الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(و) جاز دفع (آصع) متعددة (لواحد) من الفقراء.
(و) جاز (إخراجها قبل [العيد] [1] بيومين) لا أكثر.
(ولا تسقط) زكاة الفطر عن غني بها وقت الوجوب (يمضي [2] زمنها) بغروب شمس يوم العيد بل هي باقية في ذمته أبداً حتى يخرجها.
(وإنما تدفع لحر) فلا تجزئ لعبد (مسلم) فلا تجزئ لكافر.
(فقير) لا يملك قوت عامه.
(غير هاشمي) لشرفه وتنزهه عن أوساخ الناس.
(فإن لم يقدر) الحر المسلم (إلا على البعض): أي بعض الصاع، أو بعض ما وجب عليه إن وجب عليه أكثر (أخرجه) وجوباً. فإن وجب عليه آصع ولم يجد إلا البعض بدأ بنفسه ثم بزوجته، والأظهر تقديم الوالد على الولد.
(وأثم) من تجب عليه (إن أخر للغروب) لتفويته وقت الأداء وهو اليوم كله.
ولما أنهى الكلام على الزكاة انتقل يتكلم على الصوم وأحكامه فقال:
(باب [3]
يجب صوم رمضان على المكلف): أي البالغ، العاقل، ذكراً أو أنثى، حراً أو عبداً.
(القادر): على صومه لا على عاجز عن صومه حقيقة أو حكماً كمرضع لها قدرة عليه، ولكن خافت على الرضيع هلاكاً أو شدة ضرر.
(الحاضر) لا على مسافر سفر قصر.
(الخالي من حيض ونفاس) لا على حائض ونفساء. فشروط وجوبه خمسة: البلوغ، والعقل، والقدرة، والحضور، والخلو من الحيض، والنفاس. ويصح مما عدا المجنون والحائض والنفساء؛ فيكون العقل والخلو منهما شرطي صحة أيضاً كما سيأتي. وأما الإسلام فشرط صحة فقط.
ــ
كذا في الأصل.
قوله: [وجاز دفع أصوع متعددة] إلخ: قال أبو الحسن. ويجوز أن يدفعها الرجل عنه وعن عياله لمسكين واحد. هذا مذهب ابن القاسم. وقال أبو مصعب: لا يجزئ أن يعطي مسكيناً واحداً أكثر من صاع، ورأها كالكفارة، وروى مطرف: يستحب لمن ولي تفرقة فطرته أن يعطي لكل مسكين ما أخرج عن كل إنسان من أهله من غير إيجاب (اهـ. بن).
قوله: [وجاز إخراجها قبل] إلخ: فلو أخرجها في تلك الحالة وضاعت فقال اللخمي: لا تجزئ. واعترضه التونسي واختار الإجزاء.
قوله: [لا أكثر]: أي خلافاً للجلاب حيث جوز إخراجها قبل بثلاثة أيام. وعند الشافعي: يجزئ إخراجها من أول رمضان، وحيث أخرجها قبل باليوم واليومين فتجزئ باتفاق إن بقيت بيد الفقير إلى ليلة العيد، وعلى المعتمد: إن لم تبق، سواء تولى تفرقتها بنفسه أو وكل من يتولى تفرقتها.
قوله: [بل هي باقية في ذمته أبداً]: أي ولو مضى لها سنين.
وقوله: [حتى يخرجها]: أي عنه وعمن تلزمه زكاة فطره، وأما لو مضى زمنها وهو معسر فإنه يسقط ندب الإخراج بمضي يومها.
قوله: [فقير]: المراد فقير الزكاة الأعم منه ومن المسكين، وقيل إنما تدفع لعادم قوت يومه. والمعتمد الأول.
قوله: [أخرجه وجوباً]: أي لقوله في الحديث الشريف: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه بما استطعتم» .
قوله: [والأظهر تقديم الوالد على الولد]: في هذا الاستظهار نظر لأنها تابعة للنفقة، ولذلك قال الأصيلي في شرحه على خليل: فرع إذا تعدد من تلزمه نفقته ولم يجد إلا صاعاً أو بعضه؛ فهل يخرجه عن الجميع أو يقدم بعضاً على بعض؟ كما في النفقة فنفقة الزوجة مقدمة على الأبوين. واختلف في الابن والوالدين في تقديم نفقة الابن على الأبوين أو هما سواء، قولان. والظاهر أنها تابعة للنفقة قاله الحطاب.
تتمة: يندب للمسافر أن يخرج عن نفسه إذا كان عادة أهله يخرجون عنه وإلا وجب عليه الإخراج، وحيث اكتفى بإخراج أهله عنه أجزأه إن كان عادتهم ذلك أو أوصاهم، وتكون العادة والوصية بمنزلة النية، وإلا لم تجزه لفقدها. وكذا يجوز إخراجه عنهم والعبرة في القسمين بقوت المخرج عنه، فإن لم يعلم احتيط لإخراج الأعلى، فإذا لم يوجد عندهم القوت الأعلى تعين عليه أن يخرج عن نفسه، ويجوز أيضاً أن يخرج من قوته الأدون من قوت أهل البلد عن نفسه وعمن يعوله إذا اقتاته لفقر، لا لشح ولا هضم نفس أو لعادة؛ فلا يكفي. والله أعلم.
[باب يجب صوم رمضان عن المكلف [
4]]
الصوم لغة: الإمساك والكف عن الشيء ومنه قوله تعالى: {إني نذرت للرحمن صوما} [مريم: 26]: أي صمتاً وإمساكاً عن الكلام، وشرعاً: الإمساك عن شهوتي البطن والفرج وما يقوم مقامهما مخالفة للهوى في طاعة المولى في جميع أجزاء النهار بنية قبل الفجر أو معه إن أمكن فيما عدا زمن الحيض والنفاس وأيام الأعياد، قاله في الذخيرة. (اهـ. خرشي) وسمي رمضان: لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها ويذهبها، وهو من خصائص هذه الأمة، والتشبيه في الآية في أصل الصوم كما هو مقرر.
قوله: [كمرضع]: وأدخلت الكاف: الحامل.
قوله: [لا على مسافر]: أي سفراً مباحاً.
قوله: [لا على حائض ونفساء]: أي لا يصح ولا يجب كما يأتي، بل الصوم في حقهما حرام.
قوله: [البلوغ]: فالصبي لا يجب عليه بل يكره له، وليس كالصلاة يؤمر به عند سبع ويضرب عليه عند عشر.
قوله: [ويصح مما عدا المجنون] إلخ: والصحة لا تنافي الكراهة كما في صوم الصبي أو الحرمة كما في صوم المريض إن أضر به.
قوله: [وأما الإسلام فشرط صحة]:
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
مابين المعكوفين ليس في ط الحلبية، واستدركناه من «أقرب المسالك» وط المعارف.
[2]
في ط المعارف: (بمضي)، ولعلها الصواب.
[3]
زاد بعدها في ط المعارف: (في الصوم).
[4]
قوله: (يجب صوم رمضان عن المكلف) ليس في ط المعارف.
وسيأتي أن النية ركن. ودخل المكره في العاجز (بكمال شعبان): أي يجب ويتحقق بكماله ثلاثين يوماً.
(أو برؤية عدلين): وأولى أكثر؛ فيجب على كل من أخبراه بها الصوم، وإن لم يرفعا لحاكم، ويجب عليهما الرفع إذا لم يره غيرهما كما يأتي.
(فإن) ثبت برؤيتهما و (لم يُر) الهلال: أي هلال شوال (بعد ثلاثين) يوماً لغيرهما - حال كون السماء (صحواً) لا غيم بها ليلة الإحدى والثلاثين (كذبا) في شهادتهما برؤية رمضان، فيجب تبييت الصوم. وقولنا:"لغيرهما": احتراز مما إذا شهدا برؤية شوال فإنه لا يقبل منهما لاتهامهما على ترويج شهادتهما الأولى.
(أو) برؤية (جماعة مستفيضة) وإن لم يكونوا عدولاً وهي التي يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب؛ أي كل واحد يدعيها، لا أنه يدعي السماع من غيره كما يقع لكثير من العوام، ولا يشترط فيهم العدالة ولا الذكورة والحرية.
(أو) برؤية (عدل) بالنسبة (لمن لا اعتناء لهم به): أي بالهلال كانوا أهله أم لا.
(ولا يحكم به): أي برؤية العدل؛ أي لا يجوز للحاكم أن يحكم بثبوت الهلال برؤية عدل فقط عندنا، ولا يلزم الصوم إن حكم به إلا لمن لا اعتناء لهم بشأن الهلال (فإن حكم به مخالف) لنا يرى ذلك (لزم) الصوم، وعم (على الأظهر) من أحد الترددين.
(وعم) الصوم سائر البلاد والأقطار ولو بعدت (إن نقل عن المستفيضة أو) عن (العدلين بهما) أي بالمستفيضة أو العدلين.
ــ
أي ومثله الزمان القابل للصوم.
قوله: [وسيأتي أن النية ركن]: ومثلها الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، ولكن جعلها الأجهوري في نظمه من شروط الصحة حيث قال:
شرائط لأداء الصوم نيته
…
إسلامنا وزمان للأدا قبلا
كالكف عن مفطر شرط الوجوب له
…
إطاقة وبلوغ هكذا نقلا
أما النقاء وعقل فهو شرطهما
…
دخول شهر صيام مثل ذا جعلا
قوله: [ويتحقق]: أي في الخارج سواء حكم بثبوته حاكم أم لا. ومثل كماله؛ كمال ما قبله وهو رجب وكذا [1] ما قبل رجب وهذا إن غم بأن كانت السماء ليلة ثلاثين مغيمة، وأما إذا كانت مصحية فلا يتوقف ثبوته على الإكمال ثلاثين، بل تارة يثبت بذلك إن لم ير الهلال وتارة يثبت برؤية الهلال.
قوله: [أو برؤية عدلين]: هذا إذا انفردا بالرؤية في غيم ولو بصحو في بلد صغير أو كبير هو قول مالك وأصحابه، بل ولو ادعيا الرؤية في الجهة التي وقع الطلب فيها من غيرهما.
قوله: [كما يأتي]: أي من وجوب الرفع على العدل والمرجو.
قوله: [لا غيم بها]: حاصله أن تكذيبهما مشروط بأمرين: عدم رؤيته لغيرهما ليلة إحدى وثلاثين، وكون السماء صحواً في تلك الليلة. فلو رآه غيرهما ليلة إحدى وثلاثين أو لم يره أحد وكانت السماء غيماً لم يكذبا. ومثل العدلين في كونهما يكذبان بالشرطين المذكورين، ما زاد عليهما ولم يبلغ المستفيضة. وأما المستفيضة فلا يتأتى فيهم ذلك لإفادة خبرهم القطع، قال أشياخنا والظاهر أنه إن فرض عدم الرؤية بعد الثلاثين من إخبارهم دل على أن الاستفاضة لم تتحقق فيهم، وحينئذ فيكذبون، وحيث كذب العدلان ومن في حكمهما فالنية الحاصلة في أول الشهر صحيحة للعذر ولخلاف الأئمة، لأن الشافعي لا يقول بتكذيب العدلين ويعتمد في الفطر على رؤيتهما أولاً. وظاهر كلام المصنف: أنهما يكذبان ولو حكم بشهادتهما حاكم حيث كان مالكياً، أما لو كان الحاكم بها شافعياً لا يرى تكذيبهما فإنه يجب عليه الفطر اعتماداً على رؤيتهما الأولى بناء على قول ابن راشد الآتي.
قوله: [مستفيضة]: أي منتشرة.
قوله: [وهي التي يستحيل] إلخ: اعلم أن المستفيضة وقع فيها خلاف؛ فالذي ذكره ابن عبد السلام والتوضيح: أنه المحصل خبره العلم أو الظن، وأن لم [2] يبلغوا عدد التواتر. والذي لابن عبد الحكم: أن الخبر المستفيض هو المحصل للعلم لصدوره ممن لا يمكن تواطؤهم على باطل لبلوغهم عدد التواتر، واقتصر على هذا ابن عرفة والأبي والمواق وكذا شارحنا، فقول الشارح: يستحيل عادة تواطؤهم: أي لبلوغهم عدد التواطؤ [3]، وهذا هو الحق؛ وإلا فخبر العدلين يفيد الظن.
قوله: [كانوا أهله أم لا]: هذا هو المعتمد.
والحاصل أن رؤية الواحد كافية في محل لا اعتناء فيه بأمر الهلال ولو امرأة أو عبداً، لكن يشترط أن يكون ممن تثق النفس بخبره وتسكن به لعدالة المرأة وحسن سيرة العبد كذا في الحاشية.
قوله: [على الأظهر] إلخ: حاصله أن المخالف إذا حكم بثبوت شهر رمضان بشهادة شاهد فهل يلزم المالكي الصوم بهذا الحكم؟ لأنه حكم وقع في حكم يجوز فيه الاجتهاد وهو العبادات - وهذا قول ابن راشد القفصي. أو لا يلزم المالكي صومه؟ لأنه إفتاء لا حكم، لأن حكم الحاكم لا يدخل العبادات، وحكمه فيها يعد إفتاء فليس للحاكم أن يحاكم بصحة صلاة أو بطلانها وإنما يدخل حكمه حقوق العباد من معاملات وغيرها، وهذا قول القرافي وهو الراجح عند الأصوليين، وللناصر اللقاني قول ثالث: وهو أن حكم الحاكم يدخل العبادات تبعاً لا استقلالاً؛ فعلى هذا إذا حكم الحاكم
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (كذا).
[2]
ليست في ط المعارف.
[3]
في ط المعارف: (التواتر).
فالصور أربع: نقل استفاضة عن مثلها أو عن عدلين، ونقل عدلين عن مثلهما أو عن استفاضة ولو لم يقع النقل عن الحكم من حاكم كما هو ظاهر كلام بعضهم، وهو الذي تقتضيه القواعد الشرعية، إذ كل من بلغه حكم عن عدلين أو عن ناقل عنهما بشرطه وجب العمل به، وقيل: لا بد من العموم في النقل عن الحكم بهما. وأما نقل العدل الواحد فلا يكفي، قيل: مطلقاً. والراجح أنه إن نقل عن حكم الحاكم بثبوته بالعدلين أو بالمستفيضة كفى وعم وإليه أشار بقوله:
(أو) نقل (بعدل) واحد أي عن حكم الحاكم لا عن العدلين ولا المستفيضة (على الأرجح و) يجب (على العدل) وأولى العدلين إذا رأى الهلال، وعلى (المرجو) القبول (الرفع للحاكم): أي بتبليغه أنه رآه، ولو علم المرجو جرحه نفسه؛ لعله أن ينضم إليه من يثبت به عنده فيحكم بالثبوت، وقد يكون الحاكم ممن يرى الثبوت بعدل.
(فإن أفطر): أي العدل أو المرجو الذي رآه وكذا كل من رآه فأفطر (فالقضاء والكفارة)، ولو تأول على الأرجح.
(لا) يثبت الهلال (بقول منجم) أي مؤقت يعرف سير القمر لا في حق نفسه ولا غيره؛ لأن الشارع أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلال لا بوجوده إن فرض صحة قوله. وقد علم من قولنا: "فإن أفطره" إلخ، أنه يجب على من انفرد برؤية رمضان الصوم وإظهاره.
(ولا يجوز فطر) أي إظهار فطر شخص (منفرد بشوال) أي برؤيته؛ لئلا يتهم بأنه ادعى ذلك كذباً ليفطر. وأما نية الفطر فتجب عليه (إلا بمبيح) للفطر في الظاهر كسفر وحيض لأن له أن يعتذر بأنه إنما أفطر لذلك.
(وإن غيمت) السماء ليلة الثلاثين بفتح الغين المعجمة والياء المشددة مبني للفاعل (ولم ير) الهلال (فصبيحته) أي الغيم (يوم شك)، وأما لو كانت السماء مصحية لم يكن يوم شك؛ لأنه إذا لم تثبت رؤيته كان من شعبان جزماً. واعترض بقوله صلى الله عليه وسلم:«فإن غم عليكم فاقدروا له» أي كملوا عدة ما قبله ثلاثين يوماً، فإنه يدل على أن صبيحة الغيم من شعبان، فالوجه أن تكون صبيحة يوم الشك ما تكلم فيه برؤية الهلال من لا تقبل شهادته.
(وكره صيامه للاحتياط) أي على أنه إن كان من رمضان اكتفى به
ــ
بثبوت الشهر لزم المالكي الصوم إلا إن حكم بوجوب الصوم، قاله شيخ مشايخنا العدوي. واعلم أنه إذا قيل بلزوم الصوم للمالكي وصام الناس ثلاثين يوماً ولم ير الهلال، وحكم الشافعي بالفطر، فالذي يظهر أنه لا يجوز للمالكي لأن الخروج من العبادات أصعب من الدخول فيها كما قاله الشيخ سالم السنهوري كذا في حاشية الأصل. ولا يناقض ما تقدم في قولنا، أما لو كان الحاكم بها شافعياً لا يرى تكذيبهما فإنه يجب عليه الفطر لقوة المخالفة هنا.
قوله: [فالصور أربع]: أي التي يثبت بها الصوم اتفاقاً وسيأتي التفصيل في نقل العدل الواحد.
قوله: [بشرطه]: أي وهو أن ينقل عن كل عدل عدلان.
قوله: [والراجح أنه إن نقل] إلخ: الحاصل أن الأقسام ثلاثة: نقل عن حاكم، أو عن المستفيضة، أو عن العدلين؛ فالتعدد شرط في الأخيرين دون الأول، والمراد بالنقل عن الحاكم: ما يشمل النقل لحكمه أو لمجرد الثبوت عنده.
قوله: [ويجب على العدل] إلخ: أي وأما الفاسق فيستحب له الرفع ليفتح باب الشهادة لغيره.
قوله: [فالقضاء والكفارة ولو تأول] إلخ: أي بناء على أنه تأويل بعيد. وأما لو أفطر من لا اعتناء لهم بأمر الهلال مع ثبوت رؤية المنفرد له فعليهم الكفارة اتفاقاً ولو تأولوا، لأن العدل في حقهم كالعدلين.
قوله: [يعرف سير القمر]: أي يحسب قوس الهلال هل يظهر في تلك الليلة أم لا؟ وظاهره أنه لا يثبت بقول المنجم ولو وقع في القلب صدقه وهو كذلك.
خلافاً للشافعية، وذلك لأننا مأمورون بتكذيبه لأنه ليس من الطرق الشرعية.
تنبيهان:
الأول: لا يلفق شاهد شهد بالرؤية أول الشهر ولم يثبت به الصوم لآخر شهد برؤية شوال أخره على الراجح، فشهادة كل لاغية.
الثاني: من لا تمكنه رؤية الهلال ولا غيرها كأسير ومسجون كمل الشهور التي قبل رمضان وصام رمضان أيضاً كاملاً، وهذا إذا لم تلتبس عليه الشهور.
وأما إن التبست عليه فلم يعرف رمضان من غيرها، فإن ظن شهراً أنه رمضان صامه وإن تفاوت عنده الاحتمالات تخير شهراً وصامه، فإن فعل ما طلب منه فله أحوال أربعة: الأول: مصادفته فيجزئه على المعتمد من التردد في خليل. الثاني: تبين أن ما صامه بعده فيجزئه أيضاً فإن كان شوالاً قضى يوماً بدلاً عن العيد حيث كانا كاملين أو ناقصين، وإن كان الكامل رمضان قضى يومه، وإن كان شوالاً لا قضاء، وإن تبين أن ما صامه ذو الحجة فإنه لا يعتد بالعيد وأيام التشريق.
الثالث: تبين أن ما صامه قبله كشعبان فلا يجزئه قولاً واحداً. الرابع: بقاؤه على شكه فلا يجزئه على ما قال خليل. وقال ابن الماجشون وأشهب وسحنون: يجزئه لأن فرضه الاجتهاد، وقد فعل ما يجب عليه فهو على الجواز حتى ينكشف خلافه، ورجحه ابن يونس فتدبر قوله:[كالوجه]: حاصله: أن يوم الشك صبيحة الثلاثين إذا كانت السماء صحواً أو غيماً وتحدث فيها بالرؤية من لا يثبت به كعبد وامرأة، ولذلك قال في المجموع: وإن غيمت ليلة ثلاثين ولم تر
(ولا يجزئه) صومه عن رمضان إن ثبت أنه منه وقيل يحرم صومه لذلك.
(وصيم) أي جاز صومه (عادة) أي لأجل العادة التي اعتادها بأن كان عادته سرد الصوم تطوعاً أو كان عادته صوم يوم كخميس فصادف يوم الشك (وتطوعاً) بلا اعتياد (وقضاء) عن رمضان قبله (وكفارة) عن يمين أو غيره
(ولنذر صادف) كما لو نذر يوماً معيناً أو يوم قدوم زيد فصادف يوم الشك.
(فإن تبين) بعد صومه لما ذكر (أنه من رمضان لم يجزه) عن رمضان الحاضر ولا غيره من القضاء وما بعده. (وقضاهما): أي رمضان الحاضر والقضاء أو الكفارة (إلا الأخير) أي النذر المصادف. (فرمضان) يقضيه (فقط) دون النذر لتعين وقته وقد فات. (وندب إمساكه): أي يوم الشك أي الكف فيه عن المفطر (ليتحقق) الحال.
(فإن ثبت) رمضان (وجب) الإمساك لحرمة الشهر ولو لم يكن أمسك أولاً (وكفر): أي يجب عليه الكفارة مع القضاء (إن انتهك) حرمته بأن أفطر عالماً بالحرمة. ووجوب الإمساك ومفهوم "انتهك" أنه إذا تناول المفطر [1] متأولاً فلا كفارة عليه.
(و) ندب (إمساك بقية اليوم لمن أسلم) فيه.
(و) ندب له (قضاؤه) ولم يكن [2] ترغيباً له في الإسلام.
(بخلاف من زال عذره المبيح): أي الذي يبيح (له الفطر مع العلم برمضان؛ كصبي بلغ) بعد الفجر (ومريض صح ومسافر قدم) نهاراً وحائض أو نفساء طهرتا نهاراً، ومجنون أفاق ومضطر لفطر عن عطش أو جوع؛ فلا يندب له الإمساك بقية اليوم وحينئذ (فيطأ) الواحد منهم (امرأة) له من زوجة أو أمة (كذلك): أي زال عذرها المبيح لها الفطر مع العلم برمضان بأن قدمت معه من السفر أو طهرت من حيض أو نفاس أو بلغت نهاراً أو أفاقت من جنون. واحترز بقوله: "مع العلم برمضان" عن الناسي، ومن أفطر يوم الشك؛ فإنه يجب عليهما الإمساك بعد زوال العذر، لكن يرد المكره؛ فإنه يعلم برمضان، ويجب عليه الإمساك بعد زوال الإكراه؟ ويجاب بأن المراد بالمبيح اختياراً ولا اختيار للمكره. ويرد على مفهومه المجنون؛ فإنه لا علم عنده كالناسي، ولا يندب له الإمساك إذا أفاق.
(و) ندب لمن عليه شيء من رمضان (تعجيل القضاء و) ندب (تتابعه) أي القضاء (ككل صوم لا يجب تتابعه): ككفارة اليمين والتمتع وصيام جزاء الصيد، فيندب تتابعه
(و) ندب للصائم (كف لسان وجوارح) عطف عام على خاص (عن فضول) من الأقوال والأفعال التي لا إثم فيها.
(و) ندب (تعجيل فطر) قبل الصلاة بعد تحقق [3] الغروب، وندب كونه على رطبات
ــ
فصبيحته يوم الشك لاحتمال وجود الهلال وأن الشهر تسعة وعشرون، وإن كنا مأمورين بإكمال العدد. وقال الشافعي: الشك أن يشيع على ألسنة من لا تقبل شهادته رؤية الهلال ولم يثبت، ورد بأن كلامهم لغو وإن استقر به ابن عبد السلام والإنصاف أن في كل منهما شكاً اهـ.
قوله: [ولا يجزئه صومه عن رمضان]: أي لعدم جزم النية.
قوله: [وقيل يحرم صومه لذلك]: أي أخذاً من ظاهر الحديث: «من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم» ، وأجيب بأن المقصود الزجر لا التحريم.
قوله: [وتطوعاً]: أي على المشهور خلافاً لابن مسلمة القائل بكراهة صومه تطوعاً. ويؤخذ من قوله "تطوعاً" جواز التطوع بالصوم في النصف الثاني من شعبان خلافاً للشافعية القائلين بالكراهة، واستدلوا بحديث:«لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه» أي فيستمر فيه على ما كان. وأجاب القاضي عياض بأن النهي في الحديث محمول على التقديم بقصد تعظيم الشهر.
قوله: [ولنذر صادف]: أي وأما لو نذر صومه تعييناً بأن نذر صوم يوم الشك من حيث هو يوم شك فإنه لا يصومه لأنه نذر معصية - انظر (ح). وقال شيخ المشايخ العدوي: الحق أنه يلزمه صومه ألا ترى أنه يجوز صومه تطوعاً وإن لم يكن عادة له؟
قوله: [ليتحقق الحال]: أي لا لتزكية شاهدين كما لو شهد اثنان برؤية الهلال واحتاج الأمر إلى تزكيتهما، فإنه لا يستحب الإمساك لأجل التزكية إذا كان في الانتظار طول، وأما إن كان ذلك قريباً فاستحباب الإمساك متعين بل هو آكد من الإمساك في الشك.
قوله: [فلا كفارة عليه]: أي لأنه من التأويل القريب.
قوله: [ويرد على مفهومه المجنون]: وأجيب بجواب آخر عن كل من المكره والمجنون: بأن فعلهما قبل زوال العذر لا يتصف بإباحة ولا غيرها، فلا يدخلان في منطوق ولا مفهوم.
قوله: [كف لسان وجوارح]: أي يتأكد أكثر من المفطر، ومما ينسب لابن عطية كما في المجموع:
لا تجعلن رمضان شهر فكاهة
…
كيما تقضي بالقبيح فنونه
واعلم بأنك لن تفوز بأجره
…
وتصومه حتى تكون تصونه
قوله: [وندب تعجيل فطر]: أي ويندب أن يقول: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت» ، وفي حديث:«اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» ، وفي رواية يقول قبل وضع اللقمة في الفم:«يا عظيم ثلاثاً أنت إلهي لا إله غيرك اغفر لي الذنب العظيم فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم» .
قوله: [قبل الصلاة]: أي المغرب كما قال مالك لأن تعلق القلب به
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (الفطر).
[2]
في ط المعارف: (يجب)، ولعلها الصواب.
[3]
في ط المعارف: (تحقيق).
فتمرات وتراً وإلا حسا حسوات من ماء.
(و) ندب للصائم (السحور) للتقوي به على الصوم.
(و) ندب (تأخيره) لآخر الليل.
(و) ندب (صوم بسفر) قال تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} [البقرة: 184] ولا يجب (وإن علم الدخول) لوطنه (بعد الفجر) وتقدم أنه لا يندب الإمساك بعد دخوله أي إن بيت الفطر.
(و) ندب (صوم) يوم (عرفة لغير حاج)، وكره لحاج؛ أي لأن الفطر يقويه على الوقوف بها.
(و) ندب صوم (الثمانية) الأيام (قبله) أي عرفة (و) صوم (عاشوراء وتاسوعاء والثمانية قبله) أي تاسوعاء (وبقية المحرم و) صوم (رجب وشعبان، و) ندب صوم (الاثنين والخميس و) ندب صوم يوم (النصف من شعبان) لمن أراد الاقتصار والنص على الأيام المذكورة -مع دخولها في شهرها- لبيان عظم شأنها وأنها أفضل من البقية؛ فيوم عرفة أفضل مما قبله، وعاشوراء أفضل من تاسوعاء، وهما أفضل مما قبلهما، وهي أفضل من البقية.
(و) ندب صوم (ثلاثة) من الأيام (من كل شهر وكره تعيين) الثلاثة (البيض) الثالث عشر وتالياه فراراً من التحديد (كستة من شوال إن وصلها) بالعيد (مظهراً) لها لا إن فرقها أو أخرها أو صامها في نفسه خفية فلا يكره لانتفاء علة اعتقاد الوجوب.
(و) كره للصائم (ذوق) شيء له طعم (كملح) وعسل وخل لينظر حاله ولو لصانعه مخافة أن يسبق لحلقه شيء منه (ومضغ علك) أي ما يعلك أي يمضغ كلبان وتمرة لطفل، فإن سبقه منه شيء لحلقه فالقضاء.
(و) كره (نذر) صوم (يوم مكرر) ككل خميس وأولى نذر صوم الدهر لأن النفس إذا لزمها شيء متكرر أو دائم أتت به على ثقل وتندم، فيكون لغير الطاعة أقرب.
ــ
يشغل عن الصلاة لحديث: «إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء» ، ويحمل هذا على الأكل الخفيف الذي لا يخرج الصلاة عن وقتها.
قوله: [فتمرات وتراً]: أي وما في معناه من حلويات، فالسكر وما في معناه يقدم على الماء القراح.
وقوله: [حسوات] جمع حسوة كمدية ومديات. والفتح في الجمع لغة، والحسوة ملء الفم من الماء.
قوله: [السحور]: هو بالضم الفعل، وبالفتح ما يؤكل آخر الليل. والمراد هنا الأول لقرنه بالفطر، ولأنه الموصوف بالتأخير ويدخل وقته بالنصف الأخير، وكلما تأخر كان أفضل، فقد ورد:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخره حتى يبقى على الفجر قدر ما يقرأ القارئ خمسين آية»
قوله: [وندب صوم بسفر]: أي يندب للمسافر أن يصوم في سفره المبيح له للفطر وستأتي شروطه، ويكره له الفطر للآية الكريمة، وأما قصر الصلاة فهو أفضل من إتمامها وذلك لبراءة الذمة بالقصر وعدم براءتها بالفطر. فإن قلت ما ذكره المصنف من ندب الصوم في السفر وظاهر الآية يعارضه قوله عليه الصلاة والسلام:«ليس من البر الصيام في السفر» . أجيب بحمل الحديث على صوم النفل أو الفرض إذا شق، ويروى الحديث بأل وأم على لغة حمير.
قوله: [وندب صوم يوم عرفة]: لما ورد أنه يكفر سنتين والمراد بندب الصوم تأكده وإلا فالصوم مطلقاً مندوب.
قوله: [وندب صوم الثمانية الأيام قبله]: واختلف في صيام كل يوم منها، فقيل يعدل شهراً أو شهرين أو سنة.
قوله: [عاشوراء]: هو عاشر المحرم وتاسوعاء تاسعه وهما بالمد، وقدم عاشوراء مع أن تاسوعاء مقدم عليه في الوجود لأنه أفضل من تاسوعاء. ويندب في عاشوراء التوسعة على الأهل والأقارب، بل يندب فيه اثنتا عشرة خصلة جمعها بعضهم ما عدا عيادة المريض في قوله:
صم صل صل زر عالماً ثم اغتسل
…
رأس اليتيم امسح تصدق واكتحل
وسع على العيال قلم ظفرا
…
وسورة الإخلاص قل ألفاً تصل
قوله: [وصوم رجب]: أي فيتأكد صومه أيضاً وإن كانت أحاديثه ضعيفة لأنه يعمل بها في فضائل الأعمال.
قوله: [وندب صوم ثلاثة من الأيام من كل شهر]: والحكمة في ذلك أن الحسنة بعشرة أمثالها فلذلك كان مالك يصوم أول يوم منه وحادي عشره وحادي عشريه.
قوله: [الثلاثة البيض]: سميت بذلك لبياض الليالي بالقمر.
قوله: [كستة من شوال]: قال في المجموع: إذا أظهرها مقتدى به لئلا يعتقد وجوبها أو اعتقد سنيتها لرمضان، كالنفل البعدي للصلاة، وإنما سر حديثها أن رمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين فكأنه صام العام. وتخصيص شوال قيل ترخيص للتمرن على الصوم حتى إنها بعده أفضل لأنها أشق، ولا شك أنها في عشر ذي الحجة أفضل فليتأمل (اهـ.)
قوله: [لا إن فرقها] إلخ: اعلم أن الكراهة مقيدة بخمسة أمور تؤخذ من عبارة الشارح والمجموع، في إن [1] انتفى قيد منها فلا كراهة وعلى هذا يحمل الحديث وهي أن يوصلها في نفسها وبالعيد مظهراً لها مقتدى به معتقداً سنيتها لرمضان كالرواتب البعدية.
قوله: [ومضغ علك]: اسم يعم كل ما يعلك أي يمضغ. جمعه علوك، وبائعه علاك، وقد علك يعلك -بضم اللام- علكاً بفتح العين؛ أي مضغه ولاكه.
قوله: [وكره نذر صوم يوم مكرر]: أي ومثله الأسبوع كقوله: لله علي صوم أسبوع من أول كل شهر.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
قوله: (في إن) في ط المعارف: (فإن)، ولعلها الصواب.
(و) كره له (مقدمة جماع ولو فكراً أو نظراً) لأنه ربما أداه للفطر بالمذي أو المني وهذا (إن علمت السلامة) من ذلك وإلا حرم.
(و) كره له (تطوع) بصوم (قبل) صوم (واجب غير معين) كقضاء رمضان وكفارة، فإن كان معيناً بيوم كنذر معين حرم التطوع فيه
(و) كره (تطيب نهاراً و) كره (شمه) أي الطيب ولو مذكراً نهاراً.
(وركنه) أي الصوم أمران:
أولهما: (النية): اعلم أنهم عرفوا الصوم بأنه الكف عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر لغروب الشمس بنية؛ فالنية ركن والإمساك عما ذكر ركن ثان والشيخ رحمه الله تسمح فجعل كلاً منهما شرط صحة، والشرط ما كان خارج الماهية، والركن ما كان جزءاً منها، فإذا كانا شرطين كانا خارجين عن الماهية مع أنهما نفسها، فالنية ركن.
(وشرطها): أي شرط صحتها (الليل): أي إيقاعها فيه من الغروب إلى آخر جزء منه، (أو) إيقاعها (مع) طلوع (الفجر) ولا يضر ما حدث بعدها من أكل أو شرب أو جماع أو نوم؛ بخلاف رفعها في ليل أو نهار، وبخلاف الإغماء والجنون إن استمر للفجر، فإن رفعها ثم عاودها قبل الفجر أو أفاق قبله لم تبطل على ما سيأتي ومفهوم الليل أنه لو نوى نهاراً قبل الغروب لليوم المستقبل أو قبل الزوال لليوم الذي هو فيه
ــ
تنبيه: من جملة المكروه - كما قال بعضهم - صوم يوم المولد المحمدي إلحاقاً له بالأعياد، وكذا صوم الضيف بغير إذن رب المنزل، ومن جملة المكروه أيضاً مداواة الإنسان نهاراً ولا شيء عليه إن لم يبتلع منه شيئاً، فإن ابتلع منه شيئاً غلبة قضى، وإن تعمد كفر أيضاً، إلا لخوف ضرر في تأخير الدواء لليل لحدوث مرضه أو زيادته أو شدة تألم فلا يكره، بل يجب إن خاف هلاكاً أو شديد أذى. ومن المكروه غزل الكتان للنساء ما لم تضطر المرأة لذلك، وإلا فلا كراهة، وهذا إذا كان له طعم يتحلل كالذي يعطن في المبلات، وأما ما يعطن في البحر فيجوز مطلقاً كما في (ح) وغيره، ومن ذلك حصاد الزرع إذا كان يؤدي للفطر ما لم يضطر الحصاد لذلك، وأما رب الزرع فله الاشتغال به ولو أدى إلى الفطر، لأن رب المال مضطر لحفظه كما في المواق عن البرزلي (اهـ بن من حاشية الأصل).
قوله: [وكره له مقدمة جماع]: أي لأي شخص؛ شاب أو شيخ، رجل أو امرأة.
قوله: [وهذا إن علمت السلامة]: ظاهره كراهة الفكر والنظر إذا علمت السلامة، ولو كانا غير مستدامين. لكن قال أبو علي المسناوي: إذا علمت السلامة لا كراهة إلا إذا استدام فيهما، ثم إن محل كراهة ما ذكر إذا كان لقصد لذة لا إن كان بدون قصد كقبلة وداع أو رحمة، وإلا فلا كراهة. ثم إن ظاهر المصنف كراهة المقدمات المذكورة وأنه لا شيء عليه ولو حصل إنعاظ، وهو رواية أشهب عن مالك في المدونة وهو المعتمد. ومثل علم السلامة: ظنها.
قوله: [وإلا حرم]: أي بأن علم عدمها أو ظن أو شك. فإن أمذى بالمقدمات في حالة الكراهة أو الحرمة فالقضاء اتفاقاً. وإن أمنى، ففي حالة الحرمة تلزمه الكفارة اتفاقاً وفي حالة الكراهة ثلاثة أقوال: الأول: قول أشهب إنه لا كفارة عليه إلا إن تابع حتى أنزل. والثاني: قول مالك في المدونة عليه القضاء والكفارة مطلقاً، والثالث: الفرق بين اللمس والقبلة والمباشرة وبين النظر والفكر؛ فالإنزال بالثلاثة الأول: موجب للكفارة مطلقاً. وبالأخيرين: لا كفارة فيه إلا أن يتابع، وهذا قول ابن القاسم وهو المعتمد، فإن شك في الخارج منه في حالة العمد أمذى أم أمنى فالظاهر أنه لا يجري على الغسل؛ لأن الكفارة من قبيل الحدود فتدرأ بالشك، خصوصاً والشافعي لا يراها في غير مغيب الحشفة كما هو أصل نصها - كذا. في حاشية الأصل.
قوله: [وكره تطوع بصوم]: حاصله: أنه يكره التطوع بالصوم لمن عليه صوم واجب - كالمنذور والقضاء والكفارة - وذلك لما يلزم من تأخير الواجب وعدم فوريته. وهذا بخلاف الصلاة، فإنه يحرم كما تقدم. وظاهر المصنف الكراهة مطلقاً سواء كان صوم التطوع مؤكداً - كعاشوراء وتاسوعاء - أو لا، وهو كذلك.
ولذلك اختلف في صوم يوم عرفة لمن عليه قضاء؛ فقيل إن صومه قضاء أفضل وصومه تطوعاً مكروه، وقيل بالعكس، وقيل: هما سواء. ولكن الأول هو الأرجح كما هو ظاهر المصنف، وتقدم أنه لو نوى الفرض والتطوع حصل ثوابهما كغسل الجمعة والجنابة وكصلاة الفرض والتحية.
قوله: [حرم التطوع فيه]: أي لتعيين الزمان المنذور، فإن فعل لزمه قضاؤه.
قال الشيخ سالم: وانظر هل تطوعه صحيح أم لا؟ لتعين الزمن لغيره، قال في الحاشية: والظاهر الأول؛ لصلاحية الزمن في ذاته للعبادة بخلاف التطوع في رمضان لأن ما عينه الشارع أقوى مما عينه الشخص.
قوله: [وكره تطيب] إلخ: إنما كره شم الطيب واستعماله نهاراً لأنه من جملة شهوة الأنف الذي يقوم مقام الفم، وأيضاً الطيب محرك لشهوة الفرج.
قوله: [مع أنهما نفسها]: ولكن أجيب عن الشيخ خليل: بأنه التفت إلى معناها وهو القصد إلى الشيء، ومعلوم أن القصد إلى الشيء خارج عن ماهية ذلك الشيء، ولكن هذا الجواب مخلص بالنسبة للنية، وأما الكف فلا وجه لعده شرطاً فالأحسن أن يراد بالشرط ما تتوقف صحة العبادة عليه.
قوله: [مع طلوع الفجر]: المراد وقوعها في الجزء الأخير من الليل الذي يعقبه طلوع الفجر، وإنما كفت
لم تنعقد ولو بنفل لم يتناول فيه قبلها مفطراً وهو كذلك.
(وكفت نية) واحدة (لما): أي لكل صوم (يجب تتابعه) كرمضان وكفارته وكفارة قتل أو ظهار، وكالنذر المتتابع؛ كمن نذر صوم شهر بعينه أو عشرة أيام متتابعة (إذا لم ينقطع) تتابع الصوم (بكسفر) ومرض مما يقطع وجوب التتابع دون صحة الصوم. فإن انقطع به لم تكف النية الواحدة بل لا بد من تبييتها [1] كلما أراده، (ولو تمادى على الصوم) في سفره أو مرضه.
(أو كحيض) ونفاس وجنون مما يوجب عدم صحته فلا تكفي النية، بل لا بد من إعادتها ولو حصل المانع بعد الغروب وزال قبل الفجر.
(وندبت كل ليلة) فيما تكفي فيه النية الواحدة.
(و) الركن الثاني: (كف من طلوع الفجر للغروب عن جماع مطيق) من إضافة المصدر لمفعوله؛ أي الكف عن إدخال حشفته أو قدرها من مقطوعها في فرج شخص مطيق للجماع، (وإن) كان المطيق له (ميتاً أو بهيمة)، واحترز بذلك عما لو أدخل ذكره بين الأليتين أوالفخذين أو في فرج صغير لا يطيق فلا يبطل الصوم إذا لم يخرج منه مني أو مذي.
(و) كف (عن إخراج مني أو مذي): بمقدمات جماع ولو نظراً أو تفكراً واحترز "بإخراج" عن خروج أحدهما بنفسه أو لذة غير معتادة فلا يبطله.
(أو) عن إخراج (قيء) فلا يضر خروجه بنفسه إذا لم يزدرد منه شيئاً، وإلا فالقضاء.
(و) كف (عن وصول مائع) من شراب أو دهن أو نحوهما (لحلق) وإن لم يصل للمعدة ولو وصل سهواً أو غلبة فإنه مفسد للصوم، ولذا عبر "بوصول" لا بإيصال. واحترز بالمائع عن غيره كحصاة ودرهم فوصوله للحلق لا يفسد بل للمعدة.
(وإن) كان وصول المائع للحلق (من غير فم كعين) وأنف وأذن.
فمن اكتحل نهاراً أو استنشق بشيء فوصل أثره للحلق أفسد وعليه القضاء، فإن لم يصل شيء من ذلك للحلق فلا شيء عليه كما لو اكتحل ليلاً أو وضع شيئاً في أذنه أو أنفه،
ــ
النية المصاحبة لطلوع الفجر لأن الأصل في النية المقارنة للمنوي، ولكن في الصوم جوزوا تقدمها عليه حيث قالوا: يدخل وقتها بالغروب لمشقة المقارنة، بخلاف سائر العبادات كالصلاة والطهارة فلا بد من المقارنة أو التقدم اليسير على ما مر. وما ذكره المصنف من كفاية المقارنة للفجر هو قول عبد الوهاب، وصوبه اللخمي وابن رشد، فإذا علمت ذلك فتقديمها على الفجر أولى للاحتياط والضبط.
قوله: [لم تنعقد]: أي كما ذكره ابن عرفة، وأصله لابن بشير. ونصه: لا خلاف عندنا أن الصوم لا يجزئ إلا إذا تقدمت النية على سائر أجزائه. فإن طلع الفجر ولم ينوه لم يجزه في سائر أنواع الصيام، إلا يوم عاشوراء ففيه قولان: المشهور من المذهب أنه كالأول والشاذ: اختصاص يوم عاشوراء بصحة الصوم، كذا في (بن) نقله محشي الأصل، وعن الشافعي: تصح نية النافلة قبل الزوال، وعن أحمد: تصح نية النافلة في النهار مطلقاً لحديث: «إني إذا صائم بعد قوله عليه الصلاة والسلام: هل عندكم من غداء» ، وللشافعي: الغداء ما يؤكل قبل الزوال. وأجاب ابن عبد البر بأنه مضطرب ولنا عموم حديث أصحاب السنن الأربع: «من لم يبيت الصيام فلا صيام له» والأصل تساوي الفرض والنفل في النية كالصلاة.
قوله: [لم يتناول [2] فيه قبلها]: فيه رد على الشافعي وأحمد كما تقدم.
قوله: [يجب تتابعه]: خرج بذلك ما يجوز تفريقه؛ كقضاء رمضان وصيامه في السفر وكفارة اليمين وفدية [3] الأذى ونقص الحج فلا تكفي فيه النية الواحدة، بل من التبييت في كل ليلة كما يعلم من المصنف. وما مشي عليه المصنف من كفاية النية الواحدة في واجب التتابع هو مشهور المذهب، وقال ابن عبد الحكم: لا بد من نية لكل يوم نظراً إلى أنه كالعبادات المتعددة من حيث عدم فساد بعض الأيام بفساد بعضها، والقول المشهور نظر إلى أنه كالعبادة الواحدة من حيث ارتباط بعضها ببعض وعدم جواز التفريق.
قوله: [ولو تمادى على الصوم]: هذا هو المعتمد كما في العتبية خلافاً لما في المبسوط: من أن المريض أو المسافر إذا استمر صائماً فإنه لا يحتاج لتجديد نية.
ومن أفسد صومه عامداً فاستظهر (ح) تجديد النية أيضاً؛ كمن بيت الفطر ولو نسياناً لا إن أفطر ناسياً وهو مبيت للصوم فلا ينقطع تتابعه، ومثله من أفطر مكرهاً عند اللخمي وعند ابن يونس حكم من أفطر لمرض - كذا في الحاشية.
قوله: [لا بد من إعادتها]: أي وتكفي النية الواحدة في جميع ما بقي.
قوله: [وندبت كل ليلة]: أي مراعاة للقول بوجوب التبييت ومن الورع مراعاة الخلاف.
قوله: [عن جماع مطيق]: أي سواء كان الفرج قبلاً أو دبراً، وسواء كان المغيب فيه مستيقظاً أو نائماً.
قوله: [فلا يبطله]: ومثله لو حصلت لذة معتادة من غير خروج شيء.
قوله: [وإلا فالقضاء]: أي ولا كفارة إن كان ازدرده غلبة أو نسياناً هذا في الفرض، وأما في النفل فلا شيء عليه مع الغلبة والنسيان.
قوله: [عن وصول مائع]: فإن وصل المائع للمعدة من منفذ عال أو سافل فسد الصوم ووجب القضاء. وهذا في غير ما بين الأسنان من أثر طعام الليل، وأما هو فلا يضر. ولو ابتلعه عمداً وإن لم يصل للمعدة فلا شيء فيه ما لم يصل للحلق من العالي كما يؤخذ من الشارح.
قوله: [ولذا عبر بوصول]: أي لأن لفظة وصول لا تستلزم القصد بخلاف إيصال.
قوله: [كعين وأنف وأذن]: أي ومسام رأس
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (تلبيتها).
[2]
في ط المعارف: (نتناول).
[3]
في ط المعارف: (ولا بد).
أو دهن رأسه ليلاً فهبط شيء من ذلك لحلقه نهاراً فلا شيء عليه. (أو) وصول مائع (لمعدة) وهي الكرشة التي فوق السرة للصدر بمنزلة الحوصلة للطير؛ إذا وصل المائع لها بحقنة (من) منفذ متسع (كدبر) أو قبل -لا إحليل: أي ثقب ذكر- (كلها) أي المعدة أي كوصول شيء لها (بغيره) أي من غير المائع (من فم)، فإنه مفطر بخلاف وصوله للحلق فقط أو من منفذ أسفل للمعدة فلا يضر ولو فتائل عليها دهن.
وحاصل المسألة: أن وصول الماء للحلق من منفذ أعلى ولو غير الفم مفطر كوصوله للمعدة من منفذ أسفل إن اتسع كالدبر وقبل المرأة، لا إن لم يصل لها ولا من إحليل. وأما غير المائع فلا يفطر إلا إذا وصل للمعدة من الفم. ولكن نقل الحطاب وغيره عن التلقين: أن ما وصل للحلق مفطر مطلقاً من مائع أو غيره، وهو ظاهر كلام الشيخ. ومن حكم المائع البخور ونحوه فإن وصوله للحلق مفطر وإليه أشار بقوله:
(أو) كف عن وصول (بخور) تتكيف به النفس كبخور عود أو مصطكى أو جاوي أو نحوها، (أو بخار قدر) لطعام فمتى وصل للحلق أفسد الصوم ووجب القضاء، ومن ذلك الدخان الذي يشرب أي يمص بنحو قصبة بخلاف دخان الحطب ونحوه وغبار الطريق.
(أو) عن وصول (قيء) أو قلس (أمكن طرحه) بخروجه من الحلق إلى الفم، فإن لم يمكن طرحه -بأن لم يجاوز الحلق- فلا شيء فيه. وأما البلغم الممكن طرحه فالمعتمد أن ابتلاعه لا يضر ولو وصل لطرف اللسان وأولى البصاق، خلافاً لما مشى عليه الشيخ. ومتى وصل شيء مما ذكرنا لحلق أو معدة على ما تقدم أفطر (ولو) وصل (غلبة أو سهواً في الجميع) المائع وما بعده (أو) عن وصول (غالب من مضمضة) لوضوء أو غيره (أو سواك) فأولى غير الغالب.
واعلم أن في قولنا "وكف عن وصول" إلخ مسامحة لأن الكف عن الشيء يقتضي القصد. والوصول -ولو غلبة أو سهواً- قد يقتضي عدمه ارتكبناه مجاراة لقولهم: حقيقة الصوم الإمساك من طلوع الفجر إلخ عن شهوتي البطن والفرج، والإمساك هو الكف عما ذكر، ثم بينوه بما ذكرنا والمراد عدم الوصول ويرد عليه: أنه لا تكليف إلا بفعل والعدم ليس بفعل.
(وصحته): أي وشرط صحة الصوم فرضاً أو نفلاً مصورة بثلاثة أشياء:
(بنقاء من حيض ونفاس ووجب) صوم رمضان عليها أو غيره ككفارة أو صوم اعتكاف أو نذر في أيام معينة. (إن طهرت) بقصة أو جفوف (قبل الفجر وإن بلصقه): أي الفجر والباء للملابسة وهذا أبلغ من قوله: " وإن بلحظة ".
(و) يجب الصوم (مع القضاء) أيضاً (إن شكت): هل طهرها قبل الفجر أو بعده؟ فتنوي الصوم لاحتمال كونه قبله، وتقضي لاحتمال كونه بعده.
(وبغير عيد) أي وصحته بوقوعه في غير عيد
ــ
كما يؤخذ من عبارته، وأشعر كلامه أن ما يصل من غير هذه المنافذ لا شيء فيه.
قوله: [أو دهن رأسه ليلاً]: أي وأما من دهن رأسه نهاراً ووجد طعمه في حلقه، أو وضع حناء في رأسه نهاراً فاستطعمها في حلقه، فالمعروف من المذهب وجوب القضاء. بخلاف من حك رجله بحنظل فوجد طعمه في حلقه أو قبض بيده على ثلج فوجد البرودة في جوفه فلا شيء عليه، وقالت الشافعية: الواصل من العين لا يفطر فيجوز الكحل عندهم نهاراً. ومثلها الرأس، فيجوز الادهان نهاراً.
قوله: [أو قبل]: أي فرج امرأة وفيه نظر بل هو كالإحليل كما سيأتي.
قوله: [ولو غير الفم]: أي كالأذن والعين والأنف والرأس.
قوله: [ولا من إحليل]: ومثل الإحليل الثقبة الضيقة في المعدة.
قوله: [ولكن نقل الحطاب] إلخ: والطريقة الأولى للبساطي وكثير من الشراح وهي الأظهر.
قوله: [أو بخار قدر]: أي فمتى وصل دخان البخور وبخار القدر للحلق وجب القضاء لأن كلاً منهما جسم يتكيف به. ومحل وجوب القضاء في ذلك إذا وصل باستنشاق سواء كان المستنشق صانعه أو غيره، وأما لو وصل بغير اختياره فلا قضاء صانعاً أو غيره على المعتمد.
قوله: [الذي يشرب]: ومثله النشوق فهو مفطر.
قوله: [بخلاف دخان الحطب]: فلا قضاء في وصوله للحلق، ولو تعمد استنشاقه، وإما رائحة كالمسك والعنبر والزبد فلا تفطر ولو استنشقها لأنها لا جسم لها، إنما يكره فقط كما تقدم.
قوله: [ولو وصل لطرف اللسان]: قال (عب): ولا شيء على الصائم في ابتلاع ريقه إلا بعد اجتماعه فعليه القضاء. وهذا قول سحنون. وقال ابن حبيب: يسقط مطلقاً وهو الراجح كذا في الحاشية.
قوله: [غالب من مضمضة]: هذا في الفرض وأما وصول أثر المضمضة أو السواك للحلق في صوم النفل غلبة فلا يفسده.
قوله: [ويرد عليه]: أي على تفسير الكف بما ذكر. وهذا البحث يقوي مذهب الشافعي من أن من أكل أو شرب ناسياً لا شيء عليه، والجواب أن حصر التكليف في الفعل من حيث الإثم؛ وأما الصحة أو الفساد فهي من خطاب الوضع فيتعلق بالساهي والنائم والمكره قوله:[فتنوي الصوم] إلخ: قال في المجموع: والظاهر أنه لا كفارة عليها إن لم تمسك، وهذا بخلاف الصلاة فإنها لا تؤمر بفعل ما شكت في وقته هل كان الطهر فيه أم لا، وإن شكت بعد الفجر هل طهرت قبله أو بعده فلا تجب عليها العشاء، واستشكل ذلك بأن الحيض مانع من وجوب الأداء في كل من الصلاة والصوم والشك فيه موجود في كل منهما، فلم وجب الأداء في الصوم دون الصلاة؟
فلا يصح فيه.
(وبعقل) فلا يصح من مجنون ولا من مغمى عليه (فإن جن أو أغمي عليه مع الفجر فالقضاء) لعدم صحة صومه لزوال عقله وقت النية، بخلاف ما لو كان مجنوناً أو مغمى عليه قبله وأفاق وقت الفجر فلا قضاء لسلامته وقتها، (كبعده) أي كما يلزمه القضاء لو جن أو أغمي عليه بعد الفجر، (جل يوم) وأولى كله (لا) إن أغمي عليه بعد الفجر (نصفه) فأقل فلا قضاء عليه.
ولما فرغ من بيان الصوم وشروطه ذكر ما يترتب على الإفطار وهي خمسة: القضاء، والإمساك، والكفارة، والإطعام، وقطع التتابع؛ فقال:
إذا علمت حقيقة الصوم (فإن حصل) للصائم (عذر) اقتضى فطره بالفعل؛ كمرض، أو اقتضى عدم صحته؛ كحيض (أو اختل ركن) من ركنيه عمداً أو سهواً أو غلبة (كرفع النية) نهاراً أو ليلاً بأن نوى عدم صوم الغد، واستمر رافعاً لها حتى طلع الفجر (أو) اختل (بصب) شيء (مائع في حلق) صائم (نائم أو) اختل (بجماعه) أي النائم -من إضافة المصدر لمفعوله- (أو بكأكله) من إضافته لفاعله أي أو اختل بتناوله مفطراً من أكل أو غيره حال كونه (شاكاً في) طلوع (الفجر أو) في (الغروب أو بطروه) بتشديد الواو المكسورة، أي الشك -بأن أكل أو شرب معتقداً بقاء الليل أو غروب الشمس- ثم طرأ له الشك هل حصل ذلك بعد الفجر أو قبله أو بعد الغروب أو قبله؛ فطروّ الشك مخل بركن الإمساك كالذي قبله. فالصوم لا يخلو إما أن يكون فرضاً أو نفلاً. فإن كان فرضاً (فالقضاء) لازم بحصول العذر أو اختلال الركن (في الفرض مطلقاً): أفطر عمداً، أو سهواً، أو غلبة، جوازاً كمسافر، أو حراماً كمنتهك، أو وجوباً كمن خاف على نفسه الهلاك؛ كان الفرض رمضان أو غيره كالكفارات وصوم تمتع وغير ذلك.
(إلا النذر المعين) كما لو نذر صوم يوم معين أو أيام معينة أو شهر معين، وأفطر فيه (لمرض) لم يقدر معه على صومه لخوفه منه على نفسه هلاكاً أو شدة ضرر أو زيادته أو تأخر برء، (أو) أفطر فيه لعذر مانع من صحته (كحيض) ونفاس وإغماء وجنون، فلا يقضي لفوات وقته. فإن زال عذره وبقي منه شيء وجب صومه. (بخلاف) فطر (النسيان والإكراه وخطأ الوقت): كصوم الأربعاء يظنه الخميس المنذور؛
ــ
والمراد بشكها في الفجر: مطلق التردد.
قوله: [فلا يصح فيه]: أي لما تقدم أن من شروط صحة الصوم قبول الزمن للعبادة، والعيد لا يصح صومه ومثله ثاني النحر وثالثه؛ لأن فيه إعراضاً عن ضيافة الله وسيأتي أنهما يستثنيان لمن عليه نقص في حج.
قوله: [فالقضاء]: هذا إذا جن يوماً واحداً بل ولو سنين كثيرة، سواء كان الجنون طارئاً بعد البلوغ أو قبله على المشهور. وهذا قول مالك وابن القاسم في المدونة، خلافاً لابن حبيب والمدنيين، قالوا: إن كثرت كالعشرة فلا قضاء. ومذهب أبي حنيفة والشافعي: لا قضاء على المجنون. لنا أن الجنون مرض وقد قال تعالى: {ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 185].
قوله: [نصفه فأقل فلا قضاء عليه]: حاصله أنه متى أغمي عليه كل اليوم من الفجر للغروب، أو أغمي عليه جله، سواء سلم أوله أم لا، أو أغمي عليه نصفه أو أقله ولم يسلم أوله فيهما؛ فالقضاء في هذه الخمس. فإذا أغمي عليه قبل الفجر ولو بلحظة، واستمر بعدها ولو بلحظة، وجب عليه قضاء ذلك اليوم، فإن أغمي عليه نصف اليوم أو أقله، وسلم أوله فلا قضاء فيهما؛ فالصور سبع يجب القضاء في خمس، وعدمه في اثنتين. وما قيل في الإغماء يقال في الجنون، ومثلهما السكر كان بحلال أو حرام كما استظهره العلامة النفراوي في شرح الرسالة، وتبعه (بن) خلافاً للخرشي و (عب) حيث تبعا الأجهوري في التفرقة بين الحلال والحرام، فجعلا الحرام كالإغماء، والحلال كالنوم - كذا في حاشية الأصل.
قوله: [ولما فرغ من بيان الصوم]: أي من جهة حقيقته وما يثبت به.
قوله: [ما يترتب على الإفطار]: أي في مجموعة صوره فإن هذه الخمسة لا تحصل دفعة واحدة كما سيأتي بيانه.
قوله: [وهي خمسة]: بل ستة والسادس التأديب.
قوله: [القضاء والإمساك]: أي وكل إما واجب أو مستحب انظر (المج).
قوله: [والكفارة]: أي الكبرى ولا تكون إلا واجبة.
قوله: [والإطعام]: وهو الكفارة الصغرى، ويكون مندوباً وواجباً.
قوله: [اقتضى فطره]: أي جواز فطره وإن كان الصوم صحيحاً بدليل ما بعده.
قوله: [أو اقتضى عدم صحته]: أي ويكون الصوم حراماً.
قوله: [أو اختل ركن]: أي بحصول مفسد كان عليه فيه إثم أم لا، فإن السهو والغلبة والصب في حلق النائم، وطرو الشك بعد الأكل لا إثم فيه، وهو مفسد للصوم وموجب للقضاء بأمر جديد، فلم يتعلق بالناسي ومن ذكر معه تكليف حالة الفساد، وهذا مما يؤيد جوابنا المتقدم عن إشكال الشارح فتأمل.
قوله: [أو غلبة]: أي أو إكراهاً أوجب الكفارة أم لا.
قوله: [أو حراماً كمنتهك]: أي بأن يكون لغير مقتض.
قوله: [بخلاف فطر النسيان والإكراه]: أما النسيان فلأن عنده نوعاً من التفريط، وأما المكره فهو على ما قاله في الطراز، وقال (ح) إنه المشهور. وفي الخرشي لا قضاء في الإكراه، ومال شيخ مشايخنا العدوي قائلاً إن المكره أولى من المريض.
فإنه يوجب القضاء مع إمساك بقية اليوم. واحترز "بالنذر المعين" من المضمون إذا أفطر فيه لمرض ونحوه؛ فلا بد من قضائه لعدم تعيين وقته فهو داخل في الإطلاق المتقدم. (و) إن كان الصوم نفلاً (قضى في النفل بالعمد) أي بالفطر العمد (الحرام وإن) حلف عليه إنسان (بطلاق بت) فلا يجوز له الفطر، وإن أفطر قضى وأولى إذا كان رجعياً أو لم يحلف عليه أحد.
(لا غيره): أي غير العمد الحرام بأن أفطر فيه ناسياً أو غلبة أو مكرهاً أو عمداً لكنه ليس بحرام (كأمر والد) أب أو أم له بالفطر شفقة، (و) أمر (شيخ) صالح أخذ على نفسه العهد أن لا يخالفه، ومثله شيخ العلم الشرعي (و) أمر (سيد) لعبده [1] بالفطر؛ فإذا أفطر امتثالاً لهم لم يجب عليه قضاء النفل.
ولما فرغ من بيان ما يقضى وما لا يقضى من الصوم، شرع في بيان ما يجب فيه الإمساك إذا أفطر وما لا يجب فقال:
(ووجب) على المفطر في صومه (إمساك غير معذور) بقية يومه عن المفطرات (بلا إكراه) وغير المعذور: وهو من أفطر عمداً أو غلبة أو نسياناً، والمعذور من أفطر لعذر من مرض أو سفر أو حيض أو نفاس أو جنون، ثم زال عذره. ولما دخل في المعذور المكره -مع أنه إذا زال عذره وجب عليه الإمساك- أخرجه بقوله:"بلا إكراه" أي معذور بغير إكراه.
فقوله: "بلا إكراه" نعت معذور. إن أفطر (بفرض معين) وقته (كرمضان، والنذر) المعين، والكاف استقصائية (مطلقاً): أفطر عمداً أم لا. (أو) لم يتعين وقته، ولكن (وجب تتابعه) ككفارة رمضان والقتل والظهار، (ولم يتعمد) الفطر. فإن أفطر غلبة أو ناسياً فيجب الإمساك بقية يومه بناء على الصحيح من أن غير العمد لا يفسد صومه فإن تعمد الفطر لم يجب عليه الإمساك لفساد جميع صومه الذي فعله ولو آخر يوم منه، فلا فائدة في إمساكه حينئذ. وكذا لو أفطر غير متعمد في أول يوم لم يجب عليه إمساك لعدم الفائدة؛ إذ هو يجب قضاؤه، ولا يؤدي إفطاره لفساد شيء. نعم يندب فيه الإمساك وهذا معنى قولنا:(في غير أول يوم) إذ معناه: يجب الإمساك في المتتابع إذا أفطر ناسياً أو غلبة في غير اليوم الأول، ومفهومه: أنه لو أفطر ناسياً فيه لم يجب الإمساك.
(كتطوع): تشبيه في وجوب الإمساك إذا أفطر فيه بلا تعمد. فإن تعمد لم يجب الإمساك على التحقيق لعدم الفائدة فيه مع وجوب القضاء. وفهم منه: أن الفرض إذا لم يتعين، ولم يجب تتابعه ككفارة اليمين، والنذر المضمون، وقضاء رمضان وجزاء الصيد، وفدية الأذى لا يجب فيه الإمساك مطلقاً أفطر عمداً أو نسياناً أو غلبة فهو مخير في الإمساك وعدمه. ومسألة الإمساك مما زدناه على المصنف.
ثم شرع في بيان الكفارة وأنها خاصة برمضان فقال:
(والكفارة) واجبة (برمضان) أي بالفطر في رمضان (فقط) دون غيره (إن أفطر) فيه.
(منتهكاً لحرمته) أي غير مبال بها بأن تعمدها اختياراً بلا تأويل قريب،
ــ
قوله: [فإنه يوجب القضاء]: أي حيث أصبح مفطراً في الخميس. ولم يذكر إلا في أثنائه فيجب عليه إمساكه وقضاؤه.
قوله: [وإن حلف عليه إنسان] إلخ: رد بالمبالغة على من قال: إذا حلف عليه بالطلاق الثلاث جاز له الفطر، ولا قضاء، ومثل الثلاث: إذا كانت معه على طلقة وحلف بها. ومحل عدم جواز الفطر إلا لوجه؛ كتعلق قلب الحالف بمن. حلف بطلاقها، بحيث يخشى أن لا يتركها إن حنث فيجوز، ولا قضاء. وهو حينئذ داخل في قوله بعد لا غيره.
قوله: [أب أو أم]: أي لا جد أو جدة. والمراد الأبوان المسلمان، لا إن كانا كافرين فلا يطيعهما إلحاقاً للصوم بالجهاد، بجامع أن كلاً من الدينيات، هذا هو الظاهر كذا في حاشية الأصل.
قوله: [أخذ على نفسه العهد] إلخ: اعترض بأن العهد إنما يكون من الطاعات وإفساد الصوم حرام. وأجيب بأنه لما اختلف العلماء في إفساد صوم النفل قدم فيه نظر الشيخ، ألا ترى الشافعية يقولون بجواز إفساده واستدلوا بحديث:"الصائم المتطوع [2] أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر".
قوله: [ومثله شيخ العلم الشرعي]: أي وكذا آلاته.
قوله: [ما يجب فيه الإمساك] إلخ: حاصل ما ذكره في الإمساك بعد الفطر: أن الإمساك في الفرض المعين سواء كان رمضان أو نذراً واجب، سواء أفطر عمداً أو نسياناً أو غلبة بغير إكراه، أو إكراه. وفي المضمون في الذمة - وهو كل صوم لا يجب تتابعه؛ كالنذر الغير المعين وصيام الجزاء والتمتع وكفارة اليمين وقضاء رمضان - جائز لا واجب، فيخير بين الإمساك وعدمه سواء كان الفطر عمداً أو نسياناً أو غلبة أو إكراهاً، وفي النفل واجب في النسيان وغير واجب في العمد الحرام على المعتمد. وأما ما وجب فيه التابع من الصوم وكان فرضاً غير معين؛ ككفارة الظهار والقتل، فإن كان الفطر عمداً فلا إمساك لفساده وإن كان غلبة أو سهواً وجب الإمساك. وكمل على المعتمد إذا كان ذلك في غير اليوم الأول، فإن كان فيه استحب الإمساك فقط.
قوله: [والمعذور من أفطر]: مراده بيان أن المعذور: هو الذي يباح له الفطر مع العلم برمضان، وغير المعذور ضده. ولا يرد علينا المجنون والمكره، فإن فعلهما لا يوصف بإباحة ولا عدمها كما تقدم قوله:[أفطر عمداً أم لا]: صادق بالفطر نسياناً أو غلبة أو إكراهاً.
قوله: [بلا تأويل قريب]: أي بأن لم يكن تأويل أصلاً أو تأويل بعيد كما يأتي، ثم إن الانتهاك إنما يعتبر حيث لم يتبين خلافه، فمن تعمد الفطر يوم الثلاثين منتهكاً للحرمة، ثم تبين أنه يوم العيد فلا كفارة ولا قضاء عليه
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (له).
[2]
ليست في ط المعارف.
احترازاً من الناسي والجاهل والمتأول فلا كفارة عليهم كما يأتي.
(بجماع) أي إدخال حشفته في فرج مطيق ولو بهيمة، وإن لم ينزل وتجب على المرأة إن بلغت. (وإخراج مني) بمباشرة أو غيرها، (وإن بإدامة فكر أو نظر) إن كان عادته الإنزال من استدامتهما ولو في بعض الأحيان (إلا أن) يكون عادته عدم الإنزال من استدامتهما و (يخالف عادته) فينزل بعد استدامتهما فلا كفارة على ما اختاره ابن عبد السلام، وقيل: عليه الكفارة مطلقاً. ومفهوم " إدامة " أنه لو أمنى بمجرد فكر أو نظر فيه فلا كفارة عليه، وهو كذلك.
(أو) أفطر بسبب (رفع نية) صومه [1] نهاراً أو ليلاً، ويستمر ناوياً عدمه حتى طلع الفجر، فالكفارة؛ لأن نية إبطال الصوم والصلاة في الأثناء معتبرة بخلاف رفضهما بعد الفراغ منهما، وبخلاف رفض الحج العمرة مطلقاً.
(أو) أفطر بسبب (إيصال مفطر) من مائع أو غيره (لمعدة من فم فقط): راجع للجميع، أو مفطر -لا غيره- كبلغم لمعدة فقط لا لحلق، وإن وجب القضاء في المائع. وقيل بوجوب الكفارة أيضاً من (فم فقط) لا من غيره كأنف أو دبر لأنها معللة بالانتهاك الذي هو أخص من العمد.
ثم ذكر محترز الانتهاك بقوله: (لا) إن أفطر (بنسيان) لكونه صائماً.
أو (جهل) لرمضان بأن ظن أنه شعبان، أو منه كيوم الشك، أو جهل حرمة الفطر برمضان لقرب عهد بالإسلام، وأما جهل وجوب الكفارة مع علمه بحرمة الفطر فلا ينفعه.
(أو غلبة) بأن سبقه الماء مثلاً أو أكره على تناول المفطر فلا كفارة لعدم الانتهاك. واستثنى من الغلبة مسألتين بقوله: (إلا إذا تعمد قيئاً): أي إخراجه فابتلعه أو شيئاً منه،
ــ
وإن كان آثماً عليه من حيث الجراءة، ومثله من تعمد الأكل قبل غروب الشمس، فتبين أن أكله بعده، وكذلك الحائض تفطر متعمدة ثم يظهر حيضها قبل فطرها وهكذا.
قوله: [والجاهل]: حاصله أن أقسام الجاهل ثلاثة: جاهل حرمة الوطء مثلاً، وجاهل رمضان، وجاهل وجوب الكفارة مع علمه بحرمة الفعل. فالأولان لا كفارة عليهما، والأخير تلزمه الكفارة، فتحصل أن شروط الكفارة للمكلف خمسة كما في الأصل: أولها: العمد فلا كفارة على ناس. الثاني: الاختيار فلا كفارة على مكره أو من أفطر غلبة. الثالث: الانتهاك فلا كفارة على متأول تأويلاً قريباً. الرابع: أن يكون عالماً بالحرمة، فجاهلها - كحديث عهد بإسلام - ظن أن الصوم لا يحرم معه الجماع، فلا كفارة عليه. خامسها: أن يكون في رمضان فقط لا في قضائه ولا في كفارة أو غيرها اهـ. ويزاد في الأكل والشرب: أن يكون بالفم فقط، وأن يصل للمعدة. ولا كفارة على ناذر الدهر إن أفطر في غير رمضان على المعتمد، وقيل: إن ناذر الدهر يكفر عن فطره عمداً، وعليه فقيل: كفارة صغرى، وقيل: كبرى. وعليه فالظاهر تعين غير الصوم، فإن ترتب على ناذر الدهر كفارة لرمضان. وعجز عن غير الصوم. رفع لها نية النذر كالقضاء؛ لأنهما من توابع رمضان. قال في المجموع: والظاهر أن ناذر الخميس والاثنين مثلاً إذا أفطر عامداً يقضي بعد ذلك فقط. ولا كفارة عليه، وإن أجرى فيه (ح) الخلاف السابق.
قوله: [وقيل عليه الكفارة مطلقاً]: اعلم أن في مقدمات الجماع المكروهة إذا أنزل ثلاثة أقوال حكاها في التوضيح وابن عرفة عن البيان. الأول: لمالك في المدونة وهو القضاء والكفارة مطلقاً. والثاني: لأشهب القضاء فقط إلا أن يتابع. والثالث: لابن القاسم في المدونة القضاء والكفارة إلا أن ينزل عن نظر أو فكر غير مستدامين، وقد تقدمت تلك العبارة. فإذا علمت ذلك فشارحنا غير موافق لطريقة من الثلاث وإنما هي طريقة اللخمي.
قوله: [وهو كذلك]: أي على المعتمد.
قوله: [رفع نية لصومه نهاراً]: بأن قال في النهار وهو صائم: رفعت نية صومي أو رفعت نيتي، أما من عزم على الأكل أو الشرب ثم ترك ما عزم عليه فلا شيء عليه، لأن هذا ليس رفعاً للنية، وقد سئل ابن عبدوس عن مسافر صام في رمضان فعطش فقربت له سفرته ليفطر وأهوى بيده ليشرب فقيل له لا ماء معك فكف، فقال: أحب له القضاء، وصوب اللخمي سقوطه، وقال: إنه غالب الرواية عن مالك، وكذلك في المجموع، ومعنى رفع النية: الفطر بالنية لا نية الفطر، فلا يضر إذا لم يفطر بالفعل كما في (ر)، وهو معنى ما في غيره: إنما يضر الرفض المطلق، أما المقيد بأكل شيء فلم يوجد فلا. ومنه من نوى الحدث في أثناء الوضوء فلم يحدث؛ ليس رافضاً. وانظر: لو نوى أن يأكل في الصلاة مثلاً فلم يفعل. وأما قول من ظن الغروب خطأ: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، فظاهر أنه لا يراد به الرفض، وإنما المعنى على رزقك أفطر على حد:{أتى أمر الله} فإن الرزق لا ينتفع به بعد.
قوله: [بخلاف رفضهما بعد الفراغ منهما]: أي فلا يضر على المعتمد من قولين مرجحين.
قوله: [وبخلاف رفض الحج والعمرة]: أي فلا يضر لأنهما عمل مالي وبدني فرفضهما حرج في الدين وقال تعالى: {ما [2] جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78].
قوله: [الذي هو أخص من العمد]: أي لأن العمد موجود في الواصل من الأنف والأذن والعين وليس هناك انتهاك؛ واعترض
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (لصومه).
[2]
كذا في ط الحلبي والمعارف، وما في قراءة حفص:{وما} .
ولو غلبة فيلزمه الكفارة (أو) إلا إذا تعمد (استياكاً بجوزاء نهاراً) وابتلعها ولو غلبة؛ فالكفارة بخلاف ما لو ابتلعها نسياناً فالقضاء فقط، والجوزاء قشر يتخذ من أصول شجر الجوز يستعمله بعض نساء أهل المغرب.
(ولا) إن أفطر (بتأويل قريب) فلا كفارة، والتأويل: حمل اللفظ على خلاف ظاهره لموجب، وقريبه ما ظهر موجبه، وبعيده ما خفي موجبه أي دليله، والمراد به هنا الظن، أي ظن إباحة الفطر، وقريبه ما استند إلى أمر محقق موجود، وبعيده: ما استند إلى أمر موهوم غير محقق.
ومثل للقريب بقوله: (كمن أفطر ناسياً أو مكرهاً): فظن أنه لا يجب عليه الإمساك لفساد صومه فأفطر، وقوله:(على الأظهر) راجع للمكره؛ فلا كفارة. لأن ظنه استند إلى فطره أولاً، ناسياً أو مكرهاً. (أو) كمن (قدم) من سفره (قبل الفجر) فظن إباحة فطره صبيحة تلك الليلة فأفطر.
(أو سافر دون) مسافة (القصر) فظن إباحة الفطر فأفطر.
(أو رأى شوالاً نهاراً) يوم الثلاثين من رمضان فظن أنه يوم عيد فأفطر.
(أو) أصابته جنابة ليلاً فأصبح جنباً (لم يغتسل إلا بعد الفجر) فظن إباحة الفطر فأفطر.
(أو احتجم) نهاراً فظن إباحة الفطر فأفطر.
(أو ثبت رمضان) يوم الشك (نهاراً) فظن عدم وجوب الإمساك فأفطر فلا كفارة.
فقوله: (فظنوا الإباحة): أي إباحة الفطر (فأفطروا) راجع للجميع، فإن علموا الحرمة أو شكوا فيها فالكفارة.
(بخلاف) التأويل (البعيد) ففيه الكفارة (كراء) لهلال رمضان، (لم يقبل) عند الحاكم فرد شهادته، فظن إباحة الفطر فأفطر.
(أو) أفطر (لحمى أو لحيض) ظن أنها تقع له في ذلك اليوم فعجل الفطر قبل الحصول فالكفارة (ولو حصلا أو) أفطر (لغيبة) بكسر الغين صدرت منه في حق غيره فظن الفطر.
(أو) أفطر (لعزم على سفر) في ذلك اليوم (ولم يسافر) فيه فالكفارة (وإلا) بأن سافر فيه (فقريب) فلا كفارة، وسيأتي تفصيل مسألة السفر إن شاء الله تعالى.
(وهي): أي الكفارة ثلاثة أنواع على التخيير:
ــ
بأن الانتهاك عدم المبالاة بالحرمة وهو متأت من الأنف والأذن والعين، ولذا علل بعضهم بقوله لأن هذا لا تتشوف إليه النفوس، وأصل الكفارة إنما شرعت لزجر النفس عما تتشوف إليه.
قوله: [ولو غلبة فيلزمه الكفارة]: ما قبل المبالغة العمد، فالتكفير في صورتين: العمد والغلبة، لا إن ابتلعه ناسياً.
قوله: [استياكاً بجوزاء]: أي وصل للجوف شيء من ذلك بعد تعمد الاستياك بها.
وحاصل الفقه: أنه إن تعمد الاستياك بها نهاراً كفر في صورتين وهما: إذ ابتلعها عمداً أو غلبة لا نسياناً وإن استاك بها نهاراً نسياناً ووصل شيء منها للجوف فلا يكفر إلا إذا ابتلعها عمداً - لا غلبة أو نسياناً - فالقضاء فقط، ومثله إذا تعمد الاستياك بها ليلاً، وهذا حاصل كلامه في الأصل تبعا ل (عب) قال (بن): وفيه نظر لأن الكفارة لم يذكرها التوضيح إلا عن ابن لبابة وهو قيدها بالاستعمال نهاراً لا ليلاً، وإلا فالقضاء فقط، وكذا نقله ابن غازي والمواق عن ابن الحاجب - كذا في حاشية الأصل، ولذلك شارحنا قيد بالنهار وقد استظهر في المجموع ما يوافق الأصل فتأمل.
قوله: [لأن ظنه استند إلى فطره أولاً ناسياً أو مكرهاً]: أي فالنسيان أو الإكراه شبهة لما في الحديث الشريف: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ، فقد استند لأمر محقق وقد صرف اللفظ عن ظاهره، لأن أصل معنى اللفظ رفع إثم الجراءة، وجواز الأكل والشرب خلاف ظاهره.
قوله: [أو كمن قدم من سفره]: أي فقد استند إلى أمر موجود وهو قوله تعالى: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 185] وقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس من البر الصيام في السفر» وهذا هو مستند من سافر دون القصر أيضاً، ومعلوم أن كلاً صرف اللفظ عن ظاهره.
قوله: [أو رأى شوالاً نهاراً]: وشبهته قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» .
قوله: [فأصبح جنباً]: وشبهته ما ورد من النهي عن ذلك، ومذهب ابن عباس وأبي هريرة فساد الصوم بذلك.
قوله: [أو احتجم نهاراً] إلخ: مستنداً لحديث: "أفطر الحاجم والمحتجم".
قوله: [فظن عدم وجوب الإمساك]: وشبهته عدم العلم بالرؤية ليلاً، وفوات محل النية فهو أقوى شبهة ممن أفطر نسياناً.
قوله: [فظنوا الإباحة]: أي هؤلاء الثمانية والعدد ليس بحاصر، بل يقاس عليه كل ذي شبهة قوية، ومن ذلك فطر من لم يكذب العدلين بعد ثلاثين، فإن الشافعي يقول به، ومن تسحر بلصق الفجر فظن بطلان الصوم فأفطر.
قوله: [أو شكوا فيها]: إنما كانت الكفارة مع الشك لضعف الشبهة.
قوله: [كراء]: إنما كان تأويله بعيداً لمخالفته نص الآية والحديث، وهما قوله تعالى:{فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185] وقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ولزوم الكفارة له مذهب ابن القاسم، وهو المشهور.
قوله: [فالكفارة ولو حصلا]: هذا هو المشهور، وقال ابن عبد الحكم: لا كفارة فيهما، ورآه من التأويل القريب.
قوله: [أو أفطر لغيبة]: وإنما لم تكن الآية والحديث الوارد في ذلك من الشبهة القوية فيكون تأويلاً قريباً لبعد حمل الأكل في الآية، والفطر في الحديث على المعنى الحقيقي.
قوله: [فقريب]: أي لاستناده [1].
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (الاستناده).
إما (إطعام ستين مسكيناً) المراد به ما يشمل الفقير، (لكل مد) بمده صلى الله عليه وسلم لا أكثر ولا أقل، وتقدم أن المد ملء اليدين المتوسطتين وهو الأفضل.
(أو صيام شهرين متتابعين) بالهلال إن ابتدأها أول شهر، فإن ابتدأها أثناء شهر صام الذي بعده بالهلال كاملاً أو ناقصاً، وكمل الأول من الثالث ثلاثين يوماً فإن أفطر في يوم عمداً بطل جميع ما صامه واستأنفه.
(أو عتق رقبة) ذكراً أو أنثى فيها شائبة حرية (مؤمنة) فلا تجزئ كافرة، (سالمة من العيب) كالظهار فلا تجزئ عوراء ولا بكماء ولا شلاء ولا نحو ذلك.
والتخيير [1] بين في الحر الرشيد، وأما العبد فإنما يكفر بالصوم إلا أن يأذن له سيده بالإطعام، وأما السفيه فيأمره وليه بالصوم، فإن لم يقدر كفر عنه وليه بأدنى النوعين.
(وكفر) السيد (عن أمته إن وطئها) ولو أطاعته.
(و) كفر الرجل (عن غيرها) أي غير أمته كزوجة أو امرأة زنى بها (إن أكرهها لنفسه)، لا إن أطاعته ولا إن أكرهها لغيره، فعليها إن طاوعت لا إن أكرهت
(نيابة) عنهما فيكون التكفير عنهما (بلا صوم)، إذ الصوم عمل بدني لا يقبل النيابة، (وبلا عتق في الأمة) الموطوءة إذ لا يصح منها العتق حتى ينوب عنها فيه، فيتعين الإطعام فيها، وجاز العتق عن الحرة كالإطعام.
ثم شرع في بيان ما لا قضاء فيه مما قد يتوهم فيه القضاء، فقال:
(ولا قضاء بخروج قيء غلبة) إذا لم يزدرد منه شيئاً ولو كثر، بخلاف خروجه باختياره فيقضي كما تقدم.
(أو غالب ذباب): عطف على خروج، (أو) غالب (غبار طريق، أو) غالب (كدقيق) نحو جبس لصانعه، (أو) غبار (كيل لصانعه) من طحان وناخل ومغربل وحامل - بخلاف غير الصانع فعليه القضاء - ومن الصانع من يتولى أمور نفسه من هذه الأشياء، أو من حفر أرض لحاجة كقبر أو نقل تراب لغرض.
ــ
لظاهر الآية والحديث كما تقدم.
قوله: [إما إطعام ستين مسكيناً]: مراده التمليك سواء أكله أو باعه.
قوله: [المراد به ما يشمل الفقير]: أي لما تقدم لنا من أنهما إذا افترقا اجتمعا.
قوله: [لكل مد]: أي ولا يجزئ غداء وعشاء خلافاً لأشهب، وتعددت بتعدد الأيام لا في اليوم الواحد، ولو حصل الموجب الثاني بعد الإخراج، أو كان الموجب الثاني من غير جنس الأول.
قوله: [وهو الأفضل]: أي ولو للخليفة خلافاً لما أفتى به يحيى بن يحيى أمير الأندلس عبد الرحمن من تكفيره بالصوم بحضرة العلماء، فقيل له في ذلك؟ فقال: لئلا يتساهل فيعود ثانياً، وإنما كان الإطعام أفضل لأنه أكثر نفعاً لتعديه لأفراد كثيرة، والظاهر أن العتق أفضل من الصوم لأن نفعه متعد للغير.
قوله: [فإن أفطر في يوم عمداً]: أي لا غلبة أو نسياناً فلا يبطل ما صامه بل يبني.
قوله: [كالظهار]: أحال عليه وإن لم يتقدم له ذكر لشهرته في المذهب.
قوله: [والتخيير بين]: أي في الأنواع الثلاثة فأو في كلام المصنف للتخيير، وقد جمع بعضهم أنواع الكفارات بقوله:
ظهاراً وقتلاً رتبوا وتمتعا
…
كما خيروا في الصوم والصيد والأذى
وفي حلف بالله خير ورتبن
…
فدونك سبعاً إن حفظت فحبذا
قوله: [إلا أن يأذن له سيده بالإطعام]: أي فيجزئه بخلاف العتق فلا يجزئه ولو أذن له سيده.
قوله: [بأدنى النوعين]: المراد كفر عنه بأقلهما قيمة، فإذا كانت قيمة الرقيق أقل كفر عنه بالعتق، وإن كانت قيمة الطعام أقل كفر عنه بالإطعام، وقال عبد الحق يحتمل بقاؤهما في ذمته إن أبى الصوم، قال في التوضيح: وهذا أبين وهو يفيد أنه لا يجبره على الصوم.
قوله: [ولو أطاعته]: أي لأن طوعها إكراه وهذا ما لم تطلبه ولو حكماً بأن تتزين له فتلزمها وتصوم ما لم يؤذن لها في الإطعام.
قوله: [إن أكرهها لنفسه]: والإكراه يكون بخوف مؤلم كضرب فأعلى كإكراه الطلاق فقد ذكر (ر) أن الإكراه في العبادات يكون بما ذكر، كذا في حاشية الأصل نقلاً عن (بن)، ومحل تكفيره عنها إن كانت بالغة مسلمة عاقلة وإلا فلا.
قوله: [فعليها إن طاوعت لا إن أكرهت]: لعل صوابه فعليه إن طاوع لا إن أكره أي فكفارة المرأة على الشخص الذي أكرهت له إن طاوع هو بالجماع، لا إن أكره أيضاً، فكفارة المرأة على المكره لها ولا كفارة على من أكره الرجل نظراً لانتشاره، ولا على المكره بالفتح نظراً للإكراه، وفي (بن) عن ابن عرفة: لا كفارة على مكره على أكل أو شرب أو امرأة على وطء. فانظره كذا في المجموع.
قوله: [إذ لا يصح منها العتق]: أي لأن الرقيق لا يحرر غيره.
تنبيه: إن أكره العبد زوجته فجناية وليس لها حينئذ أن تكفر بالصوم، وتأخذه وأيضاً إنما تكفر نيابة عن العبد في الكفارة وهو لا يكفر عنها بالصوم، فإن أكره الرجل زوجته على مقدمات الجماع حتى أنزلت ففي تكفيره عنها قولان.
قوله: [بخروج قيء]: وأولى القلس.
قوله: [فيقضي كما تقدم]: أي ولا كفارة عليه ما لم يزدرد منه شيئاً عمداً أو غلبة.
قوله: [لصانعه]: راجع لما بعد الكاف، واغتفر للصانع للضرورة وهو المعتمد، وقال بعضهم: لا يغتفر. وأما غير الصانع فلا يغتفر اتفاقاً إن تعرض له.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (التخيير).
(أو) في (حقنة من إحليل) أي ثقب الذكر ولو بمائع لأنه لا يصل عادة للمعدة (أو) في (دهن جائفة) وهي الجرح في البطن أو الجنب الواصل للجوف يوضع عليه الدهن للدواء، وهو لا يصل لمحل الأكل والشرب وإلا لمات من ساعته.
(أو) في (نزع مأكول)، أو مشروب، (أو) نزع (فرج طلوع الفجر) أي مبدأ طلوعه فلا قضاء بناء على أن نزع الذكر لا يعد وطئاً، وإلا كان واطئاً نهاراً.
(فإن ظن) هذا النازع (الإباحة) أي إباحة الفطر (فأفطر): أي فأصبح مفطراً (فتأويل قريب) لأنه استند فيه لأمر محقق فلا كفارة عليه.
ثم شرع في بيان أمور تجوز للصائم وأراد بالجواز: الإذن المقابل للمنع، فيشمل ما استوى طرفاه، وما هو خلاف الأولى، وما هو مكروه فقال:
(وجاز) للصائم (سواك كل النهار) خلافاً لمن قال يكره بعد الزوال والمراد أنه مستحب عند المقتضى الشرعي كالوضوء.
(ومضمضة لعطش) أو حر. (وإصباح بجنابة): بمعنى خلاف الأولى.
(و) جاز (فطر بسفر قصر) بمعنى يكره (أبيح) مراده بالمباح: ما قابل الممنوع؛ كالسفر لقطع طريق، أو لسرقة ونحو ذلك من سفر المعصية.
ومحل الجواز: (إن بيته) أي الفطر (فيه) أي في السفر أي في أثناء المسافة في غير اليوم الأول منه بل (وإن بأول يوم)، أي وإن كان تبييت الفطر في أول يوم من سفره، بأن وصل لمحل بدء قصر الصلاة قبل الفجر كأن يعدي البساتين المسكونة قبله، فينوي الفطر حينئذ فقوله:
(إن شرع) في سفره (قبل الفجر) تصريح بما علم التزاماً مما قبله زيادة في الإيضاح، لأنه إذا بيت الفطر في السفر لزم أنه شرع في سفره الذي أوله محل قصر الصلاة قبل الفجر. فعلم أن لجواز الفطر برمضان أربعة شروط: أن يكون السفر سفر قصر، وأن يكون مباحاً، وأن يشرع قبل الفجر إذا كان أول يوم، وأن يبيت الفطر. فإن توفرت هذه الشروط جاز الفطر (وإلا) بأن انخرم شرط منها (فلا) يجوز. ويبقى الكلام بعد ذلك في الكفارة وعدمها إذا أفطر فيه؛ فبين أن عليه الكفارة في ثلاث مسائل بقوله:
(وكفر إن بيته) أي الفطر (بحضر) بأن نواه قبل الشروع فيه. (ولم يشرع) في السفر (قبل الفجر)، بل بعده وأولى إذا لم يسافر أصلاً، ولا يعذر بتأويل لأنه حاضر بيت الفطر، فإن سافر قبل الفجر بأن عدى البساتين المسكونة قبله فظاهر أنه لا كفارة عليه.
ــ
قوله: [من إحليل]: أي وأما من الدبر أو فرج المرأة فتوجب القضاء إذا كانت بمائع هكذا قال شراح خليل، واعترضه أبو علي المسناوي: بأن فرج المرأة ليس متصلاً بالجوف فلا يصل منه شيء إليه، وفي المدونة كره مالك الحقنة للصائم، فإن احتقن في فرج بشيء يصل إلى جوفه، فالقضاء ولا يكفر، وفي (ح) عن النهاية: أن الإحليل يقع على ذكر الرجل وفرج المرأة اهـ. (بن) نقله محشي الأصل) فإذا علمت ذلك فقول شارحنا: "أي ثقبة الذكر" لا مفهوم له بل مثله فرج المرأة.
قوله: [بناء على أن نزع الذكر] إلخ: ونص ابن شاس: ولو طلع الفجر وهو يجامع فعليه القضاء إن استدام. فإن نزع أي في حال الطلوع - ففي إثبات القضاء ونفيه خلاف بين ابن الماجشون وابن القاسم، سببه أن النزع هل يعد جماعاً أم لا.
قوله: [فيشمل ما استوى طرفاه]: أي لأن ما يأتي متنوع إلى مستوي الطرفين، ومندوب ومكروه وخلاف الأولى وسيظهر بالوقوف عليه.
قوله: [خلافاً لمن قال يكره] إلخ: وهو الشافعي وأحمد مستدلين بحديث: «لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك» ، والخلوف بالضم: ما يحدث من خلو المعدة من الرائحة الكريهة في الفم، وشأن ذلك يكون بعد الزوال، فإذا استاك زال ذلك المستطاب عند الله، فلذا كان مكروهاً، وحجتنا أنه كناية عن مدح الصوم وإن لم تبق حقيقة الخلوف، كما يقال: فلان كثير الرماد أي كريم، وإن لم يوجد رماد، وهذا كما قال في المجموع: خير مما قيل إن السواك لا يزيل الخلوف، لأنه من المعدة، فإنه قد يقال: وإن لم يزله يضعفه والمقصود تقوية رائحته. لكن في الصحيح ما يقوي مذهب الشافعي وأحمد، من «أن موسى عليه الصلاة والسلام صام ثلاثين يوماً فوجد خلوفاً فاستاك منه، فأمر بالعشر كفارة» لذلك قال تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر} [الأعراف: 142] قالوا: سبب العشر الاستياك. وأجاب في المجموع بقوله: ولعله لمعنى يخصه، أو أن العبرة في شريعتنا بعموم أحاديث السواك، فإنها مبنية على التيسير بخلاف الشرائع السابقة.
قوله: [ومضمضة لعطش]: أي فهو جائز مستوي الطرفين، أو مطلوب إن توقف زوال العطش عليه، وأما المضمضة لغير موجب فمكروهة.
قوله: [بمعنى خلاف الأولى]: أي إذا تقصدها من غير عذر.
قوله: [أربعة شروط]: منها ما يعم يوم السفر وما بعده وهو قوله "بسفر قصر أبيح"، وقوله "أن يبيته فيه"، ومنها ما يخص يوم السفر دون ما بعده، وهو قوله "إن شرع فيه قبل الفجر"، ويؤخذ من تلك الشروط أنه يجوز للصائم المسافر الفطر، ولو أقام يومين أو ثلاثاً بمحل، ما لم ينو إقامة أربعة أيام كقصر الصلاة كما صرح به في النوادر، ونقله ابن عرفة.
1 -
قوله: [في ثلاث مسائل]: أي إجمالاً وتحت كل صور.
قوله: [وأولى إذا لم يسافر أصلاً]: يشير إلى أن في هذه المسألة أربع صور وهي: سافر بعد الفجر، أو لم يسافر أصلاً، تأول، أم لا.
المسألة الثانية قوله: (أو) بيت (الصوم بسفر) بأن نوى الصوم وطلع عليه الفجر وهو ناويه، سواء في أول يوم أو في غيره ثم أفطر فإنه يلزمه الكفارة ولا يعذر بتأويل أيضاً؛ لأنه لما جاز له الفطر فاختار الصوم ثم أفطر، كان منتهكاً متلاعباً بالدين وهاتان المسألتان مفهوم قوله:"إن بيته فيه".
وأشار للمسألة الثالثة -مشبهاً لها بما قبلها ليرجع التفصيل بعد الكاف- بقوله: (كحضر): أي كما لو بيت الصوم بحضر -كما هو الواجب عليه- ولم يسافر قبل الفجر وعزمه السفر بعده، (وأفطر قبل الشروع) فيه (بلا تأويل): فيلزمه الكفارة لانتهاكه الحرمة عند عدم التأويل.
(وإلا) بأن تأول أي ظن إباحة الفطر فأفطر أو أفطر بعد الشروع (فلا) كفارة عليه لقرب تأويله، لاستناده إلى السفر حيث سافر، وهذه أيضاً من مفهوم:"إن بيته"، فيه لأن معناه إن بيت الفطر في السفر، ومفهومه: بيت الفطر في الحضر وهي الأولى، أو بيت الصوم في السفر وهي الثانية، أو بيت الصوم في الحضر وهي الثالثة، فالكفارة في الأوليين مطلقاً، وفي الثالثة إن لم يتأول.
وبقي مفهوم "أبيح" وفيه الكفارة مطلقاً لظهور الانتهاك فيه، ولذا تركه، وأما مفهوم:"سفر قصر" فقد تقدم في ذكر التأويل القريب والله أعلم. (و) جاز فطر (بمرض): فهو معطوف على بسفر (إن خاف) بالصوم (زيادته) أي المرض (أو) خاف (تماديه) وهو معنى تأخر البرء، وأولى إن خاف حدوث مرض آخر.
(ووجب) الفطر (إن خاف) بالصوم (هلاكاً أو شديد ضرر)، كتعطيل حاسة من حواسه.
(كحامل أو مرضع لم يمكنها) أي المرضع (استئجار) لعدم مال أو مرضعة أو عدم قبوله غيرها (ولا غيره) -وهو الرضاع مجاناً- (خافتا) بالصوم (على ولديهما): فيجوز إن خافتا عليه مرضاً أو زيادته، ويجب إن خافتا هلاكاً أو شدة ضرر، وأما خوفهما على أنفسهما فهو داخل في عموم قوله:"وبمرض" إلخ إذ الحمل مرض، والرضاع في حكمه فإن أمكنها استئجار أو غيره وجب صومها.
(والأجرة) أي أجرة الرضاع (في مال الولد) إن كان له مال، (ثم الأب) إن لم يكن له مال.
(و) وجب (إطعام مده عليه الصلاة والسلام لمفرط في قضاء رمضان لمثله) أي إلى أن دخل عليه رمضان الثاني ولا يتكرر بتكرر الأمثال (عن كل يوم) أي إطعام مده من غالب قوت البلد عن كل يوم مد (لمسكين إن أمكن القضاء بشعبان)، بأن يبقى منه بقدر ما عليه من رمضان.
(لا) يجب على المفرط في قضاء رمضان إطعام (إن اتصل عذره) من مرض أو سفر أو جنون أو حيض أو نفاس، (بقدر ما) أي الأيام التي (عليه)، إلى تمام شعبان؛ فمن عليه خمسة أيام مثلاً وحصل له عذر قبل رمضان الثاني بخمسة أيام فلا إطعام عليه، وإن كان طول عامه خالياً من الأعذار، وإن حصل العذر له في يومين فقط وجب عليه إطعام ثلاثة أمداد، لأنها [1] أيام التفريط دون أيام العذر، فقوله "عذره" أعم من قوله مرضه. وقولنا:"بقدر" إلخ
ــ
قوله: [أو بيت الصوم بسفر]: في تلك المسألة أربع صور وهي: كان في أول اليوم، أو غيره، تأول، أم لا.
قوله: [ومفهوم قوله إن بيته]: أي مفهوم قول المصنف إن بيته - أي الفطر - فيه، أي في السفر، وسيأتي للشارح توضيح تلك المفاهيم.
قوله: [وأشار للمسألة الثالثة]: منطوقها الذي فيه الكفارة صورة واحدة، ومفهومها الذي لا كفارة فيه ثلاث صور.
قوله: [أو أفطر بعد الشروع]: أي ولو لم يتأول، فقوله "لقرب تأويله": تعليل لفطره متأولاً قبل الشروع كما صرح به في الأصل.
قوله: [حيث سافر]: مفهومه: لو أفطر عازماً على السفر قبل الشروع ولم يسافر يومه، لزمته الكفارة. ولا ينفعه تأويل.
قوله: [مطلقاً]: تقدم تحت الإطلاق ثمان صور في كل أربع.
قوله: [وفي الثالثة إن لم يتأول]: فهي صورة واحدة، وهي فطره قبل الشروع بلا تأويل، ومفهومها ثلاث قد علمتها.
قوله: [وبقي مفهوم أبيح] إلخ: إنما اشترطت الإباحة لأنه رخصة تختص بالسفر.
تنبيه: قال في المجموع: وكلام الأجهوري في فضائل رمضان: أن السفر بعد الفجر في رمضان مكروه، وفي الحطاب فيمن سافر لأجل الفطر: هل يمنع - معاملة له بنقيض مقصوده - كمن تحيل في الزكاة، أو ارتد لإسقاط شيء؟ وقرر شيخنا: أن السفر لذلك مكروه أو حرام، ويجوز الفطر فتأمله اهـ.
قوله: [وجاز فطر بمرض]: أي ويجوز للصائم الفطر بسبب المرض فالباء سببية. وما ذكره المصنف من الجواز هو المشهور.
قوله: [زيادته أي المرض أو خاف تماديه]: ومثلهما الجهد والمشقة بخلاف جهد الصحيح ومشقته فلا يبيح الفطر.
قوله: [فيجوز إن خافتا عليه مرضاً] إلخ: ومثلهما الجهد والمشقة كما قال اللخمي، وحكى ابن الحاجب الاتفاق عليه.
قوله: [إذ الحمل مرض]: أي ولذلك كانت الحامل لا إطعام عليها، بخلاف المرضع لأنه ليس مرضاً حقيقياً لها.
قوله: [ثم الأب]: هذا هو الراجح، وقيل على الأم حيث يجب عليها الرضاع بأن كانت غير علية القدر وغير مطلقة طلاقاً بائناً، وإلا فلا يجب عليها اتفاقاً.
قوله: [وإن أمكن القضاء بشعبان] إلخ: حاصله: أنه يلزم المفرط إطعام المد عن كل يوم لمسكين إذا كان يمكن قضاء
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (لأنهما).
قيد زائد على كلامه لدفع توهم اتصال العذر من رمضان لرمضان، أو في جميع شعبان (مع القضاء) متعلق بإطعام أو بمحذوف: أي [1] يطعم مع القضاء ندباً أي يندب إطعام المد أي إخراجه مع كل يوم يقضيه من العام الثاني (أو بعده) أي بعد تمام كل يوم أو بعد تمام جميع أيام القضاء، يخرج جميع الأمداد فإن أطعم بعد الوجوب بدخول رمضان وقبل الشروع في القضاء أجزأ وخالف المندوب.
(و) وجب الإطعام عن كل يوم مد (لمرضع) أي على مرضع (أفطرت) خوفاً على ولدها، بخلاف الحامل تخاف على حملها.
(و) وجب (رابع النحر) أي صومه (لناذره) إن لم يعينه بأن نذر صوم كل خميس فصادف رابع النحر أو نذر السنة، فيجب صومه (بل وإن عينه) كعلي صوم رابع النحر.
(وكره) تعيينه بالنذر (كصومه تطوعاً) يكره ولا يحرم.
(وحرم صوم سابقيه) أي اليوم الثاني والثالث بعد يوم العيد ولو نذرهما (إلا لكمتمتع): أي إلا لمتمتع ونحوه كقارن وكل من لزمه هدي لنقص في حج و (لم يجد هدياً) فيجوز له صومهما بمنى ثم السبعة إذا رجع.
(وإن نوى) صائم (برمضان) أي فيه (وإن بسفره) أي وإن كان مسافراً فيه (غيره) مفعول نوى –أي: نوى بصيامه غير رمضان الحاضر- كتطوع ونذر وصوم تمتع وقضاء رمضان السابق (أو نواه وغيره) أي بصومه رمضان الحاضر وغيره (لم يجزه عن واحد منهما) أي لا عن رمضان الحاضر ولا عن غيره.
(وليس لامرأة يحتاج لها) أي لجماعها (زوجها) أو سيدها (تطوع) بصوم أو حج أو عمرة (أو نذر) لشيء من ذلك، (بلا إذن) من زوجها أو سيدها، (وله) أي للزوج إذا تطوعت بلا إذن (إفساده بجماع) لا بأكل أو شرب، (لا إن أذن) لها فليس له ذلك.
(ومن قام رمضان) أي وأحيا لياليه بصلاة التراويح أو غيرها بالذكر والاستغفار وتلاوة القرآن (إيماناً) أي تصديقاً بما وعده الله به على ذلك من الأجر، (واحتساباً) أي محتسباً ومدخراً أجره عند الله تعالى لا غيره بخلوص عمله لله لم يشرك به غيره (غفر له ما تقدم من ذنبه) أي غير حقوق العباد وأما هي: فتتوقف على إبراء الذمة ولو عموماً، أو غرم ما في ذمته من الأموال؛ المثل في المثلي، والقيمة في المقوم، أو ورده بعينه إن كان باقياً وهذا لفظ حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ــ
ما عليه في شعبان، وذلك بأن صار الباقي من شعبان بقدر ما عليه وهو صحيح مقيم خال من الأعذار، ولم يقض حتى دخل عليه رمضان، وانظر لو كان عليه ثلاثون يوماً، ثم صام من أول شعبان ظاناً كماله، فإذا هو تسعة وعشرون يوماً هل عليه إطعام يوم أو لا والظاهر الثاني لأنه لم يفرط في القضاء كذا في حاشية الأصل، ثم إن المعتبر في التفريط وعدمه شعبان الأول، فإن حصل فيه عذر ثم تراخى في شعبان الثاني لا يلزمه إطعام، قاله الشيخ أحمد الزرقاني وليس من العذر الجهل بوجوب تقديم القضاء على رمضان الثاني، وقيل إنه عذر والخلاف جار في النسيان، والسفر وفي المجموع وليس السفر والنسيان عذراً هنا بل الإكراه.
قوله: [أجزأ] إلخ: أي كما قال ابن حبيب: ولا ينافيه قول المدونة لا تفرق الكفارة الصغرى قبل الشروع في القضاء، بحمل النهي على الكراهة، ومفهوم قوله "بعد الوجوب" أنه لو أطعم قبل الوجوب فلا يجزئ.
1 -
قوله: [بأن نذر صوم كل خميس]: أي أو نذر الحجة.
قوله: [بل وإن عينه]: أتى بالمبالغة لدفع توهم عدم لزومه، لأن نذره بعينه تقصد للمكروه، وإنما يلزم به ما ندب، بخلاف ما لو دخل في جملة الأيام فلا يتوهم تقصد المكروه.
قوله: [يكره ولا يحرم]: ولذلك لزم الناذر نظراً لذات العبادة، فإنها مندوبة، والكراهة لذات الوقت، وقولهم المكروه لا يلزم بالنذر إذا كانت كراهته من كل الجهات.
قوله: [ولم يجد هدياً]: ومثله الفدية على ما عزاه ابن عرفة للمدونة، ومشى عليه خليل فيما يأتي من قوله أو صيام ثلاثة أيام ولو أيام منى.
قوله: [لم يجزه عن واحد منهما]: حاصل المسألة أن الصور ست عشرة، وهي: أن ينوي برمضان الحاضر تطوعاً، أو نذراً، أو كفارة، أو قضاء الخارج؛ فهذه أربعة تضرب في الحضر والسفر بثمان كلها لا تجزئ إلا إذا نوى برمضان الحاضر قضاء الخارج. فقال ابن القاسم بالإجزاء، وصحح. أو ينوي رمضان الحاضر مع الخارج، أو هو ونذراً، أو هو وكفارة، أو هو وتطوعاً؛ فهذه أربع تضرب في الحضر والسفر بثمان أيضاً رجح فيه الإجزاء عن الحاضر كما في (عب) وغيره لأنه صاحب الوقت. وفي باقي مسائل الحضر الذي لم يجز فيها رمضان الحاضر فعليه الكفارة إن لم يتأول.
قوله: [إفساده بجماع]: أي ما ذكر من التطوع والنذر، ويجب عليها القضاء لأنها معتدية فكأنها أفطرت عمداً حراماً.
قوله: [لا بأكل أو شرب]: أي لأن احتياجه إليها الموجب لتفطيرها من جهة الوطء فلا وجه لإفساده عليها بالأكل والشرب، بقي لو أرادت تعجيل قضاء رمضان، هل له منعها؟ كالتطوع والنذر، وقال شيخ مشايخنا العدوي: ليس له المنع. قال في المجموع: وقد يقال: له منعها بالأولى من فرض اتسع وقته.
قوله: [غفر له ما تقدم من ذنبه]: ظاهره حتى الكبائر التي لم تكن متعلقة بالعباد وهو كذلك، وفضل الله لا يتقيد خلافاً لمن خصها بالصغائر فإنه تخصيص للعام من غير دليل.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (أن).