجاسة الدم المسفوح فيه إذا شك هل هذا السمك من الصف الأعلى أو من غيره، أكل لأن الطعام لا يطرح بالشك.
قوله: وكذا السوداء: أي التي هي أحد الأخلاط الأربعة: الصفراء والدم والسوداء والبلغم، ولا بد في كل إنسان من وجود الأخلاط، فالسوداء والدم نجسان، والصفراء والبلغم طاهران.
قوله: [الخالص]: أي الذي لا خلط فيه. ومن السوداء أيضاً الدم الكدر أو الأحمر الغير القاني، أي شديد الحمرة.
قوله: [فضلة الآدمي]: أي غير الأنبياء، وأما الأنبياء فجميع ما ينفصل منهم طاهر كما تقدم.
قوله: [كالهر]: أدخلت الكاف نحو الوطواط من كل مكروه الأكل، فمكروه الأكل ومحرمه فضلته نجسة وإن لم يستعمل النجاسة.
قوله: [وفضلة مستعمل النجاسة] إلخ: أي وإن لم يكن محرم الأكل ولا مكروهه.
قوله: [حملت على الطهارة]: أي استصحاباً للأصل، ومن قواعدنا استصحاب الأصل إن لم يغب العارض.
قوله: [أولى وأخصر]: وجه الأولوية أن اسم العذرة لا يكون إلا لما خرج من الآدمي خاصة، بخلاف الفضلة فإنه شامل له ولغيره والأخصرية ظاهرة.
قوله: [عن حال الطعام]: وإن لم يشابه أحد أوصاف العذرة كما تقدم من المعتمد. بخلاف القلس فلا تضر فيه الحموضة لتكرره.
قوله: [المني]: هو ومذي وودي بوزن ظبي وصبي.
قوله: [من مباح الأكل]: أي وإنما حكم بنجاستها للاستقذار والاستحالة إلى فساد، ولأن أصلها دم ولا يلزم من العفو عن أصلها العفو عنها.
قوله: [في مائع تنجس] إلخ: أي من طعام أو ماء
إن ظن سريانها فيه وإلا فقدر ما ظن): إذا حلت النجاسة في مائع - كزيت وعسل ولبن وماء ورد ونحوه - تنجس. ولو كثر المائع وقلت النجاسة، كنقطة من بول في قناطير مما ذكر. كما يتنجس الجامد - كسمن جامد أو ثريد أو عسل جامد - وقعت فيه نجاسة أو ماتت فيه فأرة إن ظل سريانها في جميعه بأن طال مكثها فيه. وإلا، بأن لم يظن سريانها في جميعه، فيتنجس منه بقدر ما ظن سريان النجاسة فيه. وهو يختلف باختلاف الأحوال من ميعان النجاسة وجمودها، وطول الزمن وقصره؛ فيرفع منه بقدر ما ظن سريانها فيه، ويستعمل الباقي - ولو شك في سريانها فيه - لأن الطعام لا يطرح بالشك. والكلام في نجاسة مائعة أو جامدة يتحلل منها شيء بخلاف نجاسة لا يتحلل منها شيء، كعظم وسن، فلا يتنجس ما ذكر من سقوطها فيه؛ لأن الحكم عندنا لا ينتقل. وهذه العبارة أشمل وأوضح من عبارة الشيخ - رضي الله تعالى عنه -.
(ولا يقبل التطهير؛ كلحم طبخ، وزيتون ملح وبيض صلق بها وفخار بغواص): يعني أن المائعات - كالزيت واللبن والسمن ونحوها - إذا حلت فيها نجاسة فإنها تنجس كما تقدم، ولا تقبل التطهير بحال. كما لا يقبله لحم طبخ بالنجاسة، وزيتون ملح - بضم الميم وكسر اللام مخففا - بالنجاسة، ولا بيض صلق بها. وألحق بذلك فخار تنجس بشيء غواص: أي كثير الغوص، أي النفوذ في أجزاء الفخار، بأن كان النجس مائعاً كالبول والماء المتنجس والدم، إذا مكث مدة يظن سريان ما ذكر في أجزائه. وخرج بالفخار: النحاس والزجاج
ــ
مضاف حلت فيه النجاسة بعدما صار مضافاً. وأما لو حلت فيه نجاسة قبل الإضافة ولم تغيره، ثم أضيف بطاهر كلبن، فإنه طاهر. وقد ألغز في هذا شيخنا في مجموعه بقوله:
قل للفقيه إمام العصر قد مزجت
…
ثلاثة بإناء واحد نسبوا
لها الطهارة حيث البعض قدم أو
…
إن قدم البعض فالتنجيس ما السبب
وفيه أيضاً: هل القملة تنجس العجين الكثير؟ وهو الأقوى حيث لم تحصر في محل، أو يقاس على محرم جهل عينها ببادية؟ ولو قيل بالعفو كما [1] يعسر، لحسن كما أفتى به ابن عرفة في روث فأرة ابن القاسم؛ من فرغ عشر قلال سمن في زقاق ثم وجد في قلة فأرة ولا يدري في أي زقاق فرغها تنجس الجميع، وليس من باب الطعام لا يطرح بالشك، لأن ذاك في طرو النجاسة، وهي هنا محققة ولما لم تتعين تعلق حكمها بالكل وهو المشهور. ولو أدخل يده في أواني زيت ثم وجد في الأولى فأرة فالثلاثة نجسة - ابن عبد الحكم، وكذا الباقي ولو مائة وهو وجيه، وقال أصبغ: ما بعد الثلاثة طاهر. قال (ح): والظاهر الطهارة إن ظن زوال النجاسة لقول المصنف: وإن زال عين النجاسة بغير المطلق لم يتنجس ملاقي محلها. وفي الحاشية: الطعام إذا وقعت فيه قملة يؤكل لقلتها وكثرته، نص عليه ابن يونس. قال شيخنا في مجموعه: والظاهر أن الفرع مبني على مذهب سحنون من أنها لا نفس لها سائلة. اهـ.
قوله: [إن ظن سريانها فيه]: إما بسبب كونها مائعة، أو بطول مكثها، وكان يتحلل منها شيء كما يأتي للشارح.
قوله: [كنقطة من بول]: هذا هو المشهور، ومقابله يقول: إن قليل النجاسة لا يضر كثير الطعام.
قوله: [أو ماتت فيه فأرة]: أي مثلاً من كل حيوان ميتته نجسة.
قوله: [ولو شك في سريانها] إلخ: مبالغة في الاستعمال.
وقوله: [لأن الطعام] إلخ: علة المبالغة.
قوله: [والكلام]: أي المتقدم من التفصيل بين السريان في جميعه أو بقدره.
قوله: [كعظم وسن]: ومنه العاج الذي تلبسه النساء ويباشرن به نحو العجين.
قوله: [أشمل]: أي لشمولها الماء المضاف.
قوله: [كلحم طبخ]: احترز به عن صلق نحو الدجاج لأخذ ريشه، وفي باطنه النجاسة فلا يضر.
قوله: [وزيتون] إلخ: ومن ذلك اختلاط النجاسة بالزيت نفسه فلا يقبل التطهير خلافاً لابن اللباد، فإنه قال يمكن تطهيره بصب الماء عليه وخضخضته وثقب الإناء من أسفله، وصب الماء منه ويكرر ذلك حتى يغلب على الظن زوال النجاسة.
قوله: [وبيض صلق]: ومنه إذا وجدت فيه واحدة مذرة فرشحت في الماء وشرب منه غيرها حيث لم يبق الماء مطلقاً. وشمل بيض النعام، وغلظ قشره لا ينافي أن يكون له مسام يسري منها الماء.
وقوله: [وفخار بغواص]: قال (بن): أطلق في الفخار والظاهر أن الفخار البالي إذا حلت فيه نجاسة غواصة يقبل التطهير، فيحمل كلام المصنف على فخار لم يستعمل قبل حلول النجاسة فيه، أو استعمل قليلاً. وهذا خلاف ما في الحاشية حيث قال وفخار بغواص ولو بعد الاستعمال، لأن الفخار يقبل الغوص دائماً كما في كبير الخرشي نقلاً عن اللقاني. والأول أوجه. ثم إن عدم قبول الإناء للتطهير إنما هو باعتبار أنه لا يصلى به مثلاً. وأما الطعام يوضع فيه بعد غسله فإنه لا ينجس به لأنه لم يبق فيه أجزاء للنجاسة كما قاله أبو علي المسناوي نقلاً عن (بن). ومثل الفخار أواني الخشب التي يمكن سريان النجاسة إلى داخلها اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [يعني أن المائعات] إلخ: التعميم هذا أدخلته الكاف.
قوله: [ونحوها]: من كل طعام مائع وماء زهر وورد.
قوله: [بحال]: خلافاً لابن اللباد.
قوله: [بشيء غواص]: محله في غير الخمر
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (عما).
ونحوهما. وبالغواص النجاسة الجامدة إذا حلت بالفخار فإنه يقبل التطهير.
(وجاز انتفاع بمتنجس في غير مسجد وآدمي): يجوز الانتفاع بالشيء المتنجس من الطعام وغيره بأن يسقى به الدواب والزرع ويدهن به نحو عجلة. ويعمل من الزيت المتنجس صابون وغير ذلك. ولا يجوز بيعه لعدم إمكان تطهيره - بخلاف نحو الثوب - لكن إذا بيع لا بد من البيان إلا الآدمي فلا يجوز له الانتفاع به أكلاً أو شرباً، ولا يدهن به بناء على أن التلطيخ بالمتنجس حرام، والراجح أنه مكروه ويجب إزالته للصلاة والطواف ودخول المسجد، وإلا المسجد فلا ينتفع به فيه، فلا يستصبح فيه بالزيت المتنجس، نعم إذا كان المصباح خارجه والضوء فيه جاز، وأما نجس الذات فلا يجوز الانتفاع به بحال إلا جلد الميتة المدبوغ على ما مر، وإلا لحم الميتة لمضطر، وإلا الخمر لإساغة غصة، إذ الضرورات تبيح المحظورات، ويجوز طرح الميتة للكلاب وأن يوقد بعظمها على طوب أو حجارة.
(وحرم على الذكر المكلف استعمال حرير، ومحلى بأحد النقدين ولو آلة حرب، إلا السيف والمصحف والسن والأنف وخاتم الفضة إن كان درهمين واتحد): لما كان محرم الاستعمال من الطاهرات يشبه استعمال المتنجس في المنع، ذكروه هنا، والمعنى: أنه يحرم على الذكر البالغ العاقل استعمال الحرير الخالص لبساً وفرشاً وغطاء. وأما الخز وهو ما كان سداه من حرير ولحمته من قطن أو كتان فقيل بحرمته، وقيل بجوازه، وقيل بكراهته؛ وهو الأرجح. وجاز ستارة من حرير إذا لم يستند المكلف إليها، وكذا بشخانة؛ أي ناموسية. وحرم عليه أيضاً استعمال المحلى بأحد النقدين: الذهب والفضة نسجاً أو طرازاً أو زراً. وأولى في الحرمة الحلي نفسه - كأساور وحزام - ولو آلة حرب كخنجر وسكين وحربة. إلا السيف؛ فإنه يجوز تحليته بأحد النقدين سواء كان في قبضته أو جفيره وإلا المصحف؛ فيجوز تحليته بهما للتشريف. إلا أن كتابته أو كتابة أعشاره أو أحزابه بذلك مكروهة، لأنها تشغل القارئ عن التدبر. وأما كتب العلم والحديث فلا يجوز تحليتها بأحد النقدين. وإلا السن؛ ومراده به؛ ما يشمل الضرس إذا تخلخل، فيجوز ربطه بشريط منهما.
ــ
إذا تحجر أو تخلل، فإن إناءه يطهر كما تقدم. ومحله أيضاً ما لم يحرق الفخار بالنار، فإنه يطهر لكونها مطهرة على المعتمد.
قوله: [ونحوهما]: كالحديد يحمى ويطفأ في النجاسة، فلا غوص لها فيه لدفعها الحرارة. وأما المصبوغ بنجس فيطهر بإزالة الطعم، ولا يضر اللون والريح إذا عسرا كما يأتي.
قوله: [وجاز انتفاع بمتنجس]: أي وهو ما كان طاهراً في الأصل، وطرأت عليه نجاسة والنجس ما كانت ذاته نجسة كالبول والعذرة.
قوله: [ولا يجوز بيعه] إلخ: خلافاً لابن وهب.
قوله: [إلا الآدمي]: ولو غير مكلف، ويتعلق الخطاب بوليه.
قوله: [والراجح أنه مكروه]: أي في غير الخمر، وأما هو فيحرم التلطخ به اتفاقاً.
قوله: [فلا ينتفع به فيه] إلخ: فإن بني بالمتنجس مسجد فليس بطاهر، ولا يهدم وأما لو كتب المصحف بنجس فإنه يبل.
قوله: [لإساغة غصة]: أي فقط، فلا يجوز الدواء به ولو تعين. وفي غيره من النجاسات خلاف إن تعين. ولا شربه لدفع العطش لأنه يزيده. وأجاز له الحنفية والشافعية لدفع الهلاك بعدم الرطوبة لا للعطش نفسه. والظاهر أن الخلاف لفظي. اهـ. شيخنا في مجموعه.
قوله: [ويجوز طرح الميتة] إلخ: ويجوز أيضاً وضع النجاسة في الزرع لنفعه، كإطعام البطيخ به لكن يجب عليه البيان عند البيع.
قوله: [على الذكر المكلف]: خرج الأنثى والصبي. فيجوز للأنثى استعمال الحرير بأي وجه، ولبس النقدين كما يأتي في قوله:[وجاز للمرأة الملبوس] إلخ، وأما الصبي فيجوز للولي إلباسه الفضة ويكره له الحرير والذهب كما يفيده (ح) وغيره.
قوله: [بأحد النقدين]: وأولى بهما معاً.
قوله: [وفرشاً]: ولو مع كثيف حائل كما قال المازري. وأجاز الحنفية فرشه وتوسده ووافقهم ابن الماجشون، وأجازه ابن العربي تبعاً لامرأته. وأجازه ابن حبيب للحكة وأجازه ابن الماجشون للجهاد. والمعتمد الحرمة في الجميع، إلا العلم إذا كان أربعة أصابع متصلاً بالثوب كشريط الحبكة، وأما قلم من حرير في أثناء الثوب فمما نسج بحرير وغيره، ومنه ما شغل بحرير على الطارة مثلاً، فكالخز، ويجوز القيطان والزر لثوب أو سبحة، والخياطة به. اهـ شيخنا في مجموعه بالمعنى.
قوله: [وهو الأرجح]: ولكن الورع تركه لأنه من الشبهات، «ومن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» .
قوله: [وكذا بشخانة]: ومثلها الراية لخصوص الجهاد لأولي [1]. والسجاف اللائق باللابس وفاقاً للشافعية. اهـ. شيخنا في مجموعه.
قوله: [إلا السيف]: قال في حاشية الأصل نقلاً عن العلامة العدوي: إذا كان اتخاذه لأجل الجهاد في سبيل الله. وأما إذا كان لحمله في بلاد الإسلام فلا يجوز تحليته.
قوله: [بأحد النقدين]: أي أو بهما.
قوله: [وأما كتب العلم] إلخ: أجاز البرزلي تحلية الدواة لكتابة المصحف وتحلية الإجازة.
قوله: [قوله فيجوز ربطه]: أي وله اتخاذ الأنف وربط السن معاً: والمراد بالسن: الجنس الصادق بالواحد والمتعدد. ومثل الربط عند التخلخل ردها إذا سقطت وربطها بما ذكر. وإنما جاز ردها لأن ميتة الآدمي طاهرة. وكذا يجوز بدلها من طاهر. وأما من ميتة فقولان بالجواز والمنع. وعلى الثاني، فيجب عليه قلعها عند كل صلاة
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(لا لولي).
وكذا يجوز اتخاذ أنف من أحدهما إذا قطع الأنف. وكذا يجوز اتخاذ خاتم - بل يندب - من الفضة فقط إذا كان درهمين شرعيين فأقل لا أكثر من درهمين. وكان متحداً لا إن تعدد.
ولو كان المتعدد درهمين فأقل فيحرم كما لو كان ذهباً أو بعضه ذهباً، إلا أن يقل الذهب عن الفضة فلا يحرم بل يكره ولو تميز عن الفضة. وكذا لو طلي بالذهب فيما يظهر لأنه تابع. ويكره التختم بالحديد والنحاس ونحوهما، وقولنا: إن كان إلخ زيادة على كلام الشيخ لا بد منها.
(وعلى المكلف مطلقاً اتخاذ إناء منهما ولو للقنية أو غُشِّي، وتضبيبه، وفي المموه قولان): يعني أنه يحرم على المكلف ذكراً كان أو أنثى اتخاذ إناء من ذهب أو فضة ولو لم يستعمله بالفعل، لأنه ذريعة للاستعمال. ومن المعلوم أن سد الذرائع واجب عند الإمام، فلا يجوز اتخاذه للادخار أو لعاقبة الدهر، ولا التزين به على رف ونحوه. بخلاف الحلي يتخذه الرجل لعاقبة الدهر فجائز وهو ظاهر، إذ الحلي يجوز استعماله للنساء والإناء لا يجوز استعماله لرجال ولا نساء. فقوله: ولو للقنية: رد على من يقول بجواز اتخاذه للقنية. وقوله: أو غشي: في حيز المبالغة؛ أي يحرم الإناء من الذهب أو الفضة ولو غشي ظاهره بنحاس أو رصاص أو قزدير [1] نظرًا لباطنه. خلافاً لمن يقول بجوازه نظراً لظاهره.
وقوله: (وتضبيبه) عطف على اتخاذ، والضمير عائد على الإناء لا بقيد كونه منهما. أي يحرم على المكلف الذكر أو الأنثى أن يضبب الإناء الخشب أو الفخار - كالصيني - بأحد النقدين؛ أي ربط كسره أو شقه بهما.
وأما الإناء إذا كان من نحاس أو حديد - كالقدور والصحون والمباخر والقماقم من [2] ذلك - وموهت؛ أي طليت بأحد النقدين. ومن ذلك الركاب يطلى بأحدهما، ففيه قولان: بالجواز والمنع. واستظهر بعضهم القول بالجواز نظراً لباطنه والطلي تبع.
وقد علمت ما في كلام الشيخ رحمه الله من إطلاقه القولين في الجميع بلا ترجيح (لا جوهر. وجاز للمرأة الملبوس ونحوه، ولو نعلاً لا كمرود وسرير) جوهر بالرفع عطف على استعمال أو اتخاذ. أي لا يحرم جوهر -أي استعماله أو اتخاذه- فهو على حذف المضاف. ويجوز جره عطفاً على حرير أو إناء فلا حذف في الكلام. والمعنى: أن الجوهر - كالياقوت والزبرجد واللؤلؤ - والبلور لا يحرم اتخاذه ولا استعمال أوانيه، خلافاً لمن قال لا يجوز استعمال أوانيه فإنه ضعيف جداً، ما كان ينبغي للشيخ -رحمه الله تعالى- أن يذكر فيه القولين. ولا يلزم من نفاسته حرمة استعماله. وكذا يجوز للمرأة الملبوس من الحرير والذهب والفضة والمحلى [3] بهما ولو نعلاً أو قبقاباً؛ لأنهما من الملبوس ويلحق بالملبوس ما شابهه من فرش ومساند وزر، وما علق بشعر. ولا يجوز لها ما لم يكن ملبوساً ولا ملحقاً به كالمرود - بكسر الميم - وكالسرير والأواني من أحد النقدين كما تقدم، والمشط والمكحلة والمدية. وكذا لا يجوز تحلية ما ذكر بهما ولا تحلية سيفها إن كان لها سيف بذلك. وظاهره: ولو كانت تقاتل به.
ولما أنهى الكلام على الماء المطلق وعلى ما يعرض له من تغير بنجس أو طاهر وعلى الأعيان الطاهرة والنجسة، شرع في بيان شروط الصلاة من طهارة خبث وحدث واستقبال وستر عورة. وبدأ بطهارة الخبث لقلة الكلام عليه فقال:
ــ
ما لم يتعذر ذلك.
قوله: [اتخاذ أنف]: وانظر هل يجوز تعويض عضو سقط من أحد النقدين قياساً على الأنف؟ قوله: [بل يندب] إلخ: وكذا يندب كونه باليسرى لأنه آخر فعله صلى الله عليه وسلم، وللتيامن في تناوله فيحوله عند الاستنجاء. ويندب جعل فصه للكف لأنه أبعد من العجب.
قوله: [إلا أن يقل] إلخ: أي بأن كان الثلث فأقل.
فرع: يجوز نقش الخواتم ونقش أصحابها وأسماء الله تعالى فيها. وهو قول مالك «وكان نقش خاتمه عليه السلام محمد رسول الله في ثلاثة أسطر» .
قوله: [ويكره التختم] إلخ: أي على الأصح إلا لتحفظ كمنع النحاس الأصفر والرصاص والحديد الجن. ولا يتقيد بدرهمين فيما يظهر، وجاز التختم بجلد وخشب كعقيق.
قوله: [فلا يجوز اتخاذه] إلخ: أي ولو للصبيان والنهي يتعلق بالأولياء.
قوله: [لعاقبة الدهر] إلخ: أي أو للكراء ونحوه.
قوله: [رد على من يقول] إلخ: أي فإن بعضهم يجوز ذلك. والحاصل أن اقتناءه إن كان بقصد الاستعمال فهو حرام باتفاق، وإن كان لقصد العاقبة أو التجمل به أو لا لقصد شيء، ففي كل قولان. والمعتمد المنع. وأما إن اقتناه لأجل كسره أو لفك أسير به فجائز. هذا محصل ما ذكره أبو الحسن على المدونة، وارتضاه (بن) راداً [4] لغيره. وكذلك يحرم الاستئجار على صياغته ولا ضمان على من كسره وأتلف تلك الصياغة. ويجوز بيعها لأن عينها تملك إجماعاً اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [لا بقيد كونه منهما]: أي ففيه استخدام.
قوله: [في الجميع]: أي جميع المسائل الخمسة. والحاصل أن كل مسألة فيها أحد القولين مرجح على الآخر. فالمرجح في المغشى والمضبب وذي الحلقة المنع. والمرجح في المموه وإناء الجوهر الجواز.
تنبيه: قال في حاشية الأصل: تزويق الحيطان والسقف والخشب والساتر بالذهب والفضة جائز في البيوت، وفي المساجد مكروه إذا كان يشغل المصلي، وإلا فلا.
قوله: [ولا يلزم من نفاسته] إلخ: أي لأن علة حرمة النقدين تضييق المعاملة على العباد، فلا يقاس عليهما الجواهر.
قوله: [ولو نعلاً]: في (ح) أنه لرد الخلاف الواقع في المذهب القائل بالمنع.
قوله: [ولا يجوز لها] إلخ: فكل ما كان خارجاً عن جسدها لا يجوز لها اتخاذه من أحد النقدين ولا من المحلى به، وإنما حرم
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (قصدير).
[2]
مكررة في ط. الحلبي.
[3]
في ط المعارف: (في المحلى).
[4]
في ط المعارف: (راد).
فصل: في إزالة النجاسة
(تجب إزالة النجاسة عن محمول المصلي وبدنه ومكانه إن ذكر وقدر، وإلا أعاد بوقت): يجب شرطاً إزالة حكم النجاسة بالماء المطلق عن كل محمول المصلي؛ من ثوب أو عمامة أو نعل أو حزام أو منديل أو غير ذلك عن بدنه وعن مكانه، وهو ما تمسه أعضاؤه من قدميه وركبتيه ويديه وجبهته. فلا يضر نجاسة ما تحت صدره وما بين ركبتيه ونحو ذلك ولو تحرك بحركته. ولا ما تحت حصيره ولو اتصل بها كفروة ميتة صلى على صوفها. بخلاف طرف عمامته الملقى بالأرض أو طرف ردائه الملقى وبه نجاسة، فإنه يضر لأنه في حكم المحمول للمصلي. ومحل كونها شرط صحة للصلاة إن ذكر وقدر على إزالتها.
فإن صلى بالنجاسة ناسياً لها حتى فرغ من صلاته، أو لم يعلم بها حتى فرغ منها فصلاته صحيحة، ويندب له إعادتها في الوقت.
وكذا من عجز عن إزالتها لعدم ماء طهور أو لعدم قدرته على إزالتها به، ولم يجد ثوباً غير المتنجس، فإنه يصلي بالنجاسة وصلاته صحيحة. ويحرم عليه تأخيرها حتى يخرج الوقت. ويصلي أول الوقت إن علم أو ظن أنه لا يجد ماء ولا ثوباً آخر في الوقت. وإن ظن القدرة على إزالتها آخر الوقت، أخر لآخره قياساً على ما سيأتي في التيمم، ثم إنه إن وجد ما يزيلها به في الوقت، أو ثوباً آخر ندب له الإعادة ما دام الوقت. فإن خرج الوقت فلا إعادة، والوقت في الظهرين للاصفرار، وفي العشاءين لطلوع الفجر، وفي الصبح لطلوع الشمس.
وما مشينا عليه من أن إزالة النجاسة واجبة إن ذكر وقدر هو أحد المشهورين في المذهب. وعليه فإن صلى بها عامداً قادراً على إزالتها أعاد صلاته أبداً وجوباً لبطلانها. والمشهور الثاني أن إزالتها سنة
ــ
عليها تحلية السيف لأنه من زينة الرجال وجاز لها اتخاذ شريط السرير من حرير، لأنه توسع في الحرير أكثر من النقدين.
فصل:
قوله: [تجب إزالة] إلخ: أي وجوب شرط كما يأتي، وكذا يجب تقليلها كتطهير أحد كميه حيث لم يكفهما الماء. بخلاف ما إذا كانت النجاسة في محل واحد فلا يلزم غسل البعض إن لم يقدر [1] على الكل، لأنه يزيدها انتشاراً كما في (شب) و (ح).
قوله: [المصلي]: المراد به مريد الصلاة، وأما إن لم يردها فلا تجب إزالتها بل تندب إذا لم تكن خمراً، وأراد بالمصلي ما يشمل الصبي، والخطاب بالنسبة لوليه خطاب تكليف، وبالنسبة له خطاب وضع.
تنبيه: تعمد صلاة النافلة بالنجاسة ممنوع مانع من صحتها، ولا تقضى لأنها لم تجب فأشبه من افتتحها محدثاً كما في الحاشية.
قوله: [وبدنه]: أي ظاهره. ومن ذلك داخل أنفه وأذنه وعينه فهي من الظاهر في طهارة الخبث، ومن الباطن في طهارة الحدث. ولم يجعلوها من الظاهر في طهارة الحدث لمشقة التكرر.
قوله: [إن ذكر وقدر] وهذا هو المشهور من أقوال أربعة الذي انبنت عليه فروع المذهب. والمشهور الثاني: السنية إن ذكر وقدر، وسيأتي في الشارح وهو وإن كان معتمداً إلا أن فروع المذهب بنيت على الأول. والثالث: الوجوب مطلقاً كطهارة الحدث وهو كمذهب الشافعية والجمهور. والرابع: الندب، لكن هذان القولان ضعيفان في المذهب.
قوله: [عن كل محمول المصلي] إلخ: من ذلك لو وضع حبل سفينة في وسطه وكان بها نجاسة وكان يمكن أن تتحرك بحركته لصغرها. بخلاف مقود الدابة حيث كان طاهراً فلا يضر حملها للنجاسة، أو ثوب شخص جاء على كتف المصلي مثلاً ما لم يصر محمولاً له.
قوله: [ونحو ذلك]: كموضع السجود للمومئ فلا يشترط طهارته كما في (شب) و (عب). بخلاف حسر عمامته عن جبهته فيشترط للإجماع على ركنية السجود. والاختلاف في إزالة النجاسة، وقال شيخنا في مجموعه: والظاهر اعتبار المس بزائد لا يحس. وقال في الحاشية: الشعر كطرف الثوب، أي لا يضر مسه للنجاسة.
قوله: [ولا ما تحت حصيره]: لما سيأتي في الفوائت في قول خليل: ولمريض ستره نجس بطاهر. قالوا: لا مفهوم لمريض، إنما يشترط انفصال الساتر عن محمول المصلي. فلا يكفي ستر نجاسة المكان ببعض ثوبه اللابس له ولو طال جداً.
قوله: [لأنه في حكم المحمول]: ومن ذلك إذا كان الوسط على الأرض نجساً وأخذ كل طرفاً طاهراً، بطلت عليهما.
قوله: [أو لم يعلم بها]: أي من أول الأمر. فمراده بالناسي من سبق له علم بها، ثم دخل الصلاة ناسياً ففرق بينهما.
قوله: [في الوقت]: أي إن كان لها وقت تعاد فيه، وإلا فلا تعاد كالفائتة والنفل المطلق إلا ما سيأتي من ركعتي الطواف.
قوله: [على ما سيأتي في التيمم]: في قوله فالآيس أول المختار والمتردد وسطه والراجي آخره، فالمراد بالوقت يؤخر فيه الاختياري وأما الضروري فلا تفصيل فيه بل يقدم ولو كان راجياً.
قوله: [ما دام الوقت]: أي الآتي في الشارح.
قوله: [للاصفرار]: بإخراج الغاية فيه وفيما بعده وهذا على مذهب المدونة، وبحث فيه بأن القياس أن الظهرين للغروب، والعشاءين للثلث والصبح للإسفار. وفرق بأن الإعادة كالتنفل، فكما لا يتنفل في الاصفرار لا يعاد فيه ويتنفل في الليل كله، والنافلة وإن كرهت بعد الإسفار لمن نام عن ورده إلا أن القول بأنه لا ضروري للصبح قوي اهـ
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (يقدم).
إن ذكر وقدر أيضاً، فإن لم يذكرها أو لم يقدر على إزالتها أعاد بوقت كالقول الأول. وأما العامد القادر فيعيد أبداً، لكن ندباً. فعلم أنهما يتفقان على الإعادة في الوقت ندباً في الناسي وغير العالم، وفي العاجز، ويتفقان على الإعادة أبداً في العامد الذاكر لكن وجوباً على القول الأول، وندباً على الثاني. وقولنا عن محمول المصلي أعم من قوله: ثوب لأنه يشمل الثوب أي الملبوس وغيره، ويشمل ما استقر ببطنه من النجاسة؛ كأن شرب خمراً فيجب عليه أن يتقايأها إن أمكن، وإلا كان عاجزاً.
(فسقوطها عليه فيها أو ذكرها مبطل إن اتسع الوقت ووجد ما تزال به): الفاء فاء التفريع [1] فذكرها أولى من ذكر الواو. يعني إذا علمت أن إزالة النجاسة واجبة فسقوطها على المصلي مبطل لصلاته ولو قبل تمام التلفظ بالسلام،
ــ
من الأصل.
قوله: [إن ذكر وقدر أيضاً]: أي فهو قيد في الوجوب والسنية معاً، وقد تبع شارحنا (عب) والأجهوري. وفي ابن مرزوق و (ح) أنه قيد في الوجوب فقط، وأما السنية فهو مطلق، سواء كان ذاكراً قادراً أم لا. فإن قلت: جعل القول بالسنية مطلقاً يرد عليه أن العاجز والناسي مطالبان بالإزالة على سبيل السنية، مع أنه قد تقرر في الأصول امتناع تكليفهما، قلت: من قال بالسنية حال [2] العجز والنسيان أراد ثمرتها من ندب الإعادة في الوقت بعد زوال العذر، وليس مراده طلب الإزالة لعدم إمكانها. وقد يقال: إن الأجهوري نظر إلى رفع الطلب عنهما حالة العذر فقال: إنه قيد فيهما، وغيره نظر إلى طلب الإعادة منهما في الوقت، فقال: إنه قيد في الوجوب فقط، وكلاهما صحيح، وعاد الأمر في ذلك لكون الخلاف لفظياً. انظر (بن) اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [وندباً على الثاني]: أي ولا غرابة في الندبية والأبدية، فقد قالوه في الصلاة بمعطن الإبل. وهذا على أن الخلاف حقيقي وهو ما يقتضيه التشهير والاستدلال واختلاف التفاريع. ورجحه الأجهوري ومن تبعه ك (عب) وعليه، فما ورد من التعذيب في البول لهذه الأمة محمول على إبقائه بالقصبة بحيث يبطل الوضوء، فإن الاستبراء واجب اتفاقاً ومال (ح) و (ر) إلى أنه لفظي. قالا: وعهدت الإعادة أبداً وجوباً لترك السنة على أحد القولين. وبحث فيه شيخنا في مجموعه بأن هذا اعتراف بأنه حقيقي له ثمرة؛ فإن الواجب يبطل تركه اتفاقاً أي لا على أحد القولين. ثم قال: نعم سمعنا أن السنة إذ شهرت [3] فرضيتها أبطل تركها قطعاً، لكنه يجعل كل خلاف على هذا الوجه لفظياً، وهو بعيد مضيع لثمرة التشهير أو لصحته. ومما يبعد كونه لفظياً ما ارتضاه (ر) نفسه من عدم تقييد السنية بالذكر والقدرة، والوجوب مقيد. وقال في الأصل عند قول المصنف "خلاف لفظي"، لاتفاقهما على إعادة الذاكر القادر أبداً، والعاجز والناسي في الوقت. قاله (ح). ورد بوجوب الإعادة على الوجوب وندبها على السنية، وبأن القائل بأحدهما يرد ما تمسك به الآخر فالخلاف معنوي.
قوله: [وغيره] أي من سائر ما نبه الشارح عليه.
قوله: [فيجب عليه] إلخ: هذا رواية محمد بن المواز. وقال التونسي: ذلك الأكل والشرب لغو فلا يؤمر بتقايؤ ولا بإعادة، وهو ضعيف. إن قلت: حينئذ صارت المعدة نجسة بمجرد الشرب. قلت: إنه عاجز عن تطهير نفس المعدة، فأمرناه بما يقدر عليه من التقيؤ، والظاهر أنه إذا قدر على البعض وجب، لأن تقليل النجاسة واجب اهـ من حاشية الأصل. ومحل وجوب التقايؤ المذكور مدة ما يرى بقاء النجاسة في بطنه يقيناً أو ظناً لا شكاً؛ فإذا كانت خمراً وجبت الإعادة مدة ما يظن بقاؤها خمراً، فإن تحولت للعذرة فهي بمثابتها.
قوله: [قوله فسقوطها عليه] إلخ: أي على المصلي ولو صبياً أو بالغاً في نفل -مأموماً أو إماماً أو فذاً- مبطل لها بالشروط الآتية. ولو جمعة على أحد القولين. وقد تبع المصنف في البطلان خليلاً التابع لابن رشد في المقدمات وفي المدونة. وإن سقطت عليه وهو في صلاة قطعها، والقطع يؤذن بالانعقاد. واختلفوا هل القطع وجوباً أو استحباباً؟ انظر (بن).
تنبيه: موت الدابة وحبلها بوسطه كسقوط النجاسة على الظاهر اهـ من حاشية الأصل. وقولنا أو إماماً: أي ويستخلف؛ فهي من جملة مسائل الاستخلاف. وإن علمها مأموم بإمامه أراه إياها، ولا يمسها. فإن بعد فوق الثلاث صفوف كلمه، ويستخلف الإمام ولا تبطل على المأمومين.
قوله: [أو ذكرها]: أي علم بها فيها، سواء كان ناسياً لها ابتداء أم لا، لا إن ذكرها قبلها ثم نسيها عند الدخول فيها، واستمر حتى فرغ منها فلا تبطل. ولو تكرر الذكر والنسيان قبلها وإنما يعيد في الوقت اهـ. من الأصل.
قوله: [أولى من ذكر الواو]: أي التي مشى عليها خليل.
قوله: [واجبة]:
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (التفريغ).
[2]
في ط المعارف: (حالة).
[3]
في ط المعارف: (أشهرت).
إن استقرت عليه بأن كانت رطبة أو يابسة ولم تنحدر حال سقوطها. وإلا لم تبطل واتسع الوقت لإزالتها وإدراك الصلاة فيه، ووجد ما تزال به من الماء المطلق أو ثوباً غير المتنجس.
وكذا تبطل إذا ذكر النجاسة وهو في الصلاة أو علمها وهو فيها، فإنها تبطل إذا اتسع الوقت ووجد ثوباً أو ما يزيلها به. وهذان القيدان زدناهما على الشيخ. وبقي أنه لا بد أن تكون النجاسة مما لا يعفى عنها كالبول، فإن كانت مما يعفى عنها كدرهم دم لم تبطل. فالقيود أربعة بالنسبة لسقوطها، وثلاثة بالنسبة لذكرها. وقولنا: واتسع الوقت، أي لإدراك ركعة بسجدتيها فأكثر لا أقل. وسواء كان الوقت اختيارياً أو ضرورياً. فإذا لم يسع الوقت ركعة كملها. ثم إن كان الوقت ضرورياً فلا إعادة، وإن كان اختيارياً أعادها في الضروري ندباً على ما تقدم.
(لا إن تعلقت بأسفل نعل فسل رجله إلا أن يرفعها بها): لا تبطل الصلاة إذا كانت النجاسة متعلقة بأسفل النعل ثم سل رجله من نعله أي: أخرجها بلطف من غير أن يرفع رجله بالنعل المتنجسة. فإن رفع رجله بها بطلت؛ لأنه صار حاملاً للنجاسة كما تبطل لو كانت النجاسة [1] فوق حمله، وكان ذاكراً لها ولو لم يرفعها؛ لأنه حامل لها. فقول الشيخ: أو كانت أسفل نعل يعني: وهي متعلقة بالنعل، وليس المراد أنه واقف عليها بالنعل الطاهر، إذ لو كان الأمر كذلك لم تبطل إذا رفع نعله عند التذكر، أو العلم ووضعها على أرض طاهرة ولا يحتاج لخلعها.
فعلم أن الكلام في النعل المتنجس أسفله لا الواقف به على نجاسة جافة، فعبارتنا أحسن من عبارته إذ عبارته توهم خلاف المراد. والتعبير بسل أولى من التعبير بخلع؛ لأن السل يفيد الخفة والخلع يصدق ولو مع الرفع بها. ومفهوم سل رجله أنه لو لم يخرج رجله من نعله لبطلت، لكن حيث يصدق عليه أنه حامل للنجاسة وذلك حال السجود أو حال رفعه لرجله بالنعل، وعلم أن من صلى على جنازة وهو لابس لنعله المتنجس أسفله فصلاته صحيحة.
(ولا يصلي بما غلبت عليه كثوب كافر وسكير وكناف وغير مصل، وما ينام فيه غيره،
ــ
وأما على أنها سنة فلا تبطل بالسقوط أو الذكر فيها، وكلام ابن مرزوق يدل على أنه الراجح.
قوله: [إن استقرت عليه]: أي كلها أو بعضها.
قوله: [أربعة] إلخ: وهي: إن استقرت عليه، واتسع الوقت، ووجد ما تزال به، ولم تكن معفواً عنها، وقوله وثلاث إلخ: أي بإسقاط الأول لأنه الموضوع.
قوله: [على ما تقدم]: أي من أن الظهرين للاصفرار، والعشاءين للفجر، والصبح للطلوع.
قوله: [بأسفل نعل]: وأما لو تعلقت بأسفل خف فتذكرها فتبطل بها الصلاة بالشروط المتقدمة لكونه كثوب العضو في شدة الالتصاق بالرجل، بخلاف النعل فهو كالحصير. هكذا فرق شيخنا في مجموعه.
قوله: [لا تبطل الصلاة] إلخ: أي ولو تحرك النعل بحركته حين سل رجله لأنها كالحصير. خلافاً لمن قال إذا تحرك بحركته تبطل.
قوله: [أن من صلى على جنازة] إلخ: أي أو إيماء من قيام أو كان يخلع رجله منها عند السجود. قال ابن ناجي: والفرق بين النعل ينزعه فلا تبطل صلاته والثوب تبطل ولو طرحه، أن الثوب حامل له والنعل واقف عليه والنجاسة في أسفله، فهو كما لو بسط على النجاسة حائلاً كثيفاً.
قوله: [ولا يصلى]: بالبناء للمفعول أي يحرم صلاة الفرض والنفل.
قوله: [كثوب كافر]: المراد بالثوب محموله، كان الكافر ذكراً أو أنثى، كتابياً أو غيره باشر جلده أو لا، كان مما يستعمل النجاسة أو لا. ثم محل الحرمة إذا جزم بعدم الطهارة أو ظن عدمها أو شك. أما لو تحققت الطهارة أو ظنت، فتجوز الصلاة به. وهذا في الكافر بخلاف ثياب شارب الخمر من المسلمين؛ فإنه في حالة الشك يحمل على الطهارة تقديماً للأصل على الغالب اهـ من حاشية الأصل. وفيه نظر بل في هذه المسائل كلها متى حصل شك قدم الغالب، لأن ثمرة تقديم الغالب لا تظهر إلا عند الشك في الجميع. فالتفرقة في بعض المسائل لا وجه لها ولا مستند له في التفرقة.
قوله: [وكناف]: ويجري فيه ما جرى فيه السكير.
قوله: [وما ينام فيه غيره]: أي تحرم الصلاة بثوب ينام فيه غير المصلي إذا تحققت نجاستها أو ظنت أو شك فيها. وأما لو علم أنه يحتاط في طهارتها، أو ظن ذلك. جازت الصلاة فيها. وليس من هذا القبيل ما يفرش في المضايف فتجوز الصلاة عليه لأن الغالب أن النائم عليها يلتف في شيء آخر غير ذلك الفرش هكذا في حاشية الأصل. ولكن كان شيخنا المؤلف يفصل ويقول: أما مضايف الريف فشأنها النجاسة. وأما مقاعد مصر وقيعانها فتجوز الصلاة على فراشها لأن الغالب التحفظ. وهو وجيه معلوم بالمشاهدة.
تنبيه: عمم المصنف هنا في ثياب النوم وغير المصلي وجعلها كثياب السكير والكافر لا فرق بين ثياب الرأس وغيرها، موافقة في ذلك لابن مرزوق وقد أيده (بن) وهو خلاف ما مشى عليه
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
قوله: (كما تبطل لو كانت النجاسة) ساقط من ط المعارف.
وما حاذى فرج غير عالم) هذه الأحكام هي التي أشار لها الشيخ رحمه الله في الفصل السابق بقوله: " ولا يصلى بلباس كافر إلخ "، أخرتها هنا؛ لأنه محلها وتقديمها في الفصل السابق ذكر لها في غير محلها. وهي مبنية على أنه إذا تعارض الأصل والغالب قدم الغالب، فإن الأصل - فيما ذكر - الطهارة، والغالب النجاسة، وقولي: ولا يصلي بما غلبت أي: النجاسة عليه إشارة لقاعدة هي: كل ما غلبت النجاسة عليه فلا يصلى به. وقوله: كثوب كافر إلخ أمثلة لبعض ما صدقت عليه هذه القاعدة. والشيخ إنما ذكر بعض الأمثلة دون القاعدة فلباس الكافر لا يصلى به؛ لأن شأن الكافر عدم توقي النجاسة بخلاف نسجه، فإن الشأن فيه توقي النجاسة. والسكير - أي: كثير السكر - كالكافر. والكناف: الذي شأنه نزح الأكنفة. وغير المصلي: يشمل الصبيان والنساء والرجال الذين لا اعتناء لهم بالصلاة؛ لأن شأنهم عدم التحرز من النجاسة " والثوب الذي ينام فيه غير مريد الصلاة لا تجوز به الصلاة؛ لأن شأنه ما ذكر. وأما ما ينام فيه هو فهو أعلم بحاله. وكذا ما حاذى فرج غير العالم بأحكام الطهارة كالإزار والسراويل لا يصلى به، بخلاف نحو عمامته وردائه، وبخلاف محاذي فرج العالم بالاستبراء وأحكام الطهارة.
ولما كان بعض النجاسة يعفى عنه للمشقة نبه عليه بقوله: (وعفي عما يعسر كسلس لازم) يعفى عن كل ما يعسر التحرز عنه من النجاسات بالنسبة للصلاة ودخول المسجد لا بالنسبة للطعام والشراب؛ لأن ما يعفى عنه إذا حل بطعام أو شراب نجسه، ولا يجوز أكله وشربه، وهذه قاعدة. ولما كان أخذ الجزئيات من القواعد الكلية قد يخفى على بعض الأذهان، صرح ببعض جزئيات للإيضاح بقوله: كسلس إلخ. والمراد بالسلس: ما خرج بنفسه من غير اختيار من الأحداث كالبول والمذي والمني والغائط يسيل من المخرج بنفسه، فيعفى عنه ولا يجب غسله للضرورة إذا لازم كل يوم ولو مرة. وليس المراد بالملازمة هنا ما يأتي في نواقض الوضوء.
(وبلل باسور وثوب كمرضع تجتهد) أي: يعفى عن بلل الباسور يصيب البدن أو الثوب كل يوم ولو مرة. وأما اليد فلا يعفى عن غسلها إلا إذا كثر الرد بها،
ــ
الشيخ خليل من استثنائه ثياب الرأس وما قاربها.
قوله: [وما حاذى فرج غير عالم]: من ذلك فوط الحمام إذا كان يدخله عموم الناس، ولكن لا يجب غسل الجسد منها للحرج نعم هو الأولى والأحوط، ذكره شيخنا في مجموعه، فإن كان لا يدخله إلا المسلمون المتحفظون فمحمولة على الطهارة.
قوله: [بخلاف نسجه]: وكذا سائر صنائعه فيحملون فيها على الطهارة عند الشك، ولو صنعها ببيت نفسه ولا فرق بين ما صنعه لنفسه وغيره كما يفيده البرزلي.
قوله: [كالكافر] إلخ: هذا مما يؤيد الرد على محشي الأصل.
قوله: [غير مريد الصلاة]: أي في ذلك الثوب، بأن أراد شخص الصلاة في فراش نوم غيره.
قوله [يعفى عن كل ما يعسر]: أخذ الكلية من لفظ "ما" لأنها من صيغ العموم. ومعنى يعسر: يشق.
قوله: [إذا حل بطعام] إلخ: أي كما تقدم أن الطعام المائع وما في حكمه ينجس إذا حلته نجاسة؛ أي نجاسة كانت.
قوله: [ولا يجوز أكله] إلخ: أي ما لم يتعين للدواء على أحد القولين.
قوله: [وهذه قاعدة]: اسم الإشارة عائد على قول المصنف: [وعفي عما يعسر] ومعنى القاعدة الضابط الكلي الذي اندرج تحته الجزئيات، وقالوا في تعريفها: قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها، فالقضية الكلية هنا هي:"كل ما يعسر يعفى عنه". فيندرج تحت "كل" جميع الجزئيات الآتية وغيرها. وضابط استخراجها أن يؤتى بقياس من الشكل الأول يجعل موضوع صغراه جزئياً من جزئيات القاعدة، ومحمولها موضوع تلك القاعدة وتجعله الحد المكرر، وتجعل محمول كبراه محمول تلك القاعدة، وتحذف الحد المكرر ينتج المقصود ومساقه هكذا: السلس يعسر الاحتراز منه، وكل ما يعسر الاحتراز منه معفو عنه، فينتج: السلس معفو عنه. ولذلك يقولون: من قواعد الشرع "إذا ضاق الأمر اتسع"، "وعند الضرورات تباح المحظورات". قال تعالى:{ما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78].
فرع: قال في الذخيرة: إذا عفي عن الأحداث في حق صاحبها عفي عنها في حق غيره لسقوط اعتبارها شرعاً، وقيل: يعفى عنها في حق غيره لأن سبب العفو الضرورة ولم توجد في غيره، وثمرة الخلاف تظهر في جواز صلاة صاحبها إماماً بغيره، وعدم الجواز فعلى الأول تجوز، وعلى الثاني تكره، وإنما لم يقل بالبطلان على الثاني لأن صاحب السلس صلاته صحيحة للعفو عن النجاسة في حقه، وصحت صلاة من ائتم به لأن صلاته مرتبطة بصلاته اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [ولا يجب غسله]: أي ولا يسن. مما أصاب الثوب والبدن والمكان حيث لم يمكن التحول عنه.
قوله: [وليس المراد] إلخ: أي لأن ما هنا من باب الأخباث وذاك من باب الأحداث. والأخباث أسهل من الأحداث فلذلك شدد في الأحداث فيما يأتي، فقالوا: لا يعفى عنه إلا إذا لازم كل الزمان أو جله أو نصفه فلا ينقض الوضوء في هذه الثلاث ولا يوجب غسلاً للنجاسة، وإن لازم أقل الزمان نقض مع العفو عن النجاسة إن لازم كل يوم ولو مرة.
قوله: [وبلل باسور]: جمعه بواسير والمراد به النابت داخل مخرج الغائط بحيث
بأن يزيد على المرتين كل يوم وإلا وجب غسلها؛ لأن اليد لا يشق غسلها كالثوب والبدن. ويعفى عن ثوب المرضعة أو جسدها يصيبه بول أو غائط من الطفل سواء كانت أماً أو غيرها، إذا كانت تجتهد في درء النجاسة عنها حال نزولها، بخلاف المفرطة. ودخل الجزار والكناف والطبيب الذي يزاول الجروح تحت الكاف. وندب لها ولمن ألحق بها استعداد ثوب للصلاة.
(وقدر درهم من دم وقيح وصديد): أي: يعفى عن قدر الدرهم البغلي وهو الدائرة السوداء الكائنة في ذراع البغل فدون. وقول الشيخ: و"دون درهم " المفيد أن ما كان قدر الدرهم لا يعفى عنه، ضعيف. وسواء كان ما ذكر من الدم وما بعده أصابه من نفسه أو من غيره من آدمي أو من غيره - ولو من خنزير - بثوب أو بدن أو مكان، كما يفيده إطلاق عبارته. وصرح الشيخ بالإطلاق لكن قدمه على القيح والصديد والأولى له تأخيره عنهما.
(وفضلة دواب لمن يزاولها) أي: أن فضلة الدواب من بول أو روث - سواء كانت الدواب خيلاً أو حميراً أو بغالاً - إذا أصابت ثوب أو بدن من شأنه أن يزاولها بالرعي أو العلف أو الربط ونحو ذلك - يعفى عنها؛ لأن المدار على المشقة وهي حاصلة لمن شأنه مزاولتها. لو أمر بالغسل كلما أصابته فلا مفهوم للقيود التي ذكرها الشيخ بقوله: " وبول فرس لغاز بأرض حرب ".
(وأثر ذباب من نجاسة ودم حجامة مسح حتى يبرأ) أي: يعفى عن أثر الذباب يقع على العذرة أو البول أو الدم بأرجله أو فمه، ثم يطير ويحط على ثوب أو بدن. فقولنا: من نجاسة بيان لأثر وهو أعم من قوله " من عذرة " إذ لا مفهوم لها.
ــ
يخرج منه وعليه بلولة النجاسة، وفي (عب) الظاهر أن خروج الصرم كالباسور.
قوله: [بأن يزيد على المرتين] إلخ: وقيل بل على المرة الواحدة ومثل اليد الخرقة التي يرد بها.
قوله: [كالثوب]: أي الملبوس لا التي يرد بها فإنها كاليد كما علمت.
قوله: [عن ثوب المرضعة] إلخ: أي لإمكانها فلا يعفى عما أصابه إن أمكنها التحول عنه. قوله: [أو غيرها]: أي إن احتاجت للإرضاع لفقرها أو لم يقبل الولد غيرها، وإلا فلا يعفى عما أصابها خلافاً للمشذالي في جعلها كالأم مطلقاً. قوله:[تجتهد] قيد في المرضعة مطلقاً أماً أو غيرها، فإذا اجتهدت وأصابها شيء عفي عنه، غاية الأمر أنه يندب لها غسله إن تفاحش، ولا يجب عليها غسل ما أصابها من بوله أو عذرته ولو رأته، خلافاً لابن فرحون القائل بأن ما رأته لا بد من غسله.
قوله: [ودخل الجزار] إلخ: أي فيعفى عنهم إن اجتهدوا كالمرضعة.
قوله: [ولمن ألحق بها]: أي ممن دخل تحت الكاف. وأما صاحب السلس فلا يندب له إعداد ثوب لعدم ضبطه.
قوله: [وقدر درهم]: أي ولو كان مخلوطاً بماء حيث كان طاهراً. نعم إن خالطه نجس غير معفو عنه انتفى العفو. وخالفت الشافعية؛ فعندهم نصف درهم مثلاً من دم إذا طرأ عليه قدر نصفه ماء طهوراً لا يعفى عنه لأن الدم نجس الماء، وإذا طرأ عليه ذلك من نفس عين الدم النجس ما زال معفواً عنه وهذا مما يستغرب. وقد يلغز به، وقد قلت في ذلك:
حي الفقيه الشافعي وقل له
…
ما ذلك الحكم الذي يستغرب
نجس عفوا عنه فلو خالطه
…
نجس طرا فالعفو باق يصحب
وإذا طرا بدل النجاسة طاهر
…
لا عفو يا أهل الذكاء تعجبوا
اه من حاشية شيخنا على مجموعه. وأما لو صار بسبب المائع زائداً على درهم فلا عفو. والعفو عن يسير الدم والقيح والصديد في الصلاة وخارجها في جميع الحالات. وقيل اغتفاره مقصور على الصلاة؛ فلا تقطع لأجله إذا ذكره فيها، ولا يعيد. وأما إذا رآه خارجها فإنه يؤمر بغسله. هكذا حكي عن المدونة. واختلفوا في الأمر بالغسل، فقيل: ندباً، وقيل: وجوباً والمعول عليه ما مشى عليه المصنف من الإطلاق وهو مذهب العراقيين.
قوله: [وهو الدائرة]: أشار الشارح إلى أن المعتبر المساحة لا الكمية، أي فالعبرة بقدره في المساحة ولو كان أكثر في الكمية كنقطة من الدم ثخينة. اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [ضعيف] إلخ: اعلم أن المسألة فيها ثلاثة [1] طرق، الأولى: أن ما دون الدرهم يعفى عنه اتفاقاً، وما فوقه لا يعفى عنه اتفاقاً، وفي الدرهم روايتان: والمشهور عدم العفو. والثانية: ما دون الدرهم يعفى عنه على المشهور، والدرهم وما فوقه لا يعفى عنه اتفاقاً. والثالثة: أن الدرهم من حيز اليسير وهذا هو الراجح، فلذلك اقتصر عليه مصنفنا تبعاً لابن عبد الحكم وصاحب الإرشاد.
تنبيه: إنما اختص العفو بالدم وما معه لأن الإنسان لا يخلو عنه، فهو كالقربة المملوءة بالدم والقيح والصديد، فالاحتراز عن يسيره عسر، دون غيره من النجاسات كالبول والغائط والمني والمذي. وما نقل عن مالك من اغتفار مثل رؤوس الإبر من البول ضعيف. نعم ألحق بعضهم بالمعفوات المذكورة ما يغلب على الظن من بول الطرقات إذا لم يتبين، فلا يجب غسله من ثوب أو جسد، أو خف مثل أن تزل الرجل من النعل وهي مبلولة فيصيبها من الغبار ما يغلب على الظن مخالطة البول له إذ لا يمكن التحرز منه. انتهى بالمعنى من حاشية الأصل.
قوله: [فلا مفهوم للقيود]: أي الأربعة وهي: بول وفرث وغاز وأرض الحرب. لأن المدار على مشقة الاحتراز. وحاصل الفقه أن كل من عانى الدواب يعفى عما
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (ثلاث).
ومثل الذباب الناموس، أو أراد به ما يشمل الناموس. والعامة تقلب الباء الأخيرة نونا ويشددون الأولى، وكذلك يعفى عن أثر الحجامة إذا مسح بخرقة ونحوها إلى أن يبرأ المحال لمشقة غسله قبل برء الجرح. فإذا برأ غسل كما قال الشيخ، أي وجوباً أو استناناً على ما قدمه من الخلاف.
(وطين كمطر ومائه مختلطاً بنجاسة ما دام طرياً في الطرق ولو بعد انقطاع نزوله، إلا أن تغلب عليه أو تصيب عينها): يعفى عن طين المطر ونحوه كطين الرش ومستنقع الطرق. وكذا يعفى عن ماء المطر وما ذكر معه حال كون ما ذكر من الطين أو الماء مختلطاً بنجاسة، وإلا فلا محل للعفو وسواء كانت النجاسة عذرة أو غيرها ما دام الطين طرياً في الطرق يخشى منه الإصابة ثانياً، ولو بعد انقطاع نزول المطر. ومحل العفو ما لم تغلب النجاسة على الطين بأن تكون أكثر منه يقيناً أو ظناً كنزول المطر على مطرح النجاسات، أو ما لم تصب الإنسان عين النجاسة الغير المختلطة بغيرها، وإلا فلا عفو ويجب الغسل. كما لا عفو بعد جفاف الطرق، فيجب غسل ما أصاب أيام النزول، وطراوة الطين لزوال المشقة. ولا يخفى عليك أن عبارتنا أوضح وأشمل من عبارته وقولنا: عينها فاعل تصيب، ومفعوله محذوف أي تصيبه عينها.
(وأثر دمل سال بنفسه أو احتاج لعصره أو كثرت): يعفى عن أثر الدمل من المدة السائلة بنفسها من غير عصره، فإن عصره لم يعف عما زاد على الدرهم إلا أن يضطر لعصره. فإن اضطر عفي عما زاد على الدرهم لأنه بمنزلة ما سال بنفسه. وكذا إن كثرت الدمامل فإنه يعفى عن أثرها، ولو عصرها لأن كثرتها مظنة الاضطرار كالحكة والجرب.
(وذيل امرأة أطيل لستر، ورجل بلت مراً بنجس يابس): يعفى عن ذيل ثوب المرأة يجر على الأرض المتنجسة فيتعلق به الغبار بشرط أن تكون إطالته للستر لا للخيلاء ويعفى عما تعلق برجل مبلولة مر بها صاحبها بنجاسة يابسة فيجوز للمرأة وذي الرجل الصلاة بذلك ولا يجب عليهما الغسل ولا حاجة لقوله: " يطهران بما بعده ".
(وخف ونعل من روث دواب وبولها إن دلكا وألحقت بهما رجل الفقير):
ــ
أصابه من بولها وأرواثها، كان في الحضر أو في السفر بأرض حرب أو غيرها. غاية ما هناك أنه إذا وجدت القيود الأربعة فلا يعتبر اجتهاده، بل العفو مطلق لتحقق الضرورة بخلاف ما إذا اختل قيد من الأربعة فلا بد من اجتهاده كما ذكره في الأصل. قوله:[ومثل الذباب] إلخ: أي فهو مستعمل في حقيقته ويقاس عليه الناموس.
قوله: [أو أراد به ما يشمل] إلخ: أي ففيه مجاز من إطلاق الخاص وإرادة العام، ويقاس عليه النمل الصغير. وأما الكبير فلا يعفى عنه لأن وقوعه على الإنسان نادر.
قوله: [إلى أن يبرأ]: فيه إشارة إلى أن "حتى" في المتن بمعنى إلى.
قوله: [أي وجوباً] إلخ: محل ذلك إذا كان أثر الدم أكثر من درهم، وإلا فلا محل لوجوب الغسل ولا لاستنانه. ومثل أثر الحجامة أثر الفصد فإذا برأ أمر بالغسل على ما تقدم وصلى متعمداً ولم يغسل، أعاد في الوقت على الراجح مما في خليل ليسارة الدم، لكونه أثراً لا عيناً. ومراعاة لمن لا يأمره بغسله. قوله:[ونحوه] وقوله فيما يأتي [وكذا] إلخ إشارة لما أدخلته الكاف.
قوله: [سواء كانت النجاسة] إلخ: أي وكان الطين أكثر منها تحقيقاً أو ظناً أو تساوياً بدليل ما يأتي.
قوله: [بأن تكون] إلخ: أي فلا عفو على غير ظاهر المدونة، وهو معفو عنه على ظاهرها.
قوله: [كنزول المطر] إلخ: مثال لما اختلفت فيه المدونة مع غيرها.
قوله: [أو ما لم تصب الإنسان] إلخ: أي فلا يعفى عنه اتفاقاً.
والحاصل أن الأحوال أربعة: الأولى والثانية: كون الطين أكثر من النجاسة أو مساوياً لها تحقيقاً أو ظناً ولا إشكال في العفو فيهما، والثالثة: غلبة النجاسة على الطين تحقيقاً أو ظناً وهو معفو عنه على ظاهر المدونة ويجب غسله على ما مشى عليه شارحنا تبعاً لابن أبي زيد. والرابعة: أن تكون عينها قائمة وهي لا عفو فيها اتفاقاً.
تنبيه: قيد بعضهم العفو عن طين المطر بما إذا لم يدخله على نفسه، وإلا فلا عفو؛ وذلك كأن يعدل عن الطريق السالمة للتي فيها طين بلا عذر.
قوله: [أو احتاج لعصره]: أشار بهذا إلى ما في أبي الحسن على المدونة من أن الدمل الواحدة إن اضطر إلى إنكائها وشق عليه تركها فإنه يعفى عما سال منها. قال شيخنا في مجموعه: والظاهر أن من الاضطرار إلى إنكائها وضع الدواء عليها فتسيل.
قوله: [فإن عصره] إلخ: محله ما لم يسل منه شيء بنفسه بعد العصر الأول، خرج منه شيء عند العصر أو لا؛ لأنه صدق عليه أنه سال بنفسه ومحل العفو إن دام سيلانه أو لم ينضبط، أو يأتي كل يوم ولو مرة. فإن انضبط وفارق يوماً وأتى آخر فلا عفو عما زاد على الدرهم، ولو مصل بنفسه. كذا يؤخذ من الأصل.
قوله: [وكذا إن كثرت]: أي بأن زادت على الواحدة.
قوله: [وذيل المرأة]: أي غير مبتل كما قيده في الأصل، وظاهره عدم الفرق بين الحرة والأمة. وهو كذلك خلافاً لابن عبد السلام حيث خصه بالحرة لكون الساق في حقها عورة وغيره راعى جواز الستر فعمم.
قوله: [أطيل لستر]: من المعلوم أنها لا تطيله للستر إلا إذا كانت غير لابسة الخف. فعلى هذا لو كانت لابسة الخف فلا عفو، سواء كان من زيها أم لا كما نقله (ح) عن الباجي اهـ ما في حاشية الأصل.
قوله: [يابس]: اسم فاعل وهو معنى قول خليل: يبس بفتح الباء فإنه مصدر بمعنى اسم الفاعل وبكسرها على أنه صفة مشبهة.
يعفى عما أصاب الخف والنعل من أرواث الدواب وأبوالها في الطرق والأماكن التي تطرقها الدواب كثيراً لعسر الاحتراز من ذلك. بخلاف غير الدواب كالآدمي والكلب والهر ونحوها، فلا يعفى عما أصاب من فضلاتها. وبخلاف ما أصاب غير الخف والنعل كالثوب والبدن فلا عفو، وهو معنى قول الشيخ:" لا غيره ". وألحق اللخمي رجل المكلف الفقير الذي لا قدرة له على تحصيل خف أو نعل في العفو بالخف والنعل. وأما غير الفقير فلا يعفى عما أصاب رجله منهما لعدم عذره. وبعضهم ألحقها بهما أيضاً. وشرط العفو أن [1] دلك كل من الخف أو النعل أو الرجل بخرقة أو تراب أو حجر أو مدر دلكاً لا يبقى معه شيء من العين.
(وما تفاحش ندب غسله كدم البراغيث): أي أن ما تفاحش مما تقدم ذكره من المعفوات بأن خرج عن العادة حتى صار يستقبح النظر إليه، فإنه يندب غسله. كما أنه يندب غسل دم البراغيث إذا تفاحش لا إن لم يتفاحش.
(وما سقط من المسلمين على مار حمل على الطهارة، وإن سأل صدق العدل): الواو استئنافية، وما مبتدأ، وحمل خبره؛ يعني أن الماء الذي يسقط على شخص مار أو جالس في طريق من سقف ونحوه ولم تقم أمارة على طهارته ولا نجاسته فإنه يحمل على الطهارة فلا يطلب غسله إن كان الماء الساقط من قوم مسلمين، لأن شأنهم الطهارة.
وإن شك في إسلامهم أو كفرهم حملوا على الإسلام، وليس عليه أن يسأل عن طهارته أو نجاسته لكنه إن سأل صدق المجيب إن كان عدل رواية بأن كان مسلماً صالحاً ذكراً كان أو أنثى حراً أو عبداً. فإن أخبر بالنجاسة وجب الغسل، أي إن بين وجهها أو اتفقا مذهباً، وإلا ندب. ولا عبرة بإخبار الكافر والفاسق، وينبغي ندب الغسل إن أخبر بالنجاسة. وأما ما سقط من بيوت الكفار فمحمول عند الشك على النجاسة فيجب غسله، إلا أن يخبر عدل حاضر معهم بأنه طاهر. وعبارتنا أحسن من عبارة الشيخ من وجوه كما يعلم بالتأمل.
(وإنما يجب الغسل إن ظن إصابتها فإن علم محلها؛ وإلا فجميع المشكوك): لا يجب غسل المحل المصاب بالنجاسة من بدن أو ثوب أو مكان أو إناء إلا إذا ظن إصابة النجاسة له. وأولى إن علم. فإن علم المحل المصاب اقتصر عليه، وإن لم يعلمه بعينه بأن حصل شك؛ هل أصابت النجاسة المحققة أو المظنونة هذه الناحية أو هذه أو هذا الكم أو الكم الآخر، أو فردة الخف هذه أو الأخرى، تعين غسل جميع ما شك فيه، ولا يكفي الاقتصار على محل واحد،
ــ
[قوله يعفى إلخ] إن قلت إذا كان الذيل يابساً والنجس كذلك، فلا يتعلق بالذيل شيء فلا محل للعفو قلت قد يتعلق به الغبار وهو غير معفو عنه في غير المحل كما في حاشية الأصل.
قوله: [التي تطرقها الدواب كثيراً]: هذا القيد نقله في التوضيح عن سحنون.
وعلى هذا فلا يعفى عما أصاب الخف والنعل من أرواث الدواب وأبوالها بموضع لا يطرقه الدواب كثيراً ولو دلكاً.
قوله: [وألحق اللخمي] إلخ: ومثله غني لم يجد ما ذكر أو لم يقدر على اللبس لمرض. قوله: [لا يبقى معه شيء] إلخ: ولا يعتبر بقاء الريح واللون. قوله: [مما تقدم ذكره] إلخ: يحترز عما لم يذكره كالسيف الصقيل والمرآة فلا يندب غسله للإفساد.
قوله: [من المعفوات]: في الحاشية أن ما دون الدرهم من الدم وما معه يندب غسله، وإن لم يتفاحش وعليه فلا وجه للتقييد بالتفاحش.
قوله: [دم البراغيث] إلخ: فسره في الأصل - تبعاً للخرشي وغيره - بالخرء، قائلاً: وأما دمها الحقيقي فداخل في قول المصنف: ودون درهم. قال شيخنا في مجموعه: وقد يقال هو كدمل زاد على واحدة أي فيعفى عنه ولو زاد على درهم، غاية ما هناك يندب غسله عند التفاحش فتعميم شارحنا صواب.
قوله: [ما سقط من المسلمين] إلخ: حاصل الفقه أن الشخص الساقط عليه شيء، إما أن يكون ماراً أو جالساً تحت سقائف المسلمين أو كفار أو مشكوك فيهم، وفي كل إما أن يتحقق طهارة الواقع، أو يظنها، أو يتحقق النجاسة، أو يظنها أو يشك.
فهذه خمسة عشر؛ فإن تحققت طهارة الواقع أو ظنت أو تحققت نجاستها أو ظنت فالأمر ظاهر، فهذه اثنتا عشر صورة. وأما إذا شك، فإن كان ماراً أو جالساً تحت سقائف مسلمين أو مشكوك فيهم حمل على الطهارة ولا يلزمه سؤال. فإن أخبره عدل رواية بالنجاسة عمل عليها إن بين وجهها أو اتفقا مذهباً، فهاتان صورتان. وإن كانوا كفاراً فإنه يكون نجساً ما لم يخبره عدل رواية بالطهارة، وإن لم يتفق معه في المذهب ولم يبين وجهها.
قوله: [وليس عليه]: أي وجوباً فلا ينافي الندب.
قوله: [لكنه إن سأل]: أي كما هو المندوب.
قوله: [إن أخبر بالنجاسة]: أي ما ذكر من الكافر والفاسق.
قوله: [إلا أن يخبر عدل]: أي فيصدق وإن لم يتفق معه في المذهب ولم يبين وجهها كما تقدم. بخلاف الإخبار فيما يحمل على الطهارة فلا بد مع العدالة من اتفاق المذهب كما تقدم.
قوله: [كما يعلم بالتأمل]: أي فإن من تأمل وجد فيها إجمالاً من وجوه وإيهام خلاف المراد.
قوله: [أو المظنونة]: أي فالمشكوكة والمتوهمة لا تعتبر.
قوله: [ما شك فيه]: أي تردد في محلين أو أكثر مع تحقق الإصابة أو ظنها.
قوله: [على محل واحد]: أي حيث كانا متصلين أو في حكمهما كالخفين، فيجب غسلهما معاً ولا يتحرى واحداً بالغسل فقط على المذهب. وقال ابن العربي إنه يتحرى في الكمين واحداً يغسله كالثوبين. ومحل الخلاف إذا اتسع الوقت لغسل الكمين ووجد
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (إن).
فإن كانا ثوبين كفى غسل أحدهما للصلاة فيه إن اتسع الوقت ووجد ما يزيلها به، وإلا صلى بإحداهما واجتهد.
(ويطهر إن انفصل الماء طاهراً وزال طعمها، بخلاف لون وريح عسُرا كمصبوغ بها، ولا يلزم عصره)؛ يعني أن محل النجاسة من ثوب أو غيره يطهر إن انفصل الماء عنه طاهراً ولو لم ينفصل طهوراً خلافاً لظاهر كلامه. بل المدار على زوال طعم النجاسة ولونها وريحها فمتى بقي في الماء المنفصل شيء من ذلك فالمحل لم يطهر والغسالة نجسة، لكن الطعم لا بد في طهارة المحل من زواله، ولو تعسر.
وأما اللون والريح فإن تيسر زوالهما فلا بد من زوالهما وإن تعسر، كثوب مصبوغ بزعفران متنجس أو نيلة كذلك، كما لو وقع في الدن فأر فمات فيه - كما يتفق كثيراً - أو أصاب الثوب مني انطبع فيه ونحو ذلك، فلا يشترط زوالهما لعسره عادة، إذ لا يرجع عادة لحالته الأولى. ولا يقال الريح يسهل زواله، لأنا نقول بعض الروائح كالمسك والزباد المتنجسين لا يسهل زوال ريحهما. فقوله: كمصبوغ بها؛ أي بالنجاسة مثال للمتعسر، فإذا طهر بانفصال الماء طاهراً لم يلزمه عصره.
(وتطهر الأرض بكثرة إفاضة الماء عليها): الأرض المتنجسة إذا انصب الماء عليها من مطر أو غيره حتى زالت عين النجاسة وأعراضها طهرت؛ «كما وقع للأعرابي الذي بال في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فصاح به بعض الصحابة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتركه، ثم أمرهم بأن يصبوا عليها ذنوباً من ماء» . والحديث رواه الشيخان.
(وإن شك في إصابتها لبدن غسل، ولثوب أو حصير وجب نضحه بلا نية كالغسل: وهو رش باليد أو غيرها، فإن ترك أعاد الصلاة كالغسل، لا إن شك في نجاسة المصيب): هذا مفهوم قوله سابقاً وإنما يجب الغسل إن ظن إصابتها. وأشار إلى أن في هذا المفهوم تفصيلاً؛ حاصله أنه إن حصل شك في إصابة النجاسة لمحل فلا يخلو إما أن يكون بدناً أو غيره. فإن كان بدناً وجب غسله كمحقق الإصابة. وإن شك في إصابتها لثوب أو حصير وجب نضحه لا غسله، فإن غسله فقد فعل الأحوط. والنضح: رش على المحل المشكوك بالماء المطلق بيده أو غيرها،
ــ
من الماء ما يغسلهما معاً، فإن لم يسع الوقت إلا غسل واحد أو لم يجد من الماء إلا ما يغسل واحداً تحرى واحداً يغسله فقط اتفاقاً، ثم يغسل الثاني بعد الصلاة في الفرع الأول، وبعد وجوده في الفرع الثاني. فإن لم يسع الوقت غسل واحد، صلى بدون غسل لأن المحافظة على الوقت مقدمة على طهارة الخبث.
قوله: [فإن كانا ثوبين]: المراد شيئين منفصلين، بحيث يصلى بأحدهما دون الآخر.
قوله: [إن اتسع الوقت] إلخ: أي والثوب الباقي لم يغسل محكوم بطهارته.
قوله: [واجتهد]: أي تحرى طهارة ثوب وصلى به إن وجد سعة من الوقت لتحريه، وإلا صلى بأيهما. وما قاله الشارح تبعاً للشيخ خليل هو المعول. وقال ابن الماجشون: إذا أصاب أحد الثوبين أو الأثواب نجاسة ولم تعلم عينها صلى بعدد النجس، وزيادة ثوب كالأواني. وفرق للمعتمد بين الأواني والأثواب بخفة الأخباث عن الأحداث.
قوله: [إن انفصل الماء طاهراً]: أي ولا يضر تغيره بالأوساخ، وذلك كثوب البقال واللحام إذا أصابته نجاسة. فلا يشترط في تطهيره إزالة ما فيه من الأوساخ، بل متى انفصل الماء خالياً عن أعراض النجاسة كفى، كما قال الشارح.
قوله: [وزال طعمها]: ويتصور الوصول إلى معرفة ذوق النجاسة -وإن كان لا يجوز ذوقها- بأن تكون في الفم، أو تحقق أو غلب على الظن زوالها، فجاز له ذوق المحل، اختباراً أو ارتكب النهي وذاقها. وحرمة ذواقها مبني على أن التلطخ بها حرام والمعتمد الكراهة كما تقدم اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [بخلاف لون وريح] إلخ: أي ولا يجب أشنان ونحوه لإزالتهما، بخلاف الطعم فلا بد من زواله على كل حال.
قوله: [شيء من ذلك]: أي من أعراض النجاسة لوناً أو طعماً أو ريحاً.
قوله: [وأما اللون والريح] إلخ: إن قلت: ما الفرق بين اللون والريح وبين الطعم؟ قلت: الفرق أن طعم جرم النجاسة باق معه بخلاف اللون والريح فهما من الأعراض. قوله: [لم يلزمه عصره]: أي حيث زال الطعم وكذا لا يلزمه تثليث الغسل خلافاً للشافعية، ولا تسبيعه خلافاً للحنابلة انتهى شيخنا في مجموعه.
قوله: (ذنوباً): بفتح الذال: الدلو. وهذا الحديث فيه رد على من يأمر بالتثليث أو التسبيع.
قوله: [وإن شك في إصابتها]: أي مع تحقق النجاسة أو ظنها بدليل آخر العبارة قوله: [ولثوب أو حصير]: والفرق بين البدن وغيره، أن البدن لا يفسد بالغسل، بخلاف غيره فقد يفسد بالغسل، فخفف فيه عند الشك في الإصابة. ولم يتعرض المصنف للأرض التي شك في إصابتها، هل تغسل أو تنضح؟ ولكن الذي حكاه ابن عرفة: أنها تغسل اتفاقاً وقيل: تنضح كما في الحطاب وغيره اهـ من شيخنا في مجموعه. ولكن لا وجه لنضحها بدليل الفرق المتقدم بين البدن وغيره.
قوله: [بلا نية]: قيد في النضح لأنه المتوهم لكونه تعبدياً. وأما توهم كون الغسل بنية فبعيد.
قوله: [فإن ترك أعاد الصلاة] إلخ: ما ذكره المصنف من إعادة من ترك النضح الصلاة كمن ترك غسل النجاسة المحققة، قول ابن حبيب، وهو ضعيف، والمعتمد قول ابن القاسم وسحنون وعيسى من أنه يعيد في الوقت فقط لخفة أمر النضح، ويمكن تمشيته على المعتمد بجعل التشبيه في مطلق الإعادة ليس بتام. بل قال القرينان؛ أشهب وابن نافع وابن الماجشون: لا إعادة عليه أصلاً. ولخفة النضح لم يقل أحد بإعادة الناسي أبداً كما قيل به في ترك غسل النجاسة وذلك لأن
كفم أو تلقي مطر رشة واحدة ولو لم يتحقق تعميمها المحل. ولا يفتقر إلى نية كما أن غسل النجاسة لا يفتقر لها بخلاف طهارة الحدث صغرى أو كبرى فإنها تفتقر لها كما يأتي وأشار بقوله: أو غيرها إلى أنه لا مفهوم لقوله: " باليد ".
وأما لو أصابه شيء تحقيقاً أو ظناً، ثم شك هل ما أصابه نجس أو طاهر، فلا يجب عليه نضحه ولا غسله لحمله على الطهارة، كما علم من الساقط على مار من أمكنة المسلمين كما مر. وأولى إن شك في الإصابة وفي نجاسة المصيب.
(ولو زال عين النجاسة بغير مطلق لم ينجس ملاقي محلها): إذا زالت عين النجاسة بغير ماء مطلق بأن زالت بماء مضاف أو ماء ورد ونحوه، ثم لاقى محل النجاسة وهو مبلول محلاً طاهراً من ثوب أو بدن أو غيرهما، أو جف محل النجاسة ولاقى محلاً مبلولاً، لم ينجس ملاقي محل النجاسة في الصورتين؛ لأنه لم يبق إلا الحكم والحكم لا ينتقل؛ وللقول بأن المضاف كالمطلق لا يتنجس إلا إذا تغير أحد أوصافه، وإن كان ضعيفاً.
(وندب إراقة ماء وغسل إنائه سبعاً بلا نية ولا تتريب عند استعماله بولوغ كلب أو أكثر لإطعام [1] وحوض): إذا ولغ كلب أو أكثر في إناء ماء مرة أو أكثر ندب إراقة ذلك الماء، وندب غسل الإناء سبع مرات تعبداً، إذ الكلب طاهر ولعابه طاهر، ولا يفتقر غسله لنية لأنه تعبد في الغير كغسل الميت. ولا يندب التتريب بأن يجعل في أولاهن أو الأخيرة أو غيرهما تراب، لأن طرق التتريب مضطربة ضعيفة لم يعول عليها الإمام مع كون عمل أهل المدينة على خلافه. ومحل ندب غسله سبعاً عند إرادة استعماله لا قبلها والباء في قوله: بولوغ سببية، والولوغ: إدخال لسانه في الماء وتحريكه أي لعقه، وأما مجرد إدخال لسانه بلا حركة أو سقوط لعابه أو لحسه الإناء فارغاً، فلا يسبع كما لو ولغ في حوض أو طعام ولو لبناً فإنه لا بأس به ولا يراق ولا يغسل سبعاً، وأشار بقوله: كلب أو أكثر إلى أنه لا يتعدد الغسل سبعاً بولوغ كلب مرات أو كلاب متعددة.
فصل: في بيان آداب قضاء حاجة الإنسان
ــ
عندنا قولاً لأبي الفرج يقول بوجوب إزالة النجاسة مطلقاً ولو مع النسيان كما تقدم لك أول الفصل. ولم يقل أحد بوجوب النضح مطلقاً، بل قيل إنه واجب مع الذكر والقدرة. وقيل إنه سنة مطلقاً وقيل باستحبابه وصرح به عبد الوهاب في المعونة، واستحسنه اللخمي كما في المواق. اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [كفم]: ويجري فيه الخلاف المتقدم بين ابن القاسم وأشهب.
قوله: [ولا يفتقر إلى نية]: أي خلافاً لمن يقول بالافتقار لكونه تعبدياً. وأجيب بأن محل كون التعبدي يفتقر لنية إن كان في النفس، وأما في الغير كالحصير والثوب هنا وكغسل الميت، فلا يفتقر لها.
قوله: [كما مر]: أي من حمله على الطهارة عند الشك.
قوله: [وأولى إن شك]: أي في عدم لزوم النضح والغسل لضعف الشك فلذلك تركه المصنف.
تنبيه: ذكر شيخنا في مجموعه أنه يجب الغسل على الراجح لا النضح إذا شك في بقاء النجاسة وزوالها، نعم ملاقي ما شك في بقائها به قبل غسله ينضح من الرطوبة على ما استظهره الحطاب اهـ. ومعنى ما ذكره أنه تحقق نجاسة المصيب لثوب مثلاً وشك هل أزالها أم لا، ثم لاقاها ثوب آخر وهي مبتلة، فالثوب الأول المشكوك في بقاء النجاسة به يجب غسله على الراجح، وأما الثاني المشكوك في إصابة النجاسة فيجب نضحه على ما استظهره (ح) واستظهر (بن) أنه لا يجب عليه شيء في الثوب الثاني لأنه مشكوك في نجاسة ما أصابه.
قوله: [لم ينجس] إلخ: أي ولو كانا رطبين.
قوله: [لأنه لم يبق إلا الحكم] إلخ: أي لأنه أمر اعتباري، والأمور الاعتبارية لا وجود لها.
قوله: [وإن كان ضعيفاً]: أي فهو مشهور مبني على ضعيف، قال شيخنا في مجموعه: وليس من الزوال جفاف البول بكثوب. نعم لا يضر الطعام اليابس كما في (عب) خلافاً لما يوهمه (شب) وتبعه شيخنا.
قوله: [إراقة ماء]: أي إذا كان يسيراً.
قوله: [تعبداً]: مفعول لأجله فهو علة لندب الإراقة والغسل، وهو من تعليل العام بالخاص، لأن التعبد طلب الشارع أمراً غير معقول المعنى، والطلب أعم. وكون الغسل تعبداً هو المشهور، وإنما حكم بكونه تعبداً لطهارة الكلب، ولذلك لم يطلب الغسل في الخنزير. وقيل: إن ندب الغسل معلل بقذارة الكلب، وقيل لنجاسته، إلا أن الماء لما لم يتغير قلنا بعدم وجوب الغسل، ولو تغير لوجب. وعلى هذين القولين يلحق الخنزير بالكلب في ندب غسل الإناء من ولوغه. قوله:[لأن طرق التتريب] إلخ: أي لأن التتريب لم يثبت في كل الروايات وإنما ثبت في بعضها وذلك البعض وقع فيه اضطراب.
قوله: [لا قبلها]: هذا هو المشهور وعزاه ابن عرفة للأكثر ولرواية عبد الحق وقيل يؤمر بفور الولوغ.
قوله: [فإنه لا بأس به] إلخ: خلافاً للسادة الشافعية في ذلك كله.
فصل في بيان آداب قضاء حاجة الإنسان
قوله: (آداب): جمع أدب وهو الأمر المطلوب شرعاً عند قضاء الحاجة، أعم من أن يكون الطلب واجباً أو مندوباً؛ لأن بعض ما يأتي واجب.
قوله: [حاجة الإنسان]: المراد بالإنسان المكلف ولو بالمندوبات
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (لا طعام)، وهي الصواب كما في «أقرب المسالك» .
من بول أو غائط، وحكم الاستبراء والاستنجاء والاستجمار
وهذه الأحكام من متعلقات طهارة الخبث فوجب تقديمها على طهارة الحدث. والشيخ رحمه الله أخرها عن فرائض الوضوء وما يتعلق به، نظراً إلى أنها قد تطرأ على الإنسان بعد الوضوء.
(آداب قضاء الحاجة: جلوس بطاهر، وستر لقربه، واعتماد على رجل يسرى مع رفع عقب اليمنى، وتفريج فخذيه، وتغطية رأسه، وعدم التفاته): المراد بالآداب: الأمور المطلوبة ندباً لمريد قضاء حاجته من بول أو غائط.
فيندب له الجلوس ويتأكد في الغائط. وأن يكون بمحل طاهر إذا كان بالفضاء خوفاً من تلوث ثيابه بالنجاسة. وأن يكون المحل رخواً كالتراب والرمل، لا صلباً كالحجر لئلا يتطاير عليه البول. وأن يديم الستر حال انحطاطه للجلوس لقرب المحل الذي يقضي به حاجته. فلا يرفع ثيابه وهو قائم، وهذا في غير الأكنفة. وأن يعتمد حال جلوسه على رجله اليسرى لأنه أعون على خروج الخارج - ولو بولاً - كما هو مشاهد. وأن يرفع عقب رجله اليمنى لما ذكر. وأن يفرج بين فخذيه لذلك حال جلوسه. وأن يغطي رأسه برداء ونحوه، قالوا: ويكفي ولو بطاقية، فالمراد أن لا يكون رأسه مكشوفاً حال قضاء الحاجة. وأن لا يلتفت حال قضاء الحاجة لئلا يرى ما يخاف أذيته فيقوم قبل تمام حاجته فيتنجس مع عدم تمام فرضه. وأما قبل جلوسه فينبغي أن يلتفت حتى يبعد عما يخافه ويطمئن قلبه.
(وتسمية قبل الدخول بزيادة: " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث "، وقوله بعد الخروج: " الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني "): أي ومن الآداب التسمية قبل دخول الخلاء أو قبل محل الجلوس في الفضاء. فإن نسي سمى قبل كشف عورته في الفضاء ولا يسمي بعد دخوله الكنيف،
ــ
والمكروهات، فشمل الصبي والصبية المميزين.
قوله: [من بول أو غائط] بيان للحاجة.
قوله: [وحكم الاستبراء]: وهو وجوب استفراغ الأخبثين.
قوله: [والاستنجاء]: معطوف على الاستبراء أي وحكم الاستنجاء وهو يجري على حكم إزالة النجاسة.
قوله: [والاستجمار] معطوف أيضاً على الاستبراء وحكمه كالاستنجاء.
قوله: [وهذه الأحكام] إلخ: جواب على سؤال مقدر وارد على المصنف تقديره: لم لم توافق أصلك؟ فأجاب بما ذكر.
قوله: [جلوس]: هو وما عطف عليه خبر عن آداب.
قوله: [ندباً]: أي بحسب غالبها. فلا ينافي أن بعضها واجب كما تقدم التنبيه عليه.
قوله: [لمريد]: إنما قال الشارح ذلك لأن الآداب لا للحاجة، فإن منها ما يفعل قبلها ومعها وبعدها.
قوله: [قاضي حاجته] إلخ: هكذا نسخة الأصل بصيغة اسم الفاعل. ولو ذكره بالمصدر لكان أولى كما ذكره في المتن، وقد يقال أطلق اسم الفاعل. وأراد المصدر.
قوله: [فيندب له الجلوس] إلخ: قال في التوضيح: قسم بعضهم موضع البول إلى أربعة أقسام. فقال: إن كان طاهراً رخواً جاز فيه القيام، والجلوس أولى لأنه أستر. وإن كان رخواً نجساً: بال قائماً مخافة أن تتنجس ثيابه. وإن كان صلباً نجساً: تنحى عنه إلى غيره، ولا يبول فيه قائماً ولا جالساً. وإن كان صلباً طاهراً: تعين الجلوس لئلا يتطاير عليه شيء من البول. وقد نظم ذلك الوانشريسي بقوله:
بالطاهر الصلب اجلس
…
وقم برخو نجس
والنجس الصلب اجتنب
…
واجلس وقم إن تعكس
وقول التوضيح: في الصلب الطاهر يتعين الجلوس، ظاهره الوجوب. وهو ظاهر الباجي وابن بشير وابن عرفة. وظاهر المدونة وغيرها: أن القيام مكروه فقط. ولذلك قال الأصل: ومعنى تعين ندب ندباً قوياً أكيداً. اهـ. من حاشية الأصل؛ ففي البول أربعة أقسام قد علمتها. فقول الشارح: [فيندب له الجلوس]: أي في قسمين منها، وهما ما إذا كان المحل طاهراً رخواً أو صلباً. وعلمت أن النجس الصلب يجتنبه مطلقاً لئلا يتنجس. لكنه بحث فيه شيخنا في مجموعه بأنه لا يظهر إذا جلس مع أنه يابس اهـ. وإيضاح بحثه حيث قلتم بطلبه بالجلوس في الصلب الطاهر، فالصلب النجس مثله بجامع اليبس وعدم تلوث الثياب في كل.
قوله: [ويتأكد في الغائط]: قال في الأصل: وأما الغائط فلا يجوز فيه القيام، أي يكره كراهة شديدة فيما يظهر. ومثله بول المرأة والخصي.
قوله: [إذا كان بالفضاء]: أي وأما الأماكن المعدة لقضاء الحاجة في المدن مثلاً فلا يتأتى فيها اشتراط الطهارة.
قوله: [لئلا يتطاير] إلخ: هذا التعليل ينتج اجتناب الصلب قياماً وجلوساً طاهراً أو نجساً.
قوله: [وهذا في غير الأكنفة]: أي وما فيها فيرفع ثيابه وهو قائم لئلا يتنجس
قوله: [على رجله اليسرى] إلخ: قال في المدخل: يرفع عقب رجله، أي اليمنى على صدرها ويتوكأ على ركبة يسراه أعون.
قوله: [وأن يغطي رأسه]: قيل: حياء من الله ومن الملائكة، وقيل: لأنه أحفظ لمسام الشعر من علوق الرائحة بها.
قوله: [قالوا ويكفي] إلخ: أي وهو المعتمد. والخلاف مبني على الخلاف في علة ندب تغطية الرأس، هل هو الحياء من الله أو خوف علوق الرائحة بمسام الشعر؟ قال (بن): والأول هو المنصوص. اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [فإن نسي سمى] إلخ: هذا هو المشهور وقيل لا تفوت إلا بخروج الخارج. فإن قلت إذا فاته الذكر فبأي شيء
ولو لم يصل المحل بأن يقول: " بسم الله اللهم إلخ "، والخُبُث بضم الخاء المعجمة والباء الموحدة؛ جمع خبيث: ذكر الشياطين. وقد تسكن الباء. والخبائث؛ جمع خبيثة: أنثى الشياطين.
ومن الآداب المندوبة أن يقول بعد خروجه من الخلاء أو بعد تحوله من مكانه في الفضاء: " الحمد لله إلخ ". وليس بعد الخروج تسمية كما يفيده النقل خلافاً لبعضهم.
(وسكوت إلا لمهم): أي ويندب له السكوت ما دام في الخلاء - ولو بعد خروج الأذى - إلا لأمر مهم يقتضي كلامه؛ كطلب ما يزيل به الأذى. وقد يجب الكلام كإنقاذ أعمى من سقوط في حفرة أو تخليص مال ونحو ذلك.
(وبالفضاء: تستر، وبعد، واتقاء جحر، وريح، ومورد، وطريق، وظل، ومجلس، ومكان نجس): من الآداب المندوبة إذا أراد قضاء حاجته بالفضاء: أن يستتر عن أعين الناس بشجر أو صخرة أو نحو ذلك بحيث لا يرى جسمه. وأما ستر عورته عنهم فواجب. وأن يبعد عنهم بحيث لا يسمع له صوت ريح يخرج منه، وأن يتقي - أي يتجنب - قضاء حاجته في جحر؛ بضم الجيم وسكون الحاء المهملة: أي ثقب في الأرض مستدير أو مستطيل، لئلا يخرج منه ما يؤذيه من الهوام، ولأنه مسكن الجن، فربما حصل منهم له أذية. وأن يتقي مهب الريح لئلا يعود عليه البول فينجسه وأن يتقي مورد الناس: أي محل ورودهم للماء، لأنه يؤذي الناس فيلعنونه. وأن يتقي الطرق التي يمر فيها الناس، وأن يتقي الظل: أي المحل الذي الشأن أن يستظل فيه الناس. لا مطلق ظل، ومثله الشمس أيام الشتاء، والمكان المقمر الذي شأنهم الجلوس فيه. والمورد وما عطف عليه هي المسماة بالملاعن الثلاث، وعطف المجلس عليها من عطف ما هو أعم. وأن يتقي الأمكنة النجسة لئلا تصيبه نجاستها.
(وتنحية ذكر الله لفظاً وخطاً): من الآداب الأكيدة أن لا يذكر الله تعالى في الخلاء قبل خروج الأذى أو حال خروجه وبعده ما دام في المكان الذي يقضي فيه حاجته، سواء كان كنيفاً أو غيره. وأن لا يدخل الكنيف أو يقضي حاجته بفضاء ومعه مكتوب فيه ذكر الله، أو درهم أو خاتم مكتوب فيه ذلك، وكذا اسم نبي. ولينحه قبل دخوله ندباً أكيداً. إلا القرآن فيحرم قراءته والدخول بمصحف أو بعضه
ــ
يتحصن؟ قلت: تركه الذكر تعظيماً لله هو التحصن.
قوله: [ولو لم يصل المحل]: ومثل الكنيف المواضع القذرة التي بين يديه.
قوله: [بأن يقول] إلخ: هذه رواية من جملة روايات مشهورة أيها يكفي. وحكمته أنه عليه الصلاة والسلام قال: «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله» . وخص هذا الموضع بالاستعاذة لأن للشيطان فيه تسلطاً وقدرة على ابن آدم لم تكن في غيره بسبب غيبة الحفظة عنه.
قوله: [وقد تسكن الباء]: وقيل بالسكون: الكفر.
قوله: [الحمد لله] إلخ: ومنه أيضاً ما ورد أنه يقول: «غفرانك» . والحكمة في طلب الغفران أنه لما كان خروج الأخبثين بسبب خطيئة آدم ومخالفة الأمر حيث جعل مكثه في الأرض، وما تنال ذريته فيها عظة للعباد وتذكرة لما تؤول إليه المعاصي، فقد روي «أنه لما وجد من نفسه ريح الغائط فقال: أي رب ما هذا؟ فقال تعالى: هذا ريح خطيئتك، فكان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول عند خروجه من الخلاء: غفرانك»، التفاتاً إلى هذا الأصل وتذكيراً لأمته بهذه العظة اهـ من الحاشية. وفي رواية:«الحمد لله الذي سوغنيه طيباً وأخرجه عني خبيثاً» ، وفي رواية:«الحمد لله الذي رزقني لذته وأذهب عني مشقته وأبقى في جسمي قوته» .
قوله: [وسكوت] إلخ: أي لأن الكلام حين قضاء الحاجة يورث الصمم وحينئذ فلا يشمت عاطساً ولا يحمد إن عطس، ولا يجيب مؤذناً ولا يرد على مسلم ولو بعد الفراغ، كالمجامع. بخلاف الملبي والمؤذن فإنهما يردان بعد الفراغ، وأما المصلي فيرد بالإشارة.
قوله: [من الآداب المندوبة] إلخ: جعل هذه من المندوبات باعتبار الغالب، كما ستقف عليه في الحل.
قوله: [وأما ستر عورته] إلخ: حاصله أن ستر العورة عن أعين الناس واجب. ومصب الندب أن يبعد عنهم بحيث لا يرى له جسم ولا يسمع له صوت ولا يشم له ريح. وهذا بالفضاء كما صرح المصنف، وأما في الكنيف فلا يضر سماع صوته ولا شم ريحه للمشقة.
قوله: [أو مستطيل]: أشار بهذا إلى أنه ليس المراد بالجحر خصوص المستدير بالجحر، بل ما يشمل السرب بفتح السين والراء وهو المستطيل، وليس مقصوراً على معناه اللغوي وهو المستدير.
قوله [مهب الريح]: أي جهة هبوبه وإن كان ساكناً.
قوله: [الطرق]: هو أعم مما قبله. لأن الطريق إما موصلة للماء فتكون مورداً، وإما غير موصلة له فلا تكون مورداً. وقد يقال الطريق عرفاً: ما اعتيد للسلوك، والمورد محل الورود فهو مغاير، ولذا جمع بينهما في الحديث.
قوله: [الشأن] إلخ: أي كمقيل ومناخ، أي محل قيلولة الناس أو إناخة الإبل فيها.
قوله: [هي المسماة بالملاعن] إلخ: قال في الحاشية: والظاهر أن قضاء الحاجة في الموارد والطريق والظل وما ألحق به حرام كما يفيده عياض. وقاله الأجهوري وقد تبع شارحنا خليلاً. ولكن مقتضى تسميتها ملاعن تشهد للحرمة. فلذلك قلنا: جعلها مندوبات، باعتبار الغالب.
قوله: [الأمكنة النجسة] إلخ: فيتقي الصلب منها في البول والغائط قياماً وجلوساً، والرخو منها في الغائط قياماً وجلوساً وفي البول جلوساً.
قوله: [وكذا اسم نبي]: أي مقرون بما
ولو آية، ما لم يكن حرزاً مستوراً بساتر.
ومن الساتر جيبه فوضعه في جيبه مثلاً يمنع الحرمة في المصحف. والكراهة في غيره. وهذا ما لم يخف عليه الضياع، وإلا جاز الدخول به للضرورة.
(وتقديم يسراه دخولاً، ويمناه خروجاً؛ عكس المسجد والمنزل؛ يمناه فيهما): من الآداب أن يقدم حال دخوله الكنيف رجله اليسرى ويؤخرها حال خروجه منه؛ بأن يقدم في الخروج رجله اليمنى. وذلك عكس اليسرى في المسجد فإنه يندب له تقديم اليمنى دخولاً وتقديم اليسرى خروجاً لشرفه، كما يندب في تنعله تقديم اليمنى وفي خلع النعال تقديم اليسرى، وأما المنزل فيقدم اليمنى دخولاً وخروجاً.
(ومنع بفضاء استقبال قبلة واستدبارها بلا ساتر، كالوطء، وإلا فلا): يحرم على المكلف إذا قضى حاجته في الفضاء أن يستقبل القبلة أو يستدبرها بلا ساتر. فإن استتر بحائط أو صخرة أو ثوب أو غير ذلك فلا حرمة، والأولى الترك مراعاة للخلاف. وكذا يحرم عليه الوطء لحليلته في الفضاء بلا ساتر. وقوله: وإلا، أي وإلا يكن في الفضاء، بأن كان في منزله ولو في ساحة الدار أو رحبتها أو سطحها أو كان في الفضاء ولكن بساتر، فلا حرمة. والمراد بالمنزل: ما عدا الفضاء؛ فيشمل فضاء المدن فلا يحرم استقبال القبلة ولا استدبارها فيها، والكلام كله في غير الأكنفة، وأما هي فلا حرمة اتفاقاً. وكذا لا يحرم استقبال بيت المقدس ولا الشمس والقمر ولو في الفضاء بلا ساتر.
(ووجب استبراء بسلت ذكر ونتر خفَّا): يجب على من قضى حاجته أن يستبرئ: أي يستخلص مجرى البول من ذكره بسلته؛ بأن يجعل أصبعه السبابة من يده اليسرى تحت ذكره من أصله والإبهام فوقه ثم يسحبه برفق حتى يخرج ما فيه من البول. والنتر بسكون التاء المثناة: جذبه. وندب أن يكون
ــ
يعينه، كعليه السلام، لا مجرد الاشتراك. ومحل الكراهة إذا كانت النجاسة لا تصل للخاتم. وإلا منع اتفاقاً.
قوله: [ولو آية]: ما ذكره الشارح من منع دخول الكنيف ونحوه بما فيه قرآن ولو آية تبع فيه ابن عبد السلام والتوضيح. وقد رده (ح) والأجهوري وقال: إنه غير ظاهر. واستظهر الأول كراهة الدخول بالقرآن، وأطلق في الكراهة فظاهره كان كاملاً أو لا. واستظهر الثاني التحريم في الكامل وما قاربه والكراهة في غير ذي البال كالآيات. واعتمد هذا الأشياخ واقتصر عليه في المج. اهـ. من حاشية الأصل
قوله: [ومن الساتر جيبه]: قال في حاشية الأصل نقلاً عن (ح): والظاهر أن الجيب لا يكفي لأنه ظرف متسع.
قوله: [وإلا جاز] إلخ: أي ولا بد له من ساتر إن أمكن. قال في حاشية الأصل جواز الدخول بالمصحف مقيد بأمرين: الخوف والساتر. اهـ. والمراد بالخوف إما على نفسه - بأن جعل حرزاً- أو الضياع.
قوله: [حال دخوله الكنيف]: أي وكذا كل دنيء: كحمام وفندق وبيت ظالم.
قوله: [وأما المنزل] إلخ: والحاصل أن ما كان من باب التشريف والتكريم قدم فيه اليمنى وعكسه قدم فيه اليسرى، فإن حصلت المعارضة بين المنزل والمسجد -كما لو كان باب بيته داخل المسجد- كان الحكم للمسجد دخولاً وخروجاً.
قوله: [ومنع بفضاء] إلخ: حاصل فقه المسألة أن المسائل ست: الأولى: قضاء الحاجة، والوطء في الفضاء مستقبلاً ومستدبراً بدون ساتر وهذه حرام قطعاً.
الثانية: قضاء الحاجة في بيت الخلاء الذي في المنزل بساتر، والوطء في المنزل بساتر، وهذه جائزة اتفاقاً مستقبلاً ومستدبراً. الثالثة: قضاء الحاجة فيه، والوطء فيه بدون ساتر، وفيها قولان بالجواز والمنع، والمعتمد الجواز ولو كان بيت الخلاء أو الوطء. بالسطح. الرابعة: قضاء الحاجة والوطء في الفضاء بساتر مستقبلاً أو مستدبراً، وفيها قولان بالجواز والمنع، والمعتمد الجواز. والخامسة والسادسة: قضاء الحاجة والوطء بحوش المنزل بساتر وبدونه وفيهما قولان بالجواز والمنع والمعتمد الجواز فيهما.
قوله: [وإلا فلا]: أي إما اتفاقاً أو على الراجح كما تقدم.
قوله: [فإن استتر] إلخ: ويكفي أن يكون طوله ثلثي ذراع وقربه منه ثلاثة أذرع فأقل، وعرضه منه مقدار ما يواري عورته.
قوله: [مراعاة للخلاف]: أي وهو الذي علمته من الحاصل.
قوله: [وأما هي فلا حرمة اتفاقاً]: أي إن كان بساتر وإلا ففيهما قولان، وإن كان المعتمد الجواز كما علمت مما تقدم.
قوله: [وكذا لا يحرم] إلخ: أي ولكن الأولى الإنقاء.
قوله: [ووجب استبراء]: يحتمل أن السين والتاء زائدتان وأن يكونا للطلب، فعلى أنهما زائدتان تكون الباء في "بسلت" للتصوير وعلى أنهما للطلب، تكون الباء للاستعانة أو السبية.
قوله: [أي يستخلص]: يجري في السين والتاء مع الباء في قوله "بسلت" ما تقدم.
قوله: [بأن يجعل أصبعه] إلخ: تصوير لما قبله ولذا أفتى الناصر اللقاني بوجوب الاستبراء ولو خرج الوقت، لأن الطهارة لا تصح مع المنافي. لكن وقع في (عب) عن اللخمي ما يوهم أن البقاء في القصبة لا يضر، وأن النقض إذا نزل بالفعل، ومال إليه شيخنا، لكن إذا بقي في القصبة مع الرشح على رأس الذكر فيضر قطعاً اهـ بالمعنى حاشية شيخنا على مجموعه.
قوله: [من يده اليسرى] إلخ: كونه من اليد اليسرى وبالإبهام والسبابة أفضل وأولى. ولو فعل ذلك باليمنى أو بغير السبابة والإبهام كفى وخالف الأفضل. وهذا في حق الرجل، وأما المرأة فإنها تضع يدها على عانتها ويقوم ذلك مقام السلت والنتر، وأما الخنثى فيفعل ما يفعله الرجل والمرأة احتياطاً.
كل منهما برفق، وهو معنى قوله: خفا بفتح الخاء حتى يغلب على الظن خلوص المحل. ولا يتبع [1] الأوهام فإنه يورث الوسوسة وهي تضر بالدين.
(واستنجاء، وندب بيساره وبلها قبل لقي الأذى، واسترخاؤه قليلاً وغسلها بكتراب بعده وإعداد المزيل، ووتره وتقديم قبله وجمع ماء وحجر ثم ماء) يجب الاستنجاء كما يجب الاستبراء والمراد به: إزالة النجاسة من محل البول أو الغائط بالماء أو بالأحجار. وندب أن يكون بيده اليسرى ويكره باليمنى إلا لضرورة. وندب بلل يده اليسرى بالماء قبل لقي الأذى من بول أو غائط لئلا يقوى تعلق الرائحة بها إذا لاقى بها الأذى جافة. ويندب حال الاستنجاء أن يسترخي قليلاً لأنه أمكن في التنظيف.
وندب بعد فراغه من الاستنجاء أن يغسل يده التي لاقى بها الأذى حال الاستنجاء بتراب ونحوه، كأشنان وغاسول وصابون.
وندب له عند إرادته قضاء الحاجة أن يعد ما يزيل به النجاسة من ماء أو حجر أو نحو ذلك. ويندب له وتر المزيل إذا كان جامداً كحجر حيث انتقى المحل بالشفع وإلا فالإنقاء متعين. وينتهي ندب الإيتار للسبع، فإن أنقى بثامن فلا يطلب بتاسع. وندب تقديم قبله على دبره في الاستنجاء وندب له أن يجمع بين الحجر والماء، فيقدم إزالة النجاسة بالحجر، ثم يتبع المحل بالماء. فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أولى من الحجر ونحوه.
(وتعين في مني وحيض ونفاس وبول امرأة ومنتشر عن مخرج كثيراً): الضمير في تعين يعود على الماء. أي أن الماء يتعين - ولا يكفي الحجر ونحوه - في إزالة المني لمن فرضه التيمم أو الوضوء، كخروجه بلا لذة أو لذة غير معتادة. وفي إزالة دم الحيض أو النفاس، وكذا في دم الاستحاضة إن لم يلازم كل يوم ولو مرة، وإلا فهو معفو عنه كسلس البول الملازم لذكر أو أنثى فلا تجب إزالته. ويتعين الماء أيضاً في إزالة
ــ
وما تقدم في البول، وأما الغائط فيكفي في تفريغ المحل منه الإحساس بأنه لم يبق شيء مما هو بصدد الخروج، وليس عليه غسل ما بطن من المخرج، بل يحرم لشبه ذلك باللواط. فلو توضأ والبول في قصبة الذكر أو الغائط في داخل فم الدبر كان الوضوء باطلاً كما تقدم تحقيقه؛ لأن شرط صحة الوضوء عدم المنافي، فالاستبراء مطلوب لأجل إزالة الحدث فلا يجري فيه الخلاف الذي في إزالة النجاسة. وفي الحقيقة ليس السلت والنتر بالمتعين بل المدار على حصول الظن بانقطاع المادة بسلت أو غيره، كما لو مكث مدة يغلب على الظن خلو المحل. ولا يضر بلولة رأس الذكر بعد ذلك.
قوله: [كل منهما برفق]: هو بالنسبة للنتر وصف كاشف لأنه عند أهل اللغة هو التحريك الخفيف.
قوله: [ولا يتتبع الأوهام]: أي فإذا غلب على ظنه انقطاع المادة من الذكر ترك السلت والنتر، وما شك في خروجه بعد الاستبراء كنقطة فمعفو عنها، فإن تحققها فحكم الحدث والخبث؛ أي أنها تنقض الوضوء إن لم تلازم نصف الزمان فأكثر.
ويجب غسلها إن لم تأته كل يوم ولو مرة.
قوله: [وهي تضر بالدين]: ولذلك قال العارفون إن الوسواس سببه خبل في العقل أو شك في الدين.
قوله: [بالماء أو بالأحجار]: أي فهو أعم من الاستجمار لأن الاستجمار لا يكون بالماء.
قوله: [بيده اليسرى]: أي لأنه ليس من التشريف.
قوله: [بتراب ونحوه]: محل طلب الغسل بالتراب ونحوه إن لم يكن بلها أولاً، وإلا فلا يتوقف ندب الغسل على التراب ونحوه لانسداد المسام بالغسل أولاً. والمراد باليد التي تغسل الخنصر والبنصر والوسطى لأنها التي يلاقي بها النجاسة.
قوله: [أن يعد]: أي فيندب لمريد قضاء الحاجة إعداد الماء والحجر معاً إن أمكن، وإلا فالماء فقط، وإلا فالأحجار فقط، على حسب الترتيب في المندوب.
قوله: [فإن أنقى] إلخ: أي إن أنقى الشفع يوتر بثالث، وأربع يوتر بخامس، وست يوتر بسابع، وبعد ذلك لا إيتار بل المدار على الإنقاء. وقولهم الوتر خير من الشفع في غير الواحد. وإلا فالاثنان خير منه ويكفي في الوترية حجر واحد له ثلاث جهات يمسح المحل بكل جهة.
قوله: [تقديم قبله] إلخ: أي خوفاً من تنجس يده من مخرج البول لو قدم دبره، ومحل تقديم القبل إلا أن يقطر فيقدم دبره لأنه لا فائدة في تقديم القبل.
قوله: [أن يجمع بين الحجر والماء]: أي لأن الله مدح أهل قباء على ذلك بقوله تعالى: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} [التوبة: 108] وطهارتهم هي جمعهم بين الماء والحجر في استنجائهم كما ورد الحديث بذلك.
قوله: [فالماء أولى]: أي فلو اقتصر على الحجر ونحوه كفى وخالف الأولى.
وهل يكون في هذه الحالة المحل طاهراً لرفع العين والحكم عنه أو نجساً معفواً عنه؟ انظر (ح) انتهى من حاشية الأصل. والحاصل أن المراتب خمس: ماء. وحجر، ماء ومدر. ماء فقط، حجر فقط، مدر فقط. والمراد بالمدر أي طاهر منق مستوفي الشروط غير حجر. فهي مطلوبة ندباً على هذا الترتيب في غير ما يتعين فيه الماء.
قوله: [وتعين] إلخ: شروع في مسائل مستثناة من قولهم: الماء أفضل في الاستنجاء. وليس بمتعين. فكأنه قال: إلا في هذه المسائل فيتعين فيها الماء، ولا يكفي فيها الحجر ونحوه.
قوله: [لمن فرضه التيمم] إلخ: جواب عن سؤال وارد على المصنف حاصله أن المني والحيض والنفاس يتعين فيها غسل جميع الجسد ولا يتوهم فيها كفاية الاستجمار بالأحجار؟ وحينئذ فلا حاجة للنص على تعين
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (يتتبع).
بول المرأة بكراً أو ثيباً لتعديه المخرج إلى جهة المقعدة عادة. ويتعين أيضاً في حدث بول أو غائط انتشر عن المخرج انتشاراً كثيراً كأن يصل إلى المقعدة أو يعم جل الحشفة.
(ومذي بلذة مع غسل كل ذكره بنية، ولا تبطل الصلاة بتركها، وفي اقتصاره على البعض قولان، ووجب غسله لما يستقبل): يعني ويتعين الماء أيضاً في مذي خرج بلذة معتادة بنظر أو ملاعبة لزوجة مثلاً أو لتذكر، مع وجوب غسل جميع الذكر بنية طهارته من الحدث، أو رفع حدثه المترتب عليه بخروج المذي. وهذه النية واجبة غير شرط على المعتمد. فلذا لو تركها وغسل ذكره بلا نية وتوضأ وصلى لم تبطل صلاته على الراجح. وأما غسل جميع الذكر فقيل: واجب شرطاً؛ فلو اقتصر على غسل بعضه - ولو مع نية - وصلى بطلت صلاته. وقيل: واجب غير شرط. فلا تبطل الصلاة بغسل البعض ولو محل النجاسة فقط بنية أولاً [1]. ولم يرجحوا واحداً من القولين، فلذا قلنا: قولان وعلى القول الأول فالأمر ظاهر، وأما على الثاني فيجب غسل جميعه لما يستقبل من الصلاة لأنه أمر واجب. وقولنا: بلذة قيد زدناه على المصنف، إذ لا بد منه لأنه لو خرج بلا لذة لكفى فيه الحجر ما لم يكن سلساً يلازم كل يوم ولو مرة، وإلا عفي عنه ولا يتعين فيه حجر ولا غيره.
هذا هو الحق ولا تغتر بما يخالفه من كلام بعض الشراح. وعبر ب مع إشارة إلى أن الباء في قول الشيخ: بغسل، بمعنى مع.
وحاصل المسألة أن خروج المذي من الرجل بلذة معتادة يوجب غسل جميع الذكر بنية على ما تقدم.
ــ
الماء فيها وعدم كفاية الأحجار.
وحاصل ما أجاب به الشارح أن الكلام مفروض في حق من فرضه التيمم لكمرض أو لعدم ما يكفي غسله، ومعه من الماء ما يزيل به النجاسة، فيقال لمن خرج منه المني: لا بد من غسل الذكر أو الفرج بالماء، أو لمن فرضه الوضوء لخروج منيه بلا لذة أو لذة غير معتادة، ويقال في المرأة التي انقطع حيضها أو نفاسها مثل ما قيل فيمن فرضه التيمم.
قوله: [بول المرأة]: مثلها بول الخصي أي مقطوع الذكر قطعت أنثياه أم لا.
ومثله مني الرجل إذا خرج من فرج المرأة بعد غسلها فهو كبولها لا يكفي فيه الحجر، ومثله البول الخارج من الثقبة إذا انسد المخرجان على الظاهر، لأنه منتشر فيتعين فيه الماء، ولا يكفي فيه الحجر. وأفهم قوله [بول] أنها في الغائط كالرجل. وتغسل المرأة سواء كانت ثيباً أو بكراً كل ما ظهر من فرجها حال جلوسها، وأما قول (عب): وتغسل المرأة ما ظهر من فرجها والبكر ما دون العذرة ففيه نظر، إذ التفرقة بين الثيب والبكر إنما هو في الحيض خاصة كما ذكره صاحب الطراز، واختار في البول تساويهما لأن مخرج البول قبل البكارة والثيوبة بخلاف الحيض، انظر (ح)، ولا تدخل المرأة يدها بين شفريها كفعل اللواتي لا دين لهن، وكذا يحرم إدخال أصبع بدبر لرجل أو امرأة إلا أن يتعين لزوال الخبث كما في المج، ولا يقال الحقنة مكروهة لأننا نقول فرق بينهما؛ فإن الحقنة شأنها تفعل للتداوي. انتهى من حاشية الأصل. قوله:[انتشر عن المخرج]: أي فيتعين الماء في هذا الحدث كله لا في المنتشر فقط، فيغسل الكل ولا يقتصر على ما جاوز المعتاد، لأنهم قد يغتفرون الشيء منفرداً دونه مجتمعاً مع غيره. وقالت الحنفية: يغسل المنتشر الزائد على ما جرت العادة بتلويثه، ويعفى عن المعتاد انتهى من حاشية الأصل.
قوله: [مع غسل كل ذكره] إلخ: اعلم أن غسل الذكر من المذي وقع فيه خلاف. قيل: إنه معلل بقطع المادة وإزالة النجاسة، وقيل: إنه تعبدي. والمعتمد الثاني، وعلى القولين يتفرع خلاف: هل الواجب غسل بعضه أو كله؟ والمعتمد الثاني. ويتفرع أيضاً: هل تجب النية في غسله أو لا؟ فعلى القول بالتعبد، تجب، وعلى القول بأنه معلل، لا تجب. والمعتمد وجوبها. ثم على القول بوجوب النية إذا غسله كله بلا نية وصلى، هل تبطل صلاته لترك الواجب وهو النية أو لا؟ قولان. والمعتمد الصحة كما سيأتي في الشارح. لأن النية واجبة غير شرط. ومراعاة للقول بعدم وجوبها، وأن الغسل معلل وعلى القول بوجوب غسله كله لو غسل بعضه بنية أو بدونها وصلى، هل تبطل صلاته أو لا تبطل؟ قولان على حد سواء، والقول بعدم البطلان مراعاة لمن قال إنما يجب غسل بعضه. وعلى القول بصحة الصلاة فهل تعاد في الوقت أو لا يطلب بإعادتها؟ قولان. هذا محصل ما في المسألة انتهى من حاشية الأصل.
قوله: [رفع حدثه]: أي الذكر.
قوله: [وإلا عفي عنه]: أي بالنسبة لإزالة النجاسة، وأما نقض الوضوء فينتقض الوضوء ما لم يلازم نصف الزمان فأكثر.
قوله: [من كلام بعض الشراح] إلخ: أراد الخرشي (وعب) فإن الخرشي قال: ثم إن كلام المؤلف في المذي الخارج بلذة معتادة، أما ما خرج بغيرها فينبغي أن يجري على حكم المني الخارج بلا لذة معتادة، فإن لم يوجب الوضوء كفى فيه الحجر، وإن أوجبه تعين الماء فيه انتهى. ويؤخذ من الأصيلي و (عب) نحو هذه العبارة، وقد علمت فسادها من كلام الشارح، وما تقدم لك في مذي الرجل. وأما المرأة فتغسل من مذيها محل الأذى فقط، ولا تحتاج لنية كما قال الأجهوري لأنه ليس فيه شائبة تعبد، خلافاً لما استظهره ابن حبيب من احتياجها لنية.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
كذا في ط الحلبي وط المعارف ولعل الصواب: (أو لا) كما يقتضيه السياق.
(وجاز الاستجمار بيابس طاهر منق غير مؤذ ولا محترم لطعمه أو شرفه، أو حق الغير. وإلا فلا، وأجزأ إن أنقى كاليد ودون الثلاث): يجوز الاستجمار: وهو إزالة النجاسة عن أحد المخرجين بكل يابس من حجر - وهو الأصل - أو غيره من خشب أو مدر: وهو ما حرق من الطين - أو خرق أو قطن أو صوف أو نحو ذلك. فلا يجوز بمبتل كطين. ويشترط في الجواز أيضاً أن يكون طاهراً احترازاً من النجس؛ كأرواث الخيل والحمير وعظم الميتة والعذرة. وأن يكون منقياً للنجاسة؛ احترازاً من الأملس كالقصب الفارسي والزجاج. وأن يكون غير مؤذ؛ احترازاً مما يؤذي كالحجر المحدد والسكين. وأن لا يكون محترماً؛ إما لكونه مطعوماً لآدمي كخبز أو غيره ولو من الأدوية كحزنبل ومغاث وزنجبيل. أو لكونه ذا شرف؛ كالمكتوب لحرمة الحروف ولو بخط غير عربي. أو بما دل على باطل؛ كالسحر. أو لكون شرفه ذاتياً؛ كالذهب والفضة والجواهر. وإما لكون حرمته لحق الغير؛ ككون الشيء الذي يستجمر به مملوكاً للغير، ومنه جدار الغير ولو وقفاً. وكره بعظم وروث طاهرين وبجدار مملوك له. فإن وجدت هذه الشروط الخمسة جاز الاستجمار، فإن انتفى شرط منها لم يجز، ولكنه يجزي إن أنقى المحل؛ كالمحترم والنجس اليابس الذي لا يتحلل منه شيء. كما يجزي الإنقاء باليد بدون الثلاث من الأحجار ونحوها. وظاهره أن محل الإجزاء في غير المني وبول المرأة والدم والمنتشر كثيراً أخذاً مما تقدم فهو في الحقيقة مستثنى مما هنا.
ولما أنهى الكلام
ــ
تنبيه: يكره الاستنجاء من الريح وقد نص عليه خليل ولم ينص عليه مصنفنا لوضوحه لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من استنجى من ريح» أي ليس على سنتنا. وهو طاهر لا ينجس ثوباً ولا بدناً.
قوله: [وجاز الاستجمار]: أي يجوز إن اجتمعت فيه هذه الأوصاف الخمسة. والمراد باليابس: الجاف، سواء كان فيه صلابة كالحجر أو لا كالقطن.
قوله: (الاستجمار) وهو إلخ: هو خاص باستعمال الجمرات من الحجر ونحوه. والاستنجاء أعم من أن يكون بالماء وغيره. فكما أن الاستجمار مأخوذ من الجمرات بمعنى الأحجار ونحوها، كذلك الاستنجاء مأخوذ من النجوة وهو المكان المرتفع، كما سموا الفضلة غائطاً باسم المكان المنخفض؛ كانوا إذا أرادوا التبرز عمدوا للمنخفض، فإذا قضوا إربهم انتقلوا للمرتفع وأزالوا فيه الأثر. اهـ والمعنى من حاشية شيخنا على مجموعه.
قوله: [فلا يجوز بمبتل]: هذا شروع في محترز الأوصاف الخمسة المشترطة في جواز ما يستجمر به على سبيل اللف والنشر المرتب، أي فيحرم الاستجمار بالمبتل لنشره النجاسة، فإن وقع واستجمر به فلا يجزيه. ولا بد من غسل المحل بعد ذلك بالماء، فإن صلى قبل غسله جرى على حكم من صلى بالنجاسة. وما قيل في المبتل يقال في النجس إن كان يتحلل منه شيء.
قوله: [في الجواز]: أي في متعلقه لأن الشروط في الشيء الذي يتعلق به الجواز
قوله: [كالقصب الفارسي] إلخ: حيث كان كل سالماً من الكسر وإلا كان من المؤذي.
قوله: [لحرمة الحروف]: أي لشرفها. قال الشيخ إبراهيم اللقاني: محل كون الحروف لها حرمة إذا كانت مكتوبة بالعربي، وإلا فلا حرمة لها إلا إذا كان المكتوب بها من أسماء الله وقال الأجهوري: الحروف لها حرمة سواء كتبت بالعربي أو بغيره وهو ما يفيده (ح) وفتوى (ح). قال شيخنا وهو المعتمد اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [ولو وقفاً]: أي سواء كان ذلك الوقف مسجداً أو غيره، وكان الواقف له هو أو غيره، كان الاستجمار بجدار الوقف من داخل أو خارج. وأما ملك الغير فمحل الحرمة إذا استجمر بغير إذن مالكه، فإن استجمر بإذنه كره فقط.
قوله: [طاهرين]: أي لأن العظم طعام الجن فإنه يكسى لحماً. والروث طعام دوابهم يرجع علفاً كما كان عليه، وهل الذي يصير كذلك كل روث أو خصوص روث المباح؟ ينظر في ذلك، وإذا كان العظم طعام الجن والروث طعام دوابهم صار النهي عنهما لحق الغير. إن قلت إذا كان الروث علف دوابهم منهياً عنه يكون علف دواب الإنس من الحشيش ونحوه من كل ما ليس مطعوماً للآدمي كذلك، والجواب أن النهي في الروث ورد بدليل خاص وبقي ما عداه على الأصل اهـ. من حاشية شيخنا على مجموعه.
قوله: [مملوك له]: أي واستجمر به من داخل، وأما من خارج فقولان: بالكراهة والحرمة. وإنما قيل بالحرمة لأنه قد ينزل مطر عليه مثلاً ويلتصق هو أو غيره عليه فتصيبه النجاسة.
قوله: [لم يجز]: أي إذا أراد الاقتصار على تلك الأشياء، وأما إن قصد أن يتبعها الماء فإنه يجوز. إلا المحترم والمحدد والنجس. فالحرمة مطلقاً. لا يقال الجزم بحرمة النجس مطلقاً مشكل مع ما مر من كراهة التلطخ بالنجاسة على الراجح؛ لأنا نقول الاستجمار بالنجاسة فيه قصد لاستعمال النجس، وهذا ممنوع والتلطيخ المكروه ليس فيه قصد الاستعمال. اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [وبدون الثلاث] إلخ: خلافاً لأبي الفرج فإنه أوجب الثلاثة، فإن أنقى من الثلاثة فلا بد منها.
قوله: [والدم]: أي دم الحيض والنفاس والاستحاضة.
قوله: [ولما أنهى الكلام] إلخ: أي لما انقضى الكلام على وسائل الطهارة الثلاث التي هي بيان الماء الذي تحصل به الطهارة، وبيان الأشياء الطاهرة
على طهارة الخبث وما يتعلق بها شرع في الكلام على طهارة الحدث؛ صغرى وكبرى، وما يتعلق بها. وبدأ بالصغرى فقال:
فصل [1]: (فرائض الوضوء: غسل الوجه من منابت شعر الرأس المعتاد إلى منتهى الذقن أو اللحية وما بين وتدي الأذنين): فرائض الوضوء سبعة: أولها: غسل جميع الوجه، وحده طولاً من منابت شعر الرأس المعتاد إلى منتهى الذقن فيمن لا لحية له أو منتهى اللحية فيمن له لحية. والذقن - بفتح الذال المعجمة والقاف مجمع اللحيين - بفتح اللام - تثنية لحي: وهو فك الحنك الأسفل. واللحية - بفتح اللام - هي الشعر النابت على ذلك. وخرج بقوله: المعتاد: الأصلع - بالصاد المهملة - وهو من انحسر شعر رأسه إلى جهة اليافوخ، فلا يجب عليه أن ينتهي في غسله إلى منابت شعره. وخرج الأغم: وهو من نزل شعر رأسه إلى جهة حاجبه؛ فيجب عليه أن يدخل في غسله ما نزل عن المعتاد. ولا بد من إدخال جزء يسير من الرأس؛ لأنه مما لا يتم الواجب إلا به، وحده عرضاً من وتد الأذن إلى الوتد الآخر؛ فلا يدخل الوتدان في الوجه ولا البياض الذي فوقهما ولا شعر الصدغين، ويدخل فيه البياض الذي تحتهما؛ لأنه من الوجه.
(فيغسل الوترة وأسارير جبهته
ــ
والنجسة، وبيان حكم إزالة النجاسة، وكيفية إزالتها من الثوب والبدن والمكان، وما يعفى منها وما لا يعفى أتبع ذلك بالكلام على مقاصد الطهارة وهي: الوضوء ونواقضه، والغسل ونواقضه، وما هو بدل عنهما وهو التيمم، أو عن بعض الأعضاء وهو مسح الخف والجبيرة، فلذلك قال الشارح شرع الكلام إلخ.
قوله: [طهارة]: أراد بها التطهير؛ لأن الطهارة كما تطلق على الصفة الحكمية تطلق على التطهير؛ لأنه الذي يتعلق به الوجوب.
فصل
قوله: (فرائض) إلخ: جمع فريضة: وهو الأمر الذي يثاب على فعله ويترتب العقاب على تركه، ويقال فيه أيضاً: فرض، ويجمع الفرض على فروض. فإن قيل: فرائض جمع كثرة، وهو من العشرة ففوق مع أنها سبعة؟ يقال: استعمال جمع الكثرة في القلة أو بناء على أن مبدأ جمع الكثرة من ثلاثة بناء على أنهما متحدان في المبدأ، وقول (تت): فرائض جمع فرض فيه نظر؛ لأن فعلاً لا يجمع على فعائل بل هو جمع فريضة بمعنى مفروضة. ومراده بالفرض هنا ما تتوقف صحة العبادة عليه. فيشمل وضوء الصبي، والوضوء قبل الوقت. والوضوء بضم الواو: الفعل، وبفتحها: الماء على المعروف في اللغة، وحكي الضم والفتح فيهما. وهل هو اسم للماء المطلق؟ أو له بعد كونه معداً للوضوء، أو بعد كونه مستعملاً في العبادات؟ مشتق من الوضاءة بالمد - وهي النظافة بالظاء المعجمة - والحسن. وشرعاً: طهارة مائية تتعلق بأعضاء مخصوصة على وجه مخصوص وهي الأعضاء الأربعة. وإنما خصت بذلك؛ لأنها محل اكتساب الخطايا، ولأن آدم مشى إلى الشجرة برجليه وتناول منها بيده، وأكل بفمه، ومسح رأسه بورقها. واختص الرأس بالمسح لستره غالباً فاكتفي بأدنى طهارة. واعلم أن الناس اختلفوا في عدد فرائض الوضوء. ومحصل ذلك أن منها فرضاً بإجماع. وهو الأعضاء الأربعة، وعلى مشهور المذهب وهي النية والدلك والفور اهـ. من الخرشي والحاشية.
وفرائض مبتدأ خبره محذوف يؤخذ من حل الشارح تقديره سبعة، وقوله: غسل الوجه خبر لمبتدإ محذوف قدره الشارح، ويصح جعله خبراً عن فرائض.
وقوله: [من منابت]: متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف قدره الشارح بقوله: (وحده طولاً) إلخ.
وقوله: [وما بين وتدي الأذنين]: خبر لمبتدأ محذوف قدره الشارح بقوله: (وحده عرضاً) إلخ.
قوله: [غسل جميع الوجه]: أي ولو تعدد لشخص واحد.
قوله: [بفتح اللام]: وحكي كسرها في المفرد والمثنى.
قوله: [فك الحنك الأسفل]: وهو قطعتان ومحل اجتماعهما هو الذقن، وسمي فكاً؛ لأن كل واحد من الأعلى والأسفل مفكوك عن صاحبه.
قوله: [واللحية بفتح اللام]: ويجوز كسرها وجمعها: لحى بالكسر.
قوله: [الأصلع] إلخ: الحاصل أن خلو مقدم الرأس من الشعر، يقال له صلع ولصاحبه أصلع. والأنزع: هو الذي له نزعتان -بفتحتين- أي بياضان يكتنفان ناصيته؛ فكما لا تدخل ناصية الأصلع في الوجه لا يدخل البياضان للأنزع.
قوله: [ولا بد] إلخ: أي كما لا بد من إدخال جزء من الوجه في مسح الرأس، وليس لنا فرض يغسل ويمسح إلا الحد الذي بين الوجه والرأس.
قوله: [لأنه مما لا يتم] إلخ: أي فهو واجب، وهل بوجوب مستقل؟ أو بوجوب الواجب الذي يتم به؟ قولان.
قوله: [وحده عرضاً] إلخ: الحاصل أن بعض الصدغ من الوجه وهو العظم الناتئ، فما دونه، وبعضه من الرأس وهو ما فوقه الشعر، فما بين شعر الصدغين من الوجه قطعاً؛ وشعر الصدغين من الرأس قطعا، ً وما فوق الوتدين من البياض كذلك، وما تحت الوتدين من الوجه، فيغسل. ودخل في الوجه الجبينان وهما المحيطان بالجبهة يميناً وشمالاً اهـ. من الحاشية.
قوله: [جبهته]: المراد بها هنا ما ارتفع عن الحاجبين إلى مبدإ الرأس، فيشمل الجبينين، كما تقدم، بخلاف الجبهة في السجود فهي مستدير ما بين الحاجبين إلى
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
زاد بعدها في ط المعارف: (في فرائض الوضوء وسننه وفضائله ومكروهاته ومندوباته وشروط صحته ووجوبه).
وظاهر شفتيه، وما غار من جفن أو غيره، بتخليل شعر تظهر البشرة تحته): هذا مفرع على ما قبله؛ أي إذا علمت وجوب غسل جميع الوجه، فيجب غسل وترة الأنف - بفتح التاء الفوقية والواو - وهي الحاجز بين طاقتي الأنف، وغسل أسارير الجبهة - وهي التكاميش - جمع أسرة كأزقة [1]، واحده سرار كزمام، أو جمع أسرار كأعناب واحده سرر كعنب. فأسارير جمع الجمع على كل حال. وغسل ظاهر الشفتين. وغسل ما غار من جفن أو غيره، كأثر جرح أو ما خلق غائراً، وأما قول الشيخ:" لا جرحاً برئ أو خلق غائراً "، فمحمول على ما إذا لم يمكن غسله. ومعلوم أن كل ما لم يمكن تحصيله لم يخاطب به المكلف، فكان عليه حذف حرف النفي وعطفه على المثبت. مع وجوب تخليل شعر - بفتح الشين المعجمة والعين المهملة - إذا كانت البشرة، بفتح الباء الموحدة والشين المعجمة: الجلدة التي تظهر في مجلس المخاطبة تحت الشعر، وهو الشعر الخفيف سواء كان شعر لحية أو حاجب أو غيرهما. والمراد بالتخليل: إيصال الماء للبشرة بالدلك على ظاهره. وأما الكثيف فلا يجب عليه تخليله أي إيصال الماء للبشرة تحته، فلا ينافي أنه يجب تحريكه ليدخل الماء بين ظاهره وإن لم يصل للبشرة.
(وغسل اليدين إلى المرفقين بتخليل أصابعه لا تحريك خاتمه المأذون فيه): الفريضة الثانية: غسل اليدين إلى المرفقين، بإدخالهما في الغسل مع وجوب تخليل أصابعه ومعاهدة تكاميش الأنامل أو غيرها. ولا يجب تحريك الخاتم المأذون فيه لرجل أو امرأة ولو ضيقاً لا يدخل الماء تحته، ولا يعد حائلاً. بخلاف غير المأذون فيه كالذهب للرجل أو المتعدد، فلا بد من نزعه ما لم يكن واسعاً يدخل الماء تحته فيكفي تحريكه؛ لأنه بمنزلة الدلك بالخرقة. ولا فرق بين الحرام كالذهب، أو المكروه كالنحاس، وإن كان المحرم يجب نزعه على كل حال من حيث إنه حرام. وقوله: خاتمه الإضافة فيه للجنس، فيشمل المتعدد للمرأة.
(ومسح جميع الرأس مع شعر صدغيه وما استرخى، لا نقض ضفره. وأدخل يده تحته في رد المسح) الفريضة الثالثة: مسح جميع الرأس من منابت الشعر المعتاد من المقدم إلى نقرة القفا مع مسح شعر صدغيه مما فوق العظم الناتئ في الوجه. وأما هو فلا يمسح بل يغسل في الوجه. ويدخل في الرأس البياض الذي فوق وتدي الأذنين كما مر، ومع مسح ما استرخى من الشعر ولو طال جداً. وليس على الماسح - من ذكر أو أنثى - نقض مضفوره ولو اشتد الضفر ما لم يكن بخيوط كثيرة، وإلا نقض؛ لأنها حائل،
ــ
الناصية.
قوله: [وظاهر شفتيه]: هو ما يبدو منهما عند انطباقهما انطباقاً طبيعاً.
قوله: [مع وجوب تخليل شعر] إلخ: الحاصل أن اللحية حيث كانت خفيفة -وكل شعر في الوجه خفيف- يجب عليه إيصال الماء للبشرة، لا فرق بين ذكر وأنثى.
وإن كان الشعر كثيفاً يكره تخليله في الوضوء، سواء كان لحية أو غيرها لذكر أو أنثى.
ولا يطالب على كل حال بغسل أسفل اللحية الذي يلي العنق كانت كثيفة أو خفيفة.
قوله: [على ظاهره]: أي لا باطنه الذي يلي العنق، فلا يطالب بغسله وغسله من التعمق في الدين.
تنبيه: يجب على المتوضئ عند غسل وجهه إزالة ما بعينيه من القذي، فإن وجد بعينيه شيئاً بعد وضوئه وأمكن حدوثه لطول المدة، حمل على الطريان، حيث أمر يده على محله حين غسل وجهه.
قوله: [وغسل اليدين]: أي للسنة والإجماع وإن صدقت الآية بيد واحدة أخذاً من مقابلة الجمع بالجمع.
قوله: [بإدخالهما في الغسل]: للسنة والإجماع، وإلا فالأصل في "إلى" عدم الإدخال. كما قال الأجهوري:
وفي دخول الغاية الأصح لا
…
تدخل مع إلى وحتى دخلا
وسميا مرفقين لأن المتكئ يرتفق بهما إذا أخذ براحته رأسه متكئاً على ذراعيه.
تنبيه: يلزم الأقطع أجرة من يطهره، فإن لم يجد فعل ما أمكنه، قاله شيخنا في مجموعه ويلزم غسل بقية معصم إن قطع المعصم، وكل عضو سقط بعضه يتعلق الحكم بباقيه غسلاً ومسحاً، كما يلزمه غسل كف خلقت بمنكب ولم يكن له سواها، فإن كان له يد سواها فلا يجب غسل الكف إلا إذا نبتت في محل الفرض أو غيره وكان لها مرفق، فتغسل للمرفق؛ لأن لها حينئذ حكم اليد الأصلية، بل لو كثرت الأيادي التي بالمرافق تغسل كلها، فإن لم يكن لها مرفق فلا غسل ما لم تصل لمحل الفرض، فإن وصلت غسل ما وصل إلى محاذاة المرفق كما استظهره بعضهم.
ويقال في الرجل الزائدة ما قيل في اليد، وينزل الكعب منزلة المرفق اهـ من الأصل.
قوله: [مع وجوب تخليل أصابعه]: إشارة إلى أن الباء في "بتخليل" بمعنى مع.
قوله: [ولو ضيقاً]: لكنه إذا كان ضيقاً فنزعه تدارك ما تحته ومنه أساور المرأة. والظاهر لا يجب تعميم الخاتم نيابة عما تحته بخلاف الشوكة.
قوله: [من حيث إنه حرام]: أي لا من حيث توقف صحة الوضوء عليه، فإن الوضوء صحيح حيث كان واسعاً على كل حال.
قوله: [ومسح جميع الرأس]: أي على المشهور، ولا يلزم غسله عند كثرة العرق؛ لأن المسح مبني على التخفيف، خلافاً لمن زعم أنه يغسله عند العرق لئلا يضيف الماء، فليس كلامه بشيء، فلو وقع ونزل وغسله أجزأه مع الكراهة.
قوله: [بخيوط كثيرة]: حاصلة أنه إن كان بأكثر من خيطين نقض في الوضوء
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (كأزمة).
واغتفر الخيطان. وأما الغسل فلا بد فيه من نقض ما اشتد ضفره ولو بنفسه بحيث لا يظن سريان الماء في خلاله كالمضفور بخيوط كثيرة. وأدخل الماسح يده وجوباً تحت الشعر المستطيل في رد المسح إذ لا يحصل التعميم إلا به. ومحل قولهم: الرد سنة، أي بعد التعميم، ذكره الأجهوري. ورد: بأن جميع نصوص أهل المذهب على أن الرد بعد مسح ظاهر الشعر أولاً سنة، ولا يجب رد أصلاً.
(وغسل الرجلين بالكعبين الناتئين بمفصلي الساقين مع تعهد ما تحتهما كأخمصيه، وندب تخليل أصابعهما): الفريضة الرابعة: غسل جميع الرجلين، أي القدمين مع إدخال الكعبين في الغسل؛ وهما العظمان الناتئان أي البارزان أسفل الساق تحتهما مفصل الساق، والمفصل - بفتح الميم وكسر الصاد المهملة - واحد المفاصل. وبالعكس للسان [1]. ويجب تعهد ما تحتهما كالعرقوب والأخمص - وهو باطن القدم - بالغسل، وكذا سائر المغابن. ويندب تخليل أصابع الرجلين، يبدأ ندباً بخنصر اليمنى، ويختم بإبهامها من أسفلها بسبابته، ثم يبدأ بإبهام اليسرى ويختم بخنصرها كذلك، والدلك باليد اليسرى.
(ودلك خفيف بيد): الفريضة الخامسة: الدلك: وهو إمرار اليد على العضو ولو بعد صب الماء قبل جفافه، والمراد باليد: باطن الكف كما استظهره بعضهم فلا يكفي دلك الرجل بالأخرى، خلافاً لابن القاسم، ولا الدلك بظاهر اليد. وهذا في الوضوء، وأما في الغسل فيكفي كما سيأتي. ويندب أن يكون خفيفاً مرة واحدة.
ويكره التشديد والتكرار لما فيه من التعمق في الدين المؤدي للوسوسة.
(وموالاة إن ذكر وقدر): الفريضة السادسة: الموالاة بين أعضاء الوضوء بأن لا يتراخى بينهما. والتعبير بالموالاة أولى من التعبير بالفور، لأنه يوهم العجلة حين غسل الأعضاء،
ــ
والغسل: اشتد أم لا. وبخيط أو بخيطين إن اشتد فيهما نقض وإلا فلا. وبنفسه لا ينقض في الوضوء مطلقاً، وينقض في الغسل إن اشتد، لا فرق في تلك الصور بين الذكر والأنثى، قال شيخنا الجداوي رحمه الله:
إن في ثلاث الخيط يضفر الشعر
…
فنقضه في كل حال قد ظهر
وفي أقل إن يكن ذا شده
…
فالنقض في الطهرين صار عمده
وإن خلا عن الخيوط أبطله
…
في الغسل إن شد وإلا أهمله
تنبيه:
ينفع النساء في الوضوء تقليد الشافعي أو أبي حنيفة، وفي الغسل تقليد أبي حنيفة لأنه يكتفي في الغسل بوصول الماء للبشرة وإن لم يعم المسترخي من الشعر.
بل لو كان المسترخي جافاً عنده فلا ضرر، كما ذكره في الدر المختار.
قوله: [واغتفر الخيطان]: أي إن لم يشتد كما تقدم.
قوله: [ولا يجب رد أصلاً]: وهو المعول عليه كما ذكره الزرقاني وجمهور أهل المذهب، لأن له حكم الباطن، والمسح مبني على التخفيف. ومحل كون الرد سنة ولو في الشعر الطويل - إذا بقي بيده بلل من المسح الواجب، فإن بقي ما يكفي بعد الرد هل يسن بقدر البلل فقط -وهو الظاهر- أو يسقط؟ اهـ من الأصل. فإذا علمت ذلك فالمصنف مشى على كلام الأجهوري، وقد ظهر للشارح ضعفه.
قوله: [بالكعبين]: الباء للمصاحبة بمعنى مع، بخلافها في قوله:[بمفصلي الساقين]، فإنها للظرفية بمعنى: في.
قوله: [واحد المفاصل]: هو مجمع مفصل الساق من القدم، والعقب تحته.
قوله: [كالعرقوب]: هو مؤخر القدم، ومراده بالعرقوب ما يشمل العقب، وإنما نص عليه لقوله في الحديث الشريف:«ويل للأعقاب من النار» .
قوله: [ويندب تخليل] إلخ: أي على المشهور خلافاً لمن قال بوجوب التخليل في الرجلين كاليدين. فالحاصل أنه قيل بوجوبه فيهما وندبه فيهما. والمشهور الوجوب في اليدين والندب في الرجلين، وإنما وجب في اليدين لعدم شدة التصاقهما بخلاف الرجلين.
قوله: [من أسفلها] إلخ: مندوب ثان.
تنبيه: قال شيخنا في مجموعه: ولا يعيد مزيل كاللحية على الراجح ولو كثيفة، وحرم على الرجل ووجب على المرأة، وكذا لا يعتبر كشط جلد، وأولى قلم ظفر وحلق رأس. ولا ينبغي تركه الآن لمن عادته الحلق اهـ. قال في حاشيته: لأنه صار علامة على دعوى الولاية، والكذب فيها يخشى منه سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى.
قوله: [ودلك] إلخ: هو واجب لنفسه، ولو وصل الماء للبشرة على المشهور بناء على دخوله في مسمى الغسل، وإلا كان مجرد إفاضة أو غمس. إن قلت: حيث كان الدلك داخلاً في مسمى الغسل، ففرضية الغسل مغنية عنه فلا حاجة لذكره؟ قلت: ذكره للرد على المخالف القوي القائل: إنه واجب لإيصال الماء للبشرة، فإن وصل لها بدونه لم يجب بناء على أن إيصال الماء للبشرة من غير دلك يسمى غسلاً اهـ من حاشية الأصل نقلا عن العلامة العدوي.
قوله: [ولو بعد صب الماء] إلخ: أي كما قاله ابن أبي زيد وهو المعتمد خلافاً لأبي الحسن القابسي حيث قال: لا بد من مقارنة اليد للصب.
قوله: [والمراد باليد] إلخ: هذا مشهور المذهب وعليه الأجهوري ومن تبعه. وفي (بن) نقلاً عن المسناوي: أن الدلك في الوضوء كالغسل سواء بسواء، فيكفي الدلك بأي عضو كان، أو بخرقة أو بحك إحدى الرجلين بالأخرى، كما يؤخذ من حاشية الأصل ومن شيخنا في حاشية مجموعه.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (اللسان)، ولعلها الصواب.
وليس بمراد. ومحل وجوب الموالاة إن كان ذاكراً قادراً عليها. فإذا فرق بين الأعضاء اختياراً مع القدرة عليها بطل ما فعله من الوضوء، وأعاده بالنية. وإن فرق ناسياً كونه في وضوء، أو عاجزاً عنها، ففيه تفصيل أشار له بقوله:(وبنى الناسي مطلقاً بنية الإتمام كالعاجز إن لم يفرط، وإلا بنى ما لم يطل بجفاف عضو وزمن اعتدلا كالعامد): يعني أن من فرق بين الأعضاء ناسياً كونه في وضوء فإنه يبني على ما فعل طال الزمن أو لم يطل، ولو أكثر من نصف النهار، بنية إتمام وضوئه وهو معنى الإطلاق. وأما لو فرق عاجزاً عن إكمال الوضوء فإن لم يكن مفرطاً في أسباب العجز؛ كما لو أعد ماء كافياً لوضوئه فأهريق منه، أو غصب أو أكره على عدم الإتمام فإنه يبني كالناسي مطلقاً طال أو لم يطل - وإن كان مفرطاً - كما لو أعد من الماء ما لا يكفيه ولو ظناً ولم يكفه - فإنه: يبني على ما فعل ما لم يطل الفصل، وصار حكمه حكم العامد المختار؛ كالذي يغسل بعض الأعضاء بمكان، ثم ينتقل لتكميله بمكان آخر، أو استمر في مكانه تاركاً لتكميل وضوئه قصداً بلا رفض. فإن طال ابتدأ وضوءه وجوباً لعدم الموالاة. والطول يقدر بجفاف العضو الأخير في الزمن المعتدل؛ أي الذي لا حرارة به ولا برودة ولا شدة هواء. ويعتبر أيضاً اعتدال العضو، أي توسطه بين الحرارة والبرودة، احترازاً من عضو الشاب والشيخ الكبير السن. ولا بد من اعتبار اعتدال المكان أيضاً بأن لا يكون القطر حاراً ولا بارداً.
(وأتى بالمنسي فقط إن طال، وإلا أعاد ما بعده للترتيب): هذه المسألة من تعلقات الترك لبعض الأعضاء نسياناً. وحاصلها: أن من فعل بعض الأعضاء وترك جميع ما بعده، كما لو غسل وجهه وترك الباقي نسياناً منه، بأن ذهل عن كونه يتوضأ، فإنه يفعل ذلك الباقي بنية، طال أو لم يطل كما علم مما تقدم. وأما لو ترك عضواً أو لمعة في أثناء وضوئه نسياناً وتمم بقية الأعضاء معتقداً الكمال، ثم تذكر المتروك،
ــ
تنبيه: لا يضر إضافة الماء بسبب الدلك حيث عم الماء العضو حالة كونه طهوراً، إلا أن يتجسد الوسخ قاله شيخنا في مجموعه.
قوله: [وليس][1]: أي بل المراد عدم التراخي الذي به الجفاف.
قوله: [قادراً عليها]: قيدها المصنف والشارح بالقدرة تبعاً لخليل، وهو المشهور، وإن نازعه (ر) وغيره. وقيل: سنة وعليه إن فرق ناسياً لا شيء عليه. وكذا عامداً على ما لابن عبد الحكم. ومقابله قول ابن القاسم: يعيد الوضوء والصلاة أبداً، كترك سنة من سنتها عمداً على أحد القولين، والثاني لا تبطل اهـ من الأصل.
قوله: [وأعاده بالنية]: أي ابتدأه وجوباً إن أراد الصلاة.
قوله: [فإنه يبني] إلخ: أي إن شاء، لأنه من جملة العبادة التي لا تلزم بالشروع، فالمتوضئ مخير في إتمام الوضوء وتركه، حصل نسيان أم لا. فيجوز له رفض النية ويبتدئه. قال ابن عرفة:
صلاة وصوم ثم حج وعمرة
…
طواف عكوف وائتمام تحتما
وفي غيرها كالطهر والوقف خيرن
…
فمن شاء فليقطع ومن شاء تمما
ولابن كمال باشا من الحنفية:
من النوافل سبع تلزم الشارع
…
أخذاً لذلك مما قاله الشارع
صوم صلاة عكوف حجه الرابع
…
طوافه عمرة إحرامه السابع
فأراد الإحرام مع الجماعة والدخول معهم. وهو الائتمام في كلام ابن عرفة، ويجب فرض الكفاية بالشروع أيضاً، قال المحلي وإنما لم يتعين طلب العلم الكفائي بالشروع؛ لأن كل مسألة منه بمنزلة عبادة مستقلة.
قوله: [بنية إتمام] إلخ: أي بتجديد نية. لأن النية الأولى ذهبت بخلاف العاجز فنيته حاضرة حكماً فلا يحتاج لتجديد.
قوله: [كما لو أعد ماء كافياً]: أي تحقيقاً.
قوله: [أو أكره على عدم الإتمام]: أي أو تبين أنه لا يكفيه أو سرق منه.
قوله: [مطلقاً]: بيان لوجه الشبه لكن الناسي بتجديد النية بخلاف هذا لما علمت. فجملة الصور التي يبني فيها مطلقاً خمس غير الناسي.
قوله: [ولو ظناً]: ما قبل المبالغة: الجزم بعدم الكفاية. فمن أعد من الماء ما لا يكفيه جزماً أو ظناً يبني ما لم يطل كما قال الشارح. وأولى منهما في الحكم من ظن الكفاية أو شك فيها. ومثل هذه الصور؛ المفرق عمداً بغير نية رفض الوضوء. فتحصل أن الصور التي يبني فيها -ما لم يطل- خمس، والصور التي يبني فيها -ولو طال- ست بالناسي. وكلها تؤخذ من المتن فتؤخذ الست التي يبني فيها مطلقاً من قوله:[وبنى الناسي مطلقاً بنية إتمام الوضوء كالعاجز إن لم يفرط] وتؤخذ الخمس التي يبني فيها ما لم يطل من قوله: [وإلا بنى ما لم يطل]، وقوله:[كالعامد] وقال شيخنا في مجموعه: من علم عدم الكفاية أو ظنها فلا يبني ولو قرب للتلاعب والدخول على الفساد.
قوله: [ولا بد من اعتبار اعتدال المكان]: كما عزاه الفاكهاني لابن حبيب.
قوله: [هذه المسألة من تعلقات] إلخ: فلذلك قدمها هنا، وإن ذكرها خليل في السنن.
قوله: [كما علم مما تقدم]: أي من مسألة البناء نسياناً، فإن كان صلى أعاد الصلاة بعد إتمام الوضوء.
قوله: [وأما لو ترك عضواً] إلخ: شروع في معنى المصنف هنا.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
زاد في ط المعارف: (بمراد).
كما لو غسل وجهه وترك إحدى اليدين ناسياً وفعل بقية الأعضاء، ثم تذكر أو نبهه أحد، فلا يخلو: إما أن يطول الزمن على ما تقدم أو لا. فإن طال الزمن اقتصر على فعل المنسي ولا يعيد ما بعده من الأعضاء.
وإن لم يطل - بأن لم تجف الأعضاء - فعل المنسي وأعاد ما بعده استناناً لأجل تحصيل سنة الترتيب، فهي ملاحظة عند عدم الطول.
(ونية رفع الحدث في ابتدائه أو استباحة ما منعه أو أداء الفرض): الفريضة السابعة: النية عند ابتداء الوضوء كغسل الوجه، بأن ينوي بقلبه رفع الحدث الأصغر، أي المنع المترتب على الأعضاء أو استباحة ما منعه الحدث أو يقصد أداء فرض الوضوء. والأولى ترك التلفظ بذلك، لأن حقيقة النية القصد بالقلب لا علاقة للسان بها.
(وإن مع نية رفع الخبث، أو إخراج بعض ما يباح): يشير إلى أن النية تكفي ولو صاحبها نية رفع حكم الخبث الكائن على العضو، أو إخراج بعض ما يباح بالوضوء؛ كأن ينوي به استباحة الصلاة لا مس المصحف أو صلاة الظهر لا العصر.
وجاز له أن يفعل به ما أخرجه لأن حدثه قد ارتفع باعتبار ما قصده.
(بخلاف نية مطلق الطهارة أو إخراج ناقض، أو نية إن كنت أحدثت، فله): يعني إذا نوى مطلق الطهارة الشاملة لطهارة الحدث والخبث، أي من حيث حصولها في واحد منهما غير معين، فإنها لا تكفي لحصول التردد في الحقيقة. وأما لو نوى مطلق الطهارة لا من هذه الحيثية، فالظاهر الإجزاء كما قال سند، لأن فعله دليل على إرادة رفع الحدث. وكذا لا تجزئ نية الوضوء مع إخراج حدث ناقض، كأن يقول: نويت الوضوء من غير البول، أو: إلا من البول، أو: نويته من الغائط لا من البول، وكذا لا تجزئ إذا حصل عنده شك في وضوئه: إن كنت أحدثت فهذا الوضوء لذلك الحدث، لعدم الجزم بالنية، ولا بد من نية جازمة.
(ولا يضر عزوبها، بخلاف الرفض في الأثناء، لا بعده، كالصلاة والصوم): أي أن عزوب النية: أي ذهابها بعد أن أتى بها في أوله - بأن لم يستحضرها عند فعل غير الفرض الأول - لا يضر في الوضوء. بخلاف الرفض: أي الإبطال في أثنائه بأن يبطل ما فعله منه، كأن يقول بقلبه: أبطلت وضوئي، فإنه يبطل على الراجح ويجب عليه ابتداؤه إن أراد به صلاة ونحوها. بخلاف رفضه بعد إتمامه، فلا يضر. وجاز له أن يصلي به، إذ ليس من نواقضه إبطاله بعد الفراغ منه. ومثل الوضوء الغسل.
ــ
قوله: [كما لو غسل وجهه] إلخ: مثال لترك العضو ولم يمثل لترك اللمعة وهي كمن ترك بعض وجهه أو غيره.
قوله: [على ما تقدم]: أي من قوله: [بجفاف عضو وزمن اعتدلا].
قوله: [اقتصر على فعل المنسي]: أي أتى به وحده بنية إكمال الوضوء، ويثلثه إن كان مما يثلث.
قوله: [استناناً]: وقيل ندباً. ويعيده مرة إن فعله أولاً مرتين، أو ثلاثاً، وإلا فيما يكمل الثلاث، وهذا في ترك العضو أو اللمعة نسياناً كما ذكره المصنف، وإما عمداً أو عجز، فإن لم يطل فإنه يأتي به وجوباً وبما بعده استناناً أو ندباً كما تقدم في النسيان، وإن طال ففي الحقيقة يأتي به وحده، وفي العمد والعجز الحكمي يبتدئ الوضوء لبطلانه.
قوله: [في ابتدائه]: هو معنى قول غيره عند أول مغسول.
قوله: [أو استباحة] إلخ: بيان لكيفية النية، فكيفيتها على ثلاثة أوجه كما قال المصنف، وهي: نية رفع الحدث، أو استباحة ما منعه، أو أداء الفرض. ويريد به ما تتوقف صحة العبادة عليه ليشمل وضوء الصبي كما تقدم، و"أو" في كلامه مانعة خلو، فتجوز الجمع. بل الأولى الجمع بين الثلاثة في قصده أو لفظه إن لفظ وإن كان اللفظ خلاف الأولى كما قال الشارح.
قوله: [أي المنع] إلخ: هو أحد معنيين للحدث هنا، والثاني الصفة الحكمية.
والمراد برفع المنع: رفع تعلقه بالشخص، فيرجع لرفع الصفة الحكمية.
قوله: [ما منعه الحدث]: أي فعلاً منعه إلخ منع تحريم أو كراهة كما تقدم في تعريف الطهارة.
قوله: [القصد]: أي إلى العبادة المعينة، فأفاد الشارح حقيقتها وكيفيتها. وأما زمنها: فيؤخذ من قوله: [عند ابتداء] الوضوء. والمحل: من قوله: [بقلبه]. والمقصود منها وهو تمييز العبادات عن العادات، وبعض العبادات عن بعض: من قوله: [القصد بالقلب]. والحكم: من عدها من الفرائض. والشرط: أن لا يأتي بمناف. وسيأتي في قوله: [أو إخراج ناقض] إلخ، وقد جمع العلامة التتائي هذه الأشياء بقوله:
سبع سؤالات أتت في نية
…
تلقى لمن حاولها بلا وسن
حقيقة حكم محل وزمن
…
كيفية شرط ومقصود حسن
قوله: [وإن مع نية] إلخ: ومثله نية التبرد أو التدفي أو النظافة.
قوله: [غير معين]: أي بحيث صار صادقاً بالحدث والخبث أو بالخبث فقط أو بالحدث فقط، فالضرر في هذه الصور الثلاث كما في حاشية الأصل.
قوله: [كما قال سند]: ومثله إذا نوى الطهارة من حيث تحققها في الحدث، فالإجزاء في صورتين.
قوله: [من غير البول]: أي مع حصول البول منه، فلا ضرر لأنه الواقع.
قوله: [وإلا من البول]: أي وقد حصل منه كغيره أيضاً وإلا فلا ضرر كما علمت.
قوله: [لا من البول]: أي وقد خرج منه، فإن الوضوء باطل، حصل منه ما نواه أو لا.
قوله: [لعدم الجزم]: أي لأن النية مترددة لكونه علقها على حدث محتمل، وإن كان الشك ناقضاً - إلا أنه لم يعتبر في نيته فليس مبنياً على عدم نقض الشك وفاقاً للحطاب. وأما لو شك في الوضوء، ونوى رفع الحدث مما شك فيه فيرتفع قطعاً.
قوله: [ولا يضر عزوبها] إلخ. يقيد بما إذا لم يأت بنية مضادة كنية الفضيلة كما قال ابن عبد السلام. ويقيد بما إذا لم يعتقد
وأما الصلاة والصوم فيرتفضان في الأثناء قطعاً، وعليه القضاء والكفارة في الصوم لا بعد تمامها على أظهر القولين المرجحين. وأما الحج والعمرة فلا يرتفضان مطلقاً ويرتفض التيمم مطلقاً ما لم يصلِّ به، لضعفه.
(وسننه: غسل يديه إلى كوعيه قبل إدخالهما في الإناء، إن أمكن الإفراغ، وإلا أدخلهما فيه كالكثير والجاري، وندب تفريقهما) لما أنهى الكلام على فرائض الوضوء، شرع في الكلام على سننه وهي ثمانية:
السنة الأولى: غسل يديه أولاً إلى كوعيه قبل إدخالهما في الإناء. فإن أدخلهما فيه وغسلهما فيه لم يكن آتياً بالسنة لتوقفها على الغسل قبل إدخالهما في الإناء على ما صرحوا به، لكن بشرط أن يكون الماء قليلاً كآنية وضوء أو غسل، وأمكن الفراغ [1] منه كالصحفة، وأن يكون غير جار. فإن كان كثيراً أو جارياً أو لم يمكن الإفراغ منه كالحوض الصغير، أدخلهما فيه - إن كانتا نظيفتين أو غير نظيفتين - ولم يتغير الماء بإدخالهما فيه، وإلا تحيل على غسلهما خارجه إن أمكن، وإلا تركه وتيمم إن لم يجد غيره، لأنه كعادم الماء.
وهل التثليث والتفريق - بأن يغسل كل يد ثلاثاً على حدتها - من تمام السنة؟ أو يكفي غسلهما مرة والثانية والثالثة مستحبتان ولو مجتمعتين؟ قولان. الأرجح الاكتفاء قياساً على باقي أفعال الوضوء التي يطلب فيها التثليث. ولذا لم نذكر التثليث في المتن، ويؤخذ ندب الثانية والثالثة من قولنا الآتي: والغسلة الثانية والثالثة وبينا هنا أن التفريق مندوب.
(ومضمضة واستنشاق، وندب فعل كل بثلاث غرفات، ومبالغة مفطر، واستنثار بوضع أصبعيه من اليسرى على أنفه، ومسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما، وتجديد مائهما، ورد مسح الرأس إن بقي بلل): السنة الثانية: المضمضة: وهي إدخال الماء في الفم وخضخضته وطرحه.
والثالثة: الاستنشاق: وهو إدخال الماء في الأنف وجذبه بنفسه إلى داخل أنفه. وندب فعل كل من هاتين السنتين بثلاث غرفات؛ بأن يتمضمض بثلاث ثم يستنشق بثلاث. وهذا معنى قول الشيخ: " وفعلهما بست أفضل ": أي أفضل من أن يفعلهما بثلاث غرفات، يتمضمض، ويستنشق بكل غرفة منها، أو بغرفتين أو بغير ذلك كما قال. وجاز أو إحداهما بغرفة. وندب للمفطر أن يبالغ في المضمضة والاستنشاق وإيصال الماء إلى [2] الحلق وآخر الأنف، وكرهت المبالغة للصائم لئلا يفسد صومه. فإن بالغ ووصل الماء للحلق وجب عليه القضاء.
ــ
في الأثناء انقضاء الطهارة وكمالها، ويكون قد ترك بعضها، ثم يأتي به من غير نية فلا يجزي: انتهى من حاشية الأصل
نقلا عن (بن).
قوله: [وأما الصلاة والصوم]: أي ومثلهما الاعتكاف لاحتوائه عليهما. بقي شيء آخر؛ وهو أن رفض الوضوء جائز، كما يجوز القدوم على المس، وإخراج الريح من غير ضرورة، وفي الحج نظر، وأما الصوم والصلاة والاعتكاف فالحرمة، وبعض الشيوخ فرق بين الرفض ونقض الوضوء فمنع الأول دون الثاني لقوله تعالى:{ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33] والوضوء عمل، قاله في الحاشية ثم قال: والذي يظهر أن المراد بالأعمال المقاصد لا الوسائل، وحينئذ فرفض الوضوء كنقضه جائز، واستظهره الشبرخيتي.
تنبيه: لو تقدمت النية بكثير تضر اتفاقاً، وفي تقدمها بيسير خلاف، وأما تأخرها فيضر مطلقاً لخلو بعضه عن النية، فيكون في الحقيقة أول الوضوء ما نوى عنده.
قوله: [غسل يديه]: أي تعبداً، كما قال ابن القاسم، وقال أشهب معقول المعنى واحتج بحديث:«إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده ثلاثاً قبل أن يدخلها في إنائه، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» ، فتعليله دليل على أنه معقول، واحتج ابن القاسم للتعبد بالتحديد بالثلاث، إذ لا معنى له إلا ذلك، وحمله أشهب على المبالغة في النظافة انتهى من حاشية الأصل.
قوله: [قبل إدخالهما في الإناء] إلخ: هذا هو المعتمد. وقيل: السنة متوقفة على الغسل خارج الإناء مطلقاً سواء توضأ من نهر أو حوض أو إناء كان الماء قليلاً أو كثيراً.
قوله: [لكن بشرط] إلخ: أي فالشروط ثلاثة.
قوله: [والتفريق] إلخ: اعلم أن طلب التفريق هو رواية أشهب عن مالك، وقال ابن القاسم: يغسلهما مجموعتين.
قوله: [وطرحه]: أي لا إن شربه أو تركه سال من فمه فلا يجزي، ولا إن أدخله ومجه من غير تحريك وهذا هو المشهور.
قوله: [كما قال] إلخ: أي الشيخ خليل وضمير الاثنين في كلامه عائد على المضمضة والاستنشاق. والمراد بالجواز خلاف الأولى لأنه مقابل للندب.
وقوله: [بغرفة]: راجع لكل من الأمرين قبله، أي جازا معاً بغرفة وجاز أحدهما بغرفة. فالأول: كأن يتمضمض بغرفة واحدة ثلاثاً، ثم يستنشق من تلك الغرفة التي تمضمض منها ثلاثاً على الولاء ويتمضمض واحدة ويستنشق أخرى، وهكذا من غرفة واحدة. والثاني: كأن يتمضمض بغرفة ثلاثاً ويستنشق بأخرى ثلاثاً، وبقي صفة أخرى والظاهر جوازها وهي أن يتمضمض من غرفة مرتين، والثالثة من ثانية ثم يستنشق منها مرة ثم يستنشق اثنتين من غرفة ثالثة انتهى من حاشية الأصل.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (الإفراغ).
[2]
مكررة في ط المعارف.
ثم لا بد لهذه السنن الثلاثة من نية بأن ينوي بها سنن الوضوء، أو ينوي عند غسل يديه أداء الوضوء احترازاً عما لو فعل ما ذكر لأجل حر أو برد أو إزالة غبار، ثم أراد الوضوء، فلا بد من إعادتها لحصول السنة بالنية.
الرابعة: الاستنثار: وهو دفع الماء بنفسه مع وضع أصبعيه - السبابة والإبهام من يده اليسرى - على أنفه كما يفعل في امتخاطه.
الخامسة: مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما.
السادسة: تجديد الماء لهما.
السابعة: رد مسح الرأس بشرط أن يبقى بلل من أثر مسح رأسه، وإلا سقطت سنة الرد.
(وترتيب فرائضه؛ فإن نكس أعاد المنكس وحده إن بعد بجفاف، وإلا فمع تابعه): السنة الثامنة: ترتيب الفرائض الأربعة، بأن يقدم الوجه على اليدين، وهما على الرأس ثم الرجلين. وأما تقديم اليد أو الرجل اليمنى على اليسرى فمندوب، كما يأتي. فإن نكس، بأن قدم فرضاً على موضعه المشروع له، كأن غسل اليدين قبل الوجه أو مسح رأسه قبل اليدين أو قبل الوجه، أعاد المنكس استناناً وحده مرة ولا يعيد ما بعده، إن طال ما بين انتهاء وضوئه وتذكره طولاً مقدراً بجفاف العضو الأخير في زمان ومكان اعتدلا. فإن لم يبعد [1] فعله مرة فقط مع تابعه شرعاً فلو بدأ بذراعيه ثم بوجهه فرأسه فرجليه، فإن تذكر بالقرب أعاد الذراعين مرة ومسح الرأس وغسل رجليه مرة، سواء نكس سهواً أو عمداً. وإن تذكر بعد طول أعاد الذراعين فقط مرة إن نكس سهواً، واستأنف وضوءه ندباً إن نكس عمداً ولو جاهلاً. ولو بدأ برأسه ثم غسل يديه فوجهه أعاد اليدين والرأس مطلقاً ثم يغسل رجليه إن قرب، وإلا فلا. ولو بدأ برجليه فرأسه فيديه فوجهه أعاد ما بعد الوجه على الترتيب الشرعي مطلقاً قرب أو بعد، لأن كل فرض من الثلاثة منكس. ولا يعيد الوجه إلا إذا نكس عمداً وطال كما تقدم. ولو قدم الرجلين على الرأس أعاد الرجلين مطلقاً إلا إذا تعمد وطال، فيبتدئ وضوءه ندباً لقوله: وإلا فمع تابعه: أي إن كان له تابع.
(وفضائله: موضع طاهر، واستقبال، وتسمية، وتقليل الماء بلا حد كالغسل، وتقديم اليمنى وجعل الإناء المفتوح لجهتها، وبدء بمقدم الأعضاء، والغسلة الثانية والثالثة حتى في الرجل، وترتيب السنن في أنفسها أو مع الفرائض، واستياك وإن [2] بأصبع): هذا شروع في فضائل الوضوء أي مستحباته بعد أن فرغ من الكلام على سننه.
أولها: إيقاعه في محل طاهر بالفعل وشأنه الطهارة - فخرج الكنيف قبل استعماله فيكره الوضوء فيه.
ثانيها: استقبال القبلة.
ثالثها: التسمية بأن يقول عند غسل يديه إلى كوعيه: بسم الله،
ــ
قوله: [ثم لا بد لهذه السنن الثلاثة]: المناسب تأخير هذه العبارة عن سنة الاستنثار. ويبدل الثلاثة بالأربعة؛ لأن كلامه يوهم أن الاستنثار لا يتوقف على نية، وليس كذلك. بل حكم الأربعة واحد.
قوله: [لحصول السنة بالنية]: اللام للتعليل علة للإعادة، فـ[أل] في "السنة" للجنس، فيشمل السنن الأربعة.
قوله: [مع وضع] إلخ: فإن لم يضع أصبعيه على أنفه. ولا أنزل الماء من الأنف بالنفس -وإنما نزل بنفسه- فلا يسمى استنثاراً بناء على أن وضع الأصبعين من تمام السنة، وقيل إن ذلك مستحب.
قوله: [من يده اليسرى]: هو مستحب كخصوص السبابة والإبهام.
قوله: [ظاهرهما وباطنهما]: الظاهر ما يلي الرأس والباطن ما يلي الوجه، لأنها خلقت كالوردة ثم انفتحت وقيل بالعكس.
قوله: [السادسة] إلخ: وبقي لهما سنة أخرى وهي مسح الصماخين وهو الثقب الذي يدخل فيه رأس الأصبع من الأذن كما في المواق نقلاً عن اللخمي وابن يونس، وقد ذكره الأصل. لكن الذي يفيده التوضيح أن مسح الصماخين من جملة مسح الأذنين، لا أنه سنة مستقلة فلذا تركه هنا وعدها ثمانية.
قوله: [رد مسح الرأس]: أي إلى حيث بدأ فيرد من المؤخر إلى المقدم أو عكسه أو من أحد الفودين.
قوله: [وإلا سقطت] إلخ: أي لأنه يكره التحديد كما سيأتي في المكروهات. وقد علمت أن الرد سنة لا فرق بين الشعر الطويل والقصير خلافاً لمن فصل.
قوله: [وترتيب فرائضه]: أي وأما السنن في أنفسها أو مع الفرائض، فسيأتيان في الفضائل. وحاصل ما قاله المصنف والشارح: أن ترتيب الفرائض في أنفسها سنة. فإن خالف ونكس - بأن قدم عضواً عن محله - فلا يخلو: إما أن يكون ذلك عمداً أو جهلاً أو سهواً، وفي كل: إما أن يطول الأمر أم لا. فإن كان الأمر قريباً بحيث لم يحصل جفاف أتى بالمنكس مرة، إن كان غسله أولاً ثلاثاً أو مرتين، وإلا كمل تثليثه وأعاد ما بعده مرة مرة على ما تقدم. لا فرق بين كونه عامداً أو جاهلاً أو ناسياً وإن طال، فإن كان عامداً أو جاهلاً ابتدأ وضوءه ندباً، أو ناسياً فعله فقط مرة واحدة لا فرق بين كون الطول عمداً أو عجزاً أو سهواً؛ فصور الطول تسعة والقرب ثلاثة، تأمل. قوله:[فعله مرة فقط]: على المعتمد كما قال الشيخ سالم والطخيخي وارتضاه، خلافاً للأجهوري في قوله يعاد في حالة القرب ثلاثاً.
قوله: [وفضائله]: أي خصاله وأفعاله المستحبة.
قوله: [وتقليل] إلخ: أحسن من قول غيره: وقلة لأن الموصوف بكونه مستحباً إنما هو التقليل لا القلة إذ لا تكليف إلا بفعل، ومعناه يستحب أن يكون الماء المستعمل - وهو الذي يجعل على العضو - قليلاً، وإن كان يتوضأ من البحر.
قوله: [فخرج الكنيف] إلخ: أي بقوله: شأنه الطهارة.
قوله: [استقبال القبلة]: أي إن أمكن بغير مشقة.
قوله: [التسمية]: جعلها من فضائل الوضوء هو المشهور من المذهب، خلافاً لمن قال بعدم مشروعيتها فيه وأنها تكره
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (يعد).
[2]
في ط المعارف: (ولو).
وفي زيادة الرحمن الرحيم خلاف.
رابعها: تقليل الماء الذي يرفعه للأعضاء حال الوضوء، ولا تحديد في التقليل لاختلاف الأعضاء والناس، بل بقدر ما يجري على العضو وإن لم يتقاطر منه، كالغسل يندب فيه الموضع الطاهر وما بعده.
خامسها: تقديم اليد أو الرجل اليمنى في الغسل على اليسرى.
سادسها: جعل الإناء المفتوح - كالقصعة والطست - لجهة اليد اليمنى، لأنه أعون في التناول. بخلاف الإبريق ونحوه فيجعله في جهة اليسرى فيفرغ بها منه على اليد اليمنى، ثم يرفعه بيديه جميعاً إلى العضو.
سابعها: البدء في الغسل أو المسح بمقدم العضو، بأن يبدأ في الوجه من منابت شعر الرأس المعتاد نازلاً إلى ذقنه أو لحيته، ويبدأ في اليدين من أطراف الأصابع إلى المرفقين، وفي الرأس من منابت شعر الرأس المعتاد إلى نقرة القفا، وفي الرجل من الأصابع إلى الكعبين. فقولنا بمقدم الأعضاء أولى من قوله: بمقدم الرأس.
ثامنها: الغسلة الثانية في السنن والفرائض. فأراد بالغسلة ما يشمل المضمضة والاستنشاق، وخرج بقوله: الغسلة ما يمسح من رأس وأذن وخفين، فتكره الثانية وغيرها.
تاسعها: الغسلة الثالثة فيما ذكر، فكل منهما مندوب على حدته. وعبارتنا أفضل من قوله:" وشفع غسله وتثليثه ". والرجلان كغيرهما، وقيل المطلوب فيهما الإنقاء، وهو ضعيف. ومحل الخلاف في غير النقيتين من الأوساخ، وأما هما فكغيرهما قطعاً.
عاشرها: الاستياك بعود لين قبل المضمضة من نخل أو غيره. والأفضل أن يكون من أراك، ويكفي الأصبع عند عدمه، وقيل: يكفي ولو وجد العود.
ويستاك ندباً بيده اليمنى مبتدئاً بالجانب الأيمن عرضاً في الأسنان وطولاً في اللسان. ولا يستاك بعود الريحان المسمى في مصر بالمرسين ولا بعود الرمان لتحريكهما عند الأطباء عرق الجذام ولا بعود الحلفاء، ولا قصب الشعير لأنهما يورثان الأكلة أو البرص. ولا ينبغي أن يزيد في طوله على شبر.
ــ
قوله: [خلاف]: أي قولان رجح كل منهما؛ فابن ناجي رجح القول بعدم زيادتهما، والفاكهاني وابن المنير رجحا القول بزيادتهما.
قوله: [ما يجري] إلخ: أي وإلا -بأن لم يجر- كان مسحاً.
قوله: [اليمنى]: أي ولو أعسر بخلاف الإناء، وأما جانبا الوجه والفودان فلا ترتيب بينهما.
قوله: [لجهة اليد اليمنى]: أي حيث لم يكن أعسر وإلا انعكس الحال.
قوله: [أولى]: أي لشموله وعمومه.
قوله: [الغسلة الثالثة]: جعل كل من الغسلة الثانية والثالثة مستحباً، هو المشهور كما قال ابن عبد السلام، وقيل: كل منهما سنة، وقيل: الغسلة الثانية سنة والثالثة فضيلة، ونقل الزرقاني عن أشهب فرضية الثانية، وقيل إنهما مستحب واحد، وذكره في التوضيح.
قوله: [أفضل]: أي لكونها أصرح في المراد لا تحتمل غيره. ومحل كون الثانية والثالثة مستحباً إذا عمت الأولى، وأحكمت من فرض أو سنة.
قوله: [الإنقاء]: أي ولو زاد على الثلاث، ولا يطلب بشفع ولا تثليث بعد الإنقاء على هذا القول، والمراد بالوسخ الذي يطلب إزالته في الوضوء: الوسخ الحائل، وأما الوسخ الغير الحائل فلا يتوقف الوضوء على إزالته. كذا في (بن) نقلاً عن المسناوي.
تنبيه: ترك الشارح الكلام على فضيلتين ذكرهما المصنف، وهما: ترتيب السنن في أنفسها أو مع الفرائض. فجملة ما ذكره المصنف فقط ثنتا عشرة فضيلة فكان المناسب أن يقول بعد الكلام على غسل الرجلين: عاشرها، ترتيب السنن في أنفسها، حادية عشرها، ترتيبها مع الفوائض، ثانية عشرها، الاستياك.
قوله: الاستياك: هو استعمال السواك من عود أو غيره، فالسواك يطلق مراداً به الفعل، ويطلق ويراد به الآلة، فلما كان لفظ السواك مشتركاً عبر بالفعل لدفع إيهام الآلة، وهو مأخوذ من ساك يسوك بمعنى دلك أو تمايل، من قولهم جاءت الإبل تساوك: أي تتمايل في المشي من ضعفها. وسبب مشروعيته أن العبد إذا قام للصلاة قام معه ملك، ووضع فاه على فيه، فلا تخرج من فيه آية قرآن إلا في جوف الملك.
قوله: [بعود لين]: أي لغير الصائم، وأما هو فيكره به.
قوله: [الأفضل أن يكون] إلخ: وعند الشافعية الأفضل الأراك، ثم جريد النخل، ثم عود الزيتون، ثم ما له رائحة ذكية، ثم غيره من العيدان مما لم ينه عنه، قال في الحاشية: والظاهر أن مذهبنا موافق لهم، وقال أيضاً: وهو من خصائص هذه الأمة لأنه كان للأنبياء السابقين لا لأممهم انتهى. قال بعض العلماء: أول من استاك سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.
قوله: [ويكفي الأصبع] إلخ: أي خلافاً للشافعية، فإنه لا يكفي الأصبع عندهم مطلقاً، وإن لم يوجد غيره.
قوله: [بيده اليمنى]: أي بأن يجعل الإبهام والخنصر تحته والثلاثة فوقه.
قوله: [عرضاً في الأسنان] إلخ: أي باطناً وظاهراً وطولاً في اللسان ظاهراً. ويستحب أيضاً كونه متوسطاً بين الليونة واليبوسة. ويكره للصائم الأخضر لئلا يتحلل منه شيء.
تنبيه: ما ذكره المصنف من استحباب السواك هو المشهور، وقال ابن عرفة إنه سنة لحثه عليه الصلاة والسلام عليه بقوله:«لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» «ولمواظبته صلى الله عليه وسلم عليه حتى صح أنه فعله وهو في سكرات الموت» ، وقال عليه الصلاة والسلام:«ثلاث كتبهن الله علي وهن لكم سنة، فذكر منها السواك» وأجاب الجمهور بأن المراد بالسنة الطريقة المندوبة.
وفي السواك كلام طويل فراجعه في محله (كصلاة بعدت منه، وقراءة قرآن، وانتباه من نوم، وتغير فم): تشبيه في الندب؛ أي كما يندب الاستياك لصلاة فرض أو نافلة بعدت من الاستياك بالعرف. فمن والى بين صلوات، فلا يندب أن يستاك لكل صلاة منها ما لم يبعد ما بينها عن الاستياك. ويندب الاستياك أيضاً عند إرادة قراءة القرآن لتطييب الفم، وعند الانتباه من النوم، وعند تغير الفم بأكل أو غيره أو بكثرة كلام ولو بذكر أو قراءة أو طول سكوت، وورد:«إن السواك شفاء من كل داء إلا السام» أي الموت.
(وكره: موضع نجس، وإكثار الماء، والكلام بغير ذكر الله، والزائد على الثلاث، وبدء بمؤخر الأعضاء، وكشف العورة ومسح الرقبة، وكثرة الزيادة على محل الفرض، وترك سنة): هذا شروع في مكروهات الوضوء، وهو من زياداتي على المصنف.
أي أنه يكره فعل الوضوء في مكان نجس؛ لأنه طهارة، فيتنحى عن المكان النجس أو ما شأنه النجاسة ولئلا يتطاير عليه شيء مما يتقاطر من أعضائه ويتعلق به النجاسة.
ويكره إكثار الماء على العضو؛ لأنه من السرف والغلو في الدين الموجب للوسوسة.
ويكره الكلام حال الوضوء بغير ذكر الله تعالى. وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول حال الوضوء: «اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي، وقنعني بما رزقتني ولا تفتني بما زويت عني» .
ويكره الزائد على الثلاث في المغسول، وكذا يكره المسح الثاني في الممسوح، وقيل يمنع الزائد، وهو ضعيف.
ويكره البدء بمؤخر الأعضاء، وكشف العورة حال الوضوء
ــ
قوله: [كلام طويل]: من ذلك فضائله، وهي تنتهي إلى بضع وثلاثين فضيلة، وقد نظمها الحافظ ابن حجر فقال:
إن السواك مرضي الرحمن
…
وهكذا مبيض الأسنان
ومظهر الشعر مذكي الفطنة
…
يزيد في فصاحة وحسنه
مشدد اللثة أيضاً مذهب
…
لبخر وللعدو مرهب
كذا مصفي خلقة ويقطع
…
رطوبة وللغذاء ينفع
ومبطئ للشيب والإهرام
…
ومهضم الأكل من الطعام
وقد غدا مذكر الشهاده
…
مسهل النزع لدى الشهاده
ومرغم الشيطان والعدو
…
والعقل والجسم كذا يقوي
ومورث لسعة مع الغنى
…
ومذهب لألم حتى العنا
وللصداع وعروق الراس
…
مسكن ووجع الأضراس
يزيد في مال وينمي الولدا
…
مطهر للقلب جال للصدا
مبيض الوجه وجال للبصر
…
ومذهب لبلغم مع الحفر
ميسر موسع للرزق
…
مفرح للكاتبين الحق
قوله: [كصلاة بعدت منه] إلخ: أي سواء كان متطهراً بماء أو تراب أو غير متطهر، كمن لم يجد ماء ولا تراباً بناء على أنه يصلي.
قوله: [تشبيه في الندب] إلخ: وقال القاضي عياض: والسواك مستحب في كل الأوقات ويتأكد استحبابه في خمسة أوقات: عند الوضوء وعند الصلاة وعند قراءة القرآن، وعند انتباهه من النوم وعند تغير الفم بسكوت أو أكل أو شرب أو تركهما أو بكثرة كلام ولو بالقرآن.
قوله: [وهو من زياداتي] إلخ: أي لأن للمصنف زيادات زادها على أصله منها المكروهات والشروط هنا، وسيأتي له جملة مواضع يزيدها على أصله.
قوله: [أي أنه يكره] إلخ: لما كان لا يلزم من ترك الفضيلة حصول المكروه صرح بالمكروهات.
قوله: [لأنه طهارة]: أي لأنه طهارة تعبدنا بها الشارع فينبغي أن تكون في المواضع الطاهرة.
قوله: [ولئلا يتطاير] إلخ: هذا التعليل لا يظهر إلا في المكان النجس بالفعل لا فيما شأنه النجاسة، فالتعليل الأول أتم.
قوله: [والغلو]: أي التشديد، وفي الحديث:«ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه» .
قوله: [ويكره الكلام إلخ]: أي لأن السكوت لغير ذكر الله حال الوضوء مندوب، فيكره ضده.
قوله: [اللهم اغفر لي ذنبي]: يجري في تفسيره ما جرى في قوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك} .
قوله: [ووسع لي في داري]: أي الدنيوية والأخروية، فقد ورد:"سعادة المرء في الدنيا ثلاث: الدار الوسيعة، والدابة السريعة، والزوجة المطيعة" انتهى. وسعة دار الآخرة هي الأهم.
قوله: [وبارك لي في رزقي]: أي زدني فيه في الدنيا والآخرة.
قوله: [وقنعني]: أي اجعلني قانعاً أي مكتفياً وراضياً بما رزقتني في الدنيا، فلا أمد عيني لما في أيدي الناس، وهذا هو الغنى النفسي وفي الحديث:«خير الغنى غنى النفس» .
قوله: [ولا تفتني بما زويت عني]: أي ولا تجعلني مفتوناً أي مشغولاً بما زويته أي أبعدته عني، بأن سبق في علمك أنك لا تقدره لي، فإن الشغل به حسرة وندامة، وهذا الحديث تعليم لأمته، وإلا فهو يستحيل عليه تخلف تلك الدعوات.
قوله: [على الثلاث]: أي الموعبة، لأنها من السرف. وهو نقل ابن رشد عن أهل المذهب، وهو الراجح.
قوله: [وكذا يكره المسح] إلخ: أي يكره تكرار المسح في العضو الممسوح، كان المسح أصلياً أو بدلياً، اختيارياً أو اضطرارياً، لكون المسح مبنياً على التخفيف.
إذا كان بخلوة أو مع زوجته أو أمته وإلا حرم كما هو ظاهر.
ويكره مسح الرقبة في الوضوء؛ لأنه من الغلو في الدين، فهو بدعة مكروهة خلافاً لمن قال بندبه.
وكذا تكره كثرة الزيادة على محل الفرض لما ذكرنا. وقال الشافعي بندبها وفسر إطالة الغرة في الحديث بذلك، وفسرها الإمام مالك بإدامة الوضوء.
وكره للمتوضئ ترك سنة من سنن الوضوء عمداً ولا تبطل الصلاة بتركها، فإن تركها عمداً أو سهواً سن له فعلها لما يستقبل من الصلاة إن أراد أن يصلي بذلك الوضوء.
(وندب لزيارة صالح وسلطان، وقراءة قرآن، وحديث، وعلم، وذكر، ونوم ودخول سوق، وإدامته وتجديده إن صلى به أو طاف): يعني أنه يندب لمن أراد زيارة صالح، كعالم وزاهد وعابد - حي أو ميت - أن يتوضأ، وأولى لزيارة نبي لأن حضرتهم حضرة الله تعالى، والوضوء نور فيقوي به نوره الباطني في حضرتهم. وكذا يندب الوضوء لزيارة سلطان أو الدخول عليه لأمر من الأمور لأن حضرة السلطان حضرة قهر أو رضا من الله، والوضوء سلاح المؤمن وحصن من سطوته. وكذا يندب الوضوء لقراءة القرآن وقراءة الحديث وقراءة العلم الشرعي ولذكر الله تعالى مطلقاً.
وعند النوم وعند دخول السوق، لأنه محل لهو واشتغال بأمور الدنيا ومحل الأيمان الكاذبة، فللشيطان فيه قوة تسلط على الإنسان، والوضوء سلاح المؤمن ودرعه الحصين من كيده وكيد الإنس والجن.
ويندب أيضاً إدامة الوضوء؛ لأنه نور كما ورد.
ويندب أيضاً لمن كان على وضوء صلى به فرضاً ونفلاً، أو طاف به وأراد صلاة أو طوافاً أن يجدد وضوءه لذلك، لا إن مس به مصحفاً فلا يندب له تجديده.
(وشرط صحته: إسلام، وعدم حائل ومناف) هذا شروع في شروط الوضوء. وهي من زيادتنا على الشيخ كالذي قبله ما عدا الأخير. وشروطه ثلاثة أنواع: شروط صحة فقط، وشروط وجوب فقط، وشروط وجوب وصحة معاً.
ومراده بالشرط: ما يتوقف عليه الشيء من صحة أو وجوب أو هما،
ــ
قوله: [إذا كان بخلوة]: أي ولو في ظلام.
قوله: [خلافاً لمن قال بندبه]: أي وهو أبو حنيفة؛ لعدم ورود ذلك في وضوئه عليه الصلاة والسلام، وإن ورد فيه أنه أمان من الغل.
قوله: [كثرة الزيادة] إلخ: أي وأما أصل الزيادة فلا بد منها لأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
قوله: [لما ذكرنا]: أي وهو الغلو.
قوله: [في الحديث]: أي الوارد في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال: «من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل» .
قوله: [ترك سنة]: أي: أي سنة كانت من السنن الثمانية، فهي أولى في الكراهة من ترك الفضيلة.
قوله: [فإن تركها] إلخ: أي تحقيقاً أو ظناً أو شكاً لغير مستنكح غير الترتيب، ولم ينب عنها غيرها، ولم يوقع فعلها في مكروه -وهي: المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين- فإنه يفعلها - كما قال الشارح - إن أراد الصلاة بهذا الوضوء دون ما بعده ولو قريباً، ولا يعيد ما صلى في وقت ولا غيره اتفاقاً في السهو، وعلى المعروف في العمد، لضعف أمر الوضوء لكونه وسيلة عن أمر الصلاة لكونها مقصداً. وأما الترتيب فقد تقدم حكمه. وأما ما ناب عنه غيره، كغسل اليدين إلى الكوعين، أو أوقع فعله في مكروه، كرد مسح الرأس وتجديد الماء للأذنين والاستنثار - إذ لا بد من سبق استنشاق - فلا يفعل شيء منها على ما لابن بشير خلافاً لطريقة ابن الحاجب القائل بالإتيان بالسنة مطلقاً. وظاهر الشارح موافقة ابن الحاجب، لكن الذي ارتضاه الأشياخ كلام ابن بشير ومشى عليه في الأصل.
قوله: [وندب] إلخ: شروع في الوضوء المندوب وضابطه: كل وضوء ليس شرطاً في صحة ما يفعل به، بل من كمالات ما يفعل به، ولذلك لا يرتفع به الحدث إلا إذا نوى رفعه أو نوى فعل عبادة تتوقف على رفع الحدث كمس المصحف مثلاً.
قوله: [فيقوى به نوره] إلخ: أي فتتصل روحه بأرواحهم ويستمد منهم.
قوله: [لزيارة سلطان]: مراده كل ذي بطش.
قوله: [حضرة قهر] إلخ: أي فهو مظهر من مظاهر الحق، رحمة ونقمة يرحم الله به وينتقم الله به، والوضوء حصن من النقمة فاتح للرحمة.
قوله: [وكذا يندب] إلخ: أي لأن حضرة ما ذكر حضرة الله، فيتعرض فيها العبد للنفحات الربانية، فيتهيأ لتلك النفحات بالوضوء وإخلاص الباطن.
قوله: [وعند النوم]: أي لما ورد: «من نام على طهارة سجدت روحه تحت العرش، وإن الشيطان لا يتلاعب به» .
قوله: [فللشيطان فيه قوة تسلط]: أي لما ورد: «إن أول من يدخل الأسواق الشياطين: براياتها وإنها شر البقاع» .
قوله: [كما ورد]: من ذلك ما فسر به مالك إطالة الغرة في حديث أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم: «إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل» . قوله: [لا إن مس به مصحفاً]: إن قلت ما الفرق بينه وبين ما قبله مع أن كلاً فعل به عبادة تتوقف على طهور. والجواب أن غير مس المصحف أقوى من تعلقه بالطهارة؛ لتوقف صحته عليها، فلذلك طلب التجديد بعد تأديتها دون مس المصحف
قوله: [ما عدا الأخير]: أي الذي هو تجديد الوضوء قوله: [وشروطه] إلخ: جمع شرط: ومعناه لغة العلامة واصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. قوله: [شروط صحة] إلخ: شرط الصحة ما تبرأ به الذمة ويجب على المكلف تحصيله.
قوله: [شروط وجوب]: شرط الوجوب ما تعمر به الذمة، ولا يجب على المكلف تحصيله.
قوله: [ومراده بالشرط] إلخ: جواب عن سؤال ورد عليه،
فيشمل السبب كدخول الوقت.
فشروط صحته ثلاثة: الإسلام؛ فلا يصح من كافر. ولا يختص بالوضوء بل هو شرط في جميع العبادات من طهارة وصلاة وزكاة وصوم وحج.
الثاني: عدم الحائل من وصول الماء للبشرة، كشمع ودهن متجسم على العضو، ومنه عماص العين والمداد بيد الكاتب ونحو ذلك.
الثالث: عدم المنافي للوضوء، فلا يصح حال خروج الحدث أو مس الذكر ونحوه.
(وشرط وجوبه: دخول وقت، وبلوغ، وقدرة عليه، وحصول ناقض) أي شروط وجوبه فقط أربعة: دخول وقت الصلاة.
والبلوغ، فلا يجب على صبي.
والقدرة على الوضوء فلا يجب على عاجز كالمريض ولا على فاقد الماء. فالمراد بالقادر هو الواجد الماء الذي لا يضره استعماله.
والرابع: حصول ناقض، فلا يجب على محصله، وهو ظاهر.
(وشرطهما: عقل، ونقاء من حيض ونفاس، ووجود ما يكفي من المطلق، وعدم نوم وغفلة): أي أن شروط الوجوب والصحة معاً للوضوء أربعة:
الأول: العقل، فلا يجب ولا يصح من مجنون حال جنونه، ولا من مصروع حال صرعه.
الثاني: النقاء من دم الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة فلا يجب ولا يصح من حائض ونفساء.
الثالث: وجود ما يكفي من الماء المطلق، فلا يجب ولا يصح من واجد ماء قليل لا يكفيه. فلو غسل بعض الأعضاء بما وجده من الماء فباطل. وما أدخلنا -
في شرط القدرة من أنه شرط وجوب فقط هو العادم للماء من أصله، فإنه يصدق عليه أنه ليس بقادر على الوضوء، تأمل.
الرابع: عدم النوم والغفلة فلا يجب على نائم وغافل، ولا يصح منهما لعدم النية إذ لا نية لنائم أو غافل حال النوم أو الغفلة.
(كالغسل وكالتيمم، بإبدال المطلق بالصعيد، إلا أن الوقت فيه شرط فيهما): أي أن الغسل يجري فيه جميع الشروط المتقدمة بأنواعها الثلاثة سواء بسواء. وكذا التيمم لكن يبدل فيه الماء المطلق بالصعيد الطاهر، فلا يجب التيمم على فاقد الماء إلا إذا وجد صعيداً طاهراً يتيمم عليه، فوجود الصعيد شرط فيهما. وأعاد الكاف في التيمم ليعود الكلام بعده له. ولما كان التشبيه يوهم أن دخول الوقت شرط وجوب فقط في التيمم استدرك عليه بقوله:(إلا أن الوقت فيه) - أي التيمم - (شرط فيهما): أي الوجوب والصحة معاً.
ــ
وهو أن حقيقة شرط الوجوب تناقض حقيقة شرط الصحة، فكيف يجتمعان؟ إذ شرط الوجوب ما تعمر به الذمة، ولا يجب على المكلف تحصيله، وشرط الصحة ما تبرأ به الذمة ويجب على المكلف تحصيله. فأجاب بقوله:[ومراده] إلخ أي أنهما إذا اجتمعا يعرفان بما ذكر، وإذا انفردا يعرفان بما سبق انتهى تقرير الشارح.
قوله: (فيشمل السبب): هو في اللغة الحبل، قال تعالى:{فليمدد بسبب إلى السماء} [الحج: 15] أي حبل إلى سقف بيته، ويطلق أيضاً على الموصل لغيره، وفي الاصطلاح: ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته.
قوله: [الإسلام]: أي بناء على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وهو المعتمد، خلافاً لمن جعله شرط وجوب بناء على أنهم غير مخاطبين. ولكن إذا تأملت تجده على القول الضعيف شرط وجوب وصحة معاً كما ذكره محشي الأصل في فصل شرط الصلاة.
قوله: [ولا يختص بالوضوء]: اعتراض من الشارح على عدهم له من الشروط، كأنه يقول: لا يعد من شروط الشيء إلا ما كان خاصاً بذلك الشيء.
قوله: [متجسم]: يحترز عن نحو السمن والزيت الذي يقطع الماء على العضو، فلا يضر إذا عم الماء وتقطع بعد ذلك.
قوله: [ونحو ذلك]: أي كالأوساخ المتجسدة على الأبدان، ومن ذلك القشف الميت.
قوله: [ونحوه]: أي كمس الأجنبية بلذة معتادة.
قوله: [دخول وقت الصلاة]: إنما عده من الشروط لما تقدم له أن مراده بالشرط ما يشمل السبب.
قوله: [والبلوغ]: ستأتي علامته إن شاء الله تعالى في الحنجرة، ومعناه قوة تحدث للصبي ينتقل بها من حالة الطفولية إلى حالة الرجولية.
قوله: [على صبي]: مراده به ما يشمل الذكر والأنثى.
قوله: [كالمريض]: أدخلت الكاف المكره والمصلوب والأقطع إذا لم يجد من يوضئه ولم يمكنه التحيل.
قوله: [ولا على فاقد الماء]: أي حقيقة أو حكماً كمن عنده ماء يحتاج له لنحو شرب.
قوله: [حصول ناقض]: أي ثبوته شرعاً ولو بالشك في الحدث، أو الشك في السبب لغير مستنكح.
قوله: [فلا يجب على محصله]: أي الوضوء، وأما التجديد فشيء آخر.
قوله: [أربعة]: وزاد بعضهم خامساً وهو بلوغ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فتكون على هذه خمسة، وإنما تركه المصنف لندور تخلفه. قوله:[من مجنون]: ومثله المغمى عليه والمعتوه الذي لا يدري أين يتوجه.
قوله: [العادم للماء من أصله]: أي حساً أو شرعاً كمن عنده ماء مسبل للشرب، أو محتاج له لنحو شرب، كما تقدم التنبيه عليه.
قوله: [تأمل]: أمر بالتأمل لصعوبة الفرق.
قوله: [لعدم النية]: أي بالنسبة للغافل، وأما النائم فمعدوم النية والعقل.
قوله: [كالغسل] إلخ: حاصله أن الشروط الأحد عشر بل الاثنا عشر بما زدناه تجري في الغسل والتيمم أيضاً، فيقال: شروط صحة الغسل ثلاثة: الإسلام، وعدم الحائل على أي عضو من جميع الجسد، وعدم المنافي وهو الجماع وما في معناه. وشروط وجوبه فقط أربعة: البلوغ، ودخول الوقت، والقدرة على الاستعمال، وثبوت الموجب، وستأتي موجباته. وشروط وجوبه وصحته معاً خمسة: العقل، وانقطاع دم الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، ووجود ما يكفي جميع البدن من الماء المطلق، وكون المكلف
فصل [1]
(ناقض الوضوء: إما حدث؛ وهو الخارج المعتاد من المخرج المعتاد في الصحة، من ريح وغائط وبول ومذي وودي ومني بغير لذة معتادة وهاد): لما فرغ من الكلام على الوضوء، شرع في بيان نواقضه.
والناقض ثلاثة أنواع: حدث، وسبب، وغيرهما.
وعرف الحدث بقوله: وهو الخارج المعتاد إلخ. وقوله: في الصحة متعلق بالمعتاد وبين الخارج المذكور بقوله: من ريح إلخ. وحاصله أن الخارج المعتاد سبعة؛ ستة في الذكر والأنثى، وواحد - وهو الهادي - يختص بالأنثى، وكلها من القبل إلا الريح والغائط فمن الدبر. فقوله: الخارج خرج عنه الداخل من أصبع أو عود أو حقنة فلا ينقض. وخرج بقوله: المعتاد الخارج الغير المعتاد كالدم والقيح والحصى والدود، وخرج بقوله: من المخرج المعتاد ما خرج من الفم أو من ثقبة، على ما سيأتي، أو خروج ريح أو غائط من القبل، أو بول من الدبر؛ فلا ينقض. واحترز بقوله: في الصحة من الخارج المعتاد على وجه المرض - وهو السلس - على ما سيأتي. وقوله: ومني بغير لذة معتادة أي بأن كان بغير لذة أصلاً أو لذة غير معتادة كمن حك لجرب أو هزته دابة فأمنى. وأما ما خرج بلذة معتادة من جماع أو لمس أو فكر فموجب للغسل. والهادي: هو الماء الذي يخرج من فرج المرأة عند ولادتها.
وبقي من النواقض أمران: دم الاستحاضة، وسيأتي إدخاله في السلس، - وخروج مني الرجل من فرج المرأة بعد أن اغتسلت.
(لا حصى ودود ولو مع أذى): بالرفع عطف على "وهو الخارج" وهو محترز "المعتاد" فليس كل منهما بحدث فلا ينقض،
ــ
غير نائم ولا غافل، وبلوغ الدعوة. وأما التيمم فيقال شروط صحته ثلاثة: الإسلام: وعدم الحائل على الوجه واليدين، وعدم المنافي الذي: يوجب الغسل أو الوضوء. ومن المنافي أيضاً: وجود الماء المباح للقادر على استعماله. وشروط وجوبه فقط ثلاثة: البلوغ، والقدرة على الاستعمال، وثبوت الناقض. وشروط وجوبه وصحته معاً ستة: العقل، وانقطاع دم الحيض والنفاس، ووجود الصعيد الطاهر، ودخول الوقت، وكون المكلف غير نائم ولا غافل، وبلوغ الدعوة.
فصل:
قوله: [ناقض الوضوء]: أي مبطل حكمه مما كان يباح به من صلاة أو غيرها، ولذلك قال شيخنا في حاشية مجموعه أي ينتهي حكمه، لا أنه بطل من أصله، وإلا لوجب قضاء العبادة التي أديت به انتهى. ويسمى موجب الوضوء أيضاً قال في التوضيح: وتعبير ابن الحاجب "بالنواقض" أولى من تعبير غيره: "بما يوجب الوضوء"؛ لأن الناقض لا يكون إلا متأخراً عن الوضوء بخلاف الموجب، فإنه قد يسبق كالبلوغ مثلاً، وكلامنا فيما كان متأخراً لا ما كان متقدماً، والمؤلف لما أراد ذكر النواقض متأخرة عن الوضوء ناسب أن يعبر عنها بالنواقض وإلا فالتعبير بالموجب أولى؛ لأنه يصدق على السابق، وعلى المتأخر، وأيضاً فالتعبير بالنقض يوهم بطلان العبادة بالوضوء السابق وإن أجيب عنه.
قوله: [إما حدث]: هو ما ينقض الوضوء بنفسه.
قوله: [وسبب]: هو ما لا ينقض الوضوء بنفسه بل بما يؤدي إلى الحدث.
قوله: [وغيرهما]: أي كالشك في الحدث، والردة. على أنه يقال: إن الشك في الحدث داخل في الأحداث، والشك في السبب داخل في الأسباب، بأن يقال إن الحدث ناقض من حيث تحققه، أو الشك فيه. انتهى من الحاشية.
قوله: [متعلق بالمعتاد]: أي الذي اعتيد في الصحة خروجه، أي متعلقاً بالخارج؛ وإلا لاقتضى عدم النقض بالمعتاد إذا خرج في المرض، وليس كذلك.
كذا قيل: وقد يقال المراد بالصحة ما شأنه أن يخرج فيها، فاندفع الاعتراض.
والمراد [بالمعتاد] ما اعتيد جنسه. فإذا خرج البول غير متغير فإنه ينقض الوضوء؛ لأن جنسه معتاد وإن لم يكن هو معتاداً.
قوله: [أو حقنة]: هي الدواء الذي يصب في الدبر بآلة، ومن جملة الدواخل ذكر البالغ في قبل أو دبر فإنه يوجب ما هو أعم من الوضوء وهو غسل جميع الجسد، والتعريف إنما هو للحدث الموجب للطهارة الصغرى، فقط. ومن جملة ما ليس داخلاً ولا خارجاً: القرقرة والحقن الشديدان؛ فلا ينقضان الوضوء إذا تمت معهما الأركان. وأما لو منعا من الإتيان بشيء منها حقيقة أو حكماً؛ كما لو كان يقدر على الإتيان بعسر فقد أبطلا الوضوء. فمن حصره بول أو ريح وكان يعلم أنه لا يقدر على شيء من أركان الصلاة أصلاً أو يأتي به مع عسر كان وضوءه باطلاً ليس له أن يفعل به ما يتوقف على طهارة؛ لأن الحدث إن لم يخرج حقيقة فهو خارج حكماً. انتهى من حاشية الأصل تبعاً لتقرير العلامة العدوي.
قوله: [بغير لذة أصلاً]: أي ولم يكن على وجه السلس، وإلا فحكمه.
قوله: [أو هزته دابة]: أي ما لم يحس بمبادئ اللذة فيستديم حتى ينزل، فإنه يجب عليه الغسل كما سيأتي.
قوله: [والهادي]: أي فهو من موجبات الوضوء على خلاف ما مشى عليه ابن رشد لقول خليل ووجب وضوء بهاد والأظهر نفيه.
قوله: [دم الاستحاضة]: أي في بعض أحواله لجريانه على صور السلس.
قوله: [وخروج مني الرجل] إلخ: حيث دخل بجماع لا بغيره فلا يوجب الوضوء، لقول الخرشي وأما لو دخل فرجها بلا وطء ثم خرج فلا يكون ناقضاً كما يفيده كلام ابن عرفة.
قوله: [لا حصى ودود]: أي المتخلقان في البطن. وأما لو ابتلع حصاة أو دودة فنزلت بصفتها
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
زاد بعدها في ط المعارف: (في نواقض الوضوء).
ولو خرج مع كل أذى، أي بول أو غائط؛ لأن خروج الأذى تابع لخروجهما فلا يعتبر. ومثلهما الدم والقيح. كما تقدم، لكن بشرط خروجهما خالصين من الأذى، كما نصوا عليه. والفرق أن الشأن في الحصى والدود عدم خلوصهما. واعترض بأن المشهور عن ابن رشد أنه لا نقض بهما مطلقاً كالحصى والدود.
(ولا من ثقبة إلا تحت المعدة وانسدا) هذا محترز قوله: من المخرج المعتاد.
فإذا خرج بول أو غائط أو ريح من ثقبة فوق المعدة لم ينقض، انسد المخرجان أو أحدهما أو لا. المراد بالمعدة: الكرش الذي يستقر فيه الطعام عند الأكل، ومستقرها فوق السرة. بخلاف الخارج من ثقبة تحتها فإنه ينقض بشرط انسداد المخرجين، لأن الطعام أو الشراب لما انحدر من المعدة إلى الأمعاء - أي المصارين - صار الخارج من الثقبة التي تحت المعدة عند انسداد المخرجين بمنزلة الخارج من نفس المخرجين. وأما عند انفتاحهما ونزول الخارج منهما على العادة لم يكن الخارج من الثقبة معتاداً فلم ينقض.
(ولا سلس لازم نصف الزمن فأكثر، وإلا نقض): هذا محترز في الصحة لأن معناه: خارج معتاد على وجه الصحة، فخرج السلس لأنه لم يكن على وجه الصحة فلا ينقض إن لازم نصف زمن أوقات الصلاة أو أكثر، فأولى في عدم النقض بملازمته كل الزمن. لكن يندب الوضوء إذا لم يعم الزمن وسواء كان السلس وهو ما - يسيل بنفسه لانحراف الطبيعة بولاً أو ريحاً أو غائطاً أو مذياً. وهذا إذا لم ينضبط ولم يقدر على التداوي، فإن انضبط بأن جرت عادته أنه ينقطع آخر الوقت وجب عليه تأخير الصلاة لآخره، أو ينقطع أوله وجب عليه تقديمها، هكذا قيده بعض الفضلاء. وكذا إذا قدر على التداوي وجب عليه التداوي، واغتفر له أيامه. إلا أن هذا خصه بعضهم بالمذي إذا كان لعزوبة بلا تذكر. وأما لتذكر أو نظر - بأن كان كلما تذكر أو نظر أمذى - واستدام عليه التذكر،
ــ
فالنقض ولو كانا خالصين من الأذى؛ لأنه من قبيل الخارج المعتاد.
قوله: [ولو خرج مع كل أذى]: أي ولو كثر الأذى ما لم يتفاحش في الكثرة، وإلا نقض كما قرره العلامة العدوي.
تنبيه: يعفى عما خرج من الأذى مع الحصى والدود إن كان مستنكحاً بأن كان يأتي كل يوم مرة فأكثر، وإلا فلا بد من إزالته بماء أو حجر إن كثر، وإلا فلا يلزمه الاستنجاء منه. ولذلك قال شيخنا في مجموعه:
قل للفقيه ولا تخجلك هيبته
…
شيء من المخرج المعتاد قد عرضا
فأوجب القطع واستنجى المصلي له
…
لكن به الطهر يا مولاي ما انتقضا
قوله: [ولا من ثقبة] إلخ: حاصل الفقه أن الصور تسع؛ لأن الثقبة إما تحت المعدة أو في نفس المعدة، وهي ما فوق السرة إلى منخسف الصدر، فالسرة مما تحت المعدة كما في الحاشية أو فوقها بأن كانت في الصدر. وفي كل إما أن ينسد المخرجان أو ينفتحا، أو ينسد أحدهما وينفتح الآخر. فالنقض في صورة واحدة: وهي ما إذا كانت تحت المعدة وانسدا ولا نقض والباقي. ولكن قال شيخنا في مجموعه: ومقتضى النظر في انسداد أحدهما نقض خارجه منها، وكل هذا ما لم يدم الانسداد وتعتاد الثقبة فتنقض ولو فوق المعدة بالأولى من نقضهم بالفم إذا اعتيد، والفرق بأنه معتاد لبعض الحيوانات كالتمساح واهٍ. اهـ.
قوله: [إلا تحت المعدة] إلخ: المستثنى صورة واحدة من التسع.
قوله: [ومستقرها فوق السرة]: أي والسرة مما تحت المعدة كما تقدم عن الحاشية.
قوله: [وأما عند انفتاحهما] إلخ: وقد علمت ما إذا انسد أحدهما وكان الخارج منها هو الذي يخرج منه أنه يحكم عليه بالنقض أيضاً كما تقدم عن شيخنا في مجموعه وقرره المؤلف أيضاً.
قوله: [ولا سلس]: معطوف على قوله: [لا حصى]. وحاصله أن الخارج من أحد المخرجين إذا لم يكن على وجه الصحة صوره أربع: تارة يلازم كل الزمان، وهذه لا نقض فيها ولا يندب فيها وضوء. وتارة يلازم جل الزمان أو نصف الزمان وهاتان لا نقض فيهما ويستحب فيهما الوضوء لكل صلاة. وتارة يلازم أقل الزمان وهذه يجب فيه الوضوء. والثلاثة الأول داخلة تحت قول المصنف:[ولا سلس لازم نصف الزمان فأكثر]. والرابعة هي قوله: [وإلا نقض].
قوله: [أوقات الصلاة]: وهي من الزوال إلى طلوع الشمس من اليوم الثاني وما اقتصر عليه الشارح إحدى طريقتين في خليل خليل وهي طريقة ابن جماعة ومختار ابن هارون وابن فرحون والشيخ عبد الله المنوفي. والطريقة الثانية تقول: المراد جميع أوقات الصلاة وغيرها، وهو قول البرزلي ومختار ابن عبد السلام،
وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا فرضنا أن أوقات الصلاة مائتان وستون درجة وغير أوقاتها مائة درجة، فأتاه السلس فيها وفي مائة من أوقات الصلاة. فعلى الأولى ينتقض وضوءه لمفارقته أكثر الزمان لا على الثانية لملازمته أكثر الزمان. فإن لازمه وقت صلاة فقط نقض وصلاها قضاء أفتى به الناصر فيمن يطول به الاستبراء حتى يخرج الوقت.
قوله: [بعض الفضلاء]: هو سيدي عبد الله المنوفي.
فإنه ينقض مطلقاً ولو لازم كل الزمن. فإن كان لغير عزوبة بل لمرض أو انحراف طبيعة فهو كغيره ولا يجب فيه التداوي. ومن السلس: دم الاستحاضة، فإن لازم أقل الزمن نقض وإلا فلا.
(وإما سبب وهو: زوال العقل وإن بنوم ثقيل ولو قصر): هذا شروع في بيان السبب الناقض.
وهو ثلاثة أنواع: زوال العقل، ولمس من تشتهى، ومس ذكره المتصل. فقوله:"وإما سبب": عطف على "إما حدث". قوله: وهو زوال العقل إشارة إلى النوع الأول. وزواله يكون بجنون أو إغماء أو سكر أو بنوم ثقيل ولو قصر زمنه، لا إن خف ولو طال. وندب إن طال. والثقيل: ما لا يشعر صاحبه بالأصوات أو بسقوط شيء بيده، أو سيلان ريقه ونحو ذلك، فإن شعر بذلك فخفيف، وإن لم يفسر الكلام عنده.
(ولمس بالغ من يلتذ به عادة ولو لظفر أو شعر أو بحائل إن قصد اللذة أو وجدها، وإلا فلا): هذا إشارة للنوع الثاني من أنواع السبب. فلمس معطوف على زوال عقل أي إن لمس المتوضئ البالغ لشخص يلتذ بمثله عادة - من ذكر أو أنثى - ينقض الوضوء، ولو كان الملموس غير بالغ، أو كان اللمس لظفر أو شعر أو من فوق حائل كشرب [1] وظاهرها: كان الحائل خفيفاً يحس اللامس معه بطراوة البدن،
ــ
قوله: [فإنه ينقض مطلقاً]: قال شيخنا في مجموعه: وليس منه مذي من كلما نظر أمذى بلذة خلافاً لما في الخرشي، بل هذا ينقض. إنما السلس مذي مسترسل، نظر أم لا؛ لطول عزوبة مثلاً أو اختلال مزاج.
قوله: [ولا يجب فيه التداوي]: أي لو قدر على رفعه بالتداوي لا يجب عليه التداوي.
غاية الأمر أن فيه الصور الأربع المتقدمة، فهو مخصص لقولهم حيث قدر على دفعه لا يغتفر له إلا مدة التداوي، ولذلك قال في حاشية الأصل: اعلم أن عندنا صوراً ثلاثاً: الأولى: ما إذا كان سلس المذي لبرودة أو علة كاختلال مزاج، فهذه لا يجب فيها الوضوء قدر على رفعه أم لا إلا إذا فارق أكثر الزمان. الثانية: ما إذا كان لعزوبة مع تذكر بأن استنكحه، وصار مهما نظر أو سمع أو تفكر أمذى بلذة. الثالثة: ما إذا كان لطول، عزوبة من غير تذكر وتفكر بل صار المذي من أجل طول العزوبة نازلاً مسترسلاً نظر أو لا، تفكر أو لا، والأولى من هاتين الصورتين يجب فيها الوضوء مطلقاً قدر على رفعه أم لا من غير خلاف كما قال أبو الحسن،
والثانية منهما: يجب فيها الوضوء على إحدى روايتي المدونة وقال ابن الجلاب إن قدر على رفعه بزواج أو تسر وجب الوضوء وإلا فلا. انتهى. فإذا علمت ذلك، فجميع صور السلس من استحاضة أو بول أو ريح أو غائط متى قدر فيها على التداوي يغتفر له مدة التداوي فقط، إلا سلس المذي إذا كان لبرودة وعلة فيغتفر له، ولو قدر على التداوي، كما هو مفاد شارحنا وحاشية الأصل نقلاً عن (بن).
قوله: [وإما سبب]: أي سبب للحدث أي موصل إليه، كالنوم فإنه يؤدي إلى خروج الريح مثلاً، وغيبة العقل تؤدي لذلك أيضاً، واللمس والمس يؤديان لخروج المذي.
قوله: [زوال العقل]: ظاهره أن زوال العقل بغير النوم كالإغماء والسكر والجنون لا يفصل فيه بين طويله وقصيره كما يفصل في النوم، وهو ظاهر المدونة والرسالة فهو ناقض مطلقاً. قال ابن عبد السلام: وهو الحق خلافاً لبعضهم. وقال ابن بشير: والقليل في ذلك كالكثير. اهـ. من حاشية الأصل. والمراد بزواله؛ استتاره إذ لو زال حقيقة لم يعد حتى يقال انتقض وضوءه أو لا.
قوله: [وإن بنوم ثقيل] إلخ: ظاهره أن المعتبر صفة النوم ولا عبرة بهيئة النائم من اضطجاع أو قيام أو غيرهما. فمتى كان النوم ثقيلاً نقض كان النائم مضطجعاً أو ساجداً أو جالساً أو قائماً. وإن كان غير ثقيل فلا ينقض على أي حال، وهي طريقة اللخمي. واعتبر بعضهم صفة النوم مع الثقل وصفة النائم مع غيره، فقال: وأما النوم الثقيل فيجب منه الوضوء على أي حال، وأما غير الثقيل فيجب الوضوء في الاضطجاع والسجود، ولا يجب في القيام والجلوس. وعزا في التوضيح هذه الطريقة لعبد الحق وغيره، ولكن الطريقة الأولى هي الأشهر وهي طريقة ابن مرزوق.
قوله: [ولو قصر]: رد ب "لو" على من قال بعدم النقض في القصير ولو ثقل.
قوله: [أو سكر]: ولو بحلال إلا من سكر في محبة الله فلا ينتقض وضوءه؛ لأن قلبه حاضر مستيقظ.
قوله: [ولمس]: اللمس. هو ملاقاة جسم لجسم لطلب معنى فيه كحرارة أو برودة أو صلابة أو رخاوة. فقول المصنف: [إن قصد لذة] تخصيص لعموم المعنى. وأما المس: فهو ملاقاة جسم لآخر على أي وجه ولذا عبر به في [الذكر] لكونه لا يشترط في النقض به قصد.
قوله: [بالغ]: أي ولو من امرأة لمثلها، قياساً على الغلامين؛ لأن كلاً يلتذ بالآخر.
قوله: [بالغ]: أي لا صبي ولو راهق؛ لأن اللمس إنما نقض لكونه يؤدي إلى خروج المذي، ولا مذي لغير البالغ.
قوله: [يلتذ بمثله] إلخ: الحاصل أن النقض باللمس مشروط بشروط ثلاثة: أن يكون اللامس بالغاً، وأن يكون الملموس ممن يشتهى عادة، وأن يقصد اللامس اللذة أو يجدها والمراد بالعادة: عادة الناس، لا عادة الملتذ وحده، وإلا لاختلف الحكم باختلاف الأشخاص.
قوله: [لظفر]: أي أو به.
وقوله: [أو شعر]:
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (كثوب)، ولعلها الصواب.
أو كان كثيفاً وتأولها بعضهم بالخفيف. وأما اللمس من فوق حائل كثيف فلا ينقض. ومحل النقض إن قصد التلذذ بلمسه، وإن لم تحصل له لذة حال لمسه أو وجدها حال اللمس وإن لم يكن قاصداً لها ابتداء. فإن لم يقصد ولم يحصل له لذة فلا نقض. ولو وجدها بعد اللمس، والملموس - إن بلغ ووجد أو قصد - بأن مالت نفسه لأن يلمسه غيره فلمسه، انتقض وضوؤه؛ لأنه صار في الحقيقة لامساً وملموساً. فإن لم يكن بالغاً فلا نقض، ولو قصد ووجد، وخرج بقوله: يلتذ به عادة من لا يشتهى عادة كما سينبه عليه.
(إلا القبلة بفم، فمطلقاً): مستثنى من قوله: إن قصد اللذة إلخ. - أي أن القبلة في الفم تنقض الوضوء مطلقاً قصد اللذة أو وجدها أو لا، لأنها مظنة اللذة بخلافها في غير الفم. فمن أقسام مطلق اللمس - وسواء في النقض - المقبل والمقبل، ولو وقعت بإكراه أو استغفال، وينتقض وضوؤهما إن كانا بالغين أو البالغ منهما إن قبل من يشتهى كما هو الموضوع، وإلا فلا، كما يأتي.
(لا بلذة من نظر أو فكر ولو أنعظ، ولا بلمس صغيرة لا تشتهى أو بهيمة): هذا محترز ما قبله أي أن مجرد اللذة بدون لمس لا ينقض الوضوء، إن كانت بسبب نظر لصورة جميلة أو بسبب فكر ولو حصل له إنعاظ: وهو قيام الذكر. وكذا لمس من لا تشتهى عادة كصغيرة، أو صغير ليس الشأن التلذذ بمثلهما، ولو قصد ووجد.
وكذا بلمس البهيمة أو الرجل الملتحي، إذ الشأن عدم التلذذ به عادة إذا كملت لحيته
إذا كان اللامس [1] له رجلاً. وأما المرأة فعلى ما تقدم تفصيله لو لمست شيخاً فانياً.
(ومس ذكره المتصل مطلقاً ببطن كفه أو جنبه أو أصبع كذلك ولو زائداً إن أحس وتصرف): هذا إشارة للنوع الثالث من أنواع السبب؛ وهو مس المتوضئ ذكره المتصل لا المقطوع، وسواء مسه من أعلاه أو من أسفله أو وسطه عمداً أو سهواً، التذ أم لا - وهو معنى الإطلاق - إذا مسه من غير حائل ببطن أو جنب كفه وبأصبع ببطنه وبجنبه لا بظهره، ولو كان الأصبع زائداً على الخمسة إن كان يتصرف كإخوته وكان له إحساس، وإلا لم ينقض، لأنه كالعدم. وهذا إذا كان بالغاً، فمس الصبي ذكره لا ينقض كلمسه، وكذا مس البالغ ذكره من فوق حائل ولو كان خفيفاً، إلا أن يكون خفيفاً جداً كالعدم.
(لا بمس دبر أو أنثيين ولا بمس امرأة فرجها ولو ألطفت): هذا محترز قوله: ذكره أي المتوضئ، لا ينقض وضوؤه بمس دبره أي حلقة الدبر، ولا بمسه أنثييه.
ولا ينتقض وضوء المرأة بمسها لفرجها ولو ألطفت: أي أدخلت أصبعاً أو أكثر من أصابعها في فرجها.
(وأما غيرهما وهو الردة:
ــ
أي لا به على الظاهر، ومثل شعر العود. ولا يقاس على الأصبع الزائدة التي لا إحساس لها. والحاصل أن الشرط في النقض أن يكون اللمس بعضو، سواء كان أصلياً أو زائداً، وهل يشترط الإحساس في الزائد أو لا؟ خلاف، والمعتمد الثاني للتقوي بالقصد والوجدان، بخلاف ما يأتي في مس الذكر.
قوله: [أو كان كثيفاً]: هما قولان راجحان، ومحل الخلاف ما لم يقبض، فإن قبض على شيء من الجسم نقض اتفاقاً.
قوله: [فلا ينقض]: أي إلا أن يقبض.
قوله: [إن قصد التلذذ]: ومنه أن يختبر هل يحصل له لذة أم لا.
قوله: [إلا القبلة بفم] إلخ: الباء بمعنى على؛ لأن من المعلوم أن القبلة لا تكون إلا بالفم، وبذلك لو لم تكن على الفم تجري على أحكام الملامسة.
قوله: [أي أن القبلة] إلخ: أي وظاهر كلامهم عدم اشتراط الصوت في تحقق التقبيل كما يأتي في الحجر الأسود.
قوله: [لأنها مظنة] إلخ: أي بالنظر الواقع وإن كانت تنتفي في الظاهر.
قوله: [بخلافها في غير الفم] إلخ: أي ولو كان التقبيل في الفرج فيجري على أحكام الملامسة وفاقاً للأجهوري رداً على ابن فجلة في قياسه على الفم بالأحرى. والفرق أن تقبيله لا يشتهى.
قوله: [ولو وقعت بإكراه] إلخ: أي لا لوداع أو رحمة.
قوله: [ولو أنعظ إلخ]: أي فلا ينتقض مطلقاً كانت عادته الإمذاء بالإنعاظ أو لا، وهذا هو المعتمد ما لم يمذ بالفعل.
قوله: [صغيرة لا تشتهى] إلخ: اختلف في مس فرجها فقيل لا نقض ولو قصد اللذة ما لم يلتذ بالفعل عند بعضهم. واستظهر شيخنا عدم النقض مطلقاً. انتهى من الأصل.
قوله: [وكذا بلمس البهيمة] إلخ: أي بخلاف مس فرجها فيجري على حكم الملامسة.
قوله: [إذا كملت لحيته] إلخ: أي وأما لو كان حديث النبات فهو ممن يشتهى عادة.
قوله: [ولو لمست شيخاً] إلخ: أي على المعتمد ومثلها لو لمس البالغ امرأة فانية.
تنبيه: لمس المحرم ينقض إن وجدت اللذة كأن قصد فقط وكان فاسقاً شأنه اللذة بمحرمه كما في الحاشية. والعبرة في المحرمية وغيرها بما يظنه حالة اللمس.
قوله: [ومس ذكره]: أي ولو تعدد. قال شيخنا في مجموعه: وينبغي أن يقيد بمقاربة الأصلي. ولا يشترط إحساس الذكر إذا كان أصلياً بخلاف الزائد.
قوله: [إن أحس وتصرف]: أي فلا بد في الزائد من هذين الأمرين. بخلاف الأصلي، فيشترط فيه حس الإحساس فقط. وقول المصنف:[أحس] بالهمزة أولى من قول خليل: بغيره، لأنه من الإحساس لا من الحس.
قوله: [لا بمس دبر] إلخ: أي ولو التذ ولو أدخل أصبعه في دبره.
قوله: [ولو ألطفت] إلخ: هذا هو المذهب وقيل: إن ألطفت فعليها الوضوء.
قوله: [وهو الردة]: أي ولو من
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (الملامس).
والشك في الناقض بعد طهر علم وعكسه، أو في السابق منهما): هذا هو النوع الثالث من الناقض، فهو عطف على قوله: إما حدث أي أن الناقض للوضوء: إما حدث، وإما سبب وإما غيرهما.
وهو أمران: الردة والشك. وكل منهما ليس بحدث ولا سبب، وبعضهم جعلهما من أقسام السبب.
أما الردة فهي محبطة للعمل؛ ومنه الوضوء والغسل على الأرجح من قولين رجح كل منهما. وأما الشك فهو ناقض؛ لأن الذمة لا تبرأ مما طلب منها إلا بيقين، ولا تعين عند الشاك. والمراد باليقين: ما يشمل الظن. والشك الموجب للوضوء ثلاث صور: الأولى: أن يشك بعد علمه بتقدم طهره، هل حصل منه ناقض - من - حدث أو سبب - أم لا. الثانية: عكسها، وهو أن يشك بعد علم حدثه، هل حصل منه وضوء أم لا. الثالثة: علم كلاً من الطهر والحدث وشك في السابق منهما.
(ولو طرأ الشك في الصلاة استمر، ثم إن بان الطهر لم يعد): هذا الحكم يتعلق بالصورة الأولى، يعني أن الشخص إذا دخل في الصلاة بتكبيرة الإحرام معتقداً أنه متوضئ، ثم طرأ عليه الشك فيها - هل حصل منه ناقض أم لا - فإنه يستمر على صلاته وجوباً.
ــ
صغير كما في كبير الخرشي لاعتبارها منه، وتسقط الفوائت والزكاة إن لم يرتد لذلك وتبطل الحج.
قوله: [والشك في الناقض]: هذا هو المشهور من المذهب. وقيل لا ينتقض الوضوء بذلك، غاية الأمر أنه يستحب الوضوء فقط مراعاة لمن يقول بوجوبه. والأول نظر إلى أن الذمة عامرة فلا تبرأ إلا بيقين، والثاني نظر إلى استصحاب ما كان فلا يرتفع إلا بيقين. قال ابن عرفة: من تأمل علم أن الشك في الحدث شك في المانع لا شك في الشرط، والمعروف إلغاء الشك في المانع، فكان الواجب طرح ذلك الشك وإلغاؤه، لأن الأصل بقاء ما كان على حاله، وعدم طرو المانع والشك في الشرط يؤثر البطلان باتفاق كالعكس في كلام المصنف، وهو: ما إذا تحقق الحدث وشك هل توضأ أم لا؛ لأن الذمة العامرة لا تبرأ إلا بيقين. إن قلت: حيث كان شكاً في المانع فلم جعلوه ناقضاً على المذهب؟ مع أن الشك في المانع يلغي كالشك في الطلاق والعتاق والظهار والرضاع. قلت: كأنهم راعوا سهولة الوضوء وكثرة نواقضه فاحتاطوا لأجل الصلاة. انتهى من حاشية الأصل بتصرف.
مسألة: لو تخيل أن شيئاً حصل منه بالفعل لا يدري ما هو هل حدث أو غيره؟ فظاهر كلام أهل المذهب أنه لا شيء عليه لأن هذا من الوهم، وكلام المصنف صادق بالشك في الأحداث والأسباب ما عدا الردة، فلا نقض بالشك فيها.
قوله: [وبعضهم جعلهما] إلخ: قال شيخنا في حاشية مجموعه: لا ينبغي أن تعد الردة في نواقض الوضوء، لأنها تحبط جميع الأعمال لا خصوص الوضوء. كما قالوا: لا ينبغي أن يعد من شروط الشيء إلا ما كان خاصاً به فكذا ما هنا. وأما الشك في الحدث فالظاهر رجوعه للقسمين بأن يراد بالحدث ما يشمل المحقق والمشكوك، وكذا السبب.
قوله: [ومنه الوضوء] إلخ: في البناني قول باستحباب الوضوء من الردة وهو ضعيف.
قوله: [على الأرجح] إلخ: هذا راجع للغسل فقط فالقول بالبطلان لابن العربي ورجحه بهرام في صغيرة، والثاني: لابن جماعة. ويظهر من كلام (ح) ترجيحه وتبعه الأجهوري وعلى هذا فمعنى إحباطها العمل من حيث الثواب ولا يلزم من بطلان ثوابه إعادته، فلذا لا يطالب بعدها بقضاء ما قدمه من صلاة وصيام، وإنما وجب الوضوء على القول المعتمد لأنه صار بعد توبته بمنزلة من بلغ حينئذ.
فوجب عليه الوضوء لموجبه، وهو إرادة القيام للصلاة. بخلاف الغسل فإنه لا يجب إلا بوقوع سبب من أسبابه. ووجهه الأول بأن الردة تبطل نفس الأعمال، فإذا ارتد وبطل عمله رجع الأمر لكونه متلبساً بالحدث الذي كان عليه قبل ذلك العمل، سواء كان ذلك الحدث أصغر أو أكبر.
قوله: [والشك الموجب] إلخ: الشك مبتدأ وثلاث خبر.
قوله: [الأولى أن يشك] إلخ: هذه الصورة هي التي وقع فيها النزاع، هل هي شك في المانع أو في الشرط؟ والحق أنها شك في المانع وإنما حكم بالنقض لغير المستنكح احتياطاً للصلاة ولخفة أمر الوضوء.
قوله: [الثانية عكسها] إلخ: هذه الصورة شك في الشرط جزماً وفيها الوضوء اتفاقاً ولو للمستنكح.
قوله: [الثالثة علم كلاً] إلخ: هذه الصورة من الشك في الشرط أيضاً، وفيها النقض ولو مستنكحاً، ومن باب أولى إذا شك فيهما وشك في السابق أو تحقق أحدهما وشك في السابق. فتحصل أن جملة الصور اثنتا عشرة صورة: وهي تحقق الطهارة والشك في الحدث وعكسه، وفي كل إما أن يكون مستنكحاً أو غيره، فهذه أربع. وبقي ما إذا شك في السابق مع تحقق الحدث والطهارة، أو الشك فيهما، أو الشك في الحدث وتحقق الطهارة، أو عكسه. فهذه أربع، وفي كل إما أن يكون مستنكحاً أو غيره. فتلك ثمان وجميع الاثني عشر يجب فيها الوضوء لا فرق بين مستنكح وغيره، إلا الصورة الأولى فيفرق فيها بين المستنكح وغيره.
قوله: [ثم طرأ عليه الشك فيها]: المراد بالشك هنا: ما قابل الجزم فيشمل الظن ولو كان قوياً فمن ظن النقض
ثم إن بان له أنه متطهر ولو بعد الفراغ منها فلا يعيدها. وإن استمر على شكه توضأ وأعادها. -
(فلو شك: هل توضأ؟ قطع): يعني لو أحرم بالصلاة معتقداً أنه متوضئ ثم طرأ عليه الشك فيها هل حصل منه وضوء بعد أن أحدث أم لا؟ فإنه يجب عليه قطع الصلاة ويستأنف الوضوء. وهذا حكم الصورة الثانية، وأما طرو الصورة الثالثة في الصلاة؛ وهي الشك في السابق منهما، فهل حكمه كالأولى؟ أو كالثانية فيقطع؟ وهو الظاهر. لأن الشك فيها أقوى من الأولى كما هو ظاهر.
(ومنع الحدث صلاة وطوافاً ومس مصحف أو جزئه وكتبه وحمله وإن بعلاقة أو ثوب): يعني أن الحدث الأصغر - وأولى الأكبر - يمنع التلبس بالصلاة والطواف. إذ من شرط صحتهما الطهارة فلا ينعقدان بدونها. ويمنع أيضاً مس المصحف الكامل أو جزء منه - وإن آية - ولو مس ذلك من فوق حائل أو بعود. وكذا يحرم على المحدث كتبه، فلا يجوز للمحدث أن يكتب القرآن أو آية منه، ولا أن يحمله - ولو مع أمتعة غير مقصودة بالحمل، ولو بعلاقة أو ثوب أو وسادة.
(إلا لمعلم ومتعلم وإن حائضاً لا جنباً): أي يحرم على المكلف مس المصحف وحمله، إلا إذا كان معلماً أو متعلماً، فيجوز لهما مس الجزء واللوح والمصحف الكامل، وإن كان كل منهما حائضاً أو نفساء لعدم قدرتهما على إزالة المانع. بخلاف الجنب لقدرته على إزالته بالغسل أو التيمم. والمتعلم يشمل من ثقل عليه القرآن فصار يكرره في المصحف.
(وإلا حرزاً بساتر وإن لجنب، كبأمتعة قصدت): هذا معطوف على الاستثناء قبله. أي: إلا لمعلم، وإلا إذا كان القرآن حرزاً بساتر: يقيه من وصول قذارة إليه، فإنه يجوز حمله خوفاً من ارتياع أو مرض أو رمد ولو للجنب، وأولى الحائض. وظاهره ولو مصحفاً كاملاً وهو [1] كذلك على أحد القولين. ومثل ذلك حمله بأمتعة قصدت بالحمل، كصندوق ونحوه فيه مصحف أو جزء وقصد [2] حمله في سفر أو غيره. فإن قصد المصحف فقط أو قصدا معاً، منع إذا كان قصد المصحف ذاتياً لا بالتبع للأمتعة، وإلا جاز كما هو ظاهر. وكذا حمل التفسير ومسه لا يحرم لأنه لا يسمى مصحفاً عرفاً. فقوله: كبأمتعة تشبيه في الجواز المستفاد من الاستثناء. ويجوز حمل الأمتعة المقصود حملها ولو لكافر.
ــ
وهو في صلاته، فإن حكمه حكم من تردد فيه على حد سواء في وجوب التمادي كما في الخرشي، وإنما يجعل ظن الحدث كشكه لحرمة الصلاة حيث دخلها بيقين. وأما الوهم فلا أثر له بالأولى إذ لا يضر قبل الدخول في الصلاة.
قوله: [ثم إن بان] إلخ: أي جزماً أو ظناً.
قوله: [وإن استمر على شكه]: وأولى إذا تبين حدثه.
قوله: [وأعادها]: أي كالإمام إذا صلى محدثاً ناسياً للحدث فإنه لا إعادة على مأمومه، للقاعدة المقررة أن كل صلاة بطلت على الإمام بطلت على المأموم إلا في سبق الحدث ونسيانه، فهذه المسألة من قبيل نسيان الحدث.
قوله: [ويستأنف الوضوء] إلخ: أي لأنه شاك في الشرط، وتقدم أنه يضر اتفاقاً.
قوله: [وهو الظاهر]: أي لأنه شك في الشرط أيضاً، وأما لو شك قبل الدخول في الصلاة هل أحدث أم لا؟ فالوضوء باطل كما تقدم، ولا يجوز له الدخول في الصلاة جزماً. والفرق بين الشك قبلها والشك فيها، أن الشك فيها ضعيف لكونه دخل الصلاة بيقين فلا يقطعها إلا بيقين. وأما من شك خارجها فواجب عليه أن لا يدخلها إلا بطهارة متيقنة، وأما إذا حصل الشك بعد الفراغ من الصلاة فلا يضر إلا إذا تحقق الحدث.
قوله: [التلبس بالصلاة] إلخ: سواء كان كل منهما فرضاً أو نفلاً. ومن الصلاة: سجود التلاوة والصلاة على الجنازة.
قوله: [مس المصحف] إلخ: ويدخل في ذلك جلده قبل انفصاله منه. وأحرى طرف المكتوب وما بين الأسطر.
قوله: [كتبه]: أي بالعربي ومنه الكوفي، لا بالعجمي فيجوز للمحدث مسه؛ لأنه ليس بقرآن بل هو تفسير له. قال بعضهم: والأقرب منع كتبه بغير القلم العربي كما تحرم قراءته بغير لسان العرب لقولهم: القلم أحد اللسانين، والعرب لا تعرف قلماً غير العربي، وقد قال الله تعالى:{بلسان عربي مبين} [الشعراء: 195]. وما يقع من التمائم والأوفاق بقصد مجرد التبرك بالأعداد الهندية الموافقة للحروف فلا بأس بها. ومحل امتناع مس المحدث للقرآن ما لم يخف عليه؛ كالغرق أو استيلاء كافر عليه وإلا مسه ولو جنباً. والظاهر كما قاله شيخنا جواز كتبه للسخونة وتبخير من هي به وإن لم يتعين طريقاً للدواء انتهى من حاشية الأصل.
قوله: [ولو بعلاقة]: خلافاً للحنفية، فعندهم لا يحرم إلا مس النقوش.
قوله: [أو وسادة]: ومنها الكرسي الذي وضع المصحف فوقه، وقد حرم الشافعية مس كرسيه وهو عليه، ومذهبنا يمنع حمله بالكرسي لا مس الكرسي.
قوله: [إلا لمعلم] إلخ: أي على المعتمد كما هو رواية ابن القاسم عن مالك، خلافاً لابن حبيب قائلاً: لأن حاجة المعلم صناعة وتكسب لا حفظ كحاجة المتعلم.
قوله: [بخلاف الجنب]: ومثله الحائض والنفساء قبل الغسل وبعد انقطاع العذر لقدرتهما على إزالة المانع.
قوله: [فصار يكرره]: أي بنية الحفظ لا لمجرد التعبد بالتلاوة فيتوضأ. انتهى من حاشية شيخنا على مجموعه.
قوله: [وإن لجنب]: أي أو بهيمة لا كافر.
قوله: [ولو مصحفاً كاملاً] إلخ: ظاهره ولو لم يغير عن هيئة المصحفية، وقيل: يشترط تغييره عن هيئة المصحفية.
قوله: [وكذا حمل التفسير] إلخ: أي فيجوز مسه وحمله والمطالعة فيه للمحدث ولو كان جنباً؛ لأن المقصود من التفسير معاني القرآن لا تلاوته، وظاهره ولو كتبت فيه آيات كثيرة متوالية وقصدها بالمس وهو كذلك، كما قال ابن مرزوق خلافاً لابن عرفة.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (هو).
[2]
في ط المعارف: (وقد).
فصل [1]:
(جاز بدلاً عن غسل الرجلين بحضر وسفر - ولو سفر معصية - مسح خف أو جورب بلا حد): ذكر في هذا الفصل حكم المسح على الخفين وشروطه وصفته - وما يتعلق بذلك.
فحكمه الجواز؛ فهو رخصة جائزة بدلاً عن غسل الرجلين في الوضوء في الحضر والسفر، ولو كان السفر سفر معصية؛ كالسفر لقطع طريق أو إباق. لأن كل رخصة جازت بالحضر جازت بالسفر مطلقاً. وأما الرخصة التي لا تجوز في الحضر - كالفطر في رمضان - فلا تجوز إلا في السفر المباح. وما مشى عليه المصنف من التقييد بالمباح ضعيف. ومثل الخف الجورب، بفتح الجيم وسكون الواو - وهو ما كان من قطن أو كتان أو صوف جلد ظاهره، أي كسي بالجلد بشرطه الآتي. فإن لم يجلد فلا يصح المسح عليه. ولا حد في مدة المسح فلا يتقيد بيوم وليلة، ولا بأكثر ولا أقل خلافاً لمن ذهب إلى التحديد.
ولجوازه شروط أحد عشر؛ ستة في الممسوح وخمسة في الماسح ذكرها بقوله: (بشرط جلد طاهر، خرز، وستر محل الفرض، وأمكن المشي فيه عاد [2] بلا حائل): أي أن الشرط.
الأول في الممسوح: كونه جلداً، فلا يصح المسح على غيره.
الثاني: أن يكون طاهراً احترازاً من جلد الميتة ولو مدبوغاً.
الثالث: أن يكون مخروزاً
ــ
لطيفة: قوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة: 79] إن كان الضمير للقرآن فلا ناهية. وقد قال ابن مالك:
......... وفي
…
جزم وشبه الجزم تخيير قفى
وعلى بقاء الإدغام يجوز الضم إتباعاً لضم الهاء. أو أنه نهي بصورة النفي. ولا يصح بقاء النفي على ظاهره للزوم الكذب لكثرة من مس القرآن بلا طهارة من صبيان وغيرهم، نعم إن رجع الضمير للوح المحفوظ المعبر عنه بالكتاب المكنون أو صحف الملائكة، وأل للجنس صح النفي؛ لأنه لا يمس ذلك إلا الملائكة المطهرون من الرذائل. انتهى من حاشية شيخنا على مجموعه.
فصل:
قوله: [جاز]: أي على المشهور كما قال ابن عرفة. ومقابله ثلاثة أقوال: الوجوب والندب وعدم الجواز. ومعنى الوجوب أنه إن اتفق كونه لابساً وجب عليه المسح عليه، لا أنه يجب عليه أن يلبسه ويمسح عليه. فإن قيل: كيف يكون جائزاً مع أنه ينوي به الفرض؟ وذلك يقتضي الوجوب؟ فالجواب: أن الجواز من حيث العدول عن الغسل الأصلي، وإن قام مقام الواجب، حتى قيل الواجب أحد الأمرين. لكن الاصطلاح أن الواجب المخير ما ورد فيه التخيير ابتداء ككفارة الصيد، وهذا الجواب ذكره شيخنا في حاشية مجموعه. وسواء كان الماسح ذكراً أو أنثى، ولكن الغسل أفضل. قوله:[بحضر أو سفر]: هذا التعميم رواية ابن وهب والأخوين عن مالك، وروى ابن القاسم عنه: لا يمسح الحاضرون. وروى عنه أيضاً: لا يمسح الحاضرون ولا المسافرون. قال ابن مرزوق: والمذهب، الأول، وبه قال في الموطأ. قوله:[مسح خف] إلخ: مراده به الجنس الصادق بالمتعدد، بدليل ما يأتي في قوله:(فإن نزعهما أو أعلييه). وإنما قدم مسح الخف على الغسل لكونه من خواص الطهارة الصغرى.
قوله: [بلا حد]: أي واجب بحيث لو زاد عليه بطل المسح، فلا ينافي ندب نزعه كل جمعة، كما يأتي. قوله:[وشروطه]: أي الإحدى عشرة الآتية.
قوله: [وصفته]: أي كيفية مسحه.
قوله: [وما يتعلق بذلك]: أي من محترزات الشروط ومخالفة الكيفية.
قوله: [رخصة]: هي في اللغة: السهولة. وشرعاً حكم شرعي سهل انتقل إليه من حكم شرعي صعب لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي. فالحكم الصعب هنا وجوب غسل الرجلين أو حرمة المسح، والحكم السهل جواز المسح لعذر، وهو مشقة النزع واللبس، والسبب للحكم الأصلي كون المحل قابلاً للغسل. انتهى من الحاشية.
قوله: [جائزة]: أي بمعنى خلاف الأولى.
قوله: [في الوضوء]: أي لا في الغسل. فلذلك لو حصلت له جنابة وجب عليه نزعه كما يأتي.
قوله: [كالسفر] إلخ: أي بخلاف المعصية في السفر فلا تمنع اتفاقاً كالسفر لتجارة ثم تعرض له معاص.
قوله: [وما مشى عليه المصنف]: مراده به الشيخ خليل. وقد خالف اصطلاحه فيه هنا من تعبيره عنه بالشيخ.
قوله: [بشرطه الآتي]: مراده الجنس الصادق بالمتعدد، أو أن شرط مفرد مضاف يعم.
قوله: [خلافاً لمن ذهب] إلخ: أي كابن حنبل فإنه أوجب نزعه في كل أسبوع، والشافعي فإنه جعله للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام.
قوله: [جلد طاهر]: قال: (بن) هذان الشرطان غير محتاج إليهما. أما الأول فلأن الخف لا يكون إلا من جلد، والجورب قد تقدم اشتراطه فيه. وقد يجاب بأن لفظ جلد هنا إنما ذكره توطئة لما بعده. وأما الثاني فقد اعترضه الرماصي بأنه يؤخذ من فصل إزالة النجاسة، ولا يذكر هنا إلا ما هو خاص بالباب، وبأن ذكره هنا يوهم بطلان المسح عليه عمداً أو سهواً أو عجزاً كما أن باقي الشروط كذلك، وليس كذلك. لأنه إذا كان غير طاهر له حكم إزالة النجاسة. انتهى من حاشية الأصل. إذا علمت ذلك فالمصنف قد تبع خليلاً في عده شرطاً، ولكن قد علمت ما فيه.
قوله: [ولو مدبوغاً]: أي ما لم يكن من كيمخت كما تقدم من أنه يطهر بالدبغ.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
زاد بعدها في ط المعارف: (المسح على الخف ونحوه).
[2]
في ط المعارف: (عادة)، وهي الصواب.
لا إن لزق بنحو رسراس. -
الرابع: أن يكون له ساق ساتر لمحل الفرض [1] بأن يستر الكعبين احترازاً من غير الساتر لهما.
الخامس: أن يمكن المشي فيه عادة احترازاً من الواسع الذي ينسلت من الرجل عند المشي فيه وهو الذي لا يمكن تتابع المشي فيه.
السادس: أن لا يكون عليه حائل من شمع أو خرقة أو نحو ذلك. (ولبس بطهارة ماء كملت، بلا ترفه ولا عصيان بلبسه): هذا إشارة لشروط الماسح الخمسة:
الأول: أن يلبسه على طهارة احترازاً من أن يلبسه محدثاً، فلا يصح المسح عليه.
الثاني: أن تكون الطهارة مائية لا ترابية.
الثالث: أن تكون تلك الطهارة كاملة بأن يلبسه بعد تمام الوضوء أو الغسل الذي لم ينتقض فيه وضؤوه، فلو غسل رجليه قبل مسح رأسه ولبس خفه ثم - مسح رأسه لم يجز له المسح عليه، وكذا لو غسل إحدى الرجلين ولبس فيها الخف ثم غسل الثانية ولبس الأخرى، لم يجز له مسح حتى ينزع الأولى ثم يلبسها وهو متطهر.
والرابع [2]: أن لا يكون مترفهاً بلبسه كمن لبسه لخوف على حناء برجليه أو لمجرد النوم به أو لكونه [3] حاكماً أو لقصد [4] مجرد المسح أو لخوف برغوث فلا يجوز له المسح عليه. بخلاف من لبسه لحر أو برد أو وعر [5] أو خوف عقرب ونحو ذلك فإنه يمسح.
الخامس: أن لا يكون عاصياً بلبسه كمحرم بحج أو عمرة لم يضطر للبسه فلا يجوز له المسح، بخلاف المضطر والمرأة فيجوز. (وكره غسله وتتبع غضونه): أي يكره لمن استوفى الشروط المتقدمة أن يغسل خفه. وأجزأه إن نوى به أنه بدل المسح أو رفع الحدث، لا إن نوى به مجرد إزالة نجاسة أو قذر. وكذا يكره تتبع غضونه بالمسح أي تكاميشه؛ لأن المسح مبني على التخفيف. كما يكره تكرار المسح.
(وبطل بموجب غسل، وبخرقه قدر ثلث القدم وإن التصق كدونه إن انفتح - إلا اليسير جداً): هذا شروع في بيان مبطلات مسح الخفين. فيبطل بموجب الغسل من الجنابة؛ من مغيب حشفة أو نزول مني بلذة معتادة أو نفاس. ومعنى بطلانه انتهاء المسح إلى حصول الموجب، ويجب نزعه ليغسل. ويبطل المسح أيضاً أي ينتهي حكمه بخرقه ثلث القدم - سواء كان منفتحاً أو ملتصقاً بعضه ببعض - كالشق وفتق خياطته مع التصاق الجلد بعضه ببعض. فإن كان الخرق دون الثلث ضر أيضاً إن انفتح بأن ظهرت الرجل منه لا إن التصق، إلا أن يكون المنفتح يسيراً جداً بحيث لا يصل بلل اليد حال المسح لما تحته من الرجل فلا يضر. (وبنزع أكثر الرجل لساقه): أي وبطل المسح على الخف إذا أخرجت الرجل منه لساقه أي ساق الخف وهو ما فوق الكعبين فأولى لو خرجت كلها،
ــ
قوله: [لا إن لزق] إلخ: أي ولا ما نسج أو سلخ كذلك، قصراً للرخصة على الوارد، كما في المجموع.
قوله: [احترازاً من غير الساتر]: أي فلا بد من ستره المحل بذاته ولو بمعونة أزرار، لا ما نقص عنه ولا ما كان واسعاً ينزل عن محل الفرض.
قوله: [عادة]: أي لذوي المروءة. وذكر في الحاشية عن الصغير: أن الضيق من أمكن لبسه مسح عليه، لكنه خالفه في قراءة (عب) وهو الظاهر. انتهى من شيخنا في مجموعه.
قوله: [من شمع أو خرقة]: أي إذا كان على أعلاه لا إن كان أسفله، فلا يبطل المسح لما سيأتي أنه يستحب مسح الأسفل، وإنما يندب إزالته ليباشره المسح. ولا تضر اللفائف التي توضع على القدم ويلبس الخف فوقها. واستثنى العلماء المهماز الذي يكون في أعلى الخف، فإنه حائل ولا يمتنع المسح لمن شأنه ركوب الدواب في السفر. قال العلامة العدوي في حاشية شرح العزية: ولا بد أن يكون صغيراً وأن يكون زمن ركوبه غالباً فيمسح عليه ركب بالفعل أم لا. ومن زمن ركوبه نادر فيمسح عليه إن ركب لا إن لم يركب. انتهى. ولا بد أن لا يكون من أحد النقدين.
قوله: [لم يجز له المسح عليه] إلخ: أي إلا إذا نزعهما بعد تمام طهارته وأعادهما قبل حدثه.
قوله: [فلا يجوز له المسح] إلخ: ومثله مشقة غسل الرجلين وأما لمن عادته المسح وأولى للسنة فيمسح عليه.
قوله: [كمحرم بحج]: والحال أنه ذكر، وأما الأنثى فتلبسه وتمسح عليه ولو محرمة، لأن إحرامها في وجهها وكفيها كما يأتي.
تنبيه: الأظهر إجزاء مسح المغصوب وذلك لأن التحريم في الغصب لم يرد على خصوص لبسه، بل من أصل مطلق الاستيلاء عليه. وأما نهي المحرم فورد على خصوص لبس المخيط، والوارد على الخصوص أشد تأثيراً. انتهى من حاشية شيخنا على مجموعه.
قوله: [غسله]: أي ولو كان مخرقاً خرقاً يجوز معه المسح.
قوله: [إن نوى به] إلخ: ولو نوى أنه ينزعه بعد الصلاة.
قوله: [وبطل بموجب غسل]: أي وحيث بطل فلا يمسح على الخف لوضوء النوم وهو جنب. وهذه حكمة عدوله عن عبارة خليل.
قوله: [ومعنى بطلانه] إلخ: أي وليس المراد أن المسح نفسه بطل، وإلا لزم بطلان ما فعل به من الصلاة. ولا قائل بذلك.
قوله: [ثلث القدم]: أي على ما لابن بشير، أو قدر جل القدم على ما في المدونة. أو المراد بالكثير: ما يتعذر معه مداومة المشي، كما للعراقيين.
قوله: [أي وبطل المسح] إلخ: أي فإذا وصل جل القدم لساق الخف فإنه يبادر إلى نزعه ويغسل رجليه ولا يعيد الوضوء ما لم يتراخ عمداً ويطول. وقول الأجهوري: إذا نزع أكثر الرجل لساق الخف فإنه يبادر لردها ويمسح بالفور، غير
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (الغرض).
[2]
في ط المعارف: (الرابع).
[3]
قوله: «أو لكونه» في ط المعارف: (ولكونه).
[4]
قوله: «أو لقصد» في ط المعارف: (ولقصد).
[5]
قوله: «أو برد أو وعر» في ط المعارف: (وبرد ووعر).
وظاهر المدونة أنه لا يبطله إلا خروج جميع القدم إلى الساق فلا يضر نزع أكثره ورجح
(فإن نزعهما أو أعلييه أو أحدهما، - وكان على طهر، بادر للأسفل كالموالاة): أي إذا نزع المتوضئ خفيه بعد المسح عليهما، أو نزع الأعليين بعد المسح عليهما، وكان قد لبسهما على طهارة فوق الأسفلين، أو نزع أحد الخفين الأعليين أو أحد المنفردين؛ فإنه يجب عليه أن يبادر إلى الأسفل في كل من المسائل الأربعة. فيبادر لغسل الرجلين في الأولى، ولمسح الأسفلين في الثانية، ولمسح الأسفل في الثالثة، ولنزع الآخر وغسل الرجلين في الرابعة. وإنما وجب نزع الثاني لأنه لا يجمع بين غسل ومسح. والمبادرة هنا كالمبادرة التي تقدمت في الموالاة، فإن طال الزمن عمداً بطل وضؤوه واستأنفه وبنى بنية إن نسي مطلقاً. ويعتبر [1] الطول بجفاف أعضاء بزمن اعتدل.
(وندب نزعه كل جمعة أو أسبوع): يعني أنه: يندب نزعه في كل يوم جمعة وإن لم يحضرها كالمرأة. ولو لبسه يوم الخميس فإن لم ينزعه يوم الجمعة نزعه ندباً في مثل اليوم الذي لبسه فيه وهو المراد بيوم الأسبوع. -
(ووضع يمناه على أطراف أصابع رجله ويسراه تحتها ويمرهما لكعبيه): هذه صفة المسح المندوبة، وهي: أن يضع باطن كف يده اليمنى على أطراف أصابع رجله اليمنى أو اليسرى، ويضع باطن كف اليسرى تحتها أي تحت أصابع رجله ويمرهما - أي اليدين - لمنتهى كعبي رجله. وقيل هذه الكيفية في الرجل اليمنى، وأما اليسرى فيعكس الحال بأن يجعل اليد اليمنى تحت الخف واليسرى فوقها لأنه أمكن.
(ومسح أعلاه مع أسفله): أي يندب الجمع بينهما على الصفة المتقدمة. فلا ينافي أن مسح الأعلى واجب تبطل بتركه الصلاة، بخلاف مسح الأسفل فلا يجب. فإن تركه أعاد صلاته في الوقت المختار. ولذا قال:(وبطلت بترك الأعلى لا الأسفل، فيعيد بوقت): فالضمير في بطلت عائد على الصلاة المعلومة من المقام. وترك البعض من الأعلى والأسفل كترك الكل.
ولما فرغ من الطهارة الصغرى ونواقضها وما يتعلق بذلك، شرع في بيان الكبرى وموجباتها فقال:
فصل [2]:
(يجب على المكلف غسل جميع الجسد بخروج مني بنوم مطلقاً):
ــ
ظاهر. إذ بمجرد نزع أكثر الرجل تحتم الغسل وبطل المسح كما في الرماصي.
قوله: [وظاهر المدونة]: حاصله أن المدونة قالت: وبطل المسح بنزع كل القدم لساق الخف. قال الجلاب: والأكثر كالكل. قال الأجهوري: والأظهر أنه مقابل للمدونة. وقال (ح): إنه تفسير لها.
قوله: [فإن نزعهما] إلخ: أي إن لم يكن تحتهما غيرهما.
وقوله: [أو أعلييه]: أي إن كان تحتهما غيرهما.
وقوله: [أو أحدهما]: صادق بصورتين؛ بأن كانت المنزوعة مفردة أو تحتها غيرها. فلذلك كانت الصور أربعاً.
قوله: [وكان على طهر]: الجملة حالية؛ لأنه إن لم يكن على طهر بطل المسح مطلقاً. ويجب غسل الرجلين في جميع الصور مع الوضوء.
قوله: [وبنى بنية إن نسى]: ومثل النسيان العجز الحقيقي.
قوله: [يعني أنه يندب] إلخ: اعلم أنه يطالب بنزعه كل من يخاطب بالجمعة ولو ندباً كما قال الجزولي. ثم ظاهر تعليلهم قصر الندب على من أراد الغسل بالفعل. ويحتمل ندب نزعه مطلقاً، وهو المتبادر من الشارح إذ لا أقل من أن يكون وضوؤه للجمعة عارياً عن الرخصة كما قاله زروق. فإن قلت: لم لم يسن نزعه كل جمعة لمن يسن له غسلها؛ لأن الوسيلة تعطى حكم المقصد؟ والجواب: الأتم حمل الندب على مطلق الطلب فيشمل السنية لمن يريد غسل الجمعة وكان في حقه سنة.
قوله: [في مثل اليوم] إلخ: أي مراعاة للإمام أحمد.
تنبيه: لا يشترط نقل الماء لمسح الخف لأنه ربما أفسده.
فائدة: إن نزع الماسح رجلاً من الخف وعسرت عليه الأخرى وضاق الوقت، فقيل: يتيمم ويترك المسح والغسل إعطاء لسائر الأعضاء حكم ما تحت الخف: وتعذر بعض الأعضاء كتعذر الجميع، ولا يمزقه مطلقاً كثرت قيمته أو قلت، وهو الراجح من أقوال ثلاثة ذكرها خليل.
قوله: [ووضع يمناه] إلخ: فلو خالف تلك الكيفية ومسح كيفما اتفق كفاه.
قوله: [وقيل هذه الكيفية] إلخ: وهو الأرجح.
قوله: [أي يندب الجمع] إلخ: جواب عن سؤال: كيف يندب مسح الأعلى مع أنه واجب؟ فأجاب بما ذكر.
قوله: [في الوقت المختار]: أي مراعاة لمن يقول بالوجوب. فإن (ح) صدر بالقول بأن مسح كل من الأعلى والأسفل واجب، واستدل له بقول المدونة: لا يجوز مسح أعلاه دون أسفله، ولا أسفله دون أعلاه، إلا أنه لو مسح أعلاه وصلى فأحب إلي أن يعيد في الوقت؛ لأن عروة بن الزبير كان لا يمسح بطونهما. انتهى من حاشية الأصل.
قوله: [ترك البعض] إلخ: أي فيعيد لترك بعض الأعلى أبداً ولبعض الأسفل في الوقت.
قوله: [في بيان الكبرى]: أي من جهة فرائضها وسننها ومندوباتها وما يتعلق بذلك.
فصل:
يجب على المكلف إلخ
قوله: [جميع الجسد]: أي ظاهره وليس منه الفم والأنف وصماخ الأذنين والعينين، بل التكاميش بدبر أو غيره فيسترخي قليلاً، والسرة وكل ما غار من جسده.
قوله: [بخروج مني]: الباء للسببية.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (ويعد).
[2]
زاد بعدها في ط المعارف: (في الغسل).
اعلم أن موجبات الغسل أربعة: خروج المني. ومغيب الحشفة. والحيض والنفاس.
والمراد بالمكلف: البالغ العاقل ذكراً أو أنثى.
فخروج المني من الذكر أو الأنثى في حالة النوم يوجب الغسل مطلقاً بلذة معتادة أم لا، بل إذا انتبه من نومه فوجد المني ولم يشعر بخروجه، أو خرج بنفسه، وجب عليه الغسل على ما استظهره الشيخ الأجهوري، ونوزع فيه.
(أو يقظة إن كان بلذة معتادة، من نظر أو فكر فأعلى، ولو بعد ذهابها): أي أو بخروجه في يقظة بشرط أن يكون الخروج بلذة معتادة من أجل نظر أو فكر في جماع فأعلى كمباشرة. وإن حصل الخروج بعد ذهاب اللذة، فإنه يجب الغسل.
(وإلا أوجب الوضوء فقط): أي - وألا يكن بلذة معتادة - بأن خرج بنفسه لمرض أو طربة، أو كان بلذة غير معتادة - كمن حك لجرب أو هزته دابة فخرج منه المني - فعليه الوضوء فقط. لكن قال ابن مرزوق: الراجح في اللذة غير المعتادة وجوب الغسل كما اختاره اللخمي وظاهر ابن بشير. إلا أن ظاهر كلامهم تضعيفه.
(كمن جامع فاغتسل ثم أمنى): تشبيه في وجوب الوضوء فقط. أي أن من جامع بأن غيب الحشفة في الفرج فاغتسل لذلك، ثم خرج منه مني بعد غسله، فإنه يجب عليه الوضوء فقط؛ لأن غسله للجنابة قد حصل.
(ولو شك أمني أم مذي وجب. فإن لم يدر وقته أعاد من آخر نومة): هذه المسألة متعلقة بخروجه في النوم. أي أن من انتبه من نومه فوجد بللاً في ثوبه أو بدنه فشك هل هو مني أو مذي وجب عليه الغسل لأن الشك مؤثر في إيجاب الطهارة، بخلاف الوهم؛ فمن ظن أنه مذي وتوهم في المني فلا يجب عليه الغسل.
ــ
وقوله: [بنوم]: الباء بمعنى في.
قوله: [اعلم أن موجبات] إلخ: أي أسبابه التي توجبه. والغسل بالضم: الفعل. وبالفتح: اسم للماء على الأشهر. وبالكسر اسم لما يغتسل به من أشنان ونحوه. وعرفه بعضهم بقوله: إيصال الماء لجميع الجسد بنية استباحة الصلاة مع الدلك.
قوله: [فخروج المني] إلخ: أي بروزه من الفرج أو الذكر كما صرح به الأبي في شرح مسلم ونقله عنه الحطاب، ومثله في العارضة لابن العربي. فالرجل كالمرأة لا يجب الغسل عليهما إلا بالبروز خارجاً، فإذا وصل مني الرجل لأصل الذكر أو لوسطه فلا يجب الغسل. وظاهره؛ ولو كان لربط أو حصى. وما ذكره الأصل من وجوب الغسل على الرجل بانفصاله عن مقره؛ لأن الشهوة قد حصلت بانتقاله - فهو قول ضعيف كما في (بن).اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [على ما استظهره] إلخ: أي معترضاً به على (ح) والتتائي القائلين: إذا رأى في منامه أن عقرباً لدغته فأمنى أو حك لجرب فالتذ فأمنى فوجد المني لم يجب الغسل. وقبل الرماصي ما للأجهوري من أن الأحوط وجوب الغسل وقال (بن): ما تمسك به الأجهوري في رده على الحطاب و (تت) واهٍ جداً. اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [ولو بعد ذهابها]: أي هذا إذا كان خروج المني مقارناً للذة، بل إن خرج بعد ذهابها وسكون إنعاظه حال كون ذلك الخروج بلا جماع. ويلفق حالة النوم لحالة اليقظة، فإذا التذ في نومه ثم خرج منه المني في اليقظة بعد انتباهه من غير لذة اغتسل، وسواء اغتسل قبل خروج المني جهلاً منه، أو لم يغتسل. بخلاف ما إذا كانت اللذة ناشئة عن جماع بأن غيب الحشفة ولم ينزل، ثم أنزل بعد ذهاب لذته وسكون إنعاظه؛ فإنه يجب عليه الغسل، ما لم يكن اغتسل قبل الإنزال، وإلا فلا لوجود موجب الغسل وهو مغيب الحشفة، كما صرح به بعد. وكذا إذا خرج بعض المني بغير جماع ثم خرج البعض الباقي؛ فإن اغتسل للبعض الأول فلا يعيد الغسل وإنما يتوضأ للثاني.
قوله: [في جماع]: متعلق بتفكر.
وقوله: [كمباشرة]: مثال للأعلى.
قوله: [لكن قال ابن مرزوق] إلخ: ظاهر استدام أم لا. والحاصل أنهم مثلوا اللذة غير المعتادة: بالنزول في الماء الحار وحك الجرب وهز الدابة. قال في الأصل: أما نزوله بالماء الحار فلا يوجب الغسل ولو استدام فيما يظهر، وحك الجرب إن كان بذكره، وهز الدابة إن أحس بمبادئ اللذة فيهما واستدام وجب الغسل وإلا فلا. وأما إن كان بغير ذكره فإنه كالماء الحار. بقي شيء؛ وهو أنه في هز الدابة إذا أحس بمبادئ اللذة واستدام حتى أنزل، فهل يجب الغسل ولو كانت الاستدامة لعدم القدرة على النزول كمن أكره على الجماع؟ أو لا غسل حينئذ؟ تردد في ذلك الأجهوري.
قوله: [تضعيفه]: قال في حاشية الأصل نقلاً عن (بن): اعترض ابن مرزوق على المصنف بأن الراجح وجوب الغسل بخروجه بلذة غير معتادة، كما اختاره اللخمي وظاهر ابن بشير. قال شيخنا: عدم تعرض الشراح لنقل كلام ابن مرزوق وإعراضهم عنه يقتضي عدم تسليمه، وحينئذ فيكون الراجح ما قاله المصنف اهـ. وقد تبع مصنفنا ما قاله خليل.
قوله: [بأن غيب الحشفة] إلخ: مثل الرجل المذكور؛ المرأة إذا خرج من فرجها المني بعد غسلها من الجماع.
قوله: [فقط]: أي ولا يعيد الصلاة التي كان صلاها.
قوله: [ولو شك] إلخ: سكت المصنف والشارح عما إذا رأت المرأة حيضاً في ثوبها ولم تدر وقت حصوله، وحكمها أنها تغتسل وتعيد الصلاة من يوم لبسه اللبسة الأخيرة لاحتمال طهرها وقت أول صلاة، كالصوم؛ لانقطاع التتابع. إلا أن تبيت النية كل ليلة فتعيد عادتها إن أمكن استغراقه لها لكثرته، ولو كل يوم نقطة، وإلا فبحسبه. فإن لم يتصور زيادته على يومين
فلذا لو شك بين ثلاثة أمور كمني ومذي وودي، لم يجب الغسل؛ لأن تعلق التردد: بين ثلاثة أشياء، يصير كل فرد عن [1] أفرادها وهماً. ومن وجد منياً محققاً أو مشكوكاً، ولم يدر الوقت الذي خرج فيه، فإنه يغتسل ويعيد صلاته من آخر نومة سواء كانت بليل أو نهار، ولا يعيد ما صلاه قبلها.
(وبمغيب الحشفة أو قدرها في فرج مطيق، وإن بهيمة أو ميتاً): الموجب الثاني للغسل: تغييب المكلف - جميع حشفته - أي رأس ذكره - أو تغييب قدرها من مقطوعها في فرج شخص مطيق للجماع قبلاً أو دبراً من ذكر أو أنثى ولو غير بالغ، أو كان المطيق بهيمة أو ميتاً.
(وعلى ذي الفرج إن بلغ): أي ويجب الغسل على صاحب الفرج المغيب فيه إن كان بالغاً. وهذا القيد معلوم من قوله: المكلف. ذكره لزيادة الإيضاح فلا يجب الغسل على غير المكلف، ولا بتغييب الحشفة في غير فرج كالأليتين والفخذين، ولا في فرج غير مطيق.
(وندب لمأمور الصلاة؛ كصغيرة وطئها بالغ): أي ويندب الغسل لذكر مأمور بالصلاة
ــ
في ظن العادة قضتهما فقط، وهكذا. ومن هنا فرع الوجيزي: الذي في (عب): ثلاث جوار لبست كل الثوب عشرة في رمضان، فوجد فيه نقطة دم؛ فتصوم كل واحدة منهن يوماً مع التبييت، وتقضي الأولى صلاة الشهر، والثانية، عشرين، والثالثة، عشرة. وظاهر كلامهم إلغاء الاستظهار هنا. اهـ من شيخنا في مجموعه
قوله: [لم يجب الغسل]: أي ولكن يجب غسل الذكر كما استظهره بعضهم، وقال في الحاشية: لا يجب غسل الجسد ولا الذكر، وأما إذا شك أمذي أم بول أو أمذي أم ودي، وجب غسل الذكر اتفاقاً.
قوله: [فإنه يغتسل ويعيد] إلخ: محل وجوب الإعادة بعد الغسل في مسألة الشك أو التحقق إذا لم يلبسه غيره ممن يمني، وإلا لم يجب غسل بل يندب فقط، كما ذكره الأصل تبعاً لابن العربي. وهو مخالف لما قالوه من وجوب الغسل على كل من شخصين لبسا ثوباً ونام فيه كل واحد منهما ولم يحتمل لبس غيرهما لذلك الثوب، ووجد فيه مني. ولقول البرزلي: لو نام شخصان تحت لحاف ثم وجدا منياً عزاه كل واحد منهما لصاحبه، فإن كانا غير زوجين اغتسلا وصليا من أول ما ناما فيه لتطرق الشك إليهما معاً فلا يبرآن إلا بيقين، وإن كانا زوجين اغتسل الزوج فقط؛ لأن الغالب أن الزوجة لا يخرج منها ذلك. قال (بن): فهما قولان واستظهر بعضهم الثاني لا ما قاله ابن العربي. اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [المكلف]: أي ولو خنثى مشكلاً، إذا غيبها في فرج غيره أو في دبر نفسه، وإلا - بأن غيبها في فرج نفسه - فلا، ما لم ينزل. واشتراط البلوغ خاص بالآدمي، فإذا غيبت المرأة ذكر بهيمة في فرجها وجب الغسل، ولا يشترط في البهيمة البلوغ.
ويدخل في المكلف الجن؛ فلو غيب ذكره في إنسية، أو إنسي غيب ذكره في جنية، وجب الغسل على كل، قال في الحاشية: وهو التحقيق.
قوله: [جميع حشفته]: أي ما يلف عليها خرقة كثيفة. وليست الجلدة التي على الحشفة بمثابة الخرقة الكثيفة.
قوله: [قدرها من مقطوعها]: ومثل القطع ما لو قلناه وهل يعتبر قدر طولها لو انفرد واستظهر؟ أو مثنياً؟ وانظر لو خلق ذكره كله بصفة الحشفة، هل يراعى قدرها من المعتاد؟ أو لا بد في إيجاب الغسل من تغييبه كله؟ والظاهر - كما في الحاشية - الأول.
قوله: [قبلاً أو دبراً] إلخ: ظاهره: غيب الحشفة في القبل في محل الافتضاض أو في محل البول، وهو كذلك خلافاً لمن شرط محل الافتضاض. بقي لو دخل شخص بتمامه في الفرج؛ فلا نص عندنا. وقالت الشافعية: إن بدأ في الدخول بذكره اغتسل، وإلا فلا كأنهم رأوه كالتغييب في الهوي. ويفرض ذلك في الفيلة ودواب البحر الهائلة. وما ذكره من أن تغييب الحشفة في الدبر يوجب الغسل هو المشهور من المذهب، وفي (ح) قول شاذ لمالك: إن التغييب في الدبر لا يوجب غسلاً حيث لا إنزال، وللشافعية: أنه لا ينقض الوضوء وإن أوجب الغسل، فإذا كان متوضئاً وغيب الحشفة في الدبر ولم ينزل وغسل ما عدا أعضاء الوضوء أجزأه. انتهى من حاشية الأصل. ومحل كونه لا ينقض الوضوء عندهم حيث كان المغيب في دبره ذكراً أو أنثى محرماً.
قوله: [أو ميتاً]: أي ولا يعاد غسل الميت المغيب فيه لعدم التكليف.
قوله: [غير مطيق]: أي سواء كان آدمياً أو غيره.
قوله: [لمأمور الصلاة]: أي وإن لم يراهق. فلا مفهوم لقول خليل: مراهق. ففي المواق عن ابن بشير: إذا عدم البلوغ في الواطئ أو الموطوءة، فمقتضى المذهب لا غسل. ويؤمران به على جهة الندب انتهى. وقال أشهب وابن سحنون: يجب عليها وعليه. فلو صليا بدونه فقال أشهب: يعيدان. وقال ابن سحنون: يعيدان بقرب ذلك لا أبدًا. قال سند: وهو حسن، وعليه يحمل قول أشهب. والمراد بالقرب: كاليوم، كما في (ر). والمراد بوجوب الغسل عليهما: عدم صحة الصلاة بدونه لتوقفها عليه كالوضوء، لا ترتب الإثم على الترك. انتهى من حاشية الأصل. فعلى الندب الذي هو مشهور المذهب
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (من).
وطئ مطيقاً كما يندب لمطيقة وطئها بالغ وإلا فلا.
(وبحيض ونفاس ولو بلا دم، لا باستحاضة. وندب لانقطاعه): الموجب الثالث والرابع للغسل: الحيض ولو دفعة. والنفاس ولو خرج الولد بلا دم أصلاً. ولا يجب بخروج دم الاستحاضة، لكن يندب إذا انقطع.
(وفرائضه: نية فرض الغسل، أو رفع الحدث، أو استباحة ممنوع، بأول مفعول): فرائض الغسل خمسة: الأولى: النية عند أول مفعول سواء [1] ابتدأ بفرجه أو غيره بأن ينوي بقلبه أداء فرض الغسل، أو ينوي رفع الحدث الأكبر أو رفع الجنابة، أو ينوي استباحة ما منعه الحدث الأكبر أو استباحة الصلاة مثلاً.
(وموالاة كالوضوء وتعميم ظاهر الجسد بالماء): الفريضة الثانية: الموالاة إن ذكر وقدر، كالموالاة في الوضوء. فإن فرق عامداً بطل إن طال، - وإلا بنى على ما فعل بنية.
الفريضة الثالثة: تعميم ظاهر الجسد بالماء، بأن ينغمس فيه أو يصبه على جسده بيده أو غيرها.
(ودلك ولو بعد صبه وإن بخرقة، فإن تعذر سقط، ولا استنابة): الفريضة الرابعة: الدلك وهو هنا إمرار العضو على ظاهر الجسد، يداً أو رجلاً فيكفي دلك الرجل بالأخرى. ويكفي الدلك بظاهر الكف وبالساعد والعضد، بل ويكفي [2] بالخرقة عند - القدرة - باليد على الراجح - بأن يمسك طرفيها بيديه، ويدلك بوسطها أو بحبل كذلك. ويكفي ولو بعد صب الماء وانفصاله عن الجسد
ــ
لو جامع وهو متوضئ وصلى بغير غسل فصلاته صحيحة، غاية ما فيه الكراهة. ولذلك يقولون: جماع الصبي لا ينقض وضوءه.
قوله: [وطئ مطيقًا]: كان الموطوء بالغاً أو غير بالغ.
قوله: [وإلا فلا]: هذا هو المعتمد. والحاصل أن الصور أربع: لأن الواطئ والموطوء بالغان أو بالغ وصغيرة أو صغير وبالغة أو صغيران. فالأولى: يجب فيها الغسل عليهما اتفاقاً. وفي الثانية: يجب الغسل على الواطئ ويندب للموطوءة حيث كانت مأمورة
بالصلاة. وفي الثالثة: يندب للواطئ دون موطوءته ما لم تنزل. وكذا في الرابعة.
قوله: [وبحيض]: أي بوجود حيض، فالموجب للغسل وجوده لا انقطاعه، وإنما هو شرط في صحته كما قال الأصل. وما قيل في الحيض يقال في النفاس.
قوله: [ولو بلا دم]: هذا هو المستحسن عند ابن عبد السلام وخليل من روايتين عن مالك وهو الأقوى ذكره شيخنا في مجموعه.
قوله: [لكن يندب إذا انقطع]: أي لأجل النظافة وتطييب النفس، كما يندب غسل المعفوات إذا تفاحشت لذلك، والاستحاضة من جملتها. وأما قول بعضهم: لاحتمال أن يكون خالط الاستحاضة حيض وهي لا تشعر، ففيه نظر؛ لأنه يقتضي وجوب الغسل لا ندبه لوجود الشك في الجنابة.
قوله: [بأن ينوي إلخ]: ولا يضر إخراج بعض المستباح، بأن يقول: نويت استباحة الصلاة لا الطواف مثلاً. ولا نسيان موجب، بخلاف إخراجه الحدث، كأن يقول: نويت الغسل من الجماع لا من خروج المني، والحال أن ما أخرجه قد حصل منه وإلا فلا شيء عليه. أو ينوي مطلق الطهارة المتحققة في الواجبة والمندوبة أو في المندوبة فقط، فإنه يضر.
قوله: [كالوضوء] إلخ: التشبيه في الصفة والحكم معاً.
قوله: [عامداً]: أي مختاراً.
قوله: [وإلا بنى بنية]: أي حيث فرق ناسياً وأما لو فرق عاجزاً فيبني ولا يفتقر لنية لاستصحابها. وما تقدم في الوضوء يأتي هنا. والحاصل أن قوله: [فإن فرق عامداً] إلى آخره: ما قيل إلا منطوقه صورة واحدة. ومفهومه بعدها خمس صور: وهي ما إذا فرق ناسياً، أو عاجزاً، أطال أم لا، أو عامداً مختاراً ولم يطل. والكل يبني فيها بغير تجديد نية، إلا إذا فرق ناسياً وطال. فقول الشارح:(بنى بنية) كلام مجمل وقد علمت أنه محمول على الناسي في حالة الطول.
قوله: [أو غيرها]: كتلقيه من المطر وتمريغه في الزرع وعليه ندى كثير حتى عمه الماء.
قوله: [ودلك]: هو داخل في مفهوم الغسل؛ لأنه صب الماء على العضو مع دلك كما تقدم في الوضوء؛ وحينئذ فيغني عنه اسم الغسل لكنه ذكره للرد على من يقول: إنه واجب لإيصال الماء للبشرة، فنص على أنه واجب لنفسه فيعيد تاركه أبداً ولو تحقق وصول الماء للبشرة. وهذا هو المشهور في المذهب. واختار الأجهوري القول الثاني لقوة مدركه. ولكن الحق أنه، وإن كان قوي المدرك، فهو ضعيف في المذهب.
قوله: [ولو بعد صبه]: خلافاً للقابسي في اشتراط المقارنة لصب الماء. فإذا انغمس في الماء ثم خرج منه فصار الماء منفصلاً عن جسده إلا أنه مبتل، فيكفي الدلك في هذه الحالة على الأول لا على الثاني.
قوله: [وهو هنا]: يحترز عن الوضوء. فإنه على مشهور المذهب المراد منها باطن الكف، وتقدم نقل (بن) عن المسناوي أنه كالغسل يكفي فيه أي عضو فلا فرق بينهما على هذا القول.
قوله: [على الراجح]: أي خلافاً لما نقله بهرام عن سحنون من عدم الكفاية بخرقة مع القدرة باليد، وعليه اقتصر (عب) ورد شيخنا ذلك. واعتمد الكفاية تبعاً لشيخه الصغير. انتهى من حاشية الأصل.
قوله: [ويكفي ولو بعد صب الماء] إلخ: إنما قدر الشارح ذلك - قبل المبالغة - لأن ظاهر كلام المصنف غير مستقيم؛ لأن ظاهره الدلك، والدلك واجب. هذا إذا كان مقارناً لصب الماء، بل ولو بعد صبه خلافاً لمن يقول بعد الصب ليس بواجب. ونفي الوجوب يجامع الآخر،
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
ليست في ط. المعارف.
[2]
في ط المعارف: (يكفي).
ما لم يجف. فإن تعذر الدلك سقط ويكفي تعميم الجسد بالماء كما في سائر الفرائض. إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، خلافاً لمن يقول: يجب استنابة من يدلكه من زوجة أو أمة، أو يتدلك بحائط إن كانت ملكاً له، أو أذن له مالكها في ذلك وكان الدلك بها لا يؤذيه. فإنه ضعيف، وإن مشى عليه الشيخ.
(وتخليل شعر وأصابع رجليه) الفريضة الخامسة: تخليل شعره ولو كثيفاً سواء كان شعر رأس أو غيره. ومعنى تخليله: أن يضمه ويعركه عند صب الماء حتى يصل إلى البشرة، فلا يجب إدخال أصابعه تحته ويعرك بها البشرة. وكذا يجب تخليل أصابع الرجلين هنا فأولى اليدين. وتقدم في الوضوء أنه يندب تخليل أصابع رجليه ويجب تخليل أصابع اليدين.
(لا نقض مضفوره، إلا إذا اشتد، أو بخيوط كثيرة) أي لا يجب على المغتسل نقض مضفور شعره ما لم يشتد الضفر حتى يمنع وصول الماء إلى البشرة، أو يضفر بخيوط كثيرة تمنع وصول الماء إلى البشرة أو إلى باطن الشعر.
(وإن شك غير مستنكح في محل غسله) إذا شك غير المستنكح في محل من بدنه هل أصابه الماء، وجب عليه غسله بصب الماء عليه ودلكه. وأما المستنكح - وهو الذي يعتريه الشك كثيراً - فالواجب عليه الإعراض عنه، إذ تتبع الوسواس يفسد الدين من أصله، نعوذ بالله منه.
(ووجب تعاهد [1] المغابن من شقوق وأسرة وسرة ورفغ وإبط): يجب على المغتسل أن يتعهد مغابنه أي المحلات التي ينبو عنها الماء كالشقوق التي في البدن والأسرة أي التكاميش والسرة والرفغين، والإبطين وكل ما غار من البدن، بأن يصب عليه الماء ويدلكه إن أمكن، وإلا اكتفى بصب الماء.
(وسننه: غسل يديه أولاً، ومضمضة، واستنشاق، واستنثار، ومسح صماخ): أي سننه خمسة: غسل يديه أولاً إلى كوعيه، والمضمضة، والاستنشاق، والاستنثار كما تقدم في الوضوء،
ــ
مع أن المردود عليه يقول بعدمه.
قوله: [ما لم يجف]: وإلا فلا يجزئ اتفاقاً.
قوله: [فإن تعذر الدلك] إلخ: أي إذا تعذر الدلك بما ذكر من اليد والخرقة سقط، ويكفي تعميم جسده بالماء. بل قال ابن حبيب: متى تعذر باليد سقط، ولا يجب بالخرقة ولا الاستنابة. ورجحه ابن رشد فيكون هو المعتمد انتهى من الأصل.
قوله: [خلافاً لمن يقول] إلخ: أي وهو سحنون وتبعه خليل، وذكر ابن القصار ما يفيد ضعفه.
قوله: [ولو كثيفاً]: أي هذا إن كان خفيفاً، بل إن كان كثيفاً على الأشهر. وقيل: يندب تخليل الكثيف فقط. وقيل: تخليله مباح وهذا الخلاف في اللحية فقط.
وأما غيرها فتخليله واجب اتفاقاً، خفيفاً أو كثيفاً. قاله في حاشية الأصل تبعاً ل (بن).
قوله: [وأصابع رجليه]: أي أنه لا يتم تعميم الجسد إلا بذلك، كالتكاميش التي تكون في الجسد؛ فلا بد من إيصال الماء إليها.
قوله: [حتى يصل إلى البشرة]: وهذا واجب وإن كانت عروساً تزين شعرها، وفي (بن): وغيره أن العروس التي تزين شعرها ليس عليها غسل رأسها لما في ذلك من إتلاف المال ويكفيها المسح عليه. وفي (ح) عند قول خليل في الوضوء "ولا ينقض ضفره أي رجل أو امرأة": أنها تتيمم إذا كان الطيب في جسدها كله؛ لأن إزالته من إضاعة المال.
قوله: [ويجب تخليل إلخ]: وتقدم الفرق بينهما.
قوله: [لا نقض مضفوره إلخ]: تقدم تفصيله في الوضوء نظماً ونثراً
قوله: [مضفور شعره]: والرجل والمرأة في ذلك - وفي جواز الضفر - سواء، إن لم يكن على طريقة ضفر النساء في الزينة والتشبه بهن، فلا أظن أحداً يقول بجوازه، قاله في الأصل، وقال أيضاً: وكذا لا يجب عليه نقض الخاتم ولا تحريكه ولو ضيقاً على المعتمد اهـ. والمراد به الخاتم المأذون في لبسه وإلا وجب نزعه إن كان ضيقاً كما تقدم في الوضوء.
قوله: [أو إلى باطن الشعر]: هذا التفصيل الذي قاله الشارح هو مشهور المذهب، وتقدم لنا - في مبحث الوضوء أنه ينفع النساء كثيرات الضفائر في الغسل - مذهب السادة الحنفية؛ لأن الشرط عندهم وصول الماء لأصول الشعر ولا يلزم تعميمه ولا إدخال الماء في باطنه بالنسبة للنساء. وأما الرجال فلا بد من تعميم ظاهره وباطنه لأن لهم مندوحة عن ذلك بحلقه هذا هو المأخوذ من الدر المختار.
قوله: [وإن شك] إلخ: أي فلا بد من تعميم الجسد تحقيقاً. ويكفي غلبة الظن على المعتمد لغير المستنكح.
قوله: [وجب عليه]: أي ولا يبرأ إلا بيقين أو غلبة ظن.
قوله: [أولاً]: أي قبل إدخالهما في الإناء بشرط أن يكون الماء قليلاً وأمكن الإفراغ، وأن يكون غير جار، فإن كان كثيراً أو جارياً أو لم يمكن الإفراغ منه، كالحوض الصغير أدخلهما فيه إن كانتا نظيفتين، أو غير نظيفتين ولم يتغير الماء بإدخالهما، وإلا تحيل على غسلهما خارجه إن أمكن، وإلا تركه وتيمم إن لم يجد غيره؛ لأنه كعادم الماء.
قوله: [كما تقدم في الوضوء]: ويأتي هنا الخلاف: هل التثليث من تمام السنة؟ أو الثانية والثالثة مستحب؟ وهو الراجح. ويأتي هنا توقف السنة على غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء، إن أمكن الإفراغ إلى آخر الشروط التي ذكرت.
وقيل: الأولية قبل إزالة الأذى، وإن كان المعتمد الأول. واعلم أن جعل المضمضة والاستنشاق والاستنثار ومسح صماخ الأذنين من سنن الغسل، إنما هو حيث لم يفعل قبله الوضوء المستحب، فإن فعله قبله كانت هذه الأشياء
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (تعهد).
ومسح صماخ الأذنين - بضم الصاد المهملة- أي ثقبيهما، ولا يبالغ فإنه يضر السمع، وأما ظاهرهما وباطنهما فمن ظاهر الجسد يجب غسله كما سيأتي.
(وفضائله: ما مر في الوضوء. وبدء بإزالة الأذى، فمذاكيره، ثم أعضاء وضوئه مرة، وتخليل أصول شعر رأسه، وتثليثه يعمه بكل غرفة، وأعلاه، وميامنه) أي أن فضائل الغسل - أي مستحباته- ما تقدم في الوضوء؛ من قوله: موضع طاهر، واستقبال وتسمية، وتقليل ماء بلا حد كالغسل. ويندب في الغسل بدء بإزالة الأذى: أي النجاسة، سواء كانت في فرجه أو في غيره. ثم يشرع في الغسل، فيبدأ - بعد غسل يديه إلى كوعيه وإزالة ما عليه من النجاسة إن كانت - بغسل مذاكيره أي الفرج والأنثيين والدبر. وعبر عنها بالمذاكير تبركاً بالحديث الوارد في صفة غسله صلى الله عليه وسلم.
وحاصل كيفية الغسل المندوبة: أن يبدأ بغسل يديه إلى كوعيه ثلاثاً كالوضوء بنية السنية، ثم يغسل ما بجسمه من أذى، وينوي فرض الغسل أو رفع الحدث الأكبر، فيبدأ بغسل فرجه وأنثييه ورفغيه ودبره وما بين أليتيه مرة فقط، ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر، ثم يغسل وجهه إلى تمام الوضوء مرة مرة، ثم يخلل أصول شعر رأسه لتنسد المسام خوفاً من أذية الماء إذا صب على الرأس، ثم يغسل رأسه ثلاثاً يعم رأسه في كل مرة، ثم يغسل رقبته ثم منكبيه إلى المرفق ثم يفيض الماء على شقه الأيمن إلى الكعب ثم الأيسر كذلك. ولا يلزم تقديم
الأسافل على الأعالي؛ لأن الشق كله بمنزلة عضو واحد، خلافاً لمن قال: يغسل الشق الأيمن إلى الركبة ثم الأيسر كذلك، ثم يغسل من ركبته اليمنى إلى كعبها ثم اليسرى كذلك، قال: لئلا يلزم تقديم الأسافل على الأعالي، ولم يدر أن الشق كله بمنزلة عضو واحد، ولم تنقل هذه الصفة في اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم ثم إذا غسل الشق الأيمن أو الأيسر، يغسله بطناً وظهراً. فإن شك في محل ولم يكن مستنكحاً وجب غسله وإلا فلا.
(ويجزئ عن الوضوء وإن تبين عدم جنابته، ما لم يحصل ناقض بعده وقبل تمام الغسل) يعني أن الغسل على الصفة المتقدمة أو على غيرها، يجزئ عن الوضوء ولو لم يستحضر رفع الحدث الأصغر؛
ــ
من سنن الوضوء لا الغسل كما يفيده كلام الشيخ أحمد الزرقاني. ولكن الحق أن هذا الوضوء الذي يأتي به وضوء صورة، وفي المعنى قطعة من الغسل. وحينئذ فيصح إضافة السنن لكل منهما عند إتيانه بالوضوء، وعند عدم الإتيان به تكون مضافة للغسل. اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [أي ثقبيهما]: أي فالسنة هنا مغايرة للسنة في الوضوء؛ لأنها مسح ظاهرهما وباطنهما وصماخهما، والسنة هنا مسح الثقب الذي هو الصماخ.
قوله: [بإزالة الأذى] إلخ: أي ولا يكون مس فرجه لإزالة الأذى ناقضاً لغسل يديه أولاً لما تقدم من أن المعتمد غسلهما قبل إدخالهما في الإناء، فلا يعيد غسلهما بعد إزالة الأذى. خلافاً لمن يقول بإعادة الغسل.
قوله: [وإزالة ما عليه]: إشارة إلى أن إزالة الأذى متأخرة عن غسل اليدين.
قوله: [تبركاً بالحديث]: أي لكون هذه العبارة وقعت في لفظ الحديث.
قوله: [المندوبة]: أي الكاملة التي جمعت الفرائض والسنن والفضائل.
قوله: [بنية السنية]: أي للوضوء الصوري أو للغسل.
قوله: [ما بجسمه]: فرجاً أو غيره بدليل تعريفه.
قوله: [وينوي]: أي عند البدء بغسل فرجه.
قوله: [إلى تمام الوضوء مرة مرة]: تبع الشارح خليلاً موافقة لما ذكره عياض عن بعض شيوخه من أنه لا فضيلة في تكراره، واقتصر عليه في التوضيح أيضاً قال (ر): ويرد عليه ما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري، من أنه قد ورد من طرق صحيحة أخرجها النسائي والبيهقي من رواية أبي سلمة «عن عائشة أنها وصفت غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة وفيه: ثم تمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً وغسل وجهه ثلاثاً ويديه ثلاثاً ثم أفاض الماء على رأسه ثلاثاً» اهـ. فإذا علمت ذلك فلأهل المذهب طريقتان في كيفية الغسل بينهما الشارح، ولهم في الوضوء طريقتان أيضاً: التثليث وعدمه، وتقديم الرجلين قبل غسل الرأس أو تأخيرهما بعد تمام الغسل. فاختار شارحنا تبعاً لخليل التقديم وكون الغسل مرة مرة.
قوله: [لتنسد المسام]: أي ففي التخليل فائدة طيبة؛ وهي سد المسام؛ لمنع الضرر عن الرأس، وفائدة شرعية وهي عدم الإسراف في الماء.
قوله: [ثم يغسل رأسه ثلاثاً]: أي فالتثليث في الرأس وغسل اليدين للكوعين مندوب باتفاق أهل المذهب، بخلاف باقي أعضاء الوضوء، ففيها الخلاف.
قوله: [إلى الكعب]: ما ذكره هو الذي اختاره الشيخ أحمد الزرقاني وزروق. وفي (ح): ظواهر النصوص تقتضي أن الأعلى يقدم بميامنه ومياسره على الأسفل بميامنه ومياسره، لا أن ميامن كل من الأعلى والأسفل مقدمة على مياسر كل. بل هذا صريح عبارة ابن جماعة وبه قرر ابن عاشر. وهذه هي الطريقة الثانية التي رد عليها الشارح.
قوله: [فإن شك] إلخ: هذا مكرر مع قوله سابقاً: [وإن شك غير مستنكح في محل غسله]، وإنما كرره لأجل تمام الكيفية.
قوله: [ويجزئ] إلخ: ظاهر هذه العبارة أن غسل الجنابة يجزئ عن الوضوء. والأولى الوضوء بعد الغسل؛ لأن أكثر ما يستعمل العلماء هذه العبارة - أعني الإجزاء - في الإجزاء المجرد عن الكمال، وفيه نظر. فقد قال ابن عبد السلام: لا خلاف
لأنه يلزم من رفع الأكبر رفع الأصغر - كعكسه في محل الوضوء كما يأتي، ولو تبين له أنه لم يكن عليه جنابة. فيصلي بذلك الغسل ما لم يحصل ناقض للوضوء من حدث كريح، أو سبب كمس ذكر بعده - أي بعد تمام الوضوء - أو بعضه وقبل تمام الغسل. فإن حصل ناقض أعاد ما فعله من الوضوء مرة مرة بنية الوضوء، وهو معنى قوله:(وإلا أعاده مرة بنيته): أي الوضوء. وأما حصوله بعد تمام الغسل فإنه يعيده بنيته اتفاقاً مع التثليث على ما تقدم.
(والوضوء عن محله ولو ناسياً لجنابته): أي ويجزئ الوضوء عن محل الوضوء؛ يعني أن من توضأ بنية رفع الحدث الأصغر ثم تمم الغسل بنية رفع الأكبر أو بنية الغسل، فإنه يجزئه غسل محل الوضوء عن غسله في الغسل، فلا يعيد غسل أعضاء الوضوء في غسله، ولو كان ناسياً أن عليه جنابة حال وضوئه. فإذا تذكر -ولو بعد طول- فإنه يبني بنية على ما غسله من أعضاء الوضوء إذا لم يطل ما بين تذكره وبين الشروع في الإتمام.
(ولو نوى الجنابة ونفلاً أو نيابة عن النفل، حصلا) يعني أن من كان عليه جنابة فاغتسل بنية رفع الجنابة وغسل الجمعة أو غسل العيد، حصلا معاً. وكذا إذا نوى نيابة غسل الجنابة عن غسل النفل. بخلاف ما لو نوى نيابة النفل عن الجنابة فلا تكفي عن واحد منهما. وقولنا: ونفلاً أشمل من قوله: "والجمعة" لأنه يشمل الاغتسالات المسنونة: كالجمعة وغسل الإحرام، والمندوبة: كالعيدين والغسل لدخول مكة.
(وندب لجنب وضوء لنوم لا تيمم ولا ينتقض إلا بجماع): أي يندب للجنب - إذا أراد النوم ليلاً أو نهاراً أن يتوضأ وضوءاً كاملاً كوضوء الصلاة. كما يندب لغيره. لكن وضوء الجنب لا يبطله إلا الجماع، بخلاف وضوء غيره فإنه ينقضه كل ناقض مما تقدم.
ــ
في المذهب فيما علمت أنه لا فضل في الوضوء بعد الغسل. وأجيب: بأن المراد بالإجزاء بالنظر للأولوية؛ أي أنه يجزئه ذلك الغسل إذا ترك الوضوء ابتداء مع مخالفة الأولى، وليس المراد أنه يطلب بالوضوء بعد الغسل كما فهم المعترض، وهذا الاعتراض والجواب واردان على خليل، وقد تبعه المصنف.
قوله: [لأنه يلزم من رفع الأكبر] إلخ: يؤخذ من هذا أن الغسل واجب أصلي لكونه عليه جنابة ولو بحسب اعتقاده، وأما لو كان غير واجب كغسل الجمعة والعيدين -ولو نذرهما- لا يجزئ عن الوضوء. ولا بد من الوضوء إذا أراد الصلاة، مثال رفع الأكبر الذي يجزئ عن الأصغر، كما لو انغمس في الماء ونوى بذلك رفع الأكبر، ولم يستحضر الأصغر؛ جاز له أن يصلي به. ونص ابن بشير: والغسل يجزئ عن الوضوء؛ فلو اغتسل ولم يبدأ بالوضوء ولا ختم به لأجزأه غسله عن الوضوء لاشتماله عليه. هذا إن لم يحدث بعد غسل شيء من أعضاء الوضوء بأن لم يحدث أصلاً أو أحدث قبل غسل شيء من أعضاء الوضوء. وأما إن أحدث بعد غسل شيء منه، فإن أحدث بعد تمام وضوئه وغسله فهو كمحدث يلزمه أن يجدد وضوءه بنية اتفاقاً. وإن أحدث في أثناء غسله - فهذا إن لم يرجع فيغسل ما غسل من أعضاء وضوئه قبل حدثه - فإنه لا تجزئه صلاته. وهل يفتقر هذا في غسل ما تقدم من أعضاء وضوئه لنية، أو تجزئه نية الغسل عن ذلك؟ فيه قولان للمتأخرين. فقال ابن أبي زيد: يفتقر إلى نية، وقال القابسي: لا يفتقر إلى نية.
قوله: [بنيته أي الوضوء]: أي على طريقة ابن أبي زيد وأما على قول القابسي فلا يفتقر لها.
قوله: [اتفاقاً]: أي من ابن أبي زيد والقابسي وغيرهما من أهل المذهب.
قوله: [والوضوء عن محله]: هذه المسألة عكس المسألة المتقدمة، وهي التي وعد بها. لأن المتقدمة أجزأ فيها غسل الجنابة عن الوضوء، وهذه أجزأ فيها غسل الوضوء على بعض غسل الجنابة.
قوله: [ولو كان ناسياً] إلخ: دفع به ما يتوهم أن نية الأصغر لا تنوب عن الأكبر.
قوله: [إذا لم يطل] إلخ: أي وأما طوله قبل التذكر فلا يضر ما دام لم تنتقض طهارته.
قوله: [ولو نوى الجنابة] إلخ: ترك المصنف ما إذا جمع بين واجبين في نية واحدة لعلمه مما تقدم، ولأن الأسباب إذا تعدد موجبها ناب موجب أحدهما عن الآخر.
قوله: [حصلا معاً]: أي حصل المقصود من الواجب والنفل. ويؤخذ من هذه المسألة صحة صوم عاشوراء للفضيلة والقضاء، ومال إليه ابن عرفة ويؤخذ منه أيضاً أن من كبر تكبيرة واحدة ناوياً بها الإحرام والركوع، فإنها تجزئه. وأن من سلم تسليمة واحدة ناوياً بها الفرض والرد فإنها تجزئه، وبه قال ابن رشد. .اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [وضوء لنوم]: في (عب): مثله الحائض بعد انقطاع الدم لا قبله وهذا على أن العلة رجاء نشاطه للغسل.
قوله: [لا تيمم]: أي بناء على أن العلة النشاط، وقيل يتيمم عند عدم الماء بناء على أن العلة الطهارة، وأما وضوء الجنب للأكل فلم يستمر عليه عمل عند المالكية، وإن قال به بعض من أهل العلم كما في الموطأ. اهـ. من حاشية شيخنا على مجموعه.
قوله: [كوضوء الصلاة]: أي فلا بد فيه من الاستبراء من المني وغيره خلافاً لما يتوهم من قولهم: لا ينتقض إلا بجماع، أنه لا يتوقف على استبراء. وعدم نقضه بذلك لا ينافي وجوب الاستبراء ابتداء؛ لأنه من شروط
ولك أن تقول ملغزاً: ما وضوء لا ينقضه بول ولا غائط؟ فإذا لم يجد الجنب ماء عند إرادة النوم فلا يندب له التيمم.
(وتمنع موانع الأصغر وقراءة إلا اليسير لتعوذ أو رقيا أو استدلال، ودخول مسجد ولو مجتازاً): أي أن الجنابة من جماع أو حيض أو نفاس تمنع موانع الحدث الأصغر، من صلاة وطواف ومس مصحف أو جزئه على ما تقدم. وتمنع أيضاً قراءة القرآن، إلا الحائض والنفساء كما يأتي في الحيض. ويستثنى من منع القراءة اليسير لأجل تعوذ عند نوم أو خوف من إنس أو جن، فيجوز.
والمراد باليسير: ما الشأن أن يتعوذ به كآية الكرسي والإخلاص، أو لأجل رقيا للنفس أو للغير من ألم أو عين، أو لأجل استدلال على حكم نحو:{وأحل الله البيع وحرم الربا} [البقرة: 275]. وتمنع أيضاً دخول المسجد سواء كان جامعاً أم لا، ولو كان الداخل مجتازاً أي ماراً فيه من باب لباب آخر فيحرم عليه.
(ولمن فرضه التيمم دخوله به): أي يجوز للجنب الذي فرضه التيمم -لمرض أو لسفر وعدم الماء- أن يدخله بالتيمم للصلاة ويبيت فيه إن اضطر لذلك. وكذا صحيح حاضر اضطر للدخول فيه ولم يجد خارجه ماء.
ولما فرغ من الكلام على الطهارة المائية وما يتعلق بها انتقل يتكلم على الترابية وهي التيمم وما يتعلق به من الأحكام فقال: -
فصل [1]:
(إنما يتيمم لفقد ماء كاف بسفر أو حضر، أو قدرة على استعماله) اعلم أن التيمم لا يجوز ولا يصح إلا لأحد أشخاص سبعة:
الأول: فاقد الماء الكافي للوضوء أو للغسل بأن لم يجد ماء أصلاً أو وجد ماء لا يكفيه.
الثاني: فاقد القدرة على استعماله، أي من لا قدرة له عليه، وهو شامل للمكره والمربوط بقرب الماء والخائف على نفسه من سبع أو لص، فيتيمم كل منهما في الحضر والسفر، ولو سفر معصية، خلافاً لما مشى عليه الشيخ من - تقييده بالمباح
ــ
كل وضوء شرعي.
قوله: [ملغزاً]: أنشد الخرشي في كبيره نقلاً عن التتائي:
وإن سألت وضوءاً ليس يبطله
…
إلا الجماع وضوء النوم للجنب
تنبيه: يندب للجنب أيضاً غسل فرجه إذا أراد العود للجماع، كانت التي جامعها أو غيرها لما فيه من إزالة النجاسة، وتقوية العضو. وقيل إن كانت الموطوءة أخرى وجب الغسل؛ لئلا يؤذيها بنجاسة غيرها، ويندب للأنثى الغسل كما ذكره ابن فجلة، ورده (عب) بأنه يرخي محلها، قال شيخنا في حاشية مجموعه: ولعل الأظهر كلام ابن فجلة خصوصاً بفور الجماع وتنشفه.
قوله: [وقراءة]: أي ويزاد في المنع القراءة ولو بغير مصحف ولو لمعلم ومتعلم.
قوله: [كآية الكرسي] إلخ: بل ظاهر كلامهم أن له قراءة: {قل أوحي} ، وفي (ح) عن الذخيرة لا يتعوذ بنحو:{كذبت قوم لوط} [الشعراء: 160] وتبعه الأجهوري وغيره، ونوقش، بأن القرآن كله حصن وشفاء وليس من القراءة مرور القلب بل حركة اللسان.
قوله: [ولو كان الداخل مجتازاً]: رداً على الشافعية القائلين بجواز الدخول للمجتاز.
قوله: [ولم يجد خارجه ماء]: أي وكان الماء داخله أو الدراهم التي يحصله بها داخله. ولو احتلم فيه هل يتيمم لخروجه منه أو لا؟ وهو الأقوى كما في (ح) لما فيه من طول المكث، والإسراع بالخروج أولى، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يتيمم لما دخله ناسياً وخرج اغتسل وعاد للصلاة ورأسه يقطر، وقد يقال من خصوصياته صلى الله عليه وسلم إباحة مكثه في المسجد جنباً إلا أن يلتفت للتشريع. وبالجملة: الأحسن التيمم وهو مار حيث لم يعقه. اهـ. من شيخنا في مجموعه.
تنبيه: يمنع دخول الكافر المسجد أيضاً وإن أذن له مسلم إلا لضرورة عمل، ومنها قلة أجرته عن المسلم وإتقانه على الظاهر.
قوله: [الطهارة المائية]: أي صغرى وكبرى.
قوله: [وما يتعلق بها]: أي من الأحكام التي تقدمت من أول باب الطهارة إلى هنا.
قوله: [الترابية]: أي على الطهارة الترابية وأخرها لنيابتها عن الصغرى والكبرى.
قوله: [وما يتعلق به من الأحكام]: أي التي احتوى عليها هذا الفصل.
فصل في التيمم
قوله: [إنما يتيمم] إلخ: التيمم لغة القصد، وشرعاً: طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين بنية. والمراد بالتراب: جنس الأرض، فيشمل جميع أجزائها إلا ما استثني، كما سيأتي تفصيله، وهو من خصائص هذه الأمة اتفاقاً، بل إجماعاً. وهل هو عزيمة أو رخصة؟ أو لعدم الماء عزيمة وللمرض ونحوه رخصة؟ خلاف.
قوله: [لفقد ماء]: شروع منه في أسباب التيمم، وتسمى موجباته، وعدها الشارح هنا سبعة. وإن كان يأتي يقول: بل إذا تحققت تجد الأقسام ترجع إلى قسمين: الأول فاقد الماء حقيقة أو حكماً، الثاني فاقد القدرة كذلك.
قوله: [فاقد الماء]: أي المباح، وأما وجود غير المباح فهو كالعدم. والمراد غير كاف لأعضاء الوضوء القرآنية بالنسبة للوضوء ولجميع بدنه بالنسبة لغسل الجنابة ولو كفى وضوءه.
قوله: [أي من لا قدرة] إلخ: تفسير مراد لقوله [أو قدرة على استعماله] والمعنى انتفت قدرته مع وجود الماء الكافي فتغاير مع ما قبله.
قوله: [ولو سفر معصية]: أي هذا إذا كان سفر طاعة كالحج والغزو، أو مباحاً كالتجر، بل ولو سفر معصية، وإذا كان المسافر يجوز له التيمم تعلم أنه لا يلزمه
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
زاد بعدها في ط المعارف: (في التيمم).
لما تقدم من القاعدة في مسح الخفين. وكذا بقية السبعة يتيمم الواحد منهم حضراً أو سفراً ولو سفر معصية. فقوله: بسفر أو حضر ليس خاصاً بالأول، بل هو جار في الجميع كما هو ظاهر، وقوله: أو قدرة عطف على ماء.
(أو خوف حدوث مرض أو زيادته أو تأخر برء): هذا هو الثالث: وهو الواجد للماء القادر على استعماله، ولكن خاف باستعماله حدوث مرض من نزلة أو حمى أو نحو ذلك، أو كان القادر على استعماله مريضاً وخاف من استعماله زيادة مرضه، أو تأخر برئه منه. ويعرف ذلك بالعادة، أو بإخبار طبيب عارف، فقوله: أو خوف عطف على فقد ماء.
(أو عطش محترم ولو كلباً): هذا هو الرابع وهو الخائف عطش حيوان محترم - شرعاً من آدمي أو غيره ولو كلباً لصيد أو لحراسة، بخلاف الحربي والكلب الغير المأذون فيه والمرتد. فقوله: أو عطش عطف على حدوث. والمراد بالخوف: الاعتقاد أو الظن -أي ظن التلبس بالعطش- ولو في المستقبل، أي العطش المؤدي إلى هلاك أو شدة أذى، لا مجرد عطش.
(أو تلف مال له بال بطلبه): هذا هو الخامس، وهو الخائف بطلب الماء تلف مال بسرقة أو نهب. والمراد بما له بال: ما زاد على ما يلزمه شراء الماء به لو اشتراه، وسواء كان الماء له أو لغيره. وهذا إذا تحقق وجود الماء المطلوب أو ظنه، فإن شك في وجوده تيمم ولو قل المال.
(أو خروج وقت باستعماله): هذا هو النوع السادس: وهو الخائف باستعمال الماء خروج وقت الصلاة وأولى [1] بطلبه. فإنه يتيمم ولا يطلبه ولا يستعمله إن كان موجوداً محافظة على أداء الصلاة في وقتها، ولو الاختياري فإن ظن أنه يدرك منها ركعة في وقتها إن توضأ أو اغتسل فلا يتيمم ويتعين عليه أن يقتصر على الفرائض مرة ويترك السنن والمندوبات
ــ
استصحاب الماء. هذا هو المشهور، ونفي اللزوم لا ينافي الندب لمراعاة الخلاف اهـ. من حاشية شيخنا على مجموعه.
قوله: [لما تقدم من القاعدة]: أي التي هي كل رخصة لا تختص بالسفر فتفعل وإن من عاص بالسفر، وكل رخصة تختص بالسفر فلا تفعل من عاص بالسفر. قال شيخنا في مجموعه: قد يقال العاصي بالسفر لا يتيمم لغير ما يتيمم له الحاضر الصحيح؛ لأن رخصته تخصيص بالسفر، لكن في (ح): يتيمم المسافر للنوافل مطلقاً ولو غير قصر على الصحيح.
قوله: [زيادة مرضه]: أي في الشدة.
قوله: [بالعادة]: أي بالقرائن العادية، كخوفه انقطاع عرق العافية باستعماله الماء. وليس من العاجز عن استعمال الماء للمرض المبطون الذي كلما قام للماء واستعمله انطلق بطنه، بل يؤمر باستعمال الماء وما خرج غير ناقض كما سبق في السلس وفاقاً للحطاب. أما مبطون يضر به الماء وأعجزه الإعياء أو عظم البطن عن تناول الماء، فيتيمم اهـ. من شيخنا في حاشية مجموعه.
قوله: [أو عطش محترم]: مثل العطش ضرورة العجن والطبخ، قالوا: فإن أمكنه الجمع بقضاء الوطر بماء الوضوء، فعل حيث لم تعفه النفس حتى يتولد منه شدة الضرر، وإلا فيتركه لحاجة العجن والطبخ ويتيمم.
قوله: [أو غيره]: من كل حيوان معصوم.
قوله: [بخلاف الحربي] إلخ: أي فإن ما ذكر غير معصوم، فلا يتيمم ويدفع الماء لما ذكر، بل يعجل القتل إن أمكن. فإن عجز عن القتل لعدم حاكم يقتل المرتد، ولعدم قدرته على قتل الكلب - ومثله الخنزير - سقى الماء من ذكر وتيمم. وأما الحربي فلا يسقيه مطلقاً. ومثل المرتد: الجاني إذا ثبتت عند حاكم جنايته وحكم بقتله قصاصاً؛ فلا يدفع الماء إليه بل يعجل بقتله، فإن عجز عنه دفع الماء له ولا يعذبه بالعطش. وليس كجهاد الحربيين، فإنهم جوزوه بقطع الماء عليهم ليغرقوا أو عنهم ليهلكوا بالعطش. والدب والقرد من قبيل المحترم وإن كان في القرد قول بحرمة أكله. فإن كان في الرفقة زان محصن فإذا وجد صاحب الماء حاكماً لا يجوز له التيمم؛ وإلا أعطاه الماء وتيمم.
قوله: [والمراد بالخوف الاعتقاد] إلخ: حاصله أن الحيوان المحترم الذي خيف عليه العطش: إما متلبس بالعطش بالفعل، أو غير متلبس. وفي كل إما أن يخاف عليه من العطش، هلاكاً، أو شدة أذى، أو مرضاً خفيفاً، أو مجرد جهد ومشقة. فهذه ثمان. وفي كل: إما أن يكون الخوف تحقيقاً، أو ظناً، أو شكاً، أو وهماً، فهذه ثنتان وثلاثون صورة. أما قبل التلبس أو بعده فإن تحقق أو ظن هلاكاً أو شدة أذى وجب التيمم، وإن تحقق أو ظن مرضاً خفيفاً جاز التيمم، فهذه ست من ست عشرة. والباقي عشرة لا يجوز فيها التيمم. وأما لو تلبس بالعطش فالخوف مطلقاً - علماً أو ظناً أو شكاً أو وهماً- يوجبه في صورتين: الهلاك وشدة الأذى. ويجوزه في صورة: مجرد المرض لا في مجرد الجهد. فهذه ست عشرة أيضاً، ثمانية منها يجب التيمم. وأربعة يجوز وأربعة لا يجوز. وما أبديته لك من تلك الصور هو ما مشى عليه الأصل تبعاً للأجهوري وهو ما في التوضيح. ونازع (ح) في ذلك وقال: بل المراد بالخوف الجزم والظن فقط في حال التلبس كغيره، وتبعه شارحنا. هنا ونظر فيه (بن) نقلاً عن المسناوي. وقال الصواب ما ذكره الأجهوري من التفصيل، كما يؤخذ من حاشية الأصل.
قوله: [لا مجرد عطش]: أي لا مجرد جهد من عطش من غير ضرر زائد، فلا يتيمم لأجله.
قوله: [أو تلف مال] إلخ: ومن ذلك الذين يحرسون زروعهم والأجراء الذين يحصدون الزرع.
قوله: [أو خروج وقت] إلخ: هذا القول هو الذي رواه الأبهري، واختاره التونسي، وصوبه ابن يونس، وشهره ابن الحاجب، وأقامه اللخمي وعياض من المدونة. ومقابله: يستعمل الماء ولو خرج الوقت. وهو
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (الذي أولى).
إن خشي فوات الوقت بفعلها.
(أو فقد مناول أو آلة): عطف على فقد ماء. وهذا هو السابع، أي أن من كان له قدرة على استعمال الماء ولكن لم يجد من يناوله إياه أو لم يجد آلة من حبل أو دلو، فإنه يتيمم. ولك أن تدخل هذا القسم في فاقد القدرة على استعماله بإرادة فقد القدرة حقيقة أو حكماً، بل إذا تحققت تجد الأقسام ترجع إلى قسمين؛ الأول: فاقد الماء حقيقة أو حكماً؛ فيدخل فيه خوف عطش المحترم، وتلف الماء وخروج الوقت بالطلب أو الاستعمال. الثاني: فاقد القدرة كذلك، فيشمل الباقي. وفاقد القدرة مقيس على فاقد الماء المنصوص في الآية.
واعلم أن كل من طلب منه التيمم فإنه يتيمم للفرض والنفل استقلالاً وتبعاً، وللجمعة والجنازة ولو لم تتعين. إلا الصحيح الحاضر العادم للماء، فإنه لا يتيمم لجمعة ولا لجنازة إلا إذا تعينت، ولا لنفل استقلالاً ولو وتراً وإلى ذلك أشار بقوله:(ولا يتيمم صحيح حاضر لجمعة، ولا تجزئ والأظهر خلافه، ولا لجنازة، إلا إذا تعينت ولا لنفل) استقلالاً (ولو وتراً إلا تبعاً لفرض إن اتصل به) أما الجمعة فلا يتيمم لها صحيح حاضر عند فقد الماء، لأن لها بدلاً، وهو الظهر، فأشبهت بهذا الاعتبار النفل وهو لا يتيمم لنفل. وأما الجنازة فلأنها فرض كفاية متى وجد متوضئ غيره تعينت عليه فأشبهت النفل في حق غير المتوضئ. والحاضر الصحيح لا يتيمم لنفل فلو تيمم وصلى به الجمعة لم تجزه، ولا بد من صلاة الظهر ولو بتيمم. هذا هو المشهور وخلاف المشهور نظر إلى أنها واجبة متعينة عليه، ولو قلنا إن لها بدلاً، فقال بوجوب التيمم لها كغيرها، وهو أظهر مدركاً من المشهور. فلذا قلنا: والأظهر خلافه أي خلاف المشهور، هذا وظاهر كثير من النقول أن الخلاف في عادم الماء وقت أدائها فقط مع علمه بوجوده بعدها، أو فيمن خاف باستعماله فواتها. وأما العادم له في جميع الوقت فإنه يتيمم لها - جزماً. والوجه أنهما مسألتان - أي طريقتان - لا ترد إحداهما على الأخرى، فتأمل. وكذا لا يتيمم الحاضر الصحيح لجنازة إلا إذا تعينت عليه بأن لم يوجد غيره من متوضئ أو مريض أو مسافر، ولا لنفل استقلالاً ولو وتراً إلا تبعاً لفرض كأن يتيمم لصلاة الظهر ثم يتبعه بنفل أو للعشاء ثم يصلي الشفع والوتر بتيمم العشاء،
ــ
الذي حكى عبد الحق عن بعض الشيوخ - الاتفاق عليه، ولكن المعول عليه الأول؛ فلذا اقتصر عليه المصنف.
قوله: [إن خشي فوات الوقت بفعلها]: أي بفعل تلك السنن والمندوبات. فلو خشي فوات الوقت بالفرائض وجب عليه التيمم، كما هو الموضوع. فإن تيمم ودخل في الصلاة وتبين له أن الوقت باق متسع أو أنه قد خرج، فإنه لا يقطع؛ لأنه دخلها بوجه جائز، ولا إعادة عليه. وأولى إذا تبين ذلك بعد الفراغ منها أو لم يتبين شيء وأما لو تبين له قبل الإحرام أن الوقت باق متسع أو أنه قد خرج الوقت فلا بد من الوضوء. ويؤخذ من حاشية شيخنا على مجموعه: أن محل كونه يتيمم ويترك الماء لضيق الوقت ما لم يقصده استثقالاً للمائية فيعامل بنقيض مقصوده اهـ.
قوله: [أو لم يجد آلة]: أي مباحة؛ فوجود الآلة المحرمة كإناء أو سلسة من ذهب يخرج به الماء من البئر بمنزلة العدم، كما يؤخذ من الأصل تبعاً ل (عب). قال (بن): وفيه نظر، بل الظاهر أنه يستعملها ولا يتيمم. لأن الضرورات تبيح المحظورات، ألا ترى من لم يجد ما يستر به عورته إلا ثوب حرير فإنه يجب عليه سترها به؟ وقد يقوي ما قاله (عب) أن الطهارة المائية لها بدل، وهو التيمم فلا يسوغ له ارتكاب المحظور وهو استعمال الآلة المحرمة. فإذا علمت ذلك فالتقيد بالإباحة ظاهر لا غبار عليه.
قوله: [ولا يتيمم] إلخ: أي بناء على أنها بدل عن الطهر، وهو ضعيف. فعدم إجزاء تيممه للجمعة مشهور مبني على ضعيف.
قوله: [والأظهر خلافه]: أي بناء على أنها فرض يومها، وهذا مبني على مشهور. ولذلك سيأتي يقول:[وهو أظهر] مدركاً من المشهور.
قوله: [إلا إذا تعينت]: أي بناء على أنها فرض كفاية، وأما على أنها سنة كفاية فلا يتيمم لها الحاضر الصحيح ولو تعينت.
قوله: [ولو وتراً]: أي ولو منذوراً فلا يتيمم له الحاضر الصحيح نظراً لأصله، وليس كجنازة تعينت؛ لأن ما أوجبه الشارع على المكلف أقوى مما أوجبه هو على نفسه، فتدبر اهـ. من حاشية شيخنا على مجموعه.
قوله: [هذا]: مفعول لفعل محذوف، أي افهم هذا.
قوله: [وظاهر كثير] إلخ: قال شيخنا في حاشية مجموعه: رجح بعض أن محل عدم التيمم لها إذا خشي بطلب الماء فواتها فيطلبه لظهر، أما إن كان فرضه التيمم مطلقاً لعدم الماء بالمرة فيصليها بالتيمم كالظهر، ولكن في توضيح الأصل منع إطلاق التيمم، انتهى. فإذا علمت ذلك فصدق الشارح في قوله:[والوجه أنهما مسألتان]: أي مسألة مختلف فيها؛ وهي ما إذا خشي بطلب الماء فواتها، ومسألة متفق عليها وهي ما إذا كان فرضه التيمم لعدم الماء بالمرة فيصليها بالتيمم ولا يدعها ويصلي الظهر، وهو ظاهر نقل (ح) عن ابن يونس.
قوله: [بأن لم يوجد غيره]: وهذا التقييد للأجهوري ومن تبعه. فوجود المريض والمسافر يمنع من تيمم الحاضر الصحيح، وفي (ح) و (ر) خلافه وإن تعدد
بشرط أن يتصل النفل بالفرض حقيقة أو حكماً، فلا يضر يسير فصل. والحاصل: أن المريض والمسافر يتيممان للجنازة تعينت أم لا، وللنفل استقلالاً، وأولى تبعاً، كما يأتي قريباً. وأما الحاضر الصحيح فلا يتيمم لنفل ولو سنة استقلالاً، ولا لجنازة إلا إذا تعينت، وقوله إلا تبعاً: استثناء منقطع، أي لكن إن صلى نفلاً بتيمم لفرض جاز بالتبعية لذلك الفرض، إن اتصل بالفرض، وكذا إن تقدم عليه. ولكن لا يصح الفرض بعده بذلك التيمم، كما سينص عليه فيما بعده.
(وجاز نفل، ومس مصحف، وقراءة، وطواف وركعتاه بتيمم فرض أو نفل وإن تقدمت، وصح الفرض إن تأخرت) يعني أن من تيمم لفرض -سواء كان حاضراً صحيحاً أو لا- أو لنفل استقلالاً، بأن كان مريضاً أو مسافراً، فإنه يجوز له أن يصلي بذلك التيمم نفلاً وجنازة، وأن يمس به المصحف، ويقرأ القرآن إن كان جنباً، وأن يطوف ويصلي ركعتيه، وسواء قدم هذه الأشياء على الفرض أو النفل الذي قصده بذلك التيمم أو أخرها عنه بشرط الاتصال كما تقدم. لكن إن قدم عليها ما قصده بالتيمم فظاهر، وإن قدمها على ما قصده به فإن كان المقصود به نفلاً كأن تيمم مريض أو مسافر لصلاة الضحى مثلاً جاز له أن يصلي به ذلك النفل المقصود بعدها. وإن كان المقصود به فرضاً لم يصح أن يصليه بعد أن فعل شيئاً منها. فقوله: وصح الفرض إن تأخرت أي صح الفرض الذي قصد له التيمم من حاضر صحيح أو مسافر أو مريض إن قدمه عليها، لا إن قدمها أو شيئاً منها عليه. وإنما صرحنا بهذا -وإن علم مما قبله- لأن كلام الشيخ يوهم خلاف المراد، لأن قوله:"إن تأخرت" ظاهره أنه شرط في قوله: "وجاز جنازة" إلخ، وهو غير صحيح إذ هذه الأشياء تجوز مطلقاً تقدمت أو تأخرت كما علمت. فلذا قال الشراح: هو شرط في مقدر؛ أي وشرط صحة الفرض المنوي له التيمم إن تأخرت عنه ولكن لا دليل على هذا المقدر. وحاصل المسألة أن من يتيمم لشيء من هذه الأشياء يجوز له أن يفعل به غير ما نواه منها متقدماً ومتأخراً لا الفرض إذا نوى له التيمم فإنه لا يجوز إلا إذا تقدم.
(لا فرض آخر وإن قصد [1] به، وبطل الثاني، وإن مشتركة ولو من مريض): أي لا يصح فرض آخر بتيمم واحد، وإن قُصدا معاً بتيمم. فالثاني باطل وإن كانت - الصلاة الثانية مشتركة في الوقت مع الأولى، كالعصر مع الظهر ولو كان التيمم من مريض يشق عليه إعادته.
(ولزم شراء الماء بثمن اعتيد وإن بذمته إن لم يحتج له): أي يجب على المكلف الذي لم يجد ماء لطهارته أن يشتريه بالثمن المعتاد في ذلك المحل، وإن كان الثمن في ذمته؛ بأن يشتريه بثمن إلى أجل معلوم، إن كان غنياً ببلده أو يترجى الوفاء ببيع شيء أو اقتضاء دين أو نحو ذلك. ومحل وجوب شرائه إذا لم يحتج لذلك الثمن في مصارفه، وإلا جاز له التيمم
ــ
الحاضرون الأصحاء صحت لهم معاً، ويجري من لحق في الأثناء على سقوط فرض الكفاية لتعينه بالشروع. وعدم تعينه؛ لأن المصلحة إنما تحصل بالتمام. وفائدة التعين حرمة القطع لا السقوط عن غير الشارع فيه، كما يؤخذ من حاشية شيخنا على مجموعه.
قوله: [بشرط أن يتصل] إلخ: ولا يشترط نية النوافل كما أفاده (ح) قال شيخنا في حاشية (عب): إن شرط نيتها ضعيف اهـ. من حاشية شيخنا على مجموعه.
قوله: [فلا يضر يسير فصل]: أي بين النوافل والفرض وبين النوافل بعضها مع بعض قال في الأصل: لا إن طال أو خرج من المسجد. ويسير الفصل عفو، ومنه آية الكرسي والمعقبات، وأن لا يكثر في نفسه جداً بالعرف اهـ. وقال في تكريره: الكثرة جداً كالزيادة على التراويح مع الشفع والوتر، فيجوز فعلها بتيمم واحد لعدم الكثرة جداً اهـ.
قوله: [استثناء منقطع]: أي في قوة الاستدراك، فلذلك قال:[أي لكن] إلخ.
قوله: [وكذا إن تقدم عليه]: ظاهره أن تقديمه عليه جائز لكن لا يصح الفرض إلا إذا تأخر عنه، والذي جزم به (ح): أن القدوم على فعل هذه المذكورات بتيمم الفرض قبله لا يجوز. اهـ. من حاشية الأصل وعلى ما قاله (ح) فلا يرد اعتراض على خليل.
قوله: [وإن تقدمت]: ظاهره أنه مبالغة في الجواز، ومقتضى ما قاله (ح) أنه مبالغة في محذوف تقديره وتجزئ وإن تقدمت. والحاصل أن المأخوذ من المتن والشرح، جواز فعل ما ذكر بتيمم الفرض أو النفل تقدم عن المنوي أو تأخر. وشرط صحة الفرض إن تأخرت هذه الأشياء عنه لا إن تقدمت أو شيء منها، فلا يصح. وظاهره ولو كان المتقدم مس مصحف أو قراءة لا تخل بالموالاة. وليس كذلك. بل تقدم مس المصحف والقراءة التي لا تخل بالموالاة، لا يضر، كما ذكره شيخنا في مجموعه. وانظر لو تيمم للفرض أو النفل وأخرج بعض هذه الأشياء فهل له أن يفعل بذلك التيمم ما أخرجه جرياً على إخراج بعض المستباح من نية الوضوء؟ وهو ما استظهره في الحاشية، أو لا يفعل ذلك المخرج لضعف التيمم؟ واستظهره في حاشيته على (عب).اهـ. من حاشية الأصل والأظهر الأول.
قوله: [إذ هذه الأشياء] إلخ: هذا على غير ما قاله (ح) كما علمت.
قوله: [فإنه لا يجوز]: أي ولا يصح اتفاقاً.
قوله: [وإن مشتركة]: رد بالمبالغة على أصبغ حيث قال: إذا صلى فرضين مشتركين بتيمم فإنه يعيد ثانية المشتركتين في الوقت، وأما ثانية غيرهما فيعيدها أبداً، وتصح الأولى على كل حال. اهـ. من حاشية الأصل.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (قصدا).
كما لو زاد الثمن على المعتاد ولو غنياً.
(وقبول هبته واقتراضه): أي ويجب عليه قبول هبته إذا وهب له لأجل التطهر به، لأن المنة فيه ضعيفة، بخلاف غيره. ويلزمه أيضاً أن يقترضه إن رجا الوفاء.
(وطلبه لكل صلاة طلباً لا يشق عليه دون الميلين، إلا إذا ظن عدمه): يعني - أن من لم يظن عدم الماء في مكان - بأن كان متردداً في وجوده أو ظاناً لوجوده فإنه يلزمه طلبه والتفتيش عليه لكل صلاة طلباً لا يشق على مثله فيما دون الميلين. فإن كان يعلم أو يظن أنه لا يجده إلا بعد مسافة ميلين فلا يلزمه طلبه ولو كان لا يشق عليه، لأن الشأن في مثل ذلك المشقة. كما لا يلزمه الطلب فيما دون الميلين إذا شق عليه، أو خاف فوات رفقة، وكذا إذا ظن عدمه، وأولى اليائس منه.
(فاليائس أول المختار، والمتردد في لحوقه أو وجوده وسطه، والراجي آخره): يعني إذا علمت من فرضه التيمم لعدم الماء أو القدرة على استعماله حقيقة أو حكماً، فاعلم أنه لا يخلو حاله من أحد أمور ثلاثة: إما أن يكون آيساً، أو متردداً، أو راجياً. فاليائس من وجوده أو لحوقه أو من زوال المانع - وهو الجازم أو الغالب على ظنه عدم ما ذكر في المختار، يتيمم ندباً أول المختار. والمتردد في ذلك - وهو الشاك ومثله الظان ظناً قريباً من الشك - يتيمم ندباً وسطه. والراجي - وهو الظان الوجود أو اللحوق أو زوال المانع يتيمم - آخره ندباً. ولا يجوز لواحد منهم تأخير الصلاة للضروري، فالتفصيل في غير المغرب؛ إذ لا امتداد لاختياريها.
(ولا إعادة إلا لمقصر، ففي الوقت): يعني أن كل من أمر بالتيمم - إذا تيمم وصلى - فلا إعادة عليه لأنه فعل ما أمر به. إلا أن يكون مقصراً، أي عنده نوع من التقصير،
ــ
تنبيه: كما لا تصح النافلة بالوضوء المستحب، كالوضوء لزيارة الأولياء، لا تصح بالتيمم لذلك، وهو معنى قول خليل:"لا بتيمم لمستحب"، فإن اللام في كلامه مقحمة، وقال شيخنا في مجموعه لا بتيمم ما لا يتوقف على طهارة كقراءة غير الجنب اهـ.
قوله: [كما لو زاد الثمن على المعتاد]: ظاهره ولو كانت الزيادة تافهة، وقال عبد الحق: يلزمه شراؤه وإن زيد في المعتاد مثل ثلثه، فإن زيد عليه أكثر من الثلث لا يلزمه، قال اللخمي: محل الخلاف إذا كان الثمن له بال، أما لو كان بمحل لا بال لثمن ماء يتوضأ به فيه فإنه يلزمه شراؤه ولو زيد عليه في الثمن مثل ثلثيه اتفاقاً.
قوله: [وقبول هبته] إلخ: مراده ما يشمل الصدقة حيث لا منة، وكما يلزمه قبول الهبة والصدقة بالشرط المذكور يلزمه طلب ذلك.
قوله: [إن رجا الوفاء]: قال في حاشية الأصل: يلزمه اقتراض الماء، ويلزمه قبول قرضه، وإن لم يظن الوفاء، ففرق بين اقتراض الماء واقتراض ثمنه. ويؤخذ من مجموع شيخنا مثله.
قوله: [وطلبه لكل صلاة] إلخ: حاصل ما أفاده المتن والشارح: أن صور المسألة عشرون. لأنه لا يخلو: إما أن يكون الماء محقق الوجود، أو مظنونه، أو مشكوكاً فيه، أو محقق العدم، أو مظنونه، فهذه خمس. وفي كل: إما أن يكون على ميلين أو أقل، فهذه عشر. وفي كل: إما أن يشق عليه الطلب، أو لا. أما إذا كان محقق العدم أو مظنونه فلا يلزمه طلب مطلقاً. وأما إذا كان محقق الوجود أو مظنونه أو مشكوكه فيلزمه الطلب فيما دون الميلين إن لم يشق وإلا فلا.
تنبيه: كما يلزمه طلب الماء على دون الميلين يلزمه طلبه من رفقة قلت - كالأربعة - كانت حوله أم لا، أو ممن حوله من رفقة كثيرة إن جهل بخلهم به بأن اعتقد الإعطاء أو ظنه أو شك أو توهم. فإن لم يطلبه وتيمم وصلى أعاد أبداً إن اعتقد أو ظن الإعطاء. وفي الوقت، إن شك. ولم يعد، إن توهم. وهذا كله إن تبين وجود الماء أو لم يتبين شيء. فإن تبين عدمه فلا إعادة مطلقاً. ومفهوم قولنا: جهل بخلهم به، أنه لو تحقق بخلهم لم يلزمه طلب: اهـ. من الأصل.
فرع: إذا شح العبد بمائه على سيده هل يجب عليه نزعه؟ واستظهروا جواز التيمم. قال شيخنا في مجموعه: ولعل الأظهر الانتزاع حيث لا ضرر.
قوله: [يتيمم ندباً أول المختار]: فإن تيمم وصلى كما أمر، ثم وجد ماء في الوقت بعد صلاته، فلا إعادة عليه مطلقاً، سواء وجد ما أيس منه أو غيره، كما هو مقتضى نقل (ح) والمواق ونص المدونة. وقال ابن يونس: إن وجد ما أيس منه أعاد لخطئه، وإن وجد غيره فلا إعادة. وضعفه ابن عرفة. اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [وسطه]: قال في الأصل: ومثله مريض عدم مناولاً وخائف لص أو سبع أو مسجون، فيندب لهم التيمم وسطه، وظاهره ولو آيساً أو راجياً اهـ. قال محشيه: وأصل العبارة للطراز. ولكن الموافق لكلام ابن عرفة حمله على المتردد، وهو ظاهر إطلاق المصنف هنا.
قوله: [آخره ندباً]: قال في الأصل: وإنما لم يجب لأنه حين خوطب بالصلاة لم يكن واجداً للماء فدخل في قوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} [النساء: 43].
قوله: [في غير المغرب] إلخ: وأما قول خليل وفيها تأخيره المغرب للشفق، فضعيف مبني على ضعيف، وهو أن وقتها الاختياري يمتد للشفق، وأفهم قوله:[أول المختار] أنه لو كان في الضروري لتيمم من غير تفصيل بين آيس وغيره.
قوله: [ولا إعادة]: في (عب) وغيره حرمة الإعادة. قال شيخنا: ليس في النقل تصريح
فيعيد في الوقت.
ثم شرع في بيان المقصر بقوله: (كواجده بعد طلبه بقربه أو رحله، وخائف لص أو سبع، فتبين عدمه، ومريض عدم مناولاً، وراج قدم، ومتردد في لحوقه [1] فلحقه، كناس - ذكر بعدها): أي أن من وجد الماء الذي فتش عليه فيما دون الميلين: بعينه بقربه - أي فيما دون الميلين - فإنه يعيد صلاته في الوقت ندباً لتفريطه، إذ لو أمعن النظر لوجده، فلذا لو وجد غيره أو وجده بعد بعد لم يعد. وكذا يعيد في الوقت من فتش عليه في رحله فلم يصادفه فتيمم وصلى ثم وجده فيه بعينه. وكذا الخائف من لص أو سبع على الماء فتيمم وصلى، ثم تبين له عدم ما خاف منه لا إن استمر على خوفه، وأولى إن تحقق ما خاف منه، ولا إن وجد ماء غير ما حال بينه وبين اللصوص. والمراد بالخوف: الظن. وكذا يعيد في الوقت مريض يقدر على استعمال الماء، ولكنه لم يجد من يناوله إياه فتيمم وصلى، ثم وجد مناولاً. وهذا في مريض شأنه أن لا يتردد عليه الناس، وأما من شأنه التردد عليه فلا تفريط عنده لجزمه أو ظنه مناولاً، فليتأمل. وكذا يعيد الراجي وجود الماء آخر الوقت؛ فقدم الصلاة بالتيمم ثم وجد في الوقت ما كان يرجوه. وكذا المتردد في لحوقه إذا صلى وسط الوقت ثم لحق - في الوقت ما كان متردداً فيه. بخلاف المتردد في الوجود، فلا إعادة عليه إن وجده؛ لأن الأصل عدم الوجود. وكذا يعيد في الوقت من نسي الماء الذي معه ثم تذكره بعد أن صلى: بالتيمم لتفريطه إذ الناسي عنده نوع تفريط فإن تذكره في صلاته بطلت كما يأتي، والمراد بالوقت هنا الوقت الاختياري.
(وفرائضه: نية استباحة الصلاة أو فرض التيمم عند الضربة الأولى،
ــ
بالحرمة. اهـ. من شيخنا في مجموعه. قال في حاشيته: لكن لها وجه إن كانت الإعادة من حيث ذات الطهارة الترابية استضعافاً لها على المائية لما فيه من الاستظهار على الشارع فيما شرع. اهـ.
قوله: [فيعيد في الوقت]: أل فيه للعهد الذكري أي المتقدم ذكره في قوله: [فالآيس أول المختار] بدليل ما يأتي.
قوله: [بعد طلبه]: أما إن ترك الطلب وتيمم وصلى ثم وجد ما كان ظاناً له أو متردداً فيه فيما دون الميلين، أو في الرحل فإنه يعيد أبداً حيث لا مشقة عليه في الطلب، وكذا إن طلبه فلم يجده فتيمم ثم وجد الماء قبل صلاته. فإن التيمم يبطل، فإن صلى به أعاد أبداً، كما سيأتي.
قوله: [بعد بعد]: بأن كان على ميلين.
قوله: [وصلى]: أي وأما لو وجده قبل الصلاة فيعيد أبداً، كما تقدم.
قوله: [وكذا الخائف من لص]: أي فيعيد في الوقت بقيود أربعة: أن يتبين عدم ما خافه بأن ظهر أنه شجر مثلاً، وأن يتحقق الماء الممنوع منه، وأن يكون خوفه جزماً أو ظناً، وأن يجد الماء بعينه. فإن تبين حقيقة ما خافه، أو لم يتبين شيء، أو لم يتحقق الماء، أو وجد غير الماء المخوف، فلا إعادة. وأما لو كان خوفه شكاً أو وهماً فالإعادة أبداً اهـ. من الأصل.
قوله: [فليتأمل]: إنما أمر بالتأمل لبعد التقصير عن المريض. ولذلك قال ابن ناجي: الأقرب أنه لا إعادة مطلقاً على المريض الذي عدم مناولاً سواء كان لا يتكرر عليه الداخلون أو يتكرر، لأنه إذا لم يجد من يناوله إياه إنما ترك الاستعداد للماء قبل دخول الوقت، وهو مندوب على ظاهر المذهب، وذلك لا يضر فلا إعادة مطلقاً اهـ. من حاشية الأصل نقلاً عن (بن).
قوله: [فلا إعادة عليه إن وجده] إلخ: أي سواء تيمم في وسط الوقت أو قدم أوله، كما نص عليه في التوضيح.
قوله: [والمراد بالوقت] إلخ: قال في الأصل: واعلم أن كل من أمر بالإعادة فإنه يعيد بالماء إلا المقتصر على كوعيه، والمتيمم على مصاب بول، ومن وجد بثوبه أو بدنه أو مكانه نجاسة، ومن تذكر إحدى الحاضرتين: بعد ما صلى الثانية منهما. ومن يعيد في جماعة، ومن يقدم الحاضرة على يسير المنسي؛ فإن هؤلاء يعيدون ولو بالتيمم. وأن المراد بالوقت الوقت الاختياري إلا في حق هؤلاء فإنه الضروري ما عدا المقتصر على كوعيه، فإنه الاختياري اهـ.
وقوله: [وفرائضه] إلخ: هو مبتدأ خبره محذوف تقديره خمسة، كما يشير إليه الشارح بقوله: وهي خمسة.
وقوله: [نية استباحة] إلخ: خبر لمحذوف تقديره الأولى، كما قدره الشارح أيضاً، ويصح جعل نية وما عطف عليه خبراً عن فرائض، كما هو معلوم.
قوله: [استباحة الصلاة] إلخ: شروع في بيان الكيفية، وهي قسمان، كما قاله المصنف: استباحة الصلاة، أو فرض التيمم. ولا ينوي رفع الحدث لما فيه من الخلاف الآتي.
قوله: [عند الضربة الأولى]: أي كما هو ظاهر كلام صاحب اللمع. وصرح به غيره. وقال زروق: إنها تكون عند مسح الوجه. واستظهره البدر القرافي كما في الحاشية قياساً على الوضوء. قال شيخنا في مجموعه: والأوجه الأول، إذ يبعد أن يضع الإنسان يده على حجر مثلاً من غير نية تيمم بقصد الاتكاء، أو مجرد اللمس مثلاً ثم يرفعها فيبدو له بعد الرفع أن يمسح بها وجهه ويديه بنية التيمم، فيقال: صح تيممه. وفرق بينه وبين الوضوء، إذ الواجب في الوضوء غسل الوجه كما قال الله تعالى:{فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6] ولا مدخل لنقل الماء في الغسل، وقال في التيمم:{فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} [المائدة: 6]، فأوجب قصد الصعيد قبل المسح. وقد عدوا الضربة الأولى من الفرائض فلا يصح تقدمها عن النية اهـ. ويؤيده قول ابن عاشر:
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (لحوق).
ولزم نية أكبر إن كان): هذا شروع في فرائض التيمم وهي خمسة:
الأولى: النية عند الضربة الأولى، أن ينوي به استباحة الصلاة أو فرض التيمم، ووجب عليه ملاحظة الحدث الأكبر إن كان عليه أكبر بأن ينوي استباحة الصلاة من الحدث الأكبر، فإن لم يلاحظه بأن نسيه أو لم يعتقد أنه عليه لم يجزه، وأعاد أبداً. ولا يصلى فرض بتيمم نواه لغيره، قال في المقدمات ولا صلاة بتيمم نواه لغيرها.
(والضربة الأولى، وتعميم مسح وجهه ويديه لكوعيه، مع تخليل أصابعه، ونزع خاتمه): الفريضة الثانية: الضربة الأولى؛ أي وضع الكفين على الصعيد، وأما الضربة الثانية فسنة، كما سيأتي.
الفريضة الثالثة: تعميم الوجه واليدين إلى الكوعين بالمسح. وأما من الكوعين إلى المرفقين فسنة، كما سيأتي. ولم يعدوا الوجه فريضة على حدتها واليدين فريضة أخرى كما فعلوا في الوضوء لعله للاختصار. ويجب عليه تخليل الأصابع ونزع الخاتم ليمسح ما تحته. وتخليل الأصابع يكون بباطن الكف أو الأصابع لا بجنبها إذ لم يمسها تراب.
(وصعيد طاهر كتراب، وهو أفضل): الفريضة الرابعة: الصعيد الطاهر؛ أي استعماله. إذ لا تكليف إلا بفعل، فخرج استعمال غيره مما ليس بصعيد أو ما كان نجساً وأفضل أنواع الصعيد:
ــ
فروضه مسحك وجهاً واليدين
…
للكوع وللنية أولى الضربتين
فإذا علمت ذلك فرد البناني لذلك القول غير مسلم.
قوله: [أكبر إن كان]: أي إن وجد حدث أكبر من جنابة أو غيرها.
قوله: [ووجب عليه ملاحظة] إلخ: قال الشارح في تقريره: ومحل لزوم نية الأكبر إن نوى استباحة الصلاة أو ما منعه الحدث، وأما إن نوى فرض التيمم فيجزيه عن الأصغر والأكبر وإن لم يلاحظه. وذكر شيخنا في مجموعه مثله.
قوله: [أو لم يعتقد] إلخ: فإن نواه معتقداً أنه عليه فتبين خلافه أجزأه.
قوله: [وأعاد أبداً]: أي عند ترك نية الأكبر، وأما نية الأصغر مع الأكبر فمندوبة، فلو اقتصر على الأكبر أجزأه عن الأصغر.
قوله: [ولا يصلى فرض] إلخ: قال في الأصل: ويندب تعيين الصلاة من فرض أو نفل أو هما، فإن لم يعينها فإن نوى الصلاة صلى به ما عليه من فرض، لا إن ذكر فائتة بعدها. وإن نوى مطلق الصلاة الصالحة للفرض أو النفل صح في نفسه. ويفعل به النفل دون الفرض؛ لأن الفرض يحتاج لنية تخصه اهـ.
وحاصل الفقه أن تعيين شخص الصلاة مندوب، فإن عين به شخص فرض فلا يفعل به فرضاً غيره، وإن عين نوع الفرض أو سكت - كمجرد صلاة صرف للفرض الذي عليه، ويفعل غيره تبعاً، على ما سبق، فإن لاحظ الإطلاق أي الصلاة الدائرة بين الفرض والنفل ملاحظاً الشيوع لم يجز به الفرض، وصلى من النفل ما شاء.
تنبيه: قال خليل: ولا يرفع الحدث، قال: الأصل على المشهور؛ وإنما يبيح العبادة، وهو مشكل جداً. إذ كيف تجامع الإباحة المنع؟ ولهذا ذهب القرافي وغيره إلى أن الخلف لفظي، فمن قال: لا يرفعه، أي مطلقاً، بل إلى غاية الصلاة لئلا يجتمع النقيضان، إذ الحدث المنع والإباحة حاصلة إجماعاً اهـ. قال شيخنا في مجموعه: وفي (ح) و (ر) تقوية أنه حقيقي لابتناء الأحكام على كل. قلنا: إن فسر الحدث بالمنع تعين أنه لفظي، أو بالصفة الحكمية كما هو الظاهر فلا اهـ. ومعنى كلامه أن المنع لا يجامع الإباحة فتعين كونه لفظياً حيث فسر بالمنع، وحقيقياً إن فسر بالصفة الحكمية، لأن الإباحة تجامع الصفة «لقوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص وقد احتلم في ليلة باردة فتيمم وصلى بأصحابه: صليت بالناس وأنت جنب؟ »، أي قائم بك الصفة الحكمية لا المنع، وإلا لأمره بإعادة الصلاة، تأمل.
قوله: [وضع الكفين]: إنما قال ذلك دفعاً لما يتوهم من لفظ الضرب أنه يكون بشدة، فأفاد أنه وضع الكفين على الصعيد، ومثل الكفين أحدهما أو بعضهما، ولو بباطن واحد، وأما لو تيمم بظاهر كفه فلا يجزئ.
قوله: [تعميم الوجه] إلخ: ولا يتعمق في نحو أسارير الجبهة، ولا يخلل لحيته ولو خفيفة، لأن المسح مبني على التخفيف.
قوله: [إلى الكوعين]: قال (ح): الكوع طرف الزند الذي يلي الإبهام وفي الذخيرة: آخر الساعد وأول الكف. ويقال: كاع.
قوله: [لعله للاختصار]: ترجى في الجواب تحرياً للصدق لعدم الاطلاع على النص في ذلك.
قوله: [ونزع الخاتم]: أي إزالته عن موضعه ليمسح ما تحته، وإن مأذوناً فيه واسعاً لضيق ما هنا عن الوضوء.
قوله: [طاهر]: هو معنى الطيب في الآية.
قوله: [أي استعماله] إلخ: هو معنى الضربة الأولى، لأن معناها وضع اليدين على الصعيد. وفي الحقيقة الصعيد بمنزلة الماء في الطهارة المائية، فلذلك قال شيخنا في تقريره: عدهم الصعيد فرضاً من فروض التيمم لا يظهر، وإن كانت الفرضية الوضع المذكور. فلا يكفي تراب أثاره الريح على يديه، واستظهر الإجزاء إذا عمد بيديه لتراب متكاثف في الهواء.
قوله: [مما ليس بصعيد]: أي ولا ملحقاً به كالثلج، كما سيأتي.
قوله: [أو ما كان نجساً]: فلا يصح التيمم عليه على مشهور المذهب، وذكر خليل تبعاً للمدونة: أن المتيمم على مصاب بول يعيد في الوقت، واستشكل
التراب. والمراد بالصعيد. كل ما صعد على وجه الأرض من أجزائها، فالكاف في: كتراب للتمثيل.
(ورمل وحجر وجص لم يطبخ) أي يجوز التيمم على كل مما ذكر. والجص نوع من الحجر يحرق بالنار ويسحق ويبنى به القناطر والمساجد والبيوت العظيمة، فإذا [1] أحرق - وهو المراد بالطبخ - لم يجز التيمم عليه، لأنه خرج بالصنعة عن كونه صعيداً.
(ومعدن غير نقد وجوهر ومنقول): أي أنه يجوز التيمم على المعدن إذا لم يكن أحد النقدين. ولا جوهراً ولا منقولاً من محله بحيث يصير مالاً من أموال الناس؛ فلا يتيمم على الذهب والفضة ولو بمعدنهما، ولا على الجوهر كالياقوت والزبرجد واللؤلؤ ولو بمحلها، ولا على الشب والملح والحديد والرصاص والقصدير والكحل، إن نقلت من محلاتها وصارت أموالاً في أيدي الناس. وأما ما دامت في مواضعها فيجوز.
فقوله: (كشب وملح وحديد ورخام): مثال للمعدن الغير ما ذكر (كثلج لا خشب وحشيش): تشبيه في جواز التيمم، أي أن الثلج - وهو ما جمد من الماء على وجه الأرض أو البحر - يجوز التيمم عليه لأنه أشبه - بجموده - الحجر، فالتحق بأجزاء الأرض. بخلاف الخشب والحشيش فلا يتيمم عليهما ولو لم يوجد غيرهما. وقيل: إن لم يوجد غيرهما ولم يمكن قلعهما وضاق الوقت جاز التيمم عليهما، وهو ضعيف، لأنه ليس بصعيد ولا يشبه الصعيد. -
(والموالاة): الفريضة الخامسة الموالاة بين أجزائه وبينه وبين ما فعل له من صلاة ونحوها، وابتدأه إن فرق وطال. ولا يبني وإن نسي.
(وسننه: ترتيب وضربة ليديه وإلى المرفقين، ونقل ما تعلق بهما من غبار): أي إن سننه أربعة: الترتيب بأن يمسح اليدين بعد الوجه فإن نكس أعاد اليدين إن قرب ولم يصل به، والضربة الثانية ليديه والمسح إلى المرفقين، ونقل أثر الضرب من الغبار إلى الممسوح بأن لا يمسح على شيء قبل مسح الوجه واليدين، فإن مسحهما بشيء قبل ما ذكر كره وأجزأ، وهذا لا ينافي ما قال في الرسالة فإن تعلق بهما شيء نفضهما نفضاً خفيفاً كما هو ظاهر.
ــ
فأولت بتآويل، منها: أن الريح سترته بتراب طاهر، أو مراعاة للقائل بطهارة الأرض بالجفاف كمحمد بن الحنفية والحسن البصري.
قوله: [التراب]: أي للاتفاق عليه في جميع المذاهب.
قوله: [لأنه خرج بالصنعة] إلخ: أي التي هي الطبخ بالنار، ولا يضر مجرد النشر، ولو صنع رحى أو أعمدة.
قوله: [غير نقد وجوهر]: أي لأنهما لا يظهر فيهما ذل العبادة فتنافي التواضع.
قوله: [وأما ما دامت] إلخ: ومثله لو نقلت ولم تضر كالعقاقير كالطفل والأحجار والرخام الذي يجعل أعمدة في المساجد مثلاً، والملح الذي يجرن قريباً من أرضه فهذا كله يجوز التيمم عليه.
قوله: [ورخام]: قيل إنه لا يجوز التيمم عليه لأنه من المعادن النفيسة المتمولة الغالية الثمن واستظهره بعضهم، ولكنه ضعيف.
قوله: [للمعدن الغير ما ذكر]: أي النقد والجوهر والمنقول، أي الذي صار في أيدي الناس كالعقاقير.
قوله: [كثلج]: أي يجوز التيمم عليه حيث عجز عن تحليله، وتصييره ماء ولو وجد غيره بخلاف الخضخاض فلا يتيمم عليه إلا إذا لم يجد غيره. والفرق أن الأول لجموده صار كالحجر فالتحق بأجزاء الأرض، والثاني لرقته بعد عن أجزاء الأرض.
قوله: [وقيل] إلخ: قائله اللخمي قال (بن): وكلام (ح) يقتضي أنه الراجح، واعتمده (ر) في الحاشية.
قوله: [ولا يبني وإن نسي]: أي أو عجز لضعفه عن الوضوء والغسل. ولذلك جعل دخول الوقت شرط وجوب وصحة فيه، فلا يتيمم لفريضة إلا بعد دخول وقتها. ووقت الفائتة تذكرها، فمن تيمم للصبح فتذكر أن عليه العشاء فلا يجزيه هذا التيمم. لها بخلاف وقت وقت المشتركتين لو تيمم لإحداهما فتذكر أن عليه الأخرى صلاها به ما لم يكن خص إحداهما بعينها كما تقدم. ووقت الجنازة الفراغ من غسل الميت، فإن كان التيمم فرض الميت، والمصلي عليه يمم الميت بعد التكفين، ولا يتيمم المصلي عليه إلا بعد تيمم الميت، وتيممه لا يحتاج لنية لأنه كغسله، وقد ألغز شيخنا في حاشية مجموعه بقوله:
يا من بلحظ يفهم
…
أحسن جواب تفهم
لم لا يصح تيمم
…
إلا بسبق تيمم
من غير فعل عبادة
…
بالسابق المتقدم
ومتى يصح تيمم
…
من غير نيته نمي
قال: واحترزت بقولي: من غير إلخ عن التيمم لثانية المشتركين، فإنه إنما يصح بعد أن يتيمم للأولى ويصليها اهـ. وقد أجبت عن ذلك بقولي:
هذا الذي يتيمم
…
لصلاة ميت يمموا
ولحظنا من يمكم
…
يا من إليكم يمموا
قوله: [إن قرب] إلخ: أي وأما لو بعد أو صلى به فيفوت.
قوله: [والضربة الثانية]: إن قلت كيف تكون سنة مع أنها للفرض. والجواب أن الفرض بآثار الأولى.
قوله: [كره وأجزأ] إلخ: قيده عب
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (إذا).
(وندب: تسمية، وصمت، واستقبال، وتقديم اليد اليمنى، وجعل ظاهرها من طرف الأصابع بباطن يسراه، فيمرها إلى المرفق، ثم باطنها لآخر الأصابع، ثم يسراه كذلك): هذا شروع في مندوباته وهو ظاهر. وقوله: وجعل إلخ: معناه أنه يندب أن يجعل ظاهر اليمنى من طرف أصابعها بباطن كف يده اليسرى، ثم يمر اليسرى إلى مرفق اليمنى. ثم يجعل باطنها بحيث يجعل باطن اليمنى من طي المرفق بباطن اليسرى فيمرها لآخر أصابع اليمنى. ثم يفعل بيسراه كما فعل باليمنى بأن يجعل ظاهرها من - طرف الأصابع بباطن كف اليمنى فيمرها لآخر طرف مرفق اليسرى. ثم يجعل باطنها من طي مرفقها بباطن كف اليمنى لآخر أصابع اليسرى. ثم يخلل الأصابع.
فقوله: ثم باطنها عطفاً على ظاهرها، أي ثم جعل باطنها.
(ويبطله مبطل الوضوء؛ ووجود ماء قبل الصلاة، لا فيها، إلا ناسيه): أي إن كل ما أبطل الوضوء من الأحداث والأسباب وغيرهما أبطل التيمم. ويبطله أيضاً وجود ماء كاف قبل الدخول في الصلاة إن اتسع الوقت لاستعماله مع إدراك الصلاة، بخلاف وجود الماء في الصلاة فلا يبطلها إلا إذا كان ناسياً للماء الذي معه فتيمم وأحرم بصلاة ثم تذكر فيها، فتبطل إن اتسع الوقت كما تقدم، ومما يبطله أيضاً طول الفصل بينه وبين الصلاة كما علم من الموالاة.
(وكره لفاقده إبطال وضوء أو غسل إلا لضرر): هذا الذي ذكرناه [1]، هو المعول عليه مع الإيضاح والاختصار خلافاً لما يوهمه المصنف والرسالة، يعني أن من كان متوضئاً أو مغتسلاً وهو عادم الماء يكره له إبطال وضوئه بحدث أو سبب أو إبطال غسله - وإن كان غير متوضئ - بجماع، لانتقاله من التيمم للأصغر إلى التيمم للأكبر. ومحل الكراهة ما لم يحصل للمتوضئ ضرر من حقن أو غيره وما لم يحصل للمغتسل ضرر بترك الجماع وإلا لم يكره
(ولصحيح تيمم بحائط لبن أو حجر كمريض): الصحيح أنه يجوز للصحيح العادم للماء أن يتيمم بحائط مبني بالطوب النيء، وهو المراد باللبن، وبالحائط المبني بالحجر. كما أنه يجوز للمريض الذي لم يقدر على استعمال الماء ذلك.
(وتسقط الصلاة بفقد الطهورين، أو القدرة على استعمالهما): المذهب أن فاقد - الطهورين - وهما الماء والتراب - أو فاقد القدرة على استعمالهما -كالمكره والمصلوب- تسقط عنه الصلاة أداء وقضاء، كالحائض.
ــ
بأن لا يقوى المسح، ونوقش بصحته على حجر لا يخرج منه شيء، قال شيخنا في مجموعه: وقد يفرق بشائبة التلاعب.
قوله: [وندب تسمية]: واختلف في تكميلها كما تقدم في الوضوء على قولين، أرجحهما: يكملها، بل يكمل في جميع المواضع إلا في الذكاة.
قوله: [وصمت]: أي إلا عن ذكر الله.
قوله: [ثم يسراه كذلك]: ظاهره لا يبقي غبار الكف للأخرى، وهي طريقة، والطريقة الثانية: يبقي غبار الكف اليمنى لليسرى.
قوله: [ثم يخلل الأصابع]: أي بباطن الأصابع الأخرى، كما تقدم له.
تنبيه: لا يندب هنا الموضع الطاهر لأمن التطاير. وقيل: يندب نظراً لتشريف العبادة، ولا يندب ذكره بعده لاتصاله بما فعل له، كما ذكره شيخنا في مجموعه.
قوله: [وغيرهما]: أي كالردة، وإن كان التيمم لأكبر. فتنظير الأجهوري وتلامذته في الرد بالنسبة لتيمم الأكبر لا محل له، لأنه إذا بطل بالبول مثلاً وعاد جنباً على المشهور فأولى الردة. اهـ. من شيخنا في مجموعه.
قوله: [وجود ماء كاف]: أي أو القدرة على استعماله في الوقت بحيث يدرك باستعماله الوقت المختار. قال في الحاشية يؤخذ منه أن من انتبه في الضروري وكان متسعاً وجب عليه المبادرة إذ لا يجوز التأخير في الضروري، وفي (عب) عن بعضهم: أن الضروري كالمختار، وهو وجيه. والعبرة في الوجود بظنه، فإن رأى مانعاً بعد رؤية الماء أعاد التيمم لا إن رآه معه أو قبله، وإن ظهر عليه ركب احتمل معهم ماء بطل لأنه لما وجب الطلب لم يصح التيمم إلا بعده. اهـ. بالمعنى من شيخنا في مجموعه.
قوله: [فلا يبطلها]: أي ويحرم عليه القطع ولو بمجرد الإحرام.
قوله: [خلافاً لما يوهمه المصنف] إلخ: أي من الحرمة لتعبيرهما بالمنع.
قوله: [الصحيح أنه يجوز] إلخ: فيه تعريض للشيخ خليل حيث خصه بالمريض.
قوله: [بالطوب النيء]: أي الذي لم يحرق ولم يخلط بنجس أصلاً، أو طاهر كثير بأن زاد على الثلث وإلا لم يتيمم عليه كما لا يتيمم على رماد.
تنبيهان: الأول: من نسي صلاة من الخمس لم يدر عينها صلى الخمس، كل واحدة بتيمم. وإن نسي إحدى النهاريات صلى ثلاثاً، كل واحدة بتيمم، وإن نسي إحدى الليليتين صلاهما كل واحدة بتيمم.
الثاني: إذا مات صاحب الماء ومعه شخص جنب فصاحب الماء أولى يغسل به، إلا لخوف عطش على الحي، فيقدم الحي ويضمن قيمته لورثة الميت بمحل أخذه، وإن كان الماء مثلياً للمشقة في قضاء المثل في محل الأخذ. وكذلك لو كان الماء لهما معاً ويكفي واحداً فقط فيتطهر به الحي، ويضمن حصة الميت لورثته. قال شيخنا في مجموعه: فإن كان موقوفاً عليهما فالظاهر تقديم الحي أيضاً لشركة الاستحقاق، وملك الغير لمن خصه، فإن أشركهما فكالأول. اهـ.
قوله: [وتسقط الصلاة] إلخ: أي فهو من جملة
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (ذكرنا).
وقيل: يؤديها بلا طهارة ولا يقضي كالعريان. وقيل: يقضي ولا يؤدي. وقيل: يؤدي ويقضي عكس الأول.
فصل [1]:
في بيان حكم المسح على الجبيرة وما يتعلق به.
(إن خيف غسل محل، بنحو جرح كالتيمم، مسح): أي إذا كان به جرح بضم الجيم أو دمل أو جرب أو حرق ونحو ذلك، وخيف بغسله في الوضوء أو الغسل حدوث مرض أو زيادته أو تأخر برء -كما تقدم في التيمم- فإنه يمسح إن خيف وجوباً هلاك أو شدة ضرر، كتعطيل منفعة، وجوازاً إن خيف شدة الألم أو تأخره بلا شين، فقوله: كالتيمم أي خوفاً كالخوف المتقدم في التيمم ومتى - أمكن المسح على المحل لم يجز له أن يمسح على الجبيرة، ولا يجزئه إن مسح عليها. (فإن لم يستطع فعلى الجبيرة): أي إذا لم يستطع المسح على المحل بدون جبيرة مسح على الجبيرة: وهي اللزقة فيها الدواء توضع على الجرح ونحوه. أو على العين الرمداء (ثم على العصابة): أي ثم إن لم يستطع المسح على الجبيرة بأن خاف ما تقدم، مسح على العصابة التي تربط فوق الجبيرة، فإن لم يستطع فعلى عصابة أخرى فوقها، والأرمد الذي لا يستطيع المسح على عينه أو جبهته -بأن خاف ما مر- يضع خرقة على العين أو الجبهة ويمسح عليها.
(كقرطاس صدغ أو عمامة خيف بنزعها): أي كما يمسح على قرطاس يوضع على صدغ لصداع ونحوه أو على عمامة خيف بنزعها، إذا لم يقدر على مسح ما تحتها- من عرقية ونحوها، فإن قدر على مسح بعض الرأس أتى به وكمل على العمامة.
(وإن بغسل أو بلا طهر أو انتشرت): أي لا فرق في المسح المذكور بين أن يكون في وضوء أو غسل، وسواء وضعها وهو متطهر أو بلا طهر، وسواء كانت قدر المحل المألوم أو انتشرت:
ــ
المسقطات للأداء والقضاء كالإغماء والجنون، وقد جمع بعضهم هذا الحاصل بقوله:
ومن لم يجد ماء ولا متيمما
…
فأربعة الأقوال يحكين مذهبا
يصلي ويقضي عكس ما قال مالك
…
وأصبغ يقضي والأداء لأشهبا
وقال التتائي:
وللقابسي ذو الربط يومي لأرضه
…
بوجه وأيد للتيمم مطلبا
قال شيخنا في مجموعه: وفي (ر) التيمم على الشجرة على ما سبق في الزرع وفي (ح) قول بالإيماء للماء أيضاً. اهـ.
قوله: [وقيل يؤديها] إلخ: أي نظراً إلى أن الشخص مطلوب بما يمكنه والأداء ممكن له. وعلى هذا فحدثه في صلاته لا يبطلها، ولكن قال شيخنا الأمير في تقريره: الظاهر ما لم يتعمد إخراجه وإلا كان متلاعباً.
قوله: [وقيل يؤدي ويقضي]: أي احتياطاً، وترك الشارح قول القابسي الذي في النظم وهو أن محل سقوطهما أداء وقضاء إذا كان لا يمكنه الإيماء للتيمم، كالمحبوس بمكان مبني: بالآجر ومفروش به. فإن أمكنه الإيماء كالمربوط ومن فوق شجرة وتحته سبع مثلاً فإنه يومئ للتيمم إلى الأرض بوجهه ويديه ويؤديها ولا قضاء عليه. اهـ. من حاشية الأصل.
فصل في حكم المسح إلخ
قوله: [في بيان المسح] إلخ: لما كان المسح عليها رخصة في الطهارة المائية والترابية، ناسب تأخير هذا الفصل عنهما، وليكون إحالة على معلوم في قوله:[كالتيمم]. وحكم المسح الوجوب إن خاف هلاكاً أو شدة، كما سيأتي.
قوله: [وما يتعلق به]: أي من الأحكام التي حواها الفصل.
قوله: [بضم الجيم]: وبالفتح المصدر، والمراد هنا الأول، لأن المصدر لا يمسح. والمراد بالجرح: المجروح بآلة كحربة، بدليل ما بعده.
قوله: [في الوضوء والغسل]: أي في أعضاء الوضوء إن كان محدثاً حدثاً أصغر، أو في جسده إن كان محدثاً حدثاً أكبر ولو من زنا.
قوله: [إن خيف]: المراد بالخوف هنا العلم أو الظن.
قوله: [كتعطيل منفعة]: أي كضياع حاسة من الحواس أو نقصها.
قوله: [شدة الألم] إلخ: مراده المرض الذي لا يعطل منفعة، وهو الذي عبر عنه غيره: بالمرض الخفيف. والشين: نقص المنفعة، وأما إن خاف بغسله مجرد المشقة، فلا يجوز المسح عليه.
قوله: [فعلى الجبيرة] أي ويعمها بالمسح.
قوله: [العصابة]: بكسر العين؛ لأن القاعدة إذا صيغ اسم على وزن فعالة لما يشتمل على الشيء -نحو العمامة- فهو بالكسر، كما نقله الشهاب الخفاجي في حواشي البيضاوي عن الزجاج. اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [فإن لم يستطع] إلخ: وكذا إن تعذر حلها فيمسح عليها، وإن كان لا يضره المسح على ما دونها.
قوله: [يضع خرقة] إلخ: أي ولا يرفعها عن الجرح أو العين بعد المسح عليها حتى يصلي.
قوله: [خيف بنزعها]: أي أو بفكها لكونه من أرباب المناصب الذين لهم زي في العمامة.
قوله: [ونحوه]: أي كفصده، فيمسح عليه فإن لم يقدر فعلى الجبيرة، وهكذا.
قوله: [وكمل على العمامة]: أي كما أفاده القرطبي، وهو الصواب، وقيل: يمسح بعض الرأس فقط ولا يستحب له التكميل، وقيل: باستحبابه.
قوله: [وإن بغسل]: سواء كان من حلال أو حرام، كما تقدم؛ لأن معصية الزنا قد انقطعت، فوق الغسل المرخص فيه المسح، وهو غير متلبس بالمعصية، فلا تقاس على مسألة
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
زاد بعدها في ط المعارف: (المسح على الجبيرة ونحوها).
أي اتسعت للضرورة.
(إن كان غسل الصحيح لا يضر، وإلا ففرضه التيمم): أي أن محل جواز المسح المذكور، إن كان غسل الصحيح من الجسد في الغسل أو الصحيح من أعضاء الوضوء في الوضوء لا يضر، بحيث لا يوجب حدوث مرض ولا زيادة مرض المألوم ولا تأخر برئه. وإلا كان فرضه التيمم، وسواء كان الصحيح هو الأكثر أو - الأقل، فالأرمد لا يتيمم بحال إلا إذا كان غسل بقية أعضائه يوجب ما ذكر (كأن قل جداً كيد): أي كما أن فرضه التيمم لو قل الصحيح جداً كيد أو رجل، وكان غسله لا يوجب ضرراً.
(وإن نزعها لدواء أو سقطت ردها ومسح إن لم يطل، كالموالاة): يعني أن المتطهر لو نزع الجبيرة أو العصابة التي مسح عليها أو سقطت بنفسها، فإنه يردها لمحلها في الصورتين، ويمسح عليها ما دام الزمن لم يطل. فإن طال طولاً كالطول المتقدم في الموالاة المقدر بجفاف عضو وزمن اعتدلا، بطلت طهارته من وضوء أو غسل إن تعمد وبنى بنية إن نسي.
(ولو كان في صلاة بطلت): أي لو كان سقوطها في صلاة بطلت الصلاة وأعاد الجبيرة في محلها وأعاد المسح عليها إن لم يطل ثم ابتدأ صلاته فإن طال نسياناً بني بنية، وإلا ابتدأ طهارته. (كأن صح، وبادر لغسل محلها أو مسحه): هذا تشبيه فيما أفاده قوله: وإن نزعها إلخ، من أنه إن لم يطل الزمن تدارك الطهارة، وإلا بطلت بالعمد ولو كان في صلاة يعني لو صح - أي برئ الجرح وما في معناه- وهو في صلاة بطلت وبادر لغسل محل الجبيرة إن كان مما يغسل، كالوجه، ومسحه إن كان مما يمسح كالرأس. وإن كان في غير صلاة وأراد البقاء على طهارته بادر بما ذكر وإلا بطلت إن طال عمداً. وبنى إن طال نسياناً.
ــ
العاصي بسفره. اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [اتسعت]: أي العصابة وجاوزت محل الألم؛ لأن انتشارها من ضروريات الشد.
قوله: [إن كان غسل الصحيح] إلخ: هذا بيان لشرط الجمع بين الغسل والمسح. وحاصله خمس صور: اثنتان يغسل فيهما الصحيح ويمسح الجريح، وثلاث يتيمم فيها. فلو غسل الصحيح والمألوم في الجمع أجزأ، وأما لو غسل الصحيح ومسح على الجريح في الصور التي يتيمم فيها فلا يجزئه ذلك الغسل، ولا بد من التيمم أو غسل الجميع. وقال (بن) بالإجزاء، فيجمع بينهما إن صح جل جسده في الحدث الأكبر وجل أعضاء الوضوء في الحدث الأصغر، أو أقله، ولم يقل جداً، كيد أو رجل. والحال أنه لم يضر غسله في هاتين الصورتين، وإلا -بأن ضر- سواء كان جل الأعضاء صحيحاً أو لا، أو أقل جداً كيد ففرضه التيمم ولو لم يضر غسله في هذه الأخيرة، إذ التافه لا حكم له.
قوله: [وسواء كان الصحيح] إلخ: تعميم في الضرر وعدمه. فتحتها صور أربع: اثنتان يجمع بينهما، واثنتان يتيمم، وستأتي الثالثة في قوله:[كأن قل جداً].
قوله: [فالأرمد] إلخ: إنما نص عليه رداً على من يتوهم جواز التيمم له مطلقاً، فإنه وهم باطل.
قوله: [وكان غسله] إلخ: الجملة حالية، ومن باب أولى لو ضر. وكون اليد قليلة جداً بالنظر للغالب، فلو خلق لشخص وجه ورأس ويد واحدة وكانت هي الصحيحة لكان حكمه التيمم. والمراد باليد في الوضوء: ما يجب غسله. وأما في الغسل، فانظر: هل من طرف الأصابع إلى الإبط أو إلى المرفق؟ والظاهر الأول. اهـ. من الحاشية.
مسألة: إن تعذر مسح الجراحات بكل وجه؛ فإن كانت بأعضاء التيمم - كالوجه واليدين إلى المرفقين، وقيل إلى الكوعين - تركها وتطهر بالماء وضوءاً ناقصاً وغسلاً ناقصاً. وإلا تكن بأعضاء التيمم، فهل كذلك كثرت الجراحات أو قلت؟ أو إن قلت ولا يتيمم، أو يتيمم مطلقاً، أو يجمعهما؟ أقوال أربعة، وإذا جمع قدم المائية. فإن خاف الضرر من الماء تيمم فقط باتفاق، واستظهر الأجهوري على هذا القول الأخير أنه يعيد المائية لكل صلاة؛ لأن الطهارة بالمجموع والتيمم لا يصلى به إلا فرض واحد، وألغز فيه شيخنا في مجموعه بقوله:
ألا يا فقيه العصر إني رافع
…
إليك سؤالاً حار مني به الفكر
سمعت وضوءاً أبطلته صلاته
…
فما القول في هذا فديتك يا حبر
وليس جواباً لي إذا كنت عارفاً
…
وضوء صحيح في تجدده نذر
وأجاب عنه في حاشية (عب) بقوله:
إذا ما جراحات تعذر مسها
…
وليست بأعضاء التيمم يا بدر
فيجمع كلاً في صلاة أرادها
…
تراباً وماء كي يتم له الطهر
وهذا على بعض الأقاويل فادره
…
وكن حاذقاً فالعلم يسمو به القدر
مسألة أخرى: هل يصح التيمم من فوق حائل؟ وهو الذي ذكره (عب) وغيره أو لا يصح؟ وهو الذي صدر به (ح) عن السيوري، فيكون كفاقد الماء والصعيد؟ قال شيخنا في مجموعه: والظاهر الأول.
قوله: [الجبيرة إلخ]: مراده الأمور الحائلة من جبيرة وعصابة وقرطاس وعمامة.
قوله: [أو سقطت بنفسها] إلخ: لا فرق بين كون السقوط والنزع عمداً أو غيره، فالحكم واحد.
قوله: [ويمسح عليها]: أي إن لم يكن في صلاة، كما سيأتي.
قوله: [إن نسي]: ومثله إن عجز. ويبني بغير تجديد نية.
قوله: [بطلت]: أي عليه وحده إن لم
فصل [1]
(الحيض دم أو صفرة أو كدرة خرج بنفسه من قبل من تحمل عادة): أي أن الحيض ثلاثة أنواع: إما دم -وهو الأصل- أو صفرة كالصديد الأصفر، أو كدرة -بضم الكاف- شيء كدر ليس على ألوان الدماء، خرج بنفسه أي لا بسبب ولادة ولا افتضاض ولا جرح ولا علاج ولا علة وفساد بالبدن. فيخرج دم الاستحاضة، من قبل امرأة تحمل عادة: احترازاً مما خرج من الدبر فليس بحيض، ومما خرج من قبل صغيرة لم تبلغ تسع سنين أو كبيرة بلغت السبعين فليس بحيض قطعاً.
(وأقله في العبادة دفقة): بفتح الدال وبالقاف. ويقال: دفعة - بضمها وفتحها وبالعين المهملة - لا تلوث المحل بلا دفق، فليس بحيض إذا لم يستدم، وقوله في العبادة: أي فيجب عليها الغسل بالدفقة، ويبطل صومها، وتقضي ذلك اليوم.
وأما في العدة والاستبراء فلا يعد حيضاً إلا ما استمر يوماً أو بعض يوم له بال كما يأتي إن شاء الله تعالى.
(وأكثره لمبتدأة نصف شهر كأقل الطهر): الحائض إما مبتدأة، أو معتادة، أو حامل. فأكثر الحيض للمبتدأة
ــ
يكن إماماً في الجمعة لاثني عشر أو واحداً من الاثني عشر فيها. ومنه اللغز المشهور: رجل سقطت عمامته بطلت صلاته وصلاة جماعته. وقد علم مما تقدم أن المبطل سقوطها لا دورانها ولا سقوط الجبيرة من تحت العصابة مع بقاء العصابة الممسوح عليها من الجرح.
فصل: الحيض دم إلخ
هو لغة: السيلان، من قولهم حاض الوادي إذا سال، وله معان أخر مذكورة في المطولات منها الضحك، وبه فسر قوله تعالى:{وامرأته قائمة فضحكت} [هود: 71] أي حاضت، مقدمة للحمل الذي بشر به، ولكن الذي اقتصر عليه الجلال أنها ضحكت سروراً بهلاك قوم لوط لفجورهم. اهـ. من حاشية شيخنا على مجموعه. ويطلق الحيض على القليل والكثير لكونه جنساً، فإن أريد التنصيص على الوحدة لحقته التاء. قوله:[أو صفرة أو كدرة]: ما ذكره من أن الصفرة والكدرة حيض هو المشهور، ومذهب المدونة سواء رأتهما في زمن الحيض أم لا بأن رأتهما بعد علامة الطهر. وقيل: إن كانا في أيام الحيض فحيض وإلا فلا، وهو لابن الماجشون. وقيل: إنهما ليسا بحيض مطلقاً. قوله: [خرج بنفسه]: أي وإن بغير زمنه المعتاد له. قوله: [ولا علاج]: أي قبل زمنه المعتاد له. ومن هاهنا قال سيدي عبد الله المنوفي إن ما خرج بعلاج قبل وقته المعتاد له لا يسمى حيضاً، قائلاً: الظاهر أنها لا تبرأ به من العدة ولا تحل، وتوقف في تركها الصلاة والصوم، قال خليل في توضيحه: والظاهر على بحثه عدم تركهما اهـ. قال في الأصل: أي لأنه استظهر عدم كونه حيضاً تحل به المعتدة، فمقتضاه أنها لا تتركهما، وإنما قال:"على بحثه" لأن الظاهر في نفسه تركهما لاحتمال كونه حيضاً. وقضاؤهما: لاحتمال أن لا يكون حيضاً. وقد يقال: بل الظاهر فعلهما وقضاء الصوم فقط، وإنما توقف لعدم نص في المسألة اهـ. وقولنا قبل زمنه مفهومه لو خرج بعلاج في زمنه أو بعده يكون حيضاً وهو كذلك. قوله:[من الدبر]: ومثله الثقبة ولو انسد المخرجان وكانت تحت المعدة. قوله: [بلغت السبعين]: أي وتُسأل النساء في بنت الخمسين إلى السبعين، فإن قلن: حيض، أو شككن، فحيض. كما يسألن في المراهقة، وهي بنت تسع إلى ثلاثة عشر. وأما ما بين الثلاثة عشر والخمسين فيقطع بأنه حيض.
مسألة: من سماع ابن القاسم من استعملت الدواء لرفعه عن وقته المعتاد فارتفع، فيحكم لها بالطهر. وعن ابن كنانة: من عادتها ثمانية أيام مثلاً فاستعملت الدواء بعد ثلاثة مثلاً لرفعه بقية المدة، فيحكم لها بالطهر، خلافاً لابن فرحون اهـ من الأصل. لكن قال العلماء: هذا العلاج مكروه؛ لأنه مظنة الضرر.
قوله: [وبالقاف]: الشيء المدفوق.
قوله: [بضمها]: يرجع لمعنى الأول، وأما بالفتح فهو المرة، وهذا إشارة لأقله باعتبار الخارج، ولا حد لأكثره، وأما باعتبار الزمن فلا حد لأقله. وقالت الشافعية: أقله يوم وليلة. وقالت الحنفية: أقله ثلاثة أيام، فما نقص عن ذلك عندهم لا يعد حيضاً لا في العدة ولا في العبادة فينفع النساء تقليدهم.
قوله: [فيجب عليها الغسل]: أي فثمرته أنها تغتسل كلما انقطع وتصوم وتصلي وتوطأ وإن حسبت ذلك اليوم يوم حيض.
قوله: [يوماً أو بعض يوم] ويرجع في تعيين ذلك للنساء العارفات بأحوال الحيض.
قوله: [لمبتدأة]: أي غير حامل، بدليل ما يأتي. وهذا باعتبار الزمان، وأما باعتبار الخارج فلا حد له، كما تقدم.
قوله: [كأقل الطهر]: أي فأقله خمسة عشر يوماً على المشهور، وقيل: عشرة أيام، وقيل: خمسة. وتظهر فائدة التحديد لأقل الطهر فيما لو حاضت مبتدأة أو انقطع عنها دون خمسة عشر، ثم عاودها قبل طهر تام، فتضم هذا الثاني للأول لتتم منه خمسة عشر يوماً بمثابة ما إذا لم ينقطع، ثم هو دم علة. وإن عاودها بعد تمام الطهر فهو حيض مؤتنف. اهـ. من الخرشي.
قوله: [أو حامل]: أي أن الحامل عندنا تحيض خلافاً للحنفية،
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
زاد بعدها في ط المعارف: (في الحيض).
إن استمر بها الدم خمسة عشر يوماً، وما زاد فهو دم علة وفساد، تصوم وتصلي وتوطأ، كما أن أقل الطهر لجميع النساء خمسة عشر يوماً، فمن رأت دماً بعدها فهو حيض قطعاً مؤتنف. ومن رأته قبل تمامها فإن كانت استوفت تمام حيضها بنصف الشهر أو بالاستظهار، فذلك الدم استحاضة وإلا ضمته للأول حتى يحصل تمامه بالخمسة عشر يوماً أو بالاستظهار وما زاد - فاستحاضة على ما سيأتي تفصيله قريباً إن شاء الله تعالى.
(ولمعتادة ثلاثة أيام على أكثر عادتها استظاراً [1]، ما لم تجاوزه): أي وأكثره للمعتادة ثلاثة أيام زيادة على أكثر عادتها. والعادة تثبت بمرة؛ فمن اعتادت أربعة أيام أو خمسة استظهرت بثلاثة على الخمسة ولو كانت الخمسة رأتها مرة ورأت الأربعة أكثر. ومحل الاستظهار بالثلاثة ما لم تجاوز نصف الشهر، فمن اعتادت نصف الشهر فلا استظهار عليها. ومن عادتها أربعة عشر استظهرت بيوم فقط.
(ثم هي مستحاضة تصوم وتصلي وتوطأ): أي ثم بعد أن مكثت المبتدأة نصف شهر، وبعد أن استظهرت المعتادة بثلاثة أو بما يكمل نصف شهر تصبر؛ إن تمادى بها الدم مستحاضة. ويسمى الدم النازل بها دم استحاضة ودم علة وفساد، وهي في الحقيقة طاهر تصوم وتصلي وتوطأ.
(ولحامل فيما بعد شهرين عشرون، وفي ستة فأكثر ثلاثون): أي وأكثر الحيض للحامل إن تمادى بها بعد شهرين عشرون يوماً إلى ستة أشهر، وفي ستة أشهر إلى آخر حملها ثلاثون يوماً. واعلم أن العادة الغالبة في الحامل عدم نزول الدم منها، ومن غير الغالب قد يعتريها الدم. ثم اختلف في الدم النازل منها: هل هو حيض بالنسبة للعبادة؟ فلا تصلي ولا تصوم ولا تدخل مسجداً ولا توطأ، وهو مذهب مالك وما به الفتوى عند الشافعية، أو ليس بحيض بل هو دم علة وفساد؟ وإليه ذهب بعض أهل العلم.
(فإن تقطعت أيامه بطهر لفقتها فقط على تفصيلها، ثم هي [2] مستحاضة، وتغتسل كلما انقطع وتصوم وتصلي وتوطأ): أي إذا تقطعت أيام الدم في المبتدأة والمعتادة بأن تخللها طهر- بأن كان يأتيها الدم في يوم مثلاً، وينقطع يوماً أو أكثر ولم يبلغ الانقطاع نصف الشهر- فإنها تلفق أيام الدم فقط. فالمبتدأة ومن اعتادت نصف الشهر تلفق الخمسة عشر يوماً في شهر أو شهرين أو ثلاثة أو أكثر
ــ
ودلالة الحيض على براءة الرحم ظنية واكتفى بها الشارع رفقاً بالنساء.
قوله: [إن استمر بها الدم]: أي لم يحصل بين الدمين أقل الطهر.
قوله: [مؤتنف]: أي فتحسبه من العدة ويجري عليها سائر أحكامه.
قوله: [بنصف الشهر]: أي إن كانت مبتدأة أو عادتها ذلك.
قوله: [أو بالاستظهار]: أي كما إذا كانت عادتها ثلاثة واستظهرت بثلاث. فما زاد على الستة فهو استحاضة.
قوله: [وإلا ضمته] إلخ: أي وإلا تستوف نصف الشهر وإن كانت مبتدأة أو معتادة لذلك ولاستظهارها إن كانت معتادة دونه ضمته للأول إلخ.
قوله: [على ما سيأتي] إلخ: أي في قوله فإن ميزت بعد طهر تم فحيض إلخ.
قوله: [ولمعتادة]: أي وعادتها دون نصف الشهر ثلاثة أيام فأكثر بدليل ما يذكر بعد.
قوله: [على أكثر عادتها]: أي زمناً لا وقوعاً بدليل ما يأتي.
قوله: [استظهرت بيوم فقط]: حاصل ما أفاده أن من عادتها ثلاثة أيام مثلاً، وزاد عليها تستظهر بثلاثة وتصير الستة عادة لها، فإن زاد في الدور الثاني استظهرت بثلاثة، وتصير التسعة عادة لها. فإن زاد في الدور الثالث استظهرت بثلاثة وتصير الاثنا عشر عادة لها. فإن زاد في الدور الرابع استظهرت بثلاثة وتصير الخمسة عشر عادة لها. فإن زاد في دور خامس فهو دم علة وفساد. ولو فرض أن عادتها ثمانية، وزاد استظهرت بثلاثة، فتصير الإحدى عشر عادة لها. فإن زاد في دور ثان استظهرت بثلاثة وتصير الأربعة عشر عادة لها. فإن زاد في دور ثالث استظهرت بيوم واحد كما قال الشارح.
قوله: [وهي في الحقيقة طاهر]: أي خلافاً لمن يقول هي طاهر حكماً. فعلى ما قاله الشارح: يندب لها بعد خمسة عشر يوماً الغسل وقضاء الصوم مراعاة للقول الثاني. وأما على القول الثاني كانت كحائض انقطع حيضها، فيجب عليها الغسل وقضاء الصوم ولا تقضي الصلاة على كل حال، لأنها إما صحيحة على القول الأول أو ساقطة على القول الثاني.
قوله: [فيما بعد شهرين] إلخ: هذا على ما في الخرشي وأقره في الحاشية واشتهر، وفي (ر): أن الرابع والخامس وسط بين الطرفين. اهـ. من المجموع.
قوله: [وفي ستة] إلخ: هذا هو المعتمد خلافاً لمن يقول: إن الشهر السادس ملحق بما قبله. بل الذي عليه جميع شيوخ إفريقية: أن حكم الستة أشهر حكم ما بعدها.
قوله: [بالنسبة للعبادة]: أي لا للعدة؛ فإن العبرة فيها بوضع الحمل لقول خليل: وعدة الحامل في وفاة أو طلاق وضع حملها كله.
قوله: [بعض أهل العلم]: أي كالحنفية.
تنبيه: هل حكم ما قبل الثلاثة للحامل كحكم ما بعدها؟ فيكون عشرين يوماً أو كالمعتادة غير الحامل تمكث عادتها والاستظهار؟ وهو التحقيق - ولذلك لم يتكلم عليه المصنف - وأما الحامل التي بلغت ثلاثة أشهر فأكثر فلا استظهار عليها ولا يفرق فيها بين مبتدأة وغيرها.
قوله: [في المبتدأة والمعتادة]: أي والحامل.
قوله: [في شهر]: أي إن انقطع يوماً وجاء يوماً.
وقوله: [أو شهرين] أي إن انقطع ثلاثة وجاء في الرابع.
قوله: [أو ثلاثة]: أي إن انقطع خمسة وأتى في السادس.
قوله: [أو أكثر]:
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (استظهاراً).
[2]
ليست في ط المعارف.
أو أقل ولا تلفق الطهر، وهو معنى قولنا: فقط والمعتادة تلفق عادتها وأيام الاستظهار. كذلك متى لم ينقطع خمسة عشر يوماً، فإن انقطعها فحيض مؤتنف. ثم إذا لفقت أيام حيضها -على تفصيلها المتقدم من مبتدأة ومعتادة وحامل - فما نزل عليها بعد ذلك - فاستحاضة لا حيض. وحكم الملفقة أنها تغتسل وجوباً، كلما انقطع دمها وتصلي وتصوم وتوطأ.
(فإن ميزت بعد طهر تم فحيض، فإن دام بصفة التميز [1] استظهرت، وإلا فلا): يعني أن المستحاضة - وهي من استمر بها الدم بعد تمام حيضها بتلفيق أو بغير تلفيق - إذا ميزت الدم بتغير رائحة أو لون أو رقة أو ثخن أو نحو ذلك بعد تمام طهر -أي نصف شهر- فذلك الدم المميز حيض لا استحاضة. فإن استمر بصفة التميز استظهرت بثلاثة أيام ما لم تجاوز نصف شهر، ثم هي مستحاضة. وإلا -بأن لم يدم بصفة التميز بأن رجع لأصله- مكثت عادتها فقط، ولا استظهار. هذا هو الراجح خلافاً لإطلاق الشيخ.
(وعلامة الطهر جفوف أو قصة -وهي أبلغ- فتنتظرها معتادتهما لآخر المختار -بخلاف معتادة الجفوف فلا تنتظر ما تأخر منهما كالمبتدأة): أي أن علامة الطهر أي انقطاع الحيض أمران: الجفوف؛ أي خروج الخرقة خالية من أثر الدم وإن كانت مبتلة من رطوبة الفرج، والقصة وهي ماء أبيض كالمني أو الجير المبلول. والقصة أبلغ: أي أدل على براءة الرحم من الحيض، فمن اعتادتها أو اعتادتهما معاً طهرت بمجرد رؤيتها فلا تنتظر الجفوف.
وإذا رأته ابتداء انتظرتها لآخر المختار بحيث توقع الصلاة في آخره. وأما معتادة الجفوف فقط فمتى رأته أو رأت القصة طهرت ولا تنتظر الآخر منهما وكذا المبتدأة التي لم تعتد شيئاً، هذا هو الراجح، ومقتضى أبلغية القصة أنها إن رأت الجفوف أولاً انتظرت القصة.
ــ
أي كما إذا كان ينقطع في تسعة ويأتي في العاشر فتلفقها من مائة وخمسين يوماً.
قوله: [أو أقل]: أي بأن أتاها يومين وانقطع يوماً فتلفقه من نيف وعشرين.
قوله: [لا تلفق الطهر]: أي من تلك الأيام التي في أثناء الحيض، بل لا بد من خمسة عشر يوماً بعد فراغ أيام الدم. وما ذكره من كونها لا تلفق أيام الطهر، متفق عليه إن نقصت أيام الطهر عن أيام الدم، وعلى المشهور إن زادت أو ساوت خلافاً لمن قال: إن أيام الطهر إذا ساوت أيام الحيض أو زادت فلا تلغى ولو كانت دون خمسة عشر يوماً، بل هي في أيام الطهر طاهر تحقيقاً، وفي أيام الحيض حائض تحقيقاً بحيض مؤتنف، وهكذا مدة عمرها. وفائدة الخلاف تظهر في الدم النازل بعد تلفيق عادتها أو خمسة عشر يوماً، فعلى المعتمد تكون طاهراً، والدم النازل دم علة وفساد، وعلى مقابله يكون حيضاً. اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [كلما انقطع]: أي لأنها لا تدري هل يعاودها أم لا، إلا أن تظن أنه يعاودها قبل انقضاء وقت الصلاة الذي هي فيه، سواء كان ضرورياً أو اختيارياً فلا تؤمر بالغسل كما ذكره الأصل تبعا ل (عب). وقول الأصل فلا تؤمر بالغسل، فإن اغتسلت في هذه الحالة وصلت ولم يأتها دم في وقت الصلاة فهل يعتد بتلك الصلاة أم لا؟ وهذا إذا جزمت النية. فإن ترددت لم يعتد بها كما في الحاشية. والمستحسن من كلام الأشياخ وجوب الغسل عليها إن لم تعلم عودة في الوقت الذي هي فيه، فلو كانت بالاختياري وعلمت عوده في الضروري اغتسلت، كذا في الحاشية وفي (بن): أنها لا تؤخر رجاء الحيض. اهـ. من المجموع.
قوله: [حيض]: أي اتفاقاً في العبادة وعلى المشهور في العدة خلافاً لأشهب وابن الماجشون القائلين بعدم اعتباره في العدة.
قوله: [هذا هو الراجح]: أي لأنه لا فائدة في الاستظهار، لأن الاستظهار في غيرها لرجاء انقطاع الدم، وهذه قد غلب على الظن استمراره. وهذا قول مالك وابن القاسم خلافاً لابن الماجشون، حيث قال باستظهارها على أكثر عادتها. ومفهوم قول المصنف:[فإن ميزت بعدم طهر تم]: أنها إذا لم تميز فهي مستحاضة أبداً، ويحكم عليها بأنها طاهر ولو مكثت طول عمرها، وتعتد بسنة بيضاء كما سيأتي في باب العدة.
قوله: [أي انقطاع الحيض]: سواء كان دماً أو كدرة.
قوله: [والقصة]: لا إشكال في نجاستها، كما قال عياض وغيره: ماء الفرج ورطوبته عندنا نجسان.
قوله: [أبلغ]: أي حتى لمعتادة الجفوف عند ابن القاسم.
قوله: [انتظرتها]: أي استحبابا.
قوله: [هذا هو الراجح]: خلافاً لظاهر خليل من تقييد الأبلغية بمعتادة القصة وحدها أو مع الجفوف.
قوله: [ومقتضى أبلغية] إلخ: أي فهو مشكل لإفادته المساواة بين الجفوف والقصة. مع أنها عند ابن القاسم أبلغ مطلقاً كما مر.
تنبيه: ليس على المرأة الحائض لا وجوباً ولا ندباً نظر طهرها قبل الفجر لعلها أن تدرك العشاءين والصوم، بل يكره إذ ليس من عمل الناس ولقول الإمام: لا يعجبني بل يجب عليها نظره في أول الوقت لكل صلاة وجوباً موسعاً إلى أن يبقى ما يسع الغسل والصلاة فيجب وجوباً مضيقاً ما عدا وقت
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (التمييز).
(ومنع صحة طواف، واعتكاف وصلاة، وصوم، ووجوبهما وقضاء الصوم بأمر جديد): قوله: ووجوبهما عطف على صحة أي منع الحيض صحة ما ذكر. ومنع وجوب الصلاة والصوم؛ فلا يجبان على الحائض. كما لا يصحان منها أما الصلاة فظاهر، وأما الصوم فمشكل؛ إذ عدم وجوبه يقتضي عدم قضائه مع أنها تقضيه، والجواب أن قضاءه بأمر من الشارع جديد؛ أي غير ما يقتضيه عدم الوجوب.
(وحرم به طلاق، وتمتع بما بين سرة وركبة، حتى تطهر بالماء، ودخول مسجد، ومس مصحف لا قراءة): أي يحرم على الزوج أن يطلق زوجته أيام حيضها وإن وقع منه لزمه وأجبر على رجعتها إن كان رجعياً. وهذا في المدخول بها إذا لم تكن حاملاً، - وإلا لم يحرم. وحرم أيضاً على الزوج أو السيد أن يستمتع بزوجته أو أمته بوطء فقط بما بين سرتها وركبتها، وحرم عليها تمكينه من ذلك. ويجوز بما عدا ذلك؛ فيجوز تقبيلها واستمناؤه بيدها وثدييها وساقيها ومباشرة ما بين السرة والركبة، بأي نوع من أنواع الاستمتاع - ما عدا الوطء- كما دلت عليه نصوص الأئمة، خلافاً لمن منعه، وتستمر حرمة الاستمتاع بما بين السرة والركبة حتى تطهر بالماء لا بالتيمم، فإذا لم تجد الماء فلا يقربها بالتيمم إلا لشدة ضرر. ويحرم على الحائض أيضاً دخول مسجد ومس مصحف ولا يحرم عليها قراءة القرآن إلا بعد انقطاعه وقبل غسلها، سواء كانت جنباً حال حيضها أم لا، فلا تقرأ بعد انقطاعه مطلقاً حتى تغتسل. هذا هو المعتمد.
(والنفاس: ما خرج للولادة معها أو بعدها، ولو بين توأمين): أي أن النفاس هو الدم الخارج من قبل المرأة عند ولادتها مع الولادة أو بعدها. وأما ما خرج قبلها، فالراجح أنه حيض. فلا يحسب من الستين يوماً. وبالغ بقوله: ولو بين إلخ: - للرد على من يقول: ما خرج بين التوأمين حيض ولا تحسب الستون يوماً إلا من خروج الثاني. والتوأمان: الولدان في بطن إذا كان بينهما أقل من ستة أشهر.
(وأكثره ستون يوماً) أي أن أكثر النفاس ستون يوماً، فما زاد عليها فاستحاضة، فإن تقطع لفقت الستين، وتغتسل كلما انقطع وتصوم وتصلي، فإن انقطع نصف شهر فقد تم الطهر وما نزل عليها بعد ذلك حيض. وعلامة الطهر منه جفوف أو قصة وهي أبلغ، ويمنع ما منعه الحيض، وهذا معنى قوله (والطهر منه وتقطعه ومنعه كالحيض).
ــ
المغرب والعشاء، فيستصحب الأصل لضرورة النوم، ولذلك لو شكت هل طهرت - قبل الفجر أو بعده - سقطت صلاة العشاء. (بن).
قوله: [بأمر جديد]: وإنما وجب قضاؤه بأمر جديد من الشارع دون الصلاة لخفة مشقته بعدم تكرره.
قوله: [وحرم به طلاق]: أي ولو أوقعه على من تقطع طهرها لأنه يوم حيض حكماً كما ذكره الأصل. واعتراض (بن) بأنه للحرمة فيه نظر.
قوله: [وأجبر على رجعتها]: أي ولو أوقعه في حال تقطع طهرها بناء على حرمة الطلاق فيها.
قوله: [وإلا لم يحرم]: أي وإلا بأن كانت غير مدخول بها، أو كانت حاملاً فلا حرمة، على أن حرمة الطلاق في الحيض معللة بتطويل العدة.
قوله: [كما دلت عليه] إلخ: ففي (بن): الذي لابن عاشر ما نصه ظاهر عباراتهم جواز الاستمتاع بما تحت الإزار بغير الوطء من لمس ومباشرة ونظر حتى للفرج. وقال أبو علي المسناوي: نصوص الأئمة تدل على أن الذي يمنع تحت الإزار هو الوطء فقط لا التمتع بغيره خلافاً للأجهوري ومن تبعه.
قوله: [لا بالتيمم]: أي ولو كانت من أهل التيمم، خلافاً لمن قال: إذا كانت من أهله جاز وطؤها ولو لم يخف الضرر.
قوله: [دخول مسجد]: أي فلا تعتكف ولا تطوف.
قوله: [ومس مصحف]: أي ما لم تكن معلمة أو متعلمة.
قوله: [هذا هو المعتمد]: وهو الذي رجحه الحطاب، وهو الذي قاله عبد الحق كما أن المعتمد أنه يجوز لها القراءة حال استرسال الدم عليها كانت جنباً أم لا كما صدر به ابن رشد في المقدمات، وصوبه واقتصر عليه في التوضيح.
قوله: [فلا يحسب من الستين]: وأما على القول بأنه نفاس، فإن أيامه تضم لما بعد الولادة وتحسب من الستين، وتظهر فائدة الخلاف أيضاً في المستحاضة إذا رأت هذا الدم الخارج قبل الولادة لأجلها، فهل هو نفاس يمنع الصلاة والصوم أو دم استحاضة تصلي معه وتصوم.
قوله: [وبالغ] إلخ: أي فعلى القول بأنه نفاس إن كان بينهما أقل من شهرين فاختلف: هل تبني على ما مضى لها ويصير الجميع نفاساً واحداً؟ وإليه ذهب أبو محمد البرادعي وهو المعتمد، أو تستأنف للثاني نفاساً آخر؟ وإليه ذهب أبو إسحاق التونسي. وأما إن كان بينهما شهران فلا خلاف أنها تستأنف. ومحل القولين ما لم يتخللهما أقل الطهر كما قيد به النفراوي، وإلا فتستأنف للثاني نفاساً جزماً. قال في المجموع: وهو وجيه وإن لم يذكروه.
قوله: [أقل من ستة أشهر]: أي قلة لها بال، كستة أيام فأكثر. وأما لو كان بينهما ستة أشهر فأكثر كانا بطنين. لكن توقف فيه شيخنا بأن الثاني قد يتأخر لأقصى أمد الحمل، ولا يكون من يلحق به الثاني فيلحق بالأول، ولا تتم العدة إلا بهما، وتكون منكوحة في العدة إذا لم يمض لوطء الثاني أقل الحمل كما يأتي. وهذا يقتضي أنهما حمل واحد فيكونان توأمين. اهـ من حاشية شيخنا على مجموعه.
قوله: [ستون]: أي ولا عادة ولا استظهار، فقد علم من الباب أربعة لا تستظهر واحدة منهن، وهي: المبتدأة، والحامل، والمستحاضة، والنفساء.