المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في بيان حقيقة الذكاة وأنواعها وشروطها - حاشية الصاوي على الشرح الصغير ط الحلبي - جـ ١

[أحمد الصاوي]

الفصل: ‌باب في بيان حقيقة الذكاة وأنواعها وشروطها

لما كان عليه الجاهلية.

(و) جاز (تلطيخه) أي المولود (بخلوق) أي طيب بدلاً عن الدم الذي كانت تفعله الجاهلية.

(والختان) للذكر (سنة مؤكدة)، وقال الشافعي: واجب.

(والخفاض في الأنثى مندوب كعدم النهك) لقوله صلى الله عليه وسلم لمن تخفض الإناث: «اخفضي ولا تنهكي» أي لا تجوري في قطع اللحمة الناتئة بين الشفرين فوق الفرج، فإنه يضعف بريق الوجه ولذة الجماع، والله أعلم. ولما تقدم ذكر الهدايا والضحايا والعقيقة وكان يتوصل لحل أكلها بالذكاة شرع في بيانها فقال:

‌باب في بيان حقيقة الذكاة وأنواعها وشروطها

ومن تصح منه ومن لا تصح منه، وما يتعلق بذلك

(الذكاة) مبتدأ وقوله: "أنواع" خبره اعترض بينهما ببيان حقيقتها بقوله: (وهي السبب الموصل لحل أكل الحيوان) البري؛ إذ البحري لا يحتاج لها كما يأتي (اختياراً) أي في حال الاختيار ضد الاضطرار (أنواع) أربعة:

الأول (ذبح) في البقر والغنم والطيور والوحوش المقدور عليها ما عدا الزرافة.

(وهو): أي الذبح أي حقيقته: (قطع مميز) من إضافة المصدر لفاعله، خرج غير المميز لصغر أو جنون أو إغماء أو سكر، فلا يصح ذبحه لعدم القصد الذي هو شرط في صحتها (مسلم أو) كافر (كتابي) خرج الكافر غير الكتابي كالمجوسي والمشرك والدهري والمرتد، فلا تصح ذكاتهم، وشمل الكتابي النصراني واليهودي، فتصح منهم بالشروط الآتية:

(جميع الحلقوم): وهو القصبة التي يجري فيها النفس بفتح الفاء فلا يكفي بعضه ولا المغلصمة.

ــ

في سابع المولود ندباُ يفعل

عقيقة وحلق رأس أول

ووزنه نقداُ تصدقن به

وسمه وإن يمت من قبله

إن عنه قد عق وإلا سمي

في أي يوم شاءه المسمي

وكل ذا في سابع والختن في

زمان الأمر بالصلاة فاعرف

قوله: [لمن تخفض الإناث]: أي وهي أم عطية فإنه قال لها: «اخفضي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج» أي لا تبالغي، وأسرى أي أشرف للونه، وأحظى أي ألذ عند الجماع، لأن الجلدة تشتد مع الذكر عند كمالها فتقوى الشهوة لذلك، قال الخرشي: ويستحب أن يسبق إلى جوف المولود الحلاوة كما فعل عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن طلحة.

تتمة: إن بلغ الشخص قبل الختان وخاف على نفسه من الختان فهل يتركه أو لا؟ قولان أظهرهما الترك، لأن بعض الواجبات يسقط بخوف الهلاك، فالسنة أحرى ولا يجوز للبالغ أن يكشف عورته لغيره لأجل الختان، بل إن لم يمكنه الفعل بنفسه سقطت السنة، وسقوطها عن الأنثى أولى بذلك، فإن ولد مختوناً فقيل يمر الموسى، فإن بقي ما يقطع قطع، وقيل قد كفى المؤنة واستظهر كذا في الحاشية.

باب في بيان حقيقة الذكاة وأنواعها [1]

هي لغة التمام، يقال ذكيت الذبيحة إذا أتممت ذبحها، والنار إذا أتممت إيقادها، ورجل ذكي تام الفهم، وشرعاً: هو حقيقتها التي قالها المصنف.

قوله: [وأنواعها]: سيأتي أنها أربعة.

قوله: [وشروطها]: أي السبعة التي سيذكرها المصنف من قوله: (مميز) إلى قوله: (بنية).

قوله: [ومن تصح منه]: وهو من استوفى الشروط.

وقوله: [ومن لا تصح منه]: أي وهو من اختل منه الشروط أو بعضها.

قوله: [الذكاة مبتدأ] أراد بها الجنس فلذلك أخبر عنها بقوله: (أنواع).

قوله: [وهي السبب]: أي الشرعي لا العادي ولا العقلي، لأنه أمر تعبدنا به الشارع، وإن لم نعقل له معنى.

قوله: [البري]: أي وإن لم يكن له نفس سائلة كالجراد فإنه يفتقر في حل أكله لها كما يأتي.

قوله: [أي في حال الاختيار]: أشار به إلى أن اختياراً منصوب على الحال من الأكل يحترز به عن حالة الاضطرار، فلا يتوقف الحل على ذلك السبب.

قوله: [في البقر]: مراده ما يشمل الجاموس، فالأصل فيها الذبح، ويجوز فيها النحر بكره ولو وحشية، وأما الغنم والطيور والوحوش غير البقر فيتعين فيها الذبح.

قوله: [المقدور عليها]: يحترز عن غير المقدور عليها فيكفي فيها العقر وهو أحد الأنواع الأربعة.

قوله: [ما عدا الزرافة]: أي والفيل فإنهما ينحران كالإبل.

قوله: [الذي هو شرط في صحتها]: أي وهو قصد الذكاة الشرعية وإن لم يقصد حلها، وهذا هو النية الآتية.

قوله: [مسلم أو كافر كتابي]: هو معنى قول خليل: " يناكح " كما حل به شراحه، وعبارة المصنف أوضح من عبارة خليل.

قوله: [بالشروط الآتية]: أي وهي قوله أن يذبح ما يحل له بشرعنا إلخ، وظاهر كلامه أنها تصح من الكتابي بالشروط الآتية، وإن كان أصله مجوسياً وتهود، أو يهودياً بدل وغير كالسامرية فرقة من اليهود،

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

قوله: (في بيان حقيقة الذكاة وأنواعها) ليس في ط المعارف.

ص: 312

كما يأتي.

(و) جميع (الودجين) وهما عرقان في صفحتي العنق يتصل بهما أكثر عروق البدن، ويتصلان بالدماغ فهما من المقاتل، فلو قطع أحدهما وأبقي الآخر أو بعضه لم تؤكل. ولا يشترط قطع المريء المسمى بالبلعوم وهو عرق أحمر تحت الحلقوم متصل بالفم ورأس المعدة يجري فيه الطعام إليها، واشترطه الشافعي. (من المقدم): متعلق بقطع؛ فلا يجزئ القطع من القفا، لأنه ينقطع به النخاع المتصل بالرقبة وسلسلة الظهر قبل الوصول إلى الحلقوم والودجين، فتكون ميتة. وأما لو ابتدأ من صفحة العنق ومال بالسكين إلى الصفحة الثانية فتؤكل إذا لم ينخعها ابتداء. فإذا لم تساعده السكين على قطع الحلقوم والودجين فقلبها وأدخلها تحت الأوداج والحلقوم وقطعها، فقال سحنون وغيره: لم تؤكل كما يقع كثيراً في ذبح الطيور من الجهلة.

(بمحدد): متعلق بـ "قطع"، وسواء كان المحدد من حديد أو من غيره كزجاج وحجر له حد وبوص؛ احترازاً من الدق بحجر ونحوه، أو النهش أو القطع باليد فلا يكفي.

(بلا رفع) للآلة (قبل التمام)، أي تمام الذبح (بنية) الباء للمصاحبة: أي قطع مصاحب لنية وقصد لإحلالها؛ احترازاً عما لو قصد مجرد موتها، أو قصد ضربها فأصاب محل الذبح، أو كان القاطع للمحل غير مميز فلا تؤكل، فإن رفع يده قبل التمام وطال عرفاً ثم عاد وتمم الذبح لم تؤكل إن كان أنفذ بعض مقاتلها، بأن قطع ودجاً أو بعض الودجين.

(ولا يضر يسير فصل)، أي كما لو رفع يده لعدم حد السكين وأخذ غيرها أو سنها ولم يطل الفصل، (ولو رفعها اختياراً): والحاصل أنه إن طال الفصل ضر مطلقاً رفع اختياراً أو اضطراراً وإن لم يطل لم يضر مطلقاً. والطول معتبر بالعرف؛ وهذا إذا أنفذ بعض مقاتلها، وإلا فلا يضر مطلقاً في الأربع صور، لأن الثانية حينئذ ذكاة مستقلة، لكن تحتاج إلى نية وتسمية إن طال، لا إن لم يطل وقطع الحلقوم ليس من المقاتل.

وإذا علمت أنه لا بد من قطع جميع الحلقوم (فلا تجزئ مغلصمة): وهي ما انحازت الجوزة فيها لجهة البدن، لأن القطع حينئذ صار فوق الحلقوم؛ فالشرط أن يبقي الجوزة أو بعضها

ــ

ولا الصابئين وإن كان أصلهم نصارى، لكن لعظم مخالفتهم للنصارى ألحقوا بالمجوس، كذا قال أهل المذهب.

قوله: [كما يأتي] راجع لقطع بعض الحلقوم والمغلصمة.

قوله: [وأبقى الآخر أو بعضه لم تؤكل] أي باتفاق.

قوله: [ولا يشترط قطع المريء] بوزن أمير.

قوله: [واشترطه الشافعي] فيجب على المالكي إن باع الذبيحة التي لم يقطع فيها المريء لشافعي البيان وكذا لو ضيفه عليها.

قوله: [فلا يجزئ القطع من القفا] أي سواء كان القطع في ضوء أو ظلام، قال في التوضيح: لو ذبح من القفا في ظلام وظن أنه أصاب وجه الذبح، ثم تبين له خلاف ذلك لم تؤكل.

قوله: [لأنه يقطع به النخاع] هو مخ أبيض في فقار العنق والظهر.

قوله: [فإذا لم تساعده السكين] لا مفهوم له، بل لو فعل ذلك ابتداء مع كون السكين حادة لم تؤكل على المعتمد لمخالفة سنة الذبح.

قوله: [أو من غيره]: أي ما عدا السن والعظم وسيأتي فيهما الخلاف.

قوله: [وقصد لإحلالها] ظاهره أنه تفسير للنية وقد تبع في ذلك الخرشي وهو خلاف المعتمد، بل المعتمد أن معناها قصد التذكية الشرعية، ولا يشترط أن ينوي تحليلها بذلك؛ لأنه حاصل وإن لم ينوه وذكره للمحترزات يفيد المعتمد، وسيأتي يصرح بذلك المعتمد.

قوله: [والطول معتبر بالعرف] أي ولا يحد بثلثمائة باع كما قال بعضهم -أخذاً من فتوى ابن قداح- في ثور أضجعه الجزار وجرحه فقام هارباً والجزار وراءه، ثم أضجعه ثانياً وكمل ذبحه فأفتى ابن قداح بأكله، وكانت مسافة الهروب ثلثمائة باع؛ لأنه قال في الأصل: هذا التحديد لا يوافقه عقل ولا نقل، على أن فتوى ابن قداح لا دلالة فيها على التحديد بمسافة القرب لاحتمال أن الذبيحة لم تكن منفوذة المقاتل، وسيأتي أنها تؤكل مطلقاً عاد عن قرب أو بعد. تأمل.

قوله: [وإلا فلا يضر مطلقاً في الأربع صور] ظاهر الشارح أن الصور ثمان؛ أربع في منفوذ المقاتل، وأربع في غيره وهو صحيح. ولك أن تجعلها ستة عشر بأن تقول: إذا عاد عن قرب أكلت مطلقاً؛ أنفذت المقاتل أم لا، رفع اختياراً أو اضطراراً، كان العائد الأول أو غيره، فهذه ثمانية. وأما إن عاد عن بعد فإن لم تنفذ المقاتل أكلت مطلقاً رفع اختياراً أو اضطراراً كان العائد الأول أو غيره؛ فهذه أربع إذا نفذت لم تؤكل مطلقاً، رفع اختياراً أو اضطراراً، كان العائد الأول أو غيره؛ فهذه أربع فتؤكل في اثني عشر ولا تؤكل في أربع.

قوله: [لكن تحتاج إلى نية وتسمية إن طال] هذا إذا كان العائد للذبح هو الأول، وأما لو عاد للذبح غير الأول فلا بد من نية وتسمية مطلقاً طال أم لا.

قوله: [أن يبقي الجوزة]: ظاهره أن يتأتى انحيازها كلها لجهة الرأس، وهو خلاف المشاهد ولذلك قال في المجموع، ولا يتأتى انحيازها كلها للرأس. وقد يقال: كلام شارحنا في انحياز ما ظهر منها، وهو متأت بأن يجعل

ص: 313

كدائرة حلقة الخاتم جهة الرأس حتى يصدق عليه أنه قطع الحلقوم. وقطع الحلقوم شرط عند الشافعية أيضاً فالمغلصمة لا تجزئ عندهم أيضاً؛ خلافاً لما في بعض الشراح أنها تؤكل عند الشافعية، وصار الناس يقلدونه إن نزلت بهم هذه النازلة وهو نقل خطأ لا أصل له. نعم عند الحنفية تؤكل لعدم اشتراط قطع الحلقوم عندهم.

(ولا) يجزئ (نصف الحلقوم): أي قطعه (على الأصح) من الخلاف، ومن ذلك ما لو بقي قدر نصف الدائرة من الجوزة لجهة الرأس، بأن كان المنحاز لجهة الرأس مثل القوس فإنه لا يكفي على الأصح والموضوع أنه قطع جميع الودجين وإلا فلا يكفي قطعاً.

(و) النوع الثاني (نحر) لإبل وزرافة ويجوز بكره في بقر كما يأتي.

(وهو) أي النحر (طعن [1]): أي للمميز المسلم بمسن (بلبة) بفتح اللام: وهي النقرة التي فوق الترقوة وتحت الرقبة؛ بلا [2] رفع قبل التمام ولا يضر يسير فصل ولو رفع اختياراً كما تقدم في الذبح، فلا يشترط فيه قطع الحلقوم والودجين.

(وشرط) ذبح (الكتابي: أن يذبح ما يحل له بشرعنا) من غنم وبقر وغيرهما، (وأن لا يهل به) بأن يجعله قربة (لغير الله) بأن يذكر عليه اسم غير الله فإن أهل به لغير الله [3]: بأن قال: باسم المسيح أو العذراء لم يؤكل وأولى لو قال باسم الصنم، (ولو استحل الميتة) أي أكلها.

(فالشرط) في جواز أكل ذبيحته: (أن لا يغيب) حال ذبحها عنا، بل لا بد من حضور مسلم عارف بالذكاة الشرعية خوفاً من كونه قتلها أو نخعها أو سمى عليها غير الله (لا تسميته) فلا تشترط، بخلاف المسلم فتشترط كما يأتي، فعلم أن ما حرم عليه بشرعنا لم يؤكل إن ذبحه أو نحره وهو كل ذي ظفر إذا ذبحه يهودي أو نحره. والمراد بذي الظفر: ما له جلدة بين أصابعه كالإوز والإبل، بخلاف الدجاج ونحوه. (وكره) لنا (ما حرم عليه بشرعه) إذا ذبحه بأن أخبرنا بأنه يحرم عليه في شرعه الدجاج مثلاً.

(و) كره لنا (شراء ذبحه) بالكسر: أي مذبوحه أي ما ذبحه لنفسه مما يباح له أكله عندنا.

(و) كره (جزارته): أي جعله جزاراً في الأسواق، أو في بيت من بيوت المسلمين لعدم نصحه لهم. (كبيع) لطعام أو غيره (وإجارة) لدابة أو سفينة أو حانوت أو بيت (لكعيده [4]) مما يعظم به شأنه، فيكره لأنه من قبيل إعانتهم على الضلال وإشهار أديانهم.

(و) كره لنا (شحم يهودي) أي أكله من بقر وغنم ذبحها لنفسه، أي الشحم الخالص لا المختلط بالعظم ولا ما حملته ظهورهما ولا ما حملته الحوايا أي الأمعاء، فإن الله تعالى استثنى ذلك فهي كاللحم، فيجوز أكلها ويكره شراؤها كاللحم.

(و) كره (ذبح) بالكسر: أي مذبوح (لعيسى) عليه السلام أي لأجله (أو) لأجل (الصليب): أي للتقرب به لهما كما يتقرب المسلم بذبح لنبي أو ولي لقصد الثواب، وإن لم يسم الله؛ وإنما يضر تسمية عيسى أو الصليب كما تقدم.

ــ

القطع من أسفل العنق.

قوله: [كدائرة حلقة الخاتم]: أي ولو دقت.

قوله: [فإن لا يكفي على الأصح]: أي وهو مذهب سحنون والرسالة، والقول بالإجزاء لابن القاسم في العتبية.

قوله: [وإلا فلا يكفي قطعاً] أي باتفاق ابن القاسم وسحنون.

قوله: [لإبل وزرافة] أي وقيل كما تقدم.

قوله: [أي للمميز المسلم] أي ولكتابي بشروطه.

قوله: [فوق الترقوة] وجمعها تراق قال الجلال في تفسير عظام الحلق.

قوله: [فلا يشترط فيه قطع] إلخ: أي ولا يؤمر بذلك.

قوله: [بأن يجعله قربة لغير الله]: أي وأما ما ذبحوه بقصد أكلهم منه ولو في أعيادهم، ولكن سمى عليه اسم عيسى أو الصنم تبركاً فهذا يكره أكله كما يأتي.

والحاصل: أن ذبح أهل الكتاب إن ذبحوه لأنفسهم بقصد أكلهم ولو في أعيادهم وأفراحهم، فيؤكل مع الكراهة تبركوا فيه باسم عيسى أو الصنم كما يتبرك أحدنا بذكر الأنبياء والأولياء وسيأتي إيضاح ذلك في الشرح. وقال في المجموع: ما ذبحوه لعيسى وصليب وصنم إن ذكروا عليه اسم الله أكل، ولو قدموا غيره لأنه يعلو ولا يعلى عليه، وإلا فإن قصدوا إهداء الثواب من الله فكذلك يؤكل بمنزلة الذبح لولي، وإن قصدوا التقريب والتبرك بالألوهية أو تحليلها بذلك حرم أكلها. اهـ. قوله:[بأن قال باسم المسيح أو العذراء لم يؤكل] أي حيث لم يجمع معه ذكر الله، وإلا أكل كما علمت من عبارة المجموع.

قوله: [أن لا يغيب حال ذبحها عنا]: فإن غاب عنا لم تؤكل وهذا التفصيل هو المشهور من المذهب، قال ابن رشد القياس أنه إذا كان يستحل أكل الميتة أنه لم تؤكل ذبيحته، ولو لم يغب عليها لأن الذكاة لا بد فيها من النية، وإذا استحل الميتة فكيف ينوي الذكاة وإن ادعى أنه نواها فكيف أنه يصدق، وقبله ابن ناجي وابن عرفة. اهـ.

قوله: [كالإوز والإبل]: أي وكذا حمار الوحش والنعام وكل ما كان ليس بمشقوق الخف ولا مفتوح الأصابع، قال البيضاوي كل ذي ظفر أي كل ذي مخلب وحافر، ويسمى الحافر ظفراً مجازاً، ولذلك دخلت حمر الوحش. اهـ. من حاشية الأصل.

قوله: [الدجاج مثلا]: أي وكالطريفة وهي أن توجد الشاة بعد الذبح فاسدة الرئة فإنهم يقولون بحرمتها عندهما.

قوله: [لأنه من قبيل إعانتهم على الضلال]: أي ومحل الكراهة أن يقصد المسلم الإعانة والإشهار وإلا حرم، بل ربما كفر والعياذ بالله.

قوله: [فإن الله تعالى استثنى ذلك]: أي حيث قال: {إلا ما حملت

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (وطعنه)، ولعلها الصواب.

[2]

في ط المعارف: (فلا).

[3]

زاد بعدها في ط المعارف: (تعالى).

[4]

في ط المعارف: (لكعبده).

ص: 314

وقيل: ولو ذكر في هذا اسم الصليب فلا يضر، وإنما المضر إخراجه قربة لذات غير الله لأنه الذي أهل به لغير الله.

(و) كره (ذكاة خنثى وخصي) ومجبوب (وفاسق): لنفور النفس من أفعالهم غالباً بخلاف المرأة والصبي والكتابي إن ذبح لنفسه ما يحل له بشرعنا وبشرعه، وأما ذبحه لمسلم وكله على ذبحه ففي جواز أكله وعدمه قولان، والراجح الكراهة.

(و) النوع الثالث من أنواع الذكاة: (عقر: وهو جرح مسلم مميز) لا غيره كسكران ومجنون وصبي حيواناً (وحشياً غير مقدور عليه إلا بعسر) خرج المقدور عليه بسهولة، فلا يؤكل بالعقر، قال فيها: من رمى صيداً فأثخنه حتى صار لا يقدر على الفرار ثم رماه آخر فقتله لم يؤكل اهـ، أي لأنه صار أسيراً مقدوراً عليه.

(لا كافر ولو كتابياً) فلا يؤكل صيده ولو سمى الله عليه، لأن الصيد رخصة والكافر ليس من أهلها، وهذا محترز "مسلم".

وذكر محترز "وحشياً" بقوله: (ولا إنسياً) من بقر أو إبل أو إوز أو دجاج (شرد) فلم يقدر عليه فلا يؤكل بالعقر، (أو تردى) أي سقط (بحفرة) فلم يقدر على ذبحه أو نحره فلا يؤكل بالعقر. (بمحدد): متعلق بـ "جرح"، وسواء كان المحدد سلاحاً أو غيره -كحجر له سن فهو- أعم من قوله:"بسلاح محدد". واحترز به عن العصا والحجر الذي لا حد له، والبندق: أي البرام الذي يرمي بالقوس فلا يؤكل الصيد بشيء من ذلك إذا مات منه أو أنفذ مقتله. وأما صيده بالرصاص فيؤكل به لأنه أقوى من السلاح كما أفتى به بعض الفضلاء، واعتمده بعضهم.

(أو حيوان): عطف على "محدد": أي جرحه بمحدد أو بحيوان (علم) بالفعل كيفية الاصطياد، والمعنى: هو الذي إذا أرسل أطاع

ــ

ظهورهما} [الأنعام: 146] الآية.

قوله: [وقيل ولو ذكر] إلخ: قائله (بن).

قوله: [وفاسق]: أي سواء كان فسقه لجارحة كتارك الصلاة أو بالاعتقاد كبدعي لم يكفر ببدعته.

قوله: [بخلاف المرأة والصبي] ما ذكره من جواز ذكاتهما، قال (ح) هو المشهور ومذهب المدونة وفي الموازية كراهة ذبحهما، وعليه اقتصر ابن رشد في سماع أشهب، فهما قولان. ومثل المرأة الأغلف فلا تكره ذكاته كما جزم به (ح) وقيل: تكره.

قوله: [والراجح الكراهة] اعلم أن الخلاف المذكور جار في ذبح الكتابي ما يملكه المسلم بتمامه أو شركة بينه وبين الكتابي الذابح. وأما ذبح الكتابي لكتابي آخر فحكمه أنه إن ذبح ما لا يحل لكل منهما اتفق على عدم صحة ذبحه، وإن ذبح ما يحل لكل منهما اتفق على صحة ذبحه وجاز أكل المسلم منه، وإن ذبح ما يحل لأحدهما دون الآخر فالظاهر اعتبار حال الذابح.

قوله: [جرح مسلم] إلخ: أي إدماؤه ولو بأذن، والحال أنه مات من ذلك الجرح أو أنفذت مقاتله، فإن لم يحصل إدماء لم يؤكل ولو شق الجلد؛ وسواء كان المسلم الجارح ذكراً أو أنثى بالغاً أو غيره. ويعتبر كونه مسلماً مميزا حال إرسال السهم أو الحيوان، وحال الإصابة فلو تخلف واحد منهما بعد الإرسال وقبل الإصابة فإنه لا يؤكل قياساً على قولهم في الجناية: معصوم من حين الرمي للإصابة، ويحتمل أن يقال بأكله لأن ما هنا أخف، ألا ترى الخلاف هنا في اشتراط الإسلام، فإن أشهب وابن وهب لا يشترطان الإسلام كذا في حاشية الأصل.

قوله: [غير مقدور عليه إلا بعسر]: أي عجز عن تحصيله في كل الأحوال إلا في حال العسر والمشقة، ولو كان ذلك الوحش المعجوز عنه تأنس ثم توحش.

قوله: [لأنه صار أسيراً] إلخ: أي وحينئذ فيضمن هذا الذي رماه قيمته للأول مجروحاً.

قوله: [والكافر ليس من أهلها] أي وسياق الآية وهي قوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح} [المائدة: 4] خطاب للمؤمنين فإنه قال بعد ذلك: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} [المائدة: 5] كذا يؤخذ من المجموع.

قوله: [ولا إنسياً] إلخ: حاصله أن جميع الحيوانات المستأنسة إذا شردت وتوحشت فإنها لا تؤكل بالعقر عملاً بالأصل، وهذا هو المشهور. ومقابله ما لابن حبيب إن توحش غير البقر لم يؤكل بالعقر، وإن توحش البقر جاز أكله بالعقر، لأن البقر لها أصل في التوحش ترجع إليه أي لشبهها ببقر الوحش.

قوله: [أو إوز أو دجاج]: أي وأما الحمام البيتي فقد تقدم في آخر باب الحج أن الحمام كله صيد، وحينئذ إذا توحش أكل بالعقر بخلاف النعم.

فإنها لا تؤكل بالعقر، ولو توحشت عملاً بالأصل فيها وقد نقله المواق عن ابن حبيب. اهـ. (بن).

قوله: [فلم يقدر على ذبحه أو نحره فلا يؤكل] إلخ: ما ذكره من عدم أكل المتردي بالعقر هو المشهور، وقال ابن حبيب: يؤكل المتردي المعجوز عن ذكاته مطلقاً بقراً أو غيره بالعقر صيانة للأموال.

قوله: [واعتمده بعضهم]: حاصله أن الصيد ببندق الرصاص لم يوجد فيه نص للمتقدمين لحدوث الرمي به بحدوث البارود في وسط المائة الثامنة، واختلف فيه المتأخرون، فمنهم من قال بالمنع قياساً على بندق الطين، ومنهم من قال بالجواز كأبي عبد الله القروي وابن غازي وسيدي عبد الرحمن الفاسي، لما فيه من إنهار الدم والإجهاز بسرعة الذي شرعت الذكاة لأجله، ثم إن محل الاحتراز عن العصي وبندق الطين إذا لم يؤخذ الصيد حياً غير منفوذ المقتل، وإلا ذكي وأكل قولاً واحداً، وأما إذا أخذ منفوذ المقاتل فلا يؤكل عندنا ولو أدرك حياً ذكي وعند الحنفية ما أدرك حياً ولو منفوذ جميع المقاتل وذكي يؤكل، فلا خلاف بيننا وبينهم في عدم أكل ما مات ببندق الطين، وفي أكل الذي لم ينفذ مقتله

ص: 315

وإذا زجر انزجر ولو كان من جنس ما لا يقبل التعليم عادة كالنمر (من طير) كباز (أو غيره) ككلب (فمات) أو نفذ مقتله (قبل إدراكه) حياً فيباح أكله بشروط أربعة إذا جعلنا موته قبل إدراكه من الموضوع، كما هو ظاهر سياقه، وإلا كانت خمسة؛ إذ لو أدرك حياً غير منفوذ المقتل لم يؤكل إلا بالذبح.

أشار للأول بقوله: (إن أرسله) الصائد المسلم (من يده) بنية وتسمية، (أو) من (يد غلامه) وكفت نية الآمر وتسميته، نظراً إلى أن يد غلامه كيده، واحترز بذلك مما لو كان الجارح سائباً فذهب للصيد بنفسه، أو بإغراء ربه فلا يؤكل إلا بذكاة.

وأشار للثاني بقوله: (ولم يشتغل) الجارح حال إرساله (بغيره) أي الصيد (قبله) أي قبل اصطياده، فإن اشتغل بشيء كأكل جيفة أو صيد آخر، ثم انطلق فقتل الصيد لم يؤكل.

وذكر الثالث بقوله: (وأدماه): أي إن شرط أكله بصيد الجارح أن يدميه الجارح بنابه أو ظفره في عضو (ولو بأذن)، فلو صدمه فمات الصيد لم يؤكل، ولو شق جلده حيث لم ينزل منه دم.

وأشار للرابع بقوله: (وعلمه) الصائد حين إرسال الجارح عليه (من المباح): كالغزال وحمار الوحش وبقره، (وإن لم يعلم نوعه منه) أي من المباح؟ بأن اعتقد أنه من المباح وتردد: هل هو حمار وحش أو بقر أو ظبي؟ فإنه يؤكل.

(وإن تعدد مصيده): أي الجارح (إن) أرسله على جماعة من الوحش، و (نوى الجميع؛ وإلا) ينوي الجميع بأن نوى واحداً أو اثنين (فما نواه) يؤكل بقتل الجارح له حيث أدماه (إن صاده) الجارح أي صاد المنوي (أولاً) قبل غيره، فإن صاد غير المنوي قبل المنوي لم يؤكل واحد منهما إلا بذكاة؛ لتشاغله ابتداء بغير المنوي في المنوي وبعدم النية في غيره.

(لا) يحل أكله (إن تردد) بأن شك أو ظن أو توهم (في حرمته) كخنزير، فإذا هو حلال لعدم الجزم بالنية.

(أو) تردد (في المبيح) لأكله (إن شاركه) أي الجارح (غيره) في قتله (ككلب كافر) أرسله ربه الكافر على الصيد، فشارك كلب المسلم في قتله فلم يعلم هل الذي قتله كلب المسلم أو الكافر، وكذا لو رمى المسلم سهمه ورمى الكافر سهمه فأصاباه ومات من ذلك فلا يؤكل للتردد في المبيح.

(أو) كلب (غير معلم) بالجر عطف [1] على كلب كافر،

ــ

حيث أدرك حياً وذكي، وإنما الخلاف فيما أدرك حياً منفوذ المقتل وذكي، فعندهم يؤكل وعندنا لا.

قوله: [وإذا زجر انزجر] قال في حاشية الأصل هذا الشرط غير معتبر في الباز؛ لأنه لا ينزجر بل رجح بعضهم عدم اعتبار الانزجار في جميع الحيوانات، لأن الجارح لا يرجع بعد إشلائه.

واعلم أن عصيان المعلم مرة لا يخرجه عن كونه معلماً كما لا يكون معلماً بطاعته مرة، بل المرجع في ذلك العرف.

قوله: [الصائد المسلم] أي المميز.

قوله: [من يده] المراد باليد حقيقتها ومثلها إرسالها من حزامه أو من تحت قدمه لا القدرة عليه أو الملك فقط، ثم ما مشى عليه المصنف من اشتراط الإرسال من يده ونحوها، فإن كان مفلوتاً فأرسله لم يؤكل هو قول مالك الذي رجع إليه، وكان يقول: أو لا يؤكل ولو أرسله من غير يده وما في حكمها، وبه أخذ ابن القاسم، والقولان في المدونة، واختار غير واحد كاللخمي ما أخذه به ابن القاسم وأيده (بن).

قوله: [أو من يد غلامه]: ولا يشترط أن يكون الغلام مسلماً حينئذ؛ لأن الناوي والمسمي هو سيده، فالإرسال منه حكماً.

قوله: [أو بإغراء ربه] إلخ: قد علمت أن هذا خلاف قول ابن القاسم الذي كان مالك يقول أولاً به.

قوله: [فإن اشتغل بشيء]: لا فرق بين كثير التشاغل وقليله، ورأى اللخمي أن قليل التشاغل لا يضر.

قوله: [فإنه يؤكل]: أي حيث ظهر أنه من أنواع المباح التي تؤكل بالعقر، فإن جزم بأنه مباح وتردد هل هو من نعم الإنس أو حمار وحش مثلاً لم يؤكل لأن الأول لا يباح بالعقر، ولو ظهر له بعد نفوذ مقتله أنه حمار وحش.

قوله: [إن أرسله على جماعة من الوحش]: أي معينة والقول بأكل الجميع إن تعدد مصيده هو قول ابن القاسم، وقال ابن المواز: لا يؤكل إلا الأول فذلك رد بالمبالغة عليه.

قوله: [فما نراه يؤكل] قال الأجهوري: فإن لم يكن له نية في واحد ولا في الجميع لم يؤكل شيء، وقال جد الأجهوري: يؤكل جميع ما جاء به في هذا أيضاً حيث كانت الصيود معينة حين الإرسال، فلو نوى واحداً بعينه لم يؤكل إلا هو إن عرف، وإن نوى واحداً لا بعينه لم يؤكل إلا الأول، ولو شك في أوليته لم يؤكل شيء كذا يؤخذ من حاشية الأصل تبعا لـ (بن).

قوله: [فإن صاد غير المنوي]: أي تحقيقاً أو ظناً أو شكاً.

قوله: [في المنوي]: في بمعنى عن.

قوله: [وبعدم النية في غيره]: أي الذي اشتغل به عن المنوي.

قوله: [بأن شك] إلخ: تفسير للتردد فليس المراد بالتردد استواء الطرفين، بل ما طرقه الاحتمال فلذلك فسره بالشك والظن والوهم.

قوله: [فإذا هو حلال]: أي كغزال.

قوله: [ككلب كافر]: المراد كلب أرسله كافر كان ربه أم لا فلا مفهوم لقوله ربه، وكذا يقال في كلب المسلم؛ لأن الإضافة تأتي لأدنى ملابسة.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (والعطف).

ص: 316

أي أو شارك كلب المسلم المعلم كلب غير معلم في قتله فلا يؤكل للشك في المبيح، وكذا لو رماه المسلم المميز فسقط في ماء ومات فلا يؤكل للشك في المبيح هل مات من السهم فيؤكل، أو من الماء فلا يؤكل، أو رماه بسهم مسموم لاحتمال موته من السم الغير المبيح لا من السهم المبيح.

(أو تراخى) الصائد (في اتباعه): أي الصيد ثم وجده ميتاً فلا يؤكل لاحتمال أنه لو جد في طلبه لأدرك ذكاته قبل موته، (إلا أن يتحقق أنه) لو جدّ (لا يلحقه) حياً.

(أو حمل الآلة): أي آلة الذبح كالسكين (مع غيره) كغلامه وشأنه أن يسبق الغلام فسبقه، وأدرك الصيد حياً فما جاء حامل الآلة إلا وقد مات الصيد فلا يؤكل لتفريطه.

(أو) وضع الآلة (بخرجه) ونحوه مما يستدعي طولاً في إخراجها فأدركه حياً فما أخرج الآلة من الخرج إلا ومات فلا يؤكل للتفريط بوضعها في الخرج دون مسكها بيده، أو جعلها في حزامه.

(أو بات) الصيد عن الصائد فوجده بالغد ميتاً؛ لم يؤكل لاحتمال موته بشيء آخر كالهوام، (أو صدمه) الجارح فمات بلا جرح، (أو عضه) فمات (بلا جرح) فلا يؤكل، لما علمت أن شرط أكله إدماؤه ولو بأذن (أو اضطرب) الجارح لرؤيته صيداً (فأرسله) الصائد (بلا رؤية) منه له فصاد صيداً لم يؤكل إلا بذكاة لاحتمال أن يكون اصطاد غير ما اضطرب عليه، ولذا لو نوى المضطرب عليه وغيره لأكل على أحد التأويلين، والثاني: لا يؤكل مطلقاً إذ شرط حل أكله الرؤية وهو لم ير.

(ودون نصف) كيد أو رجل أو جناح (أبين) أي انفصل من الصيد، أي أبانه الجارح أو السهم ولو حكماً كما لو تعلق بيسير جلد (ميتة) لا يؤكل وأكل ما سواه (إلا أن يحصل به) أي بذلك الدون أي بإبانته (إنفاذ مقتل كالرأس) فليس بميتة فيؤكل كالباقي.

(ومتى أدرك) الصيد (حياً غير منفوذ مقتل، لم يؤكل إلا بذكاة) بخلاف ما أدرك منفوذ مقتل.

ــ

قوله: [كلب]: بالنصب مفعول لشارك، وقوله:(المعلم) بالفتح نعت.

وقوله: (كلب غير معلم) فاعل.

قوله: [وشأنه أن يسبق الغلام] مفهومه لو كان الغلام هو الذي يسبق، أو الاستواء فتخلف مجيء الغلام حتى مات، فإنه يؤكل لعدم تفريطه.

قوله: [فأدركه حياً] أي غير منفوذ المقاتل في هذه والتي قبلها، وأما منفوذ المقاتل فيؤكل ولا يضره التفريط في حمل الآلة مع الغلام أو وضعها في الخرج؛ لأنها لو كانت الآلة معه حينئذ لم تجب ذكاته

قوله: [فوجده بالغد ميتاً]: ليس بقيد بل المراد أنه خفي عليه مدة من الليل فيها طول بحيث يلتبس الحال، ولا يدري هل مات من الجارح أو بشيء من الهوام التي تظهر في الليل. ومفهوم المبيت أنه لو رماه نهاراً وغاب عليه، ثم وجده ميتاً فإنه يؤكل حيث لم يتراخ في اتباعه، ولو غاب عليه يوماً كاملاً. والفرق بين الليل والنهار أن الليل تكثر فيه الهوام دون النهار، فإذا غاب ليلاً احتمل مشاركة الهوام.

قوله: [إذ شرط حل أكله الرؤية] أي رؤية الصيد وقت الإرسال أو كون المكان محصوراً ولم يوجد واحد منهما.

قوله: [دون نصف] إلخ: الصواب أن (دون) هنا للمكان المجازي، وأنه يجوز فيها الرفع والنصب، فإن رفع كان مبتدأ، وإن نصب كان صلة لموصوف مقدر ومفهوم الظرف أنه لو قطع الجارح الصيد نصفين من وسطه أكل لأن فعله كذلك فيه إنفاذ مقتله كذا قالوا، ومنه يعلم أنه ليس الأكل من النصف من حيث إنه نصف، بل من حيث إنه لا يخلو عن إنفاذ مقتل، فالمدار على إنفاذ المقتل فلو أبان الجارح أو السهم ثلثاً ثم سدساً فهل يؤكلان أو الأخير أو يطرحان؟ لا نص. وقد يقال الذي نفذ به المقتل يؤكل وإلا فلا، ثم إن هذا مقيد بما له نفس سائلة، أما الجراد مثلاً إذا قطع جناحه فمات أكل الجميع لأن هذا ذكاته كما يأتي.

قوله: [كالرأس] أي وحده أو مع غيره ونصف الرأس كذلك.

قوله: [بخلاف ما أدرك منفوذ مقتل] أي فتندب ذكاته فقط حيث وجد حياً.

تنبيه: يقضى بالصيد للسابق له بوضع يده عليه أو حوزه له في داره أو كسر رجله، وإن رآه غيره قبله لأن كل من سبق لمباح فهو له، وإن تدافع جماعة عليه فبينهم، ولو دفع أحدهم الآخر ووقع عليه إذ ليس وضع يده عليه، والحالة هذه من المبادرة بخلاف المسابقة بلا تدافع، فلو جاء غير المتدافعين حال التدافع وأخذه اختص به، وإن شرد الصيد بغير اختيار صاحبه ولو من مشتر فاصطاده آخر فهو له، ولو لم يلتحق بالوحش حيث لم يكن تأنس عند الأول ولم يتوحش عند شروده وإلا لكان لصاحبه الذي شرد من يده وللصائد له أجرة تحصيله فقط، واشترك طارد للصيد من ذي شبكة أو فخ بحسب فعليهما حيث توقف وقوعه على الطارد والشبكة، وإن لم يقصد الطارد الشبكة وعجز عنه فوقع فيها فلربها، وإن كان محققاً أخذه بدونها فله دون ربها كمن طرد صيد الدار فأدخله فيها، فإنه يختص به ولا شيء لرب الدار أمكنه أخذه بدونها أم لا إذ ليست معدة للصيد إلا أن يطرده لغير الدار فدخل في الدار وهو عاجز عنه فلمالك الدار سواء كانت مسكونة أو خالية، فإن كان محققاً

ص: 317

(وضمن) الصيد لربه: أي ضمن قيمته مجروحاً شخص (مار) عليه حياً (أمكنته ذكاته وترك) ذكاته حتى مات. وإمكانها بالقدرة عليها بوجود آلة وهو ممن تصح ذكاته، بأن كان مميزاً ولو كتابياً أو صبياً لتفويته على ربه.

وشبه في الضمان قوله: (كترك تخليص) شيء (مستهلك من نفس أو مال) قدر على تخليصه بيده أو جاهه أو ماله. ويغرم في النفس الدية، وفي المال القيمة أو المثل، وأولى في الضمان: لو تسبب في الإتلاف؛ كدال سارق أو ظالم، وحافر حفرة، وواضع مزلق لوقوع آدمي أو غيره، وانظر تفصيل المسألة في كلام الشيخ وشراحه.

(و) النوع الرابع من أنواع الذكاة: (ما يموت به): أي كل فعل يموت به ما ليس له نفس سائلة،

ــ

أخذه بغيرها فهو له. اهـ. بالمعنى من الأصل.

قوله: [وضمن الصيد] إلخ: أي تعلق الضمان به بالشرط الآتي، وهذا هو المشهور من المذهب، بناء على أن الترك فعل. وقيل: لا ضمان عليه بناء على أن الترك ليس بفعل وعلى نفي الضمان فيأكله ربه، وليس بميتة، وعلى المشهور: لا يأكله ربه وهو ميتة ولا ينتفي الضمان عن المار، ولو أكله ربه غفلة عن كونه ميتة أو عمداً أو ضيافة لأنه غير متأول، وهذا بخلاف ما لو أكل إنسان ما له المغصوب منه ضيافة، لا يضمنه الغاصب كما استظهره الأجهوري. واستظهر بعض مشايخ الشيخ أحمد الزرقاني عدم ضمان المار إذا أكله ربه، واعتمد الأول اللقاني. كذا في حاشية الأصل.

قوله: [أمكنته ذكاته]: أنث الفعل وجعل الفاعل الذكاة، وضمير المار مفعولاً لما تقرر أنه إذا دار الأمر بين الإسناد للمعنى وللذات فالإسناد للمعنى أولى، فيقال أمكنني السفر دون أمكنت السفر كما ذكره الأشموني.

تنبيه: غير الراعي إن ذكى غير الصيد فلا يصدق أنه خاف موته، بل يتركه ولا يضمن إلا ببينة أو قرينة فيصدق، ويأتي تصديق الراعي في الإجارة كذا في المجموع.

قوله: [بوجود آلة] فإن لم يجد معه إلا السن أو الظفر، وأمكنه بذلك وترك، ضمن اتفاقاً ولو على القول بعدم جواز التذكية بهما.

قوله: [ولو كتابياً]: أي فالكتابي كالمسلم في وجوب ذكاة ما ذكر؛ لأنها ذكاة لا عقر ولا يتأتى الخلاف المتقدم في ذبح الكتابي للمسلم، لأن هذا من باب حفظ مال الغير وهو واجب عليه يضمنه بتفويته على ربه.

قوله: [أو صبياً] أي لأن الضمان من خطاب الوضع لأن الشارع جعل الترك سبباً في الضمان، فيتناول البالغ وغيره.

قوله: [مستهلك]: أي متوقع هلاكه، ولو كان التارك للتخليص صبياً لأن الضمان من باب خطاب الوضع كما علمت. واعلم أنه يجب تخليص المستهلك من نفس أو مال لمن قدر عليه ولو بدفع مال من عنده، ويرجع به على ربه حيث توقف الخلاص على دفع المال، ولو لم يأذن له ربه في الدفع وهو من إفراد قول خليل الآتي. والأحسن في المفدي من لص أخذه بالفداء، وقد علم أن من دفع غرامة عن إنسان بغير إذنه كان للدافع الرجوع بما دفعه عنه إن حمى بتلك الغرامة مال المدفوع عنه أو نفسه كذا يؤخذ من الحاشية.

قوله: [ويغرم في النفس الدية] أي إذا ترك تخليص النفس حتى قتلت فإنه يضمن الدية في ماله إن كان الترك عمداً بغير تأويل، وعلى عاقلته إن كان متأولاً. ولا يقتل به ولو ترك التخليص عمداً على مذهب المدونة، وحكى عياض عن مالك: أنه يقتل به في العمد وفي التوضيح عن اللخمي: أنه خرج ذلك على الخلاف فيمن تعمد شهادة الزور حتى قتل بها المشهود عليه، قال: فقد قيل: يقتل الشاهد. ومذهب المدونة لا قتل عليه.

تنبيه: يضمن أيضاً من أمسك وثيقة أو قطعها حيث كان شاهدها لا يشهد إلا بها ولزم على إمساكها ضياع الحق، وهذا إذا لم يكن لها سجل يتيسر إخراج نظيرها منه. وإلا فيضمن ما يخرج به من السجل فقط. وأما من قتل شاهدي حق عمداً أو خطأ وضاع الحق ففي ضمانه لذلك الحق تردد إذا لم يقصد بقتلهما ضياع الحق، وإلا ضمنه قطعاً، قال في الأصل: والأظهر من التردد ضمان المال، ومثل قتلهما قتل من عليه الدين عند ابن محرز.

قوله: [وانظر تفصيل المسألة] إلخ: من تفاصيل تلك المسألة ما قدمناه لك في أثناء الحل ومنها ترك مواساة بخيط أو دواء لجرح، وترك زائد طعام وشراب لمضطر حتى مات المجروح أو المضطر، فيضمن دية خطأ إن تأول وإلا اقتص منه كما يأتي في الجراح. وقال اللخمي: عليه الدية في ماله ومنها من طلب منه عمد أو خشب ليسد به كجدار، فامتنع حتى وقع الجدار فيضمن ما بين قيمته مائلاً ومهدوماً ويقضي لمن وجبت عليه المواساة بالثمن أي على المواسي

ص: 318

(نحو الجراد) والدود وخشاش الأرض، إذا عجل ذلك الفعل موته بل (ولو لم يعجل) موته (كقطع جناح) أو رجل (أو إلقاء بماء) حار فأولى قطع رأس. لا بد [1] من نية، وتسمية كما قال:(ووجب) وجوب شرط في كل نوع من أنواع الذكاة: (نيتها): أي قصدها ولو لم يستحضر حل الأكل، فمن لم يكن عنده نية كالمجنون لم تؤكل ذبيحته، وكذا من قصد بذلك الفعل إزهاق روحها وموتها دون الذكاة أو لم يقصد شيئاً، كمن ضرب الحيوان لدفع شره مثلاً بسيف فقطع حلقومه وأوداجه

(و) وجب عند التذكية [2](ذكر اسم الله) بأي صيغة من تسمية أو تهليل أو تسبيح أو تكبير. لكن (لمسلم) لا كتابي؛ فلا يجب عند ذبحه ذكر الله بل الشرط أن لا يذكر اسم غيره مما يعتقد ألوهيته. (إن ذكر) المسلم عند الذبح لا إن نسي فتؤكل ذبيحته. (وقدر): لا إن عجز كالأخرس فلا تجب عليه، وهذه القيود في ذكر اسم الله خاصة، وأما النية فواجبة مطلقاً ولو من كافر بدون قيد ذكر أو قدرة. (والأفضل) في ذكر الله أن يقول الذابح:(باسم الله والله أكبر).

(وهما) أي النية وذكر اسم الله (في الصيد) يكونان (حال الإرسال) للكلب ونحوه أو السهم لا حال الإصابة.

ثم شرع في بيان ما يذبح من الحيوان وما ينحر فقال: (و) وجب (نحر إبل وزرافة): وهي حيوان طويلة العنق كالإبل يداها أطول من رجليها، فإذا ذبحت لم تؤكل. (و) وجب (ذبح غيرهما): من الأنعام والوحوش والطيور، فإن نحرت لم تؤكل. (إلا لضرورة كعدم آلة) صالحة للذبح وكوقوع في حفرة بحيث لا يمكن ما يجب (فيجوز العكس) في الأمرين؛ فيجوز حينئذ ذبح الإبل ونحر غيرها. واستثنى من قوله. "وذبح غيرها" قوله:(إلا البقر فالأفضل فيها الذبح)، ويجوز نحرها. وشبه في الأفضلية قوله:(كالحديد) فإنه أفضل من غيره في الذبح والنحر كزجاج مسنون وحجر كذلك وقصب وعظم كذلك. (وسنه) بفتح السين المهملة وتشديد النون: أي كسن الحديد عند الذبح، فإنه أفضل أي مندوب للتسهيل على الحيوان (وقيام إبل) فإنه أفضل من تبريكها حال النحر حال كونها (مقيدة أو معقولة) الرجل (اليسرى) مستقبلة يقف الناحر بجنب الرجل اليمنى الغير [3] المعقولة ماسكاً مشفرها الأعلى بيده اليسرى، ويطعنها في لبتها بيده اليمنى، مسمياً هكذا صفة النحر. (وضجع ذبح) بكسر المعجمة أي مذبوح (برفق) أفضل من رميه بقوة، فإن الله يحب الرفق في الأمر كله (وتوجيهه) أي المذبوح أو المنحور (للقبلة) لأنها أفضل الجهات. (وإيضاح المحل) أي محل الذبح من صوف أو شعر أو ريش فإنه أفضل لما فيه من الرفق والسهولة. (وكره ذبح بدون حفرة): كما يقع للجزارين بالمذابح السلطانية لما فيه من رؤية الذبائح بعضها بعضاً وهو من تعذيبها لأن لها تمييزاً وإشعاراً ولما فيه من عدم الاستقبال لأكثرها (و) كره (سلخ) لجلدها (أو قطع) لعضو منها (قبل الموت) أي قبل تمام خروج روحها، وبعد تمام الذبح أو النحر، وأما قبل التمام فميتة كما يقع كثيراً لبعض الفقراء في طريق الحج؛ يقع الجمل [4] فيشرع إنسان في نحره فيأتي آخر ويقطع منه قطعة لحم قبل تمام النحر فلا يؤكل ما قطع. (و) كره (تعمد إبانة الرأس) ابتداء بأن نوى أنه يقطع لحلقوم والودجين، ويستمر حتى يبين الرأس من الجثة، وتؤكل إن أبانها وهذا هو المعول عليه.

ــ

إن وجد مع المضطر ونحوه، وإلا لم يلزمه ولو كان غنياً ببلده، أو تيسر بعد ذلك ولا يتعلق بذمته شيء. والمراد بالثمن: ما يشمل الأجرة في العمد والخشب، هذا حاصل ما في الأصل وشراحه وهذه المسألة بتفاصيلها ذكرت هنا استطراداً لمناسبة قوله: وضمن مار إلخ.

قوله: [والدود]: أي غير دود نحو الفاكهة من كل ما تخلق في الطعام كدود المش وسوس نحو الفول، فإن هذا لا يفتقر لذكاة وسيأتي إيضاحه في باب المباح.

قوله: [بل ولو لم يعجل موته] أي شأنه ذلك ولكن لا بد من تعجيل الموت به، وإنما كان ذكاة ما لا نفس له سائلة بما يموت به لما في الحديث الشريف:«أحلت لنا ميتتان السمك والجراد» فمراده بحل الميتة بالنسبة للجراد عدم ضبط ذكاته كغيره مما له نفس سائلة، وإن كان ظاهر الحديث استواءه مع السمك.

قوله: [ووجب وجوب شرط]: أي مطلقاً كما يأتي.

قوله: [لا إن نسي]: أي وحينئذ فيفيد قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121] بما إذا تركت عمداً مع القدرة عليها لا نسياناً أو عجزاً والجاهل بالحكم كالعامد كما هو ظاهر المدونة، وقال ابن رشد: ليست التسمية بشرط في صحة الذكاة، ومعنى قوله تعالى:{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121] لا تأكلوا الميتة التي لم يقصد ذكاتها لأنها فسق ومعنى قوله تعالى: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 118] كلوا مما قصدت ذكاته فكنى عز وجل عن التذكية بذكر اسمه، فالآية لا تدل على وجوب التسمية في الذكاة، ولذلك قال غيرنا بسنيتها.

قوله: [حال الإرسال للكلب] من ذلك طلق بندق الرصاص، فالعبرة بحال رفع الزناد.

قوله: [فيجوز حينئذ ذبح الإبل]: أي في محل الذبح وهو الودجان والحلقوم ونحر غيرها في محل النحر وهو اللبة.

قوله: [إلا البقر]: ومنه الجاموس وبقر الوحش إذا قدر عليه، ومثل البقر في جواز الأمرين وندب الذبح ما أشبهه من حمار الوحش والخيل والبغال الوحشية.

قوله: [كزجاج مسنون]: أي محدد.

قوله: [فإن الله يحب الرفق في الأمر]: أي ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة» .

قوله: [وكره سلخ لجلدها أو قطع]: أي وكذا حرق بالنار.

قوله: [قبل الموت]: أي لما في ذلك

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (ولا بد).

[2]

في ط المعارف: (التزكية).

[3]

في ط المعارف: (غير).

[4]

في ط المعارف: (الحمل).

ص: 319

وتؤولت أيضاً على أنه إن قصدها ابتداء لم تؤكل، واتفقوا على أنه إذا لم يقصد ذلك ابتداء وإنما قصده بعد قطع الحلقوم والودجين، أو لم يقصد أصلاً وإنما غلبته السكين حتى قطعت الرأس فإنها تؤكل.

ثم شرع في بيان ما تعمل فيه الذكاة مما يتوهم خلافه وما لا تعمل فيه فقال: (وأكل المذكى وإن أيس) قبل تذكية (من حياته) لا بإنفاذ مقتله، بل (بإضناء مرض) أي بسبب ذلك (أو) بسبب (انتفاخ) لها (بعشب) كبرسيم (أو) بسبب (دق عنق) أو سقوط من شاهق أو غير ذلك مما يأتي قريباً إذا لم ينفذ بذلك مقتل كما سيصرح به بعده.

(بقوة حركة) الباء للمعية: أي أن محل أكل ما أيس من حياته بالذكاة أن يصحبها قوة حركة عقب الذبح كمد رجل وضمها لا مجرد مد أو ضم أو ارتعاش أو فتح عين أو ضمها، فلا يكفي. وقيل: إن مد الرجل فقط أو ضمها فقط كاف في حلها لدلالة ذلك على حياتها حال الذبح.

(أو شخب دم) منها وإن لم تتحرك. ولا يكفي مجرد سيلانه بخلاف غير الميئوس من حياتها وهي الصحيحة، فيكفي فيها سيلانه كما أشار له بقوله:(كسيله) أي الدم ولو بلا شخب (في صحيحة) لم يضنها المرض ولم يصبها شيء مما مر فإنه يكفي في حلها مجرد السيلان.

ثم قيد جواز أكل المذكي الميئوس من حياته بقوله:

(إن لم ينفذ) قبل الذبح (مقتلها): فإن نفذ لم تعمل فيها الذكاة وكانت ميتة كما سيصرح.

ونفاذ المقتل واحد من خمسة أمور بينها بقوله:

(بقطع نخاع) مثلث النون: المخ الذي في فقار الظهر أو العنق متى قطع لا يعيش، وأما كسر الصلب بدون قطع النخاع فليس بمقتل [1].

(أو) قطع (ودج) وأولى الاثنين، وأما شقه بلا قطع ففيه قولان على أنه ليس بمقتل تعمل فيه الذكاة.

(ونثر دماغ) وهو ما تحويه الجمجمة، وأما شرخ الرأس أو خرق خريطة الدماغ بلا انتشار فليس بمقتل.

(أو) نثر (حشوة) بضم الحاء المهملة وكسرها وسكون المعجمة: وهي ما حوته البطن من قلب وكبد وطحال وكلوة وأمعاء؛ أي إزالة ما ذكر عن موضعه بحيث لا يمكن عادة رده لموضعه.

(وثقب) أي خرق (مصران) وأولى قطعه وأما ثقب الكرش فليس بمقتل، فالبهيمة المنتفخة إذا ذكيت فوجدت متقوبة الكرش تؤكل على المعتمد.

ــ

من التعذيب، وقد ورد النهي عن ذلك ويستحب أن تترك حتى تبرد إلا السمك فيجوز تقطيعه وإلقاؤه في النار قبل موته عند ابن القاسم، لأنه لما كان لا يحتاج لذكاة صار ما وقع فيه من الإلقاء، وما معه بمنزلة ما وقع في غيره بعد تمام ذكاته. اهـ من حاشية الأصل، وقد يقال: علة تعذيب الحيوان موجودة فلا أقل من الكراهة تأمل.

قوله: [وتؤولت أيضاً]: حاصله إذا تعمد إبانة الرأس وأبانها فهل تؤكل تلك الذبيحة مع الكراهة لذلك الفعل أو لا تؤكل أصلاً؟ قولان في المدونة: أولهما لابن القاسم وإنما حكم بكراهة ذلك الفعل لأن إبانة الرأس بعد تمام الذكاة بمثابة قطع عضو بعد انتهاء الذبح وقبل الموت فهذا مكروه.

والقول الثاني لمالك؛ واختلف الأشياخ هل بين القولين خلاف أو وفاق؟ فحمل بعضهم القولين على الخلاف، والمعتمد كلام ابن القاسم وحمله بعضهم على الوفاق. ورد قول ابن القاسم لقول مالك فحمله على ما إذا لم يتعمد الإبانة ابتداء، بل تعمدها بعد الذكاة. وأما لو تعمدها ابتداء فلا تؤكل كما يقول مالك: فقول المصنف: (وتعمد إبانة الرأس) هو قول ابن القاسم بناء على الخلاف، وقول الشارح:(وتؤولت أيضاً) هذا إشارة إلى القول بالوفاق.

قوله: [وإن أيس قبل تذكيته من حياته]: دخل فيما قبل المبالغة: محقق الحياة ومرجوها ومشكوكها، ورد بالمبالغة قول مختصر الوقار: لا تصح ذكاة الميئوس من حياته.

قوله: [بقوة حركة]: سواء كان التحرك من الأعالي أو الأسافل سال الدم أو لا كان مع الذبح أو بعده كانت صحيحة أو مريضة.

قوله: [فلا يكفي]: سواء كان معها سيلان دم أو لا.

قوله: [وقيل إن مد الرجل] إلخ: مقابل للمشهور وإن كان هو الأظهر.

قوله: [أو شخب دم]: أي خروجه بقوة.

قوله: [ولا يكفي مجرد سيلانه] أي سيلانه المجرد عن الشخب وعن التحرك القوي.

قوله: [فإنه يكفي في حلها مجرد السيلان] أي وإن لم تتحرك أصلاً.

والحاصل: أن كلاً من التحرك القوي وشخب الدم يكفي في الضحية والمريضة ولو كان ميئوساً حياتها، والحال أنها غير منفوذة المقاتل، وأما سيلان الدم والتحرك الغير القوي فلا يكفي اجتماعاً وانفراداً إلا في غير الميئوس منها، ولا يكفي في الميئوس منها.

قوله: [الذي في فقار الظهر]: بفتح الفاء جمع فقرة.

قوله: [وثقب] أي خرق مصران خلافاً لما في المواق من أن ثقب المصران وشقه ليس بمقتل لأنه قد يلتئم، وإنما المقتل فيه قطعه وانتشاره، ومصران بضم الميم: جمع مصير، كرغيف ورغفان، وجمع الجمع مصارين كسلطان وسلاطين، وجمعه باعتبار طياته، فإذا علمت ذلك فالمناسب للمصنف أن يعبر بالمفرد.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (بقتل).

ص: 320

ونفوذ المقتل إما (بخنق): أي بسببه، (أو) بسبب (وقذ): أي ضرب بحجر أو غيره، (أو) بسبب (ترد) أي سقوط (من) ذي (علو، أو) بسبب (نطح) لها من غيرها، (أو) بسبب (أكل سبع) لبعضها، (أو غير ذلك) من كل ما ينفذ مقتلاً لها (وإلا) بأن نفذ مقتل منها فهذا راجع لقوله:"إن لم ينفذ" إلخ كما تقدمت الإشارة إليه (لم تعمل) أي لم تفد (فيها ذكاة) لأنها صارت ميتة حكماً. وقال الشافعية: تعمل فيها الذكاة كغيرها، فالعبرة في حل أكلها ذبحها وهي حية، نفذت مقاتلها أو لا. وحاصل ما يتعلق بذلك أن قوله تعالى:{حرمت عليكم الميتة} إلى قوله: {والمنخنقة} إلى قوله: {إلا ما ذكيتم} [المائدة: 3] معناه عند الشافعي إلا ما أدركتموه بالذكاة منها وهي حية مطلقاً، وقال مالك: ما لم ينفذ مقتلها لأنها حينئذ ميتة حكماً فلا تعمل فيها ذكاة.

(كمحرم الأكل) لا تعمل: أي لا تفيد فيه ذكاة وهو ميتة نجس بجميع أجزائه ما عدا الشعر وزغب الريش، لأنه لا تحل فيه الحياة.

وبينه بقوله: (من خنزير) إجماعاً، (وحمر أهلية وإن بعد توحش) منها بأن نفرت ولحقت بالوحش نظراً لأصلها، وأما الحمر الوحشية أصالة فتعمل فيها الذكاة لأنها صيد (وبغل وفرس) لا تعمل فيهما ذكاة.

(وذكاة الجنين) الحي في بطن أمه فمات بعد ذكاة أمه هي (ذكاة أمه) فيؤكل بسببها. وتحله الطهارة بشرطين أفادهما بقوله:

(إن تم خلقه) أي استوى ولو كان ناقص يد أو رجل خلقة، (ونبت شعره) أي شعر جسده ولو لم يتكامل ولا يكفي شعر رأسه أو عينه.

وكذا البيض يكون طاهراً يؤكل إن أخرج بعد ذكاة أمه بخلاف ما لو ماتت بلا ذكاة.

(فإن خرج) الجنين بعد ذبح أمه (حياً) حياة مستقرة (لم يؤكل إلا بذكاة إلا أن يبادر) بفتح الدال المهملة: أي إلا أن يسارع إليه بالذكاة، (فيفوت) بالموت فإنه يؤكل للعلم بأن حياته حينئذٍ كلا حياة، وكأنه خرج ميتاً بذكاة أمه.

(وذكي) الجنين (المزلق): أي المسقط فلا يؤكل إلا بذكاة (إن تحققت حياته) بعد إسقاطه وقبل ذبحه، (وتم) خلقه (بشعر) لجسده.

(وإلا) بأن لم تتحقق حياته أو تحققت ولكن لم يتم خلقه (أو لم ينبت) شعره (لم تعمل) الذكاة (فيه) فيكون ميتة نجساً والله أعلم.

ولما كانت الذكاة سبباً في إباحة أكل الحيوان البري ناسب أن يذكر سائر المباحات بعدها فقال [1]:

ــ

قوله: [إما بخنق] إلخ: صرح بالأسباب التي في الآية تبركاً بها ولتبيين معانيها، ولما كان إنفاذ المقاتل ليس محصوراً في الأسباب التي في الآية قال: وغير ذلك.

قوله: [معناه عند الشافعي إلا ما أدركتموه] إلخ: أي فيكون الاستثناء في الآية متصلاً.

قوله: [وقال مالك: ما لم ينفذ مقتلها] وعليه يجوز أن يكون متصلاً أي إلا ما كانت ذكاتكم عاملة فيه منها حيث لم تنفذ مقاتله، وأن يكون منقطعاً والمعنى: لكن ما ذكيتم من غيرها فلا يحرم عليكم إذا كان ذلك الغير ليس منفوذ المقاتل.

قوله: [وزغب الريش]: يفرض ذلك في طير نتج من محرم الأكل.

قوله: [وبغل وفرس] إلخ: أي ما لم تكن وحشية وإلا عملت فيها اتفاقاً، وعدم عمل الذكاة في البغال والخيل على المشهور من المذهب. وأما على القول بالكراهة في البغال والخيل والإباحة في الخيل فتعمل فيها الذكاة.

قوله: [فيؤكل بسببها]: واختلف في المشيمة وعائه على ثلاثة أقوال: قيل: لا تؤكل مطلقاً، وقيل: تؤكل مطلقاً، وقيل: تبع للولد إن أكل أكلت وإلا فلا.

قوله: [ونبت شعره] عطف لازم على ملزوم لأنه يلزم عادة من خلقه نبات شعره أو مسبب على سبب.

قوله: [بعد ذكاة أمه]: أي وإن لم يتكامل فليس كالجنين.

قوله: [بخلاف ما لو ماتت بلا ذكاة]: أي فلا يؤكل بيضها ولو كان متكاملاً.

قوله: [حياة مستقرة] أي محققة أو مشكوكاً فيها.

والحاصل أن الجنين إذا خرج حياً بعد ذكاة أمه؛ إما أن تكون حياته مرجواً بقاؤها، أو مشكوكاً في بقائها، أو ميئوساً من بقائها. ففي الأولين: تجب ذكاته ولا يؤكل إذا مات بدونها، وفي الثالث: تندب ذكاته كما قال ابن رشد، فقول المصنف:(إلا أن يبادر فيفوت) خاص بالميئوس منه، فتعجل موته دليل على ذلك.

قوله: [إن تحققت حياته]: أي أو ظنت لا المشكوك فيها فهي كالعدم فلا يؤكل ولو ذكي.

تتمة: اختلف في جواز الذبح بالظفر والسن وعدمه على أربعة أقوال:

الأول: يجوز مطلقاً اتصلا أو انفصلا، الثاني: يجوز إن انفصلا، الثالث: يجوز بالظفر مطلقاً لا بالسن مطلقاً فلا يجوز يعني يكره كما هو المنقول، الرابع: يمنع بهما مطلقاً فلا يؤكل ما ذبح بهما على هذا القول. ومحل تلك الأقوال إن وجدت آلة غير الحديد فإن وجد الحديد تعين وإن لم يوجد غيرهما جاز بهما جزماً كذا قيل. اهـ. من الأصل.

خاتمة: يحرم اصطياد مأكول من طير أو غيره بنية حبسه أو الفرجة عليه، وأما بنية القنية أو الذكاة فلا بأس بذلك. وكره للهو، وجاز لتوسعة على نفسه وعياله غير معتادة، وندب لتوسعة معتادة أو سد خلة غير واجبة، ووجب لسد خلة واجبة فتعتريه الأحكام الخمسة. وأما صيد نحو الخنزير؛

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (قال).

ص: 321