الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(و) كره (نبذ) لشيء من الفواكه ولو مفرداً كزبيب فقط (بدباء): وهو القرع (وحنتم): وهي الأواني المطلية بالزجاج الأخضر أو الأصفر أو غيرهما من كل ما دهن بزجاج ملون (ومقير): أي مطلي بالقار أي الزفت (ونقير) أي منقور: وهو ما نقر من الأواني من جذوع النخل. وإنما كره النبذ في هذه الأربعة؛ لأن شأنها تعجيل الإسكار لما نبذ فيها بخلاف غيرها من الأواني.
(والمحرم) من الأطعمة والأشربة: (ما أفسد العقل) من مائع كخمر أو جامد كحشيشة وأفيون وتقدم الكلام عليهما لأن حفظ العقل واجب، (أو) أفسد (البدن) كالسميات (والنجس) كدم وبول وغائط وميتة حيوان له نفس سائلة إلا ما اضطر إليه كما تقدم.
(وخنزير وحمار) إنسي أصالة بل (ولو) كان (وحشياً دجن) أي تأنس ولا ينظر حينئذ لأصله، فإن توحش بعد ذلك أكل وصارت فضلته طاهرة (وبغل وفرس وميتة) ما ليس له نفس سائلة (كجراد) وخشاش أرض، وإن كانت ميتته طاهرة إذ لا يباح إلا بذكاة كما تقدم والله أعلم.
باب في حقيقة اليمين وأحكامه
اليمين في العرف: الحلف، وهو قسمان:
الأول: تعليق طاعة أو طلاق على وجه قصد الامتناع من فعل المعلق عليه، أو الحض على فعله، نحو: إن دخلت الدار أو إن لم أدخلها فطالق؛ والأول يمين بر، والثاني يمين حنث.
والثاني قسم بالله أو بصفة من صفاته.
وأشار للقسم الأول بقوله: (تعليق مسلم) لا كافر -ولو كتابياً- فلا يعتبر تعليقه ولا يلزمه إن حنث شيء ولو أسلم بعد التعليق. (مكلف) لا غيره: كصبي ومجنون ومكره فلا يلزمه شيء بتعليقه.
(قربة) مفعول تعليق المضاف لفاعله: أي أن يعلق المسلم المكلف قربة كصلاة أو صوم أو مشي لمكة أو عتق عبد. (أو) تعليق (حل عصمة) كطلاق حقيقة: كإن دخلت الدار
ــ
جائزاً، كما أن اللبن المخلوط بالعسل كذلك.
قوله: [وكره نبذ لشيء] إلخ: إنما خص هذه الأربعة لورود النهي عن النبذ فيها في الحديث الصحيح الوارد في البخاري وغيره.
قوله: [إنسي أصالة] أي فيحرم أكله ولو توحش استصحاباً لأصله.
قوله: [ولا ينظر حينئذ لأصله] أي حيث تأنس الوحشي فيحرم أكله، واعتد بالعارض احتياطاً للتحريم.
قوله: [وبغل وفرس] أي إنسيين ولو توحشاً فما قيل في الحمار يقال فيهما.
تتمة: يحرم أكل ابن عرس لعمى آكله كما قاله الشيخ عبد الرحمن، ويحرم الطين والتراب للضرر وقيل يكرهان. ويحرم الوزغ للسم، ولا يجوز أكل مباح ولده محرم كشاة من أتان ولا عكسه كأتان من شاة، وأما نسل ذلك المباح الذي ولده المحرم فيؤكل حيث كان مباحاً لبعده كما أفاده المجموع والحاشية.
باب في حقيقة اليمين وأحكامه [1]
لما كانت اليمين تشتمل على بر تارة وحنث أخرى ناسب أن يذكرها عقب باب المباح والمحرم، وهو باب ينبغي الاعتناء به لكثرة وقائعه وتشعب فروعه. واليمين والحلف والإيلاء والقسم: ألفاظ مترادفة وهي مؤنثة، في الحديث:«من اقتطع مال مسلم بيمين كاذبة أدخله الله النار، فقيل له ولو شيئاً قليلاً؟ قال ولو قضيباً من أراك» وتجمع على أيمان وعلى أيمن، وهي في اللغة مأخوذة من اليمين الذي هو العضو، لأنهم كانوا إذا تحالفوا وضع أحدهم يمينه في يمين صاحبه، فسمي الحلف يميناً لذلك، وقيل اليمين: القوة، ويسمى العضو يميناً لوفور قوته على اليسار؛ ولما كان الحلف يقوي الخبر على الوجود أو العدم سمي يميناً. فعلى هذا التفسير تكون الالتزامات كالطلاق والعتاق وغيرهما داخلة في اليمين، وعلى هذا مشى المصنف فأدخلها وصدر بها بخلافها على الأول، والمراد بحقيقة اليمين تعريفه، والمراد بأحكامه: ما يترتب عليه من كفارة وغيرها، وتذكير المصنف الضمائر العائدة على اليمين باعتبار معناه وهو الحلف وإلا فهي مؤنثة كما علمت في الحديث.
قوله: [في العرف]: أي وأما في اللغة فقد تقدم.
قوله: [وهو قسمان]: بل ثلاثة لأن الأول متنوع إلى قسمين، وهذا هو رأي ابن عرفة، وأما غيره فيجعل التزام الطاعة من قبيل النذر وإن لم يكن قاصد التقرب كما سيأتي في النذر، ويسمى حينئذ بنذر اللجاج.
قوله: [نحو إن دخلت الدار]: مثال لقصد الامتناع، وقوله أو إن لم أدخلها مثال للحض ففيه لف ونشر مرتب.
قوله: [يمين بر]: أي لأنه على بر حتى يفعل المحلوف عليه، وقوله الثاني: يمين حنث: أي لأنه إن لم يفعل يكون حانثاً وسيأتي ذلك.
قوله: [قسم بالله]: أي باسم دال على ذاته العلية كان لفظ الجلالة أو غيره، وقوله أو بصفة من صفاته أي غير الفعلية وسيأتي ذلك.
قوله: [فلا يعتبر تعليقه]: أي لأن من شروط صحة الالتزامات الإسلام، ولو قلنا: إن الكافر مخاطب بفروع الشريعة.
قوله: [فلا يلزمه شيء بتعليقه]: الضمير عائد على غير المكلف الشامل للصبي والمجنون والمكره، ونفي اللزوم كمن ذكر ولو بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو زال الإكراه قبل حصول المعلق عليه نظير ما قاله في الكافر، لأن
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
قوله: (في حقيقة اليمين وأحكامه) ليس في ط المعارف.
فعبدي حر، أو فهي طالق، بل (ولو) كان التعليق (حكماً) نحو عليه الطلاق لا يدخلها، فإنه في قوة: إن دخلها فهي طالق، ونحو: عليه الطلاق، لأدخلن، فإنه في قوة قوله [1] إن لم أدخل فهي طالق، فالأولى صيغة بر، والثانية صيغة حنث بالقوة لا بالتصريح. (على) حصول (أمر): كدخول دار أو لبس ثوب نحو إن دخلت أو لبست، (أو) على (نفيه) نحو: إن لم أدخل، أو: إن لم ألبس هذا الثوب فهي طالق، وهذه صيغة حنث؛ لأنه لا يبرأ إلا بالدخول أو اللبس، وما قبلها صيغة بر؛ لأنه على بر حتى يفعل المحلوف عليه، وهذا فيما إذا كان المحلوف عليه. أي المعلق عليه غير معصية كدخول الدار، بل (ولو) كان المعلق عليه (معصية) كشرب خمر نحو: إن شربت الخمر فهي طالق أو فعبده حر، فإن شربه وقع عليه الطلاق وعتق عليه العبد.
فعلم أن المعلق وهو المحلوف به لا بد أن يكون قربة أو حل عصمة، وأن المعلق عليه وهو المحلوف عليه إثباتاً أو نفياً أعم من أن يكون جائزاً أو محرماً شرعاً أو واجباً شرعاً أو عادة أو عقلاً أو مستحيلاً، وسيأتي -إن شاء الله- حكم ما إذا علق على الواجب أو المستحيل عند قوله:"وإلا حنث بفوات ما علق عليه ولو لمانع شرعي" إلخ.
وأفهم قوله "قربة" إلخ: أنه لو علق جائزاً غير حل العصمة أو علق معصية على أمر لا يلزمه شيء؛ نحو: إن دخلت الدار فعلي أو فيلزمني المشي في السوق، أو إلى بلد كذا أو شرب الخمر، لم يلزمه شيء بل يحرم عليه المعصية كشرب الخمر. وأشعر قوله:"قربة" أنها ليست بمتعينة وإلا فهي لازمة أصالة كصلاة الظهر، بخلاف غيرها من تطوع أو فرض كفاية كصلاة الجنازة فيلزمه إن فعل المحلوف عليه.
(قصد) المعلق بتعليقه المذكور (الامتناع منه): أي من فعل المعلق عليه في صيغة البر، فنحو: إن دخلت الدار يلزمني الطلاق، قصده به الامتناع من دخولها. (أو الحث): أي الحض (عليه): أي على الأمر المنفي في صيغة الحنث، فنحو: إن لم أدخلها فهي طالق، قصده بذلك الدخول، والحث عليه، فإذا لم يدخل لزمه الطلاق، فقوله:"قصد" هو فعل ماض، والمعنى تعليقه على وجه قصد الامتناع في البر، وطلب الفعل في الحث، وخرج به النذر نحو: إن شفى الله مريضي فعلي صدقة كذا؛ فهذا ليس بيمين لعدم قصد امتناع من شيء ولا طلب لفعله.
(أو) قصد (تحقيقه [2]) أي تحقق ذلك الأمر أي حصوله نحو: عليه الطلاق، أو عتق عبده لقد قام زيد أو إنه لم يقم؛ فليس هنا قصد امتناع من شيء ولا حث على فعله، وإنما مراده تحقق قيامه في الأول وتحقق عدمه في الثاني.
ثم شرع في ذكر أمثلة ما قدمه بقوله: (كإن فعلت) كذا فعليّ صوم شهر، أو: فأنت يا عبدي حر، أو: فأنت طالق، وهذا في صيغة البر لأنه على بر حتى يقع المحلوف عليه. ويجوز ضم التاء من فعلت وفتحها وكسرها كما هو ظاهر. (أو) نحو:(إن لم أفعل) أنا أو: إن لم تفعلي يا هند أو: إن لم تفعل يا زيد (كذا) كلبس ثوب (فعلي صوم كذا) كشهر والصوم قربة، (أو: فأنت) يا عبدي (حر) وتحرير الرقبة من القرب، (أو: فأنت) يا زوجتي (طالق) والطلاق حل عصمة النكاح، وهذا في صيغة الحنث لأنه قد تعلق به الحنث ولا يبر إلا بفعل مدخول النفي.
ــ
شرط صحة التعليق التكليف كالإسلام.
قوله: [فعبدي حر]: مثال لتعليق القربة، وقوله: فهي طالق مثال لتعليق حل العصمة.
قوله: [بالقوة لا بالتصريح]: راجع لصيغة البر والحنث.
قوله: [وهذه صيغة حنث]: أي الجملة التي اشتملت على مثال النفي، والمثالان صريحان في الحنث.
قوله: [وما قبلها صيغة بر]: أي المثالان اللذان مثل بهما لحصول أمر، وهما صريحان في البر أيضاً.
قوله: [لأنه على بر]: أي على البراءة الأصلية.
قوله: [لا بد أن يكون قربة]: أي كتعليق الصلاة والصيام والمشي لمكة إلى آخر ما تقدم.
قوله: [إثباتاً] أي وهو صيغة البر، وقوله: أو نفياً أي الذي هو صيغة الحنث، وقوله جائزاً أي كالدخول واللبس في صيغتي البر والحنث، وقوله: أو محرماً شرعاً أي كشرب الخمر.
قوله: [أو إلى بلد كذا]: مثال للجائز، والموضوع أن المشي للبلد الذي سماها [3] ليس بقربة بخلاف لو علق المشي لمكة فإنه قربة.
قوله: [أنها ليست بمتعينة] أي وأما التزام المتعين فهو تحصيل حاصل وحقيقة اليمين هو تحقيق ما لم يجب، فالواجب الشرعي والعقلي والعادي لا يتأتى تجديد تحصيله لحصوله.
قوله: [فهذا ليس بيمين] أي باتفاق ابن عرفة وغيره.
قوله: [أي حصوله] أي ثبوت ما نسب لذلك الأمر من نسبة الوجود أو العدم، سواء كان ذلك الأمر جائزاً أو محرماً شرعاً، أو واجباً شرعاً أو عادة أو عقلاً أو مستحيلاً، وتمثيل الشارح بقوله: لقد قام إلخ فرض مثال والمثال لا يخصص.
قوله: [وإنما مراده تحقيق قيامه]: أي تقويته وتأكيده، ولذلك يقولون: إن اليمين من جملة المؤكدات.
قوله: [ثم شرع في ذكر أمثلة ما قدمه]: أي على سبيل اللف والنشر المرتب.
قوله: [ويجوز ضم التاء] إلخ: فالضم للمتكلم والفتح للمخاطب والكسر للمخاطبة، فلا فرق بين التعليق على فعله أو فعل الغير ذكراً أو أنثى.
قوله: [وهذا في صيغة الحنث] اسم الإشارة عائد على قوله أو نحو إن لم أفعل إلخ.
قوله: [لأنه قد تعلق به الحنث] أي لقيام سبب الحنث به فلذلك
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (وقوله).
[2]
في ط المعارف: (تحققه)، ولعله الصواب.
[3]
في ط المعارف: (سماه).
والتعليق في القسمين صريح.
وأشار لمثال التعليق الحكمي بقوله: (وكعلي) المشي إلى مكة أو: علي صدقة بدينار أو: علي الطلاق، لأدخلن الدار أو لتدخلنها أنت. (أو: يلزمني المشي إلى مكة أو: ) يلزمني (التصدق بدينار أو: ) يلزمني (الطلاق لأفعلن) كذا أو لأدخلن الدار مثلاً، (أو لتفعلن) يا زيد كذا، فإن ذلك تعليق ضمني في قوة إن لم أفعل كذا، أو إن لم تفعل فعليّ ما ذكر، أو فيلزمني ما ذكر، فيلزمه إن لم يفعل فهو في قوة صيغة الحنث المقصود منها فعل الشيء. وسكت عن التعليق الضمني لصيغة البر المقصود منها عدم فعل الشيء للعلم به من المقايسة، وللإشارة إليه بما يأتي في التعليل، ومثاله أن يقول: يلزمني أو علي الطلاق مثلاً لا أفعل كذا أو لا تفعلي كذا بإدخال حروف النفي على الفعل؛ فإنه في قوة: إن فعلته أو إن فعلتيه فالطلاق يلزمني، وهو على بر حتى يقع المحلوف عليه.
وأشار للضمني المقصود منه تحقق الحصول بقوله: (أو: ) علي الطلاق أو يلزمني الطلاق أو عتق عبدي (لقد قام زيد أو: لم يقم)، أو: لزيد في الدار، أو: ليس فيها أحد. فالأول المثبت في قوة قوله: إن لم يكن قام زيد، أو: إن لم يكن في الدار فهي طالق، أو: فعبدي حر، وهو صيغة حنث قصد بها تحقق القيام، والكون في الدار، والثاني: المنفي في المثالين في قوة قوله: إن كان زيد قام، أو في الدار أحد فهي طالق أو فعبدي حر، وهو صيغة حنث قصد بها تحقق القيام، أو عدم كون أحد في الدار.
وقوله: (فإنه في قوة) قوله: (إن لم أفعل أو) في قوة قوله: (إن فعلت) تعليل لبيان أنه تعليق ضمني وهو ما بالغ عليه بقوله آنفاً، ولو حكماً. لكن قوله: إن لم أفعل راجع لما ذكره بقوله: "وكعلي أو يلزمني" إلى قوله: "لأفعلن أو لتفعلن"، وفي كلامه هنا حذف تقديره: أو إن لم تفعل يا زيد، فقولنا:"إن لم أفعل" ناظر لقوله: "لأفعلن"، والمقدر ناظر لقوله: لتفعلن، وهما صيغتا حنث، وقوله:"أو إن فعلت" تعليل لما سكت عنه من التعليق الضمني في البر كما أشرنا لذلك في الشرح. وأما قوله: "لقد قام زيد" إلخ فلم يذكر تعليله هنا، وتقدم لك بيانه "وهو أن لقد قام في قوة صيغة حنث، وإن لم يقم في قوة صيغة بر". وهذا القسم الأول من اليمين بجميع صوره، لم يذكره الشيخ.
وإنما اقتصر على القسم الثاني وهو اليمين بالله تعالى، فقال:"اليمين تحقيق ما لم يجب" إلخ. واعلم أن هذا القسم الأول لا تفيد فيه كفارة ولا إنشاء بخلاف الثاني كما يأتي.
ثم شرع في بيان الثاني بقوله: (أو قسم) بفتح القاف والسين المهملة و "أو" فيه للتنويع أي التقسيم
ــ
يؤمر بالتخلص منه بفعل المحلوف عليه.
قوله: [في القسمين]: أي البر والحنث.
قوله: [لأدخلن الدار]: أي في حلفه على فعل نفسه، وقوله: أو لتدخلنها بنون التوكيد إما خطاب لمذكر أو لمؤنث في حلفه على فعل غيره، وقدر الشارح هنا هذين المثالين إشارة إلى أن قول المصنف الآتي لأفعلن أو لتفعلن مقدر هنا أيضاً.
قوله: [وللإشارة إليه فيما يأتي في التعليل] أي في قوله: فإنه في قوة إن لم أفعل أو إن فعلت، فإن قوله أو إن فعلت تعليل لما سكت عنه من التعليل الضمني في البر كما سيأتي التنبيه عليه في الشارح.
قوله: [ومثاله أن يقول يلزمني أو علي الطلاق]: كل من يلزمني وعلى تنازع فيه الطلاق، وهذا مثال لحل العصمة، وأشار لمثال التزام القربة في البر بقوله مثلاً.
قوله: [فإن في قوة إن فعلته أو فعلتيه] إلخ: أي ما تقدم من قوله يلزمني أو علي في قوة التصريح بما قال الشارح، ومثال تعليق القربة الضمني في البر أن تقول: يلزمني أو: علي عتق عبدي مثلاً لا أفعل كذا، أو لا تفعلي كذا بإدخال حرف النفي على الفعل إلى آخر ما قال الشارح، فإنه في قوة: إن فعلته أو: فعلتيه فالعتق يلزمه.
قوله: [فالأول]: أي فالمثال الأول من كلام الشارح والمتن المثبت كل منهما، وهو قول المتن:(لقد قام زيد)، وقول الشارح: ولزيد في الدار.
وقوله: [والثاني المنفي]: أي المثال المنفي من كلام الشارح، والمتن وهو قوله في المتن:(أو لم يقم أو ليس فيها أحد) فتأمل، وقول الشارح: وهو صيغة حنث إلخ الواقع بعد مثال النفي سبق قلم، بل هي صيغة بر وسيأتي يصرح بأنه صيغة بر في قوله: وإن لم يقم في قوة صيغة البر.
قوله: [وفي كلامه هنا حذف]: أي في التعليل.
قوله: [وتقدم لك بيانه]: أي في شرح قوله: [لقد قام زيد] إلخ.
قوله: [بجميع صوره]: وهي ستة عشر تؤخذ من الشرح. حاصلها: أن تقول: المعلق إما أن يكون التزام قربة أو حل عصمة، وفي كل: إما أن يكون صريحاً أو ضمناً. وفي كل: إما أن يكون المعلق عليه قصد امتناع أو حث عليه، فهذه ثمانية، وبقي ما إذا قصد تحقق المعلق عليه وتحته ثمانية أيضاً، وهي أن تقول المعلق: إما التزام قربة أو حل عصمة، وفي كل: إما أن يكون صريحاً أو ضمناً، وفي كل إما أن يكون المعلق عليه الذي قصد تحققه مثبتاً أو منفياً، وهذا على سبيل الإجمال.
وأما إذا التفت إلى المعلق عليه من حيث إنه جائز أو ممتنع شرعاً أو واجب شرعاً أو عادة أو عقلاً أو مستحيل عادة أو عقلاً، فتكثر الصور جدا فتدبر.
قوله: [لم يذكره الشيخ] أي لم يتعرض الشيخ خليل لتعريفه وضابطه كما تعرض مصنفنا، وإلا فقد نص على أحكامه في أثناء هذا الباب والنذر والطلاق ولم يترك منها شيئاً فجزى الله الجميع خيراً ونفعنا بهم.
قوله: [لا تفيد فيه كفارة ولا إنشاء]: أما عدم كونه إنشاء
ولا يضر ذكرها في الحدود أي: أو حلف. (على أمر كذلك): أي إثباتاً أو نفياً بقصد الامتناع من الشيء المحلوف عليه أو الحث على فعله أو تحقق وقوع شيء أو عدمه نحو: والله لأضربن زيداً أو لا أضربه أو لتضربنه أو لا تضربه أنت، ونحو: والله لقد قام زيد أو لم يقم. (بذكر اسم الله): متعلق بقسم وشمل الاسم كل اسم من أسمائه تعالى: (أو) بذكر (صفته) أي كل صفة من صفاته الذاتية، أي القائمة بذاته أو السلبية لا الفعلية التي هي تعلق القدرة بالمقدورات كالخلق والرزق والإحياء والإماتة.
(وهي التي تكفر) إذا حنث أو قصد الحنث إذا لم تكن غموساً ولا لغواً (كبالله وتالله) لا أفعل كذا أو لأفعلنه، (وها لله) بإقامة "ها" التنبيه مقام حرف القسم.
والأصل في حروف القسم الواو لدخولها على جميع المقسم به بخلاف التاء المثناة من فوق فإنها خاصة بالله، وقد تدخل على الرحمن قليلاً.
ــ
فلكونه تعليقاً والتعليق غير الإنشاء، وأما عدم الكفارة فلأنه ليس مما يكفر، بل إما لزوم المعلق أو عدمه فتدبر.
قوله: [ولا يضر ذكرها في الحدود]: وإنما الممنوع ذكر (أو) التي للشك.
قوله: [على أمر]: كلامه صادق بالواجب العقلي والعادي، ولكن قوله:(وهي التي تكفر) يخرج الواجب العقلي والعادي، فيدخل الممكن عادة ولو كان واجباً أو ممتنعا شرعاً نحو: والله لأدخلن الدار، أو: لا أدخلها أو: لأصلين الصبح، أو: لا أصليها أو: لأشربن الخمر، أو: لا أشربها، والممكن عقلاً ولو امتنع عادة نحو: لأشربن البحر، أو: لأصعدن السماء. ويحنث في هذا بمجرد اليمين إذ لا يتصور هنا العزم على الضد لعدم قدرته على الفعل، ودخل الممتنع عقلاً نحو: لأجمعن بين الضدين، ولأقتلن زيداً الميت بمعنى إزهاق روحه، ويحنث في هذا أيضاً بمجرد اليمين لما مر، فالممتنع عقلاً أو عادة إنما يأتي فيه صيغة الحنث كما مثلنا، وأما صيغة البر نحو: لا أشرب البحر ولا أجمع بين الضدين، فهو على بر دائماً ضرورة أنه لا يمكن الفعل. وخرج الواجب العادي والعقلي كطلوع الشمس من المشرق، وتحيز الجرم فإنه لو قال: والله إن الجرم متحيز فهو صادق؛ وإن قال: ليس بمتحيز فهي غموس، وإنما خرج هذان القسمان لأن الكلام في التي تكفر كذا في الأصل، وسيصرح بذلك المصنف.
قوله: [نحو والله لأضربن زيداً]: لم يأت بالأمثلة على الترتيب كما هو ظاهر، وكان الأولى أن يقول إثباتاً بقصد الحث على الفعل، أو نفياً بقصد الامتناع من الشيء، أو تحقق وقوع شيء أو عدمه نحو: والله لأضربن أو لتضربن زيداً أو لا أضربه أو لا تضربه أنت ونحو: والله لقد قام زيد أو لم يقم.
قوله: [كل اسم من أسمائه]: أي لأن اسم في كلامه مفرد مضاف يعم، وأراد بالاسم ما دل على الذات العلية سواء دل عليها وحدها كالجلالة، أو مع صفة كالخلق والقادر والرازق، ومن ذلك قول الناس. والاسم الأعظم: واسم الله، إلا أن ينوي بالأول غيره، وأما قولهم: الله ورسوله فليس يميناً لأنهم يقصدون به شبه الشفاعة ولا بد من الهاء. والمد قبلها طبيعياً، وفي اشتراط العربية خلاف كذا في (المج).
قوله: [أي القائمة بذاته]: أي كالعلم والقدرة والإرادة وباقي صفات المعاني.
قوله: [أو السلبية]: أي كالقدم والبقاء والوحدانية وباقي صفات السلوب كما استظهره في الحاشية، قال في المجموع: وظاهره ولو بمخالفته للحوادث لا مخالفة الحوادث له على الظاهر وإن تلازما، ويشمل أيضاً المعنوية وهي كونه قادراً ومريداً إلى آخرها والنفسية كما يأتي في الأمثلة بخلاف الاسم الدال عليها كالوجود، ويدخل الصفة الجامعة كجلال الله وعظمته كما يأتي، قال في الحاشية: وذكر بعض شيوخنا أنه لو قال: والعلم الشريف - ويريد علم الشريعة - فليس بيمين، ومن ذلك قولهم: صوم العام يلزمني، بخلاف: إن كلمته فعلي صوم العام، فإنه التزام وهو يمين ا. هـ.
قوله: [لا الفاعلية] أي على مذهب الأشاعرة، وأما على مذهب الماتريدية فينعقد بها اليمين أيضاً؛ لأنها قديمة عندهم، ويسمونها بالتكوين.
قوله: [إذا حنث] أي فيما إذا كانت الصيغة صيغة بر.
وقوله: [أو قصد الحنث] أي فيما إذا كانت صيغة حنث.
قوله: [إذا لم تكن غموساً ولا لغواً]: أي وأما الغموس واللغو فليس الكلام فيهما، بل يأتي حكمهما.
قوله: [كبالله وتالله] وأولى الإتيان بالواو، وقال الخرشي: ومثله الاسم المجرد من حرف القسم، قال في الحاشية: كذا في التلقين والجواهر، لكن لم يعلم منه هل هو مجرور أو منصوب أو مرفوع؟ أما الجر والنصب بنزع الخافض فظاهران، وأما الرفع فلحن كما قال بعض الشيوخ. ولعل الحكم فيه كالحكم في الذي قبله، فإذا قال الحالف: الله لأفعلن نصباً أو جراً انعقدت اليمين، وقال التونسي إن نوى حرف القسم ونصبه بحذفه ك بالله لأفعلن فيمين، وإن كان خبراً فلا، إلا أن ينوي اليمين ا. هـ.
قوله: [مقام حرف القسم]: والمراد بحرف القسم التي قامت مقامه هو الواو، لأنها الأصل في حروف القسم.
وكذا الباء الموحدة دخولها على غير الله قليل ونحو: (والرحمن وأيمن الله) أي بركته، وقد تحذف نونه فيقال: وأيم الله (ورب الكعبة) أو البيت أو العالمين أو نحو ذلك، (والخالق والعزيز) والرازق من كل ما يدل على صفة فعل، فأولى ما يدل على صفة ذات كالقادر، (وحقه) أي الله ومرجعه للعظمة والألوهية فإن قصد الحالف به الحق الذي على العباد من التكاليف والعبادة فليس بيمين شرعاً، (ووجوده) صفة نفسية، (وعظمته وجلاله) وكبريائه، ويرجعان للعظمة الراجعة للألوهية، وأما الجمال فمرجعه للتقديس عن النقائص من صفات المخلوقات، (وقدمه وبقائه ووحدانيته) صفات سلبية، (وعلمه وقدرته) من صفات المعاني فكذا بقيتها، (والقرآن والمصحف) لأنه كلامه القديم وهو صفة معنى ما لم يرد بالمصحف النقوش والورق، (وسورة البقرة) مثلاً، (وآية الكرسي) مثلاً (والتوراة والإنجيل والزبور) لأن الكل يرجع لكلامه الذي هو صفة ذاته، (وكعزة الله) لا أفعل كذا (وأمانته وعهده وميثاقه وعلي عهد الله) لأفعلن (إلا أن يريد) بشيء مما بعد الكاف (المخلوق) كالعزة التي في الملوك ونحوهم المشار إليها بقوله:{سبحان ربك رب العزة} والأمانة التكاليف أي المكلف بها كالإيمان والصلاة، وكذا العهد والميثاق، ومعناهما واحد بأن يريد الذي واثقنا الله به من التكاليف بالمعنى المذكور، فلا ينعقد بها حينئذ يمين، بخلاف ما لو أطلق فإنها ترجع لكلامه القديم كالإيجاب والتحريم. (وكأحلف) ما فعلت كذا أو لأفعلن، (وأقسم وأشهد) بضم الهمزة فيهما (إن نوى بالله) وأولى إن تلفظ به في الثلاثة، (وأعزم إن قال) أي لفظ (بالله) بأن قال: أعزم بالله لأفعلن كذا، فيمين لا إن لم يقل بالله فليس بيمين، ولو نوى بالله؛ لأن معناه أقصد وأهتم، فإذا قال بالله اقتضى أن المعنى أقسم.
(لا) يكون اليمين [1](بنحو الإحياء والإماتة) من كل صفة فعل كما تقدم لأنها أمور اعتبارية تتجدد بتجدد المقدور
ــ
قوله: [وكذا الباء الموحدة] إلخ: فقلتها في غير الله بالنسبة لاستعمال القسم.
قوله: [وأيمن الله] قال الأشموني: وأما أيمن المخصوص بالقسم فألفه بالوصل عند البصريين، والقطع عند الكوفيين، لأنه عندهم جمع يمين، وعند سيبويه اسم مفرد من اليمين وهو البركة، فلما حذفت نونه فقيل: أيم الله أعاضوه الهمزة في أوله ولم يحذفوها لما أعادوا النون؛ لأنها بصدد الحذف كما قلنا في امرئ. وفيه اثنتا عشرة لغة جمعها الناظم في هذين البيتين بقوله:
همز آيم أيمن فافتح واكسرا وأم قل
…
أو قل م أو من بالتثليث قد شكلا
وأيمن اختم به والله كلا أضف
…
إليه في قسم تستوف ما نقلا
واعلم أن أيمن الله قسم مطلقاً سواء ذكر معه حرف القسم وهو الواو أو لا، بخلاف حق الله وما أشبهه فلا يكون يميناً إلا إذا ذكر معه حرف القسم، لأن أيمن الله تعورف في اليمين، بخلاف حق الله قاله بعضهم: ولكن استظهر (بن) أنه لا فرق بين حق الله وأيمن الله في جواز إثبات الواو وحذفها فتكون مقدرة.
قوله: [أي بركته]: أراد بالبركة المعنى القديم المقتضي لتعظيم الموصوف كأوصافه تعالى الثبوتية أو السلبية، فإن أراد المعنى الحادث كنمو الرزق واتساعه، لم يكن يميناً. وانظر: إذا لم يرد واحداً منهما؟ وفي كلام الأبي ما يفيد انعقاد اليمين حملاً على المعنى القديم.
قوله: [من كل ما يدل على صفة فعل]: أي من كل اسم دال على صفة الفعل، بخلاف صفة الفعل فلا ينعقد بها اليمين.
قوله: [والألوهية]: أي استحقاقه لها أي كونه لها معبوداً بحق، قال في الحاشية: ثم لا يخفى أن الاستحقاق وصف اعتباري أزلي إلا أن مرجعه الصفات الجامعة فهو كجلال الله وعظمته.
قوله: [فإن قصد الحالف] إلخ: وأما إن لم يقصد شيئاً فيحمل على المعنى القديم وينعقد به اليمين.
قوله: [فكذا بقيتها]: أي بقية صفات المعاني ومثلها المعنوية وكذلك باقي السلبية كما علم مما تقدم.
قوله: [ما لم يرد بالمصحف النقوش] إلخ: أي بأن أراد المعنى القديم أو لم يرد شيئاُ، وإنما انعقد به اليمين؛ لأن كلاً من القديم والحادث يسمى قرآناً. وكلام الله على التحقيق، فلذلك يحمل على المعنى القديم عند الإطلاق.
قوله: [وآية الكرسي]: أي بل أي كلمة من القرآن مثله.
قوله: [والتوراة والإنجيل] إلخ: أي ما لم يقصد المعنى الحادث كما تقدم.
قوله: [كالعزة التي في الملوك]: أي الهيبة والمنعة والقوة التي خلقها الله في السلاطين والجبابرة، أو يراد بالعزة حية عظيمة محيطة بالعرش أو بجبل قاف فلا ينعقد بشيء من ذلك يمين.
قوله: [التكاليف]: أي المشار لها بقوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة} [الأحزاب: 72] الآية فإنهم فسروا الأمانة بالتكاليف الشرعية فإن أريد الإلزامات نحو الإيجاب والتحريم؛ فإنها ترجع لكلامه القديم فينعقد بها اليمين، وإن أريد نفس أفعال العباد أو الشهوة كما هو أحد التفاسير فلا ينعقد بها اليمين.
قوله: [بالمعنى المذكور]: أي وهو المكلف بها الذي هو أفعال العباد الاختيارية.
قوله: [إن نوى بالله]: المراد بالنية التقدير والملاحظة، وأما إذا لم يلاحظ فلا يمين عليه.
قوله: [لأن معناه أقصد وأهتم]: تعليل
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (ليمين).
ولذا قال الأشاعرة: صفات الأفعال حادثة، (ولا بأعاهد الله) ما فعلت كذا أو لأفعلن، فليس بيمين على الأصح، لأن معاهدته تعالى ليست بصفة من صفاته، (أو لك علي عهد أو أعطيك عهداً) لأفعلن فليس بيمين، (أو عزمت عليك بالله) لتفعلن كذا فليس بيمين، بخلاف عزمت بالله أو أعزم بالله لأفعلن فيمين كما تقدم، وكذا أقسمت عليك بالله، (ولا بنحو النبي والكعبة) من كل ما عظمه الله تعالى لا ينعقد به يمين، وفي حرمة الحلف بذلك وكراهته قولان.
(وإن قصد) بحلفه (بكالعزى) من كل ما عبد من دون الله (التعظيم) من حيث إنه معبود (فكفر) وارتداد عن دين الإسلام تجري عليه أحكام المرتد، وإن لم يقصده فحرام قطعاً بلا ردة.
(ومنع) الحلف (بنحو رأس السلطان أو) رأس (فلان) كأبي وعمي، وشيخ العرب وتربة من ذكر (كهو يهودي أو نصراني أو على غير دين الإسلام أو مرتد إن فعل كذا) فيمنع ولا يرتد إن فعله، (وليستغفر الله) مطلقاً فعله أو لم يفعله لأنه ارتكب ذنباً.
(واليمين بالله) أو بصفة من صفاته على ما تقدم قسمان:
(منعقدة) وهي ما فيها الكفارة، (وغيرها) أي غير منعقدة (وهي ما لا كفارة فيها وهي) أي غير المنعقدة قسمان أيضاً: الأول (الغموس) سميت غموساً؛ لأنها تغمس صاحبها في النار أي سبب غمسه فيها ولذا لا تفيد فيها الكفارة، بل الواجب فيها التوبة. وفسرها بقوله:(بأن حلف) بالله على شيء (مع شك) منه في المحلوف عليه، (أو) مع (ظن) فيه، وأولى إن تعمد الكذب ومحل عدم الكفارة فيها:(إن تعلقت بماض) نحو: والله ما فعلت كذا أو لم يفعل زيد كذا أو لم يقع كذا، مع شكه أو ظنه في ذلك أو تعمده الكذب فإن تعلقت بمستقبل ولم يحصل المحلوف عليه كفرت، نحو: والله لآتينك غداً أو لأقضينك حقك غداً ونحو ذلك، وهو جازم بعدم ذلك أو متردد، فعلى كل حال يجب عليه الوفاء بذلك، فإن لم يوف بما حلف عليه لمانع أو غيره فالكفارة، وإن حرم عليه الحلف مع جزمه [1] أو تردده في ذلك،
ــ
للفرق بين قوله: أعزم وما قبله. حاصله: أن أعزم لما كان معناه أقصد وأهتم كان غير موضوع للقسم فاحتاج إلى التصريح بلفظ الجلالة، بخلاف ما قبله فإنه لما كان موضوعاً للقسم كانت الملاحظة كافية.
قوله: [ولذا قال الأشاعرة] إلخ: أي من أجل تجددها قالوا: إنها حادثة، لأن كل متجدد حادث. خلافاً للماتريدية فإنهم يقولون: صفة الفعل واحدة وهي قديمة يسمونها التكوين كما تقدم، فهو معنى قائم بذاته تعالى، وسبحان من لا يعلم قدره غيره ولا يبلغ الواصفون صفته.
قوله: [ليست بصفة من صفاته]: أي بل هي من صفات العبد.
قوله: [بخلاف عزمت بالله] إلخ: الفرق بينه وبين عزمت عليك بالله التصريح بعليك وعدمه، فالإتيان بعليك صيره غير يمين، ومثله في عدم اليمين قول الشخص يعلم الله فليس بيمين، وإن كان كاذباً يلزمه إثم الكذب، وقال في المجموع: وقول العامة: من أشهد الله باطلاً كفر لا صحة له إلا أن يقصد أنه يخفى عليه الواقع، وأولى في عدم لزوم اليمين الله راع أو حفيظ ومعاذ الله، وحاشى لله وإنما ترك التمثيل بها المصنف لوضوحها وإن ذكرها خليل.
قوله: [وكذا أقسمت عليك بالله]: تشبيه في انعقاد اليمين به، وإنما انعقدت به اليمين مع وجود لفظ عليك للتصريح بفعل القسم.
قوله: [قولان]: المعتمد منهما الكراهة.
قوله: [وإن لم يقصده فحرام قطعاً]: وظاهره ولو قصد به السخرية.
قوله: [ومنع الحلف]: إنما نهى عن الحلف بغير الله لعموم الأحاديث التي وردت في النهي عن ذلك، قال في المجموع: فإن توقف عليه الحلف فتحدث للناس أقضية بحسب ما يحدثون من الفجور.
قوله: [ولا يرتد إن فعله]: وكذا إن غر بهذا القول يهودية ليتزوجها فلا يعد مرتداً، وأما إن قصد الإخبار بذلك عن نفسه فردة ولو هزلاً، وأما لو قال: إن فعل كذا يكون داخلا على أهله زانياً، فمن كنايات الطلاق، واستظهر الثلاث كذا في المجموع.
قوله: [وليستغفر الله]: أي يتب إلى الله.
قوله: [واليمين بالله] إلخ: أي من حيث هي تعلقت بممكن أو غيره بدليل قوله: منعقدة وغيرها.
قوله: [بل الواجب فيها التوبة]: أي ولو كفرت كما إذا تعلقت بغير ماض.
قوله: [أو مع ظن]: أي غير قوي وإلا كان من لغو اليمين.
قوله: [كفرت]: أي وعلى كل حال تسمى غموساً.
والحاصل أن الغموس تطلق على ما قال المصنف، سواء وجبت فيها الكفارة أم لا، كما أن اللغو يطلق على ما قال المصنف، سواء وجبت فيها الكفارة أم لا.
قوله: [وهو جازم] إلخ: أي عند الحلف، وأما لو كان جازماً بالإتيان أو القضاء عند الحلف، ثم طرأ خلف الوعد فلا يقال له غموس، بل من اللغو كما يأتي، فمن الغموس الحلف على حصول أمر في المستقبل محتمل الحصول وعدمه، إلا أن يصحبه غلبة ظن فيكون من اللغو.
قوله: [يجب عليه الوفاء بذلك]: أي وتنتفي عنه الكفارة فقط.
قوله: [وإن حرم عليه] إلخ: أي فإثم الجراءة باق عليه على كل حال.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (حزمه).
وكذا تكفر إن تعلقت بالحال نحو: والله إن زيداً لمنطلق أو مريض أو معذور، أي في هذا الوقت وهو متردد في ذلك أو جازم بعدم ذلك.
(و) الثاني (اللغو) وفسره بقوله: (بأن حلف على ما) أي على شيء (يعتقده): أي يعتقد حصوله أو عدم حصوله (فظهر خلافه) فلا كفارة فيها لعذره، قال تعالى:{لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} [المائدة: 89] ومحل عدم الكفارة فيها: (إن تعلقت بغير مستقبل) بأن تعلقت بماض نحو: والله ما زيد فعل كذا، أو لقد فعل كذا، معتقداً حصول ما حلف عليه، فتبين خلافه أو بحال نحو: إنه لمنطلق. فإن تعلقت بمستقبل نحو: والله لأفعلن كذا في غد -مع الجزم بفعله فلم يفعل- كفرت.
(فلا) أي فعلم مما ذكرنا أنه لا (كفارة في ماضيه [1]): أي في يمين متعلقة بماض (مطلقاً) غموساً أو لغواً أو غيرهما لأنها إما صادقة وظاهر أنها لا كفارة فيها وإما غموس ولا كفارة لها إلا الغمس في جهنم أو التوبة أو عفو الله وإما لغو ولا كفارة فيها لما مر.
(عكس) اليمين (المستقبلة) أي المتعلقة بمستقبل فإنها تكفر مطلقاً إذا حنث غموساً أو لغواً، وبقي التفصيل في المتعلقة بحال، فإن كانت غموساً كفرت وإلا فلا. وقد نظم ذلك العلامة الأجهوري في بيت مفرد بقوله:
كفر غموساً بلا ماض تكون كذا
…
لغواً بمستقبل لا غير فامتثلا
(ولا يفيد): أي اللغو (في غير اليمين بالله) وهو التعليق المتقدم ذكره، فمن حلف بطلاق أو عتق أو مشي لمكة لقد فعل زيد كذا، أو: إن هذا الشيء لفلان معتقداً ذلك، فتبين خلافه لم يفده اعتقاده ولزمه ما حلف به.
(كالاستثناء بإن شاء الله): فإنه لا يفيد ولا ينفع في غير اليمين بالله، فمن قال: إن كلمت زيداً فعبدي حر، أو فامرأتي طالق، أو فعليّ المشي لمكة، أو صدقة بدينار إن شاء [2] فكلمه لزمه ما ذكر ولا يفيده الاستثناء بإن شاء الله (أو) بقوله (إلا أن يشاء) الله (أو) إلا أن (يريد) الله (أو) إلا أن (يقضي) الله.
ويفيد ذلك في اليمين بالله إذا تعلقت بمستقبل نحو: والله لا أفعل كذا أو لأفعلنه، ومعنى الإفادة أنه لا كفارة عليه بشروط أربعة: ذكرها بقوله: (إن قصده): أي الاستثناء أي حل اليمين بلفظ مما ذكر لا إن جرى على لسانه بلا قصد، ولا إن قصد به التبرك فلا يفيده.
(واتصل) الاستثناء بالمستثنى منه، فإن انفصل لم يفده ولزمه الكفارة (إلا لعارض) لا يمكن رفعه كسعال أو عطاس أو تثاؤب أو انقطاع نفس لا لتذكر ورد سلام ونحوهما فلا يفيد. (ونطق به وإن) سراً (بحركة لسان) لا إن أجراه على قلبه بلا نطق فلا يفيده. وأشار للشرط الرابع بقوله:(وحلف): أي وكان حلفه الذي ذكر فيه الاستثناء (في غير توثق بحق)، فإن كان في توثق بحق كما لو شرط عليه في عقد نكاح أو بيع أو دين شروط كأن لا يضربها في عشرة أو لا يخرجها من بلدها أو على أن يأتي بالثمن أو الدين في وقت كذا وطلب منه يمين على ذلك فحلف واستثنى لم يفده، لأن اليمين على نية المحلف لا الحالف (بخلافه) أي الاستثناء (بإلا ونحوها) أي إحدى أخواتها وهي غير وسوى وسواء وليس ولا يكون وما عدا وحاشا (فيفيد في الجميع)
ــ
قوله: [إن تعلقت بالحال]: أي إن لم يتبين مطابقة حلفه للواقع وإلا فلا كفارة، ولكن إثم الجراءة لا يزيله إلا التوبة أو عفو الله.
قوله: [لما مر]: أي من أنه لا كفارة فيها إن تعلقت بغير مستقبل، وعدم الإثم للآية الكريمة.
قوله: [بلا ماض]: متعلق بتكون وهو بمعنى توجد، فهي تامة، وقوله:(كذا) خبر مقدم، و (لغو) مبتدأ مؤخر، ونسخة المؤلف بنصب لغو على أنه مفعول لكفر محذوفاً، وفيه كلفة والأسهل الأول، وبمستقبل متعلق بمحذوف نعت للغو، وقوله: لا غير لا نافية للجنس، وغير اسمها مبني على الضم لحذف المضاف إليه ونية معناه، ويصح نصب غير على تقدير نية اللفظ على حد ما قيل في قبل وبعد، والخبر محذوف على كل حال، وقوله فامتثلا الألف بدل من نون التوكيد الخفية.
قوله: [في غير اليمين بالله]: أي ومثلها النذر المبهم وكل ما فيه كفارة يمين ومحل عدم إفادته في غير ذلك ما لم يقيد في يمينه، بأن يقول: في ظني أو اعتقادي وإلا نفعه حتى في الطلاق.
قوله: [ولزمه ما حلف به]: أي ما لم يقيد كما تقدم.
قوله: [ولا ينفع في غير اليمين بالله]: أي غير النذر المبهم وما فيه كفارة يمين وإفادة المشيئة في اليمين بالله وما ألحق به.
حاصله: ولو كان اليمين غموساً، وفائدته رفع الإثم كذا في حاشية الأصل، وتسمية المشيئة استثناء حقيقة عرفية وإن كان مجازاً في الأصل، لأن المشيئة شرط لا استثناء.
قوله: [أي حل اليمين]: واختلف هل معنى حلها لليمين جعلها كالعدم أو رفع الكفارة؟ وعليه ابن القاسم. وثمرة الخلاف لو حلف أنه لم يحلف وكان حلف واستثنى فيحنث على الثاني ما لم يقصد لم أحلف يميناً أحنث فيها فلا شيء عليه اتفاقاً أو يقصد لم أتلفظ بصيغة يمين أصلاً فيحنث باتفاق، بل يكون غموساً.
قوله: [وإن سراً]: أي فلا يشترط سماع نفسه.
قوله: [لأن اليمين على نية المحلف]: أي ولو لم يستحلفه وهذا أقرب الأقوال خلافاً لما مشى عليه خليل من اشتراط الاستحلاف. وهذا الاستثناء ينفع بشروطه، ولو بتذكير غيره كما يقع كثيراً، يقول شخص للحالف: قل إلا أن يشاء الله فيوصل النطق بها عقب فراغه من المحلوف عليه من غير فصل فينفعه ذلك.
قوله: [وما عدا وحاشا]: أي وما في معنى تلك الأدوات من شرط أو صفة أو غاية
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (ماضية).
[2]
زاد بعدها في ط المعارف: (الله).
أي جميع الأيمان كانت بالله أو بغيره من طلاق أو غيره، نحو: والله لا آكل سمناً إلا في الشتاء وإن أكلته فهن طوالق أو أحرار إلا فلانة وإن كلمت زيداً فعلي المشي إلى مكة إلا أن يكلمني ابتداء، أو فعبيدي أحرار ما عدا زيداً، أو لأتصدقن بكذا على فقراء بني فلان غير زيد بالشروط المتقدمة من القصد، وما بعده. وشبه في مطلق الإفادة قوله:(كعزل) أي إخراج (الزوجة) في نيته (أولاً) قبل تمام النطق باليمين حتى لا يحتاج إلى استثناء (في) يمينه بقوله: (الحلال أو كل حلال علي حرام) إن فعلت كذا وفعله (فلا شيء) عليه (فيها): أي في الزوجة؛ لأنه أخرجها عن يمينه في قصده ابتداء، وما قصد إلا غيرها. (كغيرها): أي الزوجة؛ لا شيء عليه فيه وهو حلال له، لأن من حرم ما أحله الله في غير الزوجة لم يحرم عليه كما يأتي، واحترز بقوله:"أولاً" عما طرأت نية عزلها بعد النطق فلا يفيد إلا الاستثناء بالنطق بشروطه المتقدمة، (وهي) - أي مسألة عزل الزوجة ابتداء - (المحاشاة): أي المسماة بمسألة المحاشاة عند الفقهاء لمحاشاة الزوجة فيها أولاً وإيقاع اليمين على ما سواها، ويصدق في دعواه حتى في القضاء.
(والمنعقدة) مبتدأ خبره قوله: "فيها الكفارة": أي أن اليمين المنعقدة مطلقاً، سواء انعقدت (على بر): وهي ما دخل فيها حرف النفي (كـ: لا فعلت) بمعنى: لا أفعل - لأن الكفارة لا تتعلق بماض - (أو) والله (لا أفعل) كذا، (أو) والله (إن فعلت) كذا أي ما أفعله؛ فـ "إن" نافية بمعنى ما، وسميت يمين بر: لأن الحالف بها على البراءة الأصلية حتى يحنث. (أو) انعقدت على (حنث) ولها صيغتان مثلهما بقوله: (كـ: لأفعلن) كذا (أو) والله (إن لم أفعل) كذا ما فعلت كذا؛ نحو: إن لم أدخل دارك ما أكلت لك خبزاً، وسميت يمين حنث: لأن الحالف بها على حنث حتى يفعل المحلوف عليه (فيها الكفارة) بالحنث.
وشبه في المنعقدة أموراً ثلاثة يجب فيها الكفارة بقوله: (كالنذر المبهم) أي الذي لم يسم له مخرجاً (كعلي نذر) أو لله علي نذر (أو إن فعلت كذا)، أو: إن شفى الله مريضي فعلي نذر، أو فلله عليّ نذر؛ فأمثلته أربعة فيه كفارة يمين، وسيأتي أن ما سمى له مخرجاً نحو: علي نذر دينار، لزمه ما سماه.
ــ
قوله: [أي جميع الأيمان] أي وجميع متعلقات اليمين بالله مستقبلة أو ماضية كانت اليمين منعقدة أو غموساً، كمن حلف أن يشرب البحر ثم استثنى بقوله: إلا أكثره فلا إثم عليه.
قوله: [غير زيد] ومثله سوى وسواء وليس ولا يكون وما عدا وحاشا، ومثال الشرط أن يقول الشخص في حلفه: لا أكلم زيداً إن لم يأتني مثلاً، ومثال الصفة: لا أكلمه وهو راكب لأن المراد بالصفة ما يشمل الحال، ومثال الغاية: لا أكلمه حتى يأتي الوقت الفلاني مثلاً.
قوله: [حتى لا يحتاج إلى استثناء]: أي إلى النطق به بل تكفيه النية ولو عند القاضي كما يأتي.
قوله: [فلا شيء عليه فيها]: أي لأن اللفظ العام أريد به الخصوص، بخلاف الاستثناء فإنه إخراج لما دخل في اليمين أولا، فهو عام مخصوص.
والفرق بين العام الذي أريد به الخصوص، والعام المخصوص - كما قال ابن السبكي - أن الأول عمومه لم يكن مراداً تناولاً ولا حكماً، بل هو كلي استعمل في بعض أفراده، ولهذا كان مجازاً قطعاً فصورة المحاشاة من ذلك، والثاني عمومه مراد تناولاً لا حكماً لقرينة التخصيص بأدوات الاستثناء، فالقوم من قولك: قام القوم إلا زيداً متناول لكل فرد من أفراده حتى زيد، والحكم بالقيام متعلق بما عدا زيداً فتأمل.
قوله: [كغيرها]: أي ولو أمة ما لم يقصد بالتحريم عتقها.
قوله: [المحاشاة]: ظاهر كلام المصنف أن المحاشاة خاصة بمسألة الحلال علي حرام، وبه قال (ر) واستدل لذلك بإطلاقهم في أن النية المخصصة لا تقبل مع المرافعة، وقالوا في الحلال علي الحرام تقبل المحاشاة ولو في المرافعة.
قوله: [ويصدق في دعواه] إلخ: وهل يحلف على ما ادعاه من العزل أو لا يحلف ويصدق بمجرد دعواه العزل قولان قوله: [وهي ما دخل فيه حرف النفي]: أي ولم ينتقض وإلا كانت حنثاً.
قوله: [حتى يحنث]: وحنثه فيها بالفعل بخلاف صيغة الحنث فحنثه فيها بالترك.
قوله: [أو والله إن لم أفعل كذا] إلخ: ظاهره أن إن شرطية بدليل ذكر الجواب لها وليس بمتعين، بل يجوز أن تكون إن نافية ولا يذكر لها جواب وهو الأولى لبعده عن التكلف نحو: والله إن لم أكلم زيداً، ومعناها حينئذ: لا كلمته، لأن إن نافية ولم نافية ونفي النفي إثبات، فساوت الصيغة التي قبلها والفعل في الصيغتين مستقبل لأن الكفارة إنما تتعلق بالمستقبلات والإنشاء يصرف الماضي للاستقبال.
قوله: [نحو إن لم أدخل دارك ما أكلت لك خبزاً]: هذا المثال فاسد لأنه فيه على بر.
قوله: [فيها الكفارة بالحنث]: هو بالفعل في صيغة البر والعزم على الضد في صيغة الحنث إن لم يضرب ليمينه أجلاً، فإن أجل نحو: لأفعلن كذا في هذا الشهر، أو إن لم أفعله في هذا الشهر فهو على بر حتى يمضي الأجل، ولا مانع من الفعل، أو هناك مانع شرعي أو عادي لا عقلي كما سيأتي.
قوله: [فأمثلته أربعة]: أي وهي إما معلق أو لا، وفي كل: إما أن يقول: لله أو لا، وإذا نظرت لكون المعلق عليه فعله أو فعل غيره تكون ستة، وهذه الصور بعينها تجري في اليمين
(واليمين [1]): أي وكاليمين، أي: في التزامه ونذره كفارة، (والكفارة): أي في التزامها ونذرها كفارة؛ ومثل لكل منهما بقوله: (كإن فعلت كذا فعلي) أو: فلله علي (يمين) ثم فعله فيلزمه كفارة يمين، (أو) إن فعلت كذا فعلي أو فلله علي (كفارة)، ثم فعله فعليه كفارة يمين وهذا تعليق فيهما. ومثل لما لا تعليق فيه بقوله:(أو) يقول: (لله علي) يمين فيلزمه كفارة أو لله علي كفارة فيلزمه كفارة أو قال: علي يمين أو: علي كفارة بقصد الإنشاء لا الإخبار، وحذف لفظ لله فيلزمه كفارة يمين. فأمثلة كل منهما أربعة كالنذر المبهم.
(وهي) أي الكفارة أربعة أنواع: الثلاثة الأول على التخيير والرابع على الترتيب، أي لا يجزي إلا عند عدم الأول.
النوع الأول: (إطعام) أي تمليك (عشرة مساكين)، والمراد به ما يشمل الفقير (أحرار) فلا تصح لرقيق (مسلمين)، فلا تصح لكافر ويشترط أن لا يكون الفقير في نفقته، ولا يشترط أن يكون غير هاشمي، بل تصح للهاشمي.
(من أوسط طعام الأهل) أي غالبه لا من الأدنى ولا الأعلى وإن انفرد هو بواحد منهما، فإن أخرج الأدنى لم يجزه وإن أخرج الأعلى أجزأ. (لكل) أي لكل واحد من العشرة (مد) بمد النبي صلى الله عليه وسلم لا أقل كما يأتي (وندب بغير المدينة) المنورة (زيادة) على المد لكل مسكين (بالاجتهاد) أي فلا يحد ندب الزيادة بحد، وقيل: يحد بثلث مد، وقيل: بنصفه، والأول هو المذهب، ويمكن حمل كلام الشيخ عليه بحمل "أو" على التخيير، والكلام كناية عن عدم التحديد، كأنه قال: زيادة ثلثه أو نصفه لا تحديد عليك، فيصدق بالأقل والأكثر. (أو) لكل (رطلان خبزاً) من الأوسط بالبغدادي؛ وهو أصغر من رطل مصر بيسير. (وندب) أن يكونا (بإدام) من تمر أو زبيب أو لحم أو غير ذلك. (وأجزأ) عن إخراج العشرة الأمداد (شبعهم) أي العشر مساكين (مرتين كغداء وعشاء) في يوم أو أكثر كغداءين أو عشاءين مجتمعين أو متفرقين متساوين [2] في الأكل أو متفاوتين، والمراد الشبع الوسط في كل مرة، (ولو) كانوا (أطفالاً استغنوا) بالطعام (عن اللبن) فلا يكفي إشباعهم مرتين، بل لا بد من المد كاملاً أو من الرطلين وهذه المبالغة راجعة لما قيل، وأجزأ فكان الأولى تقديمها عليه.
وأشار للنوع الثاني بقوله: (أو كسوتهم) أي العشرة مساكين (للرجل ثوب) يستر جميع بدنه إلى كعبه أو قريب منه لا إزار وعمامة (وللمرأة درع سابغ وخمار
ــ
والكفارة، كما يؤخذ من الشارح.
قوله: [واليمين] إلخ: محل لزوم الكفارة في إلزام اليمين ما لم يكن العرف في اليمين الطلاق وإلا لزمه طلقة رجعية كما في (بن) عن الوانشريسي وغيره قال في حاشية الأصل: والحق أنه يرجع لعرف البلدان الذين تعارفوه في الطلاق، فإن كان عرفهم البتات لزمه الثلاث، وإن كان عرفهم استعماله في الطلاق فقط حمل على الرجعي. وعرف مصر إذا قال يمين سفه كان طلاقاً فلو جمع الأيمان كـ: لله علي أيمان تعددت الكفارة، وفي المواق نقلاً عن ابن المواز، وقول باتحادها كتكرر صيغة اليمين بالله، وعلى الأول فإن أراد بقوله: علي أيمان يميناً واحدة لم يقبل لأن الجمع نص، وإن أراد اثنتين فتردد باعتبار أقل الجمع ا. هـ.
قوله: [لا الإخبار] أي فلا شيء عليه في غير مسائل التعليق، وأما مسائل التعليق فلا يقبل فيها دعوى الإخبار.
قوله: [الثلاثة الأول على التخيير] إلخ: أي كما أفاده الأجهوري في نظمه بقوله:
وفي حلف بالله خير ورتبن ...... إلخ
أي خير ابتداء في الثلاثة الأول ورتب انتهاء أي في الرابع الذي هو الصيام فلا يكفي إلا بعد العجز عن الثلاثة الأول.
قوله: [أي تمليك عشرة مساكين] أي ولا يشترط كونهم من محل الحنث، وقد نظر في ذلك الأجهوري.
قوله: [أن لا يكون الفقير في نفقته]: أي ممن تلزم المخرج نفقته فلا يجوز أن يدفع الرجل منها لزوجته أو ولده أو أبويه الفقراء، ويجوز أن تدفع الزوجة منها لزوجها وأولادها الفقراء.
قوله: [بل تصح للهاشمي] أي: لأنها لا تعد أوساخاً، بخلاف الزكاة فإنها أوساخ الأموال والأبدان هكذا قيل.
قوله: [من أوسط طعام الأهل] إلخ: فما يجزئ في زكاة الفطر يجزئ هنا.
قوله: [فإن أخرج الأدنى لم يجزه] ظاهره ولو كان اقتياته لفقر مع أنه يجزئ في زكاة الفطر إذا اقتاته لفقر وانظر الفرق بينهما.
قوله: [من العشرة مد] ظاهره اعتبار المد في أي نوع من أنواع المخرجات وهي طريقة لبعضهم، والطريقة الثانية: أن المد إنما يعتبر إذا أخرج من البر، وأما من غيره فيخرج وسط الشبع منه، ونقل ابن عرفة عن اللخمي: أن هذه الطريقة هي المذهب. بقي لو انتهب العشرة مساكين العشرة الأمداد فيقال: إن علم ما أخذ كل فظاهر وإلا فلا تبرأ الذمة.
قوله: [بغير المدينة]: أي وأما أهل المدينة فلا تندب لهم الزيادة قيل لقلة الأقوات فيها، وقيل لقناعة أهلها وغير المدينة شامل لمكة على ما استظهره شيخ مشايخنا العدوي؛ لأنهم لا يبلغون المدينة في القنع والقلة.
قوله: [والأول هو المذهب] أي لأنه قول مالك والقائل بالثلث أشهب وبالنصف ابن وهب.
قوله: [ويمكن حمل كلام الشيخ عليه]: أي على القول الأول وهو الاجتهاد في الزيادة، وليس المقصود حكاية قول أشهب ولا ابن وهب.
قوله: [متساوين في الأكل] إلخ: واشتراط التونسي تقاربهم في الأكل لا تساويهم فيه، خلافاً لما في (عب).
قوله: [فلا يكفي إشباعهم مرتين] أي لقول ابن حبيب ولا يجزئ أن يغدي الصغار ويعشيهم، وفي
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (أو اليمين).
[2]
في ط المعارف: (متساويين).
ولو) كساهم (من غير وسط) كسوة (أهله) أي أهل محله، فإنه كاف لأن المراد منها الستر لا الزينة، ويعطي الصغير كسوة كبير ولا يكفي ما يستره خاصة على المعتمد.
وأشار للنوع الثالث بقوله: (أو عتق رقبة مؤمنة سليمة) من العيوب (كالظهار) فلا يجزئ مقطوع يد أو رجل أو أصبع أو أعمى أو مجنون أو أبكم أو أصم إلى آخر ما سيأتي هناك.
وأشار للنوع الرابع -الذي لا يجزئ إلا عند العجز عن الثلاثة التي على التخيير ولذا أتى فيه بـ "ثم" المقتضية للترتيب بقوله: (ثم) إذا عجز وقت الإخراج عن الأنواع الثلاثة، بأن لم يكن عنده ما يباع على المفلس لزمه (صيام ثلاثة أيام وندب تتابعها) وجاز تفريقها.
ومن وجد طعاماً قبل تمامها رجع للإطعام، ومن وجد مسلفاً مع القدرة على الوفاء فليس بعاجز.
(ولا يجزئ) فيها (تلفيق من نوعين) كإطعام خمسة وكسوة خمسة، وأما من صنفي نوع فيجزئ؛ كخمسة أمداد لخمسة مساكين، ورطلين لكل من الخمسة الباقية أو يشبعهم مرتين. (ولا) يجزئ (ناقصة) عن المد للمساكين، وإن كانت كاملة في نفسها (كعشرين) مسكيناً (لكل) منهم (نصف) من الأمداد.
(ولا) يجزئ (تكرار) من أمداد الطعام أو من الكسوة (لمساكين كخمسة لكل) منهم (مدان) أو كسوتان ولو في أزمنة متباعدة، وقال أبو حنيفة: يجزئ؛ لأنه في هذا اليوم غير نفسه أمس أي باعتبار وصفه بالفقر (إلا أن يكمل) في التلفيق من نوعين واحداً منهما لاغياً للآخر، وفي الناقصة لعشرة من العشرين لاغياً لما أخذته العشرة الباقية وفي التكرار لخمسة بإعطاء خمسة أخرى تاركاً للخمسة الأولى ما زاد.
(وله نزع ما زاد) بعد التكميل في المسائل الثلاثة؛ بأن يأخذ من الخمسة الأخرى ما معها في التلفيق، ومن العشرة الباقية ما معها في النقص، ومن الخمسة الأولى المد الزائد بشرطين أفادهما بقوله:(إن بقي) هذا الزائد بيد الفقير (وبين) له حين الإعطاء أنه كفارة يمين، فإن لم يبق بأن تصرف الفقير فيه بأكل أو غيره، أو كان باقياً، ولكنه لم يبين له أنه كفارة فليس له نزعه منه.
وقوله [1]: (بالقرعة) خاص بمسألة النقص؛ إذ النزع من عشرة ليس بالأولى من الأخرى، وأما مسألة التكرار فمحل النزع فيها متعين. ومسألة التلفيق الأمر فيها موكول لاختياره، فإذا اختار تكميل الإطعام كان له نزع الكسوة، وأما العتق لو لفق به فلا رد فيه بحال، بل إما أن يعتق رقبة أخرى وله نزع الإطعام مثلاً بالشرطين أو يكمل الإطعام، ولا رد في العتق.
(وتجب) الكفارة على الحالف: أي تتعين عليه (بالحنث) وهو في صيغة البر بفعل ما حلف على تركه، وفي الحنث بالترك (وتجزئ قبله) أي الحنث إذا قصده (إلا أن يكره عليه) أي على الحنث
ــ
التوضيح عن المدونة يعطي الرضيع في الكفارة إذا كان قد أكل الطعام بقدر ما يعطي الكبير ا. هـ. والقول الثاني مقابل المدونة حكاه بعض المتأخرين يعطي ما يكفيه خاصة إن استغنى عن الطعام واعترضه ابن عرفة وأنكره.
قوله: [ولو كساهم من غير وسط] إلخ: أي ولأن الآية لم تضف الوسط إلا للطعام فتدبر.
قوله: [لأن المراد منها الستر]: أي ولو عتيقا لا جداً.
قوله: [على المعتمد]: أي فلذلك عزاه في التوضيح لمالك في العتبية وهو قول ابن القاسم ومحمد، ومقابل المعتمد يعطي ثوباً بقدره ونقله ابن المواز عن أشهب.
قوله: [وقت الإخراج]: أي فالعبرة بالعجز وقته لا وقت اليمين ولا وقت الحنث.
قوله: [وجاز تفريقها]: أي أجزأ تفريقها مع الكراهة وهذا لا ينافي وجوب الفورية في أصل الكفارة من حيث هي. وهذه الأنواع الأربعة في حق الحر، وأما العبد فكفارته بالصيام ما لم يأذن له سيده في الإطعام أو الكسوة ولا يجزئه العتق بوجه. قوله:[ومن وجد طعاماً]: أي أو كسوة أو عتقاً، وظاهره وجوب الرجوع ولو كان الاستغناء في آخر يوم منها.
قوله: [كإطعام خمسة] إلخ: أي فلا تجزئ من حيث التلفيق وإن صح التكميل على أحدهما كما يأتي، ومحل هذا كله إذا كانت كفارة واحدة. وأما لو كان عليه ثلاث كفارات مثلا فأطعم عشرة، وكسا عشرة، وأعتق رقبة، وقصد كل نوع منها عن واحدة فيجزئ، سواء عين لكل يمين كفارة أو لم يعين. والمضر التشريك بأن يجعل العتق والإطعام والكسوة عن كل فرد من الثلاثة.
قوله: [وأما من صنفي نوع فيجزئ]: أي في الطعام خاصة، لأن غير الطعام لا يتأتى فيه أصناف.
قوله: [ولا يجزئ تكرار]: أي عند الأئمة الثلاثة غير أبي حنيفة.
قوله: [لأنه في هذا اليوم غير نفسه أمس]: أي لأن المقصود منها عنده سد الخلة لا محلها، فمتى سد عشر خلات ولو في واحد فقد أتى بالمطلوب.
قوله: [إن بقي هذا الزائد] إلخ: اشتراط البقاء في النزع، وأما في التكميل فلا يشترط بقاء المدفوع أو لا، واشترط البيان في النزع لأنه إذا لم يبين كان متبرعاً.
قوله: [بل إما أن يعتق رقبة أخرى]: أي ولا يجزئه تكميل العتق الأول، لأن شرطها أن تكون كاملة من أول الأمر، فالتجزؤ، يفسد كونها كفارة، وإن كان العتق لازماً لتشوف الشارع للحرية.
قوله: [وله نزع الإطعام مثلاً]: أي إن كان ملفقاً من العتق والإطعام، أو يقال له نزع الكسوة إن كان ملفقاً من العتق والكسوة.
قوله: [وتجزئ قبله] إلخ: أي سواء كان حلفه باليمين أو بالنذر المبهم أو بالكفارة
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (قوله).
(في) صيغة (البر) نحو: والله لا أفعل كذا، أو لا أفعله في هذا الشهر مثلاً، فأكره على الفعل فلا كفارة عليه، لأنه مغلوب عليه ما لم يفعله طائعاً بعد الإكراه، بخلاف الحنث نحو: والله لأفعلن كذا، فمنع من فعله كرهاً فإنه يحنث وعليه الكفارة لأن يمينه وقعت على حنث فأولى إن ترك طائعاً.
(وتكررت) الكفارة على الحالف (إن قصد) في صيغة البر (تكرار الحنث) كلما فعل، نحو: والله لا أكلم زيداً، وقصد أنه كلما كلمه فعليه يمين. (أو كرر اليمين) نحو: والله لا أكلم زيداً والله لا أكلمه، أو قال: والله لا آكل والله لا أدخل (ونوى كفارات): أي نوى لكل يمين كفارة فتتكرر لا إن لم ينو. (أو اقتضاه) أي التكرار (العرف) بأن كان تكرار الحنث يستفاد من حال العادة والعرف لا من مجرد اللفظ (كـ: لا أشرب لك ماء)، فإن العرف يقتضي أنه كلما شرب له ماء حنث. ومثله: لا آكل لك خبزاً، ولا أقرئك سلاماً، ولا أجلس معك في مجلس وهو ظاهر، (و) نحو: والله (لا أترك الوتر) فإنه يحنث كلما تركه، لأن العرف يقتضي لوم نفسه والتشديد عليها، فكلما تركه لزمه كفارة (أو) حلف لا يفعل كذا و (حلف أن لا يحنث) ثم حنث، كأن: قال: والله لا أكلم زيداً والله لا أحنث، فكلمه فعليه كفارتان كفارة ليمينه الأصلي وكفارة للحنث فيه (أو اشتمل لفظه على جمع) للكفارة أو اليمين، نحو: إن كلمته فعلي كفارات، أو فعلي أيمان، وكذا إذا قال لله علي أيمان أو كفارات، فإذا كلمه لزمه أقل الجمع وكذا في غير التعليق وأقل الجمع ثلاثة ما لم ينو أكثر، فلو سمى شيئاً لزمه نحو: لله علي أو إن كلمت زيداً فعلي عشر كفارات لزمه العشرة في الأول، أو إن كلمه في الثاني، (و) اشتملت (أداته) أي دلت وضعاً على جمع (نحو: كلما أو مهما) كما لو قال: كلما كلمته فعلي يمين أو كفارة، أو مهما [1] دخلت الدار فعلي يمين أو كفارة، فتتكرر الكفارة بتكرر الفعل.
(لا متى ما) فليست من صيغ التكرار على الصحيح، فإذا قال: متى ما كلمته فعلي يمين أو كفارة فلا يلزمه كفارة إلا في المرة الأولى، وأما متى بدون ما فلا تقتضي التكرار قطعاً كإن وإذا. (ولا) إن قال:(والله ثم والله) لا أفعل كذا ففعله فلا تكرر الكفارة عليه، بل عليه كفارة واحدة إلا إذا قصد تكرارها (أو) قال:(والقرآن والمصحف والكتاب) لا أفعل كذا، (أو) قال:(والفرقان والتوراة والإنجيل) لا أفعل كذا؛ (أو) قال: (والعلم والقدرة والإرادة) لا أفعل كذا ففعله فليس عليه إلا كفارة واحدة (إذا لم ينو كفارات) في الجميع، وإلا لزمه ما نواه وكل هذا في اليمين بالله كما علمت.
ــ
كانت الصيغة صيغة بر أو حنث. قال الخرشي: وهذا في غير يمين الحنث المؤجل، أما هو فلا يكفر حتى يمضي الأجل كما في المدونة، واعترض بأن الحنث المقيد بأجل قبل ضيق الأجل يكون صاحبه على بر، فإذا ضاق تعين للحنث وحينئذ فهو متردد بين البر والحنث، وكلاهما يجوز فيه التكفير قبل الحنث. ولذا حاول أبو الحسن في شرح التهذيب أن قال هذا مشهور مبني على ضعيف من عدم التكفير قبل الحنث، كما في البدر القرافي، والأظهر أن يقال: قول المدونة لا يكفر حتى يمضي الأجل، أي على وجه الأحبية كالمنعقدة على بر؛ لأن الأحب فيها عند مالك أنه لا يكفر إلا بعد الحنث، وإن أجزأ قبله، بخلاف المنعقدة على الحنث، فإنه يخير إن شاء فعل وإن شاء كفر ولم يفعل كذا في حاشية الأصل، إذا علمت ذلك فما قاله محشي الأصل يوافق إطلاق شارحنا.
قوله: [في صيغة البر]: أي المطلق، وأما لو كان البر مقيداً كأن يقول: والله لا كلمت زيداً في هذا اليوم فبره لا يتوقف على الإكراه، بل يحصل حتى بفوات الزمن كذا في الحاشية.
قوله. [فلا كفارة عليه] أي بقيود ستة تؤخذ من الأصل: إذ لا يعلم أنه يكره على الفعل، وأن لا يأمر غيره بإكراهه له، وأن لا يكون الإكراه شرعياً، وأن لا يفعل ثانياً طوعاً بعد زوال الإكراه، وأن لا يكون الحالف على شخص بأنه لا يفعل كذا هو المكره له على فعله، وأن لا تكون يمينه لا أفعله طائعاً ولا مكرهاً. وإلا حنث.
قوله: [إن قصد في صيغة البر تكرار الحنث]: أي بتكرر الفعل.
قوله: [فإن العرف يقتضي] إلخ: أي إذا كان حلفه بسبب من أو فخر من المحلوف على طعامه أو شرابه مثلاً.
قوله: [وكذا إذا قال لله علي أيمان] إلخ: أي في جواب التعليق أيضاً بدليل ما بعده فصور التعليق أربع وتجري تلك الصور أيضاً في قوله وكذا في غير التعليق.
قوله: [فليست من صيغ التكرار]: أي بل من صيغ التعليق إلا أن ينوي التكرار فتعدد على حسب ما نوى.
قوله: [فلا تقتضي التكرار قطعاً]: أي بل هي وما بعدها أدوات تعليق لا غير باتفاق.
قوله: [فلا تتكرر الكفارة عليه] أي ولو قصد بتكرر اليمين التأسيس لتداخل الأسباب عند اتحاد الموجب، بخلاف الطلاق فيتعدد بالتكرار إن لم يقصد التأكيد احتياطاً في الفروج.
قوله: [وكل هذا في اليمين بالله]: أي ومثله النذر المبهم والكفارة، وأما العتق والطلاق فيتكرر إن لم يقصد التأكيد، أما الطلاق فللاحتياط في الفروج كما علمت، وأما العتق فلتشوف الشارع للحرية.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
وقوله: (أو مهما) في ط المعارف: (ومهما).
(وإن علق قربة) كأن قال: إن دخلت الدار فعلي عتق عبد وصوم عام وصدقة بدينار، أو نوى ذلك، (أو) علق (طلاقاً) كما لو قال: إن دخلت فعلي طلاق فلانة وفلانة أو جميع زوجاتي، أو بالثلاث أو طلقتين أو نوى شيئاً من ذلك (لزم ما سماه أو نواه وفى) قوله [1]:(أيمان المسلمين) تلزمني إن فعلت كذا ففعله يلزمه (بت من يملك) عصمتها (وعتقه) أي عتق من يملك رقبته من الرقيق، (وصدقة بثلث ماله) من عرض أو عين أو عقار حين يمينه إلا أن ينقص فثلث ما بقي، (ومشي بحج) لا عمرة، (وصوم عام وكفارة) ليمين، وهذا (إن اعتيد حلف بما ذكر) من البيت [2] وما عطف عليه لأن الأيمان تجري على عرف الناس وعادتهم.
(وإلا) تجر عادة بالحلف بجميع ما ذكر، بل ببعضه (فالمعتاد) بين الناس من الأيمان هو الذي يلزم الحالف. والمعتاد بين أهل مصر الآن أن يحلفوا بالله وبالطلاق، وأما العتق والمشي لمكة وصوم العام والصدقة بالمال فلا يكاد يحلف بها أحد منهم، وحينئذ فاللازم في أيمان المسلمين تلزمني كفارة يمين وبت من في عصمته فقط.
(وتحريم الحلال في غير الزوجة لغو) لا يقتضي شيئاً فمن قال: كل حلال علي حرام، أو اللحم أو القمح علي حرام إن فعلت كذا ففعله فلا شيء عليه، إلا في الزوجة إذا قال إن فعلته فزوجتي علي حرام أو فعلي الحرام فيلزمه بت المدخول بها، وطلقة في غيرها ما لم ينو أكثر، ولو قال: كل علي حرام فإن حاشى الزوجة لم يلزمه شيء كما تقدم وإلا لزمه فيها ما [3] ذكر.
ثم شرع في بيان ما يخصص اليمين أو يقيدها
ــ
قوله: [وإن علق قربة] أي على وجه التشديد والامتناع من الفعل، لأنه الذي يقال له يمين، وأما التعليق على وجه المحبة كقوله: إن شفى الله مريضي فعلي كذا فلا يقال له يمين، بل نذر وليس كلامنا فيه.
قوله: [لزم ما سماه أو نواه]: أي فالعبرة بالتسمية إن لم يكن له نية تقتضي التعدد، وإن كان له نية تقتضي التعدد عمل بها، وإن كان اللفظ يقتضي الاتحاد.
قوله: [يلزمه بت من يملك]: أي واحدة أو متعددة.
قوله: [أي عتق من يملك رقبته] ظاهره أنه إن لم يكن له رقيق حال اليمين لم يلزمه عتق، وبه قال ابن زرقون - وقبله ابن عرفة - وقال الباجي: إن لم يكن له رقيق حين اليمين لزمه عتق رقبة ورجحه صاحب التوضيح هكذا قال (بن).
قوله: [إلا أن ينقص] أي بأن يصير ما له وقت الحنث ناقصاً عن وقت الحلف، فاللازم له التصدق بثلث ما بقي، وظاهره ولو كان النقص بفعل اختياري من صاحبه وهو كذلك.
قوله: [لا عمرة] أي لأنه يلزمه من كل نوع من الأيمان أتمها، ولذلك جعل عليه الحج ماشياً دون العمرة، وحكي عن بعض الشيوخ أنه يلزمه المشي في حج أو عمرة. وذكر شيخ مشايخنا العدوي: أنه إذا لم يقدر على المشي حين اليمين لا شيء عليه.
قوله: [وهذا إن اعتيد حلف بما ذكر]: قال في المجموع وفي ابن ناجي على الرسالة: أن الطرطوشي قال في الأيمان بثلاث كفارات، وكذا ابن العربي والسهيلي والأبهري وابن عبد البر لا يلزم إلا الاستغفار، وعنه كفارة يمين وألغاه الشافعية، فلو نوى طلاقاً فخلاف عندهم أصل المذهب إلغاؤه ومما ينبغي تجنبه قولهم: يلزمني ما يلزمني وعلي ما علي لأنه صالح، لأن المعنى يلزمني جميع ما صح إلزامه لي وينبغي أن يقبل الآن عدم اليمين من العوام لأنه شاع عندهم علي ما علي من اللباس مثلاً ويلزمني ما يلزمني كالصلاة اهـ. تنبيه: مثل ما قال المصنف في اليمين ما عدا صوم العام قول الحالف: علي أشد ما أخذ أحد على أحد، أو أشق أو أعظم، ومثله أيضاً من حلف ولم يدر بما حلف أكان بعتق أو طلاق أو صدقة أو مشي فيلزمه أن يطلق نساءه ألبتة، وأن يعتق عبيده وأن يتصدق بثلث ماله، وأن يمشي إلى بيت الله الحرام في حج، وأن يكفر كفارة يمين - كذا في الحاشية.
قوله: [وحينئذ فاللازم] إلخ: أي حين إذا كان عرف مصر هكذا فيفتي بلزوم ذلك لأهل مصر، وكل من وافقهم في ذلك العرف، وهذا ما لم يقصد الحالف الأمور التي ترتب على أيمان المسلمين في أصل المذهب، وإلا فيلزمه ما قصد، فإن النية تقدم على العرف كما يأتي، وإنما الحمل على العرف عند عدمها فتدبر.
قوله: [في غير الزوجة] دخل في الغير: الأمة ما لم يقصد بتحريمها عتقها وإلا لم يكن لغواً، هذا مذهبنا خلافاً لأبي حنيفة القائل: إن من حرم الحلال يلزمه كفارة يمين.
قوله: [إذا قال إن فعلته] إلخ: في الكلام حذف والأصل كما إذا قال فتدبر.
قوله: [فيلزمه بت المدخول بها]: هذا هو مشهور المذهب، وقيل يلزمه واحدة بائنة كغير المدخول بها.
قوله: [ولو قال كل علي حرام] بالتنوين مع حذف المضاف إليه معناه لو قال كل حلال علي حرام محاشياً للزوجة فهو استدراك على تحريم الزوجة في تلك الصيغة.
قوله: [ثم شرع في بيان ما يخصص اليمين] إلخ: لما أنهى الكلام على حد اليمين وصيغها والموجب للكفارة منها، وأنواع الكفارة وتكرارها واتحادها، أتبع ذلك بالكلام على مقتضيات الحنث والبر.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
وقوله: (وفى، قوله) في ط المعارف: (وفي قوله).
[2]
في ط المعارف: (البت)، ولعله الصواب.
[3]
ليست في ط المعارف.
وهو أربعة: النية، والبساط، والعرف القولي، والقصد الشرعي. وبدأ بالأول فقال:
(وخصصت نية الحالف) لفظه العام فيعمل بمقتضى التخصيص. والعام: لفظ يستغرق الصالح له بلا حصر، والتخصيص: قصره على بعض أفراده. والتعميم يكون في مدلول اللفظ وقد يكون في المكان والزمان والأحوال كما سيظهر من الأمثلة، (وقيدت) المطلق، والمطلق: ما دل على الماهية بلا قيد كاسم الجنس وهو في المعنى كالعام وتقييده كالتخصيص، فيعمل بمقتضى التقييد، (وبينت) المجمل، والمجمل: ما لم تتضح دلالته، وبيانه: إخراجه إلى حيز الاتضاح يعني أنه إذا قال: نويت به كذا عمل بنيته؛ فإذا حلف لا ألبس الجون بفتح الجيم: يطلق على الأبيض والأسود، وقال: أردت الأبيض كان له لبس الأسود. ثم لا يخلو الحال إما أن تكون النية مساوية لظاهر اللفظ، أي تحتمل إرادة ظاهر اللفظ، وتحتمل إرادتها على السواء بلا ترجيح لأحدهما على الآخر، وإما أن تكون إرادة ظاهر اللفظ أقرب في الاستعمال من إرادة النية المخالفة لظاهره، وإما أن تكون إرادة النية بعيدة عن ظاهر اللفظ شأنها عدم القصد.
(فإن ساوت) نيته (ظاهر لفظه) بأن احتمل إرادتها وعدم إرادتها على السواء بلا ترجيح لظاهر لفظه عليها (صدق مطلقاً في) اليمين (بالله وغيرها) من التعاليق (في الفتوى والقضاء)، وهو تفسير الإطلاق؛ (كحلفه لزوجته إن تزوج حياتها) أي في حياتها (فهي) أي التي يتزوجها (طالق أو عبده حر أو كل عبد يملكه) أي مملوك له حر، (أو: فعليه المشي إلى مكة، فتزوج بعد طلاقها وقال: نويت حياتها في عصمتي) وهي الآن ليست في عصمتي،
ــ
قوله: [وهو أربعة] بل خمسة والخامس العرف الفعلي على ما لابن عبد السلام خلافاً للقرافي في عدم اعتباره، وسيأتي التنبيه على ذلك، وأما المقصد اللغوي فلا يعد من المخصصات، بل أصل الحمل يكون عليه إن لم يكن مخصص من المخصصات الخمسة المذكورة.
قوله: [وخصصت نية الحالف] إلخ: أي إن كان بها تخصيص أو تقييد أو بيان، وقد تفيد التعميم كأن يحلف لا آكل لفلان طعاماً، وينوي قطع كل ما جاء من قبله لمنة فليست دائماً من المخصصات فتأمل.
قوله: [يستغرق الصالح له] أي يتناول جميع الأفراد الصالح لها ذلك اللفظ دفعة. وبهذا يخرج المطلق لأنه لا يتناول ما يصلح له دفعة، بل على سبيل البدل، فعموم العام شمولي، وعموم المطلق بدلي وصلاحية اللفظ لتلك الأفراد من جهة اندراجها في معناه الموضوع فتكون دلالة العام على أفراده دلالة كلي على جزئيات، معناه لا دلالة على أجزاء معناه.
قوله: [بلا حصر] أي حال كون الأفراد الصالح لها ذلك اللفظ غير محصورة.
قوله: [وقد يكون في المكان] إلخ: كلامه يقتضي أن عموم الزمان والمكان والأحوال ليس من مدلول اللفظ، وليس كذلك، بل قولهم في تعريف العام لفظ يستغرق الصالح له بلا حصر تعريف العام من حيث هو كان مدلوله زماناً أو مكاناً أو حالاً أو غير ذلك فتدبر.
قوله: [بلا قيد]: أي من غير تقييد لتحققها في فرد مبهم أو معين، فلذلك قال الشارح: كاسم الجنس، بخلاف النكرة فإنه ما دل على الماهية بقيد الوحدة الشائعة، أي بقيد وجودها في فرد مبهم. واعلم أن اللفظ في المطلق والنكرة واحد، ويفرق بينهما بالاعتبار، فإن اعتبر في اللفظ دلالته على الماهية بلا قيد فهو المطلق، واسم الجنس وإن اعتبر مع قيد الوحدة الشائعة سمي نكرة كما قاله ابن السبكي. اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [وهو في المعنى كالعام]: أي من حيث الشمول، لكن شموله بدلي أي يتناول أفراده كلها على سبيل البدلية لا دفعة بخلاف العام كما علمت.
قوله: [ما لم تتضح دلالته]: أي لم يتعين السامع مدلوله.
قوله: [فإذا حلف لا ألبس الجون] إلخ: هذا مثال للمجمل، ومثل له في الأصل بقوله: زينب طالق وله زوجتان اسم كل زينب، وقال: أردت بنت فلان وكل صحيح.
قوله: [ثم لا يخلو الحال]: دخول على كلام المصنف الآتي بعد.
قوله: [مساوية لظاهر اللفظ]: أي شأنها أن تقصد من اللفظ، وليس المراد أن اللفظ موضوع لذلك المنوي بعينه وإلا لم يكن تخصيص ولا تقييد ولا بيان.
قوله: [بلا ترجيح لأحدهما] إلخ: أي بالنظر للعرف، بأن يكون احتمال لفظ الحالف لما نواه ولغير متساويين عرفاً.
قوله: [فإن ساوت نيته] إلخ: أي عرفاً كما علمت.
قوله: [وهو تفسير الإطلاق]: أي ما ذكر من قوله بالله إلى هنا.
قوله: [إن تزوج حياتها]: هذا مثال للعام الذي خصص بالنية؛ لأن قوله حياتها مفرد مضاف يعم كل وقت من أوقات حياتها الشامل ذلك الوقت كونها معه في عصمته وغيرها، فإن أراد بحياتها كونها معه في عصمته كان قصراً للعام على بعض أفراده، وهو تخصيص له.
ومن ذلك ما لو حلف بما ذكر أو بالله لا آكل لحماً فأكل لحم طير، وقال: أردت لحم [1] غير الطير فيصدق مطلقاً لمساواة إرادة نيته لظاهر لفظه.
(وإن لم تساو) ظاهر اللفظ بأن كان ظاهر لفظه العام أو المطلق أرجح (فإن قربت) في نفسها للمساواة وإن كانت ضعيفة بالنسبة لظاهر لفظه (قبل) الحالف: أي قبلت دعواه النية مطلقاً في اليمين بالله وغيره (إلا في) أمرين: (الطلاق، والعتق المعين) كعبدي زيد (في القضاء): أي فيما إذا رفع للقاضي وأقيمت عليه البينة أو أقر، فلا يقبل ويتعين الحكم عليه بوقوع الطلاق والعتق لذلك العبد (كلحم بقر) أي كنيته أي دعوى نيته بيمينه لحم بقر، (وسمن ضأن في) حلفه:(لا آكل لحماً أو: ) لا آكل (سمناً) فأكل لحم الضأن وسمن البقر، فإذا رفع للقاضي فقال: نويت لا آكل لحم بقر وأنا قد أكلت لحم ضأن، أو نويت لا آكل سمن ضأن وأنا قد أكلت سمن بقر، فلا يقبل. ويقبل في الفتوى مطلقاً في الطلاق والعتق وفي غيرهما، لأنها قريبة من المساواة، (وكشهر): أي وكنية (شهر أو) نية: (في المسجد في) يمينه بـ (نحو) نية: (لا أكلمه) أو لا أدخل داره ثم فعل المحلوف عليه وقال: نويت لا أكلمه في شهر أو في المسجد، (وكتوكيله) في حلفه:(لا يبيعه أو): لا (يضربه)، فباعه له الوكيل أو ضربه، وقال: نويت أن لا أبيعه بنفسي أو لا أضربه بنفسي فيقبل في الفتوى لقرب هذه النية وإن لم تساو، ولا يقبل في القضاء في طلاق ولا عتق معين. (وإن بعدت) النية عن المساواة (لم يقبل مطلقاً) لا في الفتوى ولا القضاء في طلاق أو عتق أو غيرهما؛ (كإرادة) زوجة أو أمة (ميتة في) حلفه: إن دخلت دار زيد مثلاً فزوجته (طالق) أو أمته (حرة)، فلما دخل قال: نويت زوجتي أو أمتي الميتة، فلا يقبل منه ذلك لبعد نيته عن المساواة بعداً بيناً لظهور أن الطلاق أو الحرية لا يقصد بهما الميت. (أو) إرادة (كذب) في حلفه أنها (حرام)، فلما وقع المحلوف عليه قال: أردت أن كذبها حرام لا هي نفسها، فلا يصدق مطلقاً.
و(إنما تعتبر) النية في التخصيص أو التقييد: أي يعتبر تخصيصها أو تقييدها (إذا لم يستحلف) الحالف في حق عليه لغيره، (وإلا) بأن استحلف في حق (فالعبرة بنية المحلف)، سواء كان مالياً كدين وسرقة أم لا. فمن حلفه المدعي أنه ليس له عليه دين، أو: لقد وفاه وأنه ما سرق أو ما غصب فحلف، وقال نويت من بيع أو من قرض أو من عرض والذي علي بخلاف ذلك لم يفده ولزمه اليمين بالله وبغيره، أو حلف ما سرقت وقال: نويت من الصندوق وسرقتي كانت من الخزانة، أو نحو ذلك لم يفده. وكذا لو شرطت عليه الزوجة عند العقد أن لا يخرجها من بلدها أو لا يتزوج عليها وحلفته على أنه إن تزوج عليها أو أخرجها فالتي يتزوجها طالق أو فأمرها بيدها، فحلف ثم فعل المحلوف عليه وادعى نية شيء لم تفده؛ لأن اليمين بنية المحلف
ــ
قوله: [ومن ذلك ما لو حلف] إلخ: لكن التمثيل فيه لتقييد المطلق؛ لأن لفظ لحم يصدق بأي نوع على سبيل البدل وقصره على غير لحم الطير تقييد له فتدبر.
قوله: [وسمن ضأن] إلخ: حاصله أنه إذا حلف لا يأكل سمناً وقال: أردت سمن الضأن كانت تلك النية مخصصة ليمينه فلا يحنث بأكل غيره سواء لاحظ إخراج غير الضأن أو لا، بأن ينوي إباحة ما عدا سمن الضأن أو لم يلاحظه؛ لأنه لا معنى لنية الضأن إلا إخراج غيره، وهذا ما قاله ابن يونس، وما قيل في مثال السمن يقال في مثال اللحم، وقال القرافي: إن نية سمن الضأن لا تكون مخصصة لقوله: لا آكل سمناً إلا إذا نوى إخراج غيره أو لا، بأن نوى إباحة ما عدا سمن الضأن. وأما لو نوى عدم أكل سمن الضأن فقط في لا آكل سمناً من غير نية إخراج غيره أولاً، فإنه يحنث بجميع أنواع السمن، لأن ذكر فرد العام بحكمه لا يخصصه لعدم منافاته له، ولكن ما لابن يونس قول الجمهور وهو الراجح كما في (ر) و (بن)، وهو مقتضى شارحنا.
قوله: [وكشهر] إلخ: هو مثال أيضاً للقريب من المساواة وكذلك قوله وكتوكيله فيقبل منه في جميع الأيمان حتى عند القاضي إلا في الطلاق والعتق المعين.
قوله: [وقال نويت لا أكلمه] إلخ: راجع لقوله لا أكلمه، وأما قوله لا أدخل داره فلم يتمم مثاله ولو تممه لقال أو دخل الدار بعد شهر وقال: نويت لا أدخل مدة شهر فتدبر.
تنبيه: نكتة تعداد المثال الجمع بين العام والمطلق والمجمل، فإن قوله: كلحم بقر وسمن ضأن مثال للمطلق، وقوله: لا أكلمه مثال للعام، وقوله: وكتوكيله إلخ مثال للمجمل فتأمل.
قوله: [لم يقبل مطلقاً]: إلا لقرينة تصدق دعواه في إرادة الميتة ونحوها، وليس هذا من باب العمل بالنية فقط بل بها وبالقرينة.
قوله: [فلا يصدق مطلقاً]: أي إلا لقرينة كما تقدم، وظاهر تقييدهم بالقرينة أنه يعمل عليها. ولو في الطلاق والعتق المعين عند القاضي.
قوله: [فالعبرة بنية المحلف]: أي فلا ينفع تخصيصه حينئذ ولو لم يستحلفه ذلك الغير، بل حلف متبرعاً وهذا أقرب الأقوال كما في المج، فلا مفهوم لقول شارحنا
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
ليست في ط المعارف.
لأنه اعتاض هذا اليمين من حقه فصارت العبرة بنيته دون الحالف.
(ثم) إذا عدمت النية الصريحة اعتبر (بساط يمينه) في التخصيص والتقييد. (و) البساط: (هو) السبب (الحامل عليها): أي على اليمين إذ هو مظنتها، فليس فيه انتفاء النية بل هو متضمن لها. وضابطه صحة تقييد يمينه بقوله ما دام هذا الشيء أي الحامل على اليمين موجوداً (كلا) أي كحلفه: لا (أشتري لحماً أو لا أبيع في السوق لزحمة) أي لأجل وجود زحمة، (أو) وجود (ظالم) حمله على الحلف لصحة تقييد يمينه بقوله: ما دامت هذه الزحمة أو الظالم موجوداً، وكما لو كان خادم المسجد أو الحمام يؤذي إنساناً كلما دخله فقال ذلك الإنسان: والله لا أدخل هذا المسجد أو هذا الحمام، فإنه يصح أن يقيد بقوله: ما دام هذا الخادم موجوداً، فإن زال هذا الخادم جاز له الدخول وإلا حنث. وكما لو كان في طريق من الطرق ظالم يؤذي المارين بها فقال شخص: والله لا أمرّ في هذه الطريق، أي ما دام هذا الظالم فيها، وكذا لو كان فاسق بمكان فقال لزوجته: إن دخلت هذا المكان فأنت طالق، فإذا زال الفاسق منه ودخلت لم يحنث؛ لأنه في قوة قوله: ما دام هذا الفاسق موجوداً في ذلك المكان.
بخلاف ما لو سبك إنسان فحلف: لا أكلمه. أو تشاجر مع جاره فحلف: لا يدخل بيته، ونحو ذلك فليس فيه بساط.
ــ
بأن استحلف. والحاصل أنهما طريقتان: الأولى التي قالها شارحنا عدم قبول نيته إذا استحلفه صاحب الحق، والثانية: لا تقبل نيته متى حلف وإن طاع بها وهي التي اعتمدها في المجموع وحاشية الأصل والحاشية.
قوله: [لأنه اعتاض هذا اليمين من حقه]: أي كأن هذه اليمين عوض عن حقه، ويفهم منه أنه إذا لم يكن له عليه حق وحلفه فالعبرة بنية الحالف، قال الخرشي وهو كذلك في اليمين بالله اتفاقاً، وفي غيرها على أحد أقوال ستة.
قوله: [النية الصريحة]: تقييده بالصريحة إشارة إلى أن البساط نية حكمية وهو كذلك، ولذلك قال في الحاشية: هو نية حكمية.
قوله: [في التخصيص]: لا مفهوم له بل مثله التعميم كما إذا حلف لا يأكل لفلان طعاماً، وكان السبب الحامل له دفع المن فيحنث بكل ما انتفع به منه كما يأتي.
قوله: [هو السبب الحامل عليها]: هذا تعريف له باعتبار الغالب، وإلا فهو المعبر عنه في علم المعاني بالمقام وقرينة السياق، وقد لا يكون سبباً كما في بعض الأمثلة الآتية، كذا في حاشية السيد. واعلم أن البساط يجري في جميع الأيمان سواء كانت بالله أو بطلاق أو بعتق كما قال بعضهم:
يجري البساط في جميع الحلف
…
وهو المثير لليمين فاعرف
إن لم يكن نوى وزال السبب
…
ولبس ذا لحالف ينتسب
فقوله: في النظم: وهو المثير لليمين أي السبب الحامل عليها، وقوله: إن لم يكن نوى أي وأما لو نوى شيئاً فالعبرة بنيته، وقوله وزال السبب، أما إن لم يزل فلا ينفعه وقوله:
وليس ذا لحالف ينتسب
أي أنه يشترط في نفع البساط أن لا يكون للحالف مدخل في السبب الحامل على اليمين، كما لو تنازع مع ولده أو زوجته أو أجنبي فحلف أنه لا يدخل على من تنازع معه داراً مثلاً، ثم زال النزاع واصطلح الحالف والمحلوف عليه، فإنه يحنث بدخوله؛ لأن الحالف له مدخل في السبب، فالبساط هنا غير نافع كما أنه لا ينفع فيما نجز بالفعل، كما لو تشاجرت زوجته مع أخيه مثلاً فطلقها ثم مات أخوه فلا يرتفع الطلاق، لأن رفع الواقع محال كذا ذكره السيد البليدي، ومثل ذلك ما لو دخل على زوجته مثلاً فوجدها أفسدت شيئاً في اعتقاده فنجز طلاقها، فتبين له بعد ذلك أنه لم يفسد فليس هنا بساط وليقس.
قوله: [بل هو متضمن لها]: أي لأنه نية حكمية محفوفة بالقرائن ولذلك قال بعضهم: هو أقوى من النية الصريحة.
قوله: [فليس فيه بساط]: أي لما علمت من شرح النظم.
تنبيه: ذكر في المجموع من أمثلة البساط: من حلف ليشترين دار فلان فلم يرض بثمن مثلها، فأقوى القولين عدم الحنث كما في (ح) وكذا ليبيعن فأعطى دون ثمن المثل ا. هـ.
ومن ذلك من سمع الطبيب يقول: لحم البقر داء فحلف لا يأكل لحماً فلا يحنث بلحم الضأن، ومن ذلك لو قيل له: أنت تزكي الشهود لأجل شيء تأخذه منهم، فحلف بالطلاق إنه لا يزكي ولا نية له فلا يحنث بإخراج زكاة ماله، ومن ذلك ما إذا حلف أن زوجته لا تعتق أمتها وكانت أعتقتها قبل ذلك فلا يحنث، لأنه لو علم لم يحلف كما في البدر.
ومنها من حلف أنه ينطق بمثل ما تنطق به زوجته فقالت أنت طالق فلا يحاكيها ولا شيء عليه، ومنها ما لو حلفت زوجة أمير أنها لا تسكن بعد موته دار الإمارة، ثم تزوجت بعده أميراً آخر فأسكنها بها لم تحنث لأن بساط يمينها انحطاط درجتها بعد موته وقد زال ذلك، ومنه لو حلف بطلاق زوجته أنه لا يأكل بيضاً ثم وجد في حجر زوجته شيئاً مستوراً فقالت لا أريكه حتى تحلف بالطلاق لتأكلن منه، فحلف فإنه لا شيء عليه إذا كان الذي في حجرها بيضاً ولا يلزمه الأكل منه. اهـ. من حاشية الأصل، والعالم بالقواعد يقيس.
(فعرف قولي): أي ثم إذا لم يوجد بساط اعتبر تخصيص أو تقييد العرف القولي: أي الذي دل عليه القول؛ أي اللفظ في عرفهم فالمراد العرف الخاص: كما لو كان عرفهم استعمال الدابة في الحمار، والمملوك في الأبيض، والثوب فيما يسلك في العنق، فحلف حالف: أن لا يشتري دابة ولا مملوكاً ولا ثوباً، ولا نية له، فلا يحنث بشراء فرس ولا زنجي ولا عمامة.
(فشرعي): أي فإذا لم توجد نية ولا بساط ولا عرف قولي، فالعرف الشرعي إن كان الحالف من أهل الشرع. فمن حلف: لا يصلي في هذا الوقت أو لا يصوم أو لا يتوضأ أو لا يتطهر أو لا يتيمم حنث بالشرعي من ذلك دون اللغوي.
(وإلا) يوجد شيء من الأمور الأربعة (حنث) في صيغة الحنث، وهي: لأفعلن، أو: إن لم أفعل، (بفوات ما حلف عليه): أي يتعذر فعله نحو: والله لأدخلن الدار ولأطأن الزوجة ولألبسن الثوب، ونحو: إن لم أفعل ما ذكر فعلي كذا، فتعذر فعل المحلوف عليه (ولو لمانع شرعي كحيض) لمن حلف ليطأنها الليلة، (أو) مانع (عادي كسرقة) لثوب حلف ليلبسنه، أو حيوان حلف لأذبحنه، أو طعام حلف ليأكلنه، والموضوع أنه لا نية ولا بساط.
(لا) يحنث بمانع (عقلي: كموت) لحيوان (في) حلفه: (ليذبحنه)، وخرق ثوب في لألبسنه. ومحل عدم الحنث في العقلي:(إن لم يفرط) بأن بادر فحصل المانع قبل الإمكان. فإن أمكنه الفعل وفرط حتى حصل المانع حنث.
(و) حنث (بالعزم على الضد): أي ترك ما حلف عليه بأن عزم على عدم الدخول أو الوطء أو اللبس في الأمثلة المتقدمة وتجب الكفارة في اليمين بالله،
ــ
قوله: [فعرف قولي]: احترز به عن الفعلي، فإنه قد اختلف فيه، فقال القرافي: لا يعتبر تخصيصه، وقال ابن عبد السلام باعتباره كما إذا حلف لا يأكل خبزاً وكان بلد الحالف لا يأكلون إلا خبز الشعير فأكل الشعير عندهم عرف فعلي فلا يحنث بأكل خبز القمح على ما لابن عبد السلام فيكون مقدماً على العرف القولي.
قوله: [فشرعي]: أي فيقدم على المقصد اللغوي على الراجح كما في نقل المواق عن سحنون، خلافاً لخليل حيث قدم اللغوي عليه.
قوله: [دون اللغوي]: أي فلا يحنث بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بغسل اليدين إلى الكوعين مثلاً.
قوله: [من الأمور الأربعة]: أي أو الخمسة على اعتبار الفعلي ولم يذكر اللغوي؛ لأنه أصل وضع اللفظ، فليس فيه تخصيص ولا تعميم فالحمل عليه أصل عند الإطلاق عن المخصصات وعدم القرائن كما تقدم.
قوله: [ولو لمانع شرعي]: أي هذا إذا كان الفوات لغير مانع بأن تركه اختياراً، بل ولو لمانع شرعي إلخ، ورد (لو) في الشرعي على ابن القاسم في مسألة الحيض، وعلى سحنون في مسألة من حلف ليطأن أمته فباعها الحاكم عليه لفلسه، وفي العادي على ما نقل عن أشهب من عدم الحنث.
قوله: [والموضوع أنه لا نية ولا بساط] أي ولا تقييد بأن أطلق في يمينه. ولم يقيد بإمكان الفعل ولا بعدمه، وأولى لو قال: لأفعلنه قدرت على الفعل أو لا، أما إن قيد بإمكان الفعل فلا حنث بفواته في المانع الشرعي والعادي اتفاقاً.
قوله: [لا يحنث بمانع عقلي]: من جملة أمثلته ما إذا حلف ضيف على رب منزل أنه لا يذبح له فتبين أنه ذبح له، أو حلف الرجل ليفتضن زوجته بذكره مثلاً فوجد عذرتها سقطت، فلا حنث؛ لأن رفع الواقع وتحصيل الحاصل محال عقلاً كذا في حاشية الأصل.
قوله: [فإن أمكنه الفعل] إلخ: الحاصل أن المحلوف عليه إذا فات بمانع عقلي، إما أن يكون الحالف عين وقتاً لفعله أو لا، فإن كان وقت وفات المحلوف عليه في ذلك الوقت لم يحنث، وظاهر كلامهم ولو فرط وإن كان لم يؤقت فلا حنث إن حصل المانع عقبه، أو تأخر بلا تفريط، فإن فرط مع التأخير حنث وقد نظم الأجهوري هذا المبحث بقوله:
إذا فات محلوف عليه لمانع
…
فإن كان شرعياً فحنثه مطلقا
كعقلي أو عادي إن يتأخرا
…
وفرط حتى فات دام لك البقا
وإن أقت أو كان منه تبادر
…
فحنثه بالعادي لا غير مطلقا
وإن كان كل قد تقدم منهما
…
فلا حنث في حال فخذه محققا
قال في الحاشية: وحاصل ما في المقام أربعة وعشرون صورة، وذلك أنك تقول: يحنث بالمانع الشرعي تقدم أو تأخر، أقت أم لا، فرط أم لا، فهذه ثمانية ولا حنث بالمانع العقلي إذا تقدم أقت أم لا فرط أم لا فهذه أربع، وأما إذا تأخر فلا حنث في ثلاث وهي ما إذا أقت فرط أم لا، أو لم يؤقت ولم يفرط، فإذا لم يؤقت وفرط فيحنث؛ وأما المانع العادي فلا حنث بالمتقدم فرط أم لا أقت أم لا فهذه أربع، ويحنث بالمتأخر أقت أم لا فرط أم لا، ولا يخفى ما في هذا التقسيم من التسامح ألا ترى أنه إذا كان المنع متقدماً على اليمين فلا يتأتى تفريط ا. هـ.
قوله: [حنث]: ظاهره أقت أم لا وهو وجيه ولكن تقدم عن الحاشية أنه مخصوص بما إذا لم يكن مؤقتاً.
قوله: [وحنث بالعزم على الضد] ظاهره تحتم الحنث بذلك وهو طريقة ابن المواز وابن شاس وابن الحاجب والقرافي، وقال غيرهم: غاية ما في المدونة أن الحالف بصيغة الحنث المطلق له تحنيث نفسه بالعزم على الضد ويكفر ولا يتحتم الحنث
ولا ينفعه فعله بعد [1] ويلزمه المعلق عليه من طلاق ونحوه، ولا ينفعه الفعل بعد العزم على الترك؛ وهذا في الحنث المطلق. وأما المقيد بزمن نحو: لأدخلن الدار في هذا الشهر، أو: إن لم أدخلها في شهر كذا فهي طالق فلا يحنث بالعزم على الضد.
(و) حنث في صيغة البر نحو: لا أفعل كذا (بالنسيان) أي بفعله ناسياً لحلفه، (والخطأ) كما لو فعله معتقداً أنه غير المحلوف عليه فيحنث.
وهذا (إن أطلق) في يمينه ولم يقيد بعمد ولا تذكار.
فإن قيد بأن قال: لا أفعله ما لم أنس أو عامداً مختاراً أو متذكراً فلا حنث بالنسيان أو الخطأ، وتقدم أنه لا حنث في الإكراه في البر.
(و) حنث في البر (بالبعض) أي بفعل بعض المحلوف على تركه، فمن حلف لا آكل الرغيف أو هذا الطعام فأكل بعضه ولو لقمة حنث. وأما صيغة الحنث نحو: والله لآكلن هذا الطعام أو الرغيف، أو إن لم آكله فهي طالق، فلا يبر بفعل البعض. وهو معنى قوله:(عكس البر)
أي لا يبر بالبعض أي في صيغة الحنث، (و) حنث (بالسويق أو اللبن) أي بشربهما (في) حلفه:(لا آكل) طعاماً لأن شربهما أكل شرعاً ولغة، والموضوع أنه لا نية ولا بساط،
ــ
إلا بفوات المحلوف عليه، فله أن يرجع لحلفه ويبطل العزم كما إذا قال: إن لم أتزوج فعلي كذا، ثم عزم على ترك الزواج فله الرجوع للزواج وإبطال عزمه ولا يلزمه شيء مما حلف به، واختار (ر) هذه الطريقة نقله محشي الأصل، لكن (بن) رد قول (ر) كما ذكره المؤلف في تقريره.
قوله: [ولا ينفعه فعله بعد]: أي خلافاً لما اختاره (ر) كما علمت.
قوله: [فلا يحنث بالعزم على الضد]: أي وإنما يحنث بعدم فعل المحلوف عليه إذا فات الأجل.
قوله: [بالنسيان]: أي على المعتمد خلافاً لابن العربي والسيوري وجمع من المتأخرين حيث قالوا بعدم الحنث بالنسيان وفاقاً للشافعي.
قوله: [والخطأ كما لو فعله] إلخ: حاصله أنه إذا حلف لا يدخل دار فلان فدخلها معتقداً أنها غيرها، فإنه يحنث عند الإطلاق، ومن أمثلة الخطأ أيضاً ما إذا حلف أنه لا يتناول منه دراهم فتناول منه ثوباً تبين أن فيه دراهم، فإنه يحنث وقيل بعدم الحنث وقيل بالحنث إن كان يظن أن فيه دراهم قياساً على السرقة وإلا فلا حنث، وأما الغلط اللساني فالصواب عدم الحنث به كحلفه: لا أذكر فلاناً فسبق لسانه به، وما وقع في كلامهم من الحنث بالغلط فالمراد به الغلط الجناني الذي هو الخطأ كذا في (بن).
قوله: [فلا حنث بالنسيان والخطأ] أي اتفاقاً وأما لو قال لا أفعله عمداً ولا نسياناً، فإنه يحنث اتفاقاً، فإذا حلف أنه لا يأكل في غد فأكل فيه نسياناً فإنه يحنث على المعتمد، ولو حلف بالطلاق ليصومن غداً فأصبح صائماً ثم أكل ناسياً فلا حنث عليه كما في سماع عيسى، لأنه حلف على الصوم وقد وجد والذي فعله نسياناً هو الأكل، وهذا الأكل غير مبطل لصومه؛ لأن الأكل في التطوع لا يبطله وهذا الصوم كتطوع بحسب الأصل، فلما لم يبطل صومه لم يحنث. اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [فأكل بعضه ولو لقمة حنث]: قال في الأصل ولو قيد بالكل. اهـ. أي بأن قال: لا آكل كل الرغيف وهذا هو المشهور قال محشيه: واستشكل هذا بأنه مخالف لما تقرر من أن إفادة كل للكلية محله ما لم تقع في حيز النفي، وإلا لم يستغرق غالباً بل يكون المقصود نفي الهيئة الاجتماعية الصادقة بالبعض كقوله:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
…
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
وما هنا من هذا القبيل ومن غير الغالب استغراقها كقوله تعالى: {والله لا يحب كل مختال فخور} [الحديد: 23] فتأمله إلا أن يقال: روعي في هذا القول المشهور الوجه القليل حيث لا نية ولا بساط؛ لأن الحنث يقع بأدنى وجه فتأمل ا. هـ، ومن أمثلة الحنث بالبعض من حلف أن لا يلبس هذا الثوب فإنه يحنث بإدخال طوقه في عنقه ومن حلف لا يصلي حنث بالإحرام، ومن حلف لا يصوم حنث بالإصباح ناوياً ولو أفسد بعد ذلك فيهما، بل في (ح) إن حلف لا يركب حنث بوضع رجله في الركاب ولو لم يستقر على الدابة حيث استقل عن الأرض، وإن علق يمينه على وضع ما في البطن فوضعت واحداً وبقي واحد حنث بوضع الأول، ولو حلف لا يطؤها حنث بمغيب الحشفة، وقيل بالإنزال، ولا يحنث ببعض الحشفة لتعويل. الشارع في أحكام الوطء على مغيب الحشفة، ولو حلف أن لا يدخل الدار لم يحنث بإدخال رأسه بخلاف رجله والأظهر إن اعتمد عليها انظر البدر. اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [أي في صيغة الحنث]: أي إذا كانت الصيغة صيغة حنث وحلف على فعل شيء ذي أجزاء فلا يبر بفعل البعض؛ وذكر شيخ مشايخنا العدوي أن من حلف عليه بالأكل، فإن كان في آخر الأكل فلا يبر الحالف إلا بأكل المحلوف عليه ثلاث لقم فأكثر، وإن لم يكن المحلوف عليه في آخر الأكل فلا يبر إلا بشبع مثله.
قوله: [أي بشربهما]: أي لا بشرب الماء ولو ماء زمزم فلا يحنث إذ هو ليس بطعام عرفاً، وإن كان ماء زمزم طعاماً شرعاً والعرف مقدم كما تقدم، ومحل حنثه بشرب اللبن والسويق إن قصد
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
ليست في ط المعارف.
(و) حنث (بلحم حوت أو) لحم (طير أو) أكل (شحم في لحم) أي في حلفه لا آكل لحماً.
(و) حنث (بوجود أكثر) مما حلف عليه (في) حلفه (ليس معي غيره) أي غير هذا القدر المحلوف عليه (لسائل) سأله أن يسلفه أو يقضيه حقه أو يهبه كذا فحلف ليس معي إلا عشرة لا غير، فإذا معه أكثر.
وإنما يحنث (فيما لا لغو فيه) من الأيمان كالطلاق والعتق، وأما ما فيه لغو -وهي اليمين بالله- فلا حنث كما تقدم (لا) بوجود (أقل) مما حلف عليه، فلا حنث لظهور أن المراد ليس معي ما يزيد على ما حلفت عليه، ولو كان معي أزيد لأعطيتك ما سألت فمقصوده باليمين نفي الأكثر لا الأقل.
(و) حنث (بدوام ركوبه أو) دوام (لبسه في) حلفه (لا أركب) هذه الدابة، (و) لا (ألبس) هذا الثوب؛ لأن الدوام كالابتداء، (و) حنث (بدابة) أي بركوب دابة (عبده) أي عبد زيد مثلاً (في) حلفه على ركوب (دابته) أي زيد؛ لأن مال العبد لسيده. والموضوع -كما تقدم- عدم النية والبساط.
(و) حنث (بجمع الأسواط) العشرة مثلاً (في) حلفه: (لأضربنه كذا) أي عشرة أسواط وضربه بالعشرة ضربة واحدة، والمعنى أنه لا يبر واليمين باقية عليه لأن الضرب بها مجموعة لا يؤلمه كالمفرقة.
(و) حنث (بفرار الغريم) منه (في) حلفه لغريمه (لا فارقتك) أيها الغريم (أو لا فارقتني حتى تقضيني حقي) ففر منه، (ولو لم يفرط) بأن انفلت منه كرهاً عليه (أو) أن الغريم (أحاله): أي أحال الحالف على مدين له فرضي الحالف بالحوالة وترك سبيله فيحنث؛ لأن المعنى: إلا أن تقضيني بنفسك، إلا لنية أو بساط.
(و) حنث (بدخوله عليه): أي على من حلف أن لا يدخل عليه بيتاً فدخل عليه (ميتاً)، (أو) دخل عليه
(في بيت شعر، أو) دخل عليه في (سجن بحق) كأن سجن لدين أو نحوه، لأن الإكراه الشرعي كلا إكراه، بخلاف ما لو سجن ظلماً فلا يحنث لأنه إكراه، ولا حنث في الإكراه كما تقدم (في) حلفه في الجميع:(لأدخل [1] عليه بيتاً لا) يحنث (بدخول محلوف عليه) على الحالف ولو استمر الحالف جالساً (إن لم ينو) الحالف بقوله: لأدخل [2] عليه بيتاً (المجامعة): أي الاجتماع معه في مكان،
ــ
التضييق على نفسه بأن لا يدخل في بطنه طعاماً إذ هما من الطعام فإن قصد الأكل دون الشرب فلا حنث وهو معنى قول الشارح والموضوع أنه لا نية ولا بساط.
قوله: [وحنث بلحم حوت] إلخ: أي لصدق اللحم على هذه الأشياء قال تعالى: {لتأكلوا منه لحماً طرياً} [النحل: 14] وقال تعالى: {ولحم طير مما يشتهون} [الواقعة: 21] وشمول اللحم للشحم ظاهر وما ذكره من الحنث بلحم الحوت وما بعده في حلفه لا آكل لحماً عرف مضى، وأما عرف زماننا خصوصاً بمصر فلا يحنث بما ذكر؛ لأنه لا يسمى لحماً عرفاً والعرف القولي مقدم على المقصد الشرعي كما هو معلوم.
قوله: [في حلفه لا أركب] إلخ: أي وأما لو حلف لأركبن أو ألبسن بر بدوام الركوب، واللبس في المدة التي يظن الركوب واللبس فيها، فإذا كان مسافراً مسافة يومين وقال: والله لأركبن الدابة والحال أنه راكب لها فلا يبر إلا إذا ركبها باقي المسافة ولا يضر نزوله في مقتضيات النزول وكذا يقال في حلفه لألبسن.
قوله: [أي بركوب دابة عبده]: وظاهره ولو كان العبد مكاتباً، وبه قال جماعة نظراً للحوق المنة بها كلحوقها بدابة سيده، وقال البدر القرافي: لا يحنث بدابة مكاتبه فهما قولان، ومفهوم (عبده) أنه لا يحنث بدابة ولده ولو كان له اعتصارها. ورجح بعضهم الحنث بدابة ولده حيث كان له اعتصارها لتحقق المنة بها فتأمل، لكن قال في الحاشية: إن هذا التعليل موجود في دابة الولد وإن لم يكن للأب اعتصارها.
قوله: [والمعنى أنه لا يبر]: أي لأن الصيغة صيغة حنث فهو مأمور بالفعل لا بالترك، ولا يحتسب بالضربة الحاصلة من جميعها حيث لم يحصل بها إيلام كالمنفردة، وإلا حسبت قال في الحاشية: وينبغي تقييده بما إذا لم يكن كل واحد منفرداً عن الآخر فيما عدا محل مسكنه، ويحصل بكل إيلام منفرد أو قريب منه، فإنه يحتسب بذلك فلو ضربه العدد المحلوف عليه كمائة سوط بسوط له رأسان خمسين ضربة، فإنه يجتزئ بذلك. اهـ.
قوله: [وحنث بفرار الغريم]: لا يقال الفرار إكراه وهذه الصيغة صيغة بر؛ لأننا نقول: لا نسلم أن الفرار إكراه، سلمنا أنه إكراه فلا نسلم أن الصيغة صيغة بر، بل صيغة حنث؛ لأن المعنى لألزمنك انظر التوضيح. اهـ. (بن) من حاشية الأصل.
قوله: [أو أن الغريم أحاله]: أي فبمجرد قبول الحوالة يحنث ولو لم يحصل مفارقة من الغريم؛ لأنها بمنزلة المفارقة، ولو قبض الحق بحضرة الغريم وما ذكره المصنف من الحنث بالحوالة خلاف عرف مصر الآن من الاكتفاء بها، ومعلوم أن الأيمان مبنية على العرف.
قوله: [فدخل عليه ميتاً]: أي قبل الدفن، وأما لو دخل عليه بيتاً دفن فيه فلا حنث.
قوله: [في بيت شعر]: العرف الآن يقتضي عدم الحنث فيه إذ لا يقال للشعر في العرف بيت إلا إذا كان الحالف من أهل البادية.
قوله: [ولو استمر الحالف جالساً] إلخ: أي خلافاً لما نقله ابن يونس حيث
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (لا أدخل)، ولعلها الصواب.
[2]
في ط المعارف: (لا أدخل)، ولعلها الصواب.
وإلا حنث، (و) حنث (بتكفينه) أي إدراجه في الكفن أو بتغسيله [1] (في) حلفه:(لا ينفعه حياته)؛ لأن ذلك من تعلقات الحياة.
(و) حنث (بالكتاب) الذي كتبه أو أمر بكتبه (إن وصل) للمحلوف عليه، سواء أكان عازماً حين كتابته أو إملائه أو الأمر بكتابته أم لا، لا إن لم يصل ولو كان عازماً عليه حين الكتابة، بخلاف الطلاق يقع بمجرد الكتابة عازماً عليه؛ لأن الطلاق يستقل به الزوج بلا مشافهة بخلاف الكلام. (أو) بإرسال (رسول) بكلام إن بلغ (في) حلفه:(لا كلمه [2] وقبلت نيته إن ادعى) الحالف (المشافهة)، بأن قال: أنا نويت أن لا أكلمه مشافهة ووصول الكتاب وإبلاغ الرسول ليس فيهما مشافهة، فتقبل نيته مطلقاً في الفتوى والقضاء، (إلا في) وصول (الكتاب في الطلاق والعتق المعين) فيما إذا حلف: إن كلمته فهي طالق، أو: فعبدي فلان حر، فأرسل له كتاباً ووصله فادعى المشافهة لم يقبل عند الحاكم لحق العبد والزوجة، ولتشوف الشارع للحرية في الأول والاحتياط في الفروج في الثاني.
(و) حنث في حلفه: لا كلمه، (بالإشارة) له (وبكلام لم يسمعه) المحلوف عليه (لنوم أو صمم) أو نحو ذلك من كل مانع لو فرض عدمه لسمعه عادة، بخلاف ما لو كلمه من بعد لا يمكن سماعه منه عادة فلا يحنث.
(و) حنث (بسلام عليه معتقداً أنه غيره، أو) كان المحلوف عليه (في جماعة) سلم عليهم فإنه يحنث؛ (إلا أن يحاشيه) أي يخرجه بقلبه منهم قبل نطقه بالسلام، ثم يقصد بسلامه عليهم من سواه فلا يحنث (لا) إن سلم عليه (بصلاة) ولو كان على يساره (أو) وصول (كتاب المحلوف عليه له) أي الحالف (ولو قرأه) الحالف فلا يحنث على الأصح، (و) حنث (بفتح عليه)، في قراءة
ــ
قال: قال بعض أصحابنا وينبغي على قول ابن القاسم أنه لا يجلس بعد دخول المحلوف عليه، فإن جلس وتراخى حنث ويصير كابتداء دخوله هو عليه ا. هـ.
قوله: [وإلا حنث]: أي باتفاق وإن لم يحصل جلوس.
قوله: [بتكفينه] إلخ: أي خلافاً لما استظهره البدر القرافي من عدم الحنث بإدراجه في الكفن، وأولى من الإدراج في الحنث شراء الكفن له ولو لم يكن الثمن من عنده، لأنه نفع في الجملة.
قوله: [لأن ذلك من تعلقات الحياة]: أي فيشمل باقي مؤن التجهيز فيحنث بها على ما اختار (بن) خلافاً لعب حيث قال: لا يحنث: بباقي مؤن التجهيز قوله: [إن وصل] أي وكان الوصول بأمر الحالف، وأما لو دفعه الحالف للرسول ثم بعد ذلك نهاه عن إيصاله للمحلوف عليه فعصاه وأوصله فلا يحنث الحالف لا بإيصاله ولا بقراءته على المحلوف عليه.
قوله: [يستقل به الزوج] إلخ: أي فلا يتوقف على حضور الزوجة ولا على مشافهتها بخلاف الكلام فيتوقف على حضور المخاطب ومشافهته.
قوله: [إن بلغ] أي وأما مجرد وصول الرسول من غير تبليغ فلا يوجب الحنث.
قوله: [إلا في وصول الكتاب] إلخ: والفرق بين الكتاب والرسول أن الكتابة يقال لها كلام الحالف لغة بخلاف كلام الرسول، فإنه ليس بكلام للحالف لا لغة ولا عرفاً فلذلك قبلت نيته فيه حتى في الطلاق والعتق المعين فتدبر.
قوله: [بالإشارة] إلخ: أي سواء كان سميعاً أو أصم أو أخرس أو نائماً، لكن الذي في (ح) أن الراجح عدم الحنث بها مطلقاً وهو قول ابن القاسم، ونص ابن عرفة وفي حنثه بالإشارة إليه ثالثها في التي يفهم بها عنه؛ الأول لابن رشد عن أصبغ مع ابن الماجشون، والثاني لسماع عيسى بن القاسم وابن رشد مع ظاهر إيلائها، والثالث لابن عبدوس عن ابن القاسم. اهـ (بن) من حاشية الأصل.
قوله: [لم يسمعه]: أي فمن باب أولى لو سمعه.
قوله: [وحنث بسلام عليه]: أي في غير صلاة كما يأتي.
وقوله: [معتقداً أنه غيره]: أي جازماً أنه غيره فتبين أنه هو لا يقال هذا من اللغو ولا يحنث فيما يجري فيه اللغو، لأننا نقول: اللغو الحلف على ما يعتقده فيظهر نفيه، والاعتقاد هنا ليس متعلقاً بالمحلوف عليه حتى يكون لغواً بل بغيره بل هذا من باب الخطأ وتقدم الحنث به.
قوله: [إلا أن يحاشيه] حاصل الفقه أنه إذا أخرجه من الجماعة قبل السلام فلا حنث عليه، سواء كان الإخراج بالنية أو باللفظ، فإن حدثت المحاشاة بعد السلام أو في أثنائه فلا ينفعه إلا الإخراج باللفظ لا بالنية هكذا قيل، والمعتمد أن الإخراج بالنية حال السلام ينفع.
قوله: [لا إن سلم عليه بصلاة] إلخ: أي لأنه ليس كلاماً عرفاً، بخلاف السلام خارج الصلاة وإن كان كل مطلوباً.
قوله [فلا يحنث على الأصح]: أي على ما صوبه ابن المواز واختاره اللخمي من قولي ابن القاسم وهما الحنث وعدمه.
قوله: [بفتح عليه] إلخ: ظاهره سواء كان في غير صلاة أو فيها، وظاهره ولو كان الفتح واجباً بأن كان المحلوف عليه إماماً وفتح عليه في الفاتحة. إن قلت: إذا لم يحنث بسلام الرد في الصلاة مع أنه مطلوب استناناً فأولى أن لا يحنث بالفتح على إمامه إذا وجب؟ أجيب: بأن الفتح في معنى المكالمة إذ هو في معنى: قل كذا أو اقرأ
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (تغسيله).
[2]
في ط المعارف: (لا أكَلِّمُهُ)، ولعلها الصواب.
بأن وقف في القراءة أو غيره فأرشده للصواب لأنه في قوة: قل كذا، (و) حنث (بخروجها بلا علمها بإذنه) لها في الخروج (في) حلفه على زوجته:(لا تخرجي إلا بإذني) ولا ينفعه دعوى أنه قد أذن لها في الخروج وإن لم تعلم به، لأن حلفه أنها لا تخرج إلا بسبب إذني وخروجها لم يكن بسبب إذنه.
(و) حنث (بالهبة والصدقة) على محلوف عليه (في) حلفه (لا أعاره) شيئاً (وبالعكس) كأن حلف لا وهبه شيئاً أو لا يتصدق عليه فأعاره؛ لأن المعنى لا ينفعه بشيء وفهم منه أنه إن حلف لا يتصدق عليه. فوهبه أو عكسه الحنث بالأولى. (ونوى): أي قبلت نيته في ذلك إن ادعى نية حتى في طلاق وعتق لدى حاكم لمساواة نيته لظاهر لفظه كما تقدم.
(و) حنث (بالبقاء) في الدار (ولو ليلاً) ولا يبرئه إلا الارتحال بأثر حلفه (أو بإبقاء شيء) من متاعه فيها، (إلا) ما لا بال له عرفاً (كمسمار) ووتد وخرقة من كل ما لا تلتفت النفس له (في) حلفه (لا سكنت) هذه الدار، إلا أن يخاف من ظالم أو لص أو سبع إذا ارتحل بالليل؛ ولا يضره التعزيل في يوم أو يومين أو أكثر لكثرة متاعه. وليس من العذر وجود بيت لا يناسبه أو كثير الأجرة بل ينتقل ولو في بيت شعر. ثم إذا خرج لا يعود وإلا يحنث بمجرد العود، بخلاف: لأنتقلن (لا) يحنث (بخزن) فيها بعد الانتقال، لأنه لا يعد سكنى في العرف، بخلاف ما لو أبقى فيها شيئاً مخزوناً حين الانتقال، (ولا) يحنث بالبقاء فيها (في) حلفه:(لأنتقلن) من هذه الدار. ويمنع من وطء زوجته إن كان يمينه بالطلاق، ومن بيع العبد إن كان يمينه بالعتق حتى ينتقل بالفعل؛ لأنها يمين حنث.
(إلا أن يقيد بزمن) كـ لأنتقلن في هذا الشهر (فبمضيه) يحنث إذا لم ينتقل فيه، وجاز له العود بعد الانتقال لكن بعد مدة أقلها نصف شهر، وندب له كماله وإلا لم يبر إذا أبقى ما له بال لا كمسمار.
(و) حنث الحالف
ــ
كذا، بخلاف سلام الصلاة وما ذكره من الحنث بالفتح مطلقاً هو المعتمد خلافاً لمن قال: إنه يحنث بالفتح في السورة، ولا يحنث بالفتح عليه بالفاتحة والفقه مسلم وإلا فقد يقال: إن الفتح في الصلاة ليس كلاماً عرفاً كما قالوا في سلامها.
قوله: [في القراءة أو غيره]: هكذا نسخة المؤلف والمناسب في الفاتحة أو غيرها.
قوله: [في حلفه على زوجته] إلخ: صورتها حلف رجل على زوجته بالطلاق أو غيره أنها لا تخرج إلا بإذنه، فأذن لها وخرجت بعد إذنه لكن قبل علمها بالإذن، فإنه يحنث سواء أذن لها وهو حاضر أو في حال سفره أشهد على الإذن أو لا، بقي لو أذن لها وعلمت بالإذن ثم رجع في إذنه فخرجت فمذهب ابن القاسم يحنث وقال أشهب لا يحنث.
قوله: [وحنث بالهبة والصدقة] إلخ: حاصل المسألة أن الصور ستة وهي ما إذا حلف لا أعاره فوهب أو تصدق وبالعكس فهذه أربعة، أو حلف لا يهب فتصدق وبالعكس فهاتان صورتان. وظاهر شارحنا أنه يحنث في الجميع ما لم تكن له نية فتقبل حتى عند القاضي في الطلاق والعتق المعين، وهو خلاف ما مشى عليه في الأصل وفي المجموع من التفصيل. وحاصله: أنه إذا حلف لا أعاره فتصدق أو وهب أو حلف لا يهب فتصدق، فإن ينوي عند المفتي مطلقاً وعند القاضي في غير الطلاق والعتق المعين، وأما لو حلف لا يتصدق أو لا يهب فأعار أو حلف لا يتصدق فوهب فينوي مطلقاً عند المفتي والقاضي، حتى في الطلاق والعتق المعين.
قوله: [ولا يبرئه إلا الارتحال بأثر حلفه] إلخ: هذا هو مذهب المدونة ومقابله قول أشهب لا يحنث حتى يكمل يوماً وليلة، وقول أصبغ لا يحنث حتى يزيد عليهما، وفي الأجهوري أن هذا مبني على مراعاة الألفاظ، ومن راعى العرف والعادة أمهله حتى يصبح فينتقل لما ينتقل إليه مثله.
قوله: [أو بإبقاء شيء]: معطوف على قوله بالبقاء مسلط عليه حنث.
قوله: [إلا أن يخاف من ظالم] إلخ: أي فلا يحنث ببقائه لأجل ذلك؛ لأنه مكره على البقاء ويمينه صيغة بر ولا حنث فيها بالإكراه كما مر.
قوله: [بخلاف لأنتقلن]: أي فيجوز له العود في الدار بعد الانتقال بشرطه الآتي، ومثل: لأنتقلن لا بقيت أو: لا أقمت، على المعتمد وقيل: مثل: لا سكنت كذا في (بن) فعلى المعتمد يجوز له الرجوع بعد نصف شهر، إذا حلف لا بقيت في هذه الدار أو لا أقمت فيها.
قوله: [بخلاف ما لو أبقى فيها شيئاً] إلخ: أي له بال يحمله على الرجوع.
قوله: [ويمنع من وطء زوجته] فإن لم ينتقل ورافعته الزوجة ضرب له أجل الإيلاء من يوم الرفع.
قوله: [فبمضيه يحنث]: أي ولا يمنع من وطء زوجته قبل ذلك إلا إذا ضاق الأجل.
قوله: [لكن بعد مدة] إلخ: أي ما لم يعين مدة أقل أو أكثر فتعتبر.
تنبيه: من حلف لا ساكنه في هذه الدار مثلاً كفى في بره أن ينتقل عن الحالة التي كانا عليها، بحيث يزول عنهما اسم المساكنة عرفاً ولو بضرب جدار بينهما، ولا يشترط أن يكون وثيقاً بل يكفي ولو جريداً ويحنث بالزيارة بعد ذلك إن قصد التنحي.
وأما إن كان الحامل له أمور العيال فلا يحنث إلا أن يكثر الزيارة أو يبيت بغير عذر، بقي ما لو حلف على عدم المساكنة وكانا بحارة
(باستحقاق بعض الدين) الذي وفاه لغريمه المحلوف له وأولى استحقاق الكل (أو ظهور عيبه) أي الدين (بعد) مضي (الأجل) الذي حلف ليقضينه فيه أي ظهر فيه بعد الأجل أن به عيباً قديماً يوجب الرد ولم يرض به واجده، (و) حنث (بهبته) أي الدين (له): أي للمدين الحالف فقبل، (أو دفع قريب) مثلاً (عنه): أي عن الحالف بلا إذنه، (وإن) دفع القريب مثلاً (من ماله) أي مال الحالف فلا يبر، (أو شهادة بينة) للحالف (بالقضاء) بعد أن حلف فيحنث، وذلك كله (في) حلفه لرب الدين:(لأقضينك) حقك (لأجل كذا): أي في أجل كذا كشهر رمضان، فلما قضاه دينه فيه استحق الدين من يده كلاً أو بعضاً أو ظهر به عيب يوجب الرد أو قبل أن يقضيه له وهبه ربه للمدين الحالف وقبل، فبمجرد القبول يحنث ولا ينفعه إقباضه له بعد القبول، أو وفاه عنه قريب له أو صديق وأولى أجنبي أو شهدت له بينة بالقضاء ولا بد من القضاء، ثم يأخذه إن شاء، نعم إن علم الحالف في مسألة دفع القريب عنه قبل مضي الأجل، ورضي بدفعه عنه بر، لأن علمه ورضاه منزل [1] منزلة دفعه، (و) حنث (بعدم قضاء، للدين في غد في) حلفه: (لأقضينك) حقك (غداً يوم الجمعة، و) الحال أنه (ليس يوم الجمعة) وإنما اعتقد الحالف أنه يوم الجمعة غلطاً لتعلق الحنث بالغد لا بتسميته يوم جمعة.
(وله): أي للحالف
ــ
أو بحارتين، أو في قرية أو مدينة، والحكم أنهما إذا كانا بحارة فلا بد من الانتقال منها، سواء كانت يمينه لا ساكنه أو في هذه الحارة وإن كانت يمينه لا ساكنه ببلدة، أو في هذا البلد، فيلزمه الانتقال لبلد لا يلزم أهلها السعي لجمعة الأخرى، بأن ينتقل لبلد على كفرسخ. وإن حلف لأساكنه والحال أنهما بحارتين لزمه الانتقال لبلد آخر على كفرسخ إن صغرت البلد التي هما بها. وإن كان البلد كبيرة فلا يلزمه الانتقال ويلزمه المباعدة عنه، وعدم سكناه معه فإن سكن معه حنث كذا قيل والذي في (ح) عن ابن عبد السلام انتقاله لقرية أخرى، ولم يفصل بين كبيرة وصغيرة. ومن حلف لأسافرن فلا يبر إلا بمسافة القصر حملاً على القصد الشرعي دون اللغوي، ولزمه مكث في منتهى سفره خارجاً عن مسافة القصر نصف شهر فلا يرجع لمكان دون المسافة قبله ويندب له كمال الشهر.
قوله: [باستحقاق بعض الدين] إلخ: أي وقام رب الدين به كما صرح به في المدونة، فالاستحقاق مثل ظهور العيب إذا لم يقم به صاحبه لم يحنث الحالف. وظاهره أنه يحنث باستحقاق البعض ولو كان البعض الباقي يفي بالدين لأنه ما رضي في حقه إلا بالكل، فلما ذهب البعض انتقض الرضا، وظاهره أيضاً الحنث بالاستحقاق ولو أجاز المستحق أخذ رب الحق ذلك الشيء المقضي به الدين الذي استحقه واختار اتباع ذمة الدافع.
قوله: [أي ظهر فيه بعد الأجل] إلخ: فعلم مما ذكر أن الحنث في مسألة الاستحقاق مقيد بقيدين: أن يقوم رب الدين به، وأن يكون قيامه بعد الأجل وفي مسألة ظهور العيب مقيد بقيود ثلاثة هذان القيدان، وكون العيب موجباً للرد فإن لم يكن موجباً للرد أو لم يقم رب الدين به، بل سامح أو قام قبل الأجل فأجازه أو استوفى حقه قبل مضي الأجل لم يحنث الحالف.
قوله: [ولا بد من القضاء] إلخ: ولم يعولوا هنا على البساط وإلا فمقتضاه لا حنث حينئذ، وحيث قلتم، بدفعه ثم أخذه فإن أبى المحلوف له من الأخذ، وقال: لا حق لي لم يجبر على قبضه، ويقع الحنث كذا قيل ولكن استظهر الأجهوري جبره على القبول إن أبى منه لأجل أن يبر الحالف وهو وجيه.
تنبيه: من حلف ليقضين فلاناً حقه إلى أجل كذا فجن أو أسر أو حبس ولم يمكنه الدفع، ودفع الحاكم عنه قبل مضي الأجل من ماله أو مال الحاكم فيبر، وإن لم يدفع الحاكم عنه قبل مضي الأجل بل بعده فقولان بالحنث وعدمه.
مسألة: من حلف ليقضين فلاناً حقه إلى أجل كذا فلا يبر ببيع فاسد متفق على فساده قاصصه بثمنه من حقه حيث فات المبيع قبل الأجل، ولم تف القيمة بالدين، فإن وفت القيمة بالثمن حينئذ أو كمل له عليها قبل الأجل بر، وكذا إن فات بعده ووفت القيمة على المختار كما لو كان مختلفاً في فساده لمضيه بالثمن.
قوله: [بعدم قضاء] إلخ: أي وأما إن قضاه قبله فلا حنث؛ لأن قصده عدم المطل إلا أن يقصد بالتأخير إلى غد المطل، فيحنث بالتعجيل وهذا بخلاف حلفه على أكله الطعام، كمن حلف ليأكلن الطعام الفلاني غداً فأكله قبله فيحنث؛ لأن الطعام قد يقصد به اليوم.
مسألة: من كان عليه دين ودفع في نظيره عرضاً بر ولو بغبن، كما لو دفع عرضاً يساوي عشرة في مائة.
مسألة أخرى: لو غاب من له الدين بر الحالف الذي عليه الدين بدفع لوكيل التقاضي أو التفويض، فإن لم يكن وكيل للتقاضي أو التفويض فالحاكم، فإن لم يكن حاكم فوكيل ضيعة وقيل هو مع الحاكم في رتبة، فإن لم يكن أحد مما ذكر فجماعة المسلمين يشهدهم على إحضار الحق وعدده ووزنه وصفته وأنه اجتهد في الطلب فلم يجده، ثم يترك المال عند عدل منهم أو يبقيه عند نفسه حتى يأتي ربه ولا يبر بلا إشهاد، فالدفع لأحد
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (فنزل).
(ليلة ويوم) من الشهر يقضي فيه دينه، فإن أخر عن اليوم بغروب الشمس حنث (في) حلفه: لأقضينك حقك (في رأس الشهر) الفلاني، (أو عند رأسه أو إذا استهل أو عند انسلاخه أو إذا انسلخ أو لاستهلاله) بجره باللام على الأرجح، وجعله الشيخ مثل المجرور بـ إلى (و) لو حلف له ليقضينه حقه (إلى رمضان أو إلى استهلاله) بجره بـ إلى (فشعبان) فقط، وليس له ليلة ويوم من رمضان، فإن غربت الشمس من آخر يوم من شعبان حنث.
(و) حنث (بجعل الثوب) المحلوف عليه (قباء) بالمد: وهو الثوب المفرج (أو عمامة أو اتزر به، أو) ارتدى به (على كتفه في) حلفه (لا ألبسه) أي الثوب لأن الجميع يسمى لبساً عرفاً.
(و) حنث (بدخوله من باب غير) عن حالته الأولى بتوسيع أو علو مع بقائه في مكانه الأول، (في) حلفه:(لا أدخل منه) أي من هذا الباب، (إن لم يكره ضيقه) أي إذا لم يكن الحامل له على اليمين كراهة ضيقه وإلا لم يحنث إذا وسع.
(و) حنث (بأكله من) طعام (مدفوع لولده) الصغير، (أو عبد [1] في) حلفه:(لا آكل له) أي لفلان (طعاماً إن كانت نفقة الولد عليه) أي على أبيه الحالف، وكان المدفوع له يسيراً، فإن لم تكن نفقته عليه فلا يحنث، وكذا إذا كان المدفوع للولد كثيراً؛ إذ ليس لأبيه رد المال الكثير، ويحنث في العبد مطلقاً.
(و) حنث (بـ) قوله لها: (اذهبي إثر) حلفه: (لا كلمتك حتى تفعلي) كذا؛ لأن قوله لها: اذهبي. كلام منه لها قبل الفعل.
ــ
هذه الأربعة على هذا الترتيب مانع من الحنث وبراءة ذمته من الدين إنما تكون إذا دفعه لوكيل التقاضي أو التفويض أو الحاكم إن لم يتحقق جوره كما يؤخذ من الأصل.
قوله: [ليلة ويوم]: أي فالليلة مقدمة لأن ليلة كل يوم مقدمة عليه.
قوله: [من الشهر]: أي المسمى في اليمين كرمضان. فحاصله أنه إذا قال: لأقضينك حقك في رأس رمضان أو عند رأسه أو إذا استهل أو عند انسلاخه، أو إذا انسلخ أو لاستهلاله فلا يحنث إلا إذا فاته ليلة ويوم من رمضان، ولم يقض الحق بخلاف ما لو أتى بإلى، فيحنث بمجرد فراغ شعبان وكل هذا ما لم تكن له نية أو بساط كما تقدم.
قوله: [أو عند انسلاخه] إلخ: المراد بالانسلاخ الانكشاف والظهور، فلذلك كان بمعنى الاستهلال؛ لأن الانسلاخ يفسر تارة بالظهور والانكشاف كما هنا، ومنه قولهم سلخت الجلد أي كشفته وأظهرت باطنه، وتارة بالإزالة ومنه قوله تعالى:{وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} [يس: 37] بدليل قوله بعد ذلك: {فإذا هم مظلمون} [يس: 37]، ولو كان معناه الكشف لقال: فإذا هم مبصرون كما نص عليه أهل المعاني. إذا علمت ذلك فلو نوى الحالف المعنى الثاني أو غلب العرف به فالعبرة بفراغ الشهر الذي سماه، لا بيوم وليلة من أوله فتأمل.
قوله: [وحنث بجعل الثوب] إلخ: أي ما لم يكن كرهه لضيقه فجعله قباء أو عمامة ولبسه، فإنه لا يحنث بذلك وهذا إذا كان المحلوف عليه مثل قميص وأما إن كان مما لا يلبس بوجه مثل شقة، فإذا حلف لا يلبسها ثم قطعها ولبسها فإنه يحنث، ولا يقبل منه أنه كرهها لضيقها.
قوله: [لأن الجميع يسمى لبساً عرفاً]: أي بخلاف ما إذا وضعه على فرجه أو كتفه مثلاً من غير لف ولا إدارة فإنه لا يحنث.
قوله: [كراهة ضيقه]: أي أو نحوه كمروره على من لا يحب الاطلاع عليه.
تنبيه: من حلف لا يدخل على فلان بيته حنث بقيامه على ظهره، ولو كان البيت بالكراء؛ لأن البيت ينسب لساكنه، وأما من حلف ليدخلن على فلان بيته فلا يبر باستعلائه على ظهره كما في حاشية السيد، لأن الحنث يقع بأدنى سبب والبر يحتاط فيه.
قوله: [إذ ليس لأبيه] إلخ: أي لأنه لا مصلحة في رده، بخلاف اليسير فإن له أن يقول ولدي عليّ فلا حاجة له بهذا الشيء.
قوله: [ويحنث في العبد مطلقاً]: أي لأن تمليك العبد في حكم تمليك السيد ونفقة العبد على السيد على كل حال، وهذا بخلاف الوالدين اللذين تجب نفقتهما على الولد الحالف؛ فلا يحنث بالأكل مما دفع لهما سواء كان قليلاً أو كثيراً لأنه ليس له رده؛ لأن الوالدين ليس محجوراً عليهما للولد، فاندفع ما يقال العلة الجارية في إعطاء اليسير للولد الفقير تجرى في إعطاء اليسير للوالدين الفقيرين، ومثل الوالدين ولد الولد في عدم الحنث لعدم وجوب نفقته عليه.
قوله: [وحنث بقوله لها اذهبي] إلخ: هذا هو المشهور. ومقابله لابن كنانة: أنه لا يحنث. ومثل ما ذكره المصنف ما إذا حلف لا كلمتيني حتى تقولي: أحبك فقالت له عفا الله عنك إني أحبك فيحنث بقولها عفا الله عنك لأنه كلام صدر منها قبل قولها أحبك، وأما لو قال شخص في يمينه لا كلمتك حتى تبدأني فقال له المحلوف عليه: لا أبالي بك فلا يعد بداءة
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (عبده)، ولعلها الصواب.
(و) حنث (بالإقالة في) حلف البائع حين طلب منه المشتري أن يحط عنه شيئاً من الثمن (لا ترك [1] من حقه شيئاً) فقال له المشتري: أقلني من هذه السلعة، فأقاله فيحنث البائع. (إن لم تف) السلعة بالثمن الذي وقع به البيع لأنه لم يأخذ جميع حقه، ومفهومه أنها إن كانت تفي بالثمن فلا حنث وهو كذلك.
(و) حنث الزوج (بتركها) أي الزوجة (عالماً) بخروجها بغير إذنه وأولى إن لم يعلم (في) حلفه: (لا خرجت إلا بإذني) لأن مجرد علمه لا يعد إذناً فإن أذن لها في الخروج فالعبرة بعلمها فإن علمت بالإذن لم يحنث وإلا حنث كما تقدم، (و) حنث (بالزيادة) منها (على ما أذن لها فيه) بأن قال لها: أذنت لك في الخروج لبيت أبيك، فزادت على ذلك إذ لم يأذن لها إلا في شيء خاص لا في الزيادة عليه، وسواء علم بالزيادة أم لم يعلم، وقيل: لا يحنث مطلقاً لأن الإذن قد حصل ولا دخل للزيادة في الحنث ولا في عدمه. (بخلاف) حلفه (لا يأذن لها إلا في كذا، فأذن) لها (فيه فزادت) عليه (بلا علم) منه فلا يحنث، فإن علم بزيادتها حال الزيادة حنث؛ لأن علمه بها حالها إذن منه بها، وهو لم يأذن لها إلا في شيء خاص.
(و) حنث بائع (بالبيع للوكيل): أي لوكيل المحلوف عليه (في) حلفه: (لا بعت منه): أي من زيد (أو له) سلعة أو الشيء الفلاني، فوكل زيد وكيلاً ليشتري له فباعه الحالف سلعة فيحنث. (وإن قال) البائع:(أنا حلفت) أن لا أبيع لزيد وأخاف أن تشتري له فتوقعني في الحنث، (فقال) له الوكيل: لا بل (هو لي، فتبين أنه): أي الشراء (للموكل) ولا ينفعه ذلك (ولزم البيع) ولا كلام للحالف اللهم (إلا أن يقول) الحالف للوكيل: (إن اشتريت له) أي لزيد (فلا بيع بيننا) فلا يلزم البيع ولا يحنث إن تبين أنه للموكل. قاله التونسي واللخمي؛ لكن مذهب المدونة، ورد به ابن ناجي عليهما: أنه يلزم ويحنث
ــ
للاحتياط في جانب البر.
قوله: [وحنث بالإقالة] أي بناء على أن الإقالة بيع، وأما على أنها حل للمبيع فلا حنث مطلقاً ولو كانت القيمة حين الإقالة أقل من الثمن الذي حصل به البيع، لأن بساط يمينه إن ثبت في حق فلا أترك منه شيئاً وحيث انحل البيع فلا حق للبائع عند المشتري.
قوله: [فلا حنث]: وكذلك لو التزم له النقص (قوله كما تقدم)، وإنما كررها ليرتب عليها قوله وحنث بالزيادة إلخ.
قوله: [وقيل لا يحنث مطلقاً]: أي علم بالزيادة أو لم يعلم بها واعلم أن محل الخلاف إذا خرجت ابتداء لما أذن لها فيه، وأما لو ذهبت لغير ما أذن لها فيه ابتداء ثم ذهبت لما أذن لها فيه بعد ذلك فإنه يحنث اتفاقاً سلم بالزيادة أم لا.
قوله: [إذن منه]: أي احتياطاً في جانب الحنث، وهذا بخلاف ما لو حلف لا تخرجي إلا بإذني فخرجت بحضوره ولم يأذن لها فلا يعد علمه وحضوره إذناً للاحتياط في جانب البر، فاحتيط في كل بما يناسبه.
قوله: [بالبيع للوكيل]: أي حيث علم أنه وكيل للمحلوف عليه، وإن لم يكن من ناحيته أو كان من ناحيته ولم يعلم أنه وكيله.
قوله: [فتبين] أي بالبينة احترازاً مما لو قال الوكيل: اشتريت لنفسي ثم بعد الشراء قال: اشتريته لفلان المحلوف عليه فينبغي أن لا يحنث الحالف بذلك لكون الوكيل غير مصدق فيما يدعيه كذا في الخرشي (وعب) ومثله ما إذا حلف على زوجته بالطلاق أنها لا تدخل حماماً مثلاً فقالت له بعد ذلك دخلته ولم يثبت بالبينة فلا تصدق ولا يحنث.
قوله: [لكن مذهب المدونة] إلخ: وهو الموافق لقولها أيضاً في البيع الفاسد.
وإن قال البائع إن لم تأت بالثمن إلى أجل كذا فلا بيع بيني وبينك كان البيع ماضياً والشرط باطلاً.
خاتمة: من يحلف لا أكلمه سنين أو شهوراً أو أياماً حمل على أقل الجمع وهو ثلاثة، وأما لو أتى بـ "أل" فالأبد حملاً لـ "أل" على الاستغراق احتياطاً، ومن قال: لا هجرته حمل على الهجر الشرعي وهو ثلاثة أيام على الراجح، وقيل: على العرفي وهو شهر ولزمه في الحين سنة عرف أو نكر، وهل مثله الزماني محل نظر، وفي القرن مائة سنة على المشهور وفي عصر ودهر: سنة، وإن عرف فالأبد، ومن حلف لأتزوجن فلا يبر إلا بعقد صحيح أو فاسد فات بالدخول على من تشبه نساءه، فإن قصد كيد زوجته فلا بد أن تشبهها. ومن حلف لا أتكفل مالاً حنث بضمان الوجه إلا أن يشترط عدم الغرم، وكذا يحنث بالوجه من حلف على ضمان الطلب، ويحنث بضمان المال في حلفه على أي وجه من أوجه الكفالة، ويحنث بضمانه لوكيل المحلوف عليه إن علم الوكالة، أو كان كصديقه وهل يشترط علم الحالف بكالصداقة؟ قولان ومن حلف ليكتمن فأخبر شخصاً أسره به حنث بقوله لمخبر ما ظننت غيري عرفه أو ما ظننته قاله لغيري. ومن حلف بالطلاق ليطأن زوجته الليلة فوطئها حائضاً أو صائماً أو محرمة فهل يبر بذلك حملاً للفظ على مدلوله اللغوي أو لا يبر حملاً له على مدلوله الشرعي؟ والمعدوم شرعاً كالمعدوم حساً قولان، ومن حلف على زوجته لتأكلن قطعة لحم فخطفتها هرة عند مناولته إياها وابتلعتها فشق جوفها عاجلاً وأخرجت قبل أن يتحلل في جوفها منها شيء وأكلتها المرأة فهل يبر بذلك أو لا؟ قولان، ومثل خطف الهرة: لو تركتها المرأة حتى فسدت ثم أكلتها. اهـ خليل وشراحه.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (أترك)، ولعلها الصواب.
فصل في بيان النذر وأحكامه
(النذر التزام مسلم) لا كافر (مكلف) لا صغير ومجنون ومكره (قربة) مقصوداً بها التقرب بلا تعليق نحو: لله علي عتق عبد أو صوم يوم أو شهر، بل (ولو بالتعليق) على معصية (أو غضبان) فأولى على غير معصية، وغير غضبان.
والفرق بينه وبين اليمين ذات التعليق: أن النذر يقصد به التقرب واليمين يقصد به الامتناع من المعلق عليه أو الحث على فعله أو تحقق وقوعه على ما تقدم، بخلاف النذر. ولذا يصح في اليمين إن تقدم قسماً بالله؛ فتقول في البر: والله لا أدخل الدار وإن دخلتها يلزمني كذا، والمقصود الامتناع من دخولها، وتقول في الحنث: والله لأدخلن الدار وإن لم أدخل يلزمني كذا، والمقصود طلب الدخول، وتقول في بيان تحقق الشيء: والله لقد قام زيد وإن لم يكن قام يلزمني كذا، بخلاف قولك: إن شفى الله مريضي فعلي كذا، فإنه لا يصلح لتقديم يمين إلا على وجه التبرك أو توكيد الكلام فتأمل.
ومثل لما قبل المبالغة وهو ما لا تعليق فيه بقوله: (كـ لله علي) ضحية أو صوم يوم (أو علي ضحية) أو صوم يوم بحذف "لله"، والقصد الإنشاء لا الإخبار. ومثل لما بعد لو وهو التعليق بقوله:(أو: إن حججت) فعلي صوم شهر أو شهر كذا وحصل الحج المعلق عليه طاعة، (أو): إن (شفى الله مريضي) فعلي صوم شهر، المعلق عليه فعلي لله، (أو) إن (جاءني زيد) فعلي الصوم شهر المعلق عليه فعل العبد المرغوب فيه، (أو) إن (قتلته فعلي صوم شهر أو شهر كذا فحصل) المعلق عليه فيلزمه المعلق، والمعلق عليه في هذا معصية يرغب في حصولها، فإن كان مقصوده الامتناع منه فيمين لا نذر كما علمت. وما صدر من الغضبان جعله الشيخ من النذر وجعله غيره من اليمين وهو الأظهر.
ــ
فصل في بيان النذر وأحكامه
النذر يجمع على نذور وعلى نذر بضمتين يقال: نذرت أنذر بفتح الذال في الماضي وكسرها وضمها في المضارع، ومعناه لغة: الالتزام، واصطلاحاً: هو ما ذكره المصنف بقول التزام مسلم إلخ. وأركانه ثلاثة: الشخص الملتزم وأفاده بقوله: التزام مسلم مكلف، والشيء الملتزم وأفاده بقوله: قربة، والصيغة وأفادها بقوله: كلله علي أو علي ضحية إلخ.
قوله: [لا كافر]: أي يلزمه الوفاء به ولو أسلم به لكن يندب بعد الإسلام.
قوله: [لا صغير] ولكن: يندب الوفاء بعد البلوغ وشمل المكلف الرقيق فيلزمه الوفاء مما أنذره مالاً أو غيره إن عتق.
وحاصل ما لابن عرفة في الرقيق: أنه إذا نذر ما يتعلق بجسده من صلاة أو صوم، فإن لم يضر بالسيد لم يمنعه من تعجيله، وإن أضر به فله المنع ويبقى في ذمته، وإن نذر مالاً كان للسيد منعه الوفاء به ما دام رقيقاً، فإن عتق وجب عليه الوفاء بما نذر، فإن رده السيد وأبطله لم يلزمه كما في كتاب العتق من المدونة خلافاً لما في كتاب الاعتكاف منها. اهـ من حاشية الأصل. وشمل المكلف أيضاً السفيه فيلزمه غير المال، وأما المال فللولي إبطاله لأن رد فعل السفيه إبطال كالسيد في عبده. وشمل أيضاً الزوجة والمريض فيجب عليهما الوفاء بما نذراه إذا كان غير مال أو مالاً ولم يزد على الثلث، فإن زاد كان للزوج رد الجميع وللوارث رد ما زاد، واختلف في رد الزوج فقيل: رد إبطال، وقيل رد إيقاف، وأما رد الوارث فهو رد إيقاف كالغريم، ورد القاضي بمنزلة من ناب عنه وجمع بعضهم هذا المعنى في بيتين فقال:
أبطل صنيع العبد والسفيه
…
برد مولاه ومن يليه
وأوقفن فعل الغريم واختلف
…
في الزوج والقاضي كمبدل عرف
وسيأتي بيان ذلك في آخر الكتاب مفصلاً إن شاء الله تعالى.
قوله: [بل ولو بالتعليق على معصية] أي فالمدار على أن المعلق عليه قربة كان المعلق عليه قربة أم لا.
قوله: [أو غضبان] ومنه نذر اللجاج؛ وهو أن يقصد منع نفسه من شيء ومعاقبتها نحو: لله علي كذا إن كلمت زيداً وهذا من أقسام اليمين عند ابن عرفة، وعلى كل حال يلزمه ما التزمه، فالحلف لفظي خلافاً لليث وجماعة القائلين إن فيه وفي اللجاج كفارة يمين، وقد أفتى ابن القاسم ولده عبد الصمد بهذا القول وكان حلف بالمشي إلى مكة، فحنث وقال له: إني أفتيتك بقول الليث، فإن عدت لم أفتك إلا بقول مالك.
قوله: [والفرق بينه] إلخ: هذا الفرق الذي قاله الشارح يؤيد أن نذر اللجاج والغضب من اليمين، وقد تقدم له عده من أقسام اليمين فمبالغته عليه هنا، وإدخاله في النذر تكلف وتناقض لاختياره أولا طريقة ابن عرفة، وهنا طريقة غيره، فتدبر، وسيأتي له الاستدراك على ذلك.
قوله: [ك: لله علي ضحية]: أتى بكاف التمثيل إشارة إلى عدم انحصار الصيغة، بل يلزم بكل لفظ فيه التزام مندوب، ومثل بقوله [ضحية] رداً على من يقول: إن الضحية لا تجب بالنذر، قال (بن): الحق أن الضحية تجب بالنذر في الشاة المعينة وغيرها، لكن معنى وجوبها بالنذر في المعينة منع البيع والبدل فيها بعده لا أن الوجوب باعتبار العيب الطارئ بعد النذر؛ لأنه يمنع الإجزاء فيها، وقولهم: إنها لا تجب بالنذر المنفي وجوب تعيين يؤدي إلى إلغاء العيب الطارئ انتهى وقد تقدم ذلك في باب الضحية مبيناً.
قوله: [أو صوم يوم] ومثله من نذر صوم بعض
(وندب) النذر (المطلق) وهو ما لم يعلق على شيء ولم يكرر؛ لأنه من فعل الخير، وسواء قال: لله علي أو: علي كذا، تلفظ بنذر فيهما أو لا.
(وكره المكرر) كنذر صوم كل خميس لما فيه من الثقل على النفس، فيكون إلى غير الطاعة أقرب.
(و) كره (المعلق على غير معصية) نحو إن شفى الله مريضي أو قدم زيد من سفره فعلي صدقة كذا لأنه كالمجازاة والمعاوضة [1] لا القربة المحضة، وظاهره ولو كان المعلق عليه طاعة نحو: إن حججت فلله علي كذا وهو ظاهر التعليل أيضاً لأنه في قوة إن أقدرني الله على الحج لأجازينه بكذا، ولا شك في كراهة ذلك ولا عبرة بمخالفة المخالف.
(وإلا) بأن علق القربة على معصية (حرم) ووجب تركها، (فإن فعلها أثم ولزم ما سماه) من القربة في المعلق وغيره نحو: إن شفى الله مريضي فعلي صدقة مائة دينار أو عشرين بدنة أو نصف مالي، (ولو) كان المسمى (معيناً) كحائطي الفلاني وعبدي فلان وهذه الفرس (أتى على جميع ماله، كصوم أو صلاة) نذر فعلهما (بثغر) من الإسلام كإسكندرية، فإنه يلزمه الذهاب إليه والأولى نذر الرباط، بخلاف غير الثغر فلا يلزمه الذهاب إليه لما ذكر، بل يفعله في محله.
(و) إن نذر شيئاً ولم يقدر عليه (سقط ما عجز عنه) وأتى بمقدوره، (إلا البدنة): وهي الواحدة من الإبل ذكراً أو أنثى، فتاؤها للوحدة لا للتأنيث إذا نذرها وعجز عنها، (فبقرة) تلزمه بدلها، (ثم) إن عجز عن البقرة [2] لزمه (سبع شياه) بدل البقرة كل شاة تجزئ تضحية.
(و) لزمه (ثلث ماله) الموجود (حين النذر) أو اليمين لا ما زاد بعده (إلا أن ينقص)
ــ
يوم، قال في الشامل: إن من نذر صوم بعض يوم لزمه يوم. قال في المجموع: وكأنه لعلم كل أحد بأن الصوم إنما يصح يوماً، فكأن هذا متلاعب فشدد عليه، قالوا: ولو نذر ركعة لزمه ركعتان، أو صدقة فأقل ما يتصدق به، وسبق في الاعتكاف ولزم يوم إن نذر ليلة لا بعض يوم، وإطعام مسكين وأطلق، فإن عليه شرعا مداً أو بدله ا. هـ.
قوله: [وندب النذر المطلق]: أي ندب القدوم عليه.
قوله: [لأنه من فعل الخير]: فيه إشارة لقول تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} [الحج: 77] وهو تعليل لقوله: (وندب المطلق).
قوله: [وكره المعلق]: أي على ما للباجي وابن شاس، وقال ابن رشد، بالإباحة وفي (ح) عن ابن عرفة ظاهر الروايات عدم إجزاء المعلق على شيء بعد حصول بعضه وقبل تمامه، فليس كاليمين يحصل الحنث فيها بالبعض، كما إذا قال: إن رزقت ثلاثة دنانير فعلي صوم ثلاثة أيام، فرزق دينارين فصام الثلاثة. وفي سماع ابن أبي زيد لابن القاسم الإجزاء إن بقي يسير جدّاً ويقوم من سماع ابن القاسم في كتاب الصدقة اللزوم بحسب ما حصل فالأقوال ثلاثة. اهـ. من المجموع.
تنبيه: يلزم الناذر ما التزمه ولا ينفع فيه إنشاء ولا تعليق كما قال خليل. ولو قال: إلا أن يبدو لي أو أرى خيراً منه، ما لم يرجع قوله إلا أن يبدو لي " للمعلق عليه فقط، كما يأتي في الطلاق لا للمعلق ولا لهما أو أطلق. ولو قال: أنت طالق إن شئت بضم التاء نفعه لأن التعليق معهود في الطلاق كثيراً بخلاف النذر. وقاس القاضي إسماعيل النذر عليه وهو خلاف المشهور، وأما لو علق على مشيئة فلان فالعبرة بمشيئة المعلق عليه في النذر والطلاق.
قوله: [لأنه كالمجازاة] إلخ: أي فلم يجعله خالصاً لوجه الله الكريم.
وأما لو نذر شيئاً على نعمة حصلت بالفعل كما إذا شفى الله مريضه بالفعل فنذر صوم شهر فلا بأس بذلك، لأنه من شكر النعمة التي حصلت، وشكر النعمة مأمور به وللمذموم التعليق على أمر مترقب.
قوله: [ولا عبرة بمخالفة المخالف]: أي الذي هو ابن رشد.
قوله: [ولزم ما سماه] إلخ: كلام مستأنف راجع لجميع ما تقدم. قوله: [أتى على جميع ماله] أي على المشهور خلافاً لما روي عن مالك، من أنه إذا سمى معيناً وأتى على جميع ماله لا يلزمه إلا ثلث ماله. ولما حكاه اللخمي عن سحنون من أنه لا يلزمه إلا ما لا يجحف به.
قوله: [أو صلاة]: أي يمكن معها الرباط.
قوله: [فإنه يلزمه الذهاب إليه]: أي وإن كان الناذر قاطناً بمكة أو المدينة ويأتي ولو راكباً ولا يلزمه المشي.
قوله: [بخلاف غير الثغر] أي وغير المساجد الثلاثة، وإلا فالمساجد الثلاثة يلزم لها كل ما نذره من صوم أو صلاة أو اعتكاف.
والحاصل: أنه إذا نذر الرباط أو الصوم بثغر لزمه، وكذا إذا نذر صلاة يمكن معها الحراسة. وإن نذر صلاة فقط ثم يعود من غير رباط فلا يلزمه إتيانه، بل يصلي بموضعه ولذلك لو نذر بالثغور اعتكافاً لا يلزمه لأن الاعتكاف ينافي الرباط، بخلاف المساجد الثلاثة فيلزمه الإتيان لها سواء نذر صوماً أو صلاة أو اعتكافاً كما يأتي.
قوله: [لزمه سبع شياه]: فإن عجز عن الغنم فلا يلزمه شيء لا صيام ولا غيره، بل يصير لوجود الأصل أو بدله أو بدل بدله، فلو قدر على دون السبعة من الغنم فلا يلزمه إخراج شيء من ذلك، وقال بعضهم: يلزمه ثم يكمل متى أيسر، قال الخرشي: وهو ظاهر لأنه ليس عليه أن يأتي بها كلها في وقت واحد. ومفهوم قول المصنف: (بدنة) لو نذر بقرة ثم عجز عنها هل يلزمه سبع شياه كما هنا؟ وهو الظاهر، أو يجزئه دون ذلك؟ لأن البقرة التي تقوم مقامها الشياه السبع هي التي وقعت عوضاً عن البدنة، بخلاف ما إذا وقع النذر على البقرة كذا
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (والمعارضة).
[2]
في ط المعارف: (البقر).
الموجود حين النذر (فما بقي) يلزمه ثلثه (بمالي) أي بقوله في نذر أو يمين: مالي أو كل مالي أو جميعه (في سبيل الله) أو للفقراء أو المساكين أو طلبة العلم. (و) سبيل الله (هو الجهاد) يشتري منه خيلاً وسلاحاً ويعطى منه للمجاهدين (والرباط) في الثغور فلا يعطى منه لغير [1] مرابط ومجاهد من الفقراء (و) لو حمل إليهم (أنفق عليه): أي على الثلث المحول للمجاهدين والمرابطين (من غيره) من ماله الخاص لا منه، (بخلاف ثلثه) أي بخلاف قوله: ثلث مالي أو ربعه أو نصفه (في سبيل الله، فمنه) أجرة حمله.
(فإن قال) في نذر أو يمين: مالي أو كل مالي (لزيد) أو لجماعة مخصوصة كخدمة مسجد (فالجميع) أي جميع ماله يلزمه حين اليمين، فإن نقص فالباقي.
(و) لزم (مشي لمسجد مكة) إن نذره أو حنث في يمينه، هذا إذا نذر المشي له لحج أو عمرة، بل (ولو) نذره (لصلاة) فيه فرضاً أو نفلاً (كمكة): تشبيه في لزوم المشي، أي أن من نذر المشي إلى مكة أو حنث [2] به فحنث، (أو) إلى (البيت) أو نذر (أو) حلف بالمشي إلى (جزئه) أي البيت: أي المتصل به كالركن والحجر والحطيم والشاذروان، فإنه يلزمه المشي (كغيره) أي كما يلزمه المشي إذا سمى غير جزئه كزمزم وقبة الشراب والمقام والصفا والمروة (إن نوى نسكاً) حجاً أو عمرة، فإن لم ينوه لم يلزمه شيء.
وإذا لزمه المشي في جميع ما تقدم مشى (من حيث نوى) المشي منه من بركة الحج أو العقبة أو غير ذلك، (وإلا) ينو محلاً مخصوصاً، (فمن) المكان (المعتاد) لمشي الحالفين بالمشي (وإلا) يكن مكاناً معتاداً للحالفين (فمن حيث حلف أو نذر وأجزأ) المشي (من مثله في المسافة، وجاز) له (ركوب بمنهل) أي محل النزول كان به ماء أو لا، (و) ركوب (لحاجة) ولو في غير المنهل كأن يرجع لشيء نسيه أو احتاج إليه (كبحر)، أي كما يجوز له ركوب في الطريق لبحر (اعتيد) ركوبه (للحالفين، أو اضطر إليه) أي إلى ركوبه، ويستمر ماشياً
ــ
في الحاشية.
قوله: [الموجود حين النذر]: أي من عين وعدد دين حال وقيمة مؤجل مرجوين وقيمة عرض وكتابة مكاتب.
قوله: [إلا أن ينقص الموجود]: أي ولو كان النقص بإنفاق أو تلف بتفريطه.
قوله: [بمالي] إلخ: لم يتكلم المصنف على جواز القدوم على ذلك وفيه خلاف، فقيل: يجوز، وهو رواية محمد، وقيل: لا يجوز، لقول العتبية: من تصدق بكل ماله ولم يبق ما يكفيه ردت صدقته. واعترض ابن عرفة القول الثاني، وقال ابن عمر: المشهور أن ذلك جائز وإن لم يبق لنفسه شيئا.
قوله: [فلا يعطي منه لغير مرابط]: أي من كل من فقدت منه شروط الجهاد كمقعد وأعمى وامرأة وصبي وأقطع كما يؤخذ من الحاشية.
قوله: [فمنه أجرة حمله] أي من ذلك الثلث أجرة حمله التي توصله للمجاهدين والمرابطين.
قوله: [أي جميع ماله يلزمه]: أي ويترك له ما يترك للمفلس.
تنبيه: قال في الأصل: وكرر ناذر الصدقة بجميع ماله أو ثلثه أو الحالف بذلك إخراج الثلث لكل يمين فيخرج الثلث لليمين الأولى، ثم ثلث الباقي وهكذا إن أخرج الثلث الأول لليمين الأولى بعد لزومه وقبل إنشاء الثانية، وشمل اللزوم النذر واليمين. ومعلوم أن النذر يلزم اللفظ واليمين بالحنث فيها، وإلا بأن لم يخرج الأول حتى أنشأ الثاني نذراً أو يميناً فتحت اليمين صورتان: ما إذا أنشأ الثانية قبل الحنث في الأولى أو بعدها، فقولان في الصور الثلاث بالتكرار وعدمه، بأن يكفي ثلث واحد لجميع الأيمان ا. هـ وقال في الأصل أيضاً: ولزم بعث فرس وسلاح نذرهما أو حلف بهما وحنث لمحل الجهاد إن أمكن وصوله، فإن لم يمكن بيع وعوض بثمنه مثله من خيل أو سلاح فإن جعل في سبيل الله ما ليس بفرس ولا سلاح كقوله: عبدي أو ثوبي في سبيل الله، بيع ودفع ثمنه لمن يغزو به ا. هـ.
قوله: [بل ولو نذره لصلاة] رد بالمبالغة على القاضي إسماعيل القائل: إن من نذر المشي إلى المسجد الحرام للصلاة لا للنسك لم يلزمه شيء ويركب إن شاء، وقد اعتمده ابن يونس ولكن اعتمد الأشياخ كلام المصنف.
قوله: [والحجر]: أي الأسود وأما الحجر بسكون الجيم فقيل كالأجزاء المنفصلة لا يلزمه المشي إلا إن نوى نسكاً وقيل كالمتصل.
قوله: [فإنه يلزمه المشي] إلخ: أي ولو كان الناذر قاطناً بها فيلزمه أن يخرج إلى الحل ويأتي بعمرة ماشياً في رجوعه، وإن أحرم من الحرم خرج للحل ولو راكباً ومشى منه.
قوله: [إن نوى نسكاً] إلخ: قيد في الغير. قوله: (فمن المكان المعتاد لمشي الحالفين) أي سواء اعتيد لغيرهم أم لا، وأما المعتاد لغيرهم فقط فلا يمشي منه. قوله:[من مثله في المسافة] أي لا في الصعوبة والسهولة.
قوله: [ركوب بمنهل] أي يركب في حوائجه ثم إذا قضى حاجته يرجع لمكان نزوله ويبتدئ المشي منه.
قوله: [اعتيد ركوبه للحالفين] أي سواء اعتيد لغيرهم معهم أم لا، وأما لو اعتيد لغير الحالفين فلا يركبه، ومثله طريق قربى اعتيدت للحالفين سواء اعتيدت لغيرهم أم لا، قال في الحاشية: وانظر إذا مشى في القربى التي لم تعتد هل يأتي بالمشي مرة أخرى أو ينظر فيما بينهما من التفاوت فيكون بمنزلة ما ركب ويفصل فيه تفصيله والأول هو الأظهر. اهـ.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (غير).
[2]
في ط المعارف: (حلف)، ولعلها الصواب.
(لتمام) طواف (الإفاضة أو) تمام (السعي) إن كان سعيه بعد الإفاضة، (و) لزم (الرجوع) في عام قابل لمن ركب في عام المشي (إن ركب كثيراً بحسب المسافة) طولاً وقصراً وصعوبة وسهولة، (أو) ركب (المناسك) من خروجه من مكة لعرفة ورجوعه منها لمنى ولمكة لطواف الإفاضة، لأن الركوب فيها وإن كان قليلاً في نفسه إلا أنه كثير في المعنى، لأن المناسك هي المقصودة بالذات.
(لنحو المصري) متعلق بقوله: "والرجوع": أي يلزم الرجوع للمصري ونحوه من أهل الآفاق إذا بعض المشي وركب كثيراً، أو ركب المناسك وأولى من هو أقرب منه. وسيأتي حكم القليل أو البعيد جداً، وإذا لزمه الرجوع (فيمشي ما ركب) فيه (إن علمه وإلا) يعلمه، (فالجميع) أي فيجب مشي جميع المسافة (في مثل ما عين أولاً): أي في العام الأول الذي بعض المشي فيه. فإن كان عين مشيه في حج أو عمرة أو قران باللفظ أو النية لزمه أن يرجع في مثل ما عينه، (وإلا) يعين أولاً شيئاً (فله المخالفة) في عام الرجوع، ويمشي في عمرة ولو كان صرف مشيه الأول في حج وعكسه. ومحل لزوم الرجوع لمن ركب كثيراً (إن ظن القدرة) على مشي جميع الطريق (حين خروجه) أول عام ولو في عامين (وإلا) يظن القدرة حين خروجه على مشي الجميع بأن علم بعجز نفسه أو ظنه أو شك فيه (مشى مقدوره فقط)، ولو ميلاً وركب معجوزه وأهدى. وأما من ظن العجز حين يمينه أو شك فيه أو نوى أن لا يمشي إلا مقدوره، فإنه يخرج أول عام ويمشي ما استطاع ويركب ما لا يستطيع ولا رجوع عليه ولا هدي (لا إن قل) الركوب فلا رجوع عليه، وهذا مفهوم إن ركب كثيراً، بل عليه الهدي فقط (أو بعد) الحالف (جداً؛ كأفريقي) فلا رجوع إن ركب كثيراً وعليه الهدي، وهذا قسيم قوله:"لنحو مصري"، (كإن لم يقدر) على المشي أصلاً فلا رجوع عليه.
(و) لزم (هدي في الجميع) أي جميع من ذكر ممن يجب عليه الرجوع، ومن لا يجب عليه فكالمصري إن ركب كثيراً وجب عليه الرجوع ليمشي ما ركبه إن ظن القدرة ووجب عليه هدي،
ــ
قوله: [لتمام طواف الإفاضة] إلخ: أي فحينئذ يركب في رجوعه من مكة إلى منى، وفي رمي الجمار التي بعد يوم النحر وهذا إن قدم الإفاضة، وأما إن أخرها عن أيام الرمي فإنه يمشي في رمي الجمار لكون المشي ينتهي بطواف الإفاضة وهو لم يحصل.
قوله: [ولزم الرجوع] إلخ: أي بشروط خمسة تؤخذ من المصنف: الأول أفاده بقوله إن ركب كثيراً بحسب المسافة أو المناسك. الثاني: أن لا يبعد جدّاً بأن كانت المسافة متوسطة أو قريبة جداً، وأفاده بقوله لنحو المصري، فلو بعد جدّاً كالأفريقي فعليه هدي فقط كما يأتي. الثالث: أن لا يكون العام معيناً وإلا فيلزمه هدي فقط، الرابع: أن يظن القدرة حين خروجه أول عام. الخامس: أن لا يطرأ عليه العجز حين يؤمر بالرجوع وإلا فعليه هدي فقط فتأمل.
قوله: [وسيأتي حكم القليل] إلخ: أي وهو لزوم هدي فقط. قوله: [في مثل ما عين أو لا]: أي والموضوع أن العام غير معين كما علمت من الشروط وإلا فلا يلزمه رجوع، بل عليه هدي في تبعيض المشي.
قوله: [إن ظن القدرة] إلخ: أي وأولى لو جزم بذلك فهاتان صورتان يضربان في خمسة حال اليمين أو النذر، وهي ما إذا اعتقد القدرة أو ظنها أو شكها أو توهمها أو جزم بعدمها.
قوله: [ولو في عامين] أي لا ثلاثة فأكثر فلا رجوع، ويتعين الهدي، وأما إذا رجع يمشي أماكن ركوبه فلا بد من ظن القدرة على مشيه أماكن ركوبه في عام واحد. كذا في الحاشية.
قوله: [بأن علم بعجز نفسه أو ظنه أو شك]: أي فهذه ثلاث صور تضرب في حالتين وهما ما إذا علم القدرة حين اليمين أو ظنها فهذه ست من ضرب ثلاثة في اثنين بمشي مقدوره فقط إلى آخر ما قال الشارح.
قوله: [وأما من ظن العجز حين يمينه] إلخ: أي وأولى لو اعتقده، فهذه ثلاثة مضروبة في ثلاثة أحوال الخروج، وهي ظن العجز أو اعتقاده أو الشك فيه فهذه تسع يمشي أول عام مقدوره ولا رجوع ولا هدي، فجملة صور المسألة خمس وعشرون من ضرب خمسة الخروج في خمسة الحلف؛ العشرة الأولى يرجع فيها لمشي ما ركبه ويهدي، والستة التي بعدها لا رجوع عليه، وإنما يلزمه هدي والتسع الباقية لا رجوع ولا هدي.
قوله: [أو بعد الحالف جدّاً] بقي الكلام في المتوسط بين مصري وأفريقي والحكم: أنه إن قارب المصري يعطى حكمه، وإن قارب الأفريقي يعطى حكمه.
قوله: [كأن لم يقدر على المشي]: أي عند إرادة العود.
تنبيه: من مشى الطريق كلها ولكن فرقها تفريقاً غير معتاد ولو بلا عذر فيجزئه ويهدي ولا يؤمر بالعود كما ذكره ابن عبد السلام نقلاً عن الموازية. واختلف فيمن يمشي عقبة ويركب أخرى: هل في عام عوده يؤمر بمشي الجميع نظراً لما حصل له من الراحة بالركوب المعادل للمشي. فكأنه لم يمش أصلاً، أو يمشي أماكن ركوبه فقط؟ وهو الأوجه، قولان محلهما إذا عرف أماكن ركوبه وإلا مشى الجميع اتفاقاً كذا في الأصل.
وإن لم يظن القدرة على الجميع مشى مقدوره وركب معجوزه وعليه هدي. وإن ركب قليلاً فلا رجوع عليه ولزمه هدي كالبعيد جداً ومن لا قدرة له على المشي أصلاً، (إلا فيمن ركب المناسك أو) ركب (الإفاضة) أي في حال نزوله من منى لطواف الإفاضة، (فمندوب) في حقه الهدي ولا يجب عليه؛ وإن كان الذي ركب المناسك يجب عليه الرجوع، والذي ركب الإفاضة لا يجب عليه رجوع. وشبه في الندب قوله:(كتأخيره): أي كما يندب تأخير الهدي (لرجوعه) أي أن من ركب كثيراً ووجب عليه الرجوع ليمشي ما ركب، يندب له تأخير الهدي لعام رجوعه ليجمع بين الجابر النسكي والمالي [1]، فإن قدمه في العام الأول أجزأه، (ولا يفيده) في سقوط الهدي عنه (مشى الجميع): أي جميع المسافة في عام الرجوع.
(فإن أفسد) من وجب عليه المشي ما أحرم به ابتداء من حج أو عمرة بوطء أو إنزال (أتمه) فاسداً كما تقدم، (ومشى) وجوباً (في قضائه من الميقات) الشرعي كالجحفة فقط، ولا يمشي جميع المسافة ولا يركب من الميقات وإن مشى فيه في عام الفساد، (وإن فاته) الحج الذي أحرم به وقد كان نذر مشياً مطلقاً، أو حنث به أي لم يعين حجاً ولا عمرة ولكنه جعل مشيه في حج ففاته (تحلل) منه (بعمرة)، وقضى في قابل (وركب) المسافة (في قضائه) أي جاز له ذلك لأن نذره قد انقضى وهذا القضاء للفوات، (وعلى الصَّرورة) وجوباً وهو من عليه حجة الإسلام (إن أطلق) في نذره المشي أو في يمينه، وحنث بأن لم يقيد مشيه بحج ولا عمرة (جعله) أي جعل مشيه (في عمرة) لينقضي بها نذره، (ثم يحج من عامه) حجة الإسلام لينقضي فرضه ويكون متمتعاً إن حل من عمرته في أشهر الحج. ومفهوم:"أو [2] أطلق" أنه إن قيد، فإن قيد بعمرة مشى فيها وحج حجة الإسلام من عامه [3] كالمطلق، وإن قيد بحج صرفه فيه وحج للضرورة في قابل، فإن نوى به نذره وحجة الإسلام معاً أجزأ عن نذره فقط، وقيل: لم يجز عن واحد منهما وهما التأويلان في كلامه. وأما المطلق إذا نواهما معاً أجزأ عن نذره فقط اتفاقاً.
(ووجب) على الناذر أو الحانث في يمينه (تعجيل الإحرام) بالحج أو العمرة من الوقت الذي قيد به أو المكان الذي قيد به (في) قوله: (أنا محرم) بصيغة اسم الفاعل، (أو أحرم) بصيغة المضارع (إن قيد) لفظاً أو نية (بوقت) كرجب، (أو مكان) كبركة الحج، ولا يجوز له الصبر للميقات الزماني أو المكاني.
وحاصل القول في ذلك: أن من نذر المشي إلى مكة أو حنث في يمينه أو قال: فعلي الإحرام بحج أو عمرة، فهذا لا يحرم إلا في الميقات الزماني أو المكاني، وأما من قال: لله علي أن أحرم بحج أو عمرة، أو إن كلمت زيداً فإني محرم أو فأنا محرم بحج أو عمرة، أو أحرم في شهر رجب أو من بركة الحج لزمه تعجيل الإحرام في رجب في الأول، ومن بركة الحج في الثاني ومنهما إن قيد بهما معاً
ــ
قوله: [وإن لم يظن القدرة على الجميع] إلخ: أي في الصور الست.
قوله: [أتمه فاسداً]: أي ولو راكباً لأن إتمامه ليس من النذر في شيء وإنما هو لإتمام الحج.
قوله: [ومشى وجوباً في قضائه الميقات] إلخ: أي إن كان أحرم منه عام الفساد: وأما لو كان أحرم في الفاسد قبل الميقات الشرعي مشى في قضائه من المكان الذي أحرم منه لتسلط الفساد على ما بعد الإحرام، وإن كان يؤمر بتأخير الإحرام عام القضاء للميقات الشرعي هكذا قيل، واستظهر بعضهم أن كلاً من الإحرام والمشي يؤخر في عام القضاء لله للميقات، لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حسا، والإحرام قبل الميقات منهي عنه.
قوله: [أي لم يعين حجاً ولا عمرة]: مفهومه لو عين الحج في نذره ماشياً وفاته فإنه يركب في قضائه إلا في المناسك فإنه يمشيها والمراد بالمناسك ما زاد على السعي الواقع بعد طواف القدوم كما يؤخذ من الحاشية.
قوله: [تحلل منه بعمرة]: أي ويمشي لتمام سعيها ليخلص من نذر المشي بذلك؛ لأنه لما فاته الحج وجعله في عمرة فكأنه جعله فيها ابتداء، وقد أدى ما عليه بذلك.
قوله: [أي جاز له ذلك] اختلف هل يلزمه المشي في المناسك أو لا؟ قولان لابن القاسم ومالك.
قوله: [وعلى الصرورة وجوباً]: أي بناء على أن الحج واجب على الفور، وكلام أبي الحسن والجلاب يفيد الاستحباب وهو مبني على القول بالتراخي، ومفهوم الصرورة أن غيره مخير إن شاء جعل مشيه الذي يؤدي به النذر في عمرة وإن شاء جعله في حج.
قوله: [أجزأ عن نذره فقط اتفاقاً]: إنما اتفق على الإجزاء في المطلق واختلف في المقيد مع أن التشريك موجود حال الإطلاق لقوة النذر بالتقييد، فشابه الفرض الأصلي فلذلك قيل فيه بعدم الإجزاء لعدم تخصيصه بالنية.
قوله: [من الوقت الذي قيد به] إلخ: أي يجب عليه أن ينشئ الإحرام، سواء وجد رفقة يسير معهم أم لا، ولا يؤخر للميقات ولا لوجود رفقة لأن القيد قرينة على الفورية.
قوله: [أو حنث في يمينه]: أي بالمشي.
قوله: [أو قال فعلي الإحرام] إلخ: أي في صيغة نذر أو يمين.
قوله: [لا يحرم إلا في الميقات] إلخ: أي ويكره له التعجيل قبل ذلك.
قوله: [لزمه تعجيل الإحرام] إلخ: أي لأن المضارع واسم الفاعل
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (والمثالي).
[2]
في ط المعارف: (إن).
[3]
في ط المعارف: (عليه).
ومفهوم: "قيد"، إلخ أنه لو أطلق فلم يقيد بزمان ولا مكان، فإن كان المنذور أو الذي حنث فيه عمرة كما لو قال: إن كلمت زيداً فأنا محرم بعمرة، أو فأنا أحرم بعمرة، فكلمه، أو قال: لله علي أن أحرم أو أني محرم ولم يقيد بزمان ولا مكان فيجب عليه التعجيل من وقت النذر أو الحنث في أي مكان كان بشرط أن يجد رفقة يسير معهم في ذلك الوقت، وإلا أخر حتى يجد رفقة. وإليه أشار بقوله:(كالعمرة) يجب تعجيل الإحرام بها من وقت الحنث أو النذر في مكانه، (إن أطلق ووجد رفقة)، وإن كان المنذور أو الذي حنث فيه حجاً فلا يعجل الإحرام به من وقته، بل يؤخره لأشهره ثم يحرم من مكانه تعجيلاً إن كان يصل في عامه كالمصري، وإلا ففي الوقت الذي إذا خرج منه وصل في عامه لمكة. وإلى ذلك أشار بقوله:(لا الحج) فلا يعجله وقت النذر أو الحنث إن أطلق وإذا لم يعجله (فلأشهره) أي الحج التي مبدؤها شوال فليعجله أولها في مكان، (إن كان يصل) لمكة من عامه كالمصري (وإلا) يصل بأن كان بعيداً (فالوقت): أي فيحرم من الوقت (الذي) إذا خرج فيه (يصل فيه) لمكة من [1] عامه، (وأخره) أي الإحرام (في) نذر (المشي) أو الحنث به (للميقات) المكاني والزماني كما تقدم صدر الحاصل.
ثم شرع في بيان ما لا يلزم من النذر بقوله:
(ولا يلزم) النذر (بمباح) نحو: لله علي لآكلن هذا الرغيف أو ليطأن زوجته. (أو مكروه): نحو: لله علي، أو: إن كلمت زيداً لأصلين ركعتين بعد فرض العصر أو الصبح، أو لأقرأن في السرية بالجهر أو العكس؛ لأنه إنما يلزم به ما ندب. ونذر الحرام حرام قطعاً وكذا المباح والمكروه على قول الأكثر، وقيل. يكره، وعلى كل حال هو غير لازم والإقدام على الحرام حرام.
(ولا) يلزم النذر (بما لي في الكعبة أو بابها) أو ركنها، (أو) نذر (هدي) بلفظه أو بدنة بلفظها (لغير مكة) كالمدينة وقبره عليه الصلاة والسلام فلا يلزمه شيء ولا ذبحه بمحله؛ لأن سوق الهدي لغير مكة من البدع والضلال لما فيه من تغيير معالم الشريعة المطهرة.
فلو نذر حيواناً بغير تسمية هدي ولا بدنة لنبي أو ولي فلا يبعثه وليذبحه بموضعه. ولو نذر جنس ما لا يهدى كالدراهم والثياب، فإن قصد به الفقراء الملازمين بذلك المحل لزم بعثه وإلا تصدق به في أي مكان شاء.
(أو) نذر (مال فلان) فلا يلزم (إلا أن ينوي: إن ملكته)، فإن نوى ذلك لزمه إذا ملكه لأنه تعليق (كعلي نحر فلان) لم يلزم به شيء، (إن لم يلفظ بالهدي أو ينوه أو يذكر) حال قوله: لله علي نحر فلان (مقام إبراهيم)
ــ
يحتملان الحال والاستقبال فحملا على الحال احتياطاً.
قوله: [فلم يقيد بزمان ولا مكان] أي والموضوع أنه أتي بلفظ المضارع أو اسم الفاعل.
قوله: [في أي مكان]: أي لأن العمرة العام كله وقت لها فلا يتوقف إحرامه إلا على الرفقة الذين يسير معهم.
قوله: [وإلا أخر]: أي لأن بساط يمينه ذلك ودين الله يسر.
قوله: [ثم يحرم من مكانه تعجيلاً]: أي إن كان يمكنه السفر بأن قدر عليه ووجد الرفقة هكذا. ينبغي لأنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
قوله: [وأخره أي الإحرام] إلخ: أي فالأقسام ثلاثة قد علمت من الشارح.
قوله: [وكذا المباح والمكروه على قول الأكثر]: أي لأن فيه تغييراً لمعالم الشريعة.
قوله: [وقيل يكره]: وبقي قول ثالث وهو تبعيته للمنذور حرمة وكراهة وإباحة.
قوله: [ولا يلزمه النذر بمالي] إلخ: أي حيث أراد صرفه في بنائها أو لا نية له وليس عليه كفارة يمين خلافاً لما روي عن مالك من لزوم كفارة يمين، وإنما كان النذر باطلاً لأنه لا قربة فيه لأنها لا تنقض فتبنى كما في المدونة. وأما إن أراد صرفه في كسوتها وطيبها لزمه ثلث ماله للحجبة يصرفونه فيها إن احتاجت، فإن لم تحتج تصدق به على الفقراء حيث شاء. وأما لو قال: كل ما أكتسبه في الكعبة أو في سبيل الله أو للفقراء لم يلزمه شيء للمشقة الحاصلة بتشديده على نفسه، كمن عمم في الطلاق وهذا إذا لم يقيد بزمان أو مكان، وأما إذا قيد بأن قال: إن فعلت كذا فكل ما أكتسبه أو أستفيده في مدة كذا وفي بلد كذا في كسوة الكعبة مثلاً، أو صدقة على الفقراء أو في سبيل الله، وفعل المحلوف عليه، فقولان. قيل: لا يلزمه شيء وهو لابن القاسم وأصبغ، وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم وابن عبد الحكم: أنه يلزمه إخراج جميع ما يكتسبه أو يستفيده في تلك المدة أو هذا البلد وهو الراجح لقول ابن رشد هو القياس، ولقول ابن عرفة إنه الصواب هذا كله إذا كانت الصيغة يميناً، فإن كانت نذراً بأن قال: لله علي التصدق بكل ما أكتسبه أو أستفيده، فإن لم يقيد بزمن أو بلد لزمه ثلث جميع ما يكتسبه بعد، وهذا ما لم يعين المدفوع له، وأما إن عينه كـ لله علي التصدق على فلان بكل ما أكتسبه أو إن فعلت فكل ما أكتسبه لفلان لزمه جميع ما يكتسبه عين زماناً أو مكاناً أو لا، كانت الصيغة نذرا أو يميناً. اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [من البدع والضلال]: هذا هو المشهور، ومذهب المدونة لقولها سوق الهدايا لغير مكة ضلال ومقابله لمالك في الموازية وبه قال أشهب، جواز ذلك لأن إطعام المساكين بأي بلد طاعة ومن نذر أن يطيع الله فليطعه.
قوله: [فلا يبعثه وليذبحه بموضعه]: وأما نحو الشمع للأولياء فلا يلزم إلا أن يقصد به الاستصباح لمن يعبد الله بها، ولا يلزم نذر كسوة القبور وهو من البدع
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
قوله: (لمكة من) في ط المعارف: (من لمكة)، ولعلها الصواب.