المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في بيان الحج والعمرة [ - حاشية الصاوي على الشرح الصغير ط الحلبي - جـ ١

[أحمد الصاوي]

الفصل: ‌باب في بيان الحج والعمرة [

(بطل) اعتكافه واستأنفه (إلا) إذا أخره (ليلة العيد ويومه) فلا يبطل لعدم صحة صومه لأحد، بخلاف حائض طهرت أو مريض صح لصحة الصوم من غيرهما في غير العيد، (أو) للتأخر (لخوف من كلص) وسبع في طريقه.

(و) لو شرط المعتكف لنفسه سقوط القضاء عنه على فرض حصول عذر أو مبطل (لا ينفعه اشتراط سقوط القضاء): وشرطه لغو، ويجب عليه القضاء إن حصل موجبه. والله أعلم.

باب [1] في بيان حقيقة الحج والعمرة وأركانهما، وواجباتهما وسننهما،

ومبطلاتهما، ومهمات الأحكام المتعلقة بذلك

(فرض الحج) عيناً (وسنت العمرة) كذلك (فوراً) إذا توفرت الشروط الآتية

ــ

أو بعد الدخول، فهذه ثلاثون. وإن كان نذراً معيناً من غير رمضان، فإن طرأت خمسة الأعذار قبل الشروع في الاعتكاف، أو مقارنة فلا يجب القضاء، وإن طرأت بعد الدخول فالقضاء متصلاً؛ فصوره خمسة عشر: خمسة يقضي فيها، وعشرة لا قضاء، وإن كان تطوعاً معيناً أو غير معين فلا قضاء، سواء طرأت خمسة الأعذار قبل الشروع أو بعده، أو مقارنة له، فصوره ثلاثون فالجملة خمس وسبعون صورة. وبقي حكم ما إذا أفطر ناسياً؛ والحكم أنه يقضي سواء كان الاعتكاف نذراً معيناً من رمضان أو من غيره أو كان نذراً غير معين، أو كان تطوعاً معيناً أو غير معين فصوره خمس فجملة الصور ثمانون.

قوله: [بطل اعتكافه واستأنفه]: أي في جميع الصور التي يؤمر فيها بالبناء المعلومة مما تقدم.

قوله: [لعدم صحة صومه لأحد]: جواب عما يقال: ما الفرق بين العيد وغيره من الأعذار؟ مع أن الجميع يتعذر معه الصوم. وحاصل الجواب أن اليوم الذي طهرت فيه الحائض، وصح فيه المريض، يصح صومه لغيرهما، بخلاف يوم العيد فإنه لا يصح صومه لأحد.

قوله: [ولو شرط المعتكف] إلخ: حاصله: أن المعتكف إذا شرط أي عزم في نفسه - سواء كان عزمه قبل دخول المعتكف أو بعده - على أنه إن حصل له موجب للقضاء لا يقضي، أو أنه يجامع زوجته وهو معتكف، أو أنه لا يصوم، لم يفده شرطه، أي فشرطه باطل، واعتكافه صحيح، ويجب عليه العمل على مقتضى ما أمر الشارع على المشهور. وقيل: لا يلزمه اعتكاف، وقيل: إن كان الشرط قبل الدخول في الاعتكاف بطل اعتكافه، وإن كان بعد أن دخل بطل الشرط.

تنبيه: إن اجتمع على امرأة عبادات متضادة الأمكنة: كعدة وإحرام واعتكاف فإن سبق الاعتكاف العدة - كما لو طلقت أو مات عنها وهي معتكفة - أو عكسه، أتمت السابق فتستمر في معتكفها في الأول، وفي منزل عدتها في الثاني حتى تتمها، ثم تفعل الاعتكاف إن كان مضموناً أو ما بقي من المعين إن بقي من زمنه شيء. وأما إن تعارض إحرام وعدة فتتم الإحرام، تقدم أو تأخر، ويبطل مبيتها في

العدة فهذه أربع، وبقي صورتان طرو اعتكاف على إحرام وعكسه، فتتم السابق منهما إلا أن تخشى في الثانية فوات الحج فتقدمه إن كانا فرضين أو نفلين، أو الإحرام فرضاً والاعتكاف نفلاً، فإن كان الاعتكاف فرضاً والإحرام نفلاً أتمت الاعتكاف، وهاتان الصورتان لا تخصان المرأة.

خاتمة: قال في المجموع: وللمكاتب اعتكاف اليسير، وللمبعض مطلقه ولو كثيراً في زمن نفسه، وللسيد منع غير ذلك؛ إلا أن يأذن في نذر معين فينذر، أو غيره ولو تطوعاً فيدخل. فإن نذر بغير إذن فمنع فعليه إن عتق، وقياسه إذا تأيمت المرأة؛ عليها حيث منعت ما لم يفت زمن المعين اهـ. والتفصيل الذي قيل في الاعتكاف يقال في الصوم والإحرام [2].

‌باب في بيان الحج والعمرة [

3]

لما أنهى الكلام على دعائم الإسلام الثلاثة وهي: الصلاة والزكاة والصوم وما يلحق بها، شرع في الكلام على الدعامة الرابعة وهي الحج: بفتح الحاء - وهو القياس - والكسر أكثر سماعاً، وكذا اللغتان في الحجة، وقيل: الحج بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم، وقيل: الاسم بهما. الجوهري: الحج القصد ورجل محجوج: أي مقصود، وهذا الأصل. ثم تعورف في استعماله في القصد إلى مكة المشرفة للنسك تقول: حججت البيت أحجه حجاً فأنا حاج. وربما أظهروا التضعيف في ضرورة الشعر قال الراجز:

بكل شيخ عامر أو حاجج

وإنما أضيف الحج والعمرة لله في قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196] ولم تضف بقية العبادة لأنه مما يكثر الرياء فيهما جداً، ويدل على ذلك الاستقراء، حتى إن كثيرا من الحجاج لا يكاد يسمع حديثا في شيء إلا ذكر ما اتفق له في حجه، فلما كان مظنة الرياء قيل فيهما:" لله " اعتناء بالإخلاص. اهـ خرشي. ومعنى الحج اصطلاحاً سيأتي للمصنف.

ومعنى العمرة لغة: الزيارة، واصطلاحاً سيأتي للمصنف.

قوله: [فرض الحج]: أي مرة في العمر.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

زاد بعدها في ط المعارف: (الحج والعمرة).

[2]

زاد بعدها في ط المعارف: (وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين).

[3]

قوله: (في بيان الحج والعمرة) ليس في ط المعارف.

ص: 260

على أرجح القولين، والثاني: يجب، وتسن على التراخي إلى ظن الفوات.

(على الحر) فلا يجب حج ولا تسن عمرة على رقيق ولو بشائبة حرية.

(المكلف) لا على صبي أو مجنون.

(المستطيع) أي القادر على الوصول لا على غيره؛ من مكروه [1] وفقير وخائف من كلص وسيأتي تفصيله.

(مرة) في العمر فشروط وجوبه أربعة: الحرية، والبلوغ، والعقل، والاستطاعة وسيأتي أن الإسلام شرط صحة (وهو) أي الحج؛ أي حقيقته (حضور جزء) أي جزء كان (بعرفة) أي فيها. والتعبير بـ "حضور" أعم من الوقوف لشموله المار والجالس والمضطجع كما سيأتي بيانه، (ساعة) زمانية -ولو كالجلسة بين السجدتين- لا فلكية، (من) ساعات (ليلة) يوم (النحر، وطواف بالبيت) العتيق (سبعاً) أي سبع مرات.

(وسعي بين الصفا والمروة كذلك) أي سبع مرات.

(بإحرام) أي حال كون الحضور وما عطف عليه متلبساً بإحرام؛ أي نية فأركانه أربعة كما يأتي، ويأتي إن شاء الله تعالى بيانها وبيان ما يتعلق بكل ركن منها.

(وهي): أي العمرة؛ أي حقيقتها (طواف وسعي كذلك): راجع لهما؛ أي طواف بالبيت سبعاً وسعي بين الصفا والمروة سبعاً (بإحرام) فأركانها ثلاثة كما سيأتي مع بيانها وبيان ما يتعلق بكل ركن منها، فالعمرة لا وقوف فيها بعرفة.

(وصحتهما): أي الحج والعمرة:

(بإسلام): فلا يصح واحد منهما من كافر يصح من الصبي والمجنون.

(فيحرم الولي) أي ولي الصبي أو المجنون أب أو غيره ندباً إذا كان معه (عن كرضيع) أي رضيع ونحوه من فطيم لم يبلغ التمييز، فزيادتنا الكاف ليشمله، (و) عن مجنون (مطبق) بفتح الموحدة: وهو من لا يفهم الخطاب، ولا يحسن رد الجواب.

(و) إذا أحرم الولي عنهما (جردا) أي جردهما عن المخيط وجوباً (قرب الحرم) تنازعه كل من "يحرم""وجردا"؛ فلا يحرم عنهما من الميقات ويؤخر التجريد لقرب الحرم،

ــ

قوله: [وسنت العمرة]: أي مرة في العمر أيضاً، وسيأتي التصريح بذلك، وما زاد على المرة في كل مندوب. ويندب للحاج أن يقصد إقامة الموسم ليقع الحج فرض كفاية، والعمرة سنة كفاية، وهي آكد من الوتر، وقيل هي فرض كالحج وبه قال الشافعي، وقيل: فرض على غير أهل مكة. وهل فرض قبل الهجرة أو بعدها سنة خمس أو ست؟ وصححه الشافعي، أو ثمان أو تسع وصححه في الإكمال؛ أقوال، ونزل قوله تعالى {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] سنة سبع، وقيل سنة عشر فتكون مؤكدة على أكثر الأقوال. «وحج عليه الصلاة والسلام حجة واحدة وهي حجة الوداع في السنة العاشرة، واعتمر أربعاً: عمرته التي صده فيها المشركون عن البيت من الحديبية، وعمرته في العام المقبل حين صالحوه، وعمرته حين قسم غنائم حنين من الجعرانة - وكل في ذي القعدة، وقيل إن عمرة الجعرانة كانت لليلتين بقيتا من شوال - وعمرته مع حجه.

قوله: [على أرجح القولين]: وهو رواية العراقيين، والقول بالتراخي لخوف الفوات رواية المغاربة، والغالب تقديمهم بعد المصريين كابن القاسم، لكن هنا رجحت رواية العراقيين، ومحل الخلاف في غير المفسد، وأما هو فاتفق على فورية القضاء فيه. قال في المجموع نقلاً عن (ح): وانظر هل يجري الخلاف في العمرة؟ لم أر من تعرض له اهـ. ولكن صريح شارحنا أنها مثله وهو مفاد الجلاب وابن شاس.

قوله: [إلى ظن الفوات]: أي إلى وقت يخاف فيه فواته: بالتأخير إليه، ويختلف باختلاف الناس والأزمان.

قوله: [لا على صبي أو مجنون]: أي فلا يجب عليهما كالرقيق، وإن كان يصح من الجميع، والعبرة بكونه حراً مكلفاً وقت الإحرام كما يأتي؛ فمن لم يكن حراً أو مكلفاً وقته ولم يقع فرضاً، ولا يسقط عنه الفرض إذا عتق أو بلغ أو أفاق بعد ذلك إلا بحجة أخرى.

قوله: [لا على غيره]: أي لا على غير القادر، فإن تكلفه سقط الفرض.

قوله: [فشروط وجوبه أربعة]: لكن الثلاثة الأول - كما أنها شروط في الوجوب - شروط في وقوعه فرضاً، والرابع شرط في الوجوب فقط. ولذلك لو تكلفه غير المستطيع سقط الفرض كما تقدم، وسيأتي إيضاح ذلك في الشارح.

قوله: [وسيأتي أن الإسلام شرط صحة]: فشرط الصحة واحد الذي هو الإسلام.

قوله: [من ساعات ليلة يوم النحر]: ويجتزأ بها في أي جزء من الليل، وأما الوقوف نهاراً فواجب ينجبر بالدم كما يأتي.

قوله: بالبيت العتيق: سمي بذلك لأن الله أعتقه من يد الجبابرة، فلا يصول عليه جبار إلا ويهلكه الله، أو لكونه قديماً لقوله تعالى {إن أول بيت وضع للناس} [آل عمران: 96] الآية.

قوله: [مع بيانها]: أي الأركان؛ أي التصريح بها.

وقوله: [وبيان ما تعلق بكل ركن]: أي من جهة شروطه.

قوله: [لا وقوف فيها بعرفة]: ولذلك كان وقتها السنة كلها ما لم يكن متلبساً بحج كما يأتي.

قوله: [أو غيره ندباً]: أي لا وجوباً لأن غير المكلف يجوز إدخاله الحرم بغير إحرام. وغير الأب يشمل الوصي ومقدم القاضي والأم والعاصب، وإن لم يكن لهم نظر في المال كما نقله الأبي في شرح مسلم - كذا في حاشية الأصل، ومعنى إحرامه عنه نية إدخاله في الإحرام بحج أو عمرة، سواء كان الولي متلبساً بالإحرام عن نفسه أم لا.

قوله: [وعن مجنون مطبق]: وهو من لا ترجى إفاقته أصلاً.

قوله: [قرب الحرم]:

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (مكره)، ولعلها الصواب.

ص: 261

كما قيل. فالذاهب من جهة رابغ يؤخر ما ذكر لقرب التنعيم؛ أي مساجد عائشة ولا دم بتعديتهما للميقات (وانتظر من) أي مجنون (ترجى إفاقته) وجوباً، ولا ينعقد عليه إحرام وليه ما لم يخف عليه الفوات، (فإن خيف) عليه (الفوات) بطلوع فجر يوم النحر -ويعرف ذلك بعادته أو بإخبار طبيب عارف- (فكالمطبق) يحرم عنه وليه ندباً فإن أفاق في زمن يدرك فيه الحج أحرم لنفسه، ولا دم عليه في تعدي الميقات لعذره (لا مغمى) عليه (فلا يصح إحرام) من أحد (عنه ولو خيف الفوات)؛ لأنه مظنة عدم الطول، بخلاف الجنون [1].

(وأحرم) صبي (مميز بإذنه) أي الولي (كعبد) أي رقيق (وامرأة) ذات زوج، فلا تحرم إلا بإذن زوجها.

(وإلا) بأن أحرم المميز بغير إذن وليه، أو الرقيق بغير إذن سيده، أو الزوجة بغير إذن زوجها (فله) أي لمن ذكر (التحليل) لمن ذكر بالنية، والحلاق أو التقصير إذا لم تحرم الزوجة بحجة الإسلام أيضاً (ولا قضاء) على المميز إذا بلغ (بخلاف العبد) إذا عتق (والمرأة) إذا تأيمت فعليهما القضاء إذا حللا، وعليهما حجة الإسلام أيضاً.

(وأمره) الولي (مقدوره) أي ما يقدر عليه الصبي من أقوال الحج وأفعاله فيلقنه التلبية إن قبلها، (وإلا) يقدر بأن عجز عن قول أو فعل أو عن الجميع؛ كغير المميز والمطبق (ناب) الولي (عنه) أي عن العاجز (إن قبلها) أي قبل المعجوز عنه النيابة، ولا يكون إلا فعلاً (كرمي) لجمار، (وذبح) لهدي أو فدية، ومشي في طواف وسعي، (لا) إن لم يقبل النيابة من قول أو فعل (كتلبية وركوع) أي صلاة وغسل، فتسقط حيث عجز (وأحضرهم): أي أحضر الولي الرضيع والمطبق والصبي المميز (المشاهد) المطلوب حضورها شرعاً؛ وهي عرفة ومزدلفة والمشعر الحرام ومنى.

(وإنما يقع) الحج (فرضاً إذا كان) المحرم به (وقت الإحرام حراً مكلفاً): أي بالغاً عاقلاً، (ولم ينو) الحر المكلف بحجه (نفلاً) الواو للحال: أي حال كونه غير ناوٍ بحجه [2] نفلاً، بأن نوى به الفرض، أو أطلق فينصرف للفرض فإن كان وقت الإحرام به رقيقاً أو صبياً أو مجنوناً نوى عنه وليه، أو حراً مكلفاً ونوى به النفل، لم يقع فرضاً ولو عتق الرقيق أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون إثر ذلك

ــ

أي إن لم يخش عليهما ضرراً، وإلا فالفدية ولا يجردهما.

قوله: [كما قيل]: قائله ابن عبد السلام ووافقه البساطي وهو غير صواب قاله البناني.

قوله: [لقرب التنعيم]: كلامه يقتضي أن المراد بالحرم حقيقته. ولكن في الأصل فسر الحرم بمكة نفسها فقط. وفي المجموع صرح بأن المراد بالحرم مكة وكذا في الحاشية.

تنبيه: كل ما ترتب على الصبي بالإحرام من هدي وفدية وجزاء صيد فعلى وليه مطلقاً، خشي عليه الضيعة أم لا، إذ لا ضرورة في إدخاله في الإحرام، كزيادة نفقة السفر، وجزاء صيد صاده في الحرم إن كان غير محرم إن لم يخف ضياعه بعدم سفره معه، فإن خاف ضياعه فزيادة النفقة في السفر. وجزاء صيد الحرم في مال الصبي كأصل النفقة المساوي لنفقة الحضري، فإنه في مال الصبي مطلقاً. قوله:[مغمي عليه] إلخ: ثم إن أفاق هو في زمن يدرك الوقوف فيه أحرم وأدركه، ولا دم عليه في تعدي الميقات لعذره، كالمجنون الذي ترجى إفاقته، وإن لم يفق من إغمائه إلا بعد الوقوف فقد فاته الحج في ذلك العام، ولا عبرة بإحرام أصحابه عنه ووقوفهم به في عرفة، ولا دم عليه لذلك الفوات، لأنه لم يدخل في الإحرام.

قوله: [بإذن زوجها] إلخ: فإن أذن لمن ذكر وأراد المنع قبل الشروع في الإحرام، ففي الشامل ليس له المنع، ولأبي الحسن له قبل الإحرام لا بعده، وهو المعتمد - كذا في الحاشية. ومثل المميز في كونه لا يحرم إلا بإذن وليه: السفيه المولى عليه، وإن كان الحج واجباً عليه - كذا في حاشية الأصل.

قوله: [فله أي لمن ذكر التحليل]: أي إن رآه مصلحة، وإن رأى المصلحة في إبقائه أبقاه على حاله، وإن استوت خير. والظاهر أن التحليل واجب عند تعين المصلحة فيه، وفي ضده يحرم. إذا علمت ذلك تعلم أن اللام في قوله:"فله التحليل" للاختصاص. ومثل الصبي المحرم بغير إذن وليه: السفيه البالغ إذا أحرم بغير حجة الإسلام، فله تحليله ولا يلزمه القضاء إذا حلله.

قوله: [بالنية]: أي بأن ينوي إخراجه من حرمات الحج، وتصييره حلالاً، ثم يحلق له رأسه ولا يكفي في إحلاله رفضه نية الحج بل لا بد مما ذكر.

قوله [فعليهما القضاء]: والفرق بينهما وبين الصغير والسفيه أنه لما كان الحجر على الصغير والسفيه لحق أنفسهما سقط القضاء، وأما العبد والمرأة فلحق السيد والزوج، فلم يسقط القضاء لضعفه.

قوله: [وعليهما حجة الإسلام أيضاً]: أي ويقدمان القضاء على حجة الإسلام، فإن قدما حجة الإسلام صحت.

قوله: [وأمره]: أي الولي مقدوره مرتبط بقوله: [وأحرم صبي مميز بإذنه].

قوله: [فتسقط حيث عجز]: أي ولا دم.

قوله: [وأحضرهم]: أي وجوباً في الواجب وندباً في المندوب.

قوله: [أو مجنوناً نوى عنه وليه]: أي مطبقاً.

قوله: [لم يقع فرضاً]: أي وإنما يقع نفلاً ولو نوى به الفرض،

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (المجنون).

[2]

قوله: (غير ناوٍ بحجه) في ط المعارف: (غيرنا وبحجه).

ص: 262

ولا يرتفض إحرامه ولا يردف عليه آخر، وحجة الإسلام باقية عليه.

(والاستطاعة) التي هي أحد شروط الوجوب أمران:

الأول: (إمكان الوصول) لمكة إمكاناً عادياً بمشي أو ركوب ببر أو بحر (بلا مشقة فادحة) أي عظيمة خارجة عن العادة، وإلا فالمشقة لا بد منها؛ إذ [1] السفر قطعة من العذاب.

(و) الثاني: (أمن على نفس ومال) من محارب وغاصب لا سارق (له بال) بالنسبة للمأخوذ منه؛ فقد يكون الدينار له بال بالنسبة لشخص، ولا بال له بالنسبة لآخر (لا إن قل) المال المأخوذ، بأن كان لا يضر بصاحبه فلا يسقط الحج بخوف أخذه عند ابن رشد، وهو المعول عليه (إلا أن ينكث ظالم) أي يرجع للأخذ ثانياً بعد الأول؛ فإن خيف منه ذلك سقط وجوبه باتفاق ابن رشد وغيره، وإن قل المجموع.

فإذا أمن على نفسه وجب الحج (ولو بلا زاد و) بلا (راحلة) يركبها (لذي صنعة تقوم به وقدر على المشي) يعني أن الاستطاعة لا تتوقف على زاد ولا مركوب؛ بل يقوم مقام الزاد الصنعة الكافية، كبيطرة وحلاقة وخياطة وخدمة بأجرة، ويقوم مقام الراحلة القدرة على المشي اجتماعاً أو [2] انفراداً (ولو) كان القادر على المشي (أعمى) يهتدي بنفسه أو بقائد ولو بأجرة قدر عليها. (أو) قدر على الوصول (بما) أي بثمن شيء (يباع على المفلس) من ماشية وعقار وثياب وكتب علم يحتاج لها، فيجب عليه الحج (أو بافتقاره) أي ولو مع افتقاره أي صيرورته فقيراً بعد حجه. (و) مع (ترك ولده) ومن تلزمه نفقته (للصدقة) من الناس (إن لم يخش) عليهم (ضياعاً)، ولو لم يبلغ حد الهلاك، بأن كان الشأن عدم الصدقة عليهم أو عدم من يحفظهم.

(أو) قدر على الوصول (بسؤال) من الناس، لكن بشرطين: أفادهما بقوله:

(إن كان عادته) السؤال، (وظن الإعطاء) وإلا فلا يجب عليه (واعتبر) في الاستطاعة زيادة على إمكان الوصول (ما يرد به) من المال أو ما يقوم مقامه إلى وطنه، أو أقرب مكان يعيش به إذا لم تمكنه الإقامة بمكة وإلا فلا.

(وزيد) على الأمن على النفس أو المال (في) حق (المرأة زوج) يسافر معها، (أو محرم) بنسب أو رضاع، (أو رفقة أمنت) ولو رجالاً فقط، أو نساء فقط، كان الحج عليها فرضاً؛ وإلا فلا بد من الزوج أو المحرم، وإلا سقط بل يمتنع [3] عليها.

(ولا تصح نيابة) من أحد

ــ

بخلاف الجمعة بالنسبة للعبد والمرأة فإنها لا تجب عليهم لكن لو صلوها وقعت منهم فرضاً. والعبرة بكونه وقت الإحرام حراً مكلفاً في نفس الأمر وإن لم يعلم، فمن ظهر له حريته أو تكليفه وقت الإحرام سقط عنه الفرض، إن لم يكن نوى النفلية.

قوله: [ولا يرتفض إحرامه] إلخ أي لو رفض ذلك الإحرام الحاصل قبل العتق أو قبل البلوغ، وأحرم بنية الفرض، كان إحرامه الثاني بمنزلة العدم.

قوله: [إمكاناً عادياً]: فلا يجب بنحو طيران إن قدر على ذلك، لكن إن وقع أجزأ. وتردد زروق في الوجوب بذلك، ومقتضى شارحنا: عدم الوجوب.

قوله: [وإلا فالمشقة لا بد منها] إلخ والمشقة المسقطة تختلف باختلاف الناس والأزمنة والأمكنة. وفي (ح) التشنيع على من أطلق في سقوط الحج عن أهل المغرب، بل النظر بحسب الحال والزمان في أهل المغرب وغيرهم. ومن عدم الاستطاعة: سلطان يخشى من سفره العدو أو اختلال الرعية أو ضرراً عظيماً يلحقه بعزله مثلاً لا مجرد العزل فيما يظهر كذا قال الأشياخ.

قوله: [من محارب وغاصب]: يحترز بذلك عن أخذ الدال على الطريق أجرة من المسافرين، فإنه جائز وليس فيه تفصيل الظالم، ويكون على عدد رؤوس المسافرين دون أمتعتهم، إذ من معه دواب ولو كثرت كالمتجرد في انتفاعهما به. والظاهر اعتبار عدد رؤوس من التابعين والمتبوعين فقط، وإذا جرى عرف بشيء عمل به لأنه كالشرط - كذا في حاشية الأصل نقلاً عن (عب).

قوله: [ولو بلا زاد]: رد: ب (لو) على سحنون ومن وافقه ممن قال باشتراط مصاحبة الزاد والراحلة له، ولو كان له صنعة أو قدرة على المشي.

قوله: [وقدر على المشي]: ظاهره ولو كان المشي غير معتاد له، واشترط القاضي عبد الوهاب والباجي اعتياده، لا إن كان غير معتاد له ويزري به، فلا يجب عليه الحج وما قيل فيه يقال في الصنعة.

قوله: [يهتدي بنفسه]: أي وكان معه من المال ما يوصله.

قوله: [قدر عليها]: أي وجدها ولا تجحف به ومحل الوجوب على الأعمى إذا اهتدى أو وجد قائداً، إذا كان رجلاً لا امرأة، فإنه يسقط عنها ولو قدرت على المشي مع قائد بل يكره لها ذلك. كذا في حاشية الأصل.

قوله: [يباع على المفلس]: أي ولو ثمن ولد زنا، قال (ح): ثمن ولد الزنا لا شبهة فيه، وإثم ولد الزنا على أبويه.

قوله: [أو بافتقاره] إلخ: حاصله أنه يجب عليه الحج ولو لم يكن عنده وعند أولاده إلا مقدار ما يوصله فقط، ولا يراعى ما يئول أمره وأمر أولاده إليه في المستقبل، فإن ذلك موكول لله، وهذا مبني على فورية الحج. وأما على التراخي فلا إشكال في تبدئة نفقة الأولاد والأبوين والزوجة. واعلم أنه لا يلزم الشخص التكسب وجمع المال لأجل أن يحصل ما يحج به، ولا أن يجمع ما فضل عن كسبه مثلاً كل يوم حتى يصير مستطيعاً، بل له أن يتصدق به والمعتبر الاستطاعة الحالية كذا في الحاشية.

قوله: [إن كان عادته السؤال]: أي في الحضر، وأما فقير غير سائل في الحضر، وقادر على سؤال كفايته في السفر، فلا يجب. وفي إباحته أو كراهته روايتا ابن عبد الحكم وابن القاسم.

قوله: [وزيد على الأمن]: حاصله: أن

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (إذا).

[2]

في ط المعارف: (أم).

[3]

في ط المعارف: (يمنع).

ص: 263

(عن) شخص (مستطيع في) حج (فرض) بأجرة أو لا؛ فالإجارة فيه فاسدة لأنه عمل بدني لا يقبل النيابة كالصلاة والصوم، فالفرض باق على المستنيب.

(وإلا) تكن في فرض بل في نفل أو في عمرة كرهت النيابة، وصحت الإجارة فيما ذكر، وللمستنيب أجر الدعاء والنفقة، وحمل النائب على فعل الخير هذا هو الذي اعتمده الشيخ في التوضيح، وفي المختصر، وضعفه بعضهم وقال المعتمد في المذهب أن النيابة عن الحي لا تجوز، ولا تصح مطلقاً إلا عن ميت أوصى به فتصح مع الكراهة وشبه في الكراهة قوله:(كبدء للمستطيع) أي كما يكره للمستطيع الذي عليه حجة الفرض أن يبدأ (به) أي بالحج (عن غيره) قبل أن يحج عن نفسه بناء على أنه واجب على التراخي، وإلا منع وعلى ما تقدم من اعتماد بعضهم يحمل على ما إذا حج عن ميت أوصى به وإلا لم يصح.

(و) ككراهة (إجارة نفسه): أي الإنسان ذكراً أو أنثى (في عمل الله [1]) تعالى حجاً أو غيره، كقراءة وإمامة وتعليم علم إلا تعليم كتاب الله تعالى.

ــ

الاستطاعة - التي هي شرط في الوجوب عبارة عن إمكان الوصول من غير مشقة عظمت مع الأمن على النفس والمال، ويزاد على ذلك في حق المرأة أن تجد محرماً من محارمها يسافر معها، أو زوجاً لقوله عليه الصلاة والسلام:«لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا ومعها محرم» ، وأطلق في المحرم فيعم الذي من النسب والصهر والرضاع. وقوله:"لامرأة" نكرة في سياق النفي؛ فيعم المتجالة والشابة ولا يشترط أن تكون هي والمحرم مترافقين، فلو كان أحدهما في أول المركب والثاني في آخره بحيث إذا احتاجت إليه أمكنها الوصول من غير مشقة كفى على الظاهر كذا في الحاشية. ولا يشترط في المحرم البلوغ، بل المدار على التمييز، ووجود الكفاية.

وهل عبد المرأة محرم مطلقاً نظراً لكونه لا يتزوجها فتسافر معه؟ ورجحه ابن القطان أولاً مطلقاً؟ وهو الذي ينبغي المصير إليه، ورجحه ابن الفرات، أو إن كان وغداً فمحرم تسافر معه وإلا فلا، وعزاه ابن القطان لمالك وابن عبد الحكم وابن القصار، ويقوم مقام الرفقة المأمونة في سفر الفرض فقط كما يؤخذ من الشارح.

تنبيهان: الأول: يزاد في المرأة أنها لا يلزمها المشي البعيد. ويختلف البعد بأحوال النساء، ولا تركب صغير السفن لأنه لا يمكنها المبالغة في الستر عند كالنوم وقضاء الحاجة، وحيث وجدت الاستطاعة بشروطها، فالبحر كالبر إن غلبت السلامة لا إن ساوت العطب، وقيل لا يجب بالبحر لقوله تعالى {يأتوك رجالا وعلى كل ضامر} [الحج: 27] ولم يذكر البحر، فرد بأن الانتهاء لمكة لا يكون إلا براً لبعد البحر منها. ومحل الوجوب بالبحر أيضاً إلا أن يضيع ركن صلاة لكدوخة. وأما عدم ماء الوضوء فسبق جواز السفر مع التيمم، نعم لا بد من ماء الشرب حيث تضر بهم قلته، وفي الخرشي وغيره لا يحج إن لزم صلاته بالنجاسة، قال في المجموع وقد يناقش بالخلاف فيها.

الثاني: لا يجب الحج باستطاعته بالدين ولو من ولده إذا لم يرج الوفاء، أو بعطية من هبة أو صدقة إن لم يكن معتاداً لذلك، ويصح بالمال الحرام مع العصيان.

فائدة: الحج ولو تطوعاً أفضل من الغزو إلا أن يتعين لفجء العدو، أو بتعيين الإمام، أو بكثرة الخوف، فإنه يقدم على الحج ولو فرضاً والأفضل في سفر الحج الركوب، والأفضل أن يكون على القتب رحل صغير للسنة والبعد عن الكبر.

قوله: [عن شخص مستطيع] إلخ: لا مفهوم لقوله "مستطيع في فرض"، بل الاستنابة فاسدة مطلقاً سواء كان المحجوج عنه مستطيعاً أو لا، في فرض أو نفل إن كان حياً كما سيأتي اعتماده في الشارح.

قوله: [كالصلاة والصوم]: أي ولذلك قال في التوضيح: فائدة من العبادة ما لا يقبل النيابة بإجماع كالإيمان بالله، ومنها ما يقبلها إجماعاً كالدعاء والصدقة والعتق ورد الديون والودائع. واختلف في الصوم والحج، والمذهب: أنهما لا يقبلان النيابة اهـ.

قوله: [وضعفه بعضهم]: المراد به (ر) قائلاً المعتمد منع النيابة عن الحي مطلقاً صحيحاً أو مريضاً كانت النيابة في فرض أو في نفل كانت بأجرة أو لا.

قوله: [على ما تقدم من اعتماد بعضهم]: الذي هو (ر) كما تقدم.

قوله: [وإلا لم يصح]: أي مطلقاً كانت النيابة في فرض أو غيره حيث كانت عن حي.

قوله: [وككراهة إجارة نفسه] إلخ: أي لقول مالك: لأن يؤاجر الرجل نفسه في عمل اللبن وقطع الحطب وسوق الإبل، أحب إلي من أن يعمل عملاً لله بأجرة.

قوله: [وتعليم علم]: قال الشيخ في تقريرة: يستثنى منه علم الحساب، فإنه لا كراهة في تعليمه بأجرة، لأنه صنعة يجوز أخذ الأجرة عليه.

قوله: [إلا تعليم كتاب الله تعالى]: أي ومثله الأذان وإن مع الصلاة كذا في المجموع، وظاهره وإن لم تكن الأجرة من وقف، ولا من بيت مال، وفي الحديث:«إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله تعالى» ، وذكر الأشياخ الفرق بين العلم والقرآن أن العلم

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (لله)، ولعله الصواب.

ص: 264

(ونفذت) إن آجر نفسه، أي صحت ومحل الكراهة إذا لم تكن الأجرة من وقف أو من بيت المال فلا كراهة.

(وأركانه) أي الحج (أربعة) أولها: (الإحرام) وهو نية مع قول أو فعل متعلقين به؛ كالتلبية والتجرد فلا ينعقد بمجرد النية والأرجح أنه ينعقد بمجردها.

(ووقته) المأذون فيه شرعاً (للحج) إظهار في محل الإضمار لزيادة الإيضاح أي ابتداء وقته له (شوال) من أول ليلة عيد الفطر، ويمتد (لفجر يوم النحر) بإخراج الغاية؛ فمن أحرم قبل فجره بلحظة وهو يعرفه [1] فقد أدرك الحج، وبقي عليه الإفاضة والسعي بعدها لأن الركن عندنا الوقوف بعرفة ليلاً، وقد حصل.

(وكره) الإحرام له (قبله): أي قبل شوال، وانعقد.

(كمكانه) أي كما يكره الإحرام قبل مكانه الآتي بيانه.

(و) وقت الإحرام (للعمرة أبداً) أي في أي وقت من العام (إلا لمحرم بحج) فلا يصح إحرامه بعمرة، إلا إذا فرغ من جميع أفعاله من طواف وسعي ورمي لجميع الجمرات إن لم يتعجل، وبقدر رميها من اليوم الرابع بعد الزوال إن تعجل فقوله:(فبعد الفراغ من رمي) اليوم (الرابع) بالفعل إن لم يتعجل أو بقدره إذا تعجل معناه إذا كان قدم طوافه وسعيه.

(وكره) الإحرام بها (بعده) أي بعد رميه اليوم الرابع (للغروب) منه، (فإن أحرم) بها بعده وقبل الغروب صح إحرامه (وأخر) وجوباً (طوافها) وسعيها (بعده) أي الغروب، وإلا لم يعتد بفعله على المذهب وأعادهما بعده، وإلا فهو باقٍ على إحرامه أبداً.

ثم شرع في بيان الميقات المكاني للإحرام بقوله:

(ومكانه): أي الإحرام (له): أي للحج غير القران أخذاً مما يأتي، يختلف باختلاف الحاجين.

فهو بالنسبة (لمن بمكة) سواء كان من أهلها أم لا، ولو أقام بها إقامة لا تقطع حكم السفر (مكة) أي: الأولى له أن يحرم من مكة في أي مكان منها، ومثلها من منزله في الحرم خارجها (وندب) إحرامه (بالمسجد) الحرام أي فيه موضع صلاته، ويلبي وهو جالس

ــ

لو جازت الإجارة عليه لأدى لضياع الشريعة مع أن معرفة أحكام الدين فرض عين على كل مكلف، وليس في القرآن فرض عين سوى الفاتحة؛ فلذلك رخص أخذ الأجرة فيه دون العلم.

قوله: [ونفذت إن آجر نفسه] إلخ: أي وإن كان مكروهاً، وإنما نفذت الوصية به في الحج وغيره، مراعاة لمن يقول بجواز النيابة، وهنا كلام طويل في خليل وشراحه تركه المصنف اتكالاً على معرفته من باب الإجارة والوصايا، ولكون إجارة الحج مكروهة في بعض المسائل، وفاسدة في بعضها، لم يعتن بتفصيلها وقد أجاب بذلك هو رضي الله عنه.

قوله: [وأركانه أي الحج] إلخ: اعلم أن الركن هو ما لا بد من فعله، ولا يجزئ عنه دم ولا غيره وهي: الإحرام، والطواف، والسعي، والوقوف بعرفة. وهذه الأركان ثلاثة أقسام: قسم يفوت الحج بتركه ولا يؤمر بشيء: وهو الإحرام. وقسم يفوت بفواته ويؤمر بالتحلل بعمرة وبالقضاء في العام القابل وهو الوقوف، وقسم لا يفوت بفواته ولا يتحلل من الإحرام ولو وصل لأقصى المشرق أو المغرب رجع لمكة ليفعل: وهو طواف الإفاضة والسعي والثلاثة غير السعي متفق على ركنيتها، وأما السعي فقيل بعدم ركنيته وإن كان ضعيفاً، وبه قال أبو حنيفة.

وزاد ابن الماجشون في الأركان: الوقوف بالمشعر الحرام ورمي العقبة، والمشهور أنهما غير ركنين، بل الأول مستحب والثاني واجب يجبر بالدم. وحكى ابن عبد البر قولاً بركنية طواف القدوم، والحق أنه واجب يجبر بالدم. واختلف في اثنين خارج المذهب وهما: النزول بالمزدلفة، والحلاق. والمذهب عندنا أنهما واجبان يجبران بالدم فهي تسعة بين مجمع عليه ومختلف فيه في المذهب وخارجه. قال (ح): ينبغي للإنسان إذا أتى بهذه الأشياء أن ينوي الركنية ليخرج من الخلاف، وليكثر الثواب - أشار له الشبيبي اهـ (بن) نقله محشي الأصل.

قوله: [والأرجح أنه ينعقد بمجردها]: أي ويلزمه دم في ترك التلبية والتجرد حين النية على ما سيأتي تفصيله.

قوله: [ووقته المأذون فيه]: أي الذي يجوز فيه من غير كراهة بدليل ما يأتي.

قوله: [فمن أحرم قبل فجره بلحظة]: أي فالمراد أن الزمن الذي ذكره ظرف متسع للإحرام فيه إلى أن يبقى على فجر يوم النحر لحظة يدرك بها الإحرام فيصير مضيقاً.

قوله: [وانعقد]: أي على المشهور لأنه وقت كمال، بخلاف الصلاة فإنها تفسد قبل وقتها، لأنه وقت للصحة والوجوب.

قوله: [كمكانه]: أي ولكن ينعقد اتفاقاً.

قوله: [إلا لمحرم بحج]: أي ومثله محرم بعمرة فلا تنعقد عمرة على حج، ولا على عمرة المحرم، ولا يلزمه شيء في ذلك فلو قال إلا لمحرم بنسك لكان أولى.

قوله: [وإلا لم يعتد بفعله]: أي إن فعل بها قبل الغروب شيئاً من طواف أو سعي - ومنه الدخول للحرم بسببها - فيعيد جميع ما فعله. فإن تحلل منها بالطواف والسعي قبل غروب الرابع، ووطئ أفسد عمرته فيتمها وجوباً ويقضيها ويهدي ويفتدي لكالحلق.

قوله: [غير القران]: شمل كلامه المفرد الذي لم يتحلل من عمرته في أشهر الحج، والمتمتع الذي تحلل من عمرته في أشهر الحج وأحرم بحج مفرداً.

قوله: [ومثله من منزله في الحرم خارجها]:

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (بعرفة)، ولعله الصواب.

ص: 265

وليس عليه القيام من مصلاه ولا أن يتقدم جهة البيت (و) ندب خروج الآفاقي المقيم بها (ذي النفس) أي الذي معه نفس أي سعة زمن يمكن الخروج فيه لميقاته، وإدراك الحج (لميقاته) ليحرم منه فإن لم يخرج فلا شيء عليه.

(و) مكانه (لها) أي للعمرة لمن بمكة (وللقران) أي الإحرام بالعمرة والحج معاً (الحل) ليجمع في إحرامه لها [1] بين الحل والحرم إذ هو شرط في كل إحرام، (وصح) الإحرام لها وللقران (بالحرم) وإن لم يجز ابتداء، (وخرج) وجوباً للحل للجمع في إحرامه بين الحل والحرم، (وإلا) يخرج للحل وقد طاف لها وسعى (أعاد طوافه وسعيه) لفسادهما (بعده)، أي بعد الخروج للحل، ولا فدية عليه إذا لم يكن حلق قبل خروجه، (وافتدى إن حلق قبله) أي الخروج لأن حلقه وقع حال إحرامه لعدم الاعتداد بالطواف والسعي قبل الخروج، فإن لم يكن قدم الطواف والسعي قبل خروجه طاف وسعى للعمرة بعده، ولا شيء عليه كما تقدم، فقوله:"وإلا أعاد" إلخ ظاهر في العمرة فقط، وأما القارن فلا يعيد بعد خروجه لأن طواف الإفاضة والسعي بعد الوقوف يندرج فيها طواف وسعي العمرة.

(و) مكانه (لغيره) أي لغير من بمكة من أهل الآفاق (لهما) أي للحج والعمرة (ذو الحليفة) تصغير حلفة بالنسبة (لمدني)، ومن وراءه ممن يأتي على المدينة، (والجحفة لكالمصري) كأهل المغرب والسودان والروم والشام، (ويلملم لليمن والهند، وقرن) بسكون الراء المهملة (لنجد، وذات عرق) بكسر العين وسكون الراء المهملتين (للعراق وخراسان ونحوهما) كفارس والمشرق ومن وراءهم أي لأهل ما ذكر.

(و) مكانه لهما (مسكن) من أي جهة بالنسبة لساكن، (دونها) أي دون تلك المواقيت بأن كان المسكن بينها وبين مكة، وكان خارج الحرم أو في الحرم وأفرد فإن قرن أو اعتمر خرج منه إلى الحل كما تقدم من أن كل إحرام لا بد فيه من الجمع بين الحل والحرم، والمفرد يقف بعرفة وهي من الحل.

(و) مكانه لهما أيضاً (حيث حاذى) أي قابل المار (واحداً منها)، أي من هذه المواقيت كرابغ فإنها تحاذي الجحفة على المعتمد (أو مر به) وإن لم يكن من أهله

ــ

أي كأهل منى ومزدلفة.

قوله: [وليس عليه القيام من مصلاه]: أي ثم يلبي بعد ذلك.

قوله: [وندب خروج الآفاقي] إلخ: أي كمصري مجاور بمكة فيندب له إن أراد الإحرام بالحج ومعه سعة من الزمن؛ إذا وصل لميقاته الجحفة ورجع، يدرك الوقوف. ويشترط الأمن أيضاً وإلا فلا يندب له، بل ربما كان رجوعه لميقاته حراماً.

قوله: [فلا شيء عليه]: أي لأن مخالفة المندوب لا توجب شيئاً كما يأتي. قوله: [ومكانه لها] إلخ: والجعرانة أولى ثم التنعيم وهذا بالنسبة للعمرة. وأما القران فلا يطلب له مكان معين من الحل بل الحل فيه مستو.

قوله: [وافتدى إن حلق قبله]: فإن وطئ بعد الحلاق فسدت ولزمه إتمامها، وتقدم نظيره.

قوله: [وأما القارن فلا يعيد] إلخ: أي على تقدير أن لو طاف وسعى، وإن كان لغواً كما قرره مؤلفه. وقوله: بعد خروجه أي للحل قبل خروجه لعرفة، فإن لم يخرج للحل بعد الإحرام وقبل الخروج لعرفة فلا شيء عليه، لأنه حصل الجمع بين الحل والحرم بخروجه لعرفة، غاية ما هناك خالف الواجب، وقال في المجموع نقلاً عن (شب) لا دم عليه.

قوله: [ذو الحليفة] إلخ: وقد جمع بعضهم تلك المواقيت التي تتعلق بالآفاقي في قوله:

عرق العراق يلملم اليمن

وبذي الحليفة يحرم المدني

والشام جحفة إن مررت بها

ولأهل نجد قرن فاستبن

وذو الحليفة أبعد المواقيت من مكة على عشر أو تسع مراحل منها، ومن المدينة على سبعة أو ستة أو أربعة أميال، وبها بئر يسميها العوام بئر علي تزعم أنه قاتل بها الجن، قال الخرشي: وهذه النسبة غير معروفة. وكان صلى الله عليه وسلم يحرم من مسجدها.

قوله: [ممن يأتي على المدينة]: أي كأهل الشام الآن فإنهم يمرون بها ذهاباً وإياباً.

قوله: [والجحفة لكالمصري]: هي بضم الجيم وإسكان الحاء المهملة وبالفاء: قرية خربة بين مكة والمدينة أصلها لليهود على خمس مراحل من مكة، وثمان من المدينة. قال بعض: سميت بذلك لأن السيل أجحفها وسبب خرابها، نقل حمى المدينة إليها بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث، ومن حكم الجحفة رابغ الذي يحرمون منه الآن على الراجح.

قوله: [والشام]: أي إن أتوا عليها.

قوله: [ويلملم لليمن]: هي بفتح المثناة التحتية واللام الأولى والثانية وبينهما ميم ساكنة وآخره ميم، ويقال بهمزة بدل الياء وبراءين بدل اللامين: جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة، قال في الحاشية: إن أريد بها الجبل فمنصرفة، وإن أريد بها البقعة فغير منصرفة، بخلاف قرن فإنه على تقدير إرادة البقعة يجوز صرفه لأجل سكون وسطه.

قوله: [وقرن] إلخ: ويقال قرن المنازل وهي تلقاء مكة على مرحلتين قالوا وهي أقرب المواقيت لمكة.

قوله: [وذات عرق]: هي قرية خربة على مرحلتين من مكة، يقال إن بناءها تحول إلى جهة مكة، فتتحرى القرية القديمة. وعن الشافعي: من علاماتها المقابر القديمة.

قوله: [وكان خارج الحرم]: أي كقديد وعسفان ومر الظهران المسمى الآن بوادي فاطمة، قال في الحاشية: فإن سافر قبل الإحرام من مسكنه دونها إلى وراء الميقات، ثم رجع يريد الإحرام فكمصري يمر بذي الحليفة فله أن يؤخر لمنزله ويحرم منه، ولكن الأفضل إحرامه

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 266

(ولو) كان المحاذي (ببحر) كالمسافر من جهة مصر ببحر السويس؛ فإنه يحاذي الجحفة قبل وصوله جدة فيحرم في البحر حين المحاذاة، (إلا كمصري) من كل من ميقاته الجحفة (يمر) ابتداء (بالحليفة) ميقات أهل المدينة (فيندب) له الإحرام (منها)، ولا يجب؛ لأنه يمر على ميقاته الجحفة، بخلاف غيره ولذا لو أراد المصري أن يمر من طريق أخرى غير طريق الجحفة لوجب عليه الإحرام من ذي الحليفة كغيره.

(وإن) كان المصري الذي مر بالحليفة (حائضاً) أو نفساء وظنت الطهر قبل الوصول للجحفة، فيندب لها الإحرام من الحليفة، ولا تؤخر للجحفة وإن أدى ذلك إلى إحرامها بلا صلاة لأن إقامتها بالعبادة أياماً قبل الجحفة أفضل من تأخيرها لأجل الصلاة.

(ومن مر) بميقات من هذه المواقيت، أو حاذاه حال كونه (غير قاصد مكة) أي دخولها، بأن قصد مكاناً دونها أو في جهة أخرى، ولو كان ممن يخاطب بالحج أو العمرة، (أو) قاصداً مكة وكان (غير مخاطب به) أي بالإحرام كعبد وصبي، (أو قصدها) عطف على مر، فهو في غير المار (متردداً) أي مقدراً التردد لدخولها كالمترددين لها لبيع الفواكه والحطب ونحوهما (أو عاد لها) أي لمكة بعد خروجه منها (من) مكان (قريب) دون مسافة القصر، (فلا إحرام عليه)، أي فلا يجب عليه إحرام في الأربع صور (وإلا) بأن قصد دخول مكة لنسك أو تجارة أو غيرهما، وكان ممن يخاطب بالإحرام وجوباً، ولم يكن من المترددين لنحو بيع الفواكه، أو عاد لها من بعيد فوق مسافة القصر (وجب) عليه الإحرام.

وضابط ذلك: أن كل مكلف حر أراد دخول مكة فلا يدخلها إلا بإحرام بأحد النسكين وجوباً ولا يجوز له تعدي الميقات بلا إحرام إلا أن يكون من المترددين، أو يعود لها بعد خروجه منها من مكان قريب لم يمكث فيه كثيراً فلا يجب عليه كالعبد وغير المكلف كصبي ومجنون.

(و) متى تعدى الميقات بلا إحرام (رجع له) أي للميقات وجوباً ليحرم منه (وإن دخل مكة ما لم يحرم) بعد تعدي الميقات فإن أحرم لم يلزمه الرجوع وعليه الدم لتعديه الميقات حلالاً ولا يسقطه عنه رجوعه له بعد الإحرام كما يأتي قريباً (ولا دم عليه) إذا رجع للميقات فأحرم منه إذا لم يحرم بعد تعديه، فقوله:"ولا دم" مرتبط بالمنطوق أي ورجع المتعدي للميقات بلا إحرام مدة كونه لم يحرم ولا دم عليه، فإن أحرم فالدم، ولا ينفعه رجوعه (إلا لعذر) مستثنى من قوله "ورجع"، أي ويجب الرجوع إلا لعذر (كخوف فوات) لحجه لو رجع، أو فوات رفقة أو خاف على نفس أو مال أو عدم قدرة على الرجوع فلا يجب عليه الرجوع، وإذا لم يجب (فالدم) واجب عليه لتعديه الميقات حلالاً، (كراجع) له (بعد إحرامه) عليه الدم، ولا ينفعه الرجوع بعده فأولى إذا لم يرجع فمتعدي الميقات حلالاً إذا لم يرجع له قبل إحرامه يلزمه الدم في جميع الحالات ولو فسد حجه أو كان عدم الرجوع لعذر (إلا أن يفوته) الحج بطلوع فجر يوم النحر قبل وصول عرفة، (فتحلل) منه (بعمرة) بأن نوى التحلل منه بفعل عمرة، وطاف وسعى وحلق بنيتها، فلا دم عليه للتعدي، فإن لم يتحلل بالعمرة وبقي على إحرامه لقابل لم يسقط عنه.

(وهو) أي الإحرام (نية أحد النسكين) أي الحج والعمرة، وأصل النسك: العبادة (أو هما) أي نيتهما معاً، فإن نوى الحج فمفرد، وإن نوى العمرة فمعتمر وإن نواهما فقارن، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

ــ

من الذي مر عليه.

قوله: [ولو كان المحاذي ببحر]: قيده سند بالقلزم وهو بحر السويس. أما عيذاب وهو بحر اليمن والهند - فلا يحرم حتى يخرج إلى البر، لأن الريح ترد فيه كثيراً، ورجح بخلاف بحر السويس فلا مشقة فيه إذا ردته الريح، لأن السير فيه مع الساحل فيمكنه إذا خرجت عليه الريح النزول إلى البر، فلذا تعين إحرامه من المكان الذي يحاذي فيه الميقات، قال محشي الأصل: وقد يقال إنه وإن أمكنه النزول إلى البر، لكن فيه مضرة بمفارقة رحله، فلذا قيل إنه لا يلزمه أن يحرم من المكان الذي حاذى فيه الميقات، بل له أن يؤخر إحرامه حتى يصل للبر فتأمله اهـ. لا سيما في هذا الزمان الذي إذا خرج فيه إلى البر لا يأمن على نفس ولا على مال.

قوله: [إلا كمصري] إلخ: قال الخرشي لما أوجب الجمهور إحرام من مر بغير ميقاته منه عموماً لقوله صلى الله عليه وسلم: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن» استثنى أهل المذهب من ميقاته الجحفة يمر بذي الحليفة، فلا يجب إحرامه منها لمروره على ميقاته. قوله:[أي مقدراً التردد]: إشارة إلى أن (متردداً) حال منوية؛ على حد قوله تعالى {فادخلوها خالدين} [الزمر: 73].

قوله: [كالمترددين لها] إلخ: كانوا مخاطبين بالحج أم لا.

قوله: [من مكان قريب]: أي لم يمكث فيه كثيراً بدليل ما يأتي، وسواء كان مخاطباً أم لا.

قوله: [في الأربع صور]: أي إجمالاً وإلا فهي سبع تفصيلاً؛ لأن قوله: "ومن مر غير قاصد مكة" تحته صورتان: وهما مخاطب، أم لا. وقوله:"أو غير مخاطب به" صورة واحدة، وقوله:"أو قصدها متردداً": صورتان: مخاطب، أم لا، وقوله:(أو عاد لها - من قريب) صورتان أيضاً: مخاطب، أم لا.

قوله: [كالعبد]: تشبيه في عدم الوجوب، وجميع التي لا يجب فيها الإحرام لا دم عليه فيها بمجاوزته الميقات حلالاً ولو أحرم بعد ذلك، وإن كان صرورة مستطيعاً على الراجح.

قوله: [فإن أحرم فالدم]: أي ولو أفسده لوجوب إتمامه.

قوله: [فالدم واجب عليه]: أي ويحرم من مكانه.

قوله: [وأصل النسك العبادة]: أي مطلقاً حجاً أو غيره، ثم صار حقيقة عرفية في الحج

ص: 267

ولا يفتقر إلى ضميمة قول أو فعل كتلبية وتجرد على الأرجح.

(أو أبهم) عطف على مقدر: أي عين نيته في أحدهما أو فيهما أو أبهم في إحرامه أي نيته، بأن لم يعين شيئاً بأن نوى النسك لله تعالى من غير ملاحظة حج أو عمرة أو هما، فينعقد ولكن لا بد من البيان بعد (وندب) إن أبهم (صرفه): أي تعيينه [1](لحج) فيكون مفرداً (والقياس) صرفه (لقران): لأنه أحوط لاشتماله على النسكين كالناسي (وإن نسي) ما عينه؛ أهو حج أو عمرة أوهما (فقران) فيهدي له، (ونوى الحج): أي جدد نيته وجوباً لأنه إن كان نواه أولاً فهذا تأكيد له، وإن كان نوى العمرة فقد أردف الحج عليها، فيكون قارناً وإن كان نوى القران لم يضره تجديد نية الحج؛ فعلى كل حال هو قارن أي يعمل عمله ويهدي له.

(وبرئ منه فقط) لا من العمرة لاحتمال أن يكون نوى أولاً الحج، والثانية تأكيد (ولا يضره): أي الناوي لشيء معين (مخالفة لفظه) لنيته كأن نوى الحج فتلفظ بالعمرة إذ العبرة بالقصد لا اللفظ، (والأولى تركه) أي اللفظ بأن يقتصر على ما في القلب؛ (كالصلاة) لا يضرها مخالفة اللفظ لما نواه، والأولى تركه (ولا) يضر (رفضه): أي رفض أحد النسكين بل هو باق على إحرامه، وإن رفضه -أي ألغاه- بخلاف رفض الصلاة أو الصوم فمبطل كما تقدم فيهما.

ثم شرع في بيان واجبات الإحرام وسننه ومندوباته فقال:

(ووجب) بالإحرام (تجرد ذكر من محيط) بضم الميم، وسواء كان الذكر مكلفاً أم لا والخطاب يتعلق بولي الصغير والمجنون، وسواء كان المحيط بخياطة كالقميص والسراويل أم لا كنسج أو صباغة، أو بنفسه كجلد سلخ بلا شق ومفهوم "ذكر" أن الأنثى لا يجب عليها التجرد وهو كذلك، إلا في نحو أساور وستأتي المسألة مفصلة إن شاء الله تعالى في فصل محرمات الإحرام.

ــ

والعمرة.

قوله: [ولا يفتقر إلى ضميمة قول] إلخ: أي افتقاراً تتوقف الصحة عليه فلا ينافي أنهما واجبان غير شرط على المعتمد.

قوله: [من غير ملاحظة حج] إلخ: أي بأن يقول: "أحرمت لله، فقط.

قوله: [ولكن لا بد من البيان بعد]: وحينئذ فلا يفعل شيئاً إلا بعد التعيين.

قوله: [أي تعيينه لحج]: أي إن وقع الصرف قبل طواف القدوم، وقد أحرم في أشهر الحج. وإن كان قبلها صرفه ندباً لعمرة، وكره لحج. فإن طاف صرفه للإفراد، سواء كان في أشهر الحج أم لا. قال في الذخيرة ولو أحرم مطلقاً ولم يعين حتى طاف، فالصواب أن يجعله حجاً ويكون هذا طواف القدوم لأن طواف القدوم ليس ركناً في الحج، والطواف ركن في العمرة، وقد وقع قبل تعيينهما اهـ (بن) نقله محشي الأصل.

قوله: [والقياس صرفه لقران] إلخ: أي إلا أنه غير معول عليه لمخالفته للنص.

قوله: [ونوى الحج] إلخ: قال في حاشية الأصل: الذي يدل عليه كلامهم أن من نسي ما أحرم به لزمه عمل القران؛ سواء نوى الحج - أي أحدث نيته - أم لا. وبراءته من الحج إنما تكون إذا أحدث نيته؛ فإن لم ينوه لم تبرأ ذمته من عهدة الحج، ولا من العمرة إذ ليس محققاً عنده حج ولا عمرة. ومحل نية الحج إذا حصل شكه في وقت يصح فيه الإرداف؛ كما لو وقع قبل الطواف أو في أثنائه أو بعده وقبل الركوع. وأما لو حصل بعد الركوع أو في أثناء السعي فلا ينوي الحج، إذا لا يصح إردافه على العمرة حينئذ، بل يلزمه عمرة ويستمر على ما هو عليه. فإذا فرغ من السعي أحرم بالحج، وكان متمتعاً إن كانت العمرة في أشهر الحج اهـ. ولا يحلق رأسه حتى يتم أفعال الحج لاحتمال أن المنسي حج ويلزمه دم لتأخير الحلاق، لاحتمال أن المنوي ابتداء عمرة - تأمل.

قوله: [مخالفة لفظه]: أي ولو عمداً فليس كالصلاة، ولا دم لهذه المخالفة على قول مالك المرجوع عنه. والمرجوع إليه: أن عليه الدم ووافقه ابن القاسم، لكن قال خليل في منسكه: الأول أقيس.

قوله: [كالصلاة]: تشبيه في الأولوية، وليس بتام لأن تعمد المخالفة في الصلاة مبطل لها بخلاف الحج كما تقدم.

قوله: [ولا يضر رفضه]: أي ولو حصل في أثناء أفعال الحج أو العمرة، فإذا رفض إحرامه في أثنائه قبل أن يأتي بباقي أفعاله المطلوبة كالسعي والطواف ثم أتى بها، فصحيحة. بخلاف رفض الطواف والسعي إذا وقع في أثنائهما، فيرتفض كل، ويكون كالتارك له فيطلب بغيره وأصل الإحرام لم يرتفض، ونص عبد الحق: فإذا رفض إحرامه ثم عاد للمواضع التي يخاطب بها ففعلها لم يحصل لرفضه حكم، وأما إن كان في حين الأفعال التي تجب عليه نوى الرفض وفعلها بغير نية - كالطواف ونحوه - فإنه يعد كالتارك لذلك - كذا في (بن). اهـ. من حاشية الأصل.

تنبيه: في جواز إحرام الشخص كإحرام زيد وعدمه قولان: فعلى الأول: لو تبين أن زيداً لم يحرم لزمه هو الإحرام ويكون مطلقاً يخير في صرفه لما شاء، وكذا لو مات زيد أو لم يعلم ما أحرم به أو وجده محرماً بالإطلاق على ما استظهره كذا في الأصل.

قوله: [ووجب بالإحرام تجرد ذكر]: ذكر هذه المسألة هنا رداً على القائل بأن التجرد مما تتوقف صحة الإحرام عليه، فبين أنه واجب غير شرط كالتلبية على المعتمد.

قوله: [مكلفاً أم لا]: لكن محل تعلق الخطاب بتجرد الصغير إن كان مطيقاً لذلك، وإلا فلا يؤمر وليه بتجريده، وتقدم الكلام على ذلك في قوله فيحرم الولي عن كرضيع ومطيق وجردا قرب الحرم.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (تعينه).

ص: 268

واعلم أن الواجب في باب الحج غير الفرض؛ إذ الفرض هنا هو الركن وهو ما لا تحصل حقيقة الحج أو العمرة إلا به، والواجب: ما يحرم تركه اختياراً لغير ضرورة، ولا يفسد النسك بتركه وينجبر بالدم.

(و) وجب على المحرم المكلف ذكراً أو أنثى (تلبية و) وجب (وصلها به) أي بالإحرام، فمن تركها رأساً أو فصل بينها وبينه بفصل طويل فعليه دم وبقي من الواجبات كشف الرأس للذكر.

(وسن) للإحرام (غسل متصل) به متقدم عليه كالجمعة فإن تأخر إحرامه كثيراً أعاده [1]، ولا يضر فصل بشد رحاله، وإصلاح حال (و) سن (لبس إزاره [2]) بوسطه، (ورداء) على كتفيه، (ونعلين) في رجليه كنعال التكرور، وغالب أهل الحجاز أي أن السنة مجموع هذه الثلاثة، فلا ينافي أن التجرد من المحيط واجب، فلو التحف برداء أو كساء أجزأ وخالف السنة (و) سن (ركعتان) بعد الغسل وقبل الإحرام، (وأجزأ) عنهما (الفرض) وحصل به السنة، وفاته الأفضل.

ولا دم في ترك السنن، بخلاف [3] الواجب، فإذا اغتسل ولبس ما ذكر وصلى (يحرم الراكب) ندباً (إذا استوى) على ظهر دابته (و) يحرم (الماشي إذا مشى) أي شرع فيه.

(وندب) للمحرم (إزالة شعثه) قبل الغسل بأن يقص أظفاره وشاربه ويحلق عانته وينتف شعر إبطه، ويرجل شعر رأسه أو يحلقه إذا كان من أهل الحلاق ليستريح بذلك من ضررها وهو محرم.

(و) ندب (الاقتصار على تلبية الرسول عليه الصلاة والسلام وهي: "لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" (و) ندب (تجديدها لتغير حال) كقيام وقعود وصعود وهبوط ورحيل وحط ويقظة من نوم أو غفلة (وخلف صلاة) ولو نافلة،

ــ

قوله: [واعلم أن الواجب] إلخ: هذا اصطلاح للفقهاء مخصوص بباب الحج، وأما في غيره فالواجب والفرض شيء واحد ولا مشاحة في الاصطلاح.

قوله: [ووجب على المحرم المكلف]: أي بخلاف الصبي فلا يطالب بها وليه إن عجز عنها، وظاهره أنه إن قدر عليها الصبي لا يجب على وليه أمره بها، ولا يكون في تركها دم، مع أن الأصيلي. قال عند قول خليل:"وأمره مقدوره" أي وجوباً، لأنه كأركان النافلة تتوقف صحة العبادة عليه، فعلى هذا لو ترك الصبي التلبية مع القدرة يكون عليه الدم، فلا يظهر تقييده بالمكلف فكان الأولى أن يعمم هنا كما عمم في التجرد.

قوله: [أو فصل بينها وبينه بفصل طويل]: أي وأما اتصالها بالإحرام حقيقة فسنة لا شيء في تركها، وعليه يحمل عطف خليل لها على السنن.

قوله: [متصل به]: واختلف هل هذا الاتصال من تمام السنة؟ فإذا اغتسل غدوة وأخر الإحرام للظهر لم يجزه وهو الموافق لكلام المدونة، وقال البساطي: الاتصال سنة مستقلة، فلو تركه أتى بسنة الغسل وفاتته سنة الاتصال.

قوله: [أعاده]: أي على قول المدونة، ويستثنى من طلب الاتصال من كان بالمدينة ويريد الإحرام من ذي الحليفة، فإنه يندب له الغسل بالمدينة، ويأتي لابساً لثيابه، فإذا وصل لذي الحليفة تجرد وأحرم. وهو معنى قول خليل:"وندب بالمدينة للحليفى".

قوله: [وسن ركعتان]: أي فأكثر وليس المراد ظاهره من أن السنة ركعتان فقط، بل بيان لأقل ما تحصل به السنة. ثم محل سنيتهما إن كان وقت جواز وإلا انتظره بالإحرام ما لم يكن مراهقاً، وإلا أحرم وتركهما، كما أن المعذور مثل الحائض والنفساء يتركهما.

قوله: [وحصل به السنة]: الحاصل أن السنة تحصل بإيقاع الإحرام عقب صلاة ولو فرضاً، لكن إن كانت نفلاً فقد أتى بسنة ومندوب، وإن فعله بعد فرض فقد أتى بسنة فقط. وانظر هل أراد بالفرض خصوص العيني؟ أو ولو جنازة وهو منذور النوافل، كالفرض الأصلي أم لا؟ وبقي من سنن الإحرام الإشعار والتقليد للهدي إن كان معه، ويكونان بعد الركوع.

قوله: [وصلى]: أي وأشعر وقلد إن كان معه ما يشعر أو يقلد.

قوله: [إذا استوى على ظهر دابته]: أي ولا يتوقف على مشيها وإحرام الراكب إذا استوى، والماشي إذا مشى على جهة الأولوية، فلو أحرم الراكب قبل أن يستوي على دابته، والماشي قبل مشيه كفاه ذلك مع الكراهة.

قوله: [ويرجل شعر رأسه] إلخ: هذا خلاف ما قاله الخرشي والمجموع، فإن الخرشي قال في حل قول خليل "وإزالة شعثه": أي ما عدا الرأس، فإن الأفضل بقاء شعثه في الحج ابن بشير: ويلبده بصمغ أو غاسول ليلتصق بعضه ببعض، ويقل دوابه اهـ. قال في الحاشية: قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم لبد رأسه بالعسل كما في أبي داود، قال في القاموس: العسل بمهملتين صمغ العرفط بالضم: شجر العضاه.

قوله: [وهي لبيك]: معناه إجابة بعد إجابة، أي أجبتك الآن كما أجبتك حين أذن إبراهيم به في الناس، وكما أجبتك أولاً حين خاطبت الأرواح ب {ألست بربكم} [الأعراف: 172] كذا وقيل الأحسن ما قاله في المجموع: ومعنى لبيك إجابة لك بعد إجابة في جميع أمرك وكل خطاباتك.

قوله: [إن الحمد]: روي بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها على التعليل، والكسر أجود عند الجمهور، وقال ثعلب: لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال، ومن فتح جعل معناه لبيك لهذا السبب.

تنبيه: كان عمر يزيد: " لبيك ذا النعماء والفضل الحسن، لبيك لبيك مرهوباً منك ومرغوباً إليك "،

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (أعاد).

[2]

في ط المعارف: (إزار)، ولعلها الصواب.

[3]

في ط المعارف: (وبخلاف).

ص: 269

(و) عند (ملاقاة رفاق) أو رفقة.

(و) ندب (توسط في علو صوته) فلا يسرها، ولا يرفع صوته جداً حتى يعقره (و) ندب توسط (فيها) أي في ذكرها فلا يترك حتى تفوته الشعيرة ولا يوالي حتى يلحقه الضجر.

(فإن تركت) التلبية (أوله): أي الإحرام (وطال) الزمن طولاً كثيراً؛ كأن يحرم أول النهار ويلبي وسطه (فدم)، لما تقدم أن وصلها بالعرف واجب وقوله:(للطواف) غاية لقوله: "وتجديد" إلى آخره أي يندب تجديدها وإعادتها إلى أن يدخل المسجد الحرام ويشرع في طواف القدوم، فيتركها (حتى) أي إلى أن (يطوف) للقدوم، (ويسعى) بعده، وقيل: يتركها بدخوله مكة حتى يطوف ويسعى، (فيعاودها) بعد فراغه من السعي ما دام بمكة.

(وإن بالمسجد) الحرام أي فيه ويستمر على ذلك (لرواح) أي وصول (مصلى) أي مسجد (عرفة بعد الزوال من يومه) أي يوم عرفة.

فغاية التلبية مقيدة بقيدين الوصول لمسجد عرفة وكونه بعد الزوال من يوم عرفة فإن وصل قبل الزوال لبى إلى الزوال، وإن زالت الشمس قبل الوصول لبى إلى الوصول، فعلم أنه إن وصل عرفة قبل يومها -كما يفعل غالب الناس الآن- فإنه يستمر على التلبية حتى يصلي الظهر والعصر جمع تقديم يومها، فإذا صلاهما قطعها وتوجه للوقوف مع الناس متضرعاً مبتهلاً بالدعاء، وجلاً خائفاً من الله، راجياً منه القبول، ولا يلبي كما يفعله غالب الناس الآن هذا فيمن أحرم بالحج من غير أهل مكة ولم يفته الحج وأما المعتمر ومن أحرم من مكة، أو فاته الحج.

فأشار لهم بقوله: (ومحرم مكة) أي والمحرم منها لكونه من أهلها أو مقيماً بها ولا يكون إلا بحج مفرداً لما تقدم من أنه إن كان قارناً أو معتمراً أحرم من الحل (يلبي بالمسجد مكانه) أي في المكان الذي أحرم منه. وظاهر أنه يؤخر سعيه بعد الإفاضة إذ لا قدوم عليه ويستمر يلبي إلى رواح مصلى عرفة بعد الزوال كما تقدم.

(ومعتمر الميقات) من أهل الآفاق (وفائت الحج): أي المعتمر الذي فاته الحج - بأن أحرم أولاً بحج ففاته بحصر أو مرض، فتحلل منه بعمرة كل منهما يلبي (للحرم)،

ــ

وزاد ابنه: " لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك، لبيك لبيك والرغباء إليك"، وهذه التلبية تكره في غير الإحرام لقول التهذيب: كره مالك أن يلبي بها من لا يريد الحج، ورآه سخافة عقل.

وأما إجابة الصحابة للنبي بالتلبية فهي من خصائصه - كذا في التوضيح، قال (بن): وهو غير مسلم، والظاهر - كما قال ابن هارون: إن الذي كرهه الإمام إنما هو استعمال تلبية الحج في غيره، كاتخاذها ورداً كبقية الأذكار لما فيه من استعمال العبادة في غير ما وضعت له، وأما مجرد قول الرجل لمن ناداه: لبيك، فلا بأس به، بل هو أحسن أدباً وفي الشفاء عن عائشة:«ما ناداه صلى الله عليه وسلم أحد من أصحابه ولا أهل ملته إلا قال: لبيك» ، وبه يرد قول ابن أبي جمرة أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك معهم. اهـ من حاشية الأصل.

قوله: [وعند ملاقاة رفاق]: أي فتكون شعارهم تغني عن التحية، ولذلك قالوا: يكره السلام على الملبي.

قوله: [وندب توسط فيها] إلخ: ويقال مثل ذلك في تكبير العيد وكل مندوب مرغب فيه من الأذكار، لأن خير الأمور أوساطها.

قوله: [فإن تركت التلبية أوله]: ومثل الترك والطول في الدم ما لو تركها رأساً كما تقدم، ومفهوم الظرف أنه إذا تركها في أثنائه لا شيء عليه كما في التوضيح، وصرح به عبد الحق والتونسي وصاحب التلقين وابن عطاء الله، قالوا أقلها مرة وإن قالها ثم ترك فلا دم عليه، قال (ح): وشهر ابن عرفة وجوب الدم. ونصه: فإن لبى حين أحرم وترك ففي لزوم الدم ثالثها إن لم يعوضها بتكبير وتهليل. وقال ابن العربي: وإن ابتدأ بها ولم يعدها فعليه دم في أقوى القولين؛ فتحصل أن في المسألة أقوالاً ثلاثة.

قوله: [فيعاودها بعد فراغه من السعي]: أي استحباباً كما قيل، وفي المجموع: وعاودها وجوباً بعد سعي، فإن لم يعاودها أصلاً فدم على المعول عليه. اهـ. وتقدم أن هذا قول ابن العربي.

قوله: [أي مسجد عرفة]: بالفاء لأنه كائن فيها، ويقال أيضاً عرنة بالنون مكان غير عرفة، وأضيف المسجد له لمجاورته لها لأن حائطه القبلي بلصقها.

قوله: [فغاية التلبية مقيدة] إلخ: أي فمتى وجد القيدان تمت التلبية ولا يعاودها أصلاً، هذا هو الذي رجع إليه مالك والمرجوع عنه: أنه يستمر يلبي إلى أن يصل لمحل الوقوف، ولا يقطع إذا وصل لمصلى عرفة، قال في الحاشية: لو أحرم من مصلى عرفة فإنه يلبي إلى أن يرمي جمرة العقبة إذا كان إحرامه بعد الزوال. فإن أحرم منها قبله فإنه يلبي للزوال بمنزلة من أحرم من غيرها. اهـ. فإذا علمت ذلك فتكون القيود ثلاثة.

قوله: [إن وصل عرفة قبل يومها]: أي وخالف المشروع من كونه يخرج يوم الثامن إلى منى قدر ما يدرك بها الظهر، فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويبيت بها حتى يصلي الصبح، ثم يرتحل يومها لعرفة فإن هذا متروك الآن.

قوله: [ولا يلبي] إلخ: أي فينهى عن التلبية حيث كان مالكياً، وأما من كان مذهبه يرى ذلك فلا نتعرض له.

قوله: [هذا فيمن أحرم بالحج]:

ص: 270

ولا يتمادى للبيوت، فعلم أن الحرم من الميقات بالحج ولو قارناً يلبي للبيوت أو للطواف على ما تقدم، والمعتمر منه للحرم.

(و) المعتمر (من) دون الميقات (كالجعرانة) والتنعيم يلبي (للبيوت) لقرب المسافة، فالتلبية في العمرة أقل منها في الحج.

(والإفراد) بالحج (أفضل) من القران والتمتع، لأنه لا يجب فيه هدي، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حج مفرداً على الأصح.

(فالقران) يلي الإفراد في الفضل، وفسره بصورتين أشار للأولى بقوله:(بأن يحرم بهما): أي العمرة والحج معاً بأن ينوي القران أو العمرة والحج بنية واحدة (وقدمها): أي العمرة في النية والملاحظة وجوباً إن رتب، وندباً في اللفظ إن تلفظ.

الثانية: أن ينوي العمرة، ثم يبدو له فيردف الحج عليها، ولا يصح إرداف عمرة على حج لقوته فلا يقبل غيره، وإليها أشار بقوله:(أو يردفه) أي الحج (عليها) أي العمرة، بأن ينويه بعد الإحرام بها قبل الشروع في طوافها أو (بطوافها) قبل تمامه ومحل صحة إردافه (إن صحت) العمرة لوقت الإرداف، فإن فسدت بجماع أو إنزال قبل الإرداف، لم يصح.

ووجب إتمامها فاسدة، ثم يقضيها وعليه دم (وكمله) أي الطواف الذي أردف الحج على العمرة فيه، وصلى ركعتيه وجوباً، (و) لكن (لا يسعى) هذه [1] العمرة (حينئذ) أي حين أردفه عليها بطوافها؛ لأنه صار غير واجب لاندراج العمرة في الحج فالطواف الفرض لهما هو الإفاضة ولا قدوم عليه لأنه بمنزلة المقيم بمكة، حيث جدد نية الحج فيها والسعي يجب أن يكون بعد طواف واجب، وحينئذ فيؤخره بعد الإفاضة، واندرجت العمرة في الحج في الصورتين، فيكون العمل لهما واحداً.

(وكره) الإرداف (بعده) أي الطواف، وصح قبل الركوع، بل (ولو بالركوع) أي فيه (لا بعده) فلا يصح لتمام غالب أركانها إذ لم يبق عليه منها إلا السعي.

ــ

أي مفرداً أو قارناً.

قوله: [ولا يتمادى للبيوت]: أي خلافاً لابن الحاجب، والمراد بالحرم: الحرم العام لا خصوص المسجد، خلافاً لمن زعم ذلك - كما هو تقرير مؤلفه وسياقه هنا.

قوله: [أقل منها في الحج]: أي لأنه يتركها في العمرة عند الحرم تارة، وعند رؤية البيوت تارة، ولا يعاودها بخلافها في الحج الذي لم يفته، فإنه يستمر للطواف ويعاودها عقب السعي.

قوله: [والإفراد بالحج أفضل] إلخ: قال في المجموع: وعده ابن تركي في الأمور التي في تركها دم وهو ظاهر اهـ. وظاهر كلام الشارح أفضليته ولو كان معه سعة من الوقت، خلافاً لما رواه أشهب عن مالك في المجموعة: أن من قدم مكة مراهقاً فالإفراد أفضل في حقه، وأما من قدم بينه وبين الحج طول زمان فالتمتع أولى له وخلافاً لما قاله اللخمي من أن التمتع أفضل من الإفراد والقران، ولما قاله أشهب وأبو حنيفة من أن القران أفضل من الإفراد، لأن عبادتين أفضل من عبادة.

قوله: [فالقران يلي الإفراد]: أي وإن كان القران يسقط به طلب النسكين؛ لأنه قد يكون في المفضول ما لا يكون في الفاضل.

قوله: [فلا يقبل غيره]: أي من حج أو عمرة فلا يرتدف عليه حج آخر ولا عمرة كما قال خليل: "ولغا عمرة عليه كالثاني في حجتين أو عمرتين".

قوله: [أو بطوافها قبل تمامه]: أي عند ابن القاسم، خلافاً لأشهب القائل إذا شرع في الطواف فات الإرداف.

قوله: [لم يصح]: أي عند ابن القاسم، ولا ينعقد إحرامه بالحج ولا قضاء عليه فيه قاله سند. وهو باق على عمرته، ولا يحتج حتى يقضيها، فإن أحرم بالحج بعد تمامها وقبل قضائها صح حجه ولو فسدت في أشهر الحج ثم حج من عامه فمتمتع، وحجه تام وعليه قضاء عمرته، كذا في الأجهوري اهـ من حاشية الأصل.

قوله: [والسعي يجب أن يكون بعد طواف واجب]: أي وجوباً غير شرط كما يأتي من أن شرط صحته تقدم طواف، وكون الطواف واجباً غير شرط.

قوله: [فيؤخره بعد الإضافة]: أي وجوباً، فإن قدمه أجزأ ويؤمر بإعادته بعد طواف ينوي فرضيته ما دام بمكة، فإن تباعد عنها لزمه دم وسيأتي ذلك.

قوله: [فيكون العمل لهما واحداً]: خلافاً لأبي حنيفة في إيجابه على القارن طوافين وسعيين، بل لا يلزم المحرم القارن أن يستحضر عند إتيانه بالأفعال المشتركة في الحج والعمرة أنها لهما، بل لو لم يستشعر العمرة أجزأ.

قوله: [لا بعده فلا يصح]: أي ويكون لاغياً وأما بعد السعي وقبل الحلاق فحج مؤتنف بعد عمرة تمت، وإن كان لا يجوز القدوم على ذلك لاستلزام تأخير حق العمرة للتحلل من الحج، ويلزمه هدي للتأخير، فلو حلق بعد إحرامه بالحج وقبل فراغه من أفعاله لزمه فدية وهدي. والحاصل: أن الواجب أصالة ترك الإحرام بالحج حتى يحلق للعمرة، فإن خالف ذلك الواجب وأحرم به قبل حلاقها وبعد سعيها صح ولزمه تأخير الحلق للفراغ من الحج وأهدى لترك ذلك الواجب، فإن قدم الحلق قبل الفراغ لزمه فدية لإزالة الأذى وهو محرم وهدي، لعدم تعجيل الحلق قبل الإحرام.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (لهذه).

ص: 271

(فالتمتع) يلي القران في الفضل، وفسره بقوله:(بأن يحل منها) أي من العمرة (في أشهره) أي الحج، وهذا صادق بما إذا كان أحرم بها في أشهر الحج أو قبلها، وأتمها فيها ولو ببعض الركن الأخير منها كمن أحرم بها في رمضان، وتمم سعيها بعد الغروب من ليلة شوال (ثم يحج من عامه) الذي اعتمر فيه، (وإن) كان حجه ملتبساً (بقران) فحقيقة التمتع حج معتمر في أشهر الحج من ذلك العام، وعليه هدي لتمتعه لقوله تعالى:{فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196]، وقيس القران عليه.

(وشرط دمهما): أي القران والتمتع (عدم إقامة) للمتمتع أو القارن (بمكة، أو ذي طوى) مثلث الطاء المهملة مكان معروف بقرب مكة (وقت فعلهما): أي وقت الإحرام بهما قال تعالى {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196] واسم الإشارة عائد على الهدي؛ فغير المقيم بمكة أو ذي طوى يلزمه الهدي (وإن) كان أصله من مكة و (انقطع بغيرها) كما أن من انقطع بمكة أي أم [1] بها بنية الدوام بها وأصله من غيرها، لا دم عليه، بخلاف من نيته الانتقال أو لا نية له.

(وندب) الهدي (لذي أهلين): أهل بمكة وأهل بغيرها، ولو كانت إقامته بها أكثر من غيرها على الأرجح (و) شرط دمهما (حج من عامه) فيهما فمن أحل من عمرته قبل دخول شوال، ثم حج فليس بمتمتع فلا دم عليه وكذا إذا فات القارن الحج فلا دم عليه لقرانه.

(و) شرط (للمتمتع [2]) زيادة الشرطين المتقدمين (عدم عوده) أي رجوعه بعد أن حل من عمرته في أشهر الحج (لبلده أو مثله) في البعد (ولو) كان بلده أو مثله (بالحجاز) كالمدينة مثلاً فمن كان من أهل المدينة أو ميقات من المواقيت المتقدمة كرابغ، واعتمر في أشهر الحج، ثم رجع لبلده بعد أن حل من عمرته ثم رجع لمكة وحج من عامه فلا هدي عليه (و) شرط للمتمتع [3] أيضاً:(فعل بعض ركنها) أي أن يفعل ولو بعض ركن من العمرة (في وقته) أي الحج بدخول غروب الشمس من آخر رمضان، فإن تم سعيه منها قبل الغروب وأحرم بالحج بعده لم يكن متمتعاً، وإن غربت قبل تمامه كان متمتعاً.

ــ

قوله: [فالتمتع يلي القران]: سمي بذلك لأنه تمتع بإسقاط أحد السفرين. وقيل لأنه تمتع من عمرته بالنساء والطيب، ولا يرد على هذا التعليل لو أحرم بالحج وأحل منه، ثم أحرم بعمرة لأن علة التسمية لا تقتضي التسمية، ولا يرد على الأول لو أحل من عمرته قبل أشهر الحج، وجلس حتى أحرم بالحج، لأن العبرة بإسقاط أحد السفرين في أشهر الحج - كذا في الحاشية. والتمتع - وإن كان يلي القران في الفضل - أفضل من الإطلاق لأن أوجه الإحرام أربعة، إفراد وقران وتمتع وإطلاق، وهي على هذا الترتيب في الأفضلية.

قوله: [وإن كان حجه ملتبساً بقران]: أي ويكون متمتعاً قارناً ويلزمه هديان لتمتعه وقرانه.

قوله: [وقيس القران عليه]: أي فأوجبوا فيه الدم، بجامع أن القارن والمتمتع أسقط عن نفسه أحد السفرين.

قوله: [وشرط دمهما] إلخ: ظاهره أنها ليست شروطاً في التسمية، بل في لزوم الدم وهو أحد قولين، وقيل: إنها شروط في التسمية والدم معاً، وتظهر ثمرة الخلاف لو حلف أنه متمتع أو قارن ولم يستوف الشروط.

قوله: [مكان معروف]: أي بين الطريق التي يهبط منها إلى مقبرة مكة المسماة بالمعلا، والطريق الأخرى التي هي جهة الذاهب وتسمى عند أهل مكة بين الحجونين، وسيأتي وصفها في الشارح، وأما التي في القرآن فبضم الطاء وكسرها، وقرئ بهما في السبع كذا في الحاشية، وليست هي التي في كلام المصنف؛ لأن التي في القرآن في موضع مكالمة موسى بطور سيناء ولا خصوصية لذي طوى بذلك، بل المراد كل مكان في حكم مكة مما لا يقصر المسافر منها حتى يجاوزها.

قوله: [أي وقت الإحرام بهما]: المراد وقت الإحرام بالعمرة فيهما، فلو قدم آفاقي محرماً بعمرة في أشهر الحج ونيته السكنى بمكة أو بما في حكمها، ثم حج من عامه وجب عليه هدي التمتع.

قوله: [وندب الهدي لذي أهلين]: أي هدي التمتع أو القران.

قوله: [على الأرجح]: أي وهو قول التونسي.

قوله: [قبل دخول شوال ثم حج]: ومثل ذلك من أحل من عمرته في أشهر الحج وفاته الحج في عامه بعد أن أحرم به ولم يحج إلا من قابل، أو تحلل منه بفعل عمرة، ولعل هذا المثال أقعد من مثال الشارح لأن مثاله لم يوجد فيه أصلاً.

قوله: [وكذا إذا تمتع فات القارن الحج]: أي وأما لو بقي القارن على إحرامه لقابل لم يسقط عنه الدم - هكذا في حاشية الأصل.

قوله: [ولو كان بلده أو مثله بالحجاز]: تبع التتائي في رجوع المبالغة لكل من بلده ومثله، ومثله لبهرام واعترضه (ح): بأن صواب المبالغة في الرجوع لمثل البلد لأنها محل الخلاف، وأما إذا رجع لبلده فلا دم اتفاقاً كانت بالحجاز أو غيره، فإن المردود عليه - الذي هو ابن المواز - قال: إذا عاد لمثل بلده في الحجاز فلا يسقط الدم. ولا يسقط إلا بعوده لبلده أو لمثله. وخرج عن أرض الحجاز بالكلية كذا في حاشية الأصل. ومحل اشتراط رجوعه لبلده أو مثله إن لم تكن بلده بعيدةً جداً كالمغربي فيكفي رجوعه لنحو مصر كما قرره مؤلفه.

(تنبيهان): الأول: زيد شرط أيضاً على أحد الترددين في خليل: وهو كونهما عن شخص واحد، فلو كانا عن اثنين - كأن اعتمر عن نفسه وحج عن غيره أو عكسه، أو اعتمر عن زيد وحج عن بكر

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (أقام).

[2]

في ط المعارف: (للتمتع).

[3]

في ط المعارف: (للتمتع).

ص: 272

الركن (الثاني) من أركان الحج:

(السعي بين الصفا والمروة) أشواطاً (سبعاً منه) أي الصفا (البدء مرة والعود) إليه من المروة مرة (أخرى)، فيبدأ بالصفا ويختم بالمروة فإن ابتدأ من المروة لم يحتسب به (وصحته بتقدم [1] طواف صح) أي شرط صحته أن يتقدمه طواف صحيح، (مطلقاً) سواء كان نفلاً أو واجباً كالقدوم، أو ركناً كالإفاضة فإن سعى من غير تقديم طواف صحيح عليه لم يعتد به.

(ووجب) السعي (بعد) طواف (واجب) كالقدوم والإفاضة (و) وجب (تقديمه على الوقوف) بعرفة بأن يوقعه عقب طواف القدوم (إن وجب) عليه (طواف القدوم)، وإلا أخره عقب طواف الإفاضة كما سيقول.

وإنما يجب طواف القدوم بشروط ثلاثة أشار لها بقوله: (بأن أحرم) بالحج مفرداً أو قارناً (من الحل) إذا كان داره خارج الحرم، أو كان مقيماً بمكة، وخرج للحل لقرانه أو لميقاته، فيجب عليه القدوم.

(ولم يراهق) بكسر الهاء أي يقارب الوقت بحيث يخشى فوات الحج، إن اشتغل بالقدوم وبفتحها: أي لم يزاحمه الوقت، فإن زاحمه وخشي فوات الحج لو اشتغل به سقط القدوم بل يجب تركه لإدراك الحج ومثل المراهق الحائض والنفساء والمغمى عليه والمجنون إذا استمر عذرهم حتى لا يمكنهم الإتيان بالقدوم.

(ولم يردف) الحج على العمرة (بحرم وإلا) بأن اختل شرط من الثلاثة فلا قدوم عليه (فـ) يجب عليه تأخير سعيه (بعد الإفاضة) ليقع بعد طواف واجب.

(فإن قدمه) على طواف الإفاضة بعد نفل (أعاده) وجوباً بعده، (وأعاد له الإفاضة) إن لم يسع بعدها وطال الزمن (ما دام بمكة، فإن تباعد عنها فدم) يلزمه وإن لم يصل لبلده ولا يجب عليه الرجوع له لأنه لم يترك ركناً.

(وندب لداخل مكة نزول بطوى) بطحاء متسعة يكتنفها جبال قرب مكة في وسطها بئر (و) ندب (غسل بها) أي فيها (لغير حائض) ونفساء؛ لأنه للطواف وهي لا يمكنها الطواف وهي حائض أو نفساء.

(و) ندب (دخوله) مكة (نهاراً و) ندب دخوله (من كداء) بفتح الكاف آخره همزة ممدوداً اسم لطريق بين جبلين فيها صعود يهبط منها على المقبرة التي بها أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها (و) ندب (دخول المسجد من باب بني شيبة) المعروف الآن بباب السلام.

ــ

فلا دم. وقيل: يجب عليه الدم فلا يشترط كونهما عن واحد، قال في الأصل: وهو الراجح.

الثاني: يجب دم التمتع بإحرام الحج وجوباً موسعاً بحيث لو طرأ له مسقط كموت الشخص سقط، ويتحتم برمي جمرة العقبة، فيؤخذ من رأس ماله لو مات بعدها حيث رماها أو فات وقت رميها.

قوله: [الثاني من أركان الحج: السعي]: ذكر الأجهوري أنه أفضل من الوقوف لقربه من البيت وتبعيته للطواف الأفضل من الوقوف لتعلقه بالبيت المقصود بالحج، وحديث:«الحج عرفة» ، إنما هو لفوات الحج بفواته، ولكن يبعد ما قاله الأجهوري ما سبق من الخلاف في ركنية السعي، وأنه لم يتقرر التطوع بتكراره بخلاف الطواف - كذا في المجموع.

قوله [البدء]: مبتدأ خبره قوله (منه) وقوله (مرة) حال من الضمير في متعلق الخبر أي البدء كائن منه حال كون ذلك البدء مرة، والصفا مذكر لأن ألفه ثالثة كألف فتى، وألف التأنيث لا تكون ثالثة.

قوله: [والعود إليه]: (العود) مبتدأ و (إليه) خبر، ومرة حال من متعلق الخبر كما تقدم نظيره و (أخرى) صفة ل (مرة).

قوله: [فيبدأ بالصفا]: أي كما بدأ الله تعالى في كتابه العزيز وفي الحديث: «ابدءوا بما بدأ الله تعالى به» ، وقيل لعائشة كما في البخاري قوله تعالى {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} [البقرة: 158] يفيد عدم وجوبه فقالت: لو كان كذلك لقيل أن لا يطوف، وإنما ذلك لتحرجهم منهما لما كانا محل الأصنام في الجاهلية، وفي الحقيقة ليس في الآية تصريح بالوجوب، وإنما الوجوب مأخوذ من السنة.

قوله: [وصحته بتقدم طواف]: ولا يشترط اتصاله به بل يغتفر الفصل اليسير بين أشواطه.

قوله: [وإلا أخره عقب طواف الإفاضة]: أي وإلا يجب عليه طواف القدوم أخره وجوباً وعقب طواف الإفاضة كما سيقول.

قوله: [حتى لا يمكنهم الإتيان بالقدوم]: أي مع إدراك الوقوف.

قوله: [وطال الزمن]: مفهومه لو كان الزمن قريباً بعد الإفاضة، فإنه يأتي بالسعي، ولا يعيد الإفاضة لأن الفصل اليسير مغتفر.

قوله: [لأنه لم يترك ركناً]: أي لكونه أتى بأصل الركن وهو السعي بعد طواف غير واجب. وإنما فوت على نفسه واجباً ينجبر بالدم حيث بعد عن مكة وما دام بها لا يجبره الدم بل يلزمه الإتيان به بعد طواف الإفاضة.

قوله: [وندب غسل بها]: أي فهو نفسه مندوب. وكونه بهذا المكان مندوب ثان.

قوله: [نهاراً]: فإن قدم بها ليلاً بات بذي طوى.

قوله: [وندب دخوله من كداء]: أي إلا لزحمة.

قوله؛ [اسم لطريق]: ويعرف الآن بباب المعلاة والدخول من هذه الطريق مندوب وإن لم يأت من جهة المدينة خلافاً لخليل، فإن العلة أذان إبراهيم بالحج فيه وهي عامة - كذا في المجموع.

قوله [المعروف الآن بباب السلام]: وفي الحقيقة باب السلام المعروف الآن موصل إليه، فإنه الآن قوصرة بوسط صحن الحرم يمر منها الداخل من باب السلام القاصد للكعبة، فلو دخل شخص من

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (بتقديم).

ص: 273

(و) ندب (خروجه) بعد انقضاء نسكه (من كدى) بضم الكاف مقصوراً اسم لطريق يمرون منها على الشيخ محمود وإذا دخل المسجد (فيبدأ بالقدوم) أي بطوافه (ونوى وجوبه) ليقع واجباً.

(فإن نوى) بطوافه (نفلاً أعاده) بنية الوجوب وفي التعبير بالإعادة تسامح؛ لأنه لم يأت بالواجب من أصله كمن عليه صلاة واجبة وصلى نفلاً، فالواجب باق في ذمته، (وأعاد السعي) الذي سعاه بعد النفل ليقع بعد واجب (ما لم يخف فوتاً) لحجه إن اشتغل بالإعادة، (وإلا) بأن خاف الفوات ترك الإعادة لطوافه وسعيه، و (أعاده) أي السعي (بعد الإفاضة وعليه دم) لفوات القدوم، فإن لم يأت به بعدها أعاد له الإفاضة، وأعاده بعدها ما دام بمكة، فإن تباعد فدم كما تقدم فيمن ليس عليه قدوم إذا قدَّم سعيه.

(ووجب للطواف مطلقاً) -واجباً أو نفلاً- (ركعتان) بعد الفراغ منه (يقرأ فيهما) ندباً (بالكافرون) بعد الفاتحة في الركعة الأولى، (فالإخلاص) في الثانية (وندباً) أي إيقاعهما (بالمقام) أي مقام إبراهيم (و) ندب (دعاء) بعد تمام طوافه وقبل ركعتيه (بالملتزم) حائط البيت بين الحجر الأسود وباب البيت يضع صدره عليه، ويفرش ذراعيه عليه ويدعو بما شاء ويسمى الحطيم أيضاً (و) ندب (كثرة شرب ماء زمزم) لأنه بركة (بنية حسنة) فقد ورد:«ماء زمزم لما شرب له» أي من علم أو عمل أو عافية أو سعة رزق ونحو ذلك (و) ندب (نقله) إلى بلده وأهله للتبرك به.

(وشرط صحة الطواف) فرضاً أو نفلاً: (الطهارتان) طهارة الحدث، وطهارة الخبث كالصلاة (وستر العورة) كالصلاة في حق الذكر والأنثى (وجعل البيت عن يساره) حال طوافه لا عن يمينه ولا تجاه وجهه أو ظهره.

(وخروج كل البدن) أي بدن الطائف (عن الشاذروان) بفتح الذال المعجمة وإسكان الراء المهملة: بناء لطيف من حجر أصفر يميل إلى البياض ملصق بحائط الكعبة محدودب طوله أقل من ذراع فوقه حلق من نحاس أصفر دائر بالبيت، يربط بها أستار الكعبة يلعب بها بعض جهلة العوام كأنهم يعدونها فيفسد طوافهم.

(و) خروج كل البدن أيضاً عن (الحجر) بكسر الحاء وسكون الجيم أي حجر إسماعيل

ــ

أي باب وتوصل للكعبة من تلك القوصرة فقد أتى بالمندوب.

قوله: [من كدى بضم الكاف] إلخ: أبدى بعضهم الحكمة في الدخول من المفتوح والخروج من المضموم وهي الإشارة إلى أنه يدخل طالباً الفتح وملتمساً العطايا، فإذا خرج يضم ما حازه ويكتم أمره ولا يشيع سره.

قوله: [فإن نوى بطوافه نفلاً]: أي بأن اعتقد عدم وجوبه كما يقع لبعض الجهلة، وأما إن لم ينو وجوبه وهو يعتقد لزومه فلا إعادة عليه.

والحاصل أنه متى نوى الوجوب أو لم ينو شيئاً ولكن اعتقد وجوبه فلا إعادة، وأما إن لم ينو شيئاً وكان ممن يعتقد عدم لزومه؛ أو اعتقد الوجوب ونوى به النفلية فيلزمه إعادته.

قوله: [ووجب للطواف مطلقاً]: أي على أحد القولين والآخر أنهما تابعان للطواف.

قوله: [يقرأ فيهما ندباً بالكافرون] إلخ: الكافرون مجرور بالحكاية، وإنما خص هاتين السورتين لاشتمالهما على التوحيد في مقام التجريد.

قوله: [المقام]: أي خلفه بحيث يكون المقام بينه وبين الكعبة، ويلزم من ذلك فعلهما في المسجد، لأن المقام وسطه، فلو صلاهما خارج المسجد أجزأ وأعادهما ما دام على وضوء.

قوله: [ويسمى الحطيم أيضاً]: أي لأنه يحطم الذنوب وما دعي فيه على ظالم إلا وحطم. وقيل الملتزم اسم للمكان الكائن بين الكعبة وزمزم، فعلى هذا يكفي الدعاء في أي بقعة منه.

قوله: [ماء زمزم لما شرب له]: أي فيحصل ما قصده بالنية الحسنة لنفسه أو لغيره.

قوله: [وندب نقله]: أي وخاصيته باقية خلافاً لمن يزعم زوال خاصيته.

قوله: [كالصلاة]: فإن شك في الأثناء ثم بان الطهر لم يعد.

قوله: [في حق الذكر والأنثى]: قال بعض والظاهر من المذهب صحة طواف الحرة إذا كانت بادية الأطراف، وتعيد استحباباً ما دامت بمكة أو حيث يمكنها الإعادة وقيل لا إعادة عليها.

قوله: [وجعل البيت من يساره]: المراد عن يساره وهو ماش مستقيماً جهة أمامه، فلو جعله عن يساره إلا أنه رجع القهقرى من الأسود إلى اليماني لم يجزه، قال الحطاب حكمة جعل البيت عن يساره ليكون قلبه إلى جهة البيت، ووجهه إلى وجه البيت، إذ باب البيت هو وجهه، فلو جعل الطائف البيت عن يمينه لأعرض عن باب البيت الذي هو وجهه، ولا يليق بالأدب الإعراض عن وجوه الأمثال.

قوله: [بفتح الذال المعجمة] إلخ: أي كما ضبطه النووي، وقال ابن فرحون: بكسر الذال المعجمة.

قوله: [فيفسد طوافهم]: أي لدخول بعض البدن في هواء البيت، وما ذكره هو الذي عليه الأكثر من المالكية والشافعية. وذهب بعضهم إلى أنه ليس من البيت، قال الحطاب: وبالجملة فقد كثر الاضطراب في الشاذروان، فيجب على الشخص الاحتراز منه في طوافه ابتداء، فإن طاف وبعض بدنه في هوائه أعاد ما دام بمكة، فإن لم يذكر ذلك حتى بعد عن مكة فينبغي أنه لا يلزمه الرجوع مراعاة لمن يقول إنه ليس من البيت - كذا في حاشية الأصل، ولكن يلزمه هدي كما قرره المؤلف.

قوله: [وخروج كل البدن أيضاً عن الحجر]: أي لقول مالك في المدونة: ولا يعتد بالطواف داخل الحجر، خلافاً لما مشى عليه خليل من

ص: 274

لأن أصله من البيت وهو الآن محوط ببناء من حجر أصفر يميل إلى البياض على شكل القوس، تحت ميزاب الرحمة من الركن العراقي الذي يلي باب الكعبة إلى الركن الشامي طوله نحو ذراعين، ليس ملتصقاً بالكعبة، بل له باب من عند العراقي، وباب من عند الشامي يدخل الداخل من هذا ويخرج من الآخر، والمطاف خارج الحجر مبلط برخام نفيس من كل جهة وإذا كان خروج كل البدن شرط صحة (فينصب المقبل) للحجر الأسود (قامته) بأن يعتدل بعد التقبيل قائماً، ثم يطوف؛ لأنه لو طاف مطأطئاً كان بعض بدنه في البيت فلا يصح طوافه.

(و) شرط صحة الطواف (كونه سبعة أشواط) من الحجر للحجر فلا يجزئ أقل.

وكونه (داخل المسجد) فلا يجزئ خارجه.

وكونه متوالياً (بلا كثير فصل، وإلا) بأن فصل كثيراً لحاجة أو لغيرها (ابتدأه) من أوله، وبطل ما فعله.

(وقطع) طوافه وجوباً ولو ركناً (لإقامة) صلاة (فريضة) لراتب، إذا لم يكن صلاها، أو صلاها منفرداً وهي مما تعاد، والمراد بالراتب: إمام مقام إبراهيم وهو المعروف الآن بمقام الشافعي، وأما غيره فلا يقطع له لأنه بمنزلة غير الراتب، كذا قيل (و) إذا أقيمت عليه أثناء شوط (ندب) له (كمال الشوط) الذي هو فيه، بأن ينتهي للحجر ليبني على طوافه المتقدم من أول الشوط، فإن لم يكمله ابتدأ في موضع خروجه قال ابن حبيب: ويندب له أن يبتدئ ذلك الشوط (وبنى) على ما فعله من طوافه بعد سلامه، وقبل تنفله فعلم أن الفصل بصلاة الفريضة لا يبطله، بخلاف النافلة والجنازة.

وكذا لا يبطله الفصل لعذر كرعاف؛ ولذا شبه في البناء قوله: (كأن رعف) فإنه يبني بعد غسل الدم بالشروط التي تقدمت في الصلاة من كونه لا يتعدى موضعاً قريباً لأبعد منه، وأن لا يبعد المكان في نفسه وأن لا يطأ نجاسة.

(و) بنى (على الأقل إن شك) هل طاف ثلاثة أشواط أو أربعة مثلاً إذا لم يكن مستنكحاً، وإلا [1] بنى على الأكثر (ووجب) للطواف (ابتداؤه من الحجر) الأسود (و) وجب له (مشي لقادر) عليه (كالسعي) أي كما يجب المشي للسعي على القادر (وإلا) يمش -بأن ركب أو حمل- (فدم) يلزمه (إن لم يعده) وقد خرج من مكة، فإن أعاده ماشياً بعد رجوعه له من بلده فلا دم عليه فإن لم يخرج من مكة فهو مطلوب بإعادته ماشياً ولو طال الزمن، ولا يجزيه الدم والسعي كالطواف فيما ذكر، ومفهوم:"لقادر" أن العاجز لا دم عليه ولا إعادة وما مشى عليه الشيخ من أن المشي سنة فيه مسامحة.

ــ

تخصيصه بستة أذرع منه؛ فإنه خلاف نص المدونة كما علمت.

قوله: [لأن أصله من البيت]: أي ولذلك «قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: صلي في الحجر إن أردت دخول البيت فإنما هو قطعة من البيت، ولكن قومك استقصروه حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت» .

قوله: [فلا يجزئ أقل]: أي وأما لو زاد فقال الباجي: ومن سها في طوافه فبلغ ثمانية أو أكثر فإنه يقطع ويركع ركعتين للأسبوع الكامل، ويلغي ما زاد عليه ولا يعتد به. وهكذا حكم العامد، في ذلك انظر الحطاب. وبهذا تعلم ما في (عب) والخرشي من بطلان الطواف بزيادة مثله سهواً، وبمطلق الزيادة عمداً كالصلاة من أنه مخالف للنص، وقياسهما له على الصلاة مردود بوجود الفارق، لأن الصلاة لا يخرج منها إلا بسلام، بخلاف الطواف فالزيادة بعد تمامه لغو - كذا في حاشية الأصل، ولذلك اقتصر شارحنا على عدم الإجزاء في الأقل وسكت عن الزيادة.

قوله: [فلا يجزئ خارجه]: أي ولا فوق سطحه، وأما بالسقائف القديمة وهي محل القباب المعقودة الآن ووراء زمزم وقبة الشراب فيجوز للزحمة لا لكحر وبرد فيعيد ما دام بمكة، وإلا فدم كذا في المجموع، فلو طاف في السقائف لزحمة ثم زالت الزحمة في الأثناء وجب كماله في المحل المعتاد كان الباقي قليلاً أو كثيراً. فلو كمله في محل السقائف فهل يطالب بإعادة ما فعله بعد زوال الزحمة، أو يؤمر بإعادة الطواف كله؟ قال في الحاشية والظاهر الأول.

واعلم أنه كان في الصدر الأول سقائف في المسجد الحرام بدلها بعض السلاطين من بني عثمان بقباب معقودة، وأما السقائف الموجودة الآن خلف القباب فالطواف بها باطل لخروجها عن المسجد.

قوله: [بأن فصل كثيراً]: أي ولو كان الفصل لصلاة جنازة، بل صلاة الجنازة مبطل للطواف ولو قل الفصل، لأنها فعل آخر غير ما هو فيه، ولا يجوز القطع لها اتفاقاً. قال في الأصل: ما لم تتعين، فإن تعينت وجب القطع إن خشي تغيرها وإلا فلا يقطع، وإذا قلنا بالقطع فالظاهر أنه يبني كالفريضة كذا قالوا رضي الله عنهم اهـ. وأما لو قطع لنفقة نسيها، فإن لم يخرج من المسجد بنى، وإلا ابتدأه.

قوله: [كذا قيل]: تقدم في الجماعة الخلاف فيه فانظره.

قوله: [بخلاف النافلة] إلخ: أي فإنه يبطل الفصل بها ولو يسيراً لأنها عبادة أخرى. وتقدم التفصيل في الجنازة. قوله: [كأن رعف فإنه يبني]: أي بخلاف ما لو علم بنجس أو سقطت عليه نجاسة. فإنه لا يبني بل يبطل ويبتديه، خلافاً لما مشى عليه خليل. وأما إن لم يعلم بالنجس إلا بعد الفراغ فلا إعادة عليه، وإنما يعيد ركعتيه إن كان الأمر قريباً ولما ينتقض وضوؤه، فإن طال أو انتقض وضوؤه فلا شيء عليه لخروج وقت الفراغ منهما.

قوله: [وبنى على الأقل] إلخ: أي ويعمل بإخبار غيره ولو واحداً.

قوله: [ووجب للطواف ابتداؤه] إلخ: فإن ابتدأه من غيره ولم يعده لزمه دم.

قوله: [فيه مسامحة]: أي لحكمه

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (إلا).

ص: 275

(وسن) للطواف (تقبيل حجر بلا صوت) ندباً (أوله) أي في أوله قبل الشروع فيه إذا لم تكن زحمة، (وللزحمة لمس بيد) إن قدر، (ثم عود) إن لم يقدر باليد (ووضعاً) أي اليد أو العود (على فيه) بعد اللمس بأحدهما بلا صوت، (وكبر) ندباً (مع كل) من التقبيل ووضع اليد أو العود على الفم (وإلا) يقدر على واحد من الثلاثة (كبر فقط) إذا حاذاه، واستمر في طوافه (و) سن (استلام) الركن (اليماني) أول شوط بأن يضع يده اليمنى عليه، ويضعها على فيه (و) سن (رمل ذكر) ولو غير بالغ فهو أشمل من قوله:"رجل"، فليس مراده خصوص البالغ، بدليل قوله:"ولو مريضاً وصبياً حملاً" أي: فيرمل الحامل لهما بهما، والرمل: الإسراع في المشي دون الخبب (في) الأشواط (الثلاثة الأول) فقط ومحل استنان الرمل فيها (إن أحرم) بحج أو عمرة أو بهما (من الميقات)، بأن كان آفاقياً أو من أهله، وإلا ندب كما سيأتي.

(إلا لازدحام فالطاقة)، ولا يكلف ما فوقها (و) سن للطائف (الدعاء) بما يحب من طلب عافية وعلم وتوفيق وسعة رزق (بلا حد) محدود في ذلك، بل بما يفتح عليه والأولى [1] أنه يدعو بما ورد في الكتاب والسنة نحو:{ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة: 201] ونحو: «اللهم إني آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت» رواه البخاري.

ثم شرع في سنن السعي وهي أربعة فقال: (و) سن (للسعي) بين الصفا والمروة (تقبيل الحجر) الأسود قبل الخروج له، و (بعد) صلاة (الركعتين) للطواف (و) سن (رقي رجل) أي صعوده (عليهما) أي على الصفا والمروة، (كامرأة) يسن لها الصعود (إن خلا) الموضع من الرجال، وإلا وقفت أسفلهما (و) سن (إسراع بين) العمودين (الأخضرين) الملاصقين لجدار المسجد (فوق الرمل) ودون الجري، وذلك في ذهابه من الصفا إلى المروة، وكذا في عوده إلى الصفا أيضاً (و) سن (الدعاء بهما) أي عليهما سواء رقى أم لا انتصب قائماً أم جلس.

(وندب له) أي للسعي (شروط الصلاة)

ــ

بالدم في تركه؛ والدم لا يكون إلا لترك واجب وهذا هو مشهور مذهبنا، وأما مذهب الغير فليس المشي في الطواف والسعي بواجب.

قوله: [وسن للطواف تقبيل] إلخ: ظاهره أنه سنة في كل طواف سواء كان واجباً أو تطوعاً، وهو الذي نسبه ابن عرفة للتلقين وظاهر إطلاق خليل وابن شاس وابن الحاجب، ولكن نسب البناني للمدونة تخصيص السنية بالطواف الواجب.

قوله: [بلا صوت]: وفي الصوت قولان: بالكراهة، والإباحة وهو الأرجح. وكره مالك السجود وتمريغ الوجه عليه.

قوله: [وكبر ندباً مع كل]: أي خلافاً لظاهر خليل من أنه إنما يكبر إذا تعذر اللمس باليد والعود فهمه من المدونة، واعترض به على كلام ابن الحاجب من التكبير، في كل مرتبة، والصواب ما لابن الحاجب الذي مشى عليه شارحنا.

قوله: [كبر فقط إذا حاذاه]: أي جاء قبالته ولا يشير بيده بل يقتصر على التكبير كما قال الشارح، ولا فرق في هذه المراتب بين الشوط الأول وغيره.

قوله: [ويضعها على فيه]: أي من غير تقبيل. وأما تقبيل الحجر واستلام اليماني في باقي الأشواط فمندوب كما يأتي. وأما الشامي والعراقي فيكره استلامهما في سائر الأشواط.

قوله: [وسن رمل ذكر]: أي وأما النساء فلا رمل عليهن، والظاهر كراهته كما في الحاشية، والطائف من الرجال عنهن حكمهن.

قوله: [إن أحرم بحج] إلخ: أي لأن سنة الرمل إنما هي في طواف العمرة وطواف القدوم، وهذا الرمل مما زال سببه وبقي حكمه، فإن سببه رفع التهمة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدموا مكة بعمرة، فكان كفار مكة يظنون فيهم الضعف بسبب حمى المدينة، فكانوا يقولون قد أوهنتهم حمى يثرب فأمروا بالرمل في ابتداء الأشواط لمنع تهمة الضعف.

قوله: [بلا حد محدود في ذلك]: أي والتحديد رآه مالك من البدع.

قوله: [بعد صلاة الركعتين]: وندب أن يمر بزمزم فيشرب منها ثم يقبل الحجر كما قال المصنف، ثم يخرج للسعي من باب الصفا ندباً.

قوله: [وسن رقي رجل] إلخ: اعلم أن السنة تحصل بمطلق الرقي ولو على سلم واحد، والرقي على الأعلى مندوب كما في المدونة، والمراد الرقي على كل منهما في كل مرة، فالجميع سنة واحدة، فمن رقى مرة أو مرتين فقط، فقد أتى ببعض السنة كذا في (بن) اهـ. من حاشية الأصل.

قوله: [وإلا وقفت أسفلهما]: أي ولا يجوز لها مزاحمة الرجال.

قوله: [العمودين الأخضرين]: أولهما في ركن المسجد تحت منارة باب علي على يسار الذاهب إلى المروة، والثاني بعده قبالة رباط العباس، وهناك عمودان آخران على يمين الذاهب إلى المروة في مقابلتهما. قوله:[وكذا في عوده إلى الصفا]: أي كما ارتضاه (بن) وأيده بالنقول خلافاً لظاهر كلام سند والمواق من أن الإسراع خاص بالذهاب للمروة، ولا يكون في حال العود للصفا.

قوله: [وسن الدعاء بهما]: أي بلا حد كما تقدم في الطواف، بل السنة الدعاء لمن يسعى مطلقاً في حال رقيه وسعيه. ولا يتقيد بالرقي كما قد يتوهم من

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (الأولى).

ص: 276

من طهارة، وستر عورة، وندب وقوف عليهما، والجلوس مكروه أو خلاف الأولى (و) ندب (للطواف: رمل في الثلاثة الأول لمحرم) بحج أو عمرة، (من) دون المواقيت (كالتنعيم) والجعرانة، (أو بالإفاضة): أي في طوافها (لمن لم يطف القدوم) لعذر أو نسيان.

(و) ندب (تقبيل الحجر) الأسود (واستلام) الركن (اليماني في غير) الشوط (الأول)، وتقدم أنهما في الأول سنة وشبه في الندب قول:(كالخروج) من مكة (لمنى يوم التروية)، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة (بعد الزوال) قبل صلاة الظهر (بقدر ما) أي زمن (يدرك بها): أي بمنى (الظهر) فيه قبل دخول وقت العصر قصراً للسنة. (وبياته بها) أي بمنى ليلة التاسع، فإنه مندوب (وسيره لعرفة بعد الطلوع) للشمس: فإنه مندوب. (ونزوله بنمرة): واد دون عرفة بلصقها، منتهاها العلمان المعروفان. وهذا إذا وصلها قبل الزوال فينزل بها حتى تزول الشمس، فإذا زالت صلى الظهر والعصر قصراً جمع تقديم مع الإمام بمسجدها ثم ينفروا إلى عرفة للوقوف بجبل الرحمة للغروب على ما سيأتي.

الركن (الثالث) من أركان الحج:

(الحضور بعرفة ليلة النحر): على أي حالة كانت، (ولو بالمرور) بها (إن علمه): أي علم أنه عرفة، (ونواه): أي نوى الحضور الركن، وهذان شرطان في المار فقط (أو مغمى عليه). ويكفي الحضور (في أي جزء) منه؛ وهو جبل متسع جداً. والحضور أعم من الوقوف، فالوقوف، ليس بشرط، وقوله:"ليلة النحر" هو شرط عندنا، فلا يكفي الوقوف نهاراً بل هو واجب ينجبر بالدم كما سيأتي قريباً. (وأجزأ) الوقوف (بعاشر): أي يوم العاشر ليلة الحادي عشر من ذي الحجة إن (أخطأوا): أي أهل الموقف، بأن لم يروا الهلال لعذر من غيم أو غيره، فأتموا عدة ذي القعدة ثلاثين يوماً فوفقوا يوم التاسع في اعتقادهم، فثبت أنه يوم العاشر بنقصان ذي القعدة فيجزئهم، بخلاف التعمد وبخلاف خطئهم بثامن أو حادي عشر، أو خطأ بعضهم فلا يجزئ.

(ووجب) في الوقوف الركن: (طمأنينة): أي استقرار بقدر الجلسة بين السجدتين قائماً أو جالساً أو راكباً فإذا نفروا قبل الغروب -كما هو الغالب في هذه الأزمنة- وجب عليهم قبل الخروج من عرفة استقرار بعد الغروب وإلا فدم إن لم يتداركه (كالوقوف نهاراً بعد الزوال) فإنه واجب ينجبر بالدم ولا يكفي قبل الزوال.

ــ

غالب العبارات كما ذكره النفراوي في شرح الرسالة. اهـ. من حاشية الأصل.

قوله: [من طهارة]: أي حدث أو خبث، فإن انتقض وضوؤه أو تذكر حدثاً أو أصابه حقن استحب له أن يتوضأ ويبني. فإن أتم سعيه كذلك أجزأه. فاستخف مالك اشتغاله بالوضوء ولم يره مخلاً بالموالاة الواجبة في السعي ليسارته.

قوله: [وندب وقوف عليهما]: وعن ابن فرحون أن الوقوف سنة.

قوله: [وندب للطواف رمل]: تقدم أن من أحرم بحج أو عمرة أو هما من المواقيت يسن في حقه الرمل في طواف القدوم أو العمرة، وذكر هنا المواضع التي يندب فيها الرمل وما عدا ذلك فلا رمل فيه.

قوله: [كالخروج من مكة لمنى]: أي وفي اليوم السابع يندب للإمام خطبة بعد ظهره بمكة يخبر الناس فيها بالمناسك التي تفعل من وقتها إلى الخطبة التي بعرفة.

قوله: [بقدر ما يدرك بها الظهر]: أي ولو وافق يوم الجمعة أي للمسافرين، وأما المقيمون الذين يريدون الحج كانوا من أهل مكة أو من غيرهم، فيجب عليهم صلاة الجمعة بمكة قبل الذهاب.

قوله: [وبياته بها]: أي فيصلي بها حينئذ الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وصبح التاسع وهذه السنة متروكة الآن.

قوله: [صلى الظهر والعصر]: أي بعد الخطبتين الآتيتين.

قوله: [جمع تقديم]: أي بأذان وإقامة لكل من الصلاتين بغير تنفل بينهما، ومن فاته الجمع مع الإمام جمع وحده في أي مكان بعرفة. قوله:[ثم ينفروا]: هكذا نسخة المؤلف من غير نون ولعلها سبق قلم.

قوله: [الحضور بعرفة]: ولا بد من مباشرة الأرض أو ما اتصل بها كالسجود، فلا يكفي أن يقف في الهواء.

قوله: [وهذان شرطان في المار فقط]: أي الذي لم يحصل منه استقرار وطمأنينة، وأما من استقر واطمأن في أي جزء منها فلا يشترط فيه العلم ولا النية.

قوله: [أو مغمى عليه]: هو في حيز لو، ولا يتأتى فيه العلم ولا النية فلا بد من الطمأنينة. وأولى من الإغماء النوم أي وحصل ذلك النوم أو الإغماء قبل الزوال، واستمر حتى نزل من عرفة، وأما لو حصل بعد الزوال فالإجزاء باتفاق. قال بعض: وانظر لو شرب مسكراً حتى غاب وفات الوقوف قال الخرشي: والظاهر إن لم يكن له فيه اختيار فهو كالمغمى عليه والمجنون، وإن كان له اختيار فلا يجزيه.

قوله: [إن أخطأوا]: أي وتبين ذلك بعد الوقوف بالفعل لا إن تبين قبل الوقوف فلا يجزيهم، هذا هو الصواب كما يفيده نقل الشيخ أحمد الزرقاني كذا في حاشية الأصل.

قوله: [بخلاف التعمد] إلخ: ومثل ذلك ما لو أخطأوا في العدد بأن علموا اليوم الأول من الشهر، ثم نسوه فوقفوا في العاشر فإنه لا يجزيهم. وأما من رأى الهلال وردت شهادته فإنه يلزمه الوقوف في وقته كالصوم.

قوله: [استقرار بعد الغروب]: أي بقدر ما بين السجدتين.

قوله: [إن لم يتداركه]: أي بأن طلع عليه الفجر ولم يحصل منه طمأنينة بعرفة ليلاً.

ص: 277

وذهب بعض الأئمة كالشافعي إلى أن الركن الوقوف إما نهاراً أو ليلاً.

(وسن خطبتان) كالجمعة (بعد الزوال) بمسجد عرفة ويقال مسجد نمرة أيضاً؛ لأن مقصورته الغربية التي بها المحراب في نمرة وباقيه في عرفة، وهو مسجد عظيم الشأن متين البنيان أكثر الحجاج الآن لا يعرفه ولا يهتدي إليه حتى طلبة العلم، سوى أهل مكة وغالب أهل الروم؛ فلهم اعتناء بإقامة الشعائر (يعلمهم) الخطيب (بهما): أي الخطبتين بعد الحمد والشهادتين (ما عليهم من المناسك) قبل الأذان للظهر، بأن يذكر لهم أن يجمعوا بين الصلاتين جمع تقديم، وأن يقصروهما للسنة إلا أهل عرفة فيتمون، وبعد الفراغ منهما ينفرون إلى جبل الرحمة واقفين أو راكبين بطهارة، مستقبلين البيت وهو جهة المغرب بالنسبة لمن بعرفة داعين متضرعين للغروب. ثم يدفعون بدفع الإمام بسكينة ووقار، فإذا وصلتم لمزدلفة فاجمعوا بين المغرب والعشاء جمع تأخير تقصرون العشاء إلا أهل مزدلفة فيتمون وتلتقطون منها الجمرات ثم تبيتون بها وتصلون بها الصبح، ثم تنفرون إلى المشعر الحرام فتقفون به إلى قرب طلوع الشمس، ثم تسيرون لمنى لرمي جمرة العقبة وتسرعون ببطن محسر، فإذا رميتم الجمار فاحلقوا أو قصروا واذبحوا أو انحروا هداياكم وقد حل لكم ما عدا النساء والصيد، ثم امضوا من يومكم (إلى) طواف (الإفاضة) وقد حل لكم كل شيء حتى النساء والصيد. (ثم أذن) بالبناء للمفعول (وأقيم): أي ثم يؤذن المؤذن لصلاة الظهر ويقيم الصلاة (بعد الفراغ) من خطبته (وهو): أي الإمام (جالس على المنبر و) سن (جمع الظهرين) جمع تقديم حتى لأهل عرفة (و) سن (قصرهما) إلا لأهل عرفة بأذان ثان وإقامة للعصر من غير تنفل بينهما.

ومن فاته الجمع مع الإمام جمع في رحله. وهذه الشعائر والخطبة على الوجه الذي مر مقامه - بفضل الله - في هذه الأزمنة كما شاهدنا ذلك يقيمها أهل مكة وغالب الأعاجم من الأروام والبرابرة وأما غيرهم فلا، ولو حج مراراً كثيرة، حتى أمير الحج المصري أو الشامي، وكثير من العوام لا يعلمون أن بعرفة مسجداً من أصله، وذلك أن شأن الحج النزول بقرب جبل الرحمة شرقي عرفة ومسجدها في جهتها الغربية، وبينهما مسافة وفيها أشجار وكلأ، فقل أن يتنبه الغافل لرؤية المسجد، إلا أنهم يتمون الصلاة لكون الإمام حنفياً. وأمر الحرمين منوط بأمر السلطان وهو حنفي.

(وندب وقوف) بعد صلاة الظهرين (بجبل الرحمة): مكان معلوم شرقي عرفة عند الصخرات العظام، وهناك قبة يسميها العوام قبة أبينا آدم (متوضئاً) لأنه من أعظم المشاهد وليس الوضوء بواجب للمشقة.

(و) ندب الوقوف (مع الناس): لأن في جمعهم مزيد الرحمة والقبول (و) ندب (ركوبه به): أي الوقوف؛ أي في حالة وقوفه (فقيام) على قدميه، (إلا لتعب) فيجلس. (و) ندب (دعاء) بما أحب من خيري الدنيا والآخرة (وتضرع): أي خشوع وابتهال إلى الله تعالى، لأنه أقرب للإجابة (للغروب) فيدفعون إلى مزدلفة.

(وسن جمع العشاءين بمزدلفة) بأن تؤخر المغرب لبعد مغيب الشفق فتصلى مع العشاء فيها، وهذا إن وقف مع الناس ودفع معهم وإلا فسيأتي حكمه. (و) سن (قصر) للعشاء لجميع الحجاج (إلا أهلها) فيتمونها (كمنى وعرفة) أي كأهلهما في محلهما فيتمون ويقصر غيرهم. والحاصل: أن أهل كل محل من مكة ومنى ومزدلفة وعرفة

ــ

قوله: [وذهب بعض الأئمة كالشافعي] إلخ: أي فمن وقف نهاراً فقط كفى عند الشافعي، ومن وقف ليلاً فقط كفى عند مالك والشافعي، ولزمه دم عند مالك لفوات النهار.

قوله: [بعد الزوال]: فلو خطب قبله وصلى بعده أو صلى بغير خطبة أجزأه إجماعاً.

قوله: [ويقال مسجد نمرة أيضاً]: ويقال مسجد عرنة بالنون أيضاً كما تقدم.

قوله: [وأن يقصروهما للسنة]: أي فإن السنة جاءت بالقصر في تلك الأماكن، وإن لم تكن المسافة أربعة برد، فلذلك يسن لأهل مكة القصر في عرفة ومنى ومزدلفة وكذلك جميع أهل تلك الأماكن يقصرون في غير وطنهم كما سيأتي يصرح بذلك قوله:[إلا أهل عرفة فيتمون]: ويقال مثل ذلك في منى ومزدلفة.

قوله: [وتلتقطون منها الجمرات]: يعني حصيات جمرة العقبة لا كل الجمرات، فإن باقيها تلتقط من منى كما يأتي.

قوله: [ثم تبيتون بها]: أي ندباً لأن هذه الكيفية التي بينها بعضها واجب وبعضها سنة وبعضها مندوب، وسيأتي إيضاح ذلك مفصلاً.

قوله: [وقد حل لكم كل شيء حتى النساء] إلخ: أي فهو التحلل الأكبر. وما قبله تحلل أصغر كما يأتي.

قوله: [بأذان ثان]: أي كما هو مذهب المدونة قال في الجلاب وهو الأشهر وقيل بأذان واحد، وبه قال ابن القاسم وابن الماجشون وابن المواز.

قوله: [جمع في رحله]: فإن تركه فلا شيء عليه، وقيل عليه دم حكاه في اللمع واستبعده القرافي.

قوله: [وهناك قبة] إلخ: قيل هي محل التقاء آدم مع حواء بعد هبوطهما من الجنة، ولذلك سمي عرفات لتعارفهما في تلك البقعة.

قوله: [وندب ركوبه به]: أي لوقوفه عليه السلام كذلك، ولكونه أعون على مواصلة الدعاء وأقوى على الطاعة، ويحمل النهي في قوله عليه الصلاة والسلام:«لا تتخذوا ظهور الدواب كراسي» على ما إذا حصل مشقة أو هو مستثنى من النهي.

قوله: (إلا لتعب) أي: من القيام، ومثله التعب للدابة أو من ركوبها أو من إدامة الوضوء.

قوله: [دعاء بما أحب]: أي بأي دعاء كان ويندب ابتداؤه بالحمد والصلاة على النبي، ثم أفضله دعوات القرآن وما جرى مجراه من الدعوات النبوية والدعوات المأثورة عن السلف وأهل العرفان.

قوله: [جمع العشاءين بمزدلفة]: سميت بذلك لأخذها من الازدلاف وهو التقرب؛ لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات تقربوا بالمضي

ص: 278

يتم في محله ويقصر غيرهم. (وإن قدمتا): أي المغرب والعشاء عنها أي عن المزدلفة (أعادهما بها) أي المزدلفة ندباً (إلا المعذور) أي المتأخر عن الناس لعذر به أو بدابته (فبعد الشفق) يصليهما جمعاً (في أي محل) كان هو فيه. وهذا (إن وقف مع الإمام) والناس بعرفة، (وإلا) انفرد بوقوفه عنهم، (فكل) من الفرضين يصليه (لوقته) المغرب بعد الغروب، والعشاء بعد الشفق قصراً.

(ووجب نزوله بها) أي بالمزدلفة بقدر حط الرحال وصلاة العشاءين، وتناول شيء من أكل [1] أو شرب. فإن لم ينزل فدم. (وندب بياته) بها (وارتحاله) منها (بعد صلاة الصبح) فيها (بغلس) قبل أن تتعارف الوجوه. (و) ندب (وقوفه بالمشعر الحرام): محل يلي مزدلفة جهة منى (مستقبلاً) للبيت جهة المغرب لأن هذه الأماكن كلها شرقية مكة بين جبال شواهق يقفون به (للدعاء) بالمغفرة وغيرها، (والثناء) على الله تعالى (للإسفار و) ندب (إسراع) دون الجري يهرول الماشي ويحرك الراكب دابته (ببطن محسر) بضم الميم وفتح الحاء المهملة [2] وكسر السين المهملة مشددة: واد بين المشعر الحرام ومنى بقدر رمية الحجر بالمقلاع من قوي. (و) ندب (رميه العقبة) أي جمرتها (حين وصوله) لها على أي حالة بسبع حصيات يلتقطها من المزدلفة، (وإن راكباً) ولا يصبر للنزول. (و) ندب (مشيه): أي الرامي (في غيرها): أي غير جمرة العقبة يوم النحر. فيشمل العقبة في غير يوم النحر. (وحل بها) أي بالعقبة أي برمي جمرتها كل شيء يحرم على المحرم (غير نساء وصيد، وكره) له (الطيب) حتى يطوف طواف الإفاضة. وهذا هو التحلل الأصغر.

(و) ندب (تكبيره) بأن يقول: "الله أكبر"(مع) رمي (كل حصاة) من العقبة أو غيرها من باقي الأيام. (و) ندب (تتابعها): أي الحصيات بالرمي؛ فلا يفصل بينها بمشغل من كلام أو غيره. (و) ندب (لقطها) بنفسه أو غيره من أي محل إلا العقبة فمن المزدلفة، ويكره أن يكسر حجراً كبيراً، كرمي بما رمى به. (و) ندب (ذبح) لهدي (وحلق قبل الزوال) إن أمكن، وهذا محط الندب وإلا فكل منهما واجب. (و) ندب (تأخيره) أي الحلق (عن الذبح والتقصير) لشعر الرأس (مجز) للذكر عن الحلق. (وهو): أي التقصير (للمرأة): أي سنتها؛ ولا يجوز لها الحلق إن كانت كبيرة لأنه مثلة في حقها.

(تأخذ) المرأة أي تقص (من جميع شعرها نحو) أي قدر (الأنملة) من الأصبع.

(و) يأخذ (الرجل) إن قصر (من قرب أصله) أي الشعر، (وأجزأه الأخذ من الأطراف) لجميع الشعر نحو الأنملة وأخطأ (لا) يجزئ (حلق البعض) من شعر الرأس للذكر، ولا تقصير البعض للأنثى وهو مجز عند غيرنا كالمسح في الوضوء. فإذا رمى العقبة ونحر وحلق أو قصر نزل من منى لمكة لطواف الإفاضة. ولا تسن له صلاة العيد بمنى ولا بالمسجد الحرام، لأن الحاج لا عيد عليه. وما يقع الآن من صلاة العيد بالمسجد الحرام بعد رميهم جمرة العقبة فعلى غير مذهبنا.

الركن (الرابع) من أركان الحج: (طواف الإفاضة): سبعة أشواط بالبيت

ــ

إليها - قاله النووي.

قوله: [يتم في محله ويقصر غيرهم]: أي وأما الجمع بعرفة ومزدلفة فهو سنة للجميع.

قوله: [بقدر حط الرحال] إلخ: أي فالمدار على مضي قدر ما ذكره. وإن لم يفعل شيئاً من ذلك.

قوله: [وقوفه بالمشعر الحرام]: تبع في الندب خليلاً، والمعتمد أن الوقوف بالمشعر سنة كما قال ابن رشد، وشهره القلشاني. بل قال ابن الماجشون: إن الوقوف به فريضة كما تقدم.

قوله: [محل يلي مزدلفة]: أي وهو المسجد الذي على يسار الذاهب لمنى الذي بين جبل المزدلفة والجبل المسمى بقزح، وإنما سمي مشعراً لما فيه من الشعائر أي الطاعات ومعالم الدين ومعنى الحرام أي الذي يحرم فيه الصيد وغيره كقطع الأشجار لأنه من الحرم.

قوله: [للإسفار]: أي فقط، ويكره الوقوف للطلوع.

قوله: [ببطن محسر]: قيل سمي بذلك لحسر أصحاب الفيل فيه، والحق أن قضية الفيل لم يكن بوادي محسر بل كانت خارج الحرم كما أفاده أشياخنا. فإذا كان كذلك فانظر ما حكمة الإسراع.

قوله: [حين وصوله لها]: هذا هو مصب الندب، وأما رميها في حد ذاته فواجب. ومحل ندب رميها حين الوصول إذا وصل لها بعد طلوع الشمس، فإن وصل قبل الطلوع انتظر طلوع الفجر وجوباً، ويستحب له أن يؤخر حتى تطلع الشمس، لأن وقت رميها يدخل بطلوع الفجر، ويمتد إلى الغروب كما يأتي. قوله:[يلتقطها من المزدلفة]: أي كما هو الندب، فلو التقطها من منى كفاه.

قوله: [غير نساء]: هذا في حق الرجال ويقال في حق النساء غير رجال وصيد.

قوله: [وندب تأخيره] إلخ: اعلم أنهم أجمعوا على مطلوبية الأمور الأربعة التي تفعل في يوم النحر وهي الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الإفاضة على هذا الوجه، إلا أن ابن الجهم من أئمتنا استثنى القارن فقال: لا يحلق حتى يطوف، لاحظ عمل العمرة، والعمرة يتأخر فيها الحلق عن الطواف. ومطلوبية الحلق ولو في حق من لا شعر له أصلاً فيجري الموسى على رأسه لأنه عبادة تتعلق بالشعر فتنتقل للبشرة عند عدمه كالمسح في الوضوء، ومن برأسه وجع لا يقدر على الحلاق أهدى. قال بعضهم: فإن صح وجب عليه الحلق، والحلق يجزئ ولو بالنورة خلافاً لأشهب القائل بعدم الإجزاء.

قوله: [والتقصير لشعر الرأس]: أي إن لم يكن لبد شعره وإلا تعين الحلق. ونص المدونة: ومن ضفر

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

زاد بعدها في ط المعارف: (فيها).

[2]

ليست في ط المعارف.

ص: 279

على الوجه المتقدم. (وحل به ما بقي) من نساء وصيد وطيب، وهذا هو التحلل الأكبر. فيجوز له وطء حليلته بمنى أيام التشريق (إن حلق) أو قصر قبل الإفاضة أو بعدها (وقدم سعيه) عقب القدوم. فإن لم يقدمه عقبه أو كان لا قدوم عليه فلا يحل ما بقي إلا بالسعي. فإن وطئ أو اصطاد قبله فالدم وسيأتي أنه إذا لم يحلق فالدم في الوطء لا الصيد. (ووقته): أي طواف الإفاضة (من طلوع فجر يوم النحر) فلا يصح قبله (كالعقبة) أي رمي جمرتها، فلا يصح قبله. (ووجب تقديم الرمي) للعقبة (على الحلق)، لأنه إذا لم يرمها لم يحصل له تحلل، فلا يجوز له حلق ولا غيره من محرمات الإحرام. (و) وجب تقديم الرمي أيضاً على طواف (الإفاضة)، فإن قدم واحداً منهما عليه: فدم، كما يأتي، بخلاف تقديم النحر أو الحلق على الإفاضة أو الرمي على النحر، فليس بواجب بل مندوب. فالحاصل أن الذي يفعل يوم النحر أربعة: الرمي، فالنحر، فالحلق، فالإفاضة. فتقديم الرمي على الحلق وعلى الإفاضة واجب ينجبر بالدم، وتقديم الرمي على النحر، وتقديم النحر على الحلق وتقديمهما على الإفاضة مندوب، فإن نحر قبل الرمي أو أفاض قبل النحر أو قبل الحلق أو قبلهما معاً أو قدم الحلق على النحر فلا شيء عليه في الخمسة وهو محمل الحديث:«ما سئل عن شيء قدم أو أخر يوم النحر إلا قال: افعل ولا حرج» .

(وندب فعله) أي طواف الإفاضة (في ثوبي إحرامه) ليكون جميع أركان الحج بهما. (و) ندب فعله (عقب حلقه) بلا تأخير إلا بقدر قضاء حاجته. (فإن وطئ بعده) أي بعد طواف الإفاضة (وقبل الحلق: فدم) لما تقدم أنه لا يحل له ما بقي إلا إذا حلق وسعى قبل الإفاضة أو بعدها، (بخلاف الصيد) قبل الحلق فلا دم عليه لخفته بالنسبة للوطء، وهذا إن كان سعى، وإلا فعليه الدم في الصيد أيضاً كما تقدم، لأن السعي ركن. (كأن قدم الإفاضة أو الحلق على الرمي): تشبيه في وجوب الدم؛ ففي تقديم الإفاضة على الرمي دم أي هدي، وفي تقديم الحلق على الرمي دم أي فدية، لأنه من إزالة الأذى أو الترفه قبل التحللين، فإن قدمهما معاً على الرمي فهدي وفدية (وأعاد الإفاضة) - ما دام بمكة تداركاً للواجب، وسقط عنه الدم إن أعاده قبل المحرم.

(لا) دم عليه (إن خالف) عمداً أو نسياناً (في غير): أي غير [1] الصورتين المتقدمتين؛ كأن قدم النحر على الرمي أو الحلق على الذبح أو الإفاضة عليهما كما تقدم. (وكتأخيره الحلق) ولو سهواً (لبلده) ولو قربت: فدم. (أو) تأخيره الحلق (لخروج أيام الرمي) الثلاثة بعد يوم النحر: فدم، إلا أن هذا حكاه في التوضيح: بـ "قيل" - بعد أن ذكر أن الدم في تأخيره لبلده - "عن المدونة" وذكر عن التونسي أو بعد طول، ثم قال: وقيل إن أخره بعد أيام النحر فظاهره أنه ضعيف. (أو تأخير) طواف (الإفاضة للمحرم): فدم لفعل الركن في غير أشهر الحج، وكذا تأخير السعي له. (أو) تأخير (رمي حصاة فأكثر) من الجمار (لليل [2]) لخروج وقت الأداء وهو النهار، الواجب فيه الرمي ودخول وقت القضاء وهو الليل، فأولى إذا أخر ليوم بعده وعليه دم واحد في تأخير حصاة فأكثر (وفات) الرمي لجمرة العقبة أو غيرها من جمار الثاني والثالث والرابع، (بالغروب من) اليوم (الرابع، فقضاء كل) تفريع على ما قبله؛ أي فعلم من قوله: "أو رمي حصاة" إلخ. أن قضاء كل من العقبة وغيرها إن أخره لعذر أو غيره ينتهي (إليه) أي إلى غروب الرابع. (والليل) عقب كل يوم (قضاء) لما فاته بالنهار يجب به الدم.

ــ

أو عقص أو لبد فعليه الحلاق، ومثله في الموطأ، وعلله ابن الحاجب تبعاً لابن شاس بعدم إمكان التقصير، ورده في التوضيح بأنه يمكنه أن يغسله ثم يقصر. وإنما علل علماؤنا تعين الحلق في حق هؤلاء بالسنة كذا في حاشية الأصل.

قوله: [على الوجه المتقدم]: أي من الشروط والآداب.

قوله: [إن حلق]: أي وكان قد رمى جمرة العقبة قبل الإفاضة. أو فات وقتها.

قوله: [فالدم]: أي هدياً في الوطء، وجزاء في الصيد، وقولنا:"وكان قد رمى جمرة العقبة أو فات وقتها": احتراز مما إذا أفاض قبل ذلك فإنه إذا وطئ عليه هدي.

قوله: [فلا يجوز له حلق]: فلو حلق لزمه فدية كما يأتي، ولا يجزيه ذلك الحلاق.

قوله: [وهو محمل الحديث]: أي هذه الصور الخمس يحمل عليها قوله صلى الله عليه وسلم: «افعل ولا حرج» ، ولا يحمل الحديث شاملاً لتقديم الحلق أو الإفاضة على الرمي، لأنه لا يصح نفي الحرج عنهما.

قوله: [في ثوبي إحرامه]: أي وهما الإزار والرداء.

قوله: [بخلاف الصيد]: أي وأولى الطيب وإنما كان أمرهما خفيفاً بالنسبة للوطء، لأن الوطء من مفسدات الحج في بعض أحواله.

قوله: [وإلا فعليه الدم في الصيد أيضاً]: مراده جزاء، وأما الطيب في تلك الحالة فلا شيء فيه.

قوله: [لا دم عليه إن خالف] إلخ: أي لكونه لم يترك واجباً كما تقدم.

قوله: [وكتأخيره الحلق ولو سهواً لبلده]: نص المدونة: والحلاق يوم النحر أحب إلي وأفضل، وإن حلق بمكة أيام التشريق أو بعدها أو حلق في الحل في أيام منى فلا شيء عليه، وإن أخر الحلاق حتى رجع إلى بلده جاهلاً أو ناسياً حلق أو قصر وأهدى - كذا في البناني نقله محشي الأصل.

قوله: [ولو قربت]: أي كما في سياق المدونة خلافاً لمن قيدها بالبعد.

قوله: [لفعل الركن في غير أشهر الحج]: أي التي هي شوال وذو القعدة وذو الحجة.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

[2]

في ط المعارف: (الليل).

ص: 280

(وحمل) بالبناء للمفعول (مطيق) للرمي على دابة أو غيرها إن كان لا قدرة له على المشي لمرض أو غيره (ورمي) بنفسه وجوباً ولا يستنيب ولا يرمي الحصاة في كف غيره ليرمي عنه فإن فعل لم يجزه.

(واستناب العاجز) عن الرمي من يرمي [1] عنه؛ ولا يسقط عنه الدم برمي النائب. وفائدتها سقوط الإثم. ورمى عن صغير لا يحسن الرمي أو مجنون وليه، فإن أخر لوقت القضاء: فالدم على الولي. وإذا استناب العاجز (فيتحرى الرمي): أي وقت رمى نائبه عنه، (وكبر) لكل حصاة، وأعاد الرمي بنفسه إن صح قبل الفوات بالغروب من الرابع.

(ثم) بعد إفاضته من يوم النحر (رجع) وجوباً (للمبيت بمنى)، أي فيها وندب الفور ولو يوم جمعة ولا يصلي الجمعة بمكة (فوق العقبة): لا دونها فلا يجزئ. والعقبة: صخرة عظيمة هي أول منى بالنسبة للآتي من مكة، يليها بناء لطيف يرمى عليه الحصيات هو المسمى بجمرة العقبة. وهي آخر منى بالنسبة للآتي من مزدلفة، ومنى: بطحاء متسعة ينزل بها الحجاج في الأيام المعدودات، فقوله "فوق العقبة" أي في البطحاء التي مبدؤها العقبة احترازاً عن البيات دونها مما يلي مكة، (ثلاثاً) من الليالي إن لم يتعجل (أو ليلتين إن تعجل قبل الغروب من) اليوم (الثاني) من أيام الرمي (وإن ترك جل ليلة) وهو ما زاد على النصف من الغروب للفجر، (فدم) يلزمه.

(ولو غربت) الشمس من الثاني (وهو بمنى لزمه) المبيت بها، (ورمي) اليوم (الثالث).

وإذا رجع للمبيت بمنى -وتعجل أو لم يتعجل- (فيرمي كل يوم) بعد يوم النحر الجمرات (الثلاث): الأولى والوسطى وجمرة العقبة (بسبع حصيات) فجميعها إحدى وعشرين حصاة، في كل يوم غير يوم النحر، فليس فيه إلا جمرة العقبة طلوع الشمس بسبع حصيات فقط. (يبدأ بالتي تلي مسجد منى) وهي الأولى، ويثني بالوسطى (ويختم بالعقبة): أي يرمي جمرتها.

ــ

قوله: [واستناب العاجز]: حاصل الفقه: أن العاجز عن الرمي يؤمر بالاستنابة. فإذا استناب سقط عنه الإثم، والدم لازم له على كل حال، لكن إن كان تأخير النائب عن وقت الأداء لغير عذر، كان الدم عليه، وإن كان لعذر كان على العاجز.

قوله: [ورمى عن صغير]: حاصله أن الصغير الذي لا يحسن الرمي والمجنون يرمي عنهما من أحجهما، كما أنه يطوف عنهما، وتقدم ذلك أول الباب. فإن لم يرم عنهما إلى أن دخل وقت القضاء فالدم واجب عليه، وإن رمى عنهما في وقت الأداء فلا دم أصلاً، بخلاف رمي النائب عن العاجز فإن فيه الدم، ولو رمى عنه في وقت الأداء إلا أن يصح العاجز، ويرمي عن نفسه وقت الأداء، وأما الصغير الذي يحسن الرمي فإنه يرمي عن نفسه. فإن لم يرم حتى فات وقت الأداء لزمه الدم.

قوله: [وأعاد الرمي بنفسه]: وفائدة الإعادة نفي الدم عمن لم يخرج وقته، فإن لم يعد أثم واستمر الدم باقياً.

قوله: [أو ليلتين إن تعجل]: أي والتعجيل جائز مستوي الطرفين لا مستحب ولا خلاف الأولى. كذا في الحاشية، لكن في حق غير الإمام، وأما هو فيكره له التعجيل.

قوله: [وإن ترك جل ليلة]: المراد أن غير المتعجل يلزمه الدم لترك جل ليلة من الليالي الثلاث، والمتعجل لتركه من الليلتين، وليس المراد جل ليلة من أي ليلة من الثلاث للمتعجل وغيره، إذ المتعجل لا يلزمه بيات الثالثة. والحاصل: أن المقتضي لوجوب بيات الثالثة وعدم وجوبه قصد التعجيل وعدمه، فإن قصد التعجيل فلا يلزمه بيات ولا دم، وإن لم يقصده يلزمه البيات والدم، إن ترك الليلة كلها أو جلها.

قوله: [ولو غربت الشمس]: أشار بهذا إلى أن شرط جواز التعجيل أن يجاوز جمرة العقبة قبل غروب الشمس من اليوم الثاني من أيام الرمي، فإن لم يجاوزها إلا بعد الغروب لزمه المبيت بمنى ورمي الثالث كما قال الشارح. لكن في حاشية الأصل - نقلاً عن كبير الخرشي - ما ذكر من شرط التعجيل، إن كان المتعجل من أهل مكة، وأما إن كان من غيرها فلا يشترط خروجه من منى قبل الغروب من اليوم الثاني، وإنما يشترط نية الخروج قبل الغروب من الثاني، ثم إن من تعجل وأدركته الصلاة في أثناء الطريق هل يتم أو لا؟ لم أر فيه نصاً، والإتمام أحوط. وأما من أدركته الصلاة من الحجاج وهو في غير محل النسك كالرعاة إذا رموا العقبة وتوجهوا للرعي، فالظاهر من كلامهم أن حكمهم حكم الحجاج اهـ.

تنبيه: رخص مالك جوازاً لراعي الإبل فقط بعد رمي العقبة يوم النحر أن ينصرف إلى رعيه، ويترك المبيت ليلة الحادي عشر والثاني عشر، ويأتي اليوم الثالث من أيام النحر فيرمي فيه لليومين، اليوم الثاني الذي فاته وهو في رعيه، والثالث الذي حضر فيه، ثم إن شاء تعجل وإن شاء أقام لرمي الثالث من أيام الرمي. وكذا رخص لصاحب السقاية في ترك المبيت خاصة، فلا بد أن يأتي نهاراً للرمي، ثم ينصرف، لأن ذا السقاية ينزع الماء من زمزم ليلاً، ويفرغه في الحياض كذا في الأصل.

قوله: [فجميعها إحدى وعشرين]: هكذا مسودة الشارح بالياء، ولعل المناسب عشرون بالواو. وجملة الحصيات سبعون لغير المتعجل وتسع وأربعون للمتعجل.

قوله: [يبدأ]: أي وهذا الترتيب واجب شرط

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

قوله: (من يرمي) ليس في ط المعارف.

ص: 281

ووقت أداء الرمي (من الزوال للغروب)، وتقدم أن الليل قضاء فإن قدمه على الزوال لم يعتد به. ثم شرع في بيان شروط صحة الرمي بقوله:

(وصحته) أي وشرط [1] صحة الرمي مطلقاً: أن يكون (بحجر)، فلا يصح بطين ولا بمعدن، ولا يشترط طهارته. وأن يكون الحصى (كحصى الخذف) يصح قراءته بالمعجمتين وبالحاء المهملة والذال المعجمة: وهو رمي الحصى بالسبابتين، بأن تكون الحصاة قدر الفولة أو النواة، (ولا يجزئ صغير جداً) كالحمصة، (وكره كبير) وأجزأ. (ورمي) عطف على حجر: أي وصحته برمي؛ أي دفع باليد. فلا يجزئ الوضع أو الطرح (على الجمرة): وهي البناء وما حوله من موضع الحصى، وهو أولى، فإن وقعت الحصاة في شق من البناء أجزأت على التحقيق (لا إن جاوزتها) ووقعت خلفها ببعد، (أو وقعت دونها): أي دون الجمرة التي هي محل الرمي، (ولم تصل) الحصاة إليها، فإن وصلت أجزأت. (و) صحته (بترتبهن): أي الجمرات بأن يبتدئ بالأولى التي تلي مسجد منى، ثم الوسطى، ثم العقبة (لا إن نكس) بأن قدم العقبة أو الوسطى، (أو ترك بعضاً) منها حصاة أو أكثر من الجميع أو من بعضهن (ولو سهواً) لم يجزه. (فلو رمى كلاً) من الجمرات (بخمس) من الحصيات (اعتد بالخمس الأول) من الجمرة الأولى، وكملها بحصاتين وأعاد الثانية والثالثة من أصلهما للترتيب.

(وإن لم يدر موضع حصاة) تركهما [2] منهن تحقيقاً أو شكّاً أهي من الأولى أو من غيرها (اعتد بست من) الجمرة (الأولى) بناء على اليقين، (وأعاد ما بعدها) من الثانية والثالثة وجوباً للترتيب. ولا هدي إن ذكر في يومه ولو نكس أعاد المنكس، فلو رمى الأولى ابتداء فالعقبة فالوسطى، أعاد العقبة، لأن رميها كان باطلاً لعدم الترتيب، ولا دم إن تذكر في يومه. وتقدم أن الرمي لا يفوت إلا بغروب الرابع.

(وندب رمي) جمرة (العقبة أول يوم) وهو يوم النحر (طلوع الشمس) إلى الزوال، وكره تأخيره للزوال

ــ

فهو من شروط الصحة أيضاً كما يأتي.

قوله: [وقت أداء الرمي] إلخ: أي لجميع الجمار غير جمرة العقبة يوم النحر، فإن وقتها يدخل من طلوع الفجر إلى الغروب، والأفضل أن تكون بعد الشمس كما يأتي. قوله:[أن يكون بحجر]: أي كون الرمي به من جنس ما يسمى حجراً سواء كان زلطاً أو رخاماً أو صواناً أو غير ذلك.

قوله: [ولا يشترط طهارته]: أي بل يندب.

قوله: [وهو رمي الحصى بالسبابتين]: بيان لمعناه اللغوي، وكانت العرب ترمي بها في الصغر على وجه اللعب تجعلها بين السبابة والإبهام من اليسرى، ثم تقذفها بسبابة اليمنى أو تجعلها بين سبابتيها، وليست هذه الهيئة مطلوبة في الرمي، وإنما المطلوب أخذها بسبابته وإبهامه من اليد اليمنى ورميها.

قوله: [وكره كبير]: أي لئلا يؤذي الناس.

قوله: [أي وصحته برمي]: اعترض بأن الشيء لا يكون شرطاً لنفسه. وأجيب بأن الرمي المشروط فيه المراد منه الإيصال للجمرة. والرمي الذي اعتبر شرطاً بمعنى الاندفاع، فالمعنى حينئذ شرط صحة الإيصال للجمرة الاندفاع، فلا يجزئ وضع الحصاة بيده على الجمرة، ولا طرحها عليها من غير اندفاع، وهذا الجواب يؤخذ من الشارح. ولا بد أن يكون الرمي مباشرة لا بقوس أو رجله أو غير ذلك، ولا بد أن تكون كل واحدة بانفرادها، فلو رمى السبعة دفعة واحدة حسبت واحدة.

قوله: [وهي البناء وما حوله]: وقيل إن الجمرة اسم للمكان الذي حول البناء فقط محل اجتماع الحصى، وعليه فلا يجزئ ما وقف في البناء، ولكن التحقيق الإجزاء كما قال الشارح.

قوله: [فإن وصلت أجزأت]: هكذا في التوضيح عن سند.

قوله: [بأن يبدأ بالأولى]: أي وهي الكبرى.

قوله: [ثم بالوسطى]: أي التي في السوق، ويرميان من أعلى من جهة منى كما في التتائي.

وقوله: [ثم بالعقبة]: أي يختم بها ويرميها من أسفل من بطن الوادي. قال في المجموع: فإن تأخر يوم لآخر ففي (ح) تقديم القضاء، ولو ضاق كيسير الفوائت، وظاهر اتحاد الدم قال إلا أن يضيق اليوم الآخر: السنهوري - قياساً على الاختصاص بالأخيرة عند الضيق - الأجهوري: إذا ضاق عن كل القضاء أتى ببعضه لحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه بما استطعتم» .اهـ.

قوله: [اعتد بالخمس الأول]: أي سواء فعل ذلك عمداً أو نسياناً. والحاصل: أن الترتيب بين الجمار الثلاث شرط صحة كما قال الشارح، وأما تتابع الرميات أو الجمرات فمندوب فقط، فلذلك اعتد بالخمس الأول لعدم وجوب تتابع الرميات، وبطل ما بعدها لاشتراط الترتيب بين الجمرات.

قوله: [وإن لم يدر موضع حصاة] إلخ: حاصله: أنه إذا رمى الجمار الثلاث، ثم تيقن أنه ترك حصاة من واحدة منها، ولم يدر من أيها تركها أو شك في ترك حصاة - ولم يدر من أيها - فإنه يعتد بست من الجمرة الأولى لاحتمال كونها منها فيكملها بحصاة، ثم يرمي الثانية والثالثة بسبع سبع، ولا دم عليه إن كمل الأولى وفعل الثانية والثالثة في يومه، فإن رمى الجمار الثلاث في يومين وحصل الشك في ترك حصاة ولم يدر من أي الجمار. وهل هي من اليوم الأول أو الثاني فإنه يعتد بست من الأولى في كلا اليومين، ويكمل عليها ويعيد ما بعدها، ويلزمه دم لتأخير رمي اليوم الأول لوقت القضاء، ولا مفهوم لقوله:"موضع حصاة"، بل مثله موضع حصاتين مثلاً وهكذا،

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (شرط).

[2]

في ط المعارف: (تركها)، ولعلها الصواب.

ص: 282

لغير عذر، ومحط الندب قوله:"طلوع" إلخ. (و) ندب رمي (غيرها) من باقي الأيام (إثر الزوال قبل) صلاة (الظهر) متوضئاً، وتقدم أن دخول الزوال شرط صحة للرمي في الأيام الثلاثة، فمحط الندب التعجيل قبل صلاة الظهر. (و) ندب (وقوفه): أي مكثه ولو جالساً (إثر) الجمرتين (الأوليين) أي الأولى والوسطى (للدعاء) والثناء على الله حال كونه (مستقبلاً) للبيت (قدر) ظرف للوقوف، أي يقف زمناً قدر (إسراع) قراءة سورة (البقرة و) ندب (تياسره في) الجمرة (الثانية) أي الوسطى؛ بأن يقف على يسارها كما في النقل (متقدماً عليها) جهة البيت، لا أنه يحاذيها جهة يسارها.

(و) ندب حال وقوفه للدعاء بقدر رمي الأولى، (جعل الأولى خلفه) وأما جمرة العقبة فيرميها وينصرف، ولا يقف لضيق محلها، وإذا استقبلها للرمي كانت مكة جهة يساره ومنى جهة يمينه. (و) ندب (نزول غير المتعجل) بعد رمي جمار اليوم الثالث (بالمحصب): اسم لبطحاء خارج مكة. (ليصلي به) أي فيه (أربع صلوات) الظهر والعصر والمغرب والعشاء، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأما المتعجل فلا يندب له ذلك. (و) ندب (طواف الوداع الخارج [1]) أي لكل من خرج من مكة من أهل مكة أو غيرهم من الحجاج أو غيرهم (لكميقات) من المواقيت، أو لما حاذاه، أو للطائف، وأولى لأبعد من ذلك، وسواء خرج لحاجة أم لا أراد العود أم لا، (لا) إن خرج (لكجعرانة) والتنعيم مما دون المواقيت فلا وداع عليه، (إلا) أن يكون الخارج لما دون المواقيت، خرج (لتوطن) به فيندب له الوداع، (وتأدى) طواف الوداع (بالإفاضة، و) طواف (العمرة)، وحصل له ثوابه إن نواه بهما كتحية المسجد تؤدى بالفرض، ويحصل ثوابها إن نواها به.

(وبطل) الوداع أي بطل الاكتفاء به لا الثواب (بإقامته) بمكة (بعض يوم) له بال فيعيده، (لا) يبطل بإقامته (بشغل) أي بسبب شغل (خف) من بيع أو شراء أو قضاء دين ونحو ذلك، فلا يطلب بإعادته. (و) إذا بطل أو لم يأت به من أصله (رجع له) أي لفعله (إن لم يخف) بالرجوع (فوات رفقة) ولا لصاً أو سارقاً أو نحو ذلك، وإلا لم يرجع.

(و) ندب (زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وهي من أعظم القربات.

ــ

كلما زاد الشك اعتد بغير المشكوك فيه، وهذا أيضاً مبني على ندب تتابع الرميات والجمرات.

قوله: [لغير عذر]: أي وأما إذا كان لمرض أو نسيان فلا كراهة في فعله بعد الزوال.

قوله [فمحط الندب التعجيل] إلخ: أي فلا ينافي أن كونه بعد الزوال شرط صحة فيه.

قوله: [وندب تياسره]: أي وقوفه جهة يسارها فتكون هي عن يمينه، لأنه يلزم من كونه جهة يسارها أن تكون هي جهة يمينه.

قوله: [كما في النقل]: ففي عبارة ابن المواز: يرمي الوسطى وينصرف منها إلى الشمال في بطن المسيل، فيقف أمامها مما يلي يسارها.

قوله: [إلا أن يحاذيها] إلخ: أي بل تكون خلفه كالجمرة الأولى غير أنه في يسارها.

قوله: [لضيق محلها]: أي فلو أمرت الناس بالوقوف لحصل مزيد الضرر.

قوله: [وندب نزول غير المتعجل]: أي إن لم يكن رجوعه يوم جمعة وإلا فلا يندب التحصيب. ومحل ندب صلاة الظهر به إذا وصله قبل ضيق وقتها، أما لو ضاق وقتها عليه، فإنه يصلي الظهر حيث أدركه، ولا يؤخرها للمحصب.

وهذا التحصيب مندوب في حق الراجع من منى بشرطه، سواء كان آفاقياً أو مكياً، ويقصر المكي الصلاة فيه لأنه من تمام المناسك وأولى الآفاقي.

قوله: [اسم لبطحاء خارج مكة]: أي محاذية للمقبرة.

قوله: [كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم] إلخ: أي شكراً لله، وذلك لأن المحصب هو الموضع الذي تحالفت فيه قريش على أنهم لا يبايعون بني هاشم، ولا يناكحونهم. ولا يأخذون منهم، ولا يعطونهم إلا أن يسلموا لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكتبوا بذلك صحيفة ووضعوها في جوف الكعبة فخيبهم الله في ذلك، وبلغ رسول الله كل المقاصد فيهم وفي غيرهم.

قوله: [وندب طواف الوداع]: أي لغير المتردد بفاكهة ونحوها. وحاصل المسألة أن الخارج من مكة إذا قصد التردد لها فلا وداع عليه مطلقاً وصل الميقات أم لا، وإن قصد مسكناً أو الإقامة طويلاً فعليه الوداع مطلقاً. وإن خرج لاقتضاء دين أو زيارة أهل نظر؛ فإن خرج لنحو المواقيت طلب بالوداع مطلقاً، وإن خرج لدونها كالتنعيم فلا وداع عليه، هذا محصل كلام الحطاب.

قوله: [وتأدى طواف الوداع] إلخ: أي لأنه ليس مقصوداً لذاته، بل ليكون آخر عهده من البيت الطواف، ولا يكون السعي بعده طولاً حيث لم يقم بعده إقامة تقطع حكم التوديع.

تنبيه: يحبس الكري والولي - من زوج أو محرم - لأجل حيض أو نفاس منع المرأة من طواف الإفاضة حتى يزول المانع، وتطوف بشرط أمن الطريق حال الرجوع بعد طوافها، فإن لم يؤمن - كما في هذه الأزمنة - فسخ الكراء اتفاقاً، ولا يحبس من ذكر معها ومكثت بمكة وحدها إن أمكنها، وإلا رجعت لبلدها وهي على إحرامها، ثم تعود في القابل للإفاضة والأسهل في تلك المسألة تقليد أبي حنيفة وأحمد في صحة طوافها بالحيض والنفاس كذا في المجموع.

قوله: [وهي من أعظم القربات]: قال العلامة السمهودي في كتابه المؤلف في زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم: ومن خصائصها - أي المدينة المنورة - وجوب زيارتها كما في حديث الطبراني، وحق على كل مسلم زيارتها، فالرحلة إليها مأمور بها واجبة

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في أقرب المسالك: (لخارج)، ولعلها الصواب.

ص: 283

(و) ندب (الإكثار من الطواف) بالبيت ليلاً ونهاراً ما استطاع، (و) إذا أراد الخروج من المسجد الحرام بعد الوداع أو غيره (لا يرجع القهقرى) بأن يرجع بظهره ووجهه للبيت، أي يكره لأنه من فعل الأعاجم لا من السنة.

ولما فرغ من بيان أركان الحج شرع في بيان أركان العمرة فقال:

(وأركان العمرة ثلاثة) بإسقاط الوقوف بعرفة: (إحرام) منه المواقيت أو من الحل

(وطواف) بالبيت سبعاً. (وسعي) بين الصفا والمروة سبعاً (على ما): أي على الوجه الذي (مر) بيانه في الحج، سواء بسواء. فإن أحرم من الحرم وجب عليه الخروج للحل لما تقدم من أن كل إحرام لا بد فيه من الجمع بين الحل والحرم، ولا يصح طوافه وسعيه إلا بعد خروجه للحل. (ثم) بعد سعيه (يحلق) رأسه وجوباً على ما مر أيضاً، فقد حذفه من الأخير لدلالة الأول عليه.

(وكره) للمكلف (تكرارها) أي العمرة (بالعام) الواحد. وإنما يطلب كثرة الطواف، وأول العام المحرم، فإن اعتمر آخر يوم من ذي الحجة وأول يوم من المحرم لم يكره.

فصل في بيان محرمات الإحرام

ــ

أي متأكدة على المسلم المستطيع له سبيلاً، وعن ابن عمر مرفوعاً:«من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي» ، وأخرج ابن الجوزي:«من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي» ، ولابن عدي والطبراني:«من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني» ، وعن أنس مرفوعاً:«من زارني ميتاً فكأنما زارني حياً، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة، وما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر» ، وعن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً:«من زارني في مماتي كمن زارني في حياتي، ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيداً» أو قال "شفيعاً" اهـ.

قال بعضهم السلام عليه عند قبره عليه الصلاة والسلام أفضل من الصلاة عليه عنده للأخبار الكثيرة الواردة في ذلك؛ منها: «ما من أحد يسلم علي عند قبري إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام» .

ومعنى قوله في الحديث: "إلا رد الله علي روحي" أي من حضرة الشهود إلى رد جواب المسلم، ولأن شعار اللقاء التحية، ويدل لذلك قول العلماء: إن الزائر يبدأ بالسلام ويختم بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، والأفضل في الزيارة القرب من القبر الشريف، بحيث يكون النبي يسمع قوله على حسب العادة، ويلزم في تلك الحضرة الأدب الظاهري والباطني ليظفر بالمنى.

ومما يتأكد عند دخول المدينة المشرفة الغسل والتطيب وتجديد التوبة، وحين يدخل المسجد الشريف يأتي الروضة فيصلي بها ركعتين تحية المسجد، ثم يأتي قبالة القبر الشريف ويقول:" السلام عليك يا سيدي يا رسول الله، السلام عليك يا سيدي يا حبيب الله، السلام عليك يا سيدي يا أشرف رسل الله، السلام عليك يا إمام المتقين، السلام عليك يا رحمة للعالمين، أشهد أنك رسول الله بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجليت الظلمة، ونطقت بالحكمة، صلى الله عليك، وعلى آلك وأصحابك أجمعين ". ثم يتوسل به في جميع مطلوباته. ثم ينتقل قبالة قبر أبي بكر ويقول: " السلام عليك يا خليفة رسول الله، السلام عليك يا صديق رسول الله، أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده، جزاك الله عن أمة محمد خيراً رضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنة متقلبك ومثواك، ورضي الله عن كل الصحابة أجمعين، ثم يتوسل به إلى رسول الله. ثم ينتقل قبالة قبر عمر ويقول: " السلام عليك يا صاحب رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين عمر الفاروق، أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده، جزاك الله عن أمة محمد خيراً، رضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنة متقلبك ومثواك، ورضي الله عن كل الصحابة أجمعين ". ثم يتوسل به إلى رسول الله. ثم يخرج إلى البقيع فيسلم على أهله هكذا، ويتوسل بهم إلى رسول الله فلتحفظ تلك الآداب فإن من فعلها مع الشوق وفراغ القلب من الأغيار بلغ كل ما يتمنى إن شاء الله تعالى.

قوله: [وندب الإكثار من الطواف] إلخ: أي لأنه عبادة مفقودة له في غيره

قوله: [وكره للمكلف تكرارها]: أي وما ورد عن السلف من تكرارها، فلم يؤخذ به مالك ولا مفهوم للمكلف، بل الصبي المميز تتعلق به الكراهة أيضاً.

تتمة: لو طاف حامل شخص وقصد بطوافه نفسه وعن محموله لم يجز عن واحد منهما، لأن الطواف صلاة وهي لا تكون عن اثنين، وأجزأ السعي عنهما لخفة أمر السعي، إذ لا يشترط فيه طهارة فليس كالصلاة، وكذلك يجزئ الطواف والسعي عن محمولين له، حيث لم يدخل نفسه معهم كان المحمول معذوراً أم لا. لكن على غير المعذور الدم إن لم يعده - كذا في الأصل

فصل في بيان محرمات الإحرام

لما فرغ المؤلف من الكلام على أركان الحج والعمرة، وما انضاف إلى كل ركن مندوب ومسنون. تكلم على محظورات الإحرام، وأخرها لأنها طارئة على الماهية بعد كمالها.

وهي على قسمين: مفسد

ص: 284

على الذكر والأنثى

(يحرم على الأنثى): حرة أو أمة كبيرة أو صغيرة؛ ويتعلق الخطاب بوليها. (بالإحرام): أي بسبب تلبسها بالإحرام بحج أو عمرة: (لبس محيط) بضم اللام (بكف) لا بدن ورجل؛ كقفاز وكيس تدخله في كفها، (أو أصبع) من أصابع يدها (إلا الخاتم) فيغتفر لها دون الرجل كما يأتي، بخلاف ما لو أدخلت يدها في كمها أو قناعها فلا شيء عليها.

(و) حرم عليها (ستر وجهها) أو بعضه ولو بخمار أو منديل، وهذا معنى قولهم: إحرام المرأة في وجهها وكفيها فقط، وحرمة ستر وجهها. (إلا لفتنة): أي تعلق قلوب الرجال بها، فلا يحرم بل يجب عليها ستره إن ظنت الفتنة بها (بلا غرز) للساتر بإبرة ونحوها، (و) بلا (ربط) له برأسها كالبرقع تربط أطرافه بعقدة، بل المطلوب سدله على رأسها ووجهها، أو تجعله كاللثام وتلقي طرفيه على رأسها بلا غرز ولا ربط.

(وإلا) بأن لبست محيطاً [1] بكفها أو بأصبع غير خاتم أو سترت وجهها بلا عذر، أو لعذر ولكن غرزته بنحو إبرة أو ربطته (ففدية) تلزمها.

(و) يحرم (على الذكر): ولو غير مكلف، ويتعلق الخطاب بوليه:(محيط) بضم الميم وبالمهملة (بأي عضو) من أعضائه؛ كيد ورجل وأصبع مطلقاً، ورأس وأولى جميع البدن إذا كان محيطاً بنسج أو خياطة ونحو ذلك، بل (وإن) كان محيطاً (بعقد أو زر) كأن يعقد طرفي إزاره، أو يجعل له أزراراً أو يربطه بحزام، (أو خلال) بعود ونحوه (كخاتم) وإن بأصبع رجل وحزام بحبل أو غيره.

(وقباء) بفتح القاف ممدوداً وقد يقصر: هو الفرجية من جوخ أو غيره، (وإن لم يدخل يده بكمه) بل ألقاه على كتفيه مخرجاً يديه من تحته وهذا إن جعل أعلاه على منكبيه على العادة، وأما لو نكسه بأن جعل ذيله على كتفيه، أو لف به وسطه، كالمئزر فلا شيء عليه كما لو ألقى قميصاً على كتفيه أو لف به وسطه أو تلفع ببردة مرقعة، أو ذات فلقتين بلا ربط، ولا غرز فلا شيء عليه في ذلك كله.

(و) حرم على الذكر (ستر وجهه ورأسه): بأي شيء يعد ساتراً (وإن بكطين) كعجين وصمغ، فالوجه والرأس يخالفان غيرهما من سائر البدن، لأنه يحرم سترهما بكل ما يعد في العرف ساتراً وغيرهما، وغيرهما إنما يحرم بنوع خاص وهو المحيط. ثم استثنى من حرمة المحيط أمرين: الأول مقيد بقيدين وثانيهما بواحد، فقال:(إلا الخف ونحوه) مما يلبس في الرجل كالجرموق والجورب، فإنه محيط ولا يحرم على الذكر لبسه (لفقد نعل أو غلوه فاحشاً): إن زاد ثمنه على قيمته عادة

ــ

وغير مفسد. ومتعلقهما: أفعال الرجل والمرأة، فبدأ بغير المفسد، وبالمرأة، كما صنع خليل عكس صنيع ابن الحاجب فيهما. قيل: ولعله إنما بدأ بالمرأة - وإن كان الأولى البداءة بالرجل كما ورد بذلك القرآن في آي كثيرة - والسنة لقلة الكلام على ما يختص بها.

قوله: [على الأنثى]: أي والخنثى ويحتاط فيه.

قوله: [حرة أو أمة] إلخ: قال (عب): ومثلها الخنثى، واعترض بأن مقتضى الاحتياط إلحاق الخنثى بالرجل لا بالمرأة، لأن كل ما يحرم على المرأة يحرم على الرجل دون العكس، إلا أن يقال احتمال الأنوثة يقتضي الاحتياط في ستر العورة، وحينئذ فالاحتياط ستره كالمرأة، ويلزمه الفدية لاحتمال ذكورته.

قوله: [أي بسبب تلبسها]: أشار بذلك إلى أن الباء للسببية ويصح جعلها للظرفية، وكل منهما يفيد أن مبدأ الحرمة بمجرد الإحرام، أما إفادة السببية ذلك فظاهر، وأما إفادة الظرفية ذلك فلأن المعنى حرم في حال الإحرام فيفيد أن مبدأها من الإحرام.

قوله: [أو بعضه]: أي على الأرجح من التأويلين ووجه الرجل كالمرأة.

قوله: [بل يجب] إلخ: حاصل المعتمد أنها متى أرادت الستر عن أعين الرجال جاز لها ذلك مطلقاً علمت أو ظنت الفتنة بها أم لا، نعم إذا علمت أو ظنت الفتنة بها وجب كما قال الشارح، قال (عب): وانظر إذا خشي الفتنة من وجه الذكر هل يجب ستره في الإحرام كالمرأة أم لا، قال البناني: ولا وجه لهذا التنظير لما ذكروا في ستر العورة عن ابن القطان وغيره أن الأمرد لا يلزمه ستر وجهه، وإن كان يحرم النظر إليه بقصد اللذة، وإذا لم يجب عليه ستر وجهه في غير الإحرام، ففي الإحرام أولى كما هو ظاهر اهـ.

قوله: [ففدية تلزمها]: أي إن فعلت شيئاً من ذلك، وحصل طول، وأما إن لم يحصل طول بأن أزالته بالقرب فلا فدية، لأن شرطها في اللبس انتفاع من حر أو برد.

قوله: أو (صياغة): أي كالأساور والخاتم.

قوله: [وإن بأصبع رجل]: أي هذا إذا كان الخاتم بأصبع يد، بل وإن كان بأصبع رجل بكسر الراء فلا يغتفر في حق الرجل على كل حال بخلافه في حق المرأة، فيجوز لها الخواتم والأساور كما علم مما تقدم.

قوله: [وأما لو نكسه] إلخ: ظاهره أنه لا شيء عليه ولو أدخل رجليه في كميه، وليس كذلك بل فيه الفدية حينئذ.

قوله: [بأي شيء يعد ساتراً]: إن أريد الساتر لغة كان قوله: "وإن بكطين" تمثيلاً، وإن أريد الساتر عرفاً كان تشبيهاً، ودخل تحت الكاف الدقيق أو الجير يجعله على وجهه أو رأسه، لأن ذلك جسم ينتفع به من الحر والبرد.

قوله: [لفقد نعل]: فلو لم يفقده ولكن احتاج إلى لبس الخفين لضرورة اقتضت ذلك كشقوق برجليه فقطعهما أسفل من الكعبين، ولبسهما فإنه تلزمه الفدية رواه ابن القاسم عن مالك، قال في الحاشية: وقد يقال وجود النعل حينئذ كعدمه

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (مخيطاً).

ص: 285

أكثر من الثلث، وهذا إشارة إلى القيد الأول؛ فإن لم يجد نعلاً أو وجده غالياً غلواً فاحشاً جاز له لبس الخف ولا فدية.

وأشار للقيد [1] الثاني بقوله: (إن قطع أسفل من كعب) كما ورد في السنة، سواء كان القاطع له هو أو غيره، أو كان من أصل صنعته كالبابورج بلغة المغاربة، (وإلا الاحتزام) بثوب أو غيره (لعمل) أي لأجله، فلا يحرم ولا فدية عليه، فإن فرغ عمله وجب نزعه.

(وإلا): بأن لبس الخف مع وجود النعل بلا غلو فاحش [2] أو احتزام لغير عمل (ففدية).

ثم شرع في بيان ما يجوز للمحرم مما قد يتوهم فيه عدم الجواز فقال:

(وجاز) للمحرم (تظلل ببناء) كحائط وسقيفة، (وخباء) خيمة (وشجر ومحارة): أي محمل ومحفة ولو مكث فيها -ساتراً أو نازلاً- لأن ما عليها من الساتر مسمر أو مشدود عليها بحبال فهي كالخباء.

(و) جاز له (اتقاء شمس أو) اتقاء (ريح) عن وجهه أو رأسه (بيد بلا لصوق) لليد على ما ذكر، لأنه لا يعد ساتراً عرفاً، بخلاف لصوق اليد فإنه يعد ساتراً.

(و) جاز اتقاء (مطر) أو برد عن رأسه (بمرتفع) عنه بلا لصوق من ثوب أو غيره، وأولى اليد. وأما الدخول في الخيمة ونحوها فجائز ولو لغير عذر. وأما التظلل المرتفع غير اليد فلا يجوز كثوب يرفع على عصا، ولو نازلاً عند مالك. وفي الفدية قولان: بالوجوب، والندب. ومن ذلك: المسطح يُجعل فيه أعواد ويُسدل عليها ثوب، ونحوه للتظلل.

(و) جاز لمحرم (حمل) لشيء كحشيش وقفة وغرارة (على رأس لحاجة) تتعلق به، أو بدوابه كالعلف، (أو فقر) فيحمل شيئاً لغيره بأجرة لمعاشه (بلا تجر) وإلا منع وافتدى.

(و) جاز (شد منطقة) بوسطه بكسر الميم وفتح الطاء، والمراد بها حزام يجعل كالكيس يوضع فيه الدراهم، يسمى بالنوار بضم النون وتخفيف الواو، وهذا في الحقيقة من المستثنيات من المحيط كالخف بقيوده والاحتزام لعمل، فكان الأولى إدراجه في سلكها. وجواز شدها بوسطه مقيد بقيدين:

أشار للأول بقوله: إن كان (لنفقته) التي ينفقها على نفسه وعياله ودوابه لا لنفقة غيره ولا لتجارة.

وللثاني بقوله: وكان الشد (على جلده) لا على إزاره أو ثوبه. (و) جاز حينئذ (إضافة نفقة غيره لها): أي لنفقته تبعاً (وإلا) بأن شدها لا لنفقته بل للتجارة أو لغيره، أو فارغة أو لا على جلده بل على إزاره (فالفدية).

(و) جاز للمحرم

ــ

ويؤخذ من إضافة الغلو إلى النعل عدم النظر إلى قلة مال المشتري وكثرته، أي أن يكون الغلو في حد ذاته اهـ.

قوله: [أكثر من الثلث]: ظاهره أن الثلث من حيز اليسير وفي (بن) عن أبي الحسن أن الثلث كثير.

قوله: [إن قطع أسفل من كعب]: قال الخرشي: والظاهر أن مثل القطع لو ثنى أسفل الكعب.

قوله [بثوب أو غيره]: هذا هو المذهب، لأن ظاهر قول المدونة والمحرم لا يحتزم بحبل أو خيط إذا لم يرد العمل، فإن فعل افتدى وإن أراد العمل فجائز له أن يحتزم اهـ. فلا فرق بين الثوب وغيره وعلى ذلك حملها أبو الحسن وابن عرفة خلافاً لمن قيد الاحتزام بالثوب فقط، وأما إذا كان بعمامة أو حبل ففيه الفدية، ولو لعمل، وقيد في مختصر الوقار الاحتزام بكونه بلا عقد، واقتصر عليه (ح). وحينئذ فنفي الفدية عن الاحتزام مقيد بقيدين أيضاً: أن يكون لعمل وأن يكون بلا عقد، ومثل الاحتزام الاستثفار: وهو أن يدخل إزاره بين فخذيه ملوياً كما في القاموس.

قوله: [ولو مكث فيها] إلخ: هذا التعميم هو المعول عليه، وما وقع في خليل من التفصيل فهو ضعيف.

قوله: [بخلاف لصوق اليد] إلخ: ظاهره أنه يفتدي في اليد إذا التصقت وفي ابن عاشر يجوز الإنقاء باليد ولا فدية بحال لأنها لا تعد ساتراً.

قوله: [ويسدل عليه ثوب]: أي غير مسمر وأما لو كان مسمراً أو يربط على الدوام فلا شيء فيه.

قوله: [لحاجة]: أي إذا كانت الحاجة لنفسه ولم يجد من يحمله له، أو وجد بأجرة يحتاج لها، أما لو وجد من يحمله مجاناً أو بأجرة لا يحتاج لها فلا يجوز حمله على رأسه، ويفتدي إن حمله عليه، وإن كانت الحاجة لغيره وحملها له على رأسه بلا أجرة أو بأجرة على وجه التجر لا على وجه التمعش افتدى أيضاً.

قوله: [وجاز شد منطقة]: المراد بالشد إدخال سيورها أو خيوطها في أثنائها أو في الكلاب أو الإبزيم مثلاً، وأما لو عقدها على جلده افتدى كما لو شدها فوق الإزار.

قوله: [والمراد بها حزام]: أي سواء كان من جلد أو غيره.

قوله: [إدراجه في سلكها]: أي عده المستثنيات المتقدمة، ولكن أفرد هنا تبعاً لخليل.

قوله: [لا على إزاره أو ثوبه]: أي فيفتدي ولو لم يعقده.

قوله: [وجاز حينئذ إضافة نفقة غيره]: ظاهره جواز إضافة نفقة الغير لنفقته، ولو كانت الإضافة بمواطأة وهو ما استظهره في التوضيح، وظاهر الجلاب واللخمي والطراز كما في (ح)، فتقييد (عب) جواز الإضافة بما إذا كان بغير مواطأة فيه نظر، وأجاب شيخ مشايخنا العدوي عن (عب) بقوله: يمكن أن يقال: إن المواطأة الممنوعة محمولة على ما إذا كان الحامل له في الحقيقة على شد المنطقة نفقة الغير، والجائزة على ما إذا كان الحامل على شدها نفقته، وأما نفقة الغير فبطريق

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (القيد).

[2]

ليست في ط المعارف.

ص: 286

(إبدال ثوبه) الذي أحرم به بثوب آخر ولو لقمل في الأول.

(و) جاز له (بيعه) ولو لقمل به.

(و) جاز له (غسله لنجاسة بالماء) الطهور (فقط) دون صابون ونحوه، ولا شيء عليه حينئذ لو قتل شيئاً من قملة أو برغوثة. (وإلا) بأن غسله - لا لنجاسة - أو لنجاسة ولكن بنحو صابون (فلا) يجوز، فإن قتل شيئاً أخرج ما فيه (إلا أن يتحقق عدم دوابه) فلا يحرم غسله، بل يجوز مطلقاً ولو ترفهاً أو لوسخ.

(و) جاز له (بط): أي فجر (جرح) ودمل لإخراج ما فيه من نحو قيح.

(و) جاز له (حك ما خفي) من بدنه كرأسه وظهره (برفق) خوفاً من قتل قملة ونحوها، وأما ما ظهر له من بدنه فيجوز حكه مطلقاً إذا لم يكن فيه قملة.

(و) جاز (فصد) لحاجة (إن لم يعصبه): بكسر الصاد من باب ضرب، (وإلا) بأن عصبه بعصابة ولو لضرورة (افتدى)، وإن لم يحرم للضرورة. (كعصب جرحه) أو دمله (أو رأسه) ففيه الفدية، ولو للضرورة وإن جاز للضرورة. (أو لصق خرقة) على شيء مما ذكر (كبرت) أي إن كانت كبيرة، (كدرهم) بغلي فأعلى لا إن صغرت.

(أو لفها) أي الخرقة (على ذكر) لمذي أو بول ففيه الفدية، بخلاف وضعها عليه عند النوم بلا لف.

(أو قطنة) وضعها (بأذنه) ولو أصغر من درهم لأنها لنفع الأذن نزلت منزلة الكبيرة. (أو قرطاس) وضعه (بصدغه) وإن لضرورة فيه الفدية.

ثم شرع في بيان بعض مكروهات ولا فدية فيها فقال: (وكره شد نفقة) أي ربط شيء فيه نفقة (بعضد أو فخذ) وتقدم جوازه بوسطه على الجلد.

(و) كره (كب) أي وضع (وجه على وسادة) ونحوها لا وضع خده عليها.

(و) كره (شم طيب) مذكر: وهو ما خفي أثره،

ــ

التبع وحينئذ فالخلف لفظي.

قوله: [إبدال ثوبه]: أي ملبوسه كان إزاراً أو غيره.

قوله: [ولو لقمل به]: بالغ على ذلك دفعاً لتوهم أن الإبدال فيه يعطي حكم قتل القمل، فأفادك أن المشهور جواز الإبدال ولو لإذاية القمل.

قوله: [وجاز له غسله لنجاسة] إلخ: حاصل فقه المسألة أن الأحوال ثلاثة: إما أن يكون الغسل ترفهاً، أو لوسخ، أو لنجاسة. وفي كل: إما أن يتحقق وجود الدواب أو عدمه أو يشك. وفي كل: إما أن يغسل بالماء فقط، أو مع غيره كصابون، فهذه ثمان عشرة صورة؛ فإن تحقق نفي الدواب جاز مطلقاً كان الغسل ترفهاً أو لوسخ أو لنجاسة بالماء فقط، أو مع غيره، وكذا إذا كان الغسل لنجاسة بالماء فقط، وتحقق وجود القمل أو شك فيه، وأما إذا كان الغسل ترفهاً أو لوسخ وتحقق وجود القمل أو شك فيه فلا يجوز الغسل كان بالماء فقط أو مع غيره، ومثلها إذا كان الغسل لنجاسة وكان بالماء مع غيره مع تحقق وجود القمل أو الشك فيه فتأمل.

قوله: [وجاز له بط] إلخ: أي إن احتاج لذلك لأجل إخراج ما فيه بعصره أو بوضع لزقة عليه، وأما إذا لم يحتج لبطه فإنه يكره قياساً على الفصد بغير حاجة كذا في الحاشية.

قوله: [برفق]: أي وأما بشدة فمكروه.

قوله: [وجاز فصد لحاجة]: أي ولغيرها مكروه كما تقدم.

قوله: [وإن لم يحرم للضرورة]: أي لأنه لا يلزم من الفدية الحرمة كما هنا، كما أنه لا يلزم من الحرمة الفدية كمن تقلد بسيف لغير ضرورة، فإنه يحرم عليه ولا فدية عليه على المعتمد ما لم تكن علاقته عريضة أو متعددة وإلا افتدى.

قوله: [كعصب جرحه]: ظاهره لزوم الفدية بالعصب مطلقاً؛ كانت الخرقة التي عصب بها صغيرة أو كبيرة، وهو ظاهر المدونة خلافاً لابن المواز حيث فرق بين الصغيرة والكبيرة، وجعل الفدية في الثانية دون الأولى.

قوله: [أو لصق خرقة]: قال ابن عاشر: هذا خاص بجراح الوجه والرأس، فلصق الخرقة على الجرح في غيرهما لا شيء فيه، والفرق أن الوجه والرأس هما اللذان يجب كشفهما دون غيرهما من بقية الجسد انظر (بن) فيقيد الشارح بذلك قوله:[كبرت] إلخ: أما لصق الخرقة الصغيرة فلا شيء فيه.

وقوله: [كدرهم بغلي]: يعني بموضع واحد، وأما لو تعددت الصغيرة بمواضع بحيث لو جمعت كانت درهماً، فظاهر التوضيح وابن الحاجب أنه لا شيء عليه، وهو المعول عليه كذا في حاشية الأصل.

قوله: [لمذي أو بول]: أي للتحفظ من إصابتهما، وقوله ففيه الفدية ظاهره كانت الخرقة كبيرة أو صغيرة.

قوله: [أو قرطاس وضعه بصدغه]: يعني أن المحرم إذا جعل على صدغه قرطاساً لضرورة كصداع أو لغيرها فإنه يفتدي، وإن كان لا إثم مع الضرورة، وظاهره لزوم الفدية في لصق القرطاس للصدغ كبيراً كان أو صغيراً فهو كقطنة الأذن، بخلاف الخرقة التي تلصق على الجرح فإن الحكم فيها مقيد بالكبيرة. والفرق أن الشخص لما كان ينتفع بالقرطاس الصغير أشبه الكبير، بخلاف الخرقة فإنه لا ينتفع بالصغيرة عادة.

قوله: [وكره شد نفقة]: أي فلم يوسع مالك إلا في شد النفقة في الوسط تحت المئزر. ومحل الكراهة في الشد على العضد أو الفخذ ما لم يكن ذلك عادة القوم وإلا فلا كراهة اهـ. من حاشية الأصل.

قوله: [وكره كب] إلخ: يعني أنه يكره للشخص المحرم وكذا غيره أن ينام على وجهه، وليست الكراهة خاصة بالمحرم كما ذكره شراح خليل لقول الجزولي: النوم على الوجه نوم الكفار وأهل النار والشياطين.

قوله: [وهو ما خفي أثره]:

ص: 287

(كريحان) وياسمين وورد وسائر أنواع الرياحين، لا مجرد مسه فلا يكره، ولا مكث بمكان فيه ذلك ولا استصحابه.

(و) كره (مكث بمكان به طيب) مؤنث. كمسك وعطر وزعفران

(و) كره (استصحابه): أي المؤنث في خرجه أو صندوقه.

(و) كره: (شمه بلا مس) له وإلا حرم كما يأتي، فأقسام كل أربعة علمت أحكامها.

(و) كره (حجامة بلا عذر إن لم يبن) أي يزل (شعراً) وإلا حرم لغير عذر، وافتدى مطلقاً أبانه لعذر أم لا.

(و) كره (غمس رأس) في ماء خيفة قتل الدواب (لغير غسل طلب) وجوباً أو ندباً أو استناناً.

(و) كره (تجفيفه) أي الرأس (بقوة) خوف قتل الدواب، لا بخفة فيجوز.

(و) كره (نظر بمرآة) أي فيها مخافة أن يرى شعثاً فيزيله.

وعطف على قوله: "يحرم على الأنثى" إلخ قوله:

(وحرم عليهما): أي على الأنثى والذكر بالإحرام (دهن شعر) لرأس أو لحية، (أو) دهن (جسد لغير علة) وإلا جاز، لأن الضرورات تبيح المحظورات، (وإن) كان الادهان (بغير مطيب) أي بدهن غير مطيب فأولى بالمطيب.

(وافتدى في) ادهانه بالدهن (المطيب مطلقاً) ولو لعلة أو ببطن كف أو رجل.

(و) افتدى (في) دهنه لشيء من جسده أو شعره بدهن (غيره) أي غير المطيب (لغير علة)، أي ضرورة ولو ببطن كف أو رجل (لا لها) أي للعلة، فلا فدية عليه (إن كان) الادهان للعلة (ببطن كف أو) بطن (رجل وإلا) يكن ببدنهما، بأن ادهن بغير المطيب فيما عدا باطن كفه وقدمه (فقولان) بوجوب الفدية وعدمه. والحاصل: أن غير المطيب لغير ضرورة فيه الفدية حتى في باطن الكف والقدم، وللضرورة فلا فدية إن كان ببطنها اتفاقاً، وإن كان بجسده ومنه ظهورهما فقولان.

(و) حرم عليهما (إبانة): أي إزالة (ظفر) من يد أو رجل (لغير عذر، أو) إبانة (شعر) من سائر جسده بحلق أو قص أو نتف، (أو) إبانة (وسخ) من سائر بدنه.

ــ

أي تعلقه بالماس له من ثوب أو جسد.

قوله: [كريحان] إلخ: أي ومثلها ما يعصر منها فليست من قبيل المؤنث بل تكره فقط كأصلها، كما نص على ذلك في الطراز. قال (ح): وهو الجاري على القواعد، وقال ابن فرحون: فيه الفدية لأن أثره يقر في البدن، واعتمده (ر) معترضاً على الحطاب وهو غير ظاهر، إذ كلام المدونة صريح في كراهته فقط، وحينئذ فلا فدية فيه، وبذلك تعلم أن اعتراض (ر) على (ح) غير صواب اهـ. (بن) من حاشية الأصل.

قوله: [وكره شمه بلا مس]: هذا هو مذهب المدونة وبه قال ابن القصار، وعزا الباجي للمذهب المنع والمعتمد الأول.

قوله: [فأقسام كل أربعة علمت أحكامها]: حاصله أن المذكر يكره في صورة وهي الشم، ويجوز في ثلاث وهي: المس، والاستصحاب، والمكث بمكان فيه ذلك. ولكن عول (بن) على كراهة مسه أيضاً، والمؤنث يحرم في صورة وهي المس، ويكره في الثلاث الباقية، قال في حاشية الأصل: ويقيد المذكر بغير الحناء، وأما هي فاستعمالها حرام، قال في شرح التوضيح: والمذكر قسمان قسم مكروه ولا فدية فيه كالريحان، وقسم محرم فيه الفدية وهو الحناء اهـ. (بن). والمراد باستعمال الحناء الذي يوجب الفدية الطلاء بها كما يأتي، وأما ثمر الحناء المعروف فهو كسائر الرياحين بلا شك.

قوله: [وكره حجامة بلا عذر] إلخ: تفصيل الشارح أحسن مما قال (ح) ونصه أن الحجامة بلا عذر تكره مطلقاً خشي قتل الدواب أم لا، زال بسببها شعر أم لا، هذا هو المشهور، وأما لعذر فتجوز مطلقاً، وهذا الحكم ابتداء، وأما الفدية فتجب إن أزال شعراً أو قتل قملاً كثيراً. وأما القليل ففيه الإطعام، وسواء احتجم في ذلك لعذر أم لا اهـ. ولذلك عول (بن) على ما قاله شارحنا واعترض على الحطاب.

قوله: [لغير عذر]: أي كما هو الموضوع فالتصريح به غير ضروري.

قوله: [كره غمس رأس]: أي إن لم يتحقق نفي الدواب وإلا فلا كراهة، فإن فعل المكروه أطعم شيئاً من طعام كما هو نص المدونة، واختلف في الإطعام المذكور فقال بعضهم: إنه واجب وحمل كراهة غمس الرأس على التحريم، واستظهره (ر) لعدم ذكر الإطعام في غير ذلك من المكروهات كالحجامة وتجفيف الرأس بشدة، وحملها سند على كراهة التنزيه، وجعل الإطعام مستحباً وهو المعتمد.

قوله: [لغير غسل طلب]: أي وأما للغسل فلا كراهة ولا شيء فيه ولو قتل قملاً، لأن قتل القمل فيه كتساقط الشعر والجميع مغتفر.

قوله: [مخافة أن يرى شعثاً] إلخ: أي والمطلوب إبقاء الشعث ما دام محرماً.

قوله: [دهن شعر لرأس] إلخ: فإن كانت الرأس صلعاء فيحرم أيضاً دهنه لدخولها في الجسد بعد ذلك، فلذلك لم يبالغ عليها كما فعل خليل.

قوله: [وافتدى في ادهانه] إلخ: حاصله أن الصور ثمان تؤخذ أحكامها من المتن والشرح بإيضاح، لأنك تقول الادهان إما لعلة أو لغيرها، وفي كل إما بمطيب أو غيره، وفي كل إما بالجسد أو بباطن الكف والقدم.

قوله: [وحرم عليهما إبانة] إلخ: فإن فعل فسيأتي أن فيه حفنة إن لم يكن لإماطة الأذى، وإلا ففدية إن كان الظفر واحداً، أو إن زاد عليه ففدية مطلقاً وهذا في ظفر نفسه، وأما تقليم ظفر غيره فسيأتي.

قوله: [أو إبانة شعر] إلخ: لكن إن كان يسيراً بأن لم يزد على العشرة ففيه حفنة، وإن كان كثيراً بأن زاد عليها ففدية.

قوله: [أو إبانة وسخ] إلخ: يعني أنه يحرم على المحرم رجلاً

ص: 288

(إلا ما تحت أظفاره، أو) إلا (غسل يديه بمزيله) أي الوسخ كالأشنان فلا يحرم عليهما.

(أو) إلا (تساقط شعر) من لحية أو رأس أو غيرهما (لوضوء) أو غسل.

(أو) لأجل (ركوب) لدابة فلا شيء عليه.

(و) حرم عليهما (مس طيب) مؤنث: كورس أو دهن مطيب بأي عضو من أعضائه، (وإن ذهب ريحه): أي الطيب فذهاب ريحه لا يسقط حرمة مسه، وإن سقطت الفدية.

(أو) كان (في طعام أو) في (كحل) أو مسه و (لم يعلق به) بفتح اللام (إلا إذا) طبخ بطعام و (أماته الطبخ): أي استهلكه بذهاب عينه فيه ولم يبق سوى ريحه أو لونه كزعفران وورس فلا حرمة ولا فدية، ولو صبغ الفم.

(أو كان) الطيب (بقارورة سدت) سداً محكماً فلا شيء فيه إن حملها لأنه من الاستصحاب لا المس. (أو أصابه) الطيب (من إلقاء ريح أو غيره) عليه فلا شيء عليه، ولو كثر إلا أن يتراخى في نزعه. (ووجب نزعه) ولو بإلقاء [1] الثوب الذي هو فيه، أو غسل بدنه بنحو صابون (مطلقاً) قل أو أكثر (فإن تراخى) في نزعه (فالفدية أو أصابه من خلوق) بفتح الخاء المعجمة: أي طيب (الكعبة) الذي يلقى عليها، (وخير في نزع يسيره) ولا يجب للضرورة ووجب نزع كثيره، فإن تراخى في نزعه فالفدية والذي يفيده النقل عدم الفدية، ولا يلزم من وجوب نزعه وجوب الفدية.

(وفي) قلم (الظفر الواحد) لا لإماطة الأذى بل قلمه ترفهاً أو عبثاً حفنة من طعام إلا إذا انكسر، فأزال منه ما به الألم فلا شيء فيه.

(و) في إزالة (الشعرة والشعرات لعشرة) لغير إماطة الأذى حفنة.

(و) في قتل (القملة والقملات كذلك) أي إلى العشرة، (و) في (طرحها) أي القملات بالأرض بلا قتل (لا لإماطة الأذى): راجع للظفر وما بعده كما قدرناه فيما قبله (حفنة) من طعام يعطيها لفقير. وهذا مبتدأ، خبره: الجار والمجرور قبله، أي قوله "وفي الظفر" إلخ.

(وإلا) بأن قلم أكثر من ظفر مطلقاً أو قلم واحداً فقط لإماطة الأذى، أو أزال أكثر من عشر شعرات مطلقاً، أو قتل أو طرح أكثر من عشر قملات مطلقاً لإماطة الأذى أو لا (ففدية) تلزمه. (لا طرح كعلقة وبرغوث) من كل ما يعيش بالأرض كدود ونمل وبعوض وقراد فلا شيء فيه إذا لم يقتله؛

ــ

أو امرأة إزالة الوسخ، لأن المقصود أن يكون شعثاً، فإن أزاله لزمه فدية إلا ما كان تحت الأظافر فلا تحرم إزالته، بل يؤمر بها ولا فدية فيه. وظاهر كلامهم منع إزالة الوسخ وفيه الفدية ولو كان به روائح كريهة، كالذي به داء الصنان في إبطيه، وانظر في ذلك.

قوله: [غسل يديه بمزيله]: أي إن لم يكن مطيباً وإلا حرم غسل اليدين به وفيه الفدية.

قوله: [لوضوء أو غسل]: أي ولو مندوبين بل وإن كانا مباحين كالتبرد نعم لا يغتفر في المباح قتل القمل بل إن قتل فيه قملاً أخرج ما فيه.

قوله: [كورس]: دخل تحت الكاف الزعفران والمسك والعطر والعود، باعتبار دخانه الذي يخرج منه حين وضعه على النار.

قوله: [لا يسقط حرمة مسه]: أي لأن الحرمة ثبتت له في حال وجود ريحه، والأصل استصحابها.

قوله: [وإن سقطت الفدية]: إنما سقطت في تلك الحالة لأنها تكون فيما يترفه به، وعند ذهاب الريح لا ترفه.

قوله: [أو كان في طعام]: أي ففيه الحرمة والفدية ومثل الطعام الشراب إن لم يمته الطبخ كما يأتي.

قوله: [أو في كحل]: أي ففيه الفدية من غير حرمة إن كان لضرورة وإلا ففيه الحرمة أيضاً.

قوله: [أو مسه ولم يعلق به]: أي ففيه الحرمة والفدية.

قوله: [إذا طبخ بطعام] إلخ: هذا التفصيل للبساطي واعتمده (ح) والمذهب خلافه، قال في التوضيح ابن بشير المذهب نفي الفدية في المطبوخ مطلقاً لأنه أطلق في المدونة والموطأ والمختصر الجواز في المطبوخ وأبقاه الأبهري على ظاهره واعتمده (ر) و (بن) ومصنفنا تبع شراح المختصر.

قوله: [أو كان الطيب بقارورة]: أي وكذا حمل فأرة المسك إذا كانت غير مشقوقة على ما قال ابن عبد السلام، واستبعده ابن عرفة قائلاً: إن الفأرة نفسها طيب.

قوله: [لأنه من الاستصحاب]: أي للمكروه كما تقدم.

قوله: [أو أصابه الطيب من إلقاء ريح] إلخ: أي وأما الطيب الباقي في ثوبه أو بدنه مما قبل إحرامه فلا فدية عليه فيه، ولا يلزمه نزعه إن كان يسيراً، وإن كان كثيراً فعليه الفدية وإن لم يتراخ في نزعه.

قوله: [ولا يجب للضرورة]: أي لأننا مأمورون بالقرب من الكعبة وهي لا تخلو من الطيب غالباً، ولذلك نهى مالك عن تخليقها أيام الحج، ويقام العطارون ندباً فيها من المسعى.

قوله: [ولا يلزم من وجوب نزعه] إلخ: قال في الأصل على أن بعض المحققين قال النص في خلوق الكعبة التخيير في نزع يسيره، وأما الكثير فيؤمر بنزعه استحباباً اهـ.

قوله: [وفي قلم الظفر الواحد]: حاصله أن للظفر ثلاثة أحوال: قلم المنكسر لا شيء فيه اتحد أو تعدد، قلمه لا لإماطة الأذى حفنة إن اتحد وإلا ففدية، قلمه لإماطة الأذى ففدية مطلقاً، والموضوع ظفر نفسه، وأما لو قلم ظفر غيره فلا شيء على المحرم في قلم ظفر الحلال، فإن قلم ظفر محرم مثله فإن كان برضا المفعول به فالفدية عليه، وإن كان مكرهاً فعلى المكره بالكسر.

قوله: [راجع للظفر وما بعده]: قال في حاشية الأصل فيه نظر، بل ليس في القملة والقملات إلا حفنة مطلقاً سواء

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (بإبقاء).

ص: 289

إلا إزالة القراد، والحلم عن بعيره ففيه الحفنة ولو كثر وهو قول ابن القاسم.

(كدخول حمام) لا شيء فيه ولو طال مكثه فيه حتى عرق خلافاً للخمي (إلا أن ينقي) أي يزيل عن جسده (الوسخ) بدلك ونحوه فالفدية.

ثم بين ضابط ما فيه الفدية فقال: (والفدية) وأنواعها ثلاثة على التخيير كما يأتي بينها جل وعلا بقوله: {من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196] كائنة ومنحصرة (فيما): أي في كل شيء (يترفه): أي يتنعم (به أو) فيما (يزال به) عن النفس (أذى): أي ضرورة (مما حرم) على المحرم (لغير ضرورة كحناء وكحل) فيحرمان على المحرم إلا لضرورة، وقد يترفه بكل منهما أو يزال بهما ضرر، (و) كجميع (ما مر) ذكره من أول الفصل إلى هنا من ستر المرأة وجهها وكفيها بمحيط إلخ.

(إلا في تقليد سيف، أو) مس (طيب) مؤنث (ذهب ريحه): فلا فدية فيهما، (وإن حرم) كل منهما لغير ضرورة، فإن لم يذهب ريحه ففيه الفدية كما تقدم.

ثم الأصل تعدد الفدية بتعدد موجبها إلا في أربعة مواضع أشار لأولها بقوله:

(واتحدت) الفدية (إن تعدد موجبها) بكسر الجيم، أي سببها (بفور): كأن يمس الطيب، ويلبس ثوبه ويقلم أظفاره ويحلق رأسه في وقت واحد بلا تراخ فعليه فدية واحدة للجميع. ومن ذلك ما يفعله من لا قدرة له على إدامة التجرد فينوي الحج أو العمرة، ثم يلبس قمصانه وعمامته وسراويله بفور، فإن تراخى تعددت.

وأشار لثانيها بقوله: (أو) تراخى ما بين الموجبات، ولكن (نوى) عند فعل الأول (التكرار): كأن ينوي فعل كل ما احتاج له من موجبات الكفارة، أو متعدداً معيناً ففعل في الكل أو البعض فكفارة واحدة.

ولثالثها بقوله: (أو) لم ينو التكرار، ولكن (قدم) في الفعل (ما نفعه أعم كثوب) قدمه في اللبس (على سراويل)، أو غلالة أو حزام فتتحد بخلاف العكس وهذا (ما لم يخرج للأول) كفارته (قبل) فعل (الثاني) وإلا أخرج للثاني أيضاً.

وأشار للرابع بقوله: (أو ظن) الذي ارتكب موجبات متعددة (الإباحة) لها أي ظن أنه يباح له فعلها ففعلها، لكن لا مطلقاً -كما يتبادر من كلام الشيخ- بل (بظن): أي بسبب ظن (خروجه منه) أي من الإحرام؛ كمن طاف للإفاضة أو للعمرة بلا وضوء معتقداً أنه متوضئ، فلما فرغ من حجه أو عمرته بالسعي بعدهما في اعتقاده فعل موجبات الكفارة، ثم تبين له فسادهما وأنه باق على إحرامه؛ فعليه كفارة واحدة. وكذا من رفض حجه أو عمرته أو أفسدهما بوطء فظن خروجه منه وأنه لا يجب عليه إتمام المفسد أو المرفوض

ــ

كان القتل لغير إماطة الأذى أو لإماطته، قال في التوضيح لا يعلم قول في المذهب بوجوب الفدية في قملة أو قملات. اهـ (بن)، ومراده بالقملات ما لم يبلغ الاثني عشر، فلا ينافي وجوب الفدية في الاثني عشر فما فوق مطلقاً فمراد شارحنا بالزائد عن العشرة بأن كان اثني عشر فأكثر، وما ذكره الشارح في الشعر فمسلم لا نزاع فيه.

قوله: [إلا إزالة القراد والحلم] إلخ: قيده البساطي بما إذا لم يقتله وإلا فالفدية إن كثر على أحد القولين، والمعتمد الحفنة مطلقاً كما هو ظاهر الشارح.

قوله: [خلافاً للخمي]: أي فإنه قال: متى دخل الحمام وجلس فيه حتى عرق وجبت الفدية. ولكن مذهب المدونة إنما تجب على داخله إذا دلك وأزال الوسخ.

قوله: [على التخيير]: أي كما تقدم في نظم الأجهوري في قوله: كما خيروا في الصوم والصيد والأذى فأو في الآية الكريمة للتخيير.

قوله: [كائنة ومنحصرة]: أي من حصر المسبب في السبب.

قوله: [وقد يترفه بكل منهما]: أي كفعلهما للزينة، وقوله: أو يزال بهما ضرر أي كالتداوي بكل.

قوله: [إلا في أربعة مواضع]: أي فإن الفدية فيها تتحد وإن تعدد موجبها.

قوله: [بلا تراخ]: أي فالمراد بالفور حقيقته وهذا ما يفيده ظاهر المدونة، وأقره ابن عرفة خلافاً لما اقتضاه كلام ابن الحاجب، واقتصر عليه التتائي من أن اليوم فور وأن التراخي يوم وليلة لا أقل.

قوله: [فكفارة واحدة]: أي لو اختلف الموجب كاللبس مع الطيب والتداوي لقروح مثلاً، ونية التكرار تصدق بثلاث صور: أن ينوي فعل كل ما أوجب الفدية فيفعل الجميع أو بعضاً منه، أو ينوي فعل كل ما احتاج إليه منها، أو ينوي متعدداً معيناً ففدية واحدة كما قال الشارح.

قوله: [ما نفعه أعم]: أي إلا أن يكون للخاص الذي أخره زيادة نفع على العام كما إذا أطال السراويل طولاً له بال يحصل به انتفاع أو دفع حر أو برد فتتعدد.

قوله: [أو غلالة]: والمراد به الصديري المعلوم قال الشاعر:

لا تعجبوا من بلي غلالته

قد زرر أزراره على القمر

قوله: [هذا ما لم يخرج للأول] إلخ: هذا التقييد راجح لما إذا نوى للتكرار، وتراخى ما بين الفعلين كما قيد به في الأصل، وقيد به في المجموع أيضاً ولا يظهر بالنسبة لتقديم الأعم على الأخص، فإن الأخص لا شيء فيه مطلقاً فالمناسب للمصنف تقديمه عليه.

قوله: [كما يتبادر من كلام الشيخ]: أي فيتبادر من كلام الشيخ خليل أن ظن الإباحة نافع في جميع المسائل، وليس كذلك بل مفروض فيما مثل به شارحنا.

قوله: [فعل موجبات الكفارة]: أي الفدية أي فعل أمور متعددة كل منها يوجب الفدية بنفسه، كلبس محيط ودهن بمطيب، وتقليم أظفار وحلق شعر كثير لكن اعترض تمثيله بطواف

ص: 290

فارتكب موجبات متعددة، فليس عليه إلا كفارة فقط. وأما محرم جاهل ظن إباحة أشياء تحرم بالإحرام ففعلها -إلا في فور- فعليه لكل فدية ولا ينفعه جهله. وكذا من علم الحرمة وظن أن الموجبات تتداخل وأن ليس عليه إلا فدية فقط لموجبات متعددة لم ينفعه ظنه.

(وشرطها): أي الكفارة -أي شرط وجوبها- (في اللبس) لثوب أو خف أو غيرهما:

(الانتفاع) بما لبسه من حر أو برد بأن يلبسه مدة هي مظنة للانتفاع به (لا إن نزعه بقرب) فلا فدية عليه لعدم الانتفاع. والراجح أنه لا فدية على من لبسه في صلاة ولو رباعية إذا لم يطول فيها، وإلا فالفدية.

وأما غير اللبس كالطيب فالفدية بمجرده لأنه لا يقع إلا منتفعاً به.

(وهي) أي الفدية ثلاثة أنواع:

الأول (شاة) من ضأن أو معز (فأعلى) لحماً وفضلاً من بقر وإبل كالهدايا، وقيل: الشاة أفضل، فالبقر، فالإبل كالضحايا، ويشترط فيها من السن وغيره ما يشترط في الهدي والضحية.

والثاني ذكره بقوله: (أو إطعام ستة مساكين): من غالب قوت المحل الذي أخرجها فيه (لكل) أي لكل مسكين (مدان) بمده صلى الله عليه وسلم فالجملة ثلاثة آصع.

وذكر الثالث بقوله: (أو صيام ثلاثه أيام) مطلقاً (ولو أيام منى) أي ثاني يوم النحر وتالييه، وقيل: يمنع فيها.

(ولا تختص) الفدية بأنواعها الثلاثة (بمكان أو زمان)، فيجوز تأخيرها لبلده أو غيره في أي وقت شاء، بخلاف الهدي فإن محله منى أو مكة على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

(و) حرم عليهما (الجماع) والإنزال (ومقدماته) ولو علم السلامة من مني ومذي.

(وأفسد) الجماع الحج والعمرة (مطلقاً) أنزل أم لا، عامداً أو ناسياً أو مكرهاً، في آدمي أو غيره، بالغاً أم لا.

(كاستدعاء مني) كما يأتي: أي أن إنزال المني مفسد مطلقاً (وإن) استدعاه (بنظر أو فكر) مستديمين

ــ

الإفاضة، فإنه في فساد الإفاضة يرجع حلالاً يفعل كل ما يفعله الحلال إلا النساء والصيد، فإذا فعل غيرهما فلا فدية عليه اتحد أو تعدد. وأجيب بحمل كلام الشارح على ما إذا خالف الواجب وطاف للإفاضة قبل الرمي، وكان طوافه بغير وضوء معتقداً الطهارة، ثم بعد تحلله فعل أموراً كل منها يوجب الفدية.

قول: [فارتكب موجبات] إلخ: أي ظاناً إباحة فعلها، أو معتقداً ذلك. وأما الشك في الإباحة فلا ينفي التعدد، ويتأتى له الشك في غير مسألة طواف الإفاضة بغير وضوء، وأما هو فلا يتأتى له شك في الإباحة بل يعتقدها أو يظنها.

قوله: [الانتفاع]: أي باعتبار العادة العامة لا باعتبار عادة بعض الأشخاص كذا في الحاشية.

قوله: [والراجح أنه لا فدية] إلخ: أي من قولين حكاهما خليل، وفي (ح) عن سند بعد ذكره القولين من رواية ابن القاسم عن مالك، قال: فرأى مرة حصول المنفعة في الصلاة، ونظر مرة إلى الترفه وهو لا يحصل إلا بالطول. قال (ح): وهذا هو التوجيه الظاهر لا ما ذكره في التوضيح من أن الصلاة هل تعد طولاً أو لا، وتبعه التتائي والمواق وغيرهما، إذ ليست الصلاة بطول لما ذكروه من أن الطول كاليوم كما في ابن الحاجب وابن شاس وغيرهما، وبهذا تعلم أن القولين جاريان سواء طول في الصلاة أم لا، خلافاً لما ذكره شارحنا تبعاً لـ (عب) والخرشي انظر (بن).

قوله: [وهي أي الفدية] إلخ: أي الواجبة لإلقاء التفث وطلب الرفاهية.

قوله: [فأعلى لحماً وفضلاً]: هذا هو الذي ارتضاه أبو الحسن في مناسكه كما في (ح) قوله: [وقيل الشاة أفضل] إلخ: هذا الذي جزم به الخرشي وغيره.

قوله: [ويشترط فيها من السن] إلخ: أي ويشترط أيضاً ذبحها بنية الفدية فلا يكفي إخراجها غير مذبوحة أو مذبوحة بغير نية الفدية.

قوله: [فالجملة ثلاثة آصع]: أي وكل صاع أربعة أمداد، وأجزأ غداء وعشاء لكل مسكين حيث بلغ الغداء والعشاء المدين، وإن كان المدان أفضل، ومثل الغداء والعشاء الغداءان والعشاءان.

قوله: [في أي وقت شاء]: أي فيجوز الصوم أو الإطعام أو الذبح في أي مكان أو زمان شاء فلا تختص بزمان كأيام منى، ولا بمكان كمكة أو منى، بخلاف الهدي فإنه يختص بهما، ومحل ذلك إلا أن ينوي بالذبح بكسر الذال بمعنى المذبوح الهدي، بأن يقلده أو يشعره فيما يقلد أو يشعر، بل قال بعضهم المعتمد أن مجرد النية كاف وإن لم يحصل تقليد ولا إشعار، فيختص بمنى إن وقف به بعرفة، وإلا فمكة والجمع فيه بين الحل والحرم، وترتيبه بأن لا ينتقل للصوم أو الإطعام إلا بعد العجز عن الذبح، وأفضلية الأكثر لحماً كذا في الأصل.

قوله: [لو علم السلامة]: الذي استظهره الأجهوري كراهة المقدمات إذا علمت السلامة كالصوم، لكن يقيد بما إذا قلت.

قوله: [مطلقاً]: أي حيث أوجب الغسل. فخرج جماع الصبي أو البالغ في غير مطيقة أو في هوى الفرج، أو مع لف من خرقة كثيفة على الذكر، والحال أنه لم ينزل فلا فساد بشيء من ذلك، وقول الأصل: بالغاً أم لا، تبع فيه (عب) وهو غير صواب، بل لا يفسده إلا الجماع الموجب للغسل كما علمت.

قوله: [كاستدعاء مني]: تشبيه في قوله: (وأفسد): أي كما يفسد الحج بالجماع، يفسد باستدعاء المني إلخ، كان الاستدعاء المذكور عمداً أو جهلاً أو نسياناً للإحرام.

ص: 291

لا بمجردهما، بخلاف الإنزال بغيرهما فلا يشترط فيه الإدامة.

ومحل إفساد الجماع أو الإنزال (إن وقع) ما ذكر بعد إحرامه (قبل يوم النحر) الصادق ذلك بيوم عرفة وليلتها إلى طلوع فجر يوم النحر.

(أو) وقع (فيه): أي في يوم النحر (قبل رمي) جمار (عقبة، و) طواف (إفاضة).

(أو) وقع الجماع أو الإنزال في إحرامه بالعمرة (قبل تمام سعي العمرة وإلا) بأن وقع ما ذكر بعد يوم النحر قبلهما أو بعد أحدهما في يوم النحر، أو بعد تمام سعي العمرة وقبل الحلق، (فهدي) يلزمه ولا فساد.

(كإنزال بمجرد نظر أو) بمجرد (فكر) من غير استدامة فهدي يلزمه ولا فساد.

(وإمذاؤه) بلا إنزال (وقبلة بفم) وإن لم يمذ فالهدي بخلاف مجرد قبلة بخد أو غيره، فلا شيء عليه لأنها من قبيل الملامسة.

(ووجب) بلا خلاف بين الأئمة الأربعة رضي الله عنهم (إتمام المفسد) من حج أو عمرة، فيستمر على أفعاله كالصحيح حتى يتمه وعليه القضاء والهدي في قابل، ولا يتحلل في الحج بعمرة ليدرك الحج من عامه.

وهذا (إن لم يفته الوقوف) بعرفة إما لوقوع الفساد بعده في عرفة، أو مزدلفة، أو منى قبل الرمي والطواف، وإما لوقوعه قبله ولا مانع يمنعه من الوقوف فإن منعه منه مانع -من سجن أو مرض أو صد- حتى فاته الوقوف، وجب عليه تحلله منه بفعل عمرة؛ كما أشار له بقوله:

(وإلا): بأن فاته الوقوف (تحلل) من الفاسد (بعمرة)، ولا يجوز له البقاء على إحرامه للعام القابل لما فيه من التمادي على فاسد مع إمكان التخلص منه؛ وقولهم:"من فاته الحج يندب له التحلل بعمرة ويجوز له البقاء لقابل" في غير من فسد حجه.

(فإن لم يتمه) أي المفسد بجماع أو إنزال -سواء ظن إباحة قطعه لفساده أم لا- (فهو باق على إحرامه) أبداً ما عاش.

(فإن أحرم): أي جدد إحراماً بعد حصول الفساد لظنه بطلان ما كان فيه واستأنف غيره (فلغو): أي فإحرامه المجدد عدم وهو باق على إحرامه الأول حتى يتمه فاسداً ولو أحرم في ثاني عام يظن أنه قضاء عن الأول، ويكون فعله في القابل إتماماً للفاسد ولا يقع قضاؤه إلا في ثالث عام.

(و) وجب (قضاؤه): أي المفسد بعد إتمامه فإن كان عمرة ففي أي وقت، وإن كان حجاً ففي العام القابل، وسواء كان المفسد فرضاً أو تطوعاً.

(و) وجب (فوريته) أي القضاء حتى على قول من قال بجواز التراخي في الحج.

(و) وجب (قضاء القضاء) إذا أفسد أيضاً. ولو تسلسل فيأتي بحجتين إحداهما قضاء عن الأولى والثانية قضاء عن الثانية،

ــ

قوله: [لا بمجردهما]: حاصله أنه إذا استدعاه بالفكر أو النظر فحصل ولم يدم الاستدعاء أهدى ولا فساد، وأما إن استدعاه بغيرهما كقبلة وجس وملاعبة فحصل فالفساد، وإن لم يدم الاستدعاء كما يأتي.

قوله: [إن وقع ما ذكر بعد إحرامه]: أي سواء فعل شيئاً من أفعال الحج أو لا، بل لو وقع مقروناً بالإحرام يكون فاسداً، ويلزمه إتمامه كما تقدم أول الباب.

قوله: [وقبل الحلق فهدي يلزمه]: أي ويجب عليه مع الهدي عمرة يأتي بها بعد أيام منى، إن وقع الوطء قبل ركعتي الطواف، وهو صادق بصورتين: وقوعه قبل الطواف أو بعده وقبل الركعتين، وإنما أمر بعمرة ليأتي بطواف لا ثلم فيه، ولذا لو وقع الوطء بعد الركعتين وقبل رمي جمرة العقبة فهدي فقط، لسلامة طوافه. كذا في الأصل.

قوله: [فهدي يلزمه ولا فساد]: أي ولو قصد بهما اللذة.

قوله: [وإمذائه بلا إنزال]: أي فليس في المذي إلا الهدي، سواء خرج ابتداء أو مع استدامة ولو بقبلة أو مباشرة. ولا فساد بوجه في المذي، لا فرق بين كونه محرماً بحج أو عمرة، كما قال الشيخ سالم، ويشهد له عموم كلام الباجي الذي نقله (ح) خلافاً لقول بهرام: إن ما يوجب الهدي في الحج لا يوجب في العمرة شيئاً؛ لأن أمرها أخف من حيث إنها ليست فرضاً قال في الحاشية: وينبغي التعويل على الأول، وإن كان ظاهر النقل خلافه.

قوله: [وقبلة بفم]: أي إن لم تكن لوداع أو رحمة وإلا فلا شيء فيها.

قوله: [فلا شيء عليه]: أي ما لم يمذ أو تكثر كما في المجموع.

قوله: [بلا خلاف بين الأئمة الأربعة]: أي خلافاً لداود الظاهري.

قوله: [إما لوقوع الفساد]: بكسر الهمزة تنويع في عدم فوات الوقوف.

قوله: [ولا يقع قضاؤه إلا في ثالث عام]: أي أنه إذا لم يتمه ظناً منه أنه أخرج منه بفساده، ثم أحرم بالقضاء في سنة أخرى، وقلنا إنه باق على الأول فلا يكون ما أحرم به قضاء، بل ما فعله في السنة الثانية تتميماً له ولا يتأتى له القضاء إلا في سنة ثالثة، كما قال الشارح: إن كان الفاسد حجاً أو في مرة ثالثة إن كان عمرة.

واعلم أن حجة القضاء تنوب عن حجة الإسلام إذا كان المفسد حجة الإسلام كما قال الشيخ سالم، وذكر الأجهوري أن من أفسد حجة الإسلام يجب عليه إتمامها وقضاؤها، ويجب عليه حجة الإسلام بعد ذلك، بخلاف الحج الفائت الذي تحلل منه بفعل عمرة، فقضاؤه كاف عن حجة الإسلام، قال في الحاشية: واعتمد بعض شيوخنا ما قاله الشيخ سالم.

قوله: [وسواء كان المفسد فرضاً أو تطوعاً]: تعميم في وجوب الإتمام والقضاء.

قوله: [ووجب فوريته] إلخ: أي بعد إتمام المفسد إن كان أدرك الوقوف عام الفساد أو بعد التحلل من الفاسد إن لم يدرك الوقوف عامه.

قوله: [ووجب قضاء القضاء]: أي على المشهور وهو قول ابن القاسم: أن من

ص: 292

وعليه هديان.

(و) وجب (هدي له) أي الفساد.

(و) وجب (تأخيره للقضاء) ولا يقدمه في عام للفساد [1].

(وأجزأ إن قدم في عام الفساد واتحد) هدي الفساد (وإن تكرر موجبه) من الجماع أو الاستمناء (بنساء)، ولا يكون تعدد الجماع أو النساء موجباً لتعدده.

(وأجزأ تمتع) قضاء (عن إفراد) فسد، (وعكسه) وهو إفراد عن تمتع: أي عن الحج الذي قدم عليه في أشهره عمرة (لا قران) فلا يجزئ (عن إفراد أو تمتع ولا) يجزئ (عكسه) وهو إفراد وتمتع عن قران.

(وحرم به): أي بالإحرام بحج أو عمرة وإن لم يكن بالحرم (و) حرم (بالحرم) وإن لم يكن محرماً (تعرض لحيوان بري) بفتح الباء نسبة للبر ضد البحر،

ــ

أحرم قضاء عما أفسده، ثم أفسد القضاء أيضاً فإنه يلزمه أن يحج حجتين، إحداهما عن الأصل، والأخرى عن القضاء الذي أفسده، لأنه أفسد حجه أولاً وثانياً، بخلاف قضاء القضاء في الصوم فالمشهور أنه لا يجب، قال خليل في توضيحه: الفرق بين الحج والصوم أن الحج كلفته شديدة فشدد فيه بقضاء القضاء، سداً للذريعة لئلا يتهاون فيه، وأما من أفسد قضاء صلاة فليس عليه إلا صلاة واحدة قولاً واحداً، وهل له تقديم القضاء الثاني على الأول أم لا؟ وكذا في الحاشية.

قوله: [وعليه هديان]: أي لكل فاسد هدي، ولكن يجب تأخير كل للقضاء وأجزأ له إن قدم عام الفساد كما قال المصنف.

قوله: [ولا يكون تعدد الجماع] إلخ: أي بخلاف الصيد والفدية في غير مسائل اتحادها، فيتعدد كل بتعدد موجبه.

تنبيه: يجب عليه ثلاثة هدايا إن أفسد إحرامه قارناً ثم فاته، وأولى إن فاته ثم أفسده، وعلى كل قضاه قارناً: هدي للفساد، وهدي للفوات، وهدي للقران القضاء. ويسقط هدي القران الفاسد لأنه لم يتم.

مسألة: يجب عليه إحجاج مكرهته وإن طلقها وتزوجت غيره ويجبر الزوج الثاني على الإذن لها ووجب عليها أن تحج إن عدم، ورجعت عليه إن أيسر بالأقل من كراء المثل، ومما اكترت به إن اكترت، أو بالأقل مما أنفقته على نفسها، ومن نفقة مثلها في السفر على غير وجه السرف إن لم تكتر، وفي الفدية بالأقل من النسك، وكيل الطعام أو ثمنه وفي الهدي بالأقل من قيمته، أو ثمنه إن اشترته، وإن صامت لم ترجع بشيء، ويجب عليه مفارقة من أفسد معها من حين إحرامه بالقضاء لتحلله خوفاً من عوده لمثل ما مضى، ولا يراعي في القضاء زمن إحرامه بالمفسد، فلمن أحرم في المفسد من شوال أن يحرم بالقضاء من ذي الحجة، بخلاف الميقات المكاني، إن شرع فإنه يراعى فمن أحرم بالمفسد من الجحفة مثلا تعين إحرامه بالقضاء منها. بخلاف ما إذا لم يشرع بأن أحرم في العام الأول قبل المواقيت فلا يجب الإحرام في القضاء إلا منها، فإن تعدى الميقات المشروع الذي أحرم منه أو لا فدم، ولو تعداه بوجه جائز كما لو استمر بعد الفساد بمكة إلى قابل، وأحرم بالقضاء منها، وأما لو تعداه في عام الفساد فلا يتعداه في عام القضاء. اهـ من الأصل.

قول: [وعكسه]: مثله في التوضيح عن النوادر والعتبية خلافاً لابن الحاجب القائل بعدم الإجزاء.

قوله: [وهو إفراد عن تمتع] أي بأن يقع الإفساد في الحج الذي أحرم به بعد أن فرغت العمرة، فإذا قضاه مفرداً فإنه يجزيه، ففي الحقيقة أجزأ إفراد عن إفراد، وعليه هديان هدي للتمتع يعجله وهدي للفساد يؤخره عام القضاء.

قوله: [لا قران] إلخ: قد علم مما ذكره ست صور: اثنتان مجزئتان، وأربع غير مجزئة، وأصل الصور تسع أسقط المصنف منهما ثلاثة وهي قضاء الشيء بمثله لظهوره.

تنبيه: لا ينوب قضاء التطوع عن واجب، بخلاف قضاء الواجب فيجزئ عنه وفاقاً للشيخ سالم، وخلافاً لتلميذه الأجهوري، كما أفاده بعض المحققين كذا في المجموع وتقدم ذلك.

قوله: [وحرم به] إلخ: الباء للسببية وفي قوله و"بالحرم" للظرفية.

فائدة: الحرم من جهة المدينة أربعة أميال أو خمسة مبدؤها من الكعبة منتهية للتنعيم، ومن جهة العراق ثمانية من المقطع بفتح الميم مخففاً وضمها مثقلاً مكان في الطريق، ومن جهة عرفة تسعة وينتهي لعرفة، ومن جهة الجعرانة تسعة أيضاً وينتهي إلى موضع يسمى بشعب آل عبد الله بن خالد، ومن جهة جدة -بضم الجيم- لآخر الحديبية عشرة من جهة اليمن إلى مكان يسمى أضاة على وزن نواة وعلامته وقوف سيل الحل دونه إذا جرى لجهته، ولا يدخله لعلوه عن الحل. اهـ من المجموع.

قوله: [تعرض لحيوان بري]: أي والحال أنه متوحش الأصل فلا يجوز اصطياده ولا التسبب في اصطياده

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (الفساد).

ص: 293

ويباح البحري، ويدخل في البري: الضفدع والسلحفاة البريان، والجراد وطير الماء لا الكلب الإنسي.

(و) تعرض (لبيضه) ما دام وحشياً بل (وإن تأنس) كالغزال والطيور التي تألف البيوت والناس، (أو لم يؤكل) كالخنزير والقرد على القول بحرمته، وإن كان مملوكاً لأحد ويقوم على تقدير جواز بيعه.

(وزال به) أي بالإحرام أو بالحرم (ملكه عنه): أي عن الحيوان البري إن كان يملكه قبل إحرامه، وإذا كان كذلك (فيرسله) وجوباً. ومحل زوال ملكه عنه ووجوب إرساله:(إن كان معه) حين الإحرام أو دخوله الحرم؛ أي مصاحباً له في قفص أو بيد غلامه ونحو ذلك، (لا) إن كان حين الإحرام (ببيت [1]) فلا يزول ملكه عنه ولا يرسله (ولو أحرم منه) أي من بيته.

وقوله: (فلا يستجد ملكه): مفرع على قول: "فيرسله" إلخ، وعلى قوله:"وحرم به وبالحرم تعرض" إلخ أي أنه إذا حرم تعرض المحرم للبري، فلا يجوز له ما دام محرماً أن يستجد ملك بري بشراء أو صدقة أو هبة أو إقالة، وإذا أرسله حيث كان معه فلحقه إنسان، ولو قبل لحوقه بالوحش وأخذه لم يكن لربه عليه كلام، ولا يجوز له قبوله منه بهبة أو غيرها ثم استثنى من حرمة التعرض للبري قوله:

(إلا الفأرة) بالهمزة وتاؤه للوحدة لا التأنيث، ويلحق بها ابن عرس وكل ما يقرض الثياب من الدواب (و) إلا (الحية والعقرب)، ويلحق بها الزنبور أي ذكر النحل، ولا فرق بين صغيرها وكبيرها.

(و) إلا (الحدأة) بكسر ففتح بوزن عنبة، (والغراب) فلا يحرم التعرض لما ذكر.

(كعادي سبع): من أسد وذئب ونمر وفهد، وهو المراد بالكلب العقور فيجوز التعرض له (إن كبر) بكسر الباء بحيث بلغ حد الإيذاء، لا إن صغر.

(وطير) غير حدأة وغراب (خيف منه) على نفس أو مال، ولا يندفع (إلا بقتله)

ــ

وخرج بذلك الإوز والدجاج، ولم يقل:" وجزئه " كما قال خليل لأنه استغنى عن ذكره بالكل؛ لأنه إن فرض متصلاً فالتعرض له تعرض للكل، وإن فرض منفصلاً فإما ميتة بأن كان ذكاه محرم أو حلال في حرم، أو كان بلا ذكاة فهذا يأتي، وأما أن لا يكون ميتة بأن ذكاه حلال في الحل فلا يحرم التعرض له بنحو الأكل فتأمل.

قوله: [ويباح البحري]: أي لقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة} [المائدة: 96].

قوله: [ويدخل في البري الضفدع] إلخ: أي فيحرم التعرض لما ذكر.

قوله: [لا الكلب الإنسي]: أي لأنه -وإن كان حيواناً برياً- لكن ليس مما يحرم التعرض له لا على المحرم لا في الحرم، لأن قتله جائز بل يندب على المشهور، ولأنه ليس وحشي الأصل.

قوله: [أو لم يؤكل]: فيه رد على الشافعي القائل إنما يحرم التعرض للمأكول.

قوله: [فيرسله وجوباً]: جعله الشارح جواباً لسؤال مقدر.

قوله: [ولو أحرم منه]: أي على المعتمد، والفرق بين البيت والقفص أن القفص حامل له وينتقل بانتقاله والبيت مرتحل عنه وغير مصاحب له.

قوله: [مفرع على قوله فيرسله] إلخ: أي لأنه يلزم من الأمر بإرسال ومن حرمة التعرض عدم جواز تجدد الملك.

قوله: [أن يستجد ملك بري بشراء]: أي وأما دخوله في ملكه جبراً كالميراث والمردود بعيب، فإنه يدخل في قوله:(فيرسله إن كان معه)، وهل إذا جدد ملكه بشراء يكون شراؤه صحيحاً حيث اشتراه من حلال، ويؤمر بإرساله ويضمن ثمنه للبائع، وهو الأظهر فلو رده لصاحبه لزمه جزاؤه، أو فاسداً ويلزمه رده للبائع، ولا جزاء عليه قولان.

تنبيه: لا يجوز له أن يقبله وديعة من الغير. فإن قبله رده لصاحبه إن كان حاضراً وإلا أودعه عند غيره إن أمكن، وإلا أرسله وضمن قيمته هذا إذا قبل الوديعة وهو محرم. وأما إن كان مودعاً عنده وهو حلال وطرأ له الإحرام، فإنه يلزمه رده لربه إن وجده، فإن لم يجده أودعه عند حلال، فإن لم يجده بقي بيده ولا يرسله لأنه قبله في وقت يجوز له، فإن أرسله ضمن قيمته. اهـ من الأصل.

قوله: [إلا الفأرة] إلخ: أي فإنه يجوز قتل هذه الأشياء في الحرم، وللمحرم إن قتل بقصد دفع الإذاية، أما لو قتل بقصد الذكاة فلا يجوز ولا يؤكل والظاهر أن عليه الجزاء كذا في الخرشي، قال في الحاشية نقلاً عن بعضهم وهو بين فإنه إذا لم يحرم أكلها فهي صيد يؤثر؛ فيها الذكاة ويطهر جلدها، والمحرم ممنوع من ذكاة الصيد ومن قتله. اهـ. واستثناها المصنف تبعاً للحديث الوارد فيها.

قوله: [بالهمزة]: أي وقد تسهل.

قوله: [والغراب]: ولا فرق بين الأبقع وغيره لقول ابن عبد السلام: هل لفظ الغراب عام؟ يعني في الحديث؛ فالأبقع فرد لا يخصص أو مطلق، فالأبقع مبين له والأول أقرب وعليه غالب أهل المذهب. اهـ. والأبقع: هو الذي فيه بياض وسواد. قول: [وهو المراد بالكلب العقور]: أي لقوله عليه الصلاة والسلام في عتيبة بن أبي لهب: «اللهم سلط عليه كلباً من كلابك» ، فعدا عليه السبع فقتله.

قوله: [إن كبر]: شرط في كل عاد.

قوله: [لا إن صغر]: أي فيكره قتله ولا جزاء على المشهور.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (ببيته)، ولعلها الصواب.

ص: 294

فيجوز قتله.

(ووزغ) يجوز قتله (لحل بحرم) لا لمحرم به أو بغيره.

(ولا شيء في الجراد) بقيدين: (إن عم) أي كثر، (واجتهد) المحرم في التحفظ من قتله، فأصاب منه شيئاً لا عن قصد، (وإلا) بأن لم يعم أو عم ولم يجتهد في التحفظ منه (فقيمته طعاماً بالاجتهاد) بما يقول أهل المعرفة، هذا (إن كثر) بأن زاد على عشرة، (وفي) قتل (الواحدة لعشرة حفنة) من الطعام ملء اليد الواحدة.

(كتقريد البعير) ففيه حفنة بيد واحدة.

(وفي) قتل (الدود والنمل ونحوهما) كالذباب والذر (قبضة) من طعام من غير تفصيل بين قليله وكثيره.

(والجزاء) واجب (بقتله) أي الحيوان البري (مطلقاً) قتله عمداً أو خطأ أو ناسياً كونه محرماً أو بالحرم، أو لمجاعة تبيح أكل الميتة، أو لجهل الحكم أو كونه صيداً.

(ولو) قتله (برمي) بحجر أو سهم (من الحرم) فأصابه في الحل.

(أو) رمي من الحل (له) أي للحرم، (أو) قتله بسبب (مرور سهم) مثلاً (بالحرم): أي فيه رماه من بالحل على صيد بالحل.

(أو) مرور (كلب) أرسله حل بحل على صيد بحل (تعين) الحرم (طريقه) أي طريقاً للكلب فقتله، فالجزاء فإن لم يتعين الحرم طريقاً للكلب، ولكن الكلب عدل إلى الحرم فلا شيء فيه إذا لم يظن الصائد سلوك الكلب فيه.

(أو) قتله بسبب (إرساله): أي الكلب (بقربه) أي الحرم، (فأدخله) في الحرم وأخرجه منه، (وقتله خارجه) فالجزاء ولا يؤكل في الجميع، فلو قتله خارج الحرم قبل إدخاله فيه فلا جزاء وأكل، وأما لو أرسله عليه ببعد من الحرم بحيث يظن أخذه خارجه فأدخله فيه وقتله فيه، أو بعد أن أخرجه فلا جزاء، ولكنه ميتة لا يؤكل.

(أو) بسبب إرسال الكلب ونحوه (على كسبع) مما يجوز قتله فأخذ ما لا يجوز قتله كحمار وحش فالجزاء وكذا إن أرسله على سبع في ظنه، فإذا هو حمار وحش مثلاً.

(أو) قتله بسبب (نصب شرك) بفتحتين (له) أي للسبع ونحوه؛ أي نصبه للسبع فوقع فيه ما لا يجوز صيده فالجزاء.

(وبتعريضه) عطف على "بقتله": أي والجزاء بقتله وبتعريضه.

(للتلف)، كنتف ريشه وجرحه وتعطيله، (ولم تتحقق سلامته) فإن تحققت أي غلبت على الظن سلامته ولو على نقص فلا جزاء.

(و) الجزاء (بقتل غلام) لصيد (أمر)

ــ

قوله: [فيجوز قتله]: أي إذا كان لدفع شره لا بقصد ذكاته فلا يجوز وفيه الجزاء.

قوله: [لا لمحرم به]: أي فلا يجوز له قتله أي يحرم كما صرح به الجزولي في شرح الرسالة، وقيل مكروه فعلى الأول إذا قتلها أطعم وجوباً كسائر الهوام، وعلى الثاني أطعم استحباباً.

قوله: [فقيمته طعاماً] إلخ: قال الباجي: لو شاء الصيام لحكم عليه بصوم يوم كذا في (ر). اهـ (بن).

قوله: [قبضة]: بضاد معجمة وهي دون الحفنة كما أفاده (ر) كذا في الحاشية.

قوله: [والجزاء واجب بقتله]: جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً جواباً لسؤال مقدر تقديره وإن تعرض للحيوان البري ماذا يلزمه.

وحاصل الجواب أنه تارة يقتله وتارة لا يقتله، فإن قتله فالجزاء بقتله.

قوله: [أو الجهل لحكم] إلخ: أي خلافاً لابن عبد الحكم حيث قال: لا شيء عليه في غير العمد، ولا فيما تكرر. اهـ. ولا يلزم من لزوم الجزاء في غير العمد لزوم الإثم، فإنه لا إثم عليه في الجهل والنسيان والمجاعة، ويتكرر الجزاء بتكرر قتل الصيد، فإن أرسل سهمه أو بازه فقتل صيوداً كثيرة لزمه جزاء الجميع على المعتمد، خلافاً لابن عبد الحكم كما علمت.

قول: [بسبب مرور سهم]: هذا قول ابن القاسم وهو المعتمد خلافاً لأشهب وعبد الملك، فأشهب يقول: يؤكل ولا جزاء عليه مطلقاً، وعبد الملك يوافق أشهب على الأكل وعدم الجزاء بشرط البعد، والمراد بالبعد: أن يكون بين الرمي والحرم مسافة لا يقطعها السهم غالبا فتخلف الغالب وقطعها.

قوله: [فإن لم يتعين الحرم طريقاً]: أي لأن للكلب فعلاً اختيارياً، فعدوله للحرم من نفسه بخلاف السهم فمن الرامي على كل حال، فلذلك جعل القيد مخصوصاً بالكلب، وهذا التقييد لخليل وابن شاس وابن الحاجب أيضاً.

قوله: [أو قتله بسبب إرساله] إلخ: اعلم أنه اختلف في الاصطياد قرب الحرم، فقال مالك: إنه مباح إذا سلم من قتله في الحرم، وقال في التوضيح: المشهور أنه منهي عنه، إما منعاً أو كراهة بحسب فهم قوله صلى الله عليه وسلم:«كالراتع يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» ، قال (ح) والظاهر الكراهة.

قوله: [فالجزاء ولا يؤكل في الجميع]: راجع لجميع ما تقدم من قوله ولو قتله برمي بحجر إلى هنا، وما قال شارحنا طريقة ابن القاسم.

قول: [فوقع فيه ما لا يجوز صيده]: أي ففيه الجزاء على القول المشهور، وقال سحنون: لا جزاء فيه. وقال أشهب: إن كان المحل يتخوف فيه على الصيد من الوقوع في الشرك وداه: أي أخرج جزاءه وإلا فلا شيء عليه كذا في الحاشية.

قوله: [وبتعريضه]: أي تعريض ما يحرم صيده.

قوله: [كنتف ريشه]: أي الذي لا يقدر معه على الطيران وإلا فلا جزاء، كما أن لو نتف ريشه الذي لا يقدر معه على الطيران إلا به وأمسكه عنده حتى نبت بدله وأطلقه فلا جزاء.

قوله: [ولو على نقص]: مبالغة في المفهوم أي فلا جزاء عليه حيث غلب على الظن سلامته ولو بنقص، خلافاً لمحمد القائل

ص: 295

أي أمره سيده (بإفلاته فظن) الغلام (القتل): أي ظن أنه أمر بقتله فقتله والجزاء على السيد ولو لم يتسبب في اصطياده على أرجح التأويلين، وأما العبد فإن كان محرماً أو بالحرم فعليه جزاء أيضاً وإلا فلا، فإن أمره السيد بالقتل فقتله فعليه جزاءان إن كانا محرمين وواحداً إن كان المحرم أحدهما.

(و) الجزاء (بسببه) أي بسبب الإتلاف (كحفر بئر له) أي للصيد، فوقع فيها فهلك، أو نصب شرك له بالأولى مما تقدم أنه نصب شركاً أو حفر بئراً لسبع فوقع فيه صيد، فلو اقتصر على ما تقدم لفهم منه هذا بالأولى، وقد يقال: هذا أعم، لأن المراد السبب بأي وجه بدليل ما بعده (أو طرده فسقط) فمات (أو فزعه) مصدر مجرور بالكاف المقدرة كالذي قبله (منه)، أي من المحرم فسقط الصيد (فمات) قاله ابن القاسم. وقال أشهب: لا جزاء في هذا وإن كان لا يؤكل، واستظهر وهو معنى قول الشيخ "والأظهر والأصح خلافه"(لا) جزاء بسبب (حفر بئر لكماء) أي لإخراج ماء ونحوه، فتردى فيه صيد فمات.

(أو دلالة) من محرم على صيد بحل أو حرم، فلا جزاء على الدال.

(أو رمي) من حلال (له) أي للصيد وهو (على فرع) أي غصن في الحل (أصله) أي أصل ذلك الفرع (بالحرم) فلا جزاء، ويؤكل نظراً لمحله، ولذا لو كان الفرع في الحرم وأصله في الحل لكان عليه الجزاء بلا نزاع.

(أو) رمي من حلال (بحل) أي فيه فأصابه فيه، (فتحامل) الصيد بعد الإصابة ودخل الحرم (ومات فيه) فلا جزاء، ويؤكل نظراً لوقت الإصابة لا لوقت الموت، ولو لم ينفذ مقتله في الحل عند اللخمي.

(وتعدد) الجزاء (بتعدده) أي الصيد ولو في رمية واحدة.

(أو) بسبب (تعدد الشركاء فيه) أي في قتله، فعلى كل واحد منهم جزاء.

(ولو أخرج) الجزاء (لشك) في موت صيد جرحه أو ضربه (فتبين موته بعده) أي بعد الإخراج (لم يجزه)، وعليه جزاء آخر؛ لأنه تبين أنه كان إخراجه قبل وجوبه، بخلاف ما لو تبين موته قبل الإخراج أو لم يتبين شيء.

(وليس الدجاج والإوز بصيد): فيجوز للمحرم ومن في الحرم ذبحها وأكلها (بخلاف الحمام): ولو الذي يتخذ في البيوت للفراخ فإنه صيد لأنه من أصل ما يطير في الخلاء، فلا يجوز للمحرم ذبحه فإن ذبحه أو أمر بذبحه فميتة.

(وما صاده محرم) أو من في الحرم بسهمه أو بكلبه أو بغير ذلك، (أو صيد له)

ــ

يلزمه ما بين القيمتين، أي وهو أرش النقص كما لو كانت قيمته سليماً ثلاثة أمداد، ومعيباً مدين فيلزمه مد وهو ما بين القيمتين على هذا القول.

قوله: [أي أمر سيده]: أي بالقول أو بالإشارة.

قوله: [فظن الغلام القتل]: مفهومه لو شك في أمره له بالقتل ثم قتله كان الجزاء على العبد وحده كما يفيده كلام اللخمي كذا في الحاشية.

قوله: [على أرجح التأويلين]: هو مشكل، ولكن الفقه مسلم.

قوله: [فعليه جزاء أيضاً]: أي ولا ينفعه خطؤه، وحينئذ فإما أن يصوم العبد عن نفسه، وإما أن يطعم عنه سيده إن شاء، وإن شاء أمره به من ماله. وكذا يقال في الهدي؛ فإما أن يهدي عنه السيد أو يأمره بذلك من ماله كما قال سند.

قوله: [بسببه]: عطف على قوله: "بقتله" أي والجزاء بقتله مباشرة أو بتسببه هذا إذا كان السبب مقصوداً، بل ولو كان اتفاقياً.

قوله: [وقد يقال هذا أعم]: أي فلا يعترض عليه لأن أزيد فائدة.

قوله: [واستظهر]: أي لأن ابن يونس رجحه خلافاً لما يوهمه خليل من أنه لابن عبد السلام كما في المواق.

قوله: [حفر بئراً لكماء]: أي سواء كان الحفر في محل يجوز له فيه أم لا، كالطريق فليس ما هنا كالديات، ولعل الفرق أن الصيد ليس شأنه لزوم طريق معين.

قوله: [فلا جزاء على الدال]: أي سواء كان المدلول حلالاً أو محرماً.

وحاصله: أنه إذا دل محرم محرماً أو حلالاً على صيد في الحل أو في الحرم فقتله، فلا جزاء على ذلك المحرم الدال؛ فهذه أربع صور، وكذا إذا دل حل محرماً على صيد في الحل أو في الحرم، أو دل حلالاً على صيد في الحرم فقتله فلا جزاء على ذلك الدال، فهذه ثلاث صور فالجملة سبع الجزاء فيها على المدلول.

قوله: [فلا جزاء ويؤكل نظراً لمحله]: أي على المشهور وهو مذهب المدونة.

قوله: [عند اللخمي]: وهو أحد أقوال ثلاثة: الأول للتونسي يلزم الجزاء ولا يؤكل، والثاني قول أصبغ بعدم الجزاء ولا يؤكل، والثالث قول أشهب الذي اختاره اللخمي.

قوله: [أو بسبب تعدد الشركاء فيه] أي حيث كانوا حلاً في الحرم أو محرمين ولو بغيره، وأما لو اشترك حل ليس بالحرم مع محرم في قتل الصيد كان الجزاء على المحرم فقط، قال الأجهوري: ومفهوم الشركاء أنه لو تمالأ جماعة على قتله فقتله واحد منهم فجزاؤه على قاتله فقط كما هو ظاهر كلامهم.

قوله: [ولو أخرج الجزاء لشك] إلخ: حاصله أنه إذا رمى صيداً فشك في موته فأخرج جزاءه فإن استمر على شكه أو غلب على ظنه أن موته قبل الإخراج لم يلزمه الإخراج ثانياً، وإن غلب على ظنه أن موته بعد الإخراج وأولى التحقق لزمه إخراج الجزاء ثانياً.

قوله: [وليس الدجاج والإوز بصيد]: أي إذا كان بلدياً وأما الإوز المسمى بالعراقي فهو صيد.

قوله: [ولو الذي يتخذ في البيوت للفراخ]: أي للطيران وهو المسمى بالحمام البيتي.

تنبيه: لو أمسك المحرم صيداً وهو عازم على إرساله فقتله محرم آخر أو حلال في الحرم فلا جزاء على الممسك، بل على القاتل. وأما لو قتله حلال بالحل فجزاؤه على المحرم الذي أمسكه وغرم الحل

ص: 296

أي صاده حلال لأجله، فمات بسبب اصطياده، (أو ذبحه) المحرم حال إحرامه وإن اصطاده حلال لنفسه أو بعد أن صاده هو أو صيد له

(أو أمر بذبحه أو صيده) فمات بالاصطياد، أو ذبحه حلال ليضيفه به، (أو دل) المحرم (عليه) حلالاً فصاده فمات بذلك، (فميتة) لا يحل لأحد تناوله وجلده نجس كسائر أجزائه.

(كبيضه) من سائر الطيور سوى الإوز والدجاج ميتة إذا كسره أو شواه محرم، أو أمر حلالاً بذلك لا يجوز لأحد أكله، وقشره نجس كسائر أجزائه.

(وجاز) للمحرم (أكل ما) أي صيد (صاده حل لحل) لنفسه أو لغيره، بخلاف ما صاده لمحرم كما تقدم وشبه في جواز الأكل قوله:(كإدخاله): أي الصيد (الحرم وذبحه به إن كان) الصائد (من ساكنيه) أي الحرم؛ أي أنه يجوز لسكان الحرم أن يخرجوا للحل فيصطادوا ويدخلوا بالصيد الحرم فيذبحوه به، وهو يجوز أكله لكل أحد بخلاف غيرهم إذا اصطادوا بالحل صيداً، ودخلوا به الحرم فيجب عليهم إرساله، فإن ذبحوه به فميتة.

(وحرم) على المكلف (به) أي بالحرم لمحرم وغيره (قطع) أو قلع (ما ينبت) من الأرض (بنفسه) كشجر الطرفاء والسلم والبقل البري.

(إلا الإذخر) بكسر الهمزة وفتح الخاء المعجمة نبت معروف،

(والسنا) بالقصر (والسواك والعصا وما قصد السكنى بموضعه) للضرورة (أو إصلاح الحوائط) أي ما قطع لإصلاحها فإنه جائز.

ــ

له الأقل من قيمة الصيد طعاماً وجزاءه إن لم يصم، فإن صام فلا رجوع له على الحلال بشيء. وأما لو أمسكه المحرم وهو عازم على قتله فقتله محرم آخر، أو في الحرم فهما شريكان على كل منهما جزاء كامل. وأما لو قتله حلال في الحل فجزاؤه على المحرم الذي أمسكه، ويغرم له الحلال كما تقدم لأن المباشر مقدم على المتسبب.

قوله: [أي صاده حلال لأجله]: كان المحرم الذي صيد لأجله معيناً أو غير معين بأمره أو بغير أمره، سواء أريد بيعه له أو إهداؤه أو تضييفه.

قوله: [أو ذبحه المحرم حال إحرامه] أي سواء أكل المحرم منه شيئاً أم لا، ومثله ما لو ذبح صيد المحرم ولو بلا إذنه حلال فهو ميتة، ولا يؤكل، خلافاً لما في (عب)، ووافقه في المجموع من أنه إذا كان بغير إذن المحرم فلا يجوز أكله، فإنه غير صواب كما ذكره صاحب المجموع في حاشية (عب).

قوله: [أو ذبحه حلال ليضيفه به]: أي والحال أن ذلك الحلال لم يصده وإلا كان مكرراً مع ما تقدم.

قوله: [أو دل المحرم]: أي بالقول أو بالإشارة كما تقدم.

قوله: [فميتة]: خبر عن قوله وما صاده محرم إلخ، وقرنه بالفاء لما في المبتدأ من معنى الشرط.

قوله: [لا يحل لأحد تناوله]: أي فلا يجوز أكله لحلال ولا لمحرم حالة الاختيار.

قول: [كبيضه]: أي لأن البيض بمنزلة الجنين أي جنين الصيد، لكونه نشأ عنه، فلما كان الجنين ناشئاً عن البيض نزل منزلته.

قوله: [وقشره نجس]: أي لأنهم لما نزلوا البيض منزلة الجنين حكموا عليه بحكم الميتة فصار حكم قشره النجاسة بمنزلة البيض المذر أو ما خرج بعد الموت.

وإذا علمت السبب في نجاسة البيض تعلم أن بحث سند خلاف المذهب حيث قال: أما منع المحرم من البيض فبين، وأما منع غيره ففيه نظر؛ لأن البيض لا يفتقر لذكاة حتى يكون بفعل المحرم ميتة ولا يزيد فعل المحرم فيه في حق الغير على فعل المجوسي، وهو إذا شوى بيضاً أو كسره لم يحرم على المسلم، بخلاف الصيد فإنه يفتقر لذكاة مشروعة والمحرم ليس من أهلها. انتهى.

قوله: [صاده حل]: أي في الحل، وأما ما صاده محرم في الحل أو حل في الحرم فلا يجوز لأحد أكله.

قوله: [فإن ذبحوه به فميتة]: أي وفيه الجزاء، وكذا إن أبقاه عنده حتى خرج من الحرم وذبحه بعد خروجه منه فيلزمه جزاؤه، سواء كان حين دخوله الحرم بالصيد محرماً أو حلالاً. أما المحرم فواضح، وأما الحلال فلأنه لما أدخله الحرم صار من صيد الحرم كذا قيل، وفيه إن هذا التعليل يجري في الحلال المقيم بمكة مع أن صيدهم جائز، وقد يقال خفف لسكانها للضرورة.

قوله: [لمحرم وغيره]: أي آفاقياً أو من أهل مكة، وقوله قطع أو قلع ما ينبت بنفسه أي ولو كان قطعه لإطعام الدواب على المعتمد، ولا فرق بين الأخضر واليابس. والمراد إن جنسه ينبت بنفسه من غير علاج فحرمته ولو استنبت نظراً لجنسه، ولذلك لو كان جنسه يستنبت جاز قطعه، ولو نبت بنفسه كخس وحنطة ونحو ذلك.

قوله: [كشجر الطرفاء]: أي وكذا شجر الغيلان: قوله: [نبت معروف]: كالحلفاء طيب الرائحة واحده إذخرة وجمعه إذخروأذاخر. وقول المصنف: " إلا الإذخر والسنا " إلخ أي لما ورد في الحديث استثناء الإذخر. والملحقات به ستة: السنا، والهش أي قطع ورق الشجر بالمحجن والعصا، والسواك، وقطع الشجر للبناء، والسكنى بموضعه، وقطعه لإصلاح الحوائط والبساتين. والمحجن المذكور: هو العصا المعوجة من الطرف بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الجيم وزان: مقود، والجمع محاجن، بأن يضعه على الغصن ويحركه ليقع الورق؛ وأما خبط العصا على الشجر ليقع ورقه فهو حرام.

ص: 297

(ولا جزاء) فيما حرم قطعه.

(كصيد حرم المدينة) المنورة: فإنه يحرم التعرض له ولا جزاء فيه إن قتله، ويحرم أكله (وهو ما بين الحرار) الأربع؛ جمع حرة بكسر المهملة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار.

(و) قطع (شجرها): فإنه يحرم على ما تقدم في شجر حرم مكة. والحرم بالنسبة له (بريد من كل جهة) من جهاتها من طرف آخر البيوت التي كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم، وسورها الآن هو طرفها في زمنه صلى الله عليه وسلم، فيحرم قطع ما نبت بنفسه في البيوت الخارجة عنه وذات المدينة خارجة عن ذلك فلا يحرم قطع الشجر الذي بها.

(والجزاء) أي جزاء الصيد (أحد ثلاثة أنواع على التخيير كالفدية)، فإنها ثلاثة أنواع على التخيير بخلاف الهدي.

(يحكم به): على من أتلف الصيد أو تسبب في إتلافه، (ذوا عدل) فلا بد من الحكم، ولا تكفي الفتوى، ولا بد من اثنين فلا يكفي واحد، ولا بد من كونهما غيره، فلا يكفي أن يكون الصائد أحدهما، ولا بد فيهما من العدالة فلا يكفي حكم كافر ولا رقيق ولا فاسق ولا مرتكب ما يخل بالمروءة

ولا بد من كونهما (فقيهين به): أي عالمين بالحكم في الصيد، لأن كل من ولي أمراً فلا بد أن يكون عالماً بما ولي فيه. فلا يكفي جاهل بذلك.

النوع الأول: أفاده بقول (مثله): أي مثل الصيد الذي قتله (من النعم): الإبل والبقر والغنم، أي مثله في القدر والصورة أو القدر ولو في الجملة كما يأتي بيانه.

(يجزئ أضحية) أي لا بد أن يكون بما يجزئ في الأضحية سناً وسلامة فلا يجزئ صغيراً ولا معيباً، وإن كان الصيد صغيراً أو معيباً.

(و) إذا اختار المثل من النعم فـ (محله) الذي يذبح أو ينحر فيه (منى أو مكة)، ولا يجزئ في غيرهما (لأنه هدي) أي صار حكمه حكم الهدي الآتي بيانه، قال الله تعالى:{هديا بالغ الكعبة} [المائدة: 95].

وأشار للنوع الثاني بقوله: (أو قيمته) أي الصيد (طعاماً) بأن يقوم بطعام من غالب طعام أهل ذلك المكان الذي يخرج فيه وتعتبر القيمة والإخراج (يوم التلف بمحله) أي محل التلف

ــ

كذا في الحاشية.

قوله: [ولا جزاء فيما حرم قطعه]: أي لأن الجزاء لا يكون إلا في صيد الحرم أو المحرم.

قوله: [كصيد حرم المدينة]: التشبيه في تحريم قطع شجر حرم مكة وعدم الجزاء فيه.

قوله: [ولا جزاء فيه إن قتله]: ولا يلزم من عدم الجزاء خفة الحرمة فيه، بل المدينة أشد؛ لأن صيدها كاليمين الغموس الذي لا كفارة له كذا قيل. لكن قال ابن رشد: اعلم أن أهل العلم اختلفوا فيما إذا صاد صيداً في حرم المدينة، فمنهم من أوجب فيه الجزاء كحرم مكة سواء، وبذلك قال ابن نافع، وإليه ذهب عبد الوهاب، وذهب مالك إلى أن الصيد فيها أخف من الصيد في حرم مكة، فلم ير على من صاد في حرمها إلا الاستغفار والزجر من الإمام، فقيل له: هل يؤكل الصيد الذي يصاد في حرم المدينة؟ فقال: ما هو مثل ما يصاد في حرم مكة، وإني لأكرهه، فروجع في ذلك، فقال: لا أدري. انتهى، فعلم منه أن عدم الجزاء في صيد حرم المدينة قول مالك، وأنه أخف من صيد حرم مكة، فقول شارحنا: ويحرم أكله تبع فيه الخرشي وهو خلاف قول مالك كما علمت.

قوله: [وهو ما بين الحرار الأربع]: فيه شيء إنما ذكر حرتين، والجواب أنه لما كان لكل حرة طرفان اعتبر كل طرف حرة.

قوله: [على ما تقدم في شجر حرم مكة]: أي سواء بسواء وما يستثنى هناك يستثنى هنا.

قوله: [والحرم بالنسبة له]: أي لقطع الشجر، وأما بالنسبة للصيد فالمدينة داخلة، فكما يحرم صيد خارجها يحرم صيد داخلها.

قوله: [بريد من كل جهة]: أظهر من قول خليل بريد في بريد، فلذلك اعترضوه بأن البريد في البريد واحد فيكون الحرم من كل جهة ربع بريد لا بريداً، وأجابوا عنه بأن في بمعنى مع على حد قوله تعالى:{ادخلوا في أمم} [الأعراف: 38] والمعنى بريد مصاحب لبريد حتى تستوفى جميع جهاتها.

قوله: [فلا بد من الحكم]: ظاهره لا بد من لفظ الحكم في كل من الثلاثة: الهدي والإطعام والصوم، خلافاً لابن عرفة من عدم اشتراطه في الصوم. قال في الحاشية: وانظر هل يشترط في العدلين أن لا يكونا متأكدي القرابة؟ اهـ.

قوله: [فلا يكفي حكم كافر] إلخ أي: ولا صبي لأن العدالة تستلزم تلك الشروط، وإنما اشترط فيهما العدالة لقول الله تعالى:{يحكم به ذوا عدل منكم} [المائدة: 95].

قوله: [أي عالمين بالحكم في الصيد]: أي فلا يشترط أن يكونا عالمين بجميع أبواب الفقه.

قوله: [في القدر والصورة] أي إن كان يماثل الأنعام فيهما.

وقوله: [أو القدر]: أي إن تعذر مماثلة الصورة.

قولة: [فلا يجزئ صغيراً ولا معيباً] هكذا نسخة المؤلف بالنصب، وهما منصوبان على الحال من فاعل يجزئ، تقديره فلا يجزئ هو أي المثل من النعم حال كونه صغيراً أو معيباً.

قوله: [منى]: أي بالشروط الثلاثة الآتية.

وقوله: [أو مكة]: أي إن لم توجد الشروط الثلاثة.

قوله: [وتعتبر القيمة والإخراج يوم التلف]: حاصله أنه إذا أخرج الجزاء هدياً اختص بالحرم، وإن أراد الصيام صام حيث شاء، وإن أراد أن يخرج طعاماً فلا بد من اعتبار القيمة في محل التلف، وإن كان التقويم

ص: 298

لا يوم تقويم الحكمين، ولا يوم التعدي، ولا تعتبر قيمته بمحل آخر غير محل التلف، ولا يقوم بدراهم ويشتري بها طعاماً يعطى (لكل مسكين) من ذلك الطعام (مد) بمده صلى الله عليه وسلم، ولا يجزئ أكثر من مد ولا أقل ومحل اعتبار القيمة والإخراج بمحل التلف (إن وجد) المتلف (به) أي في محل التلف (مسكيناً، و) وجد (له) أي للصيد (قيمة) فيه، (وإلا) بأن لم يوجد به مساكين يعطي إليهم، أو لم يكن للصيد فيه قيمة، (فأقرب مكان) له يعتبر ما ذكر فيه، وإن كان بعيداً في نفسه (ولا يجزئ) تقويم أو إطعام (بغيره) أي بغير محل التلف إن أمكن، أو أقرب مكان إليه إن لم يمكن فيه.

وأشار للنوع الثالث بقوله: (أو عدل ذلك) الطعام (صياماً) لكل مد صوم يوم (في أي مكان) شاء مكة أو غيرها، (و) في أي (زمان) شاء ولا يتقيد بكونه في الحج أو بعد رجوعه.

(و) لو وجب عليه بعض مد (كمل لكسره) وجوباً في الصوم؛ إذ لا يتصور صوم بعض يوم.

وندباً في الإطعام؛ (ففي) تلف (النعامة بدنة) للمقاربة في القدر والصورة في الجملة.

(و) في (الفيل) بدنة خراسانية (بسنامين [1]، وفي حمار الوحش وبقرة بقرة، وفي الضبع والثعلب شاة كحمام مكة والحرم ويمامه) أي الحرم فيه شاة (بلا حكم)، بل المدار على أنها تجزئ ضحية لخروجهما عن الاجتهاد؛ لما بين الأصل والجزاء من البعد في التفاوت، وشددوا فيهما لإلفهما للناس كثيراً، فربما تسارع الناس لقتلهما.

(و) الحمام واليمام (في الحل وجميع الطير) غيرهما كالعصافير والكركي والإوز العراقي والهدهد ولو بالحرم (قيمته طعاماً) كل شيء بحسبه (كضب وأرنب ويربوع) فيها قيمتها طعاماً إذ ليس لها مثل من النعم، (أو عدلها) أي عدل قيمتها من الطعام (صياماً) لكل مد صوم يوم، وكمل المنكسر وهو بالخيار في ذلك بين إخراج القيمة طعاماً والصوم، إلا حمام ويمام الحرم يتعين فيهما الشاة، فإن لم يجدها فصيام عشرة أيام.

(والصغير والمريض والأنثى) من الصيد (كغيرها) من الكبير

والصحيح والذكر في الجزاء على ما تقدم. فإذا اختار المثل

ــ

بغيره فلا بد من دفع ذلك الطعام لفقراء ذلك المحل.

قوله: [لا يوم تقويم الحكمين]: أي أنه قد لا يتأخر، وتختلف القيمة، وقوله: ولا يوم التعدي أي لأنه قد يتقدم على يوم التلف.

قوله: [ولا يقوم بدراهم ويشتري بها طعاماً]: فلو فعل ذلك أجزأ، وأما لو قومه بدراهم أو عرض وأخرج ذلك فإنه لا يجزئ، ويرجع به إن كان باقياً وبين أنه جزاء.

قوله: [ولا يجزئ أكثر من مد ولا أقل]: فلو أعطى أكثر من مد فله نزع الزائد إن بين، ووجده باقياً، وفي الناقص يكمله، فلو وجب عليه عشرة أمداد فرقها على عشرين كمل لعشرة ونزع من عشرة بالقرعة إن كان باقياً وبين.

قوله: [يعتبر ما ذكر فيه]: أي فتعتبر قيمته في المحل الذي بقربه.

قوله: [ولا يجزئ تقويم] إلخ: أي اعتبار القيمة ولا الإطعام بغيره هذا هو المراد، وهذا لا ينافي جواز التقويم بغيره مع اعتبار القيمة فيه.

قوله: [كمل لكسره] إلخ: فإذا قيل ما قيمة هذا الظبي: فقيل خمسة أمداد ونصف فإن أراد الصوم ألزمه الحكمان ستة أيام، وإن أراد الإطعام ألزماه خمسة أمداد ونصفاً وندب له إكمال المد السادس.

قوله: [ففي تلف النعامة بدنة]: أي حيث أراد إخراج المثل المخير فيه، وفي الإطعام والصيام، فالمجزي في النعامة بدنة. وكذا يقال فيما بعده.

قوله: [والنعامة]: بفتح النون تذكر وتؤنث، والنعام اسم جنس مثل حمام والفاء في قوله:" ففي النعامة " للسببية مسبب على قوله: "مثله من النعم". والحاصل: أن الصيد إن كان له مثل سواء كان مقرراً عن الصحابة أم لا فإنه يخير فيه بين المثل والإطعام والصيام. وما لا مثل له لصغره فقيمته طعاماً أو عدله صياماً على التخيير. هذا حاصل ما قرر به البدر القرافي، والشيخ سالم: وتبعهما شارحنا. وقال الأجهوري: الذي يفيده النقل أنه يتعين فيما له مثل من الأنعام مثله، فإن لم يوجد فعدله طعاماً، فإن لم يوجد صام لكل مد يوماً. قال (ر): وما قاله الأجهوري خطأ فاحش خرج به عن أقوال المالكية كلها، والصواب ما قاله شيخه البدر.

قوله: [وفي الفيل بدنة] إلخ: ابن الحاجب ولا نص في الفيل، وقال ابن ميسر: بدنة خراسانية ذات سنامين، وقال القرويون: القيمة طعاماً، وقيل وزنه طعاماً لغلو عظمه. وكيفية وزنه أن يجعل في سفينة وينظر إلى حيث تنزل في الماء ثم يخرج منها ويملأ بالطعام حتى تنزل في الماء ذلك القدر.

قوله: [وفي الضبع والثعلب شاة]: يتعين حمل كلام المصنف على ما إذا قتلهما من غير خوف منهما، أما إذا لم ينج منهما إلا بقتلهما فلا جزاء عليه أصلاً كما صرح به القاضي في التلقين. ونقل في التوضيح عن الباجي أنه المشهور من المذهب فيمن عدت عليه سباع الطير أو غيرها فقتلها انتهى (بن).

قوله: [كحمام مكة والحرم] إلخ: فإن لم يجد الشاة صام عشرة أيام من غير حكم أيضاً كما يأتي.

واعلم أن حمام الحرم القاطن به، إذا خرج للحل وصاده حلال من الحل فلا شيء عليه ويجوز اصطياده، وإن كان له أفراخ في الحرم ابن ناجي: إن كان له أفراخ فالصواب تحريم صيده لتعذيبه فراخه حتى يموتوا قاله (ح).

قوله: [قيمته طعاماً كل شيء بحسبه] إلخ: الحاصل أن الصيد إما طير أو غيره، والطير إما حمام

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (بذات سنامين)، ولعلها الصواب.

ص: 299

فلا بد من مثل يجزئ ضحية، ولا يكفي في المعيب معيب. والصغير صغير، وإن كانت القيمة قد تختلف بالقلة والكثرة ولذا احتيج لحكم العدول العارفين، وإن ورد شيء من الشارع في ذلك الصيد.

(وله) أي للمحكوم عليه بشيء (الانتقال) إلى غيره (بعد الحكم، ولو التزمه) فله أن ينتقل بعد الحكم عليه بالمثل إلى اختيار الإطعام أو الصيام وعكسه، وقيل: إن التزم شيئاً ليس له الانتقال عنه.

(ونقض) الحكم وجوباً (إن ظهر الخطأ) فيه ظهوراً بيناً.

(وندب كونهما): أي العدلين (بمجلس) واحد لمزيد التثبت والضبط،

(وفي الجنين): كما إذا فعل شيئاً بصيد حامل فألقى جنيناً، (و) في (البيض) إذا كسره أو شواه المحرم أي في كل فرد من أفراده (عشر دية الأم)، فإذا كان جزاء الأم عشرة أمداد ففي جنينها أو بيضتها مد، (ولو تحرك) الجنين بعد سقوطه ولم يستهل.

(و) فيه (ديتها) أي دية أمه كاملاً (إذا استهل) صارخاً، فإن ماتت الأم أيضاً فديتان.

ولما كانت دماء الحج أو العمرة ثلاثة: الفدية، وجزاء الصيد، والهدي وقدم الكلام على الأولين أشار للثالث بقوله:

(وغير الفدية و) غير (جزاء الصيد: هدي) مرتب (وهو) أي الهدي (ما وجب لتمتع) قال تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196].

ــ

الحرم ويمامه وإما غيرهما. فإن كان الصيد حمام الحرم ويمامه تعين فيه شاة تجزئ، ضحية فإن عجز عنها صام عشرة أيام وإن كان الطير غير ما ذكر، خير بين القيمة طعاماً وعدله صياماً، وإن كان الصيد غير طير فإما أن يكون له مثل يجزي ضحية أو لا، فإن كان الأول خير بين المثل والإطعام والصيام كان فيه شيء مقرر أم لا، وإن كان ليس له مثل يجزي ضحية خير بين الإطعام والصوم فقط. هذا حاصل المعول عليه من المذهب.

قوله: [فلا بد من مثل يجزئ ضحية]: فالنعامة الصغيرة أو المعيبة أو المريضة إذا قتلها المحرم واختار مثلها من الأنعام يحكم عليه ببدنة كبيرة سليمة صحيحة، وكذا يقال في غيرها. فإن اختار قيمتها طعاماً فإنها تقوم على الوجه المتقدم أيضاً، ويقطع النظر عما فيها من وصف الصغر والعيب والمرض، بخلاف لو قومت لربها فتقوم على الحالة التي هي عليه.

قوله: [ولذا احتيج لحكم العدول العارفين] إلخ: الحاصل أن الصيد إن كان لم يرد فيه شيء عن النبي ولا عن السلف كالدب والقرد والخنزير، فإن الحكمين يجتهدان في الواجب فيه، وإن كان فيه شيء مقرر عن الشارع كالنعامة والفيل. فإنه ورد في الأولى بدنة ذات سنام، وفي الثاني بدنة ذات سنامين، فالاجتهاد في أحوال ذلك المقرر من سمن وسن وهزال بأن يريا أن هذه النعامة المقتولة بدنة سمينة أو هزيلة مثلاً لكون النعامة كذلك.

قوله: [الانتقال إلى غيره]: أي فله أن يختار غير ما حكما عليه ولا بد أنهما لا يحكمان عليه إلا بعد أن يخيراه بين الأمور الثلاثة، فإن اختار واحداً منهما وحكما عليه به فله أن يختار غيره ويحكمان به عليه، كما إذا انتقل من المثل للإطعام أو الصوم. وأما لو انتقل من الإطعام للصوم فلا يحتاج لحكم؛ لأن صومه عوض عن الإطعام لا عوض عن الصيد أو مثله.

قوله: [ولو التزمه]: أي على المعتمد من القولين ومحلهما إذا علم ما حكما به فالتزمه، لا إن التزمه من غير معرفة به فلا يلزمه قولاً واحداً والالتزام يكون باللفظ بأن يقول التزمت ذلك لا بالجزم القلبي وحده.

قوله: [ظهوراً بيناً]: أي وأما لو كان الخطأ غير بين فإنه لا ينقض؛ كما لو حكما في الضبع بعنز ابن أربعة أشهر فلا ينقض حكمهما، لأن بعض الأئمة يرى ذلك، وحكم الحاكم لا ينقض إذا وقع بمختلف فيه. لكن المعتمد أنه متى تبين الخطأ في الحكم فإنه ينقض، سواء كان واضحاً أو غير واضح خلافاً للشارح إذ لا بد في جزاء الصيد من كونه يجزئ ضحية كما يؤخذ من (ر) كذا في الحاشية.

تنبيه: إن اختلف الحكمان في قدر ما حكما به عليه أو نوعه ابتدئ الحكم منهما أو من غيرهما أو من أحدهما مع غير صاحبه.

قوله: [لمزيد التثبت والضبط]: أي لأن كلاً يطلع على حكم صاحبه ورأيه.

قوله: [إذا كسره أو شواه المحرم]: ومثله من في الحرم وهذا في غير البيض المذر لأنه لا يتولد منه فرخ، ولا يضر نقطة دم، والظاهر الرجوع فيما إذا اختلط بياضه وصفاره لأهل المعرفة، فإن قالوا يتولد منه فرخ كان فيه عشر الدية وإلا فلا.

قوله: [ففي جنينها أو بيضتها مد]: أي لأن المراد بديتها قيمتها طعاماً أو عدله صياماً فيما في جزائه طعام. والحاصل: أنه يخير في الجنين والبيض بين عشر قيمة أمه من الطعام، وبين عدل ذلك من الصيام، إلا بيض حمام مكة والحرم وجنينهما ففيه عشر قيمة الشاة طعاما، فإن تعذر صام يوماً كذا في (ح) نقله (بن). ومحل لزومه للجنين إذا لم يستهل ما لم تمت أمه معه وإلا فيندرج في دية أمه.

قوله: [إذا استهل]: الاستهلال هنا كناية عن تحقق الحياة.

قوله: [هدي مرتب]: خبر عن قوله (وغير الفدية). ومرتب صفته.

ص: 300

(أو لقران) بالقياس على التمتع (أو) وجب (لترك واجب) في الحج أو العمرة، كترك التلبية، أو طواف القدوم، أو الوقوف بعرفة نهاراً، أو النزول بالمزدلفة، أو رمي جمرة العقبة أو غيرها أو المبيت بمنى أيام النحر، أو الحلق (أو) ما وجب (لجماع) مفسد أو غير مفسد على ما تقدم، (أو) وجب (لنحوه) كمذي وقبلة بفم، أو وجب لنذر عينه للمساكين، أو أطلق أو ما كان تطوعاً.

و(ندب) فيه ما كان كثير اللحم (إبل فبقر فضأن) فمعز، ويقدم الذكر من كل على الأنثى والأسمن على غيره.

(و) ندب (وقوفه به المشاعر) أي عرفة والمشعر الحرام ومنى.

(ووجب) الهدي أي نحره (بمنى) بشروط ثلاثة أشار لها بقوله: (إن سيق) الهدي (بحج) أي في إحرامه به وإن كان موجبه نقصاً بعمرة أو حج غير الذي هو فيه، أو كان تطوعاً. (ووقف به) هو (أو نائبه بعرفة كهو): أي كوقوفه هو به في كونه جزءاً من الليل، ولو صرح بذلك لكان أحسن بأن يقول: ووقف به أو نائبه بعرفة جزءاً إلخ، واحترز بقوله:"أو نائبه" من وقوف التجار به جزءاً من الليل للبيع، فلا يكفي إذا اشتراه منهم صبيحة عرفة، نعم إذا اشتراه منهم بها وأمرهم بالوقوف به ليلاً بها كفى، لأنهم نائبون حينئذ عنه (بأيام النحر) وهذا إشارة للشرط الثالث، أي وكان النحر في أيامه (وإلا) بأن انتفت هذه الشروط أو بعضها بأن لم يقف به بعرفة أو لم يسق في حج، بأن سيق في عمرة أو خرجت أيام النحر (فمكة) هي محله لا يجزئ في غيرها، فعلم أن محله إما منى بالشروط الثلاثة وإما مكة لا غير عند فقدها، وظاهر كلام الشيخ ندب النحر بمنى عند وجود الشروط الثلاثة وهو ضعيف، والمعتمد الوجوب كما ذكرنا.

ثم ذكر شروط صحة الهدي بقوله:

(وصحته [1]): أي وشرط صحته: (بالجمع) فيه (بين حل وحرم) فلا يجزئ ما اشتراه بمنى أيام النحر وذبحه بها، كما يقع لكثير من العوام، بخلاف ما اشتراه من عرفة لأنها من الحل، فإن اشتراه في الحرم فلا بد أن يخرج به للحل عرفة أو غيرها سواء خرج به هو أو نائبه محرماً أم لا، كان الهدي واجباً أو تطوعاً (ونحوه [2] نهاراً) بعد طلوع الفجر، (ولو قبل) نحر (الإمام و) قبل طلوع (الشمس) فلا يجزئ ما نحر ليلاً.

(و) المسوق (في العمرة) كان لنقص فيها أو في حج أو تطوعاً (بعد) تمام (سعيها) فلا يجزئ قبله، وظاهر أن محله مكة لعدم الوقوف به بعرفة، (ثم حلق) أو قصر وحل من عمرته، فإن قدم الحلق على النحر فلا ضرر.

(وندب) النحر (بالمروة). ومكة كلها محل للنحر.

(وسنه وعيبه كالأضحية) الآتي بيانها فلا يجزئ من الغنم ما لا يوفي سنة، ولا معيب كأعور. (والمعتبر) في السن والعيب (وقت تعيينه) للهدي بالتقليد فيما يقلد، أو التمييز عن غيره بكونه هدياً في غيره كالغنم، فلا يجزئ مقلد معيب أو لم يبلغ السن،

ولو صح أو بلغ السن قبل نحره،

ــ

قوله: [بالقياس على التمتع]: أي وكذلك ما بعده من ترك واجب أو جماع أو نحوه، لأن النص لم يرد إلا في التمتع.

قوله: [أو أطلق ما كان تطوعاً] أي فكله مرتب لا ينتقل للصوم إلا عند العجز عن الأنعام.

قوله: [إبل فبقر] أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر هداياه الإبل نحر في حجة الوداع مائة باشر منها ثلاثاً وستين، ونحر عليّ سبعاً وثلاثين، ويؤخذ من هذا الحديث أن مباشرة النحر بيده أفضل، إلا للضرورة، فيستنيب المسلم لأن الكافر لا مدخل له في القرب عكس الضحايا، فإن الأفضل فيها الضأن لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين.

قوله: [وندب وقوفه به المشاعر]: هذا فيما ينحر أو يذبح بمنى، وأما ما ينحر أو يذبح بمكة فالشرط فيه أن يجمع بين الحل والحرم، ويكفي وقوفه به في أي موضع من الحل، وفي أي وقت كما يأتي.

قوله: [كهو] الأولى إسقاطه كما هو ظاهر.

قوله: [فمكة] أي لا ما يليها من منازل الناس.

قوله: [والمعتمد الوجوب] وهو ما صرح به عياض في الإكمال لكن غير شرط؛ لأنه إن نحره بمكة مع استيفاء الشروط صح مع مخالفة الواجب وهو مذهب المدونة، والأفضل فيما ذبح بمنى أن يكون عند الجمرة الأولى. ولو ذبح في أي موقع منها كفى وخالف الأفضل.

قوله: [فلا يجزئ ما اشتراه بمنى]: أي بخلاف الفدية فتجزئ ما لم تجعل هدياً فلا بد فيها من شرطه كما يأتي.

قوله: [عرفة أو غيرها] لكن إن كان غير عرفة فلا يذبح إلا بمكة.

قوله: [فلا يجزئ ما نحر ليلاً] أي بخلاف الفدية إن لم تجعل هدياً.

قوله: [فلا يجزئ قبله] أي لأنهم نزلوا سعيها منزلة الوقوف في هدي الحج في أن لا ينحر إلا بعده.

قوله: [فلا ضرر]: أي لأن تقديم النحر على الحلق مندوب كما تقدم.

قوله: [وندب النحر بالمروة] إلخ أي لقوله عليه الصلاة والسلام فيها: «هذا المنحر وكل فجاج مكة» أي طرقها "منحر"، فإن نحر خارجاً عن بيوتها إلا أنه من لواحقها فالمشهور عدم الإجزاء كما هو قول ابن القاسم.

قوله: [فلا يجزئ مقلد معيب] مفرع على قوله: و" المعتبر" إلخ.

قوله: [ولو صح أو بلغ السن قبل نحره] أي ما لم يكن هدي تطوع أو منذوراً معينا فيجزئ إن صح أو بلغ السن قبل ذبحه،

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (صحته).

[2]

في ط المعارف: (ونحره)، ولعلها الصواب.

ص: 301

بخلاف العكس بأن قلده أو عينه سليماً ثم تعيب قبل ذبحه فيجزئ، لا فرق بين تطوع وواجب.

(وسن تقليد إبل وبقر) أي جعل قلادة أي حبل من نبات الأرض بعنقها للإشارة إلى أنها هدي.

(و) سن (إشعار) أي شق (إبل بسنامها) أي فيه بسكين (من) الشق (الأيسر) ندباً، وقيل من الأيمن، وقيل هما سواء من جهة الرقبة للمؤخر قدر أنملتين حتى يسيل الدم، ليعلم أنها هدي.

و(ندب تسمية) عند إشعارها بأن يقول بسم الله.

(و) ندب (نعلان): أي تعليقهما (بنبات الأرض) أي بحبل من نبات الأرض كحلفاء، لا من صوف أو وبر خشية تعلقه بشيء من شجر أو غيره فيؤذيه.

(و) ندب (تجليلها) أي الإبل أي وضع جلال عليها بكسر الجيم جمع جل بضمها.

(و) ندب (شقها) أي الجلال ليدخل السنام فيها فيظهر الإشعار، وتمسك بالسنام فلا تسقط بالأرض.

(فإن لم يجد) من لزمه الهدي لتمتع أو غيره هدياً (فصيام ثلاثة أيام) في الحج، وذلك (من حين إحرامه) به إلى يوم النحر (و) لو فاته صومها قبل أيام منى (صام أيام منى) الثلاثة بعد يوم النحر، إذ لا يصح صومه، فإن صام بعضها قبل يوم النحر كملها بعده أيام منى.

(و) هذا (إن تقدم الموجب) للهدي (على الوقوف) بعرفة كتمتع وقران وتعدي ميقات وترك تلبية ومذي وقبلة بفم، (وإلا) يتقدم الموجب، بأن تأخر عن الوقوف كترك نزول بمزدلفة أو رمي أو حلق أو جماع بعد رمي العقبة وقبل الإفاضة يوم النحر أو قبلهما بعده (صامها متى شاء كهدي العمرة)، إذا لم يجده صام الثلاثة مع السبعة متى شاء لعدم وقوف فيها.

(و) صيام (سبعة إذا رجع من منى) فقوله تعالى: {وسبعة إذا رجعتم} [البقرة: 196] أي من منى بعد أيامها، سواء مكة وغيرها، وقيل معناه: إذا رجعتم إلى أهلكم، فأهل مكة يصومونها فيها وغيرهم ببلادهم، ويندب تأخيرها للآفاقي حتى يرجع لأهله للخروج من الخلاف.

ــ

قال في الأصل: ثم يجب إنفاذ ما قلد معيباً لوجوبه بالتقليد وإن لم يجزئه.

قوله: [بخلاف العكس]: أي فمحل إجزائه إذا كان تعيبه من غير تعديه ولا تفريطه، فإن كان بتعديه أو تفريطه ضمن كما في (ح) عن الطراز. ومحله أيضاً إذا لم يمنع التعييب بلوغ المحل، فلو منعه كعطب أو سرقة لم يجزئه الهدي الواجب، والنذر المضمون كما يأتي كذا في (بن) نقله محشي الأصل.

تنبيه: أرش الهدي المرجوع به على بائعه بعيب قديم يمنع الإجزاء أم لا؟ المطلع عليه بعد التقليد والإشعار المفيتين لرده وثمنه المرجوع به لاستحقاقه يجعل كل منهما في هدي إن بلغ ذلك ثمن هدي، وإلا تصدق به وجوباً إن كان هدي تطوع أو منذوراً بعينه؛ إذ لا يلزمه بدلهما لعدم شغل ذمته به، وأما الهدي الواجب الأصلي أو المنذور غير المعين فلا يتصدق بالأرش والثمن إن لم يبلغ ثمن هدي، بل يستعين به في هدي آخر إن كان العيب يمنع الإجزاء لوجوب البدل عليه لاشتغال ذمته به، فإن لم يمنع من الإجزاء تصدق به إن لم يبلغ هدياً كالتطوع والنذر المعين كذا في الأصل.

قوله: [أي شق إبل بسنامها] هذا ظاهر إن كان لها سنام، فإن كانت لا سنام لها فظاهره أنها لا تشعر وهو رواية محمد، والذي في المدونة: أن الإبل يسن إشعارها مطلقاً ولو لم يكن لها سنام، فإن كان لها سنامان سن إشعارها في واحد فقط. وأما البقر فتقلد ولا تشعر، إلا أن تكون لها أسنمة فتشعر كما هو قول المدونة، وعزا ابن عرفة لها أن البقر لا تشعر مطلقاً، وتعقبه الرماصي. وعلى القول بإشعارها حيث كان لها سنام؛ هل تجلل أم لا؟ قولان.

قوله: [وقيل من الأيمن] في ابن عرفة وفي أولويته أي الإشعار في الشق الأيمن أو الأيسر، ثالثها أن السنة في الأيسر، رابعها هما سواء انتهى.

تنبيه: يندب تقديم التقليد على الإشعار خوفاً من نفارها لو أشعرت أو لا، وفعلهما بمكان واحد أولى. وفائدة التقليد والإشعار إعلام المساكين أن هذا هدي فيجتمعون له، وقيل لئلا يضيع فيعلم أنه هدي فيرد.

قوله: [أي الإبل]: أي وأما البقر والغنم فلا يوضع عليها الجلال اتفاقاً في الغنم، وفي البقر إن لم يكن لها سنام.

قوله: [فصيام ثلاثة أيام]: ويندب فيه التتابع كما يندب في السبعة الباقية أيضاً.

قوله: [وذلك من حين إحرامه به]: أي وأول وقتها من حين إحرامه بالحج فلا يجزئ قبل إحرامه.

قوله: [ولو فاته صومها] أي ويكره له تأخيرها لأيام منى فتقديمها عليها مستحب لا واجب كما هو ظاهر المدونة، وبه صرح ابن عرفة، فما وقع لـ (عب) تبعا للأجهوري والشيخ أحمد من أن صيامها قبل يوم النحر واجب ويحرم تأخيرها بلا عذر ضعيف كذا في (بن) نقله محشي الأصل.

قوله: [وهذا إن تقدم الموجب] أي فتقدم الموجب شرط في أمرين: أحدهما كون صوم الثلاثة من إحرامه إلى يوم النحر، والثاني كونه إذا فات صام أيام منى.

قوله: [صامها متى شاء] أي بعد أيام منى الثلاثة، فلو صامها أيام منى لم يجزئه كذا في الحاشية.

قوله: [وصيام سبعة] أشار الشارح إلى أن سبعة بالجر عطف على ثلاثة وهذا هو الصواب، أي على العاجز عن الهدي صيام ثلاثة أيام في الحج على الوجه المتقدم، وسبعة إذا رجع من منى وإن لم يصلها بالرجوع.

قوله: [للخروج من الخلاف]: أي الواقع

ص: 302

(ولا تجزئ) السبعة (إن قدمها عليه) أي على الوقوف بعرفة (كصوم) أي كما لا يجزئ صوم عن الهدي إذا (أيسر قبله) أي قبل الشروع فيه، (ولو) كان إيساره (بسلف) وجد من يسلفه إياه (لمال) له (ببلده)، فإن لم يجد مسلفاً أو وجد ولا مال له ببلده صام (وندب الرجوع للهدي) إن أيسر (قبل كمال) صوم اليوم (الثالث)، وإن وجب إتمامه إن شرع فيه، وكلامه صادق بما إذا أيسر قبل الشروع في الثالث أو الثاني أو بعده، وكذا لو أيسر قبل إكمال الأول كما هو صريح المدونة.

ثم شرع في بيان ما يمنع الأكل منه وما يجوز من دماء الحج أو العمرة الثلاثة: الهدي، والفدية، وجزاء الصيد.

فقال: (ولا يؤكل): أي يحرم على رب الهدي أن يأكل (من نذر مساكين عين) لهم، فلا تجوز له مشاركتهم فيه، (ولو لم يبلغ المحل) منى بشروطه أو مكة بأن عطب قبل المحل فنحره (كهدي تطوع نواه لهم) أي للمساكين لم يجز له أكله منه بلغ محله أم لا، (وفدية) لترفه أو إزالة أذى لم ينو بها الهدي لم يأكل منها مطلقاً أي ذبحت بمكة، أو غيرها (كنذر لم يعين): بأن كان مضموناً وسماه للمساكين، كـ "لله علي نذر بدنة للمساكين"، أو نواه لهم.

(وجزاء صيد وفدية نوى بها الهدي): فإذا اختار النسك ونوى به الهدي تعين عليه أن يذبحه بمنى بشروطه، أو مكة، وقولنا فيما تقدم: لا "تتقيد بمكان أو زمان" أي إذا لم ينو بها الهدي. فهذه الثلاثة التي بعد الكاف الثانية لا يأكل منها (بعد) بلوغ (المحل) منى أو مكة، ويأكل منها قبله لأن عليه بدلها لكونها لم تجزه قبل محلها.

(وهدي تطوع) لم يجعله للمساكين لم يأكل منه إذا (عطب قبله) فقط، أي قبل المحل بأن عطب فنحره لأنه يتهم على أنه تسبب في عطبه ليأكل منه، وليس عليه بدله ومثله نذر معين لم يجعله للمساكين بلفظ ولا نية. فهذه ثلاثة أقسام:

الأول: لا يأكل منه مطلقاً.

الثاني: لا يأكل منه بعد المحل.

ــ

في تفسير قوله تعالى: {وسبعة إذا رجعتم} [البقرة: 196] فإذا أخرها لبلده أتى بمجمع عليه.

قوله: [ولا تجزئ السبعة إن قدمها عليه] أي ولا يجزئ أيضاً تقديمها على رجوعه من منى. واختلف هل يجتزئ منها بثلاثة أيام أو لا؟ وهو المعتمد، قال مالك: لو نسي الثلاثة حتى صام السبعة، فإن وجد هدياً فأحب إلي أن يهدي وإلا صام. اهـ. فهم التونسي من كلام مالك أنه لا يجزئ منها شيء، وهو المعتمد كما علمت. وقال ابن يونس: يكتفى منها بثلاثة، وأما لو صام العشرة قبل رجوعه فإنه يجتزئ منها بثلاثة كما يفهم من كلام التوضيح. والفرق بينها وبين السبعة أن الثلاثة جزء العشرة فتندرج فيها، وقسيمة السبعة فلا تندرج فيها كذا في الحاشية.

قوله: [لمال له ببلده]: اللام بمعنى مع متعلق بوجد، أي وإن وجد مسلفاً مع مال، وقوله ببلده إما صفة لمال أي مال كائن ببلده، أو متعلق بمحذوف أي ويصبر ليأخذه ببلده.

قوله: [قبل كمال صوم اليوم الثالث] أي وأما بعد كمال الثالث فلا يطالب بالرجوع، لأنها قسيمة السبعة في العشرة فكانت كالنصف، وقولنا:"لا يطالب بالرجوع" لا ينافي أنه لو رجع لصح. ولذا قال ابن رشد: لو وجد الهدي بعد صوم الثلاثة لم يجب عليه إلا أن يشاء. اهـ. واعلم أن اتصال الثلاثة بعضها ببعض، واتصال السبعة بعضها ببعض، واتصال السبعة بالثلاثة مستحب كذا في الحاشية.

قوله: [الهدي]: أي الصادق بما سيق بعد الإحرام تطوعاً أو نذراً.

قوله: [من نذر مساكين] أي من هدي منذور للمساكين بعينه، سواء عين المساكين أيضاً أم لا، وسواء كان التعيين باللفظ والنية أو النية فقط.

قوله: [بشروطه]: أي الثلاثة التي تقدمت في قوله: إن سيق بحج ووقف به هو أو نائبه بعرفة، كهو بأيام النحر.

وقوله: [أو مكة]: أي عند فقد بعض الشروط.

قوله: [بأن عطب قبل المحل فنحره] أما عدم الأكل منه إذا لم يبلغ المحل فلكونه غير مضمون فيتهم على إتلافه، وأما بعد المحل فلأنه قد عينه للمساكين فلا يجوز مشاركتهم فيه، ومن أجل كونه غير مضمون إذا ضل أو سرق قبل المحل لا يلزم ربه بدله [1].

قوله: [كهدي أو تطوع نواه لهم] أي سواء لفظ مع النية أو لا عينت المساكين أو لا.

قوله: [وفدية الترفه [2]] إلخ: أي فهذه الثلاث يحرم الأكل منها مطلقاً كما علمت. أما حرمة الأكل من نذر المساكين فقد علمت وجهه، وأما حرمة الأكل من هدي التطوع الذي جعل للمساكين باللفظ أو النية فلإلحاقه بنذر المساكين وأما الفدية التي لم تجعل هدياً فحرمة الأكل منها مطلقاً؛ لأنها عوض عن الترفه، فالجمع بين الأكل منها والترفه جمع بين العوض والمعوض. واحترز بقوله:" إذا لم ينو بها الهدي " عما إذا نوى بها الهدي فلا يأكل منها بعد المحل، ويأكل منها إذا عطبت قبله كما سيأتي ذلك للمصنف.

قوله: [ذبحت بمكة أو غيرها]: أي لأنها لا تختص بمكان ولا زمان كما تقدم.

قوله: [لأن عليه بدلها]: أي يبعثه إلى المحل فلا تهمة في أكله منها ولا مظلمة للمساكين.

قوله: [الأول لا يأكل منه مطلقاً]: وتحته ثلاثة أقسام: النذر المعين للمساكين، وهدي التطوع للمساكين، وفدية لم تجعل هدياً.

قوله: [الثاني لا يأكل منه بعد المحل]: وتحته ثلاثة أقسام

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

من قوله: (فلا يجوز مشاركتهم فيه) إلى قوله: (سرق قبل المحل لا يلزم ربه بدله) مكرر في ط المعارف.

[2]

في ط المعارف: (لترفه).

ص: 303

الثالث: لا يأكل منه قبله ويأكل منه بعده وبقي رابع يأكل منه مطلقاً وإليه أشار بقوله:

(ويأكل مما سوى ذلك) المتقدم ذكره من الأقسام الثلاثة (مطلقاً) قبل المحل وبعده؛ وهو كل هدي وجب في حج أو عمرة، كهدي التمتع والقران وتعدي الميقات، وترك طواف القدوم أو الحلق، أو مبيت بمنى أو نزول بمزدلفة، أو وجب لمذي ونحوه، أو نذر مضمون لغير المساكين (وله) حينئذ (إطعام الغني) منه (والقريب) وأولى ضدهما (ورسوله كهو) أي أن رسول رب الهدي بالهدي كربه في جميع ما تقدم من الأكل وعدمه.

(والخطام والجلال كاللحم) في المنع والجواز فيجري فيهما ما جرى في اللحم من التفصيل، ولا يجوز له بيع ما جاز له تناوله كالضحية.

(فإن أكل ربه) شيئاً (من ممنوع) أكله منه، (أو أمر) بالأكل إنساناً (غير مستحق) كأن يأمر غنياً في نذر المساكين (ضمن) هدياً (بدله، إلا نذر مساكين عين) لهم كهذه البدنة، (فقدر أكله) فقط على الأرجح من الخلاف، ومقابله يضمن هدياً كاملاً كغيره.

(ولا يشترك في هدي ولو تطوعاً) أي لا يصح الاشتراك فيه (وأجزأ) الهدي عن ربه (إن ذبحه غيره) حال كون الهدي (مقلداً ولو نواه) الذابح (عن نفسه إن غلط) بآن اعتقد أنه هديه، لا إن لم يغلط، أو كان غير مقلد (أو سرق بعد نحره) فيجزئ لأنه بلغ محله (لا) إن سرق (قبله) أي الذبح فلا يجزئ، (كأن ضل) ولم يجده فلا يجزئ، ولا بد من بدله، (فإن وجده بعد نحر بدله نحره) أيضاً (إن قلد) لتعينه بالتقليد، (و) إن وجد (قبله) أي قبل نحر بدله (نحرا) معاً (إن قلدا) معاً لتعيين كل به (وإلا) يقلدا معاً، إن كان المقلد أحدهما أو لا تقليد أصلاً، (تعين) للنحر (ما قلد) منهما، فإن لم يكن تقليد تخير في نحر أيهما شاء [1].

(فصل):

في بيان من فاته الحج لعذر أو لم يتمكن من البيت فقط، أو منه ومن عرفة معاً

وكيف ما يصنع.

وبدأ بالأول فقال:

ــ

أيضاً نذر للمساكين لم يعين، وجزاء الصيد، وفدية جعلت هدياً.

قوله: [الثالث لا يأكل منه قبله] وتحته ثلاثة أقسام أيضاً هدي التطوع الذي لم يجعل للمساكين، عين أم لا، ونذر معين لم يجعل للمساكين فتدبر.

قوله: [الأقسام الثلاثة] أي التي احتوت تفصيلاً على تسعة أشياء، أي فله أن يأكل من غيرها ويتزود ويطعم الغني والفقير والكافر والمسلم، سواء بلغت المحل أو عطبت قبله كما يأتي.

قوله: [في جميع ما تقدم من الأكل وعدمه] أي فما جاز لربه يجوز لرسوله، وما منع منه ربه يمنع منه الرسول، هذا إذا كان الرسول غير فقير، أما لو كان فقيراً فإنه يجوز له الأكل مما لا يجوز لربه الأكل منه كما قال سند. وقال بعضهم: لا يجوز له الأكل ولو كان فقيرا مثل ربه، وقال [2] (ر): هذا هو النقل.

قوله: [فيجري فيهما ما جرى في اللحم] لكنه في الخطام والجلال يضمن القيمة فقط لا فرق بين ربه ورسوله فتدفع للمساكين.

قوله: [فإن أكل ربه شيئاً] إلخ: الحاصل أن رب الهدي الممنوع من الأكل منه، إن أكل لزمه هدي كامل إلا في نذر المساكين المعين إذا أكل منه فقولان في قدر اللازم له. وإن أمر أحدا بالأكل؛ فإن أمر غنياً لزمه هدي كامل إلا في نذر المساكين المعين فلا يلزمه إلا قدر أكله فقط، ويحتمل أن يجري فيه القولان الجاريان في أكله هو. وأما الرسول فإن أمر غير مستحق أو أكل وهو غير مستحق فإنه يضمن قدر ما أمر به، أو أكله فقط في جميع الممنوع منه، وإلا فلا ضمان. هذا هو الصواب انظر (بن) نقله محشي الأصل.

قوله: [أي لا يصح الاشتراك فيه] ولو كان الذي شركه قريباً له وسكن معه وأنفق عليه فليس كالضحية في هذا، ومثل الهدي الفدية والجزاء.

قوله: [لا إن لم يغلط]: أي بأن تعمد فلا يجزيه عن ربه ولا عن نفسه ولربه أخذ القيمة منه بخلاف الضحية إذا ذبحها الغير عن نفسه عمداً، فإنها تجزئ عن ربها حيث وكله ربها، فتحصل أن الغلط في الهدي يجزئ عن ربه حيث كان مقلداً أنابه أم لا، وأن الضحية تجزئ في الغلط والعمد إن أنابه وإلا فلا فيهما.

تتمة: يجب حمل الولد الحاصل بعد التقليد والإشعار إلى مكة، ويندب حمله على غير أمه، ثم إن لم يوجد غيرها حمل عليها إن قويت، فإن لم يمكن حمله تركه ليشتد، ثم يبعثه إلى محله فإن لم يمكن تركه عند أمين فكالتطوع يعطب قبله محله فينحره ويخلي بينه وبين الناس. ويحرم الشرب من لبن الهدي بعد التقليد إن لم يفضل من فصيلها، وإلا كره، فإن أضر بشربه الأم أو الولد ضمن موجب فعله. ويكره له ركوب الهدي بغير عذر. اهـ. من الأصل.

فصل: في بيان من فاته الحج لعذر [3]

هذا الفصل يتعلق بموانع الحج والعمرة بعد الإحرام، ويقال للممنوع محصور وهو ثلاثة أقسام كما هو سياق الشارح.

قوله: [وبدأ بالأول فقال إلخ]: حاصله أن من فاته الوقوف بعرفة بعد إحرامه بالحج بسبب من الأسباب التي ذكرها المصنف والشارح - والحال أنه متمكن من البيت - فإنه يؤمر

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

زاد بعدها في ط المعارف: (فصل فوات الحج والمناسك للعذر والإحصار).

[2]

ليست في ط المعارف.

[3]

قوله: (في بيان من فاته الحج لعذر) ليس في ط المعارف.

ص: 304

(من فاته الوقوف بعرفة) ليلة النحر بعد أن أحرم بحج مفرداً أو قارناً لعذر منعه منه كأن يفوته الوقوف (بمرض) أي بسببه (ونحوه) كعدو منعه أو حبس ولو بحق أو خطأ عدد، (فقد فاته الحج) لأن الحج عرفة.

(وسقط عنه عمل ما بقي) بعده (من المناسك) كالنزول بمزدلفة، والوقوف بالمشعر الحرام والرمي والمبيت بمنى.

(وندب) له (أن يتحلل) من إحرامه بذلك الحج (بعمرة) وفسر التحلل بالعمرة بقوله:

(بأن يطوف ويسعى ويحلق بنيتها): أي العمرة من غير تجديد إحرام غير الأول، بل ينوي التحلل من إحرامه الأول بما ذكر.

(ثم قضاه قابلاً، وأهدى) وجوباً للفوات، ولا يجزيه للفوات هديه السابق الذي ساقه في حجة الفوات (وخرج) المتحلل بعمرة (للحل) ليجمع في إحرامه المتحلل منه بالعمرة بين الحل والحرام، (إن أحرم أولاً) قبل الفوات لحجة (بحرم أو أردف) حجه على إحرامه بالعمرة (فيه) أي في الحرم.

(ولا يكفي) عن طواف العمرة وسعيها المطلوبين للتحلل (قدومه) أي طواف قدومه (وسعيه بعده) الواقعان أولاً قبل الفوات.

(وله): أي لمن فاته الوقوف بعرفة (البقاء على إحرامه) متجرداً مجتنباً للطيب والصيد والنساء، (لقابل حتى يتم حجه) ويهدي ولا قضاء عليه لأنه تم بوقوفه في القابل مع عمل ما بعد الوقوف من المناسك، ومحل جواز البقاء على الإحرام لعام قابل إذا لم يدخل مكة أو يقاربها (وكره) له البقاء (إن قارب مكة أو دخلها)، بل يتأكد في حقه التحلل بفعل عمرة لما في البقاء على الإحرام من مزيد المشقة، والخطر مع إمكان الخلوص منه.

(ولا تحلل) أي لا يجوز له أن يتحلل بعمرة (إن) استمر على إحرامه حتى (دخل وقته)، أي الحج في العام القابل بدخول شوال، بل الواجب عليه حينئذ إتمامه.

(فإن) خالف و (تحلل) بعمرة بعد دخول وقته (فثالثها) أي الأقوال (يمضي) تحلله.

(فإن حج) أي أحرم بحج بعد تحلله بالعمرة (فمتمتع) لأنه حج بعد عمرته في عام واحد، فعليه هدي للتمتع وأولها يمضي تحلله، وليس بمتمتع لأنه في الحقيقة انتقل من حج إلى حج إذ عمرته كلا عمرة، لأنه لم ينوها أولاً وثانيها لا يمضي وهو باق على إحرامه الأول، وما فعله من التحلل لغو لأن إبقاءه لدخول وقته كإنشائه فيه.

ــ

بالتحلل بفعل عمرة، ويكره له البقاء على الإحرام لقابل إن قارب مكة أو دخلها وأما إن لم يقارب مكة كان له البقاء على إحرامه لقابل حتى يتم حجه ولا كراهة. ومحل جواز التحلل ما لم يستمر على إحرامه حتى يدخل وقت الحج في العام القابل، وإلا فالواجب عليه إتمامه، فإن خالف وتحلل بالعمرة فالأقوال الثلاثة الآتية في المصنف.

قوله: [مفرداً]: مراده ما قابل القارن فيشمل المتمتع.

قوله: [لأن الحج عرفة]: إشارة لحديث هذا لفظه، ولا يقتضي أنه أعظم أركان الحج، بل أعظم أركانه الطواف كما تقدم، وإنما أسند الحج له لأنه يفوت بفوات وقته، والمزية لا تقتضي الأفضلية كما هو مقرر.

قوله: [وسقط عنه عمل ما بقي]: أي فلا يؤمر بها ولا دم عليه في تركها.

قوله: [وندب له أن يتحلل] إلخ: محل ندب تحلله بفعل عمرة ما لم يفته الوقوف وهو بمكان بعيد عن مكة جداً، وإلا فله التحلل بالنية كالمحصور عن البيت والوقوف معاً بعد. وسيأتي ذلك في الشارح.

قوله: [الذي ساقه في حجة الفوات] أي ساقه تطوعاً أو لنقص حصل منه فيها، وسواء بعثه إلى مكة أو أبقاه حتى أخذه معه؛ لأنه بالتقليد والإشعار وجب لغير الفوات فلا يجزئ عن الفوات، بل عليه هدي آخر. قوله:[إن أحرم أولاً إلخ] أي وأما لو أحرم بحجة أولاً من الحل فلا يحتاج للخروج ثانياً إلى الحل كما هو معلوم.

قوله: [ولا يكفي عن طواف العمرة إلخ]: قال الخرشي: لعل هذا مبني على القول بأن إحرامه لا ينقلب عمرة من أوله، بل من وقت نية فعل العمرة. وقد ذكر (ح) الخلاف في هذا فقال: قال في العتبية عن ابن القاسم: إن أتى عرفة بعد الفجر فليرجع إلى مكة ويطوف ويسعى ويحلق وينوي بها عمرة، وهل ينقلب عمرة من أصل الإحرام أو من وقت نية فعل العمرة؟ مختلف فيه. اهـ.

قوله: [أو دخلها] مفهوم بالأولى من قوله إن قارب فلا حاجة لذكره، ويجاب بأنه دفع توهم حرمة البقاء عند الدخول.

تنبيه: من فاته الوقوف وتمكن من البيت وقلتم يتحلل بفعل عمرة وكان معه هدي فلا يخلو: إما أن يخاف عليه العطب إذا أبقاه عنده حتى يصل إلى مكة أو لا؛ فإن لم يخف عليه حبسه معه حتى يأتي مكة، وهذا في المريض ومن في حكمه كالحبس بحق. وأما الممنوع ظلماً فمتى قدر على إرساله أرسله كأن يخاف عليه العطب أم لا، فإن لم يجد من يرسله معه ذبحه في أي محل.

قوله: [بل الواجب عليه حينئذ إتمامه] أي حيث تمكن من إتمامه، قارب مكة أم لا.

قوله: [فمتمتع] أي باعتبار العمرة التي وقع بها الإحلال.

قوله: [وأولها يمضي تحلله] أي بناء على أن الدوام ليس كالابتداء؛ لأن العمرة التي آل إليها الأمر في التحلل ليست كإنشاء عمرة ابتدائية مستقلة على الحج، وإلا كانت لاغية لما سبق من قوله:"ولغا عمرة عليه" فلذا قيل: إن تحلله بفعل العمرة يمضي.

قوله: [وثانياً لا يمضي] أي بناء على أن الدوام كالابتداء أي على أن العمرة التي آل إليها الأمر كإنشاء عمرة مستقلة. وقد تقدم

ص: 305

وذكر القسم الثاني -وهو صده عن البيت فقط - بقوله: (وإن وقف) بعرفة (وحصر عن البيت): بعدو أو مرض أو حبس ولو بحق (فقد أدرك الحج، ولا يحل إلا بالإفاضة ولو بعد سنين).

وذكر الثالث وهو ما إذا حصر عن البيت وعرفة معاً بقوله:

(وإن حصر عنهما بعدو) صده عنهما معاً، (أو حبس) لا بحق بل (ظلماً فله التحلل متى شاء) وهو الأفضل (بالنية، ولو دخل مكة) أو قاربها وليس عليه التحلل بفعل عمرة، وله البقاء على إحرامه حتى يتمكن من البيت فيحل بعمرة أو لقابل حتى يقف ويتم حجه.

ومثل من صد عنهما معاً بما ذكر من صد عن الوقوف فقط بمكان بعيد عن مكة أي فله التحلل بالنية كما صرحوا به.

(ونحر) عند تحلله بالنية (هديه) الذي كان معه، (وحلق) أو قصر بشرطين: أشار للأول بقوله: (إن لم يعلم بالمانع) حين إرادة إحرامه.

وللثاني بقوله: (وأيس) وقت حصوله (من زواله قبل فواته) أي علم أو ظن أنه لا يزول قبل الوقوف فيتحلل قبل الوقوف لكن المعتمد عند الأشياخ أنه لا يتحلل إلا بحيث لو سار إلى عرفة من مكانه لم يدرك الوقوف، أو زال المانع، فإن علم أو ظن أو شك أنه يزول قبله فلا يتحلل حتى يفوت، فإن فات فيفعل عمرة كما لو أحرم عالماً بالمانع أو حبس بحق أو منع لمرض أو خطأ عدد.

(ولا دم) على المحصور بما ذكر عند ابن القاسم، وقال أشهب: عليه دم لقوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196].

(وعليه) أي على المتحلل بفعل عمرة أو بالنية (حجة الفريضة) ولا تسقط عنه بالتحلل المذكور.

(كأن أحصر عن البيت) بما ذكر بالشرطين: أن لا يعلم بالمانع وأن لا يتمكن من البيت إلا بمشقة، (في العمرة) فإنه يتحلل بالنية متى شاء وحلق ونحر هديه إن كان ولا دم عليه وعليه سنة العمرة.

ــ

أن إنشاء العمرة على الحج لغو، وهذه الأقوال الثلاثة لابن القاسم في المدونة، ولم يختلف قوله فيها ثلاثاً إلا في هذه المسألة، وأما مالك فقد اختلف قوله فيها ثلاثاً في مواضع متعددة.

قوله: [وهو صده عن البيت فقط] ظاهر أنه لم يمنع من غيره، وفي الحقيقة لا مفهوم لقوله:" فقط "، بل المراد أنه أدرك الوقوف وحصر عن البيت، سواء حصر عما بعد الوقوف أيضاً أم لا، ولذلك قال خليل: وإن وقف وحصر عن البيت فحجه تم. ولا يحل إلا بالإفاضة. وعليه للرمي ومبيت منى ومزدلفة هدي.

قوله: [ولا يحل إلا بالإفاضة]: هذا إذا كان قدم السعي عند القدوم، ثم حصر بعد ذلك، وأما إذا لم يكن قدم السعي فلا يحل إلا بالإفاضة والسعي.

قوله: [أو حبس لا بحق] إلخ: اعتبار كون الحبس ظلماً بالنية لحال الشخص في نفسه، لأن الإحلال والإحرام من الأحكام التي بين العبد وربه كما استظهره ابن عبد السلام، وقبله في التوضيح، وظاهر الطراز يوافقه كذا في (بن) نقله محشي الأصل. وذكر في الحاشية: أن الريح إذا تعذر على أصحاب السفن لا يكون كحصار العدو، بل هو مثل المرض لأنهم يقتدرون على الخروج فيمشون. اهـ. وقد يقال كلامه في الحاشية ظاهر إن أمكن ذلك مع الأمن على النفس والمال، ومفهوم قوله:" ظلماً " أنه لو كان حبسه بحق لا يباح له التحلل بالنية، بل يدفع ما عليه ويتم نسكه، وأما من يحبس في تغريب الزنا فهو كالمريض لا يتحلل إلا بعمرة حيث فاته الحج.

قوله: [فله التحلل متى شاء] أي مما هو محرم به وقوله: " بالنية " هو المشهور خلافاً لمن قال: لا يتحلل إلا بنحر الهدي والحلق، بل الحلق سنة وليس الهدي بواجب خلافاً لأشهب، وما ذكره الشارح من أفضلية التحلل عن البقاء على إحرامه مطلقاً قارب مكة أو لا، دخلها أو لا، هو الصواب كما يأتي، وأما قول الخرشي: فله البقاء لقابل إن كان على بعد، ويكره له إن قارب مكة أو دخلها، فغير صواب، لأن ما قاله الخرشي إنما هو في الذي لا يتحلل إلا بفعل عمرة لتمكنه من البيت، وقد تقدم الكلام في ذلك.

قوله: [وليس عليه التحلل بفعل عمرة] أي لأن الفرض أنه ممنوع من البيت وعرفة معاً فلا يكلف بما لا قدرة له [1] عليه، غاية ما هناك يخير كما قال الشارح.

قوله: [إن لم يعلم بالمانع]: ومثله ما لو علم، وظن أنه لا يمنعه فمنعه فله أن يتحلل بالنية أيضاً كما وقع له صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فإنه أحرم بالعمرة وهو عالم بالعدو ظاناً أنه لا يمنعه، فلما منعه تحلل بالنية، فقول المصنف إن لم يعلم في مفهومه تفصيل.

قوله: [لكن المعتمد عند الأشياخ] أي والموضوع أنه وقت إحرامه كان يدرك الوقوف إن لم يكن مانع، وأما لو أحرم بوقت لا يدرك فيه الحج وجد مانع أم لا، فليس له التحلل لأنه داخل على البقاء على إحرامه.

قوله: [فإن فات فيفعل عمرة] أي بعد زوال المانع عن البيت.

قوله: [كما لو أحرم عالماً بالمانع] تشبيه في كونه لا يتحلل إلا بفعل عمرة.

قوله: لقوله تعالى {فإن أحصرتم} [البقرة: 196] إلخ: وأجيب بأن الهدي في الآية لم يكن لأجل الحصر، وإنما ساقه بعضهم تطوعاً فأمر بذبحه فلا دليل فيها على الوجوب.

قوله: [ولا تسقط عنه بالتحلل المذكور] أي ولو كان الحصر من عدو أو من حبس ظلماً بخلاف حجة التطوع، فيقضيها إذا كان لمرض أو خطأ عدد أو حبس بحق، وأما لو كان لعدو أو فتنة أو حبس ظلماً فلا يطالب بالقضاء.

قوله: [فإنه يتحلل بالنية متى شاء] أي كما وقع لرسول الله وأصحابه في الحديبية.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 306