المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في النكاح وذكر مهمات مسائله وما يتعلق به من طلاق وظهار ولعان ونفقة وغير ذلك - حاشية الصاوي على الشرح الصغير ط الحلبي - جـ ١

[أحمد الصاوي]

الفصل: ‌باب في النكاح وذكر مهمات مسائله وما يتعلق به من طلاق وظهار ولعان ونفقة وغير ذلك

وهو لربه سبق وألم [1] يسبق. وبالغ على المنع بقوله: (ولو) وقع ذلك (بمحلل): أي مع ثالث لم يخرج شيئاً إن (أمكن سبقه) لقوة فرسه على أنه إن سبق أخذ الجعلين معاً، وإن سبق أحدهما أخذهما معاً، وعلة المنع جواز رجوع الجعل لمخرجه وأولى في المنع إن قطع بعدم سبق المحلل لأنه حينئذ كالعدم وسمي محللاً مع أنه لا تحليل به نظراً لمن يرى الجواز به فهو عنده محلل حقيقة.

(وإن عرض للسهم عارض) في ذهابه عطل سيره، (أو انكسر) السهم، (أو) عرض (للفرس ضرب بوجه) مثلاً (فعاقه، أو) عرض لصاحبه (نزع سوطه) من يده فقل جري الفرس أو البعير (لم يكن مسبوقاً) لعذره بما ذكر. (بخلاف ضياعه) أي السوط، فإنه يكون بسببه مسبوقاً لتفريطه، (أو قطع لجام أو حرن الفرس) فإنه يعد مسبوقاً.

(وجازت) المسابقة (بغيره) أي بغير الجعل، بأن تكون مجاناً (مطلقاً) في الأمور الأربعة المتقدمة وغيرها كالجري على الأقدام وبالسفن والحمير والبغال، والرمي بالأحجار والجريد ونحو ذلك مما يتدرب به على قتال العدو (إن صح القصد) بأن وافق الشرع فإن لم يصح بأن كان لمجرد اللهو واللعب كما يفعله أهل الفسوق لم تجز، ولا سيما إن حصل بلعبهم الإيذاء بضرب وغيره.

(و) جاز (عند الرمي افتخار): أي ذكر المفاخر بالانتساب إلى أب أو قبيلة.

(و) جاز (رجز) أي ذكر شيء من الشعر للدلالة على الافتخار (وتسمية نفسه) كأنا فلان أو أبو فلان، (وصياح) بصوت مرتفع (كالحرب) أي كما يجوز ذلك في حال الحرب بالأولى لأنه المقيس عليه (والأحب) من ذلك كله (ذكر الله تعالى) من تسبيح وتكبير وتهليل، ونحو يا دائم يا واحد. قال الله تعالى:{واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} [الجمعة: 10].

ولما فرغ من مسائل الجهاد وما يتعلق به انتقل يتكلم على النكاح وما يتعلق به فقال:

‌باب في النكاح وذكر مهمات مسائله وما يتعلق به من طلاق وظهار ولعان ونفقة وغير ذلك

وهو باب مهم ينبغي زيادة الاعتناء به.

والأصل فيه الندب لما فيه من التناسل وبقاء النوع الإنساني، وكف النفس عن الزنا الذي هو من الموبقات ولذا قال:(ندب النكاح) وقد يجب إن خشي على نفسه الزنا، وقد يحرم إن لم يخش الزنا وأدى إلى حرام من نفقة أو إضرار أو إلى ترك واجب.

(وهو): أي النكاح

ــ

أي الخالص الذي لا رخصة فيه لخروجه عن حد الرخصة.

قوله: [وهو لربه]: أي وجعل كل لربه.

قوله: [ولو وقع ذلك بمحلل]: رد بـ "لو" على من قال بالجواز مع المحلل وهو ابن المسيب، وقال به مالك مرة. ووجهه: أنهما مع المحلل صارا كاثنين أخرج أحدهما دون الآخر.

قوله: [نظراً لمن يرى الجواز به]: أي وهو ابن المسيب ومالك كما تقدم.

قوله: [بخلاف ضياعه]: أي كما لو نسيه قبل ركوبه أو سقط من يده وهو راكب قوله: [لم يجز]: أي يحرم، وقيل: يكره، وقد حكى الزناتي قولين بالكراهة والحرمة فيمن تطوع بإخراج شيء للمتصارعين أو المتسابقين على أرجلهما أو على حماريهما أو غير ذلك مما لم يرد فيه نص السنة.

قوله: [وجاز عند الرمي افتخار]: أي بالقول كما قال الشارح أو بالفعل كما ورد: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يختال في مشيته بين الصفوف، فقال إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا المكان» ، أو ما في معنى ذلك.

قوله: [لأنه المقيس عليه]: أي لوروده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يوم حنين وحيث قال: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب» .

قوله: [انتقل يتكلم على النكاح]: أي لأن النكاح من لوازمه الجهد والمشقة التي هي معنى الجهاد لغة، لخبر:«إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها صلاة ولا صوم ولا جهاد إلا السعي على العيال» ، أو كما قال، وقد أسقط المصنف هنا فصل الخصائص لأن أكثر أحكامها قد انقضى بوفاته صلى الله عليه وسلم.

باب في النكاح

قوله: [وغير ذلك]: أي كالرجعة والإيلاء والعدة والرضاع والحضانة.

قوله: [والأصل فيه الندب]: أي لقوله صلى الله عليه وسلم: «تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» ، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» ، وغير ذلك من الأحاديث والآيات الواردة في ذلك.

قوله: [لما فيه من التناسل] إلخ: بيان لحكمته.

قوله: [وقد يجب إن خشي] إلخ: أي وإن أدى إلى الإنفاق عليها من حرام أو أدى إلى عدم الإنفاق عليها. والظاهر - كما قاله الخرشي - وجوب إعلامها بذلك، ولكن اعترض بأن الخائف من الزنا مكلف بترك الزنا، لأنه في طوقه كما أنه مكلف بترك التزوج الحرام، فلا يفعل محرماً لدفع محرم فلا يصح أن يقال إذا خاف الزنا وجب النكاح، ولو أدى الإنفاق من حرام، وقد يقال إذا استحكم الأمر فالقاعدة ارتكاب أخف الضررين، ألا ترى أن المرأة إذا لم تجد ما يسد رمقها إلا بالزنا فإنه يجوز لها كما يأتي.

قوله: [أو إلى ترك واجب]: أي كتأخير الصلاة عن أوقاتها لاشتغاله بتحصيل نفقتها. وحاصل ما في المقام أن الشخص إما راغب في النكاح أو لا، والراغب إما أن يخشى العنت أو لا، فالراغب إن خشي العنت وجب عليه ولو مع إنفاق عليها من حرام، أو مع وجود مقتضى التحريم غير ذلك

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (أو لم)، ولعله الصواب.

ص: 373

في عرف الشرع: (عقد لحل تمتع): أي استمتاع وانتفاع وتلذذ (بأنثى) وطئاً ومباشرة وتقبيلاً وضماً وغير ذلك، وقوله:"لحل" إلخ: علة باعثة على العقد، وخرج به سائر العقود ما عدا المحدود والشراء للأمة وإن لمستولدها؛ إذ ليس الأصل فيه حل التمتع بل الانتفاع العام وملك الذات فلا يدخل في الحدود ووصف الأنثى بقوله:(غير محرم) بنسب أو رضاع أو صهر فلا يصح على محرم.

(و) غير (مجوسية) إذ لا يصح عقد على مجوسية ولو حرة (و) غير (أمة كتابية) مملوكة لهم أم لا، إذ لا يصح عقد على الأمة المذكورة، بخلاف الحرة الكتابية، والحد شامل لها فإن قيل: كان الأولى أن يقول: بأنثى خالية من مانع شرعي فتخرج المحرم والمجوسية والأمة الكتابية، ويخرج أيضاً الملاعنة والمبتوتة والمعتدة من غيره والمحرمة بحج أو عمرة؟ فالجواب: أنه قصد بما ذكره إخراج من قام بها مانع أصلي، وأما الملاعنة وما عطف عليها فمانعهن عرضي طارئ بعد الحل، بخلاف "المحرم" وما بعدها. وسيذكر العرضي في الشروط.

(بصيغة): متعلق بعقد فهو من تمام الحد، وسيأتي بيانها. (لقادر) على ما يتحصل به النكاح من صداق ونفقة (محتاج) له إما لكسر شهوته أو لإصلاح منزله وإن لم يرج نسلاً (أو راج نسلاً) وإن لم يكن محتاجاً [1] متعلق بقوله:"ندب النكاح" وليس من الحد، وإنما اعترض بذكر الحد بين العامل والمعمول.

ثم فرع على ذكر التعريف قوله: (فركنه) مفرد مضاف يعم جميع الأركان: أي إذا علمت أنه عقد إلخ فتكون أركانه ثلاثة؛ لأن العقد لا يحصل إلا من اثنين على حل شيء بما يدل عليه:

ــ

فإن لم يخش ندب له رجا النسل أم لا، ولو قطعه عن عبادة غير واجبة. وغير الراغب إن خاف به قطعه عن عبادة غير واجبة كره، رجا النسل أم لا، وإن لم يخش ورجا النسل ندب، فإن لم يرج أبيح. واعلم أن كلاً من قسم المندوب والجائز والمكروه مقيد بما إذا لم يكن موجب التحريم، والمرأة مساوية للرجل في هذه الأقسام إلا في التسري.

قوله: [في عرف الشرع عقد] إلخ: هذا هو الراجح من قولين حكاهما ابن عبد السلام حيث قال: اختلف هل هو حقيقة في كل واحد من العقد والوطء أو في إحداهما وما هو محل الحقيقة؟ قال والأقرب أنه حقيقة لغة في الوطء مجاز في العقد، وفي الشرع على العكس إلخ. وفائدة الخلاف إن زنى بامرأة هل تحرم على ابنه وأبيه على أنه حقيقة في الوطء أم لا تحرم على أنه مجاز في الوطء. إن قلت مقتضى كونه حقيقة في العقد حل المبتوتة بمجرده كما هو ظاهر الآية الكريمة.

والجواب أن الآية خصصت بالحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «حتى تذوقي عسيلته» إلخ والإجماع موافق للحديث فتأمل.

قوله: [إذ ليس الأصل فيه حل التمتع]: أي بخصوصه بل الأصل فيه ملك الذات كما قاله الشارح والتمتع من توابع ملك الذات، بخلاف عقد النكاح فلا يملك من المرأة إلا الانتفاع لا الذات ولا المنفعة، فلذلك كان له منها الانتفاع بنفسه فقط.

قوله: [بنسب] إلخ: محرم النسب هو المذكور في قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23] الآية ومحرم الرضاع مثله، لقوله صلى الله عليه وسلم:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، ومحرم الصهر أمهات الزوجة وبناتها وزوجات الأصول، وزوجات الفروع، وسيأتي بيان ذلك مفصلاً إن شاء الله تعالى.

قوله: [إذ لا يصح عقد على مجوسية] إلخ: ولذلك لو أسلم وتحته مجوسية فإنه يفسخ نكاحها، ولا يقر عليها بحال ما دامت مجوسية كما يأتي.

قوله: [إذ لا يصح عقد على الأمة المذكورة]: أي ولو خشي العنت ولم يجد للحرائر طولاً ولا يقر عليها إن أسلم، وهي تحته، بخلاف الأمة المسلمة فله نكاحها بالشرطين ويقر عليها إن أسلم وإن لم يوجد الشرطان.

قوله: [فتخرج المحرم والمجوسية] إلخ: أي ويكون الحد جامعاً مانعاً.

قوله: [فالجواب أنه قصد بما ذكره] إلخ: محصل الجواب أن الحد ما كان بالذاتيات لا بالعرضيات، إذ لا يلتفت لها في الحدود فلذلك التفت للمانع الأصلي فقط، لأن الحدود لبيان الحقائق صحيحة أو فاسدة لعارض، فلذلك لا يعتبر فيها إخراج العرضيات فحيث كان التعريف جامعاً مانعاً من حيث الذاتيات كفى، ولا يلتفت لكونه غير مانع من حيث العرضيات كما هو معلوم.

قوله: [فهو من تمام الحد]: أي لأنها أحد الأركان فهي من جملة ذاتيات الماهية.

قوله: [وسيأتي بيانها]: أي في قوله "والصيغة هي اللفظ الدال عليه كأنكحت وزوجت" إلخ.

قوله: [لقادر]: أي وأما غير القادر فلا يندب له بل هو حرام إن لم يخف على نفسه العنت كما تقدم.

قوله: [محتاج] إلخ: تقدم تفصيل ذلك في الحاصل.

قوله: [ثم فرع على ذكر التعريف]: إنما فرع الأركان على التعريف لتضمنه لها فهو من باب ذكر الشيء مجملاً ثم مفصلاً فيكون أوقع في النفس.

قوله: [مفرد مضاف] إلخ: جواب عن سؤال وارد وهو أن الركن مبتدأ وهو شيء واحد، وأخبر عنه بمتعدد فأجاب بما ذكر.

قوله: [لأن العقد لا يتحصل] إلخ: بيان لحصر الأركان في الثلاثة. ولماهية العقد من حيث هي سواء كان عقد نكاح أو بيع مثلاً، فالاثنان في النكاح الزوج وولي الزوجة، وفي البيع البائع والمشتري، وقوله [على حل شيء] كناية عن المعقود عليه زوجة

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

زاد بعدها في ط المعارف: (وهو).

ص: 374

الأول: (ولي) يحصل منه ومن غيره كزوج أو وكيله العقد.

(و) الثاني: (محل) زوج وزوجة.

(و) الثالث: (صيغة) بإيجاب وقبول.

وأما الصداق فلا يتوقف عليه العقد بدليل صحة نكاح التفويض بالإجماع وإن كان لا بد منه فيكون شرطاً في صحته وكذا الشهود، فلذا جعلهما من شروط الصحة فقال:(وصحته): أي وشروط صحة النكاح: أن يكون (بصداق) ولو لم يذكر حال العقد فلا بد من ذكره عند الدخول، أو تقرر صداق المثل بالدخول على ما سيأتي بيانه.

(و) صحته أيضاً: (بشهادة) رجلين (عدلين غير الوالي [1]) فلا يصح بلا شهادة، أو شهادة رجل وامرأتين، ولا بشهادة فاسقين، ولا بعدلين أحدهما الولي، (وإن) حصلت الشهادة بهما (بعد العقد) وقبل الدخول. وبعضهم عدهما من الأركان نظراً إلى التوقف عليهما، وإن صح العقد في نفسه بدون ذكر صداق وإحضار شاهدين، وإليه يشير قول الرسالة: ولا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدين عدلين، والشيخ -عمت بركاته- جعل الصداق ركناً نظراً إلى أنه من المعقود عليه كالثمن، ولم يجعل الشهادة من الأركان أي بل هي شرط لقوله:"وفسخ إن دخلا بلاه"، والأمر في ذلك سهل إذ لكل وجهة ولا خلاف في المعنى. وقد علمت أن النكاح حقيقة في العقد وإطلاقه على الوطء مجاز، وقيل بالعكس وقيل حقيقة فيهما، والأول أصح.

وإذا كان الإشهاد شرط صحة (فيفسخ) النكاح: أي يتعين فسخه بطلقة لصحته بائنة لأنه جبري بحكم الحاكم (إن دخلا) أي الزوجان (بلاه): أي بلا إشهاد.

(وحُدَّا) معاً حد الزنا جلداً أو رجماً (إن وطئ) وأقرا به أو ثبت بأربعة كالزنا، ولا يعذران بجهل.

(إلا [2] إن فشا) النكاح بينهما فلا يحدان للشبهة وقال صلى الله عليه وسلم: «ادرءوا الحدود بالشبهات» ، وفشوه: أي ظهوره يكون (بكدف): أي بضرب الدف أي الطار الذي يكون في الأعراس، وأدخلت الكاف: الوليمة والشاهدين الفاسقين فلا حد (ولو علما) أن الإشهاد واجب قبل الدخول وحرمة الدخول من غير إشهاد.

ــ

أم غيرها. وقوله: [بما يدل عليه] كناية عن الصيغة التي بها العقد وهي في كل شيء بحسبه.

قوله: [يحصل منه ومن غيره]: أي فالعقد لا يتحصل إلا من اثنين كما تقدم أحدهما في النكاح ولي الزوجة والآخر الزوج أو وكيله.

قوله: [والثاني]: أي المعقود عليه. فالزوج والزوجة بمنزلة الثمن والمثمن، فكما أنه لا يحل الثمن للبائع والمثمن للمشتري إلا بالعقد لا يحل الرجل للمرأة والمرأة للرجل إلا به.

قوله: [بإيجاب وقبول]: الباء للتصوير أي مصورة بإيجاب من أحدهما، وقبول من الآخر على الوجه الآتي.

قوله: [فلا يتوقف عليه العقد]: أي فهو من العرضيات.

قوله: [ولو لم يذكر حال العقد] إلخ: أي فالمضمر اشتراط عدمه.

قوله: [غير الولي] إلخ: ليس المراد بالولي من يباشر العقد، بل من له ولاية النكاح ولو تولى العقد غيره بإذنه، ولا تصح شهادة المتولي أيضاً لأنها شهادة على فعل النفس.

قوله: [ولا بشهادة فاسقين]: ومثلهما مستورا الحال فإن عدم العدول فيكفي مستورا الحال، وقيل يستكثر من الشهود وهو المطلوب في هذه الأزمنة.

قوله: [نظراً إلى أنه من المعقود عليه] إلخ: المناسب نظراً لتوقف الصحة عليه، لأن المعقود عليه المحل لا غير كما تقدم في التعريف، ولو كان الصداق من جملة المعقود عليه لما وجد العقد بدونه، ولا حجة في قوله الآتي:"الصداق كالثمن"، لأن ذاك من جهة شروطه.

قوله: [إذ لكل وجهة]: أي فمن نظر إلى الحقيقة جعل الأركان ثلاثة كما علمت، ومن نظر إلى توقف الصحة على الشيء عد الصداق ركناً وناقشوه بأن مقتضى هذا النظر عد الشهود أيضاً والفرق تحكم.

قوله: [ولا خلاف في المعنى]: أي بل في الاصطلاح والعبارة والفقه واحد.

قوله: [وقد علمت أن النكاح]: أي من تصديره في التعريف بقوله عقد إلخ.

قوله: [والأول أصح]: أي كما تقدم عن ابن عبد السلام وتقدم بيان ثمرة الخلاف.

قوله: [لصحته]: أي لصحة العقد لأن الإشهاد ليس شرطاً في صحة العقد عندنا، بل هو مندوب حالة العقد كما يأتي.

قوله: [بائنة]: بالرفع خبر لمبتدأ محذوف أي وهي بائنة لا بالجر صفة لطلقة، لأن الحاكم يقول طلقتها عليك ولا يقول طلقة بائنة، وإنما المعنى إذا قال الحاكم طلقتها عليك تصير تلك الطلقة بائنة. وإنما كان بطلاق لأنه عقد صحيح.

قوله: [لأنه جبري]: أي ولذلك كان كل طلاق أوقعه الحاكم يكون بائناً إلا المولي والمعسر بالنفقة. وأيضاً لا يتأتى هنا أن يكون رجعياً لأنه يشترط في الرجعي تقدم وطء صحيح ولم يحصل، ولذلك كان الطلاق هنا بائناً حكم به حاكم أم لا كما قرره شيخ مشايخنا العدوي. فالأولى لشارحنا أن يعلل بما ذكر فتدبر.

قوله: [وحدا معاً] إلخ: أي ولا يلحق به الولد لأنه محض لانعدام شرط الصحة، فالمعدوم شرعاً كالمعدوم حساً.

قوله: [إلا إن فشا]: جعل الشارح فاعل الفشو النكاح وهو ما لابن عرفة وابن عبد السلام. وجعل (عب) الدخول والكل صحيح.

قوله: [والشاهدين الفاسقين)

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (الولي)، ولعلها الصواب.

[2]

في ط المعارف: (لا).

ص: 375

ومثل الفشو: الشاهد الواحد غير الولي فلا حد للشبهة وإن لم يكن هناك فشو.

ورد بـ "لو" قول ابن القاسم: الفشو مع العلم لا يسقط الحد.

(وندب خطبة) بضم الخاء المعجمة كلام مسجع مبدوء بالحمد والشهادتين مشتمل على آية فيها أمر بالتقوى [1] وعلى ذكر المقصود (بخطبة) بكسرها: التماس النكاح؛ أي عند التماس النكاح.

(و) خطبة عند (عقد) لكن البادي عند الخطبة هو الزوج. ويقول بعد الثناء والشهادتين: أما بعد فإنا قد قصدنا الانضمام إليكم ومصاهرتكم والدخول في حومتكم، وما في معنى ذلك، فيقول الولي بعد الثناء: أما بعد فقد قبلناك ورضينا أن تكون منا وفينا وما في معناه، والبادي عند العقد الولي بأن يقول بعدما ذكر: أما بعد فقد أنكحتك بنتي أو مجبرتي فلانة أو موكلتي فلانة على صداق قدره كذا، فيقول الزوج بعد الخطبة: قد قبلت نكاحها لنفسي، ويقول وكيله قد قبلت نكاحها لموكلي وما في معنى ذلك.

(و) ندب (تقليلها): أي الخطبة في الحالتين إذ الكثرة توجب السآمة.

(و) ندب (إعلانه) أي النكاح أي إظهاره بين الناس لبعد تهمة الزنا.

(و) ندب (تفويض الولي العقد لفاضل) رجاء بركته، ويقول: أنكحتك فلانة بنت موكلي مثلاً.

(و) ندب (تهنئة) للزوجين، نحو: مباركة إن شاء الله، ويوم مبارك ونحو ذلك.

(و) ندب (دعاء لهما) بالبركة والسعة وحسن العشرة وما في معنى ذلك.

(و) ندب (الإشهاد عند العقد) للخروج من الخلاف؛ إذ كثير من الأئمة لا يرى صحته إلا بالشهادة حال العقد. ونحن نرى وقوعه صحيحاً في نفسه وإن لم تحصل الشهادة حال العقد كالبيع، ولكن لا تتقرر صحته ولا تترتب ثمرته من حل التمتع إلا بحصولها قبل البناء، فجاز أن يعقد فيما بينهما سراً ثم يخبرا به عدلين كأن يقولا لهما: قد حصل منا العقد لفلان [2] على فلانة أو أن الولي يخبر عدلين.

والزوج يخبر عدلين غيرهما، ولا يكفي أن يخبر أحدهما عدلاً والثاني يخبر عدلاً غيره لأنهما حينئذ بمنزلة الواحد (و) ندب (ذكر الصداق): أي تسميته عند العقد لما فيه من اطمئنان النفس، ودفع توهم الاختلاف في المستقبل (و) ندب (حلوله) كله بلا تأجيل لبعضه (و) ندب (نظر وجهها) أي الزوجة (وكفيها) خاصة (قبله): أي قبل العقد ليعلم بذلك حقيقة أمرها (بعلم) منها أو من وليها، ويكره استغفالها. والنظر يكون بنفسه أو وكيله إن لم يكن على وجه التلذذ بها، وإلا منع كما يمنع ما زاد على الوجه والكفين لأنه عورة، اللهم إلا أن يكون قد وكل امرأة فيجوز لها من حيث إنها امرأة.

ــ

ومن باب أولى مستورا الحال.

قوله: [مثل الفشو الشاهد الواحد]: أي كما نقله (ح) واعتمده الأجهوري.

قوله: [ورد بـ لو قول ابن القاسم]: أي فهو ضعيف لقوة الشبهة التي تدرأ الحد قوله: [بعد الثناء والشهادتين]: أي وبعد آية من القرآن مثل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102].

{واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} [النساء: 1].

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً} [الأحزاب: 70]. الآية ولا بد من تقديم البسملة على الجميع لأنه من الأمور المهمة.

قوله: [والبادي عند العقد الولي]: أي وهو الأفضل ولو بدأ الزوج لكفى، ولا يضر الفصل بين الإيجاب والقبول بالخطبة، قال في الحاشية: والظاهر أن الفصل بينهما بالسكوت قدرها كذلك فجملة الخطب أربع.

قوله: [وندب تقليلها]: قال الأجهوري ذكر بعض الأكابر أن أقلها أن يقول: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فقد زوجتك بنتي مثلاً بكذا، ويقول الزوج أو وكيله بعدما مر من الحمد والصلاة: أما بعد فقد قبلت نكاحها لنفسي أو لموكلي بالصداق المذكور.

قوله: [وندب إعلانه]: أي لقوله عليه الصلاة والسلام: «أفشوا النكاح واضربوا عليه بالدف» ، وهذا بخلاف الخطبة فينبغي إخفاؤها.

قوله: [وندب تفويض الولي العقد لفاضل]: أي فيندب لولي المرأة ومثله الزوج تفويض العقد لمن ترجى بركته، وأما تفويض العقد لغير فاضل فهو خلاف الأولى.

قوله: [وندب تهنئة]: بالهمز أي للعروس الشامل لكل من الزوجين أي إدخال السرور عليهما عند العقد وعند البناء.

قوله: [وندب الإشهاد عند العقد]: حاصله أن أصل الإشهاد على النكاح واجب، وإحضارهما عند العقد مندوب. فإن حصل عند العقد فقد وجد الأمران الوجوب والندب. وإن فقد وقت العقد ووجد عند الدخول فقد حصل الواجب وفات المندوب. وإن لم يوجد إشهاد عند الدخول والعقد ولكن وجدت الشهود عند واحد منهما فالصحة قطعاً. ويأثم أولياء النكاح لعدم طلب الشهود، وإن لم يوجد شهود أصلاً فالفساد قطعاً كذا في الحاشية بتصرف.

قوله: [وندب ذكر الصداق]: أي والإشهاد عليه ومحل ندبه إن كانت الصيغة أنكحت وزوجت لا وهبت، فيجب ذكره كما يأتي.

قوله: [وندب حلوله كله]: أي وإن لم يقبض كله وتأجيله كلاً أو بعضاً خلاف الأولى حيث أجل بأجل معلوم، وإلا فلا يجوز كما يأتي.

قوله: [قبله]: أي حين الخطبة.

قوله: [ويكره استغفالها]: أي لئلا يتطرق أهل الفساد للنظر للنساء. ويقولون نحن خطاب ومحل كراهة الاستغفال إن كان يعلم أنه لو سألها في النظر تجيبه إن كانت غير مجبرة، أو إذا سأل وليها يجيبه إن كانت مجبرة، أو جهل الحال، وأما إن علم عدم الإجابة حرم النظر إن خشي الفتنة وإلا كره

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (التقوى).

[2]

في ط المعارف: (فلان).

ص: 376

ثم جعل النظر من المندوبات تبع فيه ابن القطان وعامة أهل المذهب على أنه جائز لا مندوب، فالأحق ذكره في الجائزات.

(و) ندب (نكاح بكر) لأنها أقرب لحسن العشرة.

(وحل لهما): أي لكل منهما بالعقد الصحيح النظر لسائر أجزاء البدن (حتى نظر الفرج) من صاحبه وحديث: «إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها لأن ذلك يورث العمى» ، حديث منكر لا أصل له، وصرح بوضعه ابن حبان وغيره، لكن قال بعض أهل العلم: لا ينبغي النظر [إلى][1] الفرج لأنه يورث ضعف البصر طباً ويورث قلة الحياء في الولد.

(كالملك) للأنثى يحل به حتى نظر الفرج من كل.

(و) حل بالنكاح والملك للأنثى (تمتع بغير) وطء (دبر)، وأما الإيلاج فيه فممنوع.

(وحرم خطبة) بكسر الخاء: أي التماس نكاح المرأة (الراكنة) هي إن كانت ثيباً رشيدة، أو وليها إن كانت بخلافها (لغير فاسق) وهو الصالح أو المستور الحال، وسواء كان الخاطب الثاني صالحاً أو فاسقاً أو مستوراً.

فإن ركنت لفاسق لم يحرم إن كان الثاني صالحاً أو مجهولاً، إذ لا حرمة للفاسق، بل في نكاحها تخليص لها من فسقه، وظاهره: سواء كان فاسقاً بجارحة أو عقيدة، فإن كان الثاني فاسقاً مثله حرم أيضاً، وظاهره قدر صداقاً أم لا، وهو أحد قولين إذ العبرة بالركون والرضا بالخاطب، وقال بعضهم: لا بد في اعتبار الركون من تقدير الصداق (كالسوم بعده): أي بعد الركون لمشتر أول يحرم أيضاً لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ولا يسوم على سومه» .

(وفسخ) عقد الثاني (قبل الدخول) بطلقة بائنة، قيل وجوباً بمعنى أنه إذا رفعت الحادثة لحاكم وثبت عنده العقد بعد الركون ببينة أو إقرار

ــ

وإن كان نظر وجه الأجنبية وكفيها جائزاً لأن نظرهما في معرض النكاح مظنة قصد اللذة.

قوله: [وعامة أهل المذهب على أنه جائز]: قال بعضهم ويمكن حمل الجواز في كلام أهل المذهب على الإذن الصادق بالمندوب. تنبيه: مثل الرجل المرأة يندب لها نظر الوجه والكفين من الزوج، وإنما أذن للخاطب في نظر الوجه واليدين لأن الوجه يدل على الجمال وعدمه، واليدين يدلان على صلابة البدن وطراوته.

قوله: [وندب نكاح بكر]: أي لقوله عليه الصلاة والسلام: «عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً وأسخن أقبالاً وأرضى باليسير من العمل» ، وفي رواية:«عليكم بالأبكار فإنهن أنتق أرحاماً، وأعذب أفواهاً. وأقل خباً وأرضى باليسير» ، وخباً بخاء معجمة مكسورة وباء مشددة من غير همز: أي خداعاً.

قوله: [لكن قال بعض أهل العلم]: هو زروق في شرح الرسالة.

قوله: [كالملك]: أي التام المستقل به دون مانع، بخلاف المعتقة لأجل والمبعضة والمشتركة والمحرم. والذكر المملوك والخنثى والمكاتبة والمتزوجة بالغير.

قوله: [وأما الإيلاج فيه]: أي وأما التمتع بظاهره ولو بوضع الذكر عليه فجائز كما ذكره البرزلي قائلاً: ووجهه عندي أنه كسائر جسد المرأة، وجميعه مباح ما عدا الإيلاج في باطنه، واعتمده (ح) واللقاني خلافاً للتتائي والبساطي والأقفهسي، حيث قالوا: لا يجوز التمتع بالدبر لا ظاهراً ولا باطناً.

قوله: [وحرم خطبة] إلخ: حاصل هذا المبحث أن صوره تسع من ضرب ثلاثة في مثلها يحرم منها سبع ويجوز اثنان، هذا ما أفاده المصنف والشارح ولك أن تجعلها ستة عشر بزيادة الذمي حيث كانت المخطوبة من أهل الكتاب، فيصير المضروب أربعة في مثلها متى كان الخاطب الأول صالحاً أو مجهول حال، أو ذمياً يحرم مطلقاً كان الثاني صالحاً أو مجهول حال أو فاسقاً أو ذمياً، وكذا إن كان الأول فاسقاً والثاني فاسقاً فالحرمة في ثلاثة عشر والجواز في ثلاثة. إن قلت إن الذمي أسوأ حالاً من الفاسق، فكان مقتضاه لا تحرم الخطبة عليه كالفاسق. والجواب أن الذمي له دين يقر عليه، والفاسق لا يقر على فسقه فكان بهذا المعنى أسوأ حالاً منه.

قوله: [إن كانت بخلافها]: أي بأن كانت مجبرة أو سفيهة، فإذا ردت المجبرة ومن في حكمها الخاطب لم تحرم خطبتها لغيره، وكذا إذا ردت غير المجبرة خطبة الأول لم تحرم خطبة غيره، فعلم أنه لا يعتبر ركون المجبرة مع رد مجبرها ولا ردها مع ركونه، ولا يعتبر ركون أمها أو وليها غير المجبر مع ردها. ولا رد أمها أو وليها غير المجبر مع رضاها. واعلم أن رد المرأة أو وليها بعد الركون للخاطب لا يحرم ما لم يكن الرد لأجل خطبة الثاني، فإن تزوجت الخاطب الثاني وادعت هي أو مجبرها أنها كانت رجعت عن الركون للأول قبل خطبة الثاني وادعى الأول أن الرجوع بسبب خطبة الثاني ولا قرينة لأحدهما، فالظاهر كما قال الأجهوري أنه يعمل بقولها أو بقول مجبرها، لأن هذا لا يعلم إلا من جهتهما، ولأن دعواه توجب الفساد ودعواهما توجب الصحة والأصل في العقود الصحة.

قوله: [وهو أحد قولين]: أي وهو ظاهر الموطإ.

قوله: [وقال بعضهم] إلخ: أي وهو ابن نافع، وفي المواق مقتضى نقل ابن عرفة أن كلاً من القولين مشهور.

قوله: [وفسخ عقد الثاني] إلخ: هذا أحد أقوال ثلاثة وحاصلها الفسخ مطلقاً بنى أو لا وعدمه مطلقاً والفسخ إن لم يبن لا إن بنى، وشهر أبو عمران الفسخ قبل البناء لكن

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

زيادة من ط المعارف.

ص: 377

وجب عليه فسخه، وقيل: استحباباً وعليه الأكثر. فإن بنى بها لم يفسخ ولو لم يطأ.

(و) حرم (صريح خطبة) امرأة (معتدة) عدة وفاة أو طلاق من غيره لا من عدتها منه، فيجوز إذ لم يكن بتاً.

(و) حرم (مواعدتها) أي المعتدة أي المواعدة من الجانبين بأن يعدها بالتزويج بعد العدة وهي تعده. وأما العدة من أحدهما دون الآخر فمكروه كما يأتي.

(كوليها) أي يحرم صريح الخطبة له ومواعدته وهي في العدة؛ أي بأن كان مجبراً، ويكره مواعدة غيره على المشهور.

(كمستبرأة) من وطء مالكها أو من غلط بشبهة نكاح أو ملك أو من غصب، بل (وإن من زنا) ولو منه لأن ماء الزاني فاسد، ولذا لا يلحق به الولد، أي يحرم صريح خطبتها ومواعدتها كوليها، ثم إن عقد على المعتدة أو المستبرأة ووطئها أو تلذذ بها تأبد تحريمها عليه كما أشار له بقوله:(وتأبد تحريمها): أي المعتدة بنوعيها أو المستبرأة بأنواعها عليه (بوطء نكاح) أي بسبب وطء مستند لعقد لا بمجرد أحدهما، (ولو) وقع الوطء المستند لنكاح (بعدهما) أي بعد فراغ العدة والاستبراء (أو مقدمته) أي الوطء من قبلة أو مباشرة حيث استندت لعقد إن وقعت منه في العدة أو الاستبراء لا بعدهما.

(أو وطء بشبهته [1]): أي وتأبد تحريم المعتدة أو المستبرأة بوطء حصل غلطاً بشبهة النكاح، بأن اعتقد أنها زوجته.

(فيهما): أي إن حصل كل من مقدمته أو وطء الشبهة في زمن العدة أو الاستبراء، فقوله "فيهما" راجع للمسألتين، وضمير التثنية يعود على العدة والاستبراء.

(أو بوطء ملك) بأن وطئ السيد أمته المعتدة من وفاة أو طلاق (أو شبهته) أي شبهة الملك، بأن وطئها أجنبي غلطاً يظنها أمته (فيها) أي في عدتها من نكاح أو شبهته، بخلاف وطء مالكها أو غيره يظنها أمته وهي مستبرأة، فلا يتأبد تحريمها عليه كما سيأتي، فتحصل أن من عقد على معتدة أو مستبرأة ووطئها وإن بعدهما تأبد تحريمها عليه فلا تحل له أبداً.

ــ

قيده بالاستحباب.

قوله: [وقيل استحباباً] إلخ: فعليه إنما يكون الفسخ عند عدم مسامحة الأول له؛ فإن سامحه فلا فسخ، ومحل الفسخ المذكور ما لم يحكم حاكم بصحة النكاح الثاني، وإلا لم يفسخ، كالحنفي؛ فإنه يرى أن النهي في الحديث للكراهة.

قوله: [وحرم صريح خطبة] إلخ: أي سواء كانت مسلمة أو كتابية حرة أو أمة.

قوله: [أو طلاق]: أي ولو كان رجعياً.

قوله: [فيجوز]: أي التصريح لها بالخطبة في العدة بل له تزويجها قوله: [وهي تعده]: أي إن كانت غير مجبرة وإلا فالعبرة بوعد وليها كما يأتي.

قوله: [لأن ماء الزاني فاسد ولذا لا يلحق به الولد] إلخ: هذا التعليل يشمل الغصب أيضاً ولا يشمل المستبرأة من شبهة النكاح أو الملك، أو شبهته، فيقتضي جواز الخطبة لصاحب الماء زمن الاستبراء، لأن الماء غير فاسد للحوق المولود به وانظر في ذلك.

قوله: [أي المعتدة بنوعيها]: أي الموت والطلاق، ولا يتأبد في الطلاق إلا إن كان بائناً، وأما الرجعية فلا يتأبد تحريمها لأنها زوجة لمطلقها ما دامت في العدة، فكأن العاقد إذا وطئ زنى بزوجة الغير ولا يحرم بالزنى حلال، وهل يحد الواطئ حينئذ لأنه زان أو لا؟ وكلامهم في باب الحد يدل على أنه يحد كذا في الحاشية. واختلف في الرجل يفسد المرأة على زوجها حتى يطلقها منه ثم يتزوج بها بعد وفاء عدتها منه، فقيل يتأبد تحريمها، وقيل لا يتأبد، وإنما يفسخ نكاحه، فإذا عادت لزوجها وطلقها أو مات عنها جاز لذلك المفسد نكاحها، وهذا هو المشهور كذا في (بن).

قوله: [أو المستبرأة بأنواعها]: أي الخمسة وهي شبهة النكاح والملك وشبهته والزنا والغصب.

قوله: [بوطء نكاح] إلخ: حاصله أن الصور هنا ست وثلاثون صورة من ضرب ستة في مثلها، لأن المحبوسة إما في عدة في نكاح أو استبراء من شبهة أو من ملك أو شبهته، أو من زنا أو غصب، والطارئ واحد من تلك الستة يتأبد التحريم. في ستة عشر صورة: وهي ما إذا طرأ نكاح أو شبهته على الستة فهذه اثنتا عشرة صورة، أو طرأ ملك أو شبهته على نكاح أو شبهته فهذه أربع تضم لها، أفادها كلها بقوله:"وتأبد تحريمها بوطء" إلى قوله: " إن كانت العدة أو الاستبراء من غيره "، وأما طرو زنا أو غصب على الستة أو طرو ملك أو شبهته على مالك أو شبهته أو زنا أو غصب فهذه عشرون، لا يتأبد بها التحريم، وهذه قد أفادها بقوله:"أو الزنا أو وطء، ملك أو شبهته في استبراء".

قوله: [لا بمجرد أحدهما]: أي الذي هو العقد فقط أو الوطء فقط، وأما الأول فظاهر، وأما الوطء ففيه تفصيل، أما إذا كان وطء زنا أو غصب فلا يضر طروه على الجميع، وكذلك وطء الملك أو شبهته إن طرأ على ملك أو شبهته أو زنا، أو غصب وأما وطء شبهة النكاح فيضر في الجميع ومثله وطء الملك وشبهته إن طرأ على النكاح وشبهته فقد علمت الإجمال في كلام الشارح فتأمل.

قوله: [يعود على العدة]: أي بنوعيها وقوله: والاستبراء أي بأنواعه.

قوله: [أي في عدتها من نكاح أو شبهته]: تسمية المحبوسة من شبهة النكاح معتدة فيه تجوز.

قوله: [أن من عقد على معتدة]: أي من طلاق بائن من غيره أو وفاة، وقوله أو مستبرأة صادق بأنواع الاستبراء الخمسة، فهذه ست صور أخبر عنها بقوله:" تأبد تحريمها "، فهذه مسائل طرو النكاح على الستة، وإن نظرت لقوله:" وإن بعدهما " كانت اثنتي عشرة.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (بشبهة).

ص: 378

وأما مقدمات الوطء فقط فتؤبد التحريم إن وقعت في العدة والاستبراء، لا بعدهما، فأما إذا لم يحصل عقد فلا أثر لمقدمات الوطء مطلقاً بشبهة أو لا، وأما الوطء فيؤبد إن كان بشبهة نكاح في العدة والاستبراء أو الملك، أو شبهته في العدة فقط دون الاستبراء، وهذا:(إن كانت العدة أو الاستبراء من غيره، وإلا) بأن كانت العدة منه ولو من طلاق ثلاث -أو كان الاستبراء منه بسبب زنا أو غصب أو غلط (فلا) يتأبد تحريمها عليه، وإن وطئها مستنداً لعقد أو شبهة.

(كالعقد) مجرداً عن وطء: لا يؤبد تحريمها.

(أو الزنا) المحض وهو ما لم يستند لعقد ولا شبهة: لا يؤبد.

(أو وطء بملك أو شبهته في استبراء): بأن وطئ السيد أمته المستبرأة من زنا أو من بائعها له أو من غصب أو شبهة ملك أو وطئها أجنبي يظنها أمته لم يتأبد التحريم، بخلاف وطء مالكها أو غيره يظنها أمته وهي معتدة من طلاق أو موت فيتأبد كما قدمناه. واعلم أن تأبيد [1] التحريم في المسائل المتقدمة لم يقل به الحنفية ولا الشافعية، لأنه خلاف الأصل، ولم يقم عليه دليل عندهم.

(وجاز التعريض) للمعتدة وهو المراد بقوله تعالى: {إلا أن تقولوا قولا معروفا} [البقرة: 235] كأن يقول لها: إني اليوم فيك راغب أو محب أو معجب أو إن شاء الله يكون خيراً وهو ضد التصريح، وهو أن يظهر في كلامه ما يصلح للدلالة على مقصوده، ويسمى تلويحاً لأنه ذكر الكلام في معناه ولوح به إلى إرادة لازمة.

(و) جاز (الإهداء فيها): أي في العدة كالخضر والفواكه وغيرهما لا النفقة.

فلو تزوجت بغيره فلا رجوع له عليها بشيء وكذا لو أهدى أو أنفق لمخطوبة غير معتدة، ثم رجعت عنه، ولو كان الرجوع من جهتها إلا لعرف أو شرط وقيل: إن كان الرجوع من جهتها فله الرجوع عليها، لأنه في نظير شيء لم يتم واستظهر.

(و) جاز (ذكر المساوئ): أي العيوب في أحد الزوجين ليحذر عمن هي فيه.

(وكره عدة من أحدهما): أي الزوجين لصاحبه في العدة كأن يقول لها: أتزوجك بعد العدة أو عكسه، فيسكت المخاطب منهما، وأما المواعدة من الجانبين فحرام كما تقدم، وإنما تظهر الكراهة إذا كان المتكلم يعلم أن المخاطب لا يجيبه بشيء وإلا فلا وجه لها.

(و) كره (تزوج) امرأة (زانية): أي مشهورة بذلك ولو بقرائن الأحوال.

ــ

قوله: [وأما مقدمات الوطء] إلخ: أي فيكون تأبيد التحريم في ست صور فقط، بخلاف الوطء ففي اثنتي عشرة، فصور المقدمات والست التي زادت بالتعميم خارجة عن أصل الست والثلاثين.

قوله: [وأما الوطء فيؤبد] إلخ: تحته ست، وقوله [أو بملك أو شبهته] أي طرو ملك أو شبهته على نكاح أو شبهته فهذه أربعة تأبد فيها التحريم تضم لما قبلها، فقول الشارح:"في العدة فقط" أي من نكاح أو شبهته، ولو حذف قوله:"فقط" وصرح بهما ما ضر، فصارت صور التأبيد ثمانياً وعشرين فتأمل.

قوله: [دون الاستبراء]: أي من غير شبهة النكاح لما علمت أن شبهة النكاح ملحقة بالعدة.

قوله: [ولو من طلاق ثلاث]: أي فلا يؤبد التحريم عليه، وإن كان العقد عليها في تلك الحالة حراماً، ويحد إن كان قد تزوجها عالماً بالتحريم، ولا يلحق به الولد إن كان ثابتاً بالبينة، فإن تزوجها غير عالم بالتحريم كما إذا استند لقول مفت يعتقد صدقه، فلا حد عليه ويلحق به الولد، وإن كان يجب التفرقة بينهما متى اطلع عليهما، وأما لو أقر بعد النكاح أنه كان قبله عالماً بالتحريم ولم يثبت ذلك بالبينة فإنه يحد لإقراره، ويلحق به الولد لعدم ثبوت ذلك، وهذه إحدى المسائل التي يجتمع فيها الحد مع لحوق الولد.

قوله: [أو الزنا المحض]: مراده ما يشمل الغصب فيدخل فيه اثنتا عشرة صورة، وهو طرو زنا أو غصب على نكاح أو شبهته، أو ملك أو شبهته، أو زنا أو غصب.

قوله: [أو وطء بملك أو شبهته]: تحته ثمان وهي: أن يقال طرأ ملك أو شبهته على استبراء من ملك أو شبهته، أو زنا أو غصب، فإن قوله في استبراء بيان للمطرو عليه، ومراده الاستبراء من خصوص الملك أو شبهته، أو الزنا أو الغصب لا من شبهة النكاح، فإن حكمها حكم عدة النكاح كما تقدم، فهذه هي العشرون التي لا تأبيد فيها، ويزاد عليها العقد المجرد وتحته ست صور فجملة الصور أربع وخمسون تؤخذ من المصنف والشارح.

قوله: [وهي معتدة من طلاق أو موت]: ومثله شبهته كما تقدم.

قوله: [لم يقل به الحنفية ولا الشافعية]: أي فلو رفعت المسألة لشافعي أو حنفي، وحكم بعدم تأبيد التحريم لرفع الخلاف كما هو معلوم.

قوله: [وجاز التعريض]: هو لفظ استعمل في معناه ليلوح به لغيره فهو حقيقة أبداً وهذه الألفاظ كذلك، بخلاف الكتابة فإنها التعبير عن الملزوم باسم اللازم كقولنا في وصف شخص بالكرم إنه كثير الرماد.

قوله: [وهو ضد التصريح]: جملة معترضة بين التعريض وتفسيره.

قوله: [لا النفقة]: أي فلا يجوز إجراء النفقة عليها في العدة بل يحرم.

قوله: [واستظهر]: أي استظهر هذا التفصيل الشمس اللقاني.

قوله: [وجاز ذكر المساوئ]: أي أنه يجوز لمن استشاره الزوج في التزوج بفلانة أن يذكر له ما يعلمه فيها من العيوب ليحذره منها، ويجوز لمن استشارته المرأة في التزوج بفلان أن يذكر لها ما يعلمه فيه من العيوب لتتحذر منه. واعلم أن محل جواز ذكر المساوئ للمستشار إذا كان هناك من يعرف حال المسئول

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (تأبد).

ص: 379

وإن لم يثبت عليها بالوجه الشرعي.

(و) كره تزوج امرأة (مصرح لها بالخطبة فيها): أي في العدة، أي يكره له تزوجها بعد العدة إن صرح لها بالخطبة فيها.

(وندب فراقها) أي من ذكر من الزانية والمصرح لها بالخطبة إن وقع التزوج بها.

ثم شرع يتكلم على الأركان وشروطها، وما يتعلق بها، وبدأ بالكلام على الصيغة لقلة الكلام عليها فيتفرغ منها لغيرها فقال:(والصيغة) التي هي أحد الأركان الثلاثة أو الخمسة هي (اللفظ الدال عليه) أي على النكاح، أي على حصوله وتحققه إيجاباً وقبولاً ومثل للإيجاب الصريح بقوله:(كأنكحت وزوّجت) أي كقول الولي: أنكحتك بنتي فلانة أو موكلتي فلانة [1]، أو زوجتك بنتي أو موكلتي فلانة، ولو لم يسم صداقاً كما يأتي في نكاح التفويض، وأما لو قال: وهبتك، فلا بد من تسمية صداق وإلا لم ينعقد النكاح والمضارع نحو: أزوجك، إن قامت القرينة على الإنشاء لا الوعد كالماضي ومثل للقبول بقوله:(وكقبلت) ورضيت من الزوج أو وكيله، ولا يضر الفصل اليسير بين الإيجاب والقبول.

وصح تقديم القبول من الزوج كأن يقول: زوجني ابنتك، فيقول الولي: زوجتك إياها فينعقد ولا تكفي الإشارة ولا الكتابة إلا لضرورة خرس.

(ولزم) النكاح بمجرد الصيغة لأنه من العقود اللازمة بلا خيار (ولو بالهزل) ضد الجد كالطلاق والعتق والرجعة.

ثم شرع في الكلام على الركن الثاني وهو الولي، مقسماً له إلى مجبر وغيره فقال:(والولي) قسمان: (مجبر وغيره فالمجبر) أحد ثلاثة: الأول: (المالك) لأمة أو عبد له جبره على النكاح (ولو) كان المالك (أنثى)؛ فلها جبر أمتها أو عبدها على النكاح، ولكن توكل في العقد وجوباً (إلا لضرر) يلحق المملوك في النكاح، كالتزويج من ذي عاهة فلا جبر للمالك ويفسخ ولو طال.

وللمالك الجبر (ولو) كان المملوك عبداً (مدبراً أو معتقاً لأجل، ما لم يمرض السيد) في المدبر (أو يقرب الأجل) في المعتق لأجل وأما الأنثى المدبرة أو المعتوقة لأجل فالأصح عند اللخمي وغيره عدم الجبر مطلقاً، (وإلا) بأن مرض سيد المدبر أو قرب أجل العتق كالثلاثة الأشهر فدون (فلا) جبر لمالكه (كمكاتب ومبعض) لا جبر لسيده عليه؛ لأن المكاتب أحرز نفسه وماله والمبعض [2] تعلقت به الحرية.

(وكره) لسيد (جبر أم ولده) بعد أن يستبرئها على النكاح، فإن جبرها صح (على الأصح) وقيل: لا جبر له عليها،

ــ

عنه غير ذلك المستشار، وإلا وجب عليه البيان لأنه من باب النصيحة لأخيه المسلم، وهذه طريقة الجزولي، وهناك طريقة أخرى توجب عليه ذكر المساوئ مطلقاً كان هناك من يعرف تلك المساوئ غيره أم لا.

قوله: [وإن لم يثبت عليها]: أي هذا إذا ثبت عليها بالبينة، بل وإن لم يثبت، وأما من يتكلم فيها وليست مشهورة بذلك فلا كراهة في زواجها، قال بعضهم: ومحل كراهة تزوج المرأة التي اشتهرت بالزنا إذا لم تحد، أما إذا حدت فلا كراهة في زواجها بناء على أن الحدود جوابر، هكذا قيل وفي هذا التعليل نظر ولا يقال إن قوله تعالى:{والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} [النور: 3] يفيد حرمة نكاحها لأنه يقال المراد لا ينكحها في حال زناها، أو أنه بيان للائق بها أو أن الآية منسوخة.

قوله: [أي من ذكر من الزانية] إلخ: أي وإذا فارق الزانية المبيحة فرجها للغير فلا صداق لها حيث تزوج بها غير عالم بذلك.

قوله: [فلا بد من تسمية صداق]: أي حقيقة بأن يقول: وهبتها لك بصداق قدره كذا، أو حكماً كأن يقول: وهبتها لك تفويضاً.

قوله: [والمضارع] إلخ: قال في التوضيح ومضارعهما كماضيهما واعترضه الناصر اللقاني قائلاً: فيه نظر، إذ العقود إنما تتعلق بالماضي دون المضارع، لأن الأصل فيه الوعد وفي الماضي اللزوم اهـ فمن أجل هذه المناقشة في كلام التوضيح قيد شارحنا المضارع بقوله:" إن قامت القرينة " إلخ.

قوله: [كالماضي]: ومن باب أولى صيغة الأمر لأنها موضوعة للإنشاء.

قوله: [ولا يضر الفصل اليسير]: تقدم أنه الخطبة أو قدرها.

قوله: [كالطلاق والعتق] إلخ: أي فقد ورد: «ثلاثة هزلهن جد النكاح والطلاق والعتق» ، وفي رواية:" والرجعة " بدل العتق.

تنبيهان:

الأول: اختلف في كل لفظ يقتضي البقاء مدة الحياة، كبعت أو ملكت أو أحللت أو أعطيت أو منحت، وهل هي كوهبت ينعقد بها النكاح إن سمى صداقاً حقيقة أو حكماً؟ وهو قول ابن القصار وعبد الوهاب والباجي وابن العربي، أو لا ينعقد بها ولو سمى صداقاً؟ وهو قول ابن رشد في المقدمات ككل لفظ لا يقتضي البقاء فلا ينعقد به اتفاقاً كالحبس والوقف والإجارة والعارية والعمرى، فتحصل من كلامهم أن الأقسام أربعة:

الأول: ينعقد به النكاح مطلقاً سواء سمى صداقاً أم لا، وهو أنكحت وزوجت.

والثاني: ينعقد إن سمى صداقاً حقيقة أو حكماً وهو وهبت فقط.

والثالث: ما فيه الخلاف وهو كل لفظ يقتضي البقاء مدة الحياة.

والرابع: ما لا ينعقد به مطلقاً اتفاقاً وهو كل لفظ لا يقتضي البقاء مدة الحياة.

الثاني: يلزم النكاح بمجرد الإيجاب والقبول وإن لم يرض الآخر، ولو قامت قرينة على قصد الهزل، لأن النكاح عقد لازم لا يجوز فيه الخيار إلا خيار المجلس، فهو معمول به عندنا في خصوص النكاح إذا اشترط.

قوله: [الأول المالك]: قدمه لقوة تصرفه لأنه يزوج الأمة مع وجود أبيها وله جبر الثيب والبكر والكبيرة والصغيرة والذكر والأنثى، لأنهما مال من أمواله وله أن يصلح ماله بأي وجه.

قوله: [ولكن توكل في العقد]: أي على الأمة بخلاف العبد فلها العقد بنفسها

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

قوله: «أو موكلتي فلانة» ليس في ط المعارف.

[2]

في ط المعارف: (والبعض).

ص: 380

فإن جبرها لم يمض فتحصل أن الأنثى بشائبة لا تجبر -على الأصح- إلا أم الولد فتجبر على الأصح بكره، وأن الذكر بشائبة لا يجبر، إلا المدبر والمعتق لأجل إذا لم يمرض السيد ولم يقرب الأجل.

(وجبر الشركاء) مملوكهم ذكراً أو أنثى (إن اتفقوا) على تزويجه، لا إن خالف بعضهم، فليس للأخير [1] جبر.

الثاني من الولي المجبر: الأب، ورتبته بعد رتبة السيد فلا كلام لأب مع وجود سيد ابنته، ولذا أتى بالفاء المشعرة بتأخر رتبته فقال:(فأب): له الجبر ولو بدون صداق المثل ولو لأقل حال منها أو لقبيح منظر لثلاثة من بناته.

أشار للأولى بقوله: (لبكر) ما دامت بكراً (ولو عانساً) بلغت من العمر ستين سنة أو أكثر.

(إلا إذا رشدها) الأب: أي جعلها رشيدة أو أطلق الحجر عنها لما قام بها من حسن التصرف فلا جبر له عليها حينئذ، ولا بد أن تأذن بالقول كما يأتي (أو أقامت) بعد أن دخل بها زوج (سنة) فأكثر (ببيت زوجها)، ثم تأيمت وهي بكر فلا جبر له عليها تنزيلاً لإقامتها ببيت الزوج سنة منزلة الثيوبة.

وأشار للثانية بقوله: (وثيب) عطف على بكر، (صغرت) بأن لم تبلغ فتأيمت بعد أن أزال الزوج بكارتها؛ فله جبرها لصغرها إذ لا عبرة بثيوبتها في هذه الحالة.

(أو) كبرت بأن بلغت وزالت بكارتها (بزنا ولو تكرر) منها الزنا حتى زال جلباب الحياء عن وجهها، (أو ولدت) منه فله جبرها ولا حق لولادتها من الزنا معه.

(أو) زالت بكارتها (بعارض) كوثبة أو ضربة أو بعود ونحو ذلك فله جبرها ولو عانساً (لا) إن زالت (بنكاح فاسد) ولو مجمعاً على فساده فليس له جبرها (إن درأ) أي منع (الحد) لشبهة،

ــ

ويشترط في المالك المجبر الإسلام والحرية والرشد، فإن الكافر لا نتعرض له في مملوكه الكافر، فإن كان مملوكه مسلماً فلا يقر تحت يده، بل يجبر على إخراجه من يده، وأما لو كان المالك عبداً فالجبر لمالكه ما لم يكن العبد المالك مأذوناً له في التجارة، أو مكاتباً فإنه يجبر رقيقه بنفسه، ولكن لا يتولى العقد بنفسه في تزويج الأمة فهو كالمرأة، وأما لو كان سفيهاً فالجبر لوليه وليس للعبد أو الأمة جبر سيدهما على التزويج لهما، ولو حصل لهما الضرر بعدمه، بل ولو قصد إضرارهما بعدمه، ولا يؤمر ببيع ولا تزويج، لأن الضرر إنما يجب رفعه إذا كان فيه مثل حق واجب، ولا حق لهما في النكاح، وما في التوضيح من أنه إذا قصد بمنعهما الضرر أمر بالبيع أو التزويج ضعيف كما نص عليه (ح).

قوله: [فإن جبرها لم يمض]: أي بناء على منع الجبر وهو الذي اختاره اللخمي، والراجح الأول وهو رواية يحيى عن ابن القاسم.

قوله: [فليس للآخر جبر]: أي بل إن عقد أحد الشركاء بغير إذن الآخر كان للآخر الإجازة، والرد إن كان فيها بعض حرية؛ وإن لم يكن فيها تبعيض تحتم الرد كذا في (ر) والذي في (ح) أنه يتحتم الرد مطلقاً لو فيها بعض حرية واختاره (بن).

قوله: [فأب]: أي رشيد وإلا فالكلام لوليه هكذا في الأصل تبعا لـ (عب) والخرشي، ولكن قال (بن) فيه نظر لما سيأتي أن السفيه ذا الرأي أي العقل والدين له جبر بنته وإن كان ناقص التمييز، خص وليه بالنظر في تعيين الزوج. واختلف فيمن يلي العقد هل الولي. أو الأب، فلذلك أطلق شارحنا ولم يقيد بالرشد اتكالاً على ما سيأتي.

قوله: [بلغت من العمر ستين سنة]: المراد أنها طالت إقامتها عند أبيها وعرفت مصالح نفسها قبل الزواج وما ذكره من جبر البكر ولو عانساً هو المشهور، خلافاً لابن وهب حيث قال للأب جبر البكر ما لم تكن عانساً، لأنها لما عنست صارت كالثيب، ومنشأ الخلاف هل العلة في الجبر البكارة أو الجهل بمصالح النساء، فالمشهور ناظر للأول وابن وهب ناظر للثاني.

قوله: [إلا إذا رشدها الأب]: أي والحال أنها بالغة إذ الصغيرة لا ترشد، ثم ما ذكره المصنف من عدم جبر المرشدة هو المعروف من المذهب، وقال ابن عبد البر: له جبرها، وكما لا يجبرها الأب على المشهور لا حجر له عليها في المعاملة، وما في الخرشي و (عب) من بقاء الحجر عليها في المعاملة غير صواب، إذ الترشيد لا يتبعض فلا يكون في أمر دون آخر كذا في (بن). ومثل البكر التي رشدها الأب البكر التي رشدها الوصي، وفي بقاء ولايته عليها قولان الراجح بقاؤها كما هو، نقل المتيطي عن سماع ابن القاسم لكن لا يزوجها إلا برضاها، وأما لو رشد الوصي الثيب فلا ولاية له عليها والولاية لأقاربها.

قوله: [وهي بكر]: أي والحال أنها تدعي البكارة وأن الزوج لم يمسها مع ثبوت الخلوة بينهما، وسواء كذبها الزوج أو وافقها، ومن باب أولى إذا جهلت الخلوة، وأما لو علم عدم الخلوة بينهما وعدم الوصول إليها فإجبار الأب باق، ولو أقامت على عقد النكاح أكثر من سنة.

قوله: [فله جبرها لصغرها]: ظاهره أنه إنما يجبرها قبل البلوغ، فإن ثيبت وتأيمت قبل البلوغ ثم بلغت قبل النكاح فلا تجبر، وهو: قول ابن القاسم وأشهب، ومقابله ما لسحنون من الجبر مطلقاً.

قوله: [أو بزنا]: أو حرف عطف والمعطوف محذوف قدره الشارح بقوله: "كبرت"، و "بزنا" متعلق بفعل محذوف قدره الشارح بقوله" "وزالت بكارتها"، والجملة معطوفة على جملة "صغرت".

قوله: [ولو تكرر منها الزنا]: أي وهو ظاهر المدونة، وقال عبد الوهاب إن لم يتكرر منها الزنا وإلا فلا يجبرها.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (للآخر).

ص: 381

وإلا فله جبرها.

وأشار للثالثة بقوله: (و) لأب جبر (مجنونة) بالغاً ثيباً لعدم تمييزها، ولا كلام لولدها معه إن كان لها ولد رشيد، (إلا من تفيق) من جنونها أحياناً (فتنتظر) إفاقتها لتستأذن ولا تجبر.

ومحل جبر الأب في الثلاثة إذ لم يلزم على تزويجها ضرر عادة، كتزويجها من خصيّ أو ذي عاهة كجنون وبرص وجذام مما يرد الزوج به شرعاً وإلا فلا جبر له.

الثالث من الولي المجبر: وصي الأب عند عدم الأب وإليه أشار بقوله: (فوصيه): أي الأب له الجبر فيما للأب فيه جبر. ومحله (إن عين له) الأب (الزوج) بأن قال له: زوجها من فلان، فله جبرها عليه فقط دون غيره إن بذل مهر المثل، بخلاف الأب له جبرها مطلقاً.

(أو أمره) الأب (به): أي بالجبر بأن قال: اجبرها، وما في معناه ولو ضمناً، كما لو قال له: زوجها قبل البلوغ وبعده أو على أي حالة شئت.

(أو) أمره (بالنكاح) ولم يعين له الزوج ولا الإجبار بأن قال له: زوجها أو أنكحها أو زوجها ممن أحببت أو لمن ترضاه فله الجبر، ومقابله لا يعول عليه ثم شبه في الجبر قوله:(كأنت وصيي عليها): أي على بنتي أو بناتي أو على بضعها أو بضعهن [1] فله الجبر (على الأرجح) عند بعضهم، وقال بعضهم: النقل يفيد أرجحية عدم الجبر لقول أبي الحسن: بخلاف وصيي فقط أو وصيي على بضع بناتي أو على تزويجهن فلا جبر، والقياس أنه لا يزوجها إلا بعد البلوغ، وقال غيره له الجبر. (وهو): أي الوصي (في الثيب) البالغة إذا أمره الأب بتزويجها، أو قال له: أنت وصيي على إنكاحها (كأب) مرتبته بعد الابن ولا جبر؛ فإن زوجها مع وجود الابن جاز على الابن، وإن زوجها الأخ برضاها جاز على الوصي لصحة عقد الأبعد مع وجود الأقرب.

(ثم) بعد السيد والأب ووصيه في البكر والصغيرة والمجنونة (لا جبر) لأحد من الأولياء على أنثى صغيرة أو كبيرة وإذا لم يكن لأحد منهم جبر (فإنما تزوج بالغ) لا صغيرة (بإذنها) ورضاها، سواء كانت البالغ بكراً أو ثيباً وسيأتي أن إذن البكر صماتها، وأن الثيب تعرب عن نفسها. ومصب الحصر كلا الأمرين: أي لا تزوج إلا بالغ، ولا تزوج إلا بإذنها؛ فمتى فقد أحد الأمرين فسد النكاح وفسد أبداً على ما شهره أبو الحسن في الصغيرة، وشهر المتيطي فيها أنه يفسخ ما لم يطل. ثم استثنى من مفهوم:"بالغ" قوله: (إلا) صغيرة (يتيمة) والتصريح بـ "يتيمة" من التصريح بما علم التزاماً؛ لأن غير المجبرة متى كانت صغيرة كانت يتيمة إذ لو كان لها أب لكان مجبراً لها. فمحط الاستثناء قوله: (خيف عليها) إما لفسادها في الدين بأن يتردد عليها أهل الفسوق، أو تتردد هي عليهم، أو تكون بجوارهم حتى تتطبع بطباعهم وتميل إلى الهوى، وإما لضياعها في الدنيا لفقرها وقلة الإنفاق عليها أو لخوف ضياع مالها. فقولنا "خيف عليها" ظاهر في شمول المسألتين بخلاف قوله "خيف فسادها". (وبلغت عشراً) من السنين لأنها صارت في سن من توطأ. (وشوور القاضي) بسكون الواو الأولى وكسر الثانية: من المشاورة ليثبت عنده ما ذكر، وأنها خلية من زوج وعدة وغيرهما

ــ

قوله: [وإلا فله جبرها]: أي لأنه زنا.

قوله: [بالغاً ثيباً]: أي وأما الصغيرة أو البكر فله جبرها على كل حال مجنونة أو عاقلة.

قوله: [وإلا فلا جبر له]: أي لما في الحديث الشريف: «لا ضرر، ولا ضرار» قوله: [بخلاف الأب له جبرها مطلقاً]: أي ولو على دون مهر المثل ما لم يكن ذا عاهة كما تقدم، وما ذكره من أن الوصي لا يزوج إلا بمهر المثل فأكثر، لا يعارضه ما يأتي في نكاح التفويض من أنه يجوز الرضا بدونه للوصي، قيل لأن ما هنا قبل العقد وما يأتي بعده لمصلحة عدم الفراق.

قوله: [كأنت وصيي عليها]: حاصل المسألة أن الأب إذا قال للوصي: أنت وصيي على بضع بناتي، أو على نكاح بناتي أو على تزويجهن، أو وصيي على بنتي تزوجها ممن أحببت، له الجبر على الراجح، وإن لم يذكر شيئاً من النكاح أو التزويج أو البضع فالراجح عدم الجبر، كما إذا قال: أنت وصيي على بناتي أو على بعض بناتي أو على بنتي فلانة، وأما لو قال: أنت وصيي فقط أو على مالي أو بيع تركتي أو قبض ديني، فلا جبر اتفاقاً، فلو زوج جبراً في هذه الصورة فاستظهر الأجهوري الإمضاء وتوقف فيه النفراوي، وأما إن زوج بلا جبر صح بلا خلاف، هذا هو تحرير المسألة فليحفظ، وكلام الشارح في هذا المقام غير واضح.

قوله: [جاز على الابن]: أي مضى بعد الوقوع وإلا فالابن مقدم كما أن الوصي مقدم على الأخ بدليل ما بعده.

تنبيه: استثنى العلماء من وجوب الفور بين الإيجاب والقبول مسألة نص عليها أصبغ، وهي: أن يقول الرجل في مرضه إن مت فقد زوجت ابنتي فلانة من فلان، فهذا يصح طال الأمر أو لا، قبل الزوج النكاح بقرب الموت أو بعد الطول كما هو مذهب المدونة. وقيد سحنون الصحة بما إذا قبل الزوج النكاح بقرب موت الأب، لأن العقود يجب أن يكون القبول بقربها ولا سيما عقد النكاح، فإن الفروج يحتاط فيها، وإنما استثنيت هذه المسألة لأنها من وصايا المسلمين، فيجب إنفاذها حيث وقع منه ذلك في المرض كان المرض مخوفاً أم لا فتدبر.

قوله: [وسيأتي أن إذن البكر صماتها]: أي إلا ما استثنى من الأبكار الستة فلا بد من إذنهن بالقول.

قوله: [كانت يتيمة]: أي ولا سيد لها ولا وصي.

قوله: [إذ لو كان لها أب) أي أو سيد أو وصي.

قوله: [والحق خلافه) أي كما قال شيخ مشايخنا العدوي:

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

قوله: (بضعها أو بضعهن) في ط المعارف: (بعضها أو بعضهن).

ص: 382

من الموانع الشرعية، ورضاها بالزوج وأنه كفؤها في الدين والحرية والحال وأن المهر مهر مثلها، (فيأذن لوليها) في العقد، ولا يتولى العقد بنفسه مع وجود غيره من الأولياء. وظاهره: أن مشاورة القاضي شرط صحة، وهو ظاهر ما نقله الشيخ عن ابن عبد السلام، وأثبته في مختصره وتبعناه فيه، والحق خلافه إذ لم يذكره أحد غير ابن عبد السلام من الأئمة. وعليه فإذا زوجها وليها بالشروط المذكورة من غير مشاورة كان النكاح صحيحاً قطعاً، نعم تستحسن المشاورة لثبوت الواجبات ورفع المنازعات. والحق أن إذنها صمتها كغيرها، خلافاً لمن قال لا بد أن تأذن بالقول.

(وإلا) بأن لم يخف عليها فساداً ولا ضيعة أو لم تبلغ عشراً وزوجت (فسخ) نكاحها.

(إلا إذا دخل) الزوج بها (وطال) الزمن بعد الدخول والبلوغ فلا يفسخ. وفسر الطول (بالسنين) كالثلاثة بعد دخولها وبلوغها، (أو) ولادة (الأولاد) كاثنين في بطنين، وشهر هذا المتيطي وقال أبو الحسن: المشهور الفسخ أبداً ففي المسألة خلاف في التشهير كما أشرنا لذلك في صدر العبارة.

ثم شرع في بيان الولي الغير المجبر، ومن هو أحق بالتقديم عند وجود متعدد من الأولياء فقال:(والأولى) عند وجود متعدد من الأولياء (تقديم ابن) للمرأة في العقد عليها برضاها، (فابنه) على الأب، فلو عقد الأب مع وجود الابن أو ابنه جاز على الابن، ولا ضرر كما سينص عليه.

(فأب) للمرأة فمرتبته بعد الابن وابنه، (فأخ) للأب (فابنه) وإن سفل، (فجدّ) لأب فمرتبته بعد الأخ وابنه، كالولاء والصلاة على الجنازة، بخلاف الفرائض (فعم) لأب (فابنه، فجد أب فعمه): أي عم الأب (فابنه و) الأولى (تقديم الشقيق) من كل صنف على الذي للأب، (و) الأولى تقديم (الأفضل) عند التساوي في الرتبة.

(وإن تنازع متساوون) في الرتبة والفضل كإخوة كلهم علماء (نظر الحاكم) فيمن يقدمه (إن كان) حاكم، (وإلا) يكن (أقرع) بينهم.

(فمولى أعلى) وهو من أعتق المرأة يلي مرتبة عصبة النسب (فعصبته، فمولاه) وهو من أعتق معتقها وإن علا.

(فمولى أبيها) كذلك (فمولى جدها كذلك) وإن علا، وهذا معنى قوله:"فمولاه" ولا حق للمولى الأسفل، قال المصنف: لأنها إنما تستحق بالتعصيب. (فكافل) لها غير عاصب: أي قائم بتربيتها حتى بلغت عنده،

ــ

المعتمد في هذه المسألة ما ارتضاه المتأخرون من أن المدار على خيفة الفساد متى خيف عليها الفساد في مآلها، أو في حالها زوجت بلغت عشراً أو لا، رضيت بالنكاح أم لا، فيجبرها وليها على التزويج، ووجب مشاورة القاضي في تزويجها، فإن زوجت من غير مشاورته صح النكاح إن دخل، وإن لم يطل، وأما إن لم يخف عليها الفساد وزوجت صح إن دخل وطال اهـ. فإذا علمت ذلك فالمدار على خلوها من الموانع الشرعية، أما رضاهما بالزوج وأنه كفؤها في الدين والحرية والحال، وأن المهر مهر مثلها، وأن الجهاز الذي جهزت به مناسب فليس بلازم على التحقيق ارتكاباً لأخف الضررين، فإن لم يوجد قاض يشاور لعدمه أو لكونه ظالماً كفى جماعة المسلمين.

قوله: [بالشروط المذكورة]: قد علمت أن المدار على خلاف الفساد والخلو من الموانع الشرعية فقط.

قوله: [أو لم تبلغ عشراً]: ظاهره أنها إذا لم تبلغ عشراً وزوجت مع خوف الفساد يفسخ قبل الدخول والطول، وليس كذلك، بل هو صحيح ابتداء على المعتمد كما تقدم ارتكاباً لأخف الضررين، ولا يفسخ قبل الدخول والطول إلا إذا زوجت من غير خوف فساد.

قوله: [ففي المسألة خلاف في التشهير]: وروي عن ابن القاسم قول ثالث بعد الفسخ أصلاً.

قوله: [والأولى عند وجود متعدد] إلخ: الراجح أن هذا التقديم واجب غير شرط، وقيل مندوب وهو الذي درج عليه الشارح.

قوله: [تقديم ابن]: أي ولو من زنا كما إذا ثيبت بنكاح ثم زنت وأتت بولد فيقدم على الأب، وأما إذا ثيبت بزنا وأتت منه بولد فإن الأب يقدم عليه لأنها في تلك الحالة مجبرة للأب كما يفهم مما مر.

قوله: [فأب]: أي شرعي، وأما أبو الزنا فلا عبرة به.

قوله: [فأخ للأب]: صادق بأن يكون شقيقاً أو لأب فقط وخرج الأخ للأم فإنه لا ولاية له خاصة، وإن كان له ولاية عامة.

قوله: [فابنه]: ما ذكره من تقديم الأخ وابنه على الجد هنا هو المشهور، ومقابله أن الجد وإن علا يقدم على الأخ وابنه.

قوله: [كالولاء والصلاة على الجنازة]: أي والغسل والإيصاء والعقل كما قال الأجهوري:

بغسل وإيصاء ولاء جنازة

نكاح أخاً وابناً على الجد قدم

وعقل ووسطه بباب حضانة

وسوه مع الآباء في الإرث والدم

قوله: [بخلاف الفرائض]: أي المواريث فإنه مقدم على ابن الأخ.

قوله: [فجد أب]: أي وهكذا يقدم الأصل على فرعه، وفرعه على أصل أصله، وقيل إن الجد وإن علا يقدم على العم.

قوله: [والأولى تقديم الشقيق]: أي على الأصح عند ابن بشير، والمختار عند اللخمي وهو قول مالك وابن القاسم وسحنون، ومقابله ما رواه ابن زياد عن مالك أن الشقيق وغيره في مرتبة واحدة فيقترعان عند التنازع.

قوله: [أقرع بينهم]: وقيل يعقدون معاً.

قوله: [فعصبته]: أي المتعصبون بأنفسهم وكذا يقال فيمن أعتق من أعتقها، أو أعتق أباها لأن الكل يصدق عليه أنه مولى أعلى، وترتيب عصبة كل المتعصبين بأنفسهم كترتيب عصبتها.

قوله: [لأنها إنما تستحق بالتعصيب] أي والعتيق ليس من عصبتها.

قوله: [فكافل لها]: حاصله أن

ص: 383

أو بلغت عشراً بشروطها (إن كانت) المكفولة (دنيئة) لا شريفة كما هو ظاهر المدونة وإلا فوليها الحاكم، (وكفل ما): أي زمناً (يشفق فيه): أي تحصل فيه الشفقة والحنان عليها عادة، ولا يحد بأربعة أعوام ولا بعشرة على الأظهر، ولا بد من ظهور الشفقة عليها منه بالفعل، وإلا فالحاكم هو الذي يتولى عقد نكاحها. (فالحاكم) يلي من ذكر. (فعامة مسلم): أي فإن لم يوجد أحد ممن ذكر تولى عقد نكاحها أي رجل من عامة المسلمين، ومن ذلك الخال والجد من جهة الأم والأخ لأم، فهم من أهل الولاية العامة بإذنها ورضاها.

(وصح) النكاح (بالعامة) أي بالولاية العامة (في) امرأة (دنيئة مع وجود) ولي (خاص) كأب وابن وعم، (لم يجبر) لكونها بالغاً ثيباً أو بكراً لا أب لها ولا وصي لها، ولا يفسخ بحال طال زمن العقد أو لا دخل بها الزوج أو لم يدخل، لكونها -لدناءتها وعدم الالتفات إليها- لا يلحقها بذلك معرة. والدنيئة: هي الخالية من الجمال والمال والحسب والنسب؛ فالخالية من النسب: بنت الزنا أو الشبهة أو المعتوقة من الجواري، والحسب: هو الأخلاق الكريمة كالعلم والحلم والتدبير والكرم ونحوها من محاسن الأخلاق، فالغنية ذات الجمال ليست بدنيئة، وإن لم يكن لها حسب ولا نسب، والنسيبة -وإن كانت فقيرة أو قبيحة- ليست بدنيئة بل كل من اتصفت بصفتين من هذه الصفات الأربع فشريفة، بل وبصفة فقط على ما قاله بعضهم. نعم الوقفة في قوم فقراء شأنهم أن يكونوا خدمة للناس ولا ديانة عندهم ولا صيانة، فهم -وإن عرف نسبهم- إلا أنهم لعدم ديانتهم وصيانتهم وكونهم مسخرين تحت أيدي الناس لا يلتفت إليهم، والظاهر دناءتهم وبقي الكلام في الجواز: هل لا يجوز لمطلق مسلم أن يتولى عقد نكاح الدنيئة مع وجود كأبيها؟ ونص عليه بعض الشراح ورجح قول الشيخ ولم يجز لهذه المسألة أيضاً، أو يجوز؟ قال بعضهم: وهو نص المدونة وابن عرفة وابن فتوح وغيرهم، وجعله المذهب. ثم شبه في الصحة قوله:(كشريفة): أي كما يصح نكاح شريفة بالولاية العامة مع وجود خاص غير مجبر، (إن دخل) الزوج بها (وطال) طولاً (كالمتقدم): أي كالطول المتقدم في الصغيرة التي لا أب لها إذا زوجت مع فقد الشروط أو بعضها، وهو أن يمضي زمن تلد فيه الأولاد كثلاث سنين.

(ولم يجز) لمن له الولاية العامة أن يتولى عقد نكاح امرأة شريفة مع وجود خاص فقوله: "ولم يجز" راجع لما بعد الكاف. وأما الدنيئة فتقدم أن المذهب الجواز، ولذا لم يفسخ بحال فيها كما تقدم وكان الأولى للشيخ رحمه الله ذكره هنا.

(وإلا) بأن دخل ولم يطل أو لم يدخل طال أم لا (فللأقرب) من الأولياء عند وجود أقرب وأبعد وللبعيد [1] عند عدم القريب (أو الحاكم إن غاب) الأقرب غيبة بعيدة على ثلاثة أيام فأكثر (الرد) للنكاح، وله الإمضاء فهو مخير في الثلاث صور بين الفسخ والإمضاء. فإن أجازه ثبت. وقيل: يتعين الفسخ إذا لم يدخل، وطال الزمن وهو أحد التأويلين في كلامه.

وعليه فحاصل المسألة أنه يفسخ قبل البناء إن طال ويثبت بعده إن طال، فإن قرب فيهما خير الولي الخاص في فسخه وإمضائه،

ــ

البنت إذا مات أبوها أو غاب وكفلها رجل - أي قام بأمورها حتى بلغت عنده - أو خيف عليها الفساد سواء كان مستحقا لحضانتها شرعاً، أو كان أجنبياً، فإنه يثبت له الولاية عليها ويزوجها بإذنها إن لم يكن لها عصبة، وهل ذاك خاص بالدنيئة؟ وهو ظاهر المدونة، فلذا اقتصر عليه الشارح، أو حتى في الشريفة؟ خلاف. فإن زوجها أولاً ثم مات الزوج فهل تعود الولاية له أو لا؟ ثالثها: تعود إن كان فاضلا، رابعها: تعود إن عادت المرأة لكفالته، وأشعر إتيان المصنف بالوصف مذكراً أن المرأة الكافلة لا ولاية لها وهو المذهب، وقيل: لها ولاية ولكنها لا تباشر العقد بل توكل كالمعتقة.

قوله: [أو بلغت عشراً بشروطها]: قد علمت الشروط المتقدمة في اليتيمة وتحقيقها فلا حاجة للإعادة.

قوله: [أي فإن لم يوجد أحد ممن ذكر]: أي لم يوجد لها عاصب ولا مولى أعلى ولا كافل ولا حاكم شرعي قوله: [وصح النكاح) إلخ أي وأما الجواز ابتداء فسيأتي أن فيه خلافاً والحق الجواز، لأنه نص المدونة.

قوله: [لم يجبر]: أي وأما لو عقد النكاح بالولاية العامة مع وجود المجبر كان النكاح فاسداً، ويفسخ أبداً ولو أجازه المجبر.

قوله: [وإن لم يكن لها حسب ولا نسب]: أي كالمعتوقة البيضاء الجميلة.

قوله: [والنسيبة] أي ذات النسب العالي وهي التي اتصفت بالحسب والنسب لا ذات النسب فقط، بدليل ما بعده.

قوله: [بل وبصفة فقط] إلخ: الظاهر أن الصفة الواحدة لا تكفي بدليل استظهاره الآتي.

قوله: [فهم وإن عرف نسبهم]: أي عرف أصولها وأنها ليست من زنا ولا مجهولة النسب، وليس المراد بالنسب علوه لأن النسب يرجع لمعنى الحسب.

قوله: [والظاهر دناءتهم]: وحيث كان انفراد النسب لا يكفي في الشرف فأولى انفراد غيره من الصفات.

قوله: [كشريفة] إلخ: حاصله أنه إذا عقد للشريفة بالولاية العامة مع وجود الولي الخاص غير المجبر، وطال الزمان بعد الدخول - والطول الذي ذكره الشارح - فإنه يمضي اتفاقاً، وإن كان لا يجوز ابتداء، وأما إن طال بعد العقد وقبل الدخول يتحتم الفسخ أو لا يتحتم، ويخير الولي بين الإجازة والرد، وعلى القول بتحتم الفسخ هل بطلاق وهو القياس أو بغيره خلاف، وأما إن لم يحصل طول فيخير الولي بين الإجازة والرد اتفاقاً حصل دخول أم لا.

قوله: [وطال الزمن]: أي بعد العقد وقبل الدخول

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (للبعيد).

ص: 384

فالتخيير في صورتين.

(و) صح النكاح (بأبعد) من الأولياء كعم وابنه (مع) وجود (أقرب لا يجبر) كأب وابن في شريفة وغيرها فلا يفسخ بحال، (وإلا) بأن كان الولي مجبراً -كسيد وكأب أو وصيه في بكر أو صغيرة أو مجنونة- (فلا) يصح النكاح بالأبعد مع وجوده في شريفة لا دنيئة.

(وفسخ أبداً) متى اطلع عليه ولو بعد مائة سنة.

وبقي الكلام في تولي الأبعد العقد مع وجود أقرب غير مجبر، هل يجوز أو لا؟ قال المصنف هنا:"ولم يجز" وهو مبني على أن قوله: "وقدم ابن فابنه" إلخ معناه على سبيل الوجوب الغير الشرطي وقال بعضهم: بل يجوز ابتداء غايته أنه مكروه أو خلاف الأولى، ورجح وهو الذي درجنا عليه بقولنا:"والأولى تقديم ابن" إلخ. واستثنى من قوله: "وإلا فلا يصح" قوله: (إلا أن يجيز): المجبر (عقد من فوض) المجبر (له أموره) من الأولياء كابن وأخ وجد وغيرهم وثبت التفويض له، (ببينة) لا بمجرد دعوى ولا بإقرار من المجبر بعد العقد، (فيمضي) ذلك العقد ولا يفسخ (إن لم يبعد) بأن قرب ما بين العقد من المفوض له والإجازة من المجبر (على الأوجه) من التأويلين، لأن عقد المفوض مع وجود المجبر خلاف الأصل. والطول مما يزيد ضعفاً فلا يمضي معه ويمضي مع القرب، والتأويل الثاني: يمضي مطلقاً.

(فإن فقد) المجبر (أو أسر، فكموته) ينقل الحق للولي الأقرب فالأقرب دون الحاكم، أي فلا كلام للحاكم مع وجود غيره من الأولياء وقد تبع المصنف في هذا المتيطي، وحكى ابن رشد الاتفاق على أنه كذي الغيبة البعيدة يزوجها الحاكم دون غيره فيكون هو المذهب.

(وإن غاب) المجبر (غيبة بعيدة كإفريقية من مصر) ولم يرج قدومه، (فالحاكم) هو الذي يزوجها بإذنها -وإذنها صماتها- دون غيره من الأولياء (وإن لم يستوطن): أي لم تكن نيته الاستيطان بها (على الأصح) وتؤولت أيضاً على الاستيطان وإنما كان الأمر للحاكم دون غيره، لأن الحاكم ولي الغائب وهو مجبر لا كلام لغيره معه.

فإن كان مرجو القدوم كالتجار فلا يزوجها حاكم ولا غيره (كغيبة) الولي (الأقرب) غير المجبر (الثلاث) ففوق، فيزوجها الحاكم دون الأبعد الحاضر، فإن كان على الأقل من الثلاث كتب له؛ إما أن يحضر أو يوكل، وإلا زوج الحاكم لأنه وكيل الغائب، فإن زوج الأبعد صح لأنها غير مجبرة كما تقدم.

(وإن غاب) المجبر غيبة قريبة (كعشر) أو عشرين يوماً مع أمن الطريق وسلوكها (لم يزوج) المجبرة (حاكم أو غيره) لأنه في حكم الحاضر، لإمكان إيصال الخبر إليه بلا كبير مشقة (وفسخ) أبداً إن وقع. (إلا إذا

ــ

وظاهره أنه إذا حصل منه دخول بعد ذلك لا يقول أحدهم بتحتم الفسخ وليس كذلك، بل القول بتحتم الفسخ جار فيما إذا حصل طول بعد العقد، وقبل الدخول، ولو حصل دخول بعد ذلك كما يؤخذ من حاشية الأصل.

قوله: [فالتخيير في صورتين]: أي اتفاقاً وتحتم الفسخ على أحد القولين في صورة ووجوب الإمضاء في صورة.

قوله: [وصح النكاح]: أي مراعاة للقول بندب الترتيب المتقدم، أو أن الوجوب غير شرطي.

وقوله: [بأبعد]: أي ولو كان الأبعد الحاكم مع وجود أخص الأولياء، فإذا لم ترض المرأة بحضور أحد من أقاربها وزوجها الحاكم كان النكاح صحيحاً، وأما لو وكلت أجنبياً غير الحاكم مع حضور أحد من أقاربها جرى فيها قوله السابق:" وصح بالعامة في دنيئة " إلخ، ثم إن المراد بالأبعد: المؤخر في المرتبة، وبالأقرب المتقدم فيها ولو كانت جهتهما متحدة فيشمل تزويج الأخ للأب مع وجود الشقيق، وليس المراد بالقرب والبعد في خصوص الجهة.

قوله: [وفسخ أبداً]: أي إلا أن يحكم بصحته حاكم كالحنفي.

قوله: [وغيرهم]: أي ولذلك قال ابن حبيب يدخل سائر الأولياء إذا قاموا هذا المقام، قال الأبهري وابن محرز: وكذلك الأجنبي لأنه إذا كانت العلة تفويض المجبر فلا فرق. قوله: [وثبت التفويض له ببينة]: أي تشهد على أن المجبر نص له على التفويض، بأن قال له فوضت لك جميع أموري، أو أقمتك مقامي في جميع أموري، أو تشهد أنهم يرونه يتصرف تصرف الوكيل المفوض له.

قوله: [وقد تبع المصنف في هذا المتيطي]: قال في الحاشية: المشهور ما قاله المتيطي وذلك لتنزيل الأسر والفقد منزلة الموت، بخلاف بعيد الغيبة فإن حياته معلومة.

قوله: [فيكون هو المذهب]: أي ولذلك صوبه بعض الموثقين قائلا: أي فرق بين الفقد والأسر وبعد الغيبة؟

قوله: [من مصر]: أي ما استظهره ابن رشد لأن ابن القاسم كان بها وبينهما ثلاثة أشهر، وقال الأكثر من المدينة لأن مالكاً كان بها وبينهما أربعة أشهر.

قوله: [ولم يرج قدومه]: أي عن قرب.

قوله: [فالحاكم هو الذي يزوجها]: أي إذا كانت بالغاً أو خيف عليها الفساد كما تقدم. قوله: [وتؤولت أيضاً على الاستيطان]: أي بالفعل ولا يكفي مظنته. فعليه من خرج لتجارة ونحوها ونيته العود فلا يزوج الحاكم ابنته، ولو طالت إقامته إلا إذا خيف فسادها أو قصد بغيبته الإضرار بها، فإن تبين ذلك كتب له الحاكم، إما أن تحضر تزوجها أو توكل وكيلاً يزوجها وإلا زوجناها عليك، فإن لم يجب بشيء زوجها الحاكم ولا فسخ كما قال الراجراجي.

قوله: [كغيبة الولي الأقرب] إلخ: حاصله أن الولي الأقرب

ص: 385

خيفت الطريق) بأن كان لا يمكن سلوكها لعدم الأمن (وخيف عليها) ضياع أو فساد (فكالبعيدة)، يزوجها الحاكم دون غيره وإلا فسخ (وإذن البكر) الغير المجبرة (صمتها) أي إن صمتها إذا سئلت: هل ترضين بأن نزوجك من فلان على مهر قدره كذا، على أن الذي يتولى العقد فلان؟ رضا منها وإذن في ذلك فلا تكلف النطق بذلك. (وندب إعلامها به) أي بأن سكوتها رضا وإذن منها، (فلا تزوج إن منعت) بأن قالت: لا أتزوج أو لا أرضى أو ما في معناه، (أو نفرت) لأن النفور دليل على عدم الرضا، (لا إن ضحكت أو بكت) فتزويج لأن بكاءها يحتمل أنه لفقد أبيها الذي يتولى عقدها. (والثيب) ولو سفيهة (تعرب) عما في ضميرها من رضا أو منع، ولا يكتفي منها بالصمت. ويشاركها في ذلك أبكار ستة لا يكتفي منهن بالصمت، بل لا بد من الإذن بالقول كالثيب أشار لهن مشبهاً لهن بالثيب فقال:(كبكر رشدت) أي رشدها أبوها بأن أطلق الحجر عنها في التصرف المالي وهي بالغ فلا بد من إذنها بالقول، وتقدم أنه لا جبر لأبيها عليها، وذكر هنا أنه لا بد من نطقها عند استئذانها. (أو) بكر (عضلت): أي منعت أي منعها وليها من النكاح، فرفعت أمرها أمرها للحاكم فزوجها الحاكم فلا بد من إذنها بالقول. فإن أمر أباها بالعقد، فأجاب وزوجها لم يحتج لإذن لأنه مجبر (أو) بكر مهملة لا أب لها ولا وصي (زوجت بعرض) وهي من قوم لا يزوجون بالعروض، أو يزوجون بعرض معلوم فزوجها وليها بغيره، فلا بد من نطقها بأن تقول: رضيت [1]، ولا تكفي الإشارة (أو) بكر ولو مجبرة زوجت (برق): أي رقيق فلا بد من إذنها بالقول، لأن العبد ليس بكفء للحرة. (أو) زوجت (لذي عيب) كجذام وبرص وجنون وخصاء فلا بد من نطقها بأن تقول: رضيت به مثلاً. (أو) بكر غير مجبرة (افتيت عليها) الافتيات: التعدي، أي تعدى عليها وليها غير المجبر، فعقد عليها بغير إذنها ثم أنهى إليها الخبر، فرضيت فيصح النكاح ولا بد من رضاها بالقول، فهذه ستة أبكار. وأما اليتيمة التي بلغت عشراً وخيف عليها والصحيح [2] أنه يكفي صمتها ثم ذكر أن الافتيات مطلقاً يصح إن وقع بشروط بقوله:(وصح الافتيات) على المرأة مطلقاً بكراً أو ثيباً، بل (ولو على الزوج) بشروط ستة أفاد الأول بقوله:(إن قرب الرضا) من العقد [3] يكون العقد [4] بالمسجد مثلاً، وينهي إليها الخبر من وقته. واليوم بعد لا يصح معه الرضا، وقيل اليومان قرب وقيل البعد ما فوق الثلاثة. والثاني بقوله: وكان الرضا (بالقول) فلا يكفي الصمت كما تقدم في البكر، وكذا غيرها بالأولى. والثالث بقوله:(بلا رد) للنكاح (قبله): أي قبل الرضا ممن افتيت عليه منهما، فإن رد من افتيت عليه فلا يصح منه رضا بعد ذلك. والرابع بقوله:(وبالبلد): أي وأن يكون من افتيت عليها بالبلد حال الافتيات والرضا، فإن كان بأخرى [5] لم يصح ولو قربتا وأنهى الخبر إليه [6] من ساعته. والخامس بقوله:(ولم يقر) الولي (به): أي بالافتيات (حال العقد) بأن سكت أو ادعى أنه مأذون، فإن أقر به لم يصح. وأفاد السادس بقوله:

ــ

غير المجبر إذا غاب غيبة مسافتها من بلد المرأة ثلاثة أيام ونحوها، وأرادت التزويج فإن الحاكم يزوجها لا الأبعد، ولو زوجها الأبعد في هذه الحالة صح كما يدل عليه قوله: وبأبعد مع أقرب.

قوله: [فلا تكلف النطق بذلك]: أي بما ذكر من الرضا بالزوج والمهر والولي وظاهره كانت حاضرة أو غائبة. قوله: [وندب إعلامها به]: فإن لم تعلم بذلك وادعت الجهل فلا تقبل دعواها، وتم النكاح عند الأكثر، وقال الأقل تقبل وهو مبني على وجوب إعلامها به، وقال حمديس: إن عرفت بالبله وقلة المعرفة قبلت دعواها الجهل وإلا فلا تقبل دعواها، فالمسألة ذات أقوال ثلاثة. قوله:[فلا تزوج إن منعت] إلخ: فإن زوجت فسخ نكاحها أبداً ولو بعد البناء والطول، ولو أجازته وهي أولى من المفتات عليها.

قوله: [لا إن ضحكت أو بكت] إلخ: أي ما لم تقم القرائن على أن ضحكها استهزاء أو بكاها امتناع وإلا فلا يكون رضاً.

قوله: [ولا يكتفى منها بالصمت]: ظاهره في جميع أحوالها وقال ابن حبيب: يكفي صمت الثيب في الإذن للولي حضرت أو غابت، فهي كالبكر في ذلك، وإنما يختلفان في تعيين الزوج والصداق، ففي البكر يكفي الصمت، والثيب لا بد من النطق.

قوله: [وهي بالغ]: أي لأن الرشد لا يصح إلا بعد البلوغ كما مر.

قوله: [زوجت بعرض]: أي سواء كان كل الصداق أو بعضه.

قوله: [بأن تقول رضيت به]: أي بذلك المهر العرض، وأما الزوج فيكفي في الرضا به صمتها كما في الحاشية.

قوله: [زوجت برق]: أي أراد وليها أن يزوجها لرقيق فلا بد من رضاها به بالقول، ولو كان عبد أبيها والمزوج لها أبوها لما في تزويجها به من زيادة المعرة.

قوله: [لأن العبد ليس بكفء للحرة]: ظاهره ولو أبيض.

قوله: [فعقد عليها بغير إذنها]: أي ولو رضيت به وقت الخطبة فلا بد على كل حال من استئذانها في العقد، لأن الخطبة غير لازمة فلا تغني عن استئذانها في العقد وتعيين الصداق.

قوله: [وبالبلد]: أي ولو بعد طرفاها لأنه لما كانت واحدة نزل بعد الطرفين منزلة القرب

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

زاد بعدها في ط المعارف: (به).

[2]

في ط المعارف: (فالصحيح).

[3]

زاد بعدها في ط المعارف: (كأن).

[4]

ليست في ط المعارف.

[5]

في ط المعارف: (بآخر).

[6]

ليست في ط المعارف.

ص: 386

(ولم يكن) الافتيات (عليهما معاً) فإن كان عليهما معاً لم يصح، ولا بد من فسخه.

ولما أنهى الكلام على الولي وتقسيمه إلى مجبر وغيره، وغير المجبر إلى خاص وعام، وعلى ما يتعلق بذلك من الأحكام شرع في بيان شروطه فقال:

(وشرطه) أي شرط صحة الولي الذي يتولى العقد للزوجة ستة: (الذكورة) فلا يصح من أنثى ولو مالكة. (والحرية) فلا يصح من عبد ولو بشائبة. (ووكلت مالكة) لأمة، (ووصية) على أنثى، (ومعتقة) لأمة لم يوجد معها عاصب نسب من يتولى العقد عنهن من الذكورة المستوفية للشروط لما علمت أنه لا يصح من أنثى، (وإن) كان وكيل كل (أجنبياً) منها في الثلاثة مع حضور وليها، (كعبد أو صبي) على نكاح أنثى فإنه يوكل من يتولى عقدها، ولو أجنبياً لما علمت أنه لا يصح من عبد، (وإلا) بأن لم يوكل كل ممن ذكر من الأربعة، وتولى العقد بنفسه (فسخ أبداً) قبل الدخول وبعده. (والبلوغ) عطف على الذكورة فهو الشرط الثالث فلا يصح العقد من صبي (والعقل) فلا يصح من مجنون ومعتوه وسكران (والإسلام في) المرأة (المسلمة) فلا يصح أن يتولى عقد نكاحها كافر ولو كان أباها، وأما الكافرة الكتابية يتزوجها مسلم فيجوز لأبيها الكافر أن يعقد لها عليه (والخلو) أي خلو الولي (من الإحرام) بحج أو عمرة، فالمحرم بأحدهما لا يصح منه تولي عقد النكاح وبقي شرط سابع: وهو عدم الإكراه فلا يصح من مكره إلا أن عدم الإكراه لا يختص بولي عقد النكاح، بل هو عام في جميع العقود الشرعية.

(لا العدالة) فلا تشترط في الولي إذ فسقه لا يخرجه عن الولاية، فيتولى غير العدل عقد نكاح ابنته أو ابنة أخيه أو معتوقته إذا لم يوجد لها عاصب نسب (و) لا يشترط فيه (الرشد، فيزوج السفيه ذو الرأي) احترازاً من المعتوه (مجبرته) وغيرها بإذنها (بإذن وليه) استحباباً لا شرطاً (وإلا) بأن زوج ابنته مثلاً بغير إذن وليه (نظر الولي) ندباً لما فيه المصلحة، فإن كان صواباً أبقاه وإلا رده، فإن لم ينظر فهو ماض. (بخلاف) السفيه (المعتوه) أي ضعيف العقل، فلا يصح عقده ويفسخ لأنه ملحق بالمجنون.

والتحقيق أن السفه لا يمنع الولاية، والعته مانع منها، فقولهم: ذو الرأي، ليس في ذكره كبير فائدة، لأن المعتوه غير السفيه فتقييده بذي الرأي لإخراج المعتوه لا حاجة له.

(و) يزوج (الكافر) فهو عطف على السفيه إلا أن التفريع المستفاد من العطف راجع لقوله: "والإسلام في المسلمة"، أي إن الإسلام إذا كان شرطاً في تزويج المسلمة فقط، فالكافر يزوج ابنته الكافرة (لمسلم) كما أشرنا له سابقاً بقولنا:"وأما الكافرة الكتابية يتزوجها مسلم فيجوز" إلخ (وإن زوج مسلم) ابنته (الكافرة) مثلاً أي عقد عليها (لكافر ترك): أي لا نتعرض لفسخه وقد ظلم المسلم نفسه.

ولما قدم أن الولي إذا فقد الذكورة أو الحرية، كالمالكة والوصية، والعبد الموصى على أنثى لا بد أن يوكل ذكراً حراً مستوفياً للشروط، بين أنه يصح للزوج إذا وكل من يعقد له أن يوكل جميع من تقدم من ذكر وأنثى وحر ورقيق وبالغ وصبي ومسلم وكافر بقوله:

ــ

بخلاف البلدين ولو تقاربا فإن شأنهما بعد المسافة كذا في الحاشية.

قوله: [ووكلت مالكة لأمة]: أي ولو وجد معها عاصب نسب ومثلها الوصية.

قوله: [لم يوجد معها عاصب نسب]: راجع لخصوص المعتقة.

قوله: [أجنبياً منها في الثلاثة]: أي بالنسبة للموكلة، وبالنسبة للموكل عليها في غير المعتقة.

قوله: [ولو أجنبياً]: أي منها أو منه، ومثل كونه موصي المكاتب في أمته إذا طلب فضلاً في مهرها، بأن كان يزيد على ما يجيز عيب التزويج على صداق مثلها في تزويجها، ويوكل حراً مستوفياً للشروط، وإن كره سيده ذلك لأنه أحرز نفسه وماله مع عدم تبذيره، وأما إذا لم يكن في تزويجها فضل فالأمر لسيده وتوكيله بدون إذنه باطل، فلو جهل الأمر ولم يعلم هل طلب بزواجها فضلاً أم لا؟ حمل على طالب الفضل ما لم يتبين خلافه.

قوله: [قبل الدخول وبعده]: أي ولو ولدت الأولاد لكن لا يتأبد به التحريم وفسخه بطلاق لأنه مختلف فيه.

قوله: [فلا يصح أن يتولى عقد نكاحها كافر]: أي لقوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} [النساء: 141].

قوله: [فيجوز لأبيها الكافر] إلخ: أي لقوله تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} [الأنفال: 73]. والحاصل أنه يمنع تولية الكافر للمسلمة وعكسه، فلا يكون المسلم ولياً للكافرة إلا لأمة له كافرة فيزوجها لكافر فقط، أو معتوقته الكافرة إن أعتقها وهو مسلم ببلاد الإسلام، فيزوجها، ولو لمسلم حيث كانت كتابية.

قوله: [فالمحرم بأحدهما لا يصح] إلخ: فإن عقد فسخ أبداً ومثله إحرام أحد الزوجين.

قوله: [لا يختص بولي عقد النكاح]: أي ولا يعد من شروط الشيء إلا ما كان خاصاً به هكذا أجاب الشارح، وفي هذا الجواب نظر لأن ما عدا الخلو من الإحرام ليس خاصاً بالنكاح.

قوله: [ذو الرأي]: أي العقل والفطنة.

قوله: [لأن المعتوه غير السفيه]: أي وليس السفيه أعم كما توهم عبارتهم، فعلى كلام شارحنا السفيه لا بد أن يكون ذا رأي، والمعتوه مباين له فغاية ما فيه أن السفيه لا يحسن التصرف في أمور دنياه.

قوله: [أي لا نتعرض لفسخه] إلخ: أي كما قال ابن القاسم، وأما لو عقد لكتابية على مسلم فإنه يفسخ أبداً.

ص: 387

(وصح توكيل زوج) من إضافة المصدر لفاعله، وقوله (الجميع) مفعوله، أي جميع من تقدم ذكره وهذه عبارة الشيخ بلفظها، لكنها عامة فتشمل المحرم والمعتوه مع أنه لا يجوز للزوج توكيلهما فاستثناهما بقوله (إلا المحرم) بحج أو عمرة، (و) إلا (المعتوه): أي ضعيف العقل، فأولى المجنون فلا يصح للزوج توكيلهما لمانع الإحرام وعدم العقل.

(لا) يصح (توكيل ولي امرأة) لمن يتولى عقد نكاحها نيابة عنه (إلا مثله) في استيفاء الشروط المتقدمة.

ثم شرع في بيان الركن الثالث وهو المحل وشروطه وأحكامه بقوله: (والمحل) هو (الزوج والزوجة) معاً وله شروط تكون فيهما معاً، وشروط تخص الزوج، وشروط تخص الزوجة. أشار للأول بقوله:(وشرطهما) أي الزوج والزوجة معاً أي شرط صحة نكاحهما: (عدم الإكراه)، فلا يصح نكاح مكره أو مكرهة ويفسخ أبداً.

(و) عدم (المرض) فلا يصح نكاح مريض أو مريضة، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك من الفسخ وغيره.

(و) عدم (المحرمية) من نسب أو رضاع أو صهر فلا يصح نكاح المحرم.

(و) عدم (الإشكال) فلا يصح نكاح الخنثى المشكل على أنه زوج أو زوجة.

(و) عدم (الإحرام) بحج أو عمرة؛ فلا يصح من الزوج المحرم ولا من الزوجة المحرمة، وتقدم أن شرط الولي أن لا يكون محرماً أيضاً وحينئذ (فهو) أي الإحرام (مانع) للنكاح (من أحد الثلاثة): الزوج والزوجة ووليها، لأن الشرط عدمه فيهم وضد الشرط مانع.

ثم شرع فيما يختص به الزوج من الشروط بقوله: (وشرطه): أي الزوج (الإسلام) فلا يصح من كافر كتابي أو غيره.

(وخلو) له (من أربع) من الزوجات فلا يصح من ذي أربع نكاح.

(وشرطها): أي الزوجة (الخلو) لها (من زوج) فلا يصح عقد على متزوجة.

(و) خلو (من عدة غيره): فلا يصح عقد على معتدة من غير الزوج، وأما معتدة منه فيصح إذا لم تكن مبتوتة. (و) أن تكون (غير مجوسية) فلا يصح عقد على مجوسية، والمراد بها: غير الكتابية. (و) غير (أمة كتابية): فلا يصح عقد على أمة كتابية لما يلزم من استرقاق ولدها لسيدها الكافر.

فالشروط إحدى عشرة: خمسة منها عامة فيهما، ويختص الزوج بشرطين، والزوجة بأربعة.

ــ

قوله: [وصح توكيل زوج]: أي ويجوز ابتداء، وإنما عبر بالصحة لأجل الإخراج بقوله: لا توكيل ولي امرأة.

قوله: [وشروطه]: جميع تلك الشروط مما زاده على خليل فلا تؤخذ منه ولا من شراحه إلا مفرقة فجزاه الله عن المسلمين خيراً.

قوله: [تكون فيهما معاً]: سيأتي يصرح بأنها خمسة.

قوله: [تخص الزوج]: سيأتي أنها اثنان فمراده بالجمع ما فوق الواحد أو المراد جنس الشروط.

قوله: [تخص الزوجة]: سيأتي أنها أربعة.

قوله: [فلا يصح نكاح مكره] إلخ: أي إن كان الإكراه غير شرعي وهو يكون بخوف مؤلم من قتل أو ضرب أو سجن أو صفع لذي مروءة بملإ، أو خوف قتل ولد أو أخذه ماله من كل ما يعد إكراهاً في الطلاق، وسيأتي بيان ذلك.

قوله: [ويفسخ أبداً]: أي ولو أجيز فلا بد من تجديد عقد واستبراء من الماء الفاسد إن حصل دخول.

قوله: [من الفسخ وغيره]: أي كالصداق والميراث فسيأتي أنه يفسخ ما لم يصح المريض منهما، ولا ميراث إن مات أحدهما قبل الفسخ، وللمريضة بالدخول أو الموت المسمى، وعلى المريض إن مات قبل الفسخ الأقل من الثلث والمسمى، وصداق المثل ولها بالدخول المسمى من الثلث مبتدأ.

قوله: [فلا يصح نكاح المحرم]: أي بالإجماع ويفسخ أبداً ويحدان إن علما ولا يلحق به الولد.

قوله: [فلا يصح نكاح الخنثى المشكل]: لأنه سيأتي في آخر الكتاب أنه لا يكون زوجاً ولا زوجة ولا أباً ولا أماً ولا جداً ولا جدة.

قوله: [فلا يصح من الزوج المحرم] إلخ: أي ويفسخ أبداً إلا فيمن قدم سعيه وأفاض ونسي الركعتين وتزوج، فإن كان بالقرب فسخ وإن تباعد جاز كما نقله ابن رشد، وقال القرب أن يكون بحيث يمكنه أن يرجع فيبتدئ طوافه.

قوله: [ووليها]: أي الزوجة وكذا وليه أيضاً لكن الكلام في الأركان انتهى تقرير مؤلفه قوله: [فلا يصح من كافر]: أي ولو كان المعقود عليه كافرة لما سيأتي أن أنكحتهم فاسدة، وإنما أقروا عليها بعد الإسلام تأليفاً لهم، وأما الأنثى فلا يشترط في صحة نكاحها إسلامها، بل متى كانت حرة كتابية صح نكاحها للمسلم.

قوله: [فلا يصح من ذي أربع] إلخ: أي ولو كانت إحدى الأربع مطلقة طلاقاً رجعياً، فلا يصح عقد على غيرها حتى بينها [1]، أو تخرج من العدة لقوله تعالى:{فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3] الآية.

قوله: [فلا يصح عقد على متزوجة]: أي إلا في بعض مسائل سيأتي بيانها منها: ذات الوليين، والمنعي لها زوجها في المفقود ونحوها، وتقدم أنه لو عقد على متزوجة أو مطلقة طلاقاً رجعياً يفسخ ولا يتأبد به التحريم.

قوله: [فلا يصح عقد على معتدة من غير الزوج] إلخ: تقدمت أحكام ذلك مفصلة.

قوله: [فلا يصح عقد على مجوسية]: أي حرة أو أمة.

قوله: [فلا يصح عقد على أمة كتابية]: أي وإنما يجوز وطؤها بالملك لا غير. قوله: [لما يلزم] إلخ: ظاهر في الكافر، وأما المسلم فلأنه يجوز له أن يبيعها لكافر فهو معرض لاسترقاق ولده للكافر.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(يبينها).

ص: 388

وبقي ثلاثة شروط: أن لا يتفقا على كتمانه، وأن لا تكون مبتوتة للزوج، وأن لا يكون تحته ما يحرم جمعها معها، وسيأتي الكلام عليها وعلى ما يتعلق بغيرها من الشروط السابقة مفصلاً، وذلك لأنه إذا اختل شرط فتارة يكون مجمعاً على فساده، وتارة يكون مختلفاً فيه. والمختلف فيه تارة يفسخ أبداً وتارة يفسخ قبل الدخول فقط، وتارة يفسخ قبله وبعده ما لم يطل، وسيأتي بيان ذلك وما يتعلق به من الأحكام إن شاء الله تعالى.

(وعلى الولي) وجوباً (الإجابة لكفء رضيت به) الزوجة الغير المجبرة.

(وإلا) بأن امتنع من كفء رضيت الزوجة به (كان عاضلاً) بمجرد الامتناع، (فيأمره الحاكم) إن رفعت له بتزويجها، (ثم) إن امتنع (زوج) الحاكم، ولا ينتقل الحق لمن بعد العاضل من الأولياء (إلا) أن يكون امتناعه (لوجه) صحيح، فلا يزوج الحاكم ولا يكون الولي عاضلاً.

(ولا يعضل أب) لمجبرة أي لا يكون عاضلاً (أو وصي) له بالإجبار (بِرَدِّ) للأزواج (متكررٍ): لأن الأب المجبر -وكذا وصيه- أدرى بأحوال المجبرة منها ومن غيرها، (حتى يتحقق)، العضل، فيأمره الحاكم حينئذ بتزويجها، فإن أجاب وإلا زوج الحاكم وتقدم أنه لا بد من إذنها بالقول.

(وإن وكلته) المرأة على أن يزوجها (ممن أحب) الوكيل، وأحب إنساناً (عين) لها قبل العقد وجوباً من أحبه لها لاختلاف أغراض النساء في الرجال، (وإلا) يعين لها وزوجها ممن أحب (فلها الرد) أي رد النكاح (ولو بعد) ما بين العقد واطلاعها عليه، (بخلاف الزوج) يوكل من يزوجه ممن أحب فزوجه (فيلزمه) وليس له رد. فإن طلق لزمه نصف المهر.

(وله): أي للولي -ولو بالولاية العامة- إذا طلب أن يتزوج بمن له عليها الولاية (تزويجها من نفسه

ــ

قوله: [وبقي ثلاثة شروط] إلخ: الأول منها عام فيهما، والثاني خاص بالزوجة، والثالث خاص بالزوج، فتكون جملة الشروط أربعة عشر، ستة عامة، وثلاثة خاصة بالزوج، وخمسة خاصة بالزوجة.

قوله: [أن لا يتفقا على كتمانه]: أي لما سيأتي في قوله: وفسخ نكاح السر إن لم يدخل وبطل إلخ.

قوله: [وأن لا يكون تحته ما يحرم جمعها] إلخ: أي كالمرأة وأختها أو عمتها لما سيأتي من أن كل اثنتين لو قدرت واحدة منهما ذكراً والأخرى أنثى حرم وطؤه لها يحرم جمعهما في عصمة.

قوله: [مجمعاً على فساده]: أي كنكاح الخامسة والمحرم.

قوله: [مختلفاً فيه]: أي كنكاح المحرم بحج أو عمرة، والمريض إن لم تحصل صحة.

قوله: [يفسخ قبل الدخول فقط]: وهو كل نكاح فسد لصداقه.

قوله: [ما لم يطل]: أي وهو نكاح السر.

قوله: [وسيأتي بيان ذلك]: أي الشروط ومحترزاتها مع زيادة على ذلك.

قوله: [رضيت به] إلخ: أي سواء طلبته للتزوج به أو لم تطلبه، بأن خطبها ورضيت به لأنه لو لم يجب لذلك مع كونها متوقفة على عقده، كان ذلك ضرراً لها، ومفهوم غير المجبرة أن المجبرة لا يجب عليه الإجابة لكفئها لأنه يجبرها ولو لغير كفء إلا لما فيه ضرر كخصي، ومحل كلام المصنف ما لم تكن كتابية وتدعو المسلم، ويمتنع وليها الكافر، وإلا فلا تجاب لأن المسلم غير كفء لها عندهم، فلا يجبرون على تزويجها له قاله في الحاشية.

قوله: [ثم إن امتنع زوج الحاكم] إلخ: حاصل الفقه أنه إذا امتنع الولي غير المجبر من تزويجها بالكفء الذي رضيت به، فإن الحاكم يسأله عن وجه امتناعه، فإن أبدى وجهاً ورآه صواباً ردها إليه وإن لم يبد وجهاً صحيحاً أمره بتزويجها، فإن امتنع من تزويجها زوجها الحاكم، ولا ينتقل الحق للأبعد كما نص عليه المتيطي وغيره، وخالف في ذلك ابن عبد السلام فقال: إنما يزوجها الحاكم عند عدم الولي غير العاضل، وأما عند وجوده فينتقل الحق له، لأن عضل الأقرب صيره بمنزله العدم، فينتقل الحق للأبعد، وأما الحاكم فلا يظهر كونه وكيلاً له إلا إذا لم يظهر منه امتناع كما لو كان غائباً مثلاً، إذا علمت ذلك فما قاله شارحنا تابع فيه التوضيح، واستصوبه (بن) واستصوب في الحاشية ما لابن عبد السلام.

قوله: [حتى يتحقق العضل]: أي ولو بمرة.

قوله: [عين لها]: أي سواء كانت ثيباً أو بكراً.

قوله: [فلها الرد]: أي والإجازة وسواء زوجها من نفسه أو من غيره، وهذا قول مالك في المدونة، وفيها لابن القاسم إن زوجها من غيره لزمها ومن نفسه خيرت.

قوله: [ولو بعد]: ظاهره أن المبالغة راجعة للرد وليس كذلك، بل هي راجعة للإجازة التي طواها فقط لأن الخلاف إنما هو فيها وظاهره ولو كان البعد جداً، وقد رد بالمبالغة على ابن حبيب القائل إنه يتحتم الرد في حالة البعد إنما كان لها الإجازة على المعتمد في حالة البعد، لأنها وكلت بخلاف المفتات عليها، فإنها لما لم توكل اشترط قرب رضاها وإجازتها.

تنبيه: تكلم المصنف على حكم ما إذا وكلته على أن يزوجها ممن أحب، وسكت عن حكم ما إذا وكلته على أن يزوجها ممن أحبت، فزوجها من غير تعيين منها له قبل العقد، والحكم أنها كالمفتات عليها فيصح النكاح إن قرب رضاها بالبلد ولم يقر به حال العقد إلى آخر الشروط، وإنما كانت كالمفتات عليها لاستنادها لمحبتها له وهي خفية على الوكيل مع كونها لم تعينه.

قوله: [فيلزمه وليس له رد]: ظاهره ولو كانت غير لائقة به، ولكن قال في الأصل إذا كانت ممن تليق به، وإنما لزمه لأن الرجل

ص: 389

إن عين) لها أنه الزوج (ورضيت) به، وإذنها صمتها إن كانت بكراً، وإلا فلا بد من النطق (وتولي الطرفين) الإيجاب والقبول وهو بكسر اللام، أي وله تولي الطرفين، فلا يحتاج لولي غيره يتولى معه العقد خلافاً لمن قال: لا بد من ولي غيره معه. وأشار لتصوير التزويج لنفسه وتولي الطرفين بقوله: (بتزوجتك بكذا) من المهر، ولا بد من شهادة عدلين على ذلك.

ولما كان من تعلقات هذا المبحث مسألة ذات الوليين ذكرها بقوله: (وإن أذنت) غير المجبرة في تزويجها (لوليين) معاً أو مرتبين بأن قالت لكل منهما: وكلتك في أن تزوجني أو قالت لهما معاً: وكلتكما في تزويجي (فعقدا) لها بأن عقد كل منهما على رجل مع الترتيب، وعلم الأول منهما والثاني أخذاً مما سيأتي (فللأول) منهما يقضي له بها، وإن تأخر في الإذن له دون الثاني في العقد؛ لأنه تبين أنه تزوج ذات زوج ومحل كونها للأول (إن لم يتلذذ بها الثاني) حال كونه (غير عالم) بعقد غيره عليها قبله، وهذا صادق بصورتين: أن لا يحصل من الثاني تلذذ أصلاً أو حصل منه تلذذ بها مع علمه بأنه ثان؛ تكون للأول فيهما، ويفسخ الثاني بلا طلاق.

(وإلا بأن تلذذ الثاني بوطء) أو مقدماته بلا علم منه بأنه ثان، (فهي له) أي للثاني دون الأول. ومحل كونها للثاني:(إن لم يكن) عقده عليها، (في عدة وفاة الأول) بأن عقد عليها بعد موته، (ولم يتلذذ بها الأول قبله): أي قبل تلذذ الثاني، فإن تبين أنه عقد عليها في عدة الأول كانت للأول جزماً فترد لعدتها منه وترثه، وتأخذ الصداق وكذا إن ثبت تلذذ الأول بها قبل تلذذ الثاني كانت للأول بلا ريب، سواء مات أو كان حياً فتحصل أن شروط كونها للثاني ثلاثة: أن يتلذذ بها غير عالم بأنه ثان، وأن لا يكون عقد الثاني في عدة الأول،

ــ

إذا كره النكاح قدر على حله لأن الطلاق بيده، بخلاف المرأة، ولا عبرة بضياع المال انتهى. قال في حاشية الأصل ومفهوم قوله: إن كانت ممن تليق به أنه إن زوجه من لا تليق به، والحال أنه لم يعينها له قبل العقد فإن النكاح لا يلزم.

قوله: [إن عين لها] إلخ: أي لأن الوكيل على شيء لا يسوغ له أن يفعله مع نفسه إلا بإذن خاص، فليس لمن وكل على بيع أو شراء أن يبيع أو يشتري لنفسه إلا بتعيين فالنكاح أولى.

قوله: [بـ تزوجتك بكذا]: أي ولا يحتاج لقوله: قبلت نكاحك لنفسي بعد ذلك لأن قوله: تزوجتك متضمن للقبول، كما قاله الشيخ سالم وبهرام في كبيره.

قوله: [ولا بد من شهادة عدلين] إلخ: أي يحضران العقد أو يشهدهما بعده وقبل الدخول.

تنبيه: إن أنكرت المرأة العقد بعد التوكيل بأن قالت لوليها: لم يحصل منك عقد، وقال: بل عقدت صدق بلا يمين إن ادعاه الزوج، لأنها مقررة بالإذن وهو قائم مقامها، فإن لم يدعه الزوج صدقت، فلها أن تتزوج غيره إن شاءت، وإن تنازع الأولياء المتساوون في تعيين الزوج بأن يريد كل منهم تزويجها لغير ما يريده الآخر، ولم تعين المرأة واحداً نظر الحاكم فيمن يزوجها له، والذي يباشر العقد أحد الأولياء.

قوله: [لوليين]: هذا فرض مثال إذ لو أذنت لأكثر فالحكم كذلك، وأما لو أذنت لولي واحد في أن يزوجها فعقد لها على اثنين فلا بد من فسخ نكاح الثاني، ولو دخل بها غير عالم، وكلام المؤلف شامل لما إذا أذنت لهما معاً أو مرتين، أو يحمل هذا التفصيل على أنه لما عين لها الثاني كانت ناسية للأول، أو اتحد اسم الزوجين أو اعتقدت أن الثاني هو الأول، فاندفع ما يقال ما ذكره المصنف لا يتصور لأن أشهر القولين أنه لا بد أن يعين لها الزوج، وإلا فلها الخيار، فإن عين كل من الوليين الزوج فلا يتصور هذا التفصيل، وتكون للأول مطلقاً لعلمها بالثاني، وإن لم يعين كل منهما الزوج فلها البقاء على من اختارت البقاء عليه، سواء كان الأول أو الثاني من غير تفصيل فتدبره. واعلم أن مسألة ذات الوليين على ثلاثة أقسام، وذلك لأنه إما أن يعقدا لها بزمنين ويعلم السابق أو يجهل، أو بزمن واحد، ففي الأول تكون للأول على التفصيل الذي ذكره المصنف، ويفسخ نكاح الاثنين معاً في القسم الثاني والثالث.

قوله: [وهذا صادق بصورتين]: أي لأن السالبة تصدق بنفي الموضوع.

قوله: [بلا طلاق]: وقال القوري: بطلاق، قال في الحاشية: ولا يخفى أن كلام القوري هو الظاهر، وعليه فلا حد بدخوله عالماً بالأول كما في المعيار انتهى.

قوله: [وتلذذ]: المراد بالتلذذ إرخاء الستور وإن لم يحصل مقدمات كما هو ظاهر نصوصهم، خلافاً للشارح التابع للخرشي كذا في الحاشية.

قوله: [أي للثاني] إلخ: أي ولو طلقها، ويلزمه ما أوقعه من الطلاق ويفسخ نكاح الأول بطلاق، لأن ابن عبد الحكم يقول: لا تفوت على الأول بحال.

قوله: [في عدة وفاة الأول]: بيان للواقع لا للاحتراز، إذ لا تكون العدة هنا إلا من وفاة، لأن الطلاق الواقع من الأول إنما يكون قبل الدخول والمطلقة قبله لا عدة عليها، ولا يتصور دخول الأول بها وتكون للثاني فتأمل.

قوله: [وترثه] إلخ: قال في المقدمات: لأنها بمنزلة امرأة المفقود تتزوج بعد ضرب الأجل وانقضاء العدة، ويدخل بها زوجها فينكشف

ص: 390

وأن لا يسبقه الأول بالتلذذ بها، وقولنا:"عقد عليها في عدة الأول" قال ابن رشد: وكذا إن عقد عليها في حياة الأول ودخل بها غير عالم في عدته، وهو معنى قوله:"ولو تقدم العقد على الأظهر"، وقال ابن المواز: يقر الثاني على نكاحها، ثم إن حصل العقد في العدة وتلذذ الثاني بها فيها، أو حصل منه وطء ولو بعدها تأبد تحريمها عليه كما قدمه المصنف، وإن وقع العقد قبلها وتلذذ بها فيها فعلى ما استظهره ابن رشد يتأبد تحريمها دون ما قاله ابن المواز.

(وفسخ) نكاحهما معاً (بلا طلاق إن عقدا بزمن) واحد تحقيقاً أو شكاً دخلا أحدهما أو لا، (كنكاح الثاني) تشبيه في الفسخ بلا طلاق أي كما يفسخ نكاح الثاني بلا طلاق، (ببينة) شهدت (على إقراره قبل دخوله) بها (أنه ثان) أي إذا شهدت بينة على الثاني أنه قبل دخوله عليها أقر على نفسه أنه ثان؛ فإن نكاحه يفسخ بلا طلاق وتكون للأول كما تقدم لأنه ثبت أنه تلذذ بها عالماً.

(لا) إن أقر (بعده): أي بعد الدخول أنه دخل بها عالماً بأنه ثان، (فبطلاق): أي فيفسخ بطلاق (كجهل الزمن) مع العلم بوقوعهما في زمنين وجهل المتقدم منهما فيفسخ كل منهما بطلاق إن لم يدخلا، أو دخلا معاً ولم يعلم المتقدم منهما في الدخول أيضاً. فإن دخل أحدهما فهي له، كما لو دخلا وعلم المتقدم ولو أقام كل منهما بينة على أنه الأحق بها لسبقية نكاحه للآخر، تساقطاً لتعارضهما، ولو كانت إحداهما أعدل من الأخرى (وأعدلية) بينتين (متناقضتين) ملغاة هنا أي في النكاح (وإن صدقتها هي) أي المرأة لتنزيل الزيادة منزلة شاهد وهو ساقط في النكاح، بخلاف غيره كالبيع والولاء.

(وفسخ نكاح السر): أي الاستكتام قال ابن عرفة: نكاح السر باطل، والمشهور: أنه ما أمر الشهود حين العقد بكتمه. اهـ

(إن لم يدخل) الزوج (ويطل)[1] صادق بما إذا لم يدخل طال أم لا، وبما إذا دخل ولم يطل فإن طال بعد الدخول

ــ

أنها تزوجت قبل وفاة المفقود ودخل بها في العدة بعد وفاته، وقد جزموا بتأبيد حرمتها، ولا فرق بين المسألتين انتهى. والحاصل أنه إن وقع العقد عليها بعد الوفاة فتأبيد حرمتها باتفاق، وإن كان قبل وفاة الأول فتأبيد حرمتها عند ابن رشد نظراً لوقوع الوطء في العدة، لا عند ابن المواز لأن العقد وقع على ذات زوج كما يأتي في الشارح.

قوله: [كنكاح الثاني] إلخ: أي فإنه يفسخ بلا طلاق وبحث فيه بأنه من المختلف فيه، لأن بعضهم يقول: إنها للثاني ولو مع علمه بالأول فقضية ذلك أن يكون الفسخ بطلاق.

قوله: [لا إن أقر] إلخ: حاصله أن الإقرار بعد الدخول وتحته صورتان: الأولى أن يقر فيقول عقدت وأنا عالم بالأول ثم دخلت، الثانية أن يقول دخلت وأنا عالم بالأول، وحكمهما واحد.

قوله: [فيفسخ بطلاق]: أي لاحتمال كذبه في دعواه العلم بالأول ويلزمه المهر كاملاً. والحاصل أنه إذا ادعى كل من الزوج الثاني أو الزوجة أو الولي بعد التلذذ أنه كان عالماً عند العقد أو قبله بأنه ثان، فإنه يفسخ النكاح في المسائل الثلاث، وتكون للأول إن ثبت ذلك العلم بالبينة، وإن لم يثبت فإن كانت الدعوى من الزوجة أو الولي فلا أثر لها، وإن كانت من الزوج فيفسخ نكاح كل بطلاق، أما الأول فلاحتمال كذب الثاني، وأما الثاني فعملاً بإقراره.

قوله: [مع العلم] إلخ: أي وأما مع اتحاد زمنهما فهو داخل في قوله: " إن عقدا بزمن " فالفسخ للنكاحين بلا طلاق.

قوله: [إن لم يدخلا] إلخ: هذا التفصيل هو المعول عليه كما في الشيخ سالم و (شب) و (ح)، خلافاً لـ (عب) من فسخ النكاحين مطلقاً من غير تفصيل.

قوله: [ولو كانت إحداهما أعدل من الأخرى]: أي لأن زيادة العدالة كغيرها من المرجحات الآتية غير معتبرة هنا.

وقوله: [وإن صدقتها هي]: رد بالمبالغة قول أشهب من اعتبارها إذا صدقتها المرأة، وإنما ألغيت زيادة العدالة لقيامها مقام شاهد وهو ساقط في النكاح دون غيره، فلذلك تسقط البينتان لتناقضهما وعدم اعتبار المرجح، وحينئذ فيقيد ما يأتي في الشهادات من اعتبار المرجحات بغير النكاح.

تنبيه: إذا ماتت المرأة وجهل الأحق من الزوجين فالأكثر من أهل العلم لا إرث وعلى كل من الصداق ما زاد على إرثه، على فرض لو ورث، وقيل يشتركان في نصيب زوج واحد، فعلى كل الصداق كاملاً، وأما إن مات الزوجان فلا إرث ولا صداق لها على واحد، واعتدت عدة وفاة إن كان يفسخ بطلاق لا بغيره فتستبرئ بالدخول حصل موت أم لا كذا في المجموع.

قوله: [وفسخ نكاح السر] إلخ: محل ذلك ما لم يكن من خوف ظالم أو ساحر وإلا فلا حرمة ولا فسخ.

قوله: [والمشهور] إلخ: الحاصل أن في نكاح السر طريقتين: طريقة الباجي تقول: استكتام غير الشهود نكاح سر أيضاً، كما لو تواصى الزوجان والولي على كتمه ولم يوصوا الشهود بذلك ورجحها البدر القرافي و (بن)، وطريقة ابن عرفة، ورجحها المؤلف تبعاً للـ (ح): أن نكاح السر ما أوصي الشهود على كتمه، أوصي غيرهم أيضاً على كتمه أم لا، ولا بد أن يكون الموصي الزوج انضم له أيضاً غيره كالزوجة أو وليها أم لا.

قوله: [حين العقد] إلخ: أي وأما لو وقع الإيصاء بعده فلا يضر لأن العقد وقع بوجه صحيح.

قوله: [إن لم يدخل ويطل]: أي ففي هاتين الحالتين يفسخ بطلاق لأنه مختلف فيه، لأن الشافعي وأبا حنيفة يريان جوازه، وبه قال

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (وبطل).

ص: 391

لم يفسخ والطول فيه (بالعرف) لا بولادة الأولاد كما في اليتيمة، وكما في الشريفة يزوجها ولي عام مع وجود خاص لم يجبر، والعرف باشتهاره بين الخاص والعام (وهو ما أوصى الزوج فيه الشهود بكتمه) وأولى: أن توافق معه الولي والزوجة، بل نقل في التوضيح عن الباجي: إن اتفق الزوجان على كتمه ولم يعلموا البينة بذلك فهو نكاح سر، والإيصاء بالكتم عن جماعة أو عن رجل، بل (وإن) أوصى بكتمه (من امرأة أو أياماً) معينة كثلاثة فأكثر، وقال اللخمي اليومان كالأيام.

(وعوقبا) أي الزوجان إذا تواطآ على الكتم (والشهود) يعاقبان ما لم يجهل واحد منهم، قال في التوضيح عن المدونة: لا يعاقب الشاهدان إن جهلا، وقال ابن عرفة: روي عن ابن وهب يعاقب عامد فعله منهم (إن دخلا)، فإن ظهر عليه قبله فلا عقاب نص عليه أبو الحسن وغيره، وعلم من هنا أن من شرط صحة النكاح عدم التواطؤ على كتمه.

واعلم أن النكاح الفاسد بالنسبة لفسخه ثلاثة أقسام: الأول: ما يفسخ قبل الدخول وبعده ما لم يطل؛ وذلك في ثلاث مسائل: مسألة الصغيرة اليتيمة إذا زوجت مع فقد شروطها، ومسألة الشريفة تزوج بالولاية العامة مع وجود خاص غير مجبر، ومسألة نكاح السر لكن الطول فيها غيره فيها وتقدم. القسم الثاني: ما يفسخ قبل الدخول لا بعده. الثالث: ما يفسخ أبداً وهو الأصل.

ولما فرغ من الكلام على القسم الأول شرع في بيان القسمين الأخيرين فقال: (و) فسخ النكاح (قبله): أي قبل الدخول (فقط) لا بعده إن تزوجها (على) شرط (أن لا تأتيه) الزوجة، أو أن لا يأتيها هو (إلا نهاراً) فقط، (أو ليلاً) فقط، لأنه مما يناقض مقتضى النكاح ولما فيه من الخلل في الصداق، ولذا كان يثبت بعده بصداق المثل لأن الصداق يزيد وينقص بالنسبة لهذا الشرط (أو) وقع النكاح (بخيار) يوماً أو أكثر (لأحدهما) أي الزوجين أو لهما معاً (أو غير) أجنبي ليتروى في ذلك فيفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بالمسمى إن كان، وإلا فبصداق المثل (إلا خيار المجلس) فلا يفسخ لجواز خيار المجلس فيه دون البيع.

(أو) وقع (على) شرط أنه (إن لم يأت بالصداق لكذا) أي لوقت كذا (فلا نكاح) بيننا، فيفسخ قبل الدخول فقط (إن جاء به) في الوقت المذكور أو قبله، فإن لم يأت به فسخ أبداً. (ووجه الشغار) فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل وسيأتي أنه ما وقع على أن: تزوجني بنتك مثلاً بكذا على أن أزوجك بنتي بكذا (ككل ما) أي نكاح (فسد لصداقه) أي لخلل فيه، ككونه لا يملك شرعاً كخمر وخنزير. أو لكونه لا ينتفع به. أو غير مقدور على تسليمه. أو مجهولاً أو نحو ذلك فيفسخ قبل البناء فقط ويثبت بعده بمهر المثل كما يأتي.

(أو) كل [1] ما (وقع على شرط يناقض) المقصود من النكاح؛

ــ

جماعة من أصحاب مالك.

قوله: [لم يفسخ]: أي على المشهور خلافاً لابن الحاجب حيث قال: يفسخ بعد البناء ولو طال.

قوله: [كما في اليتيمة] إلخ: راجع للمنفي فإن اليتيمة ومن معها الطول فيهما بولادة الأولاد كما تقدم.

قوله: [فهو نكاح سر]: أي فعلى طريقة الباجي يفسخ النكاح ما لم يدخل ويطل حيث توافق الزوجان والولي على الكتم، وإن لم يؤمر الشهود بالكتم.

قوله: [من امرأة]: ظاهره امرأة الزوج أو غيرها وهو ما حكاه في التوضيح، وفي كلام ابن عرفة تخصيصه بامرأة الزوج.

قوله: [وقال اللخمي] إلخ: المعول عليه الأول كما رواه ابن حبيب.

قوله: [والشهود]: الأرجح فيه النصب على أنه مفعول معه لضعف العطف هنا، لأن فيه العطف على ضمير رفع متصل من غير فاصل.

قوله: [لا يعاقب الشاهدان إن جهلا]: أي ومثلهما الزوجان، ومحل معاقبة الزوجين إن لم يعذرا بالجهل إن كانا غير مجبرين، أما إن كانا مجبرين فالذي يعاقب وليهما إن لم يعذرا بالجهل.

قوله: [نص عليه أبو الحسن وغيره]: أي كما قال ابن ناجي إن المعاقبة إنما تكون بعد الدخول، وإن لم يحصل فسخ بأن طال الزمن.

قوله: [وعلم من هنا]: أي فلذلك عده في الشروط فيما تقدم.

قوله: [ولذا كان يثبت بعده]: أي عند ابن القاسم خلافاً لمن قال يفسخ ولو دخل.

قوله: [بصداق المثل]: أي لا بالمسمى وإن كان فاسداً لعقده، وقولهم في القاعدة: إن ما فسد لعقده يلزم بالدخول المسمى محله ما لم يؤثر خللاً في الصداق كما هنا، وإلا مضى بصداق المثل كالفاسد لصداقه فقط.

قوله: [إلا خيار المجلس] إلخ: فإنه هنا جائز إذا اشترط، وإن بحث فيه بعضهم بأن اشتراطه في البيع يفسده فأولى النكاح، وأجيب بأن النكاح مبني على المكارمة فتسومح فيه ما لم يتسامح في غيره.

تنبيه: لا إرث في النكاح بخيار إذا حصل الموت قبل الدخول، بخلاف المفتات عليها فإنها ترثه وإن كان لها الخيار، لأن الخيار لها من جهة الشرع لا من جهة المتعاقدين كما هنا ذكره الخرشي في كبيره.

قوله: [إن جاء به]: أي وأما إن وهبته له وقبله فاستظهر في الحاشية أنه حكم ما إذا أتى به في التفصيل قوله: [يناقض المقصود]: أي ويلزم من ذلك أن العقد لا يقتضيه. وإنما كان المناقض للمقصود

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (وكل).

ص: 392

(كأن) وقع على شرط أن (لا يقسم) بينها وبين ضرتها في المبيت (أو) على شرط أن (يؤثر عليها) ضرتها بأن يجعل لضرتها جمعة أو أقل أو أكثر تستقل بها عنها (أو) شرطت (أن نفقة) زوجها (المحجور) لصغره أو لرقه؛ أي شرطت عند تزويجها بمحجور عليه أن نفقتها تكون (على وليه) أبيه أو سيده، فإنه شرط مناقض لأن الأصل أن نفقة الزوجة على زوجها، فشرط خلافه مضر (أو عليها) أي شرط الزوج أن نفقته عليها فإنه شرط مخل، وكذا لو شرطت أن ينفق على ولدها أو على أبيها أو على أن أمرها بيدها متى أحبت فيفسخ قبل الدخول في الجميع، ويثبت بعده بصداق المثل.

(وألغي) الشرط المناقض فلا يعمل به، وأشار للقسم الثالث بقوله (و)(فسخ مطلقاً) قبل الدخول وبعده وإن طال (في غير ما مر) من القسمين؛ كما لو اختل شرط من شروط الولي أو الزوجين أو أحدهما أو اختل ركن كما لو زوجت المرأة نفسها بلا ولي، أو لم تقع الصيغة بقول بل بكتابة أو إشارة، أو بقول غير معتبر شرعاً، وأولى إن لم تقع أصلاً كالمعاطاة أو لم يحصل شهود قبل الدخول، أو وقع بشهادة عدل وامرأتين أو بفاسقين.

و(كالنكاح لأجل) وهو نكاح المتعة عين الأجل أم لا، ويعاقب فيه الزوجان ولا يحدان على المذهب، ويفسخ بلا طلاق، والمضر بيان ذلك في العقد للمرأة أو وليها، وأما لو أضمر الزوج في نفسه أن يتزوجها ما دام في هذه البلدة أو مدة سنة ثم يفارقها فلا يضر، ولو فهمت المرأة من حاله ذلك.

ولما دخل في غير ما مر النكاح في المرض وكان حكمه مخالفاً لغيره استثناه بقوله: (إلا) النكاح (بمرض) من الزوج أو الزوجة (فـ) يفسخ قبل البناء وبعده، لكن (للصحة)، فإن صح المريض لم يفسخ.

ثم الفسخ تارة يكون بطلاق وتارة بغيره، ويترتب على كل أحكام أشار لذلك كله بقوله:(وهو) أي الفسخ قبل الدخول أو بعده (طلاق)، فإن أعاد العقد بعده صحيحاً كانت معه بطلقتين، وإن أعاده صحيحاً قبله استمر على ما هو عليه، وسواء أعاده في المجلس أو غيره (إن اختلف فيه) بين أهل العلم بالصحة والفساد ولو خارج المذهب، ولو في مذهب انقرض كغير الأئمة الأربعة، ولو أجمع على عدم جواز القدوم عليه ابتداء؛ كالشغار فإنه لا قائل بجوازه، وإنما قيل بصحته بعد الوقوع وما ذكره إشارة إلى قاعدة كلية وهي: كل ما اختلف فيه

ــ

فيه صداق المثل بالدخول، لأنه تارة يقتضي الزيادة في المهر. وتارة يقتضي النقص، ففيه خلل في المهر على كل حال، واحترز بالشرط المناقض للمقصود عن المكروه، وهو ما لا يقتضيه العقد فلا ينافيه كأن لا يتسرى عليها أو لا يتزوج عليها أو لا يخرجها من مكان كذا أو من بلدها فلا يفسخ قبل ولا بعد ولا يلزم الوفاء به وإنما يستحب ما لم يكن التزمها لها في يمين، وإنما كره لما فيه من التحجير. وعن الجائز وهو ما يقتضيه العقد كحسن العشرة وإجراء النفقة، فإن وجوده وعدمه سواء.

قوله: [كأن وقع على شرط أن لا يقسم] إلخ: اعلم أنه لا يفسد العقد إلا بالاشتراط لهذه الأشياء في صلب العقد وأما إن حصل منها شيء بعد العقد وهي في العصمة فلا ضرر في ذلك، فلها أن تسقط حقها في القسمة، ولها أن تنفق عليه، وله أن ينفق على أولادها من غيره وأبيها ومكارم الأخلاق لا تضر.

قوله: [وألغي الشرط المناقض]: أي لأن كل شرط خالف كتاب الله وسنة رسوله فهو لاغ وباطل.

قوله: [كما لو اختل شرط من شروط الولي]: إلخ هو ظاهر في غير اختلال بعض شروط الزوجين، فإن اتفاق الزوجين مع الشهود على الكتم لا يفسخ النكاح فيه أبداً بل إذا لم يدخل ويطل، وقد يقال اتكل في هذا على ما تقدم.

قوله: [بل بكتابة أو إشارة]: أي لغير الأخرس، وأما هو فيكفي.

قوله: [أو بقول غير معتبر شرعاً]: أي بصيغة ليس فيها زوجت ولا أنكحت ولا وهبت مقروناً بصداق، ولا ما يقتضي البقاء مدة الحياة على أحد القولين، كما إذا وقع بلفظ العارية أو الحبس مثلاً.

قوله: [عين الأجل أم لا]: فمثال تعيين الأجل كقوله: زوجني بنتك عشر سنين بكذا، وعدم تعيينه كقوله: زوجني بنتك مدة إقامتي في هذا البلد فإذا سافرت فارقتها.

قوله: [ويعاقب فيه الزوجان] إلخ: أي ويلحق به الولد.

قوله: [ويفسخ بلا طلاق]: أي لأنه مجمع على منعه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة وفيه المسمى إن دخلا، لأن فساده لعقده، وقيل صداق المثل لأن ذكر الأجل أثر خللاً في الصداق واختار اللخمي الأول.

قوله: [وأما لو أضمر] إلخ: قال بعضهم وهي فائدة تنفع المتغرب، واختلف فيه إذا أجله بأجل لا يبلغه عمرهما كمائة سنة، فقيل ينفسخ لأنه في صلب العقد، وقيل لا كتعليق الطلاق الأول لابن عرفة والثاني لأبي الحسن.

قوله: [ولو فهمت]: أي على الراجح كما يفهم من اقتصار الأجهوري عليه، وأما إن أضمره في نفسه ولم تفهمه المرأة ولا وليها فجائز اتفاقاً.

قوله: [طلاق]: أي بائن سواء أوقعه الحاكم أو الزوج لفظ فيه بالطلاق أو لا.

قوله: [استمر على ما هو عليه]: أي فالعصمة

ص: 393

ففسخه بطلاق (كشغار) أي صريحه يفسخ أبداً بطلاق للاختلاف فيه، (وإنكاح) ولي فقد شرطاً مما تقدم (كالعبد والمرأة) والمحرم يتولى عقد نكاح امرأة، فإنه يفسخ أبداً بطلاق.

وأشار إلى قاعدة أخرى وهي: أن كل مختلف فيه فالتحريم به للأصول والفروع كالصحيح، بقوله:(والتحريم به): أي بالمختلف فيه (كالصحيح) أي كالتحريم بالنكاح الصحيح، فالعقد الفاسد المختلف فيه يحرمها على أصوله وفصوله، ويحرم عليه أصولها لأن العقد على البنات يحرم الأمهات لا فصولها، لأن العقد على الأمهات لا يحرم البنات، فإذا دخل بالأم حرمت البنت أيضاً، (وفيه): أي المختلف فيه (الإرث) بين الزوجين إذا مات أحدهما قبل الفسخ، وهذا إشارة لقاعدة ثالثة يجمع الثلاثة قاعدة واحدة: كل مختلف فيه فهو كالصحيح في التحريم والإرث وفسخه بطلاق.

واستثنى من ثبوت الإرث مسألة المريض بقوله: (إلا نكاح المريض)، فإنه مختلف فيه ولا إرث فيه، سواء مات المريض أو الصحيح، لأن علة فساده إدخال وارث دخل أو لم يدخل.

(بخلاف المتفق على فساده) ففسخه بلا طلاق دخل أو لم يدخل، ولا يحتاج الفسخ فيه لحكم لعدم انعقاده من أصله، بخلاف المختلف فيه حيث امتنع الزوج من فسخه بنفسه، فإنه يحتاج الفسخ فيه لحكم حاكم، فلو عقد عليها غيره قبل حكم الحاكم بالفسخ وقبل رضا الزوج بفسخه لم يصح نكاحه، لأنه عقد على ذات زوج ولا إرث فيه لو مات أحدهما قبل فسخه لما علمت أنه لم ينعقد بوجه (كالخامسة): فإنه متفق على فساده ولا عبرة بمخالفة الظاهرية لخروجهم عن إجماع أهل السنة النبوية، وأولى أصوله وفصوله، وأول فصل من كل أصل وأم زوجته ومبتوتة قبل الزوج.

(والتحريم فيه)، أي في المجمع على فساده على أصول زوجته وفروعها، وتحريم زوجته على أصوله وفصوله (بالتلذذ) بها بالوطء، أو مقدماته لا بمجرد العقد لأنه عدم.

ثم أشار إلى حكم صداق النكاح الفاسد بقوله: (وما): أي وكل نكاح (فسخ بعده): أي بعد الدخول ولو متفقاً عليه، ولا يكون فساده إلا لعقده فقط أو لعقده وصداقه معاً، (ففيه المسمى) من الصداق (إن كان)، ثم مسمى معلوم.

(وحل): أي كان حلالاً (وإلا) بأن لم يكن مسمى أو كان ولكنه كان حراماً لذاته كخمر أو لوصفه كجهله أو عدم القدرة على تسليمه كآبق (فصداق المثل ولا شيء) من الصداق (بالفسخ قبله)، أي قبل الدخول، سواء المختلف في فساده والمتفق عليه (إلا في نكاح الدرهمين)، والمراد به: ما قل من الصداق الشرعي إذا امتنع الزوج من إتمامه، ففسخ قبل الدخول ففيه نصفهما على أحد القولين، وقيل لا شيء فيه كغيره.

(أو) إلا في (دعواه): أي الزوج (الرضاع) مع التي عقد عليها ولم يدخل بها،

ــ

كاملة.

قوله: [ففسخه بطلاق]: أي لما سيأتي أنه كالصحيح فيعطى حكمه.

قوله: [للاختلاف فيه]: أي فإنه قيل بصحته بعد الوقوع.

قوله: [كالعبد]: اعترض التمثيل به بقول التوضيح لا أعلم من قال بجواز كون العبد ولياً وقال أيضاً في نقله عن أصبغ: ولا ميراث في النكاح الذي تولى العبد عقدته، وإن فسخ بطلقة لضعف الاختلاف فيه اهـ. وأما المرأة فقال أبو حنيفة بصحة عقدها على نفسها، وعلى كل حال تولية العبد نكاح امرأة وعقد المرأة على نفسها أو امرأة غيرها يفسخ قبل البناء وبعده ولو ولدت الأولاد.

قوله: [لأن العقد على الأمهات] إلخ: أي ولو متفقاً على صحته.

قوله: [إلا نكاح المريض]: أي فقط خلافاً لأصبغ فإنه جعل نكاح العبد والمرأة كذلك، فإنه ضعيف.

قوله: [فلو عقد عليها غيره] إلخ: أي وأما عقده هو فتقدم أنه صحيح، وتكون بعصمة كاملة فلذلك كان طلب الفسخ في المختلف فيه، إنما هو لأجل عقد الغير وانقطاع حكم الزوجية عنه.

قوله: [ولا إرث فيه]: من تتمة الكلام على المتفق على فساده.

قوله: [ولا عبرة بمخالفة الظاهرية]: أي فإنهم يجوزون للرجل تسعاً مستدلين بظاهر قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3] الآية جاعلين الواو على بابها.

قوله: [لخروجهم عن إجماع أهل السنة]: أي لأن أهل السنة أجمعوا على أن الواو في الآية بمعنى أو.

قوله: [وأولى أصوله وفصوله]: أي ما لم تكن فصوله من ماء الزنا فليس بمتفق على فساده، بل بعض العلماء يقول بجوازه.

قوله: [سواء المختلف في فساده] إلخ: كان فساده لعقده أو لصداقه أو لهما فليس الفسخ قبل الدخول مثل الطلاق قبل البناء في النكاح الصحيح.

قوله: [وقيل لا شيء فيه]: ما مشى عليه المصنف نقله الباجي، والقول الثاني نقله الجلاب، وصوب القابسي الأول، وابن الكاتب الثاني، وإنما اقتصر المصنف على الأول لقول المتيطي إنه قال به غير واحد من القرويين.

قوله: [أو إلا في دعواه] إلخ: ومثل هاتين المسألتين فرقة الملاعنين قبل البناء لقولهم كل نكاح فسخ قبل الدخول فلا شيء فيه إلا نكاح الدرهمين، وفرقة المتراضعين وفرقة المتلاعنين، وإنما لزمه نصف المسمى في المتلاعنين للعلة التي ذكرها في المتراضعين، ولذلك لو ثبت الرضاع ببينة أو إقرارهما أو ثبت الزنا فلا يلزمه شيء

ص: 394

(فأنكرت) ففسخ لإقراره بالرضاع فيلزمه نصف المسمى لاتهامه على أنه قصد فراقها بلا شيء.

(وطلاقه) أي الزوج (كالفسخ)، فإن كان مختلفاً في فساده وقع طلاقاً وإن كان متفقاً على فساده فهو مجرد فراق، ولا يحتاج لرفع بعده فإن دخل فالعدة من يوم الفسخ أو الطلاق ولها المسمى إن كان وإلا فصداق المثل، ولا شيء لها إن طلق قبله إلا نكاح الدرهمين فنصفهما.

(وتعاض) المرأة (المتلذذ بها) في النكاح الفاسد بلا وطء بل بقبلة أو مباشرة تعاض بشيء في نظير تلذذه بها بالاجتهاد، ولا صداق لها في الفسخ والطلاق، سواء كان مختلفاً فيه أو متفقاً على فساده.

(ولولي صغير) تزوج بغير إذن وليه (فسخ عقده) إذا اطلع عليه؛ (فلا مهر) لها (ولا عدة) عليها إن وطئها ولو أزال بكارتها؛ لأن وطأه كالعدم.

قال ابن عبد السلام: ينبغي أن يكون لها في البكر أرش ما شانَهَا، وجزم به أبو الحسن فلم يقل: وينبغي وفسخه بطلاق؛ لأنه عقد صحيح غايته أنه غير لازم.

(وللسيد رد نكاح عبده) القن أو من فيه شائبة كمكاتب إذا تزوج من غير إذنه (بطلقة فقط) لا أكثر، فإن أوقع أكثر لم يلزم العبد إلا واحدة (وهي) طلقة (بائنة) لما يأتي أن الرجعي إنما يكون في نكاح لازم حل وطؤه، وهذا ليس بلازم وله إمضاؤه. ومحل تخييره بالرد والإمضاء (إن لم يبعه أو يعتقه)، فإن باعه أو أعتقه فلا كلام له لزوال ملكه عنه، وليس لمشتريه فسخ نكاحه وكذا إن وهبه.

(ولها) أي لزوجة العبد إن رد سيده نكاحه (ربع دينار إن دخل بها) وإلا فلا شيء لها، وترد الزائد إن قبضته حرة كانت أو أمة، (وأتبع) العبد (بما بقي) بعد ربع الدينار في ذمته ترجع به عليه إن عتق (إن غر) زوجته حال التزويج بأنه حر،

ــ

لعدم التهمة.

قوله: [فأنكرت]: أي أو أقرت وكانت غير رشيدة.

قوله: [بالاجتهاد]: أي فإنها تعطى شيئاً وجوباً بحسب ما يراه الحاكم أو جماعة المسلمين من غير تقدير على ما لابن القاسم، واختلف هل اجتهاد جماعة المسلمين في قدره إنما يكون عند عدم الحاكم الشرعي، أو يكفي ولو كان موجوداً واختاره في الحاشية.

قوله: [ولولي صغير] إلخ: قال ابن المواز: وإذا لم يرد الولي نكاح الصبي والحال أن المصلحة في رده حتى كبر وخرج عن ولايته جاز النكاح، قال ابن رشد: وينبغي أن ينتقل النظر إليه فيمضي أو يرد كذا في (بن) اهـ. فاللام للاختصاص لا للتخيير فلا ينافي أنه إن وجد المصلحة في إبقائه تعين وإن وجدها في رده تعين وإن استوت خير.

قوله: [ولا عدة عليها] إلخ: أي بخلاف ما لو مات قبل الفسخ فعليها عدة الوفاة ولو لم يدخل.

قوله: [وجزم به أبو الحسن]: ومثله في نقل المواق إن كانت صغيرة وهو ظاهر في الصغير لأن تسليطها له كالعدم، وأما الكبيرة فكأنهم نظروا إلى أنها إنما سلطته في نظير المهر ولم يتم فرجع للأرش.

تنبيه: وإن زوج الولي الصغير بشروط - وكانت تلزم إن وقعت من مكلف - كأن تزوج عليها أو تسرى فهي أو التي يتزوجها طالق، والتزم الولي تلك الشروط أو زوج الولد نفسه على تلك الشروط، ثم بلغ وكره بعد بلوغه تلك الشروط وطلبتها المرأة، فإن النكاح يفسخ بطلاق جبراً حيث لم ترض بإسقاط الشروط، ولم يدخل بعد بلوغه عالماً بها، وإلا لزمته وكل هذا ما لم يدخل بها قبل البلوغ، وإلا سقطت عنه، ولو دخل عالماً لأنها مكنت من نفسها من لا يلزمه الشروط. واختلف إذا وقع الفسخ قبل الدخول هل يلزمه نصف الصداق - ورجح - أو لا يلزمه شيء؟ قولان عمل بهما وإن ادعت عليه أنه وقت العقد والشروط كان كبيراً وادعى أنه كان صغيراً فالقول لها أو لوليها بيمين ويلزمه الشروط كذا في الأصل.

قوله: [وللسيد] إلخ: اللام هنا للتخيير أي فله الرد ولو كانت المصلحة في الإجازة، لأن السيد لا يجب عليه فعل المصلحة مع عبده، بخلاف ولي الصغير كما يأتي ومحل كون السيد مخيراً ما لم يكن المتزوج أنثى وإلا تعين الفسخ كما تقدم.

قوله: [وله إمضاؤه]: أي ولو طال الزمان بعد علمه.

قوله: [فإن باعه]: أي عالماً بتزويجه أو لا.

قوله: [وليس لمشتريه] إلخ: أي بل يقال له: إن كنت علمت بالتزويج قبل الشراء فهو عيب دخلت عليه، وإلا فلك رد العبد لبائعه، ولك التمسك به وليس لك رد نكاحه. ولو اختلفت ورثة المشتري في الرد وعدمه والحال أن مورثهم مات قبل علمه بتزويجه، أو بعد أن علم وقبل أن ينظر في ذلك، فالقول لمن طلب الرد ومحل عدم رد السيد الأول لنكاحه إن باعه ما لم يرد له بعيب التزويج، وإلا فله رد نكاحه إن كان باعه غير عالم، ومفهوم قولنا:"ما لم يرد له بعيب التزويج"، أنه لو رد له بعيب آخر بأن لم يطلع المشتري على عيب التزويج ورده بغيره كان للبائع رد نكاحه أيضاً، وأن المشتري اطلع على عيب التزويج ورضيه ورده بغيره فقولان: أحدهما أن البائع يرجع على المشتري بأرشه لأنه لما رضي به فكأنه حدث عنده وليس للبائع رد نكاحه لأخذه أرشه من المشتري، والآخر ليس للبائع الرجوع على المشتري بأرشه وله رد النكاح، والقول الأول مبني على أن الرد بالعيب ابتداء بيع، والثاني على أنه نقض

ص: 395

لا إن لم يغرها فلا تتبعه بشيء ومحل إتباعه إن غرها (ما لم يبطله) عنه قبل عتقه (سيد أو حاكم) إن غاب سيده، فإن أبطله واحد منهما لم يكن لها عليه طلب.

(فلو امتنع) السيد من إجازة نكاح عبده ابتداء حين سئل عنها ولم يقع منه رد ولا فسخ، وإنما قال [1]: لا أجيز (فله الإجازة) بعد ذلك (إن قرب) الأمر كاليوم واليومين لا أكثر، فإن لم يحصل منه امتناع فله الإجازة، ولو طال الزمن (ولم يرد) بامتناعه (الفسخ) وإلا كان فسخاً (أو) لم (يشك) السيد (في إرادته) بالامتناع هل قصد به الفسخ أو لا، فإن شك حمل على الفسخ ولا إجازة له؛ فيشك بفتح الياء، مبني للفاعل.

(ولولي سفيه) تزوج بغير إذن وليه (رد نكاحه كذلك) أي بطلقة فقط بائنة كالعبد (إن لم يرشد): أي يحصل له رشد، فإن رشد فلا كلام لوليه. (ولها) إن فسخه وليه (ربع دينار إن دخل) السفيه بها، (ولا يتبع) إن رشد (بالباقي وتعين) الفسخ (إن مات) أي بعد موته (فلا مهر) لها (ولا إرث)، والمراد أنه يتعين الفسخ بحكم الشرع فلا مهر ولا إرث، وليس المراد يتعين على الولي فسخه إذ لا ولاية له بعد موته فلا كلام له.

(وللمكاتب والمأذون) له في التجارة (تسر وإن بلا إذن) من سيده بخلاف غيرهما فليس له ذلك إلا بإذن سيده.

(ونفقة زوجة العبد) غير المكاتب والمأذون فيشمل المدبر والمعتق لأجل إذا تزوج بإذن سيده بها أو أمضى نكاحه تكون (من غير خراجه وكسبه)، والخراج: ما يقاطعه سيده عليه؛ كأن يقاطعه على درهم كل يوم أو على دينار كل شهر، والكسب: ما ينشأ عن عمله فإن جعل عليه خراجاً أنفق على زوجته مما فاض له بعده، وإن لم يجعل عليه خراجاً أنفق عليها من هبة أو صدقة أو حبس، أو مما أذن له فيه سيده، والمكاتب كحر، والمأذون ينفق عليهما [2] من ماله وربحه الذي بيده لا من مال سيده وربحه المبعض في يومه كالحر وفي يوم سيده كالقن. (إلا لعرف) جار بأن العبد ينفق من خراجه وكسبه فيعمل به (كالمهر) فإنه من غير خراجه وكسبه إلا لعرف، (ولا يضمنه) أي ما ذكر من المهر والنفقة (سيده بأن [3] التزويج) لعبده وإن باشر العقد.

ثم شرع في بيان من له جبر الذكر على النكاح بقوله: (وجبر أب ووصي وحاكم) لا غيرهم

ــ

للبيع من أصله وهو المعتمد.

قوله: [لا إن لم يغرها] إلخ: هذا هو المعتمد، وقيل، إنها تتبعه بباقي المسمى مطلقاً غر أو لا والقولان في المدونة.

قوله: [لم يكن لها عليه طلب]: أي لأن الدين بغير إذن السيد عيب يجوز له إبطاله والحاكم يقوم مقامه.

قوله: [لا أكثر]: أي فالثلاثة طول لا تصح الإجازة بعدها.

قوله: [ولم يرد بامتناعه الفسخ] إلخ: الحاصل أن المسائل ثلاث:

الأولى: رده ابتداء من غير تقدم امتناع، والثانية: إجازته ابتداء من غير سبق امتناع، والثالثة: إجازته بعد الامتناع إما ابتداء من غير سبق سؤال أو بعد سؤال من غير رد فيها، وهذه الثالثة هي معنى قول المصنف هنا:" فلو امتنع فله الإجازة إن قرب ". والمسألتان الأوليان هما معنى قول المصنف فيما تقدم: " وللسيد رد نكاح عبده " إلخ.

قوله: [ولولي سفيه]: اللام للاختصاص لأنه يتعين عليه فعل المصلحة.

قوله: [فلا كلام لوليه]: أي ولا ينتقل له إذا رشد ما كان لوليه، بل يثبت النكاح ولا خيار له، وقيل ينتقل له ما كان لوليه.

قوله: [وتعين الفسخ إن مات]: أي وأما إن ماتت فما زال النظر للولي على المشهور من قول ابن القاسم إذ قد يكون ما يلزمه من الصداق أكثر مما له من الميراث، ومقابل المشهور يقول: إن نظر الولي يفوت بالموت ويتوارثان، فإن لم يكن للسفيه ولي ففيه الخلاف الآتي في الحجر هل تصرفه محمول على الإجازة أو الرد؟ خلاف بين مالك وابن القاسم.

قوله: [وإن بلا إذن]: بالغ على ذلك لئلا يتوهم في المكاتب أنه لا بد من الإذن خوف عجزه كالتزويج وفي المأذون لأنه في ماله كالوكيل.

قوله: [ونفقة زوجة العبد] إلخ: أي وأما نفقة أولاده فعلى سيد أمهم إن كانت رقيقة، وإن كانت حرة فعلى بيت المال إن أمكن الوصول إليه، وإلا فعلى جماعة المسلمين والسيد كواحد منهم.

قوله: [والمكاتب كحر]: أي لأنه أحرز نفسه وماله.

قوله: [والمأذون] إلخ: حاصله أنه يوافق غير المأذون في أن نفقة زوجته لا تكون في غلته، ويخالفه، في أن نفقة زوجته في المال الذي بيده وربحه، وقوله:"ينفق عليهما" ضمير التثنية يعود على الزوجة والسرية.

قوله: [إلا لعرف] إلخ: فإن لم يكن عرف ولم يجد من أين ينفق فرق بينهما إلا أن ترضى بالمقام معه بلا نفقة أو يتطوع بها متطوع، ولا يباع العبد في نفقة زوجته.

قوله: [ولا يضمنه] إلخ: أي بل هما على العبد إلا أن يشترطهما على السيد فليس السيد كالأب، فإن الأب إذا جبر ولده على النكاح كان الصداق عليه إن كان الولد معدماً حين العقد، بل كالوصي والحاكم فإنهما وإن جبرا لا يلزمهما صداق إلا بالشرط.

قوله: [لا غيرهم]: أي كأخ وعم وغيرهما من باقي الأولياء، فلا يجبر أحد منهم صغيراً ولا مجنوناً على المشهور، فإن حصل منهم جبر فقيل: يفسخ النكاح مطلقاً ولو دخل وطال وقيل: ما لم يدخل ويطل وإلا ثبت.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (قالا).

[2]

في ط المعارف: (عليها).

[3]

في ط المعارف: (بإذن)، ولعلها الصواب.

ص: 396

ذكراً (مجنونا) مطبقاً فإن كان يفيق في بعض الأحيان انتظرت إفاقته.

(وصغيراً لمصلحة) اقتضت تزويجهما بأن خيف الزنا على المجنون أو الضرر، فتحفظه الزوجة ومصلحة الصبي تزويجه من غنية أو شريفة أو ابنة عم، أو لمن تحفظ ماله ولا جبر للحاكم إلا عند عدم الأولين، إلا إذا بلغ عاقلاً ثم جن فالكلام للحاكم.

(والصداق على الأب) إذا جبر ابنه المجنون أو الصغير، (وإن مات) الأب؛ لأنه لزم ذمته بجبره لهما فلا ينتقل عنها، ويؤخذ من تركته وهذا (إن أعدما) بفتح الهمزة أي لم يكن لهما مال (حال العقد) ولو أيسر بعد ذلك، (ولو شرط) الأب (خلافه) بأن قال: ولا يلزمني صداق بل الصداق على الصبي أو المجنون فلا يعمل بشرطه، (وإلا) يعدما حال العقد بأن كانا موسرين به أو ببعضه حاله وإن أعدما بعده (فعليهما) ما أيسرا به كلاً أو بعضاً لا على الأب، كما أنه لا يلزم الوصي ولا الحاكم مطلقاً (إلا لشرط) من ولي الزوجة على الأب أو على الوصي أو على الحاكم، فيعمل به وسكت عن السفيه: هل يجبره من ذكر؟ قال المصنف: وفي السفيه خلاف، لكنه صحح في التوضيح القول بعدم جبره، ولا بد من رضاه.

(وإن) عقد أب لابن رشيد بإذنه ولم يبين كون الصداق عليه أو على ابنه، و (تطارحه) ابن (رشيد وأب) تولى العقد؛ بأن قال الابن لأبيه: أنت التزمت الصداق وما رضيت إلا أنه عليك، وقال الأب: بل ما قصدت إلا أنه على ابني، فإن كان قبل الدخول (فسخ ولا مهر) على واحد منهما (إن لم يلتزمه أحدهما) وإلا لزم من التزمه ولا فسخ، (و) إن تطارحاه (بعد الدخول حلف الأب) أنه ما قصد به الصداق إلا على ابنه، (وبرئ ولزم الزوج صداق المثل)، ولا يمين عليه إن كان قدر المسمى أو أكثر (وحلف إن كان) صداق المثل (أقل من المسمى) ليدفع عن نفسه غرم الزائد، قاله اللخمي.

(ورجع لأب) زوج ولده وضمن له الصداق، (و) رجع لشخص (ذي قدر) بين الناس (زوج غيره) والتزم صداقه، (و) رجع لأب (ضامن لابنته صداقها): أي زوج ابنته لشخص بصداق والتزم لابنته الصداق (النصف) فاعل "رجع" في الثلاث: أي رجع لكل نصف الصداق (بالطلاق قبل الدخول)، وليس للزوج المطلق فيه حق لأن كلاً من الثلاثة إنما التزمه على أنه صداق ولم يتم،

ــ

تنبيه: للوصي جبر الذكر للمصلحة ولو لم يكن له جبر الأنثى كما إذا قال له: أنت وصيي على ولدي كما في (ر)، وفي (عب) تبعا للـ (ح) تقييده بما إذا كان له جبر الأنثى قال (بن): وفيه نظر.

قوله: [ذكراً مجنوناً]: أي وأما الأنثى فلا يجبرها إلا الأب أو الوصي على تفصيل تقدم، وأما الحاكم فلا يجبرها.

قوله: [لمصلحة] إلخ: أي لا لغيرها فلا جبر ولا بد من ظهورها في الوصي والحاكم، وأما الأب فمحمول عليها، وقال بعضهم قيد المصلحة إنما هو حيث يكون الصداق من مال الولد وإلا فلا يعتبر كما يدل عليه كلامهم.

قوله: [إلا إذا بلغ]: الأولى إلا إذا رشد.

قوله: [لأنه لزم ذمته]: أي ولا يقال إنها صدقة لم تقبض، بل هي معاوضة. والحاصل أن الأب إذا جبر ولده الصغير أو المجنون فالصداق عليه إن كانا معدمين حين العقد، ولو مات الأب ولو أيسرا بعد العقد، ولو اشترط الأب أن الصداق عليهما، وأما إن كانا موسرين حين العقد فعليهما، ولو أعدما بعد العقد إلا الشرط على الأب فيعمل به.

قوله: [كما أنه لا يلزم الوصي ولا الحاكم] إلخ: حاصله أنه لا يلزم الحاكم والوصي صداق المجنون والصغير، سواء كانا معدمين أو موسرين، لكن إن كانا معدمين اتبعا به وكل هذا ما لم يشترط على الوصي، أو الحاكم وإلا عمل به.

قوله: [لكنه صحح في التوضيح] إلخ: فعلى القول بالجبر يجري في الصداق ما جرى في صداق الصغير والمجنون.

قوله: [وتطارحه ابن رشيد] إلخ: مفهومه أنه إن تطارحه سفيه وأب ففيه تفصيل وهو إن كان الولد ملياً حين العقد لزمه الصداق وإلا فسخ، لأنه إذا كان يلزمه الصداق في حالة جبر الأب له على القول به فأولى، في حالة عدم الجبر، وإن كان معدماً حالة العقد، فقد مر أن الصداق على الأب على القول بجبره، وهل كذلك في حالة عدم الجبر أم لا؟ قاله في الحاشية.

قوله: [فسخ ولا مهر]: أي ولا تتوجه يمين أصلاً على المعتمد، وقيل: الفسخ وعدم المهر مقيد كما قال ابن المواز بحلفهما معاً، فإن نكلا معاً لزمهما الصداق بالسوية، ويقضى للحالف على الناكل، ويبدأ في الحلف بالأب لأنه المباشر للعقد، وقيل يقرع فيمن يبدأ.

تنبيه: قال في المدونة: من زوج ابنه البالغ المالك لأمر نفسه وهو حاضر صامت، فلما فرغ الأب من النكاح قال الابن: ما أمرته ولا أرضى صدق مع يمينه، وإن كان الابن غائباً فأنكر حين بلغه سقط النكاح والصداق عنه، وعن الأب والابن والأجنبي في هذا سواء اهـ.

قوله: [ولزم الزوج صداق المثل]: إنما غرم صداق المثل مع أنه نكاح صحيح، لأن المسمى ألغي لأجل المطارحة، وصار المعتبر قيمة ما استوفاه الزوج فلا يقال لأي شيء دفع للزوجة غير ما تدعيه.

ص: 397

فيرجع له، والنصف الثاني للزوجة.

(و) رجع (جميعه) أي الصداق لمن ذكر (بالفساد): أي بالفسخ قبل الدخول لفساده، فإن دخل فلها المسمى (ولا رجوع لهم) أي للأب وذي القدر والضامن لابنته صداقها (على الزوج) بما استحقته الزوجة من النصف قبل الدخول أو الكل بعده، لأنهم إنما التزموه ليكون عليهم تبرعاً منهم للزوج (إلا أن يصرح) الواحد منهم (بالحمالة) كعليَّ حمالة الصداق؛ لأن لفظ الحمالة يؤذن بمجرد التحمل دون التزامه في الذمة (مطلقاً) كان قبل العقد أو حاله أو بعده (أو يضمن) الواحد منهم (بعد العقد) فيرجع على الزوج لا قبله أو معه، (إلا لقرينة أو عرف) فيعمل بمقتضاهما كالشرط.

ثم شرع يتكلم على الكفاءة المطلوبة في النكاح فقال: (والكفاءة) وهي لغة: المماثلة والمقاربة، والمراد بها المماثلة في ثلاثة أمور على المذهب: الحال، والدين، والحرية، وزاد بعضهم: النسب، والحسب احترازاً من الموالي ونحوهم، والمال احترازاً من الفقير، والراجح أن هذه الثلاثة لا تعتبر فيها، ولذا قال:(الدين) أي التدين أي كونه ذا ديانة احترازاً من أهل الفسوق كالزناة والشريبين ونحوهم (والحال): أي السلامة من العيوب الموجبة للرد، لا بمعنى الحسب والنسب بدليل ما يأتي بعده (كالحرية على الأوجه) من القولين وهو قول المغيرة وسحنون، قال في التوضيح: وهو الصحيح، ورجحه اللخمي وغيره لخبر بريرة حين عتقت فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم، وبأنه لا خلاف في العبد يتزوج الحرة من غير علمها أن ذلك عيب يوجب الرد، والمقابل له قول ابن القاسم أن الحرية لا تعتبر في الكفاءة لكنه ظاهر كلامه، وليس بنص في ذلك، حتى قال بعضهم: إن كلام ابن القاسم لا يخالف قول المغيرة، فكان الأولى للشيخ أن يقتصر عليه ولا يذكر التأويلين فيه، وقال بعضهم: ذكر التأويلين لكون المقابل قول ابن القاسم وإلا فهو مرجوح في الغاية، وقولنا:"على الأوجه" فيه مسامحة؛ لأنه يقتضي أن المقابل له وجه ولا وجه له وغاية ما يجاب أن هذه صيغة قصد بها الترجيح لا التفاضل.

(ولها): أي للزوجة (وللولي تركها): أي الكفاءة والرضا بعدمها، والتزويج بفاسق أو معيوب أو عبد، فإن لم يرضيا معاً فالقول لمن امتنع منهما وعلى الحاكم منع من رضي منهما. وليس للأب جبر البكر على فاسق أو ذي عيب فإن تزوجها الفاسق أو ذو العيب أو العبد فلها وللولي الرد والفسخ.

ــ

قوله: [فيرجع على الزوج]: حاصله أن الدافع إما أن يصرح بلفظ الحمالة أو الحمل أو الضمان، وفي كل إما قبل العقد أو بعده أو فيه، فالتصريح بالحمالة يرجع به مطلقاً والتصريح بالضمان إن كان قبل العقد أو فيه لم يرجع وإن كان بعده رجع، وأما الحمل فيلزمه مطلقاً ولا رجوع له، ومثل الحمل ما إذا قال له: أنا أدفع صداقك أو أدفع الصداق عنك، وقد نظم أبو علي المسناوي هذه المسألة بقوله:

انف رجوعاً عند حمل مطلقاً

حمالة بعكس ذا محققاً

لفظ ضمان عند عقد لا ارتجاع

وبعده حمالة بلا نزاع

وكل ما التزم بعد عقد

فشرطه الحوز فافهم قصدي

اهـ. من حاشية الأصل.

تنبيهان:

الأول: إن لم يدفع الصداق الملتزم له فلها الامتناع من الدخول والوطء بعده حتى تأخذ الحال أصالة أو بعد أجله، وللزوج الترك بأن يطلق، ولا شيء عليه في نكاح التفويض أو في نكاح التسمية حيث لا يرجع المتحمل به على الزوج، وأما ما فيه رجوع عليه وهو ما إذا صرح بالحمالة مطلقاً أو كان بلفظ الضمان ووقع بعد العقد فإنه إن أطلق غرم لها نصف الصداق وإن دخل غرم الجميع.

الثاني: يبطل الضمان على وجه الحمل إن تحمل في مرضه المخوف عن وارث، لأنه وصية لوارث أو عطية في المرض لا إن تحمل عن زوج ابنة غير وارث لأنه وصية لغير وارث له فيجوز في الثلث، فإن زاد عليه ولم يجزه الوارث خير الزوج بين أن يدفعه من ماله أو يترك النكاح ولا شيء عليه اهـ من الأصل.

قوله: [والراجح أن هذه الثلاثة] إلخ: الحاصل أن الأوصاف التي اعتبروها وفاقاً وخلافاً ستة أشار لها بعضهم بقوله:

نسب ودين صنعة حرية

فقد العيوب وفي اليسار تردد

فإن ساواها الرجل في تلك الستة فلا خلاف في كفاءته وإلا فلا، واقتصر المصنف على ثلاثة منها وهي المماثلة في الدين والحال والحرية ولا يشترط فيها المماثلة في غير ذلك على المعتمد فمتى ساواها الرجل في تلك الثلاثة كان كفؤاً.

قوله: [لا بمعنى الحسب] إلخ: الحسب ما يعد من مفاخر الآباء كالكرم والعلم.

قوله: [لخبر بريرة]: وهي جارية عائشة وكانت متزوجة بمغيث وكان عبداً.

قوله: [حين عتقت]: أي أعتقتها عائشة والحال أن زوجها باق على الرق.

قوله: [والتزويج بفاسق]: أي وذلك لأن الحق لهما في الكفاءة، فإذا أسقطا حقهما منها وزوجها فاسق كان النكاح صحيحاً على المعتمد.

ص: 398

وقيل: إن تزويج الفاسق غير صحيح ويتعين فسخه ورجحه جماعة، وقال المغيرة: ليس العبد كفؤاً ويفسخ النكاح.

وإذا علمت أن الكفاءة مجموع الثلاثة الأمور المذكورة [1] فقط، (فالمولى): أي العتيق ومجهول النسب، (وغير الشريف) وهو الدنيء في نفسه كالمسلماني أو في حرفته كالزبال والحمار والحلاق، (والأقل جاهاً) أي قدراً كالجاهل بالنسبة للعالم أو المأمور بالنسبة للأمير وكذا الفقير (كفء) للحرة أصالة الشريفة ذات الجاه، الغنية لعدم اشتراط النسب والحسب والمال كما تقدم.

(وليس للأم كلام) مع الأب، هذا مفرع على ما قبله ولو فرعه بالفاء لكان أبين (في تزويج الأب ابنته الموسرة المرغوب فيها من فقير) لا مال له متعلق بقوله تزويج، (إلا لضرر بين): كأن يزوجها من ذي عيب أو فاسق أو عبد لعدم الكفاءة، فليس له جبرها فيكون لها حينئذ كلام بأن ترفع للحاكم ليمنعه من تزويجها منهم، هذا قول ابن القاسم، وروي أن لها كلاماً مطلقاً وهو مبني على أن الكفاءة يعتبر فيها المال كالحال والدين.

ثم شرع في بيان من يحرم نكاحه أصالة فقال: (وحرم) على الشخص إجماعاً (الأصل): وهو كل من له عليه ولادة وإن علا، (والفرع وإن) كان (من زنا و) حرم (زوجهما): أي الأصل والفرع، فيحرم عليك زوجة أبيك وزوجة جدك وإن علا، وزوجة ابنك وإن سفل ويحرم على المرأة زوج أمها أو جدتها وإن علت، وزوج بنتها وإن سفلت.

(و) حرم (فصول أول أصل) وهم: الإخوة والأخوات من جهة الأب أو الأم وأولادهم وإن سفلوا، (وأول فصل) فقط (من كل أصل) من جهة الأب أو الأم كالأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وعم الأب أو عمته وإن علا، وخال الأم أو خالتها وإن علت، دون بنيهم فتحل بنت العم أو العمة وبنت الخال أو الخالة.

(و) حرم (أصول زوجته): أمها وأم أمها وإن علت وإن لم يحصل تلذذ بالزوجة، لأن مجرد العقد على البنات يحرم الأمهات، (وفصولها): أي فصول الزوجة كبنتها وبنت بنتها، وهكذا (إن تلذذ بها): أي بزوجته التي هي الأم؛ فلا يحرم البنات إلا الدخول بالأمهات لقوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم} [النساء: 23] المراد بنت الزوجة {من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} [النساء: 23] والمراد بالدخول:

ــ

قوله: [وقيل إن تزويج الفاسق غير صحيح]: حاصل ما في المسألة أن ظاهر ما نقله (ح) وغيره واستظهره بعضهم منع تزويجها من الفاسق ابتداء، وإن كان يؤمن عليها منه وأنه ليس لها وللولي الرضا به وهو ظاهر، لأن مخالفة الفاسق ممنوعة وهجره واجب شرعاً، فكيف بخلطة النكاح، فإذا وقع وتزوجها ففي العقد ثلاثة أقوال: لزوم فسخه بفساده وهو ظاهر اللخمي وابن بشير، الثاني: أنه صحيح وشهره الفاكهاني، الثالث لأصبغ: إن كان لا يؤمن منه، رده الإمام، وإن رضيت به وظاهر ابن غازي أن القول الأول هو الراجح كذا في حاشية الأصل، والذي قرره في الحاشية أن المعتمد القول بالصحة الذي شهره الفاكهاني. قوله:[ليس العبد كفؤاً ويفسخ النكاح]: أي إن لم تتزوج به راضية عالمة هي ووليها، وإلا فلا فسخ.

قوله: [للحرة أصالة] إلخ: راجع لقوله: "فالمولى وغير الشريف" إلخ على سبيل اللف والنشر المرتب تأمل.

قوله: [من فقير]: أي سواء كان ابن أخ له أو غيره كانت الأم مطلقة أو في العصمة، وإن كان الواقع في الرواية ابن الأخ والأم مطلقة لأنه وصف طردي مخرج على سؤال سائل فلا مفهوم له. ومثل الفقير من يغربها عن أمها مسافة خمسة أيام، فالحق أن الأم لا تكلم لها إلا في الضرر البين كما في الحاشية، وأصل هذا قول المدونة: أتت امرأة مطلقة إلى مالك فقالت: إن لي ابنة في حجري موسرة مرغوباً فيها، فأراد أبوها أن يزوجها من ابن أخ له فقير، أفترى لي في ذلك متكلماً؟ قال: نعم إني لأرى لك متكلماً اهـ. روي قوله لأرى لك بالإثبات وبالنفي، قال ابن القاسم بعد ما تقدم" وأنا أراه ماضياً أي فلا تكلم لها إلا لضرر بين. واختلف في جواب ابن القاسم هل هو وفاق أو خلاف؟ فقيل وفاق بتقييد كلام الإمام بعدم الضرر على رواية النفي أو الضرر على رواية الإثبات، فوافق ابن القاسم وقيل خلاف بحمل كلام الإمام على إطلاقه، سواء كانت الرواية عنه بالإثبات أو النفي كان هناك ضرر أم لا، وابن القاسم يقول بالتفصيل بين الضرر البين وعدمه اهـ من الأصل.

قوله: [وإن كان من زنا]: رد بالمبالغة على ابن الماجشون حيث قال: لا تحرم البنت التي خلقت من الماء المجرد عن العقد وما يشبهه من الشبهة على صاحب الماء، لأنها لو كانت بنتاً لورثته وورثها وجاز له الخلوة بها وإجبارها على النكاح، وذلك كله منتف عندنا، ومثل من خلقت من ماء الزنا من شربت من لبن امرأة زنى بها إنسان فتحرم تلك البنت على ذلك الزاني الذي شربت من مائه وهذا ما رجع إليه مالك وهو الأصح.

قوله: [وحرم زوجهما]: أي وأما لو تزوج الرجل بأم زوجة أبيه وابنة زوجة أبيه من غيره إذا ولدتها أمها قبل التزوج بأبيه فتحل إجماعاً، وأما إذا ولدتها أمها بعد أن تزوجت بأبيه وفارقته فقيل بحلها وقيل بحرمتها وقيل يكره نكاحها.

قوله: [فيحرم عليك زوجة أبيك]: أي ولو من زنا وكذا يقال في زوجة الجد والابن.

قوله: [لأن مجرد العقد]: أي الصحيح ومثله المختلف فيه كان العقد

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

قوله: (الأمور المذكورة) ليس في ط المعارف.

ص: 399

مطلق التلذذ ولو بغير جماع، (وإن) كان التلذذ بالأم (بعد موتها، ولو) تلذذ (بنظر لغير وجه وكفين) كشعرها وبدنها وساقيها، وأما التلذذ بالقبلة والمباشرة فمحرم مطلقاً؛ وإنما الخلاف في النظر، قال ابن بشير: النظر للوجه لغو اتفاقاً. ولغيره: المشهور أنه يحرم، (كالملك) تشبيه في جميع ما تقدم لكن المحرم فيه التلذذ لا مجرد الملك، فقوله:"كالملك" أي: التلذذ به فإنه يحرم أصولها وفصولها، وتحرم هي به على أصوله وفصوله لا إن لم يتلذذ بها. ومثل الملك شبهته. ولا بد من بلوغه، ولا يشترط بلوغها فتلذذ البالغ بالصغيرة محرم.

(ولا يحرم الزنا على الأرجح) من الخلاف، فمن زنى بامرأة جاز أن يتزوج بأصولها وفصولها وجازت هي لأصوله وفروعه، ولو زنى ببنت امرأته لم تحرم عليه أمها وبالعكس. والمقابل يقول: إنه يحرم (ومنه): أي من الزنا الذي لا يحرم نكاح (مجمع على فساده لم يدرأ الحد) كنكاح معتدة وخامسة مع علمه بذلك، فإن لم يعلم لم يحد وحرم، وأما المختلف في فساده فعقده محرم كما تقدم. والحاصل أن المجمع على فساده إن درأ الحد حرم وطؤه والتلذذ فيه، وإن لم يدرأ الحد فهو من الزنا يجري فيه الخلاف والمشهور عدم نشره الحرمة.

(بخلاف) شبهة النكاح أو الملك مثل (من حاول): أي قصد وأراد (تلذذاً بحليلته) من زوجة أو أمة (فالتذ بابنتها أو أمها) غلطاً فإنه يحرم الحليلة على المعتمد (و) حرمت (خامسة) للحر والعبد، وجاز للعبد الأربعة كالحر، ولو جمع الخمسة في عقد واحد لكان عقداً فاسداً اتفاقاً.

(و) حرم (جمع اثنتين لو قدرت كل) منهما (ذكراً حرم) على الأخرى كالأختين والعمة وبنت أخيها والخالة مع بنت أختها، فلا يجوز الجمع بينهما لأنك لو قدرت إحدى الأختين ذكراً لحرم نكاحه أخته، ولو قدرت العمة ذكراً لحرم عليه بنت أخيه وكذا العكس، ولو قدرت الخالة ذكراً لكان خالاً، ولو قدرت بنت الأخت ذكراً لحرم عليه خالته فتخرج المرأة وبنت زوجها أو أمه، والمرأة وأمتها فيجوز جمعهما، فإنك لو قدرت المالكة ذكراً جاز له وطء أمته (كوطئهما): أي الثنتين اللتين لو قدرت كلاً منهما ذكراً حرم على الأخرى (بالملك) فإنه يحرم بخلاف جمعهما بالملك بلا وطء ولا تلذذ بهما فلا يحرم، وكذا لو وطئ إحداهما وترك الأخرى للخدمة مثلاً لم يحرم.

(وفسخ نكاح الثانية) من محرمتي الجمع (بلا طلاق) لأنه مجمع على فساده، (ولا مهر) لها إذا فسخ قبل الدخول لفسخه بلا طلاق أي ليس لها نصف المهر (إن صدقته) أي الزوج على أنها الثانية لإقرارها، بأنه لا حق لها وأولى إن شهدت عليها بينة بأنها الثانية،

ــ

لكبير أو صغير، لأن عقد الصغير محرم للأصول بخلاف وطئه، فإنه لا يحرم الفروع على الراجح ولو كان مراهقاً بخلاف الصبية فإنه بالتلذذ بها يحرم فروعها - كما يأتي. وأما عقد الرقيق بغير إذن سيده إذا رده السيد فلا يحرم لأنه ارتفع من أصله بالرد، وانظر هل مثله عقد الصبي والسفيه بغير إذن الولي لكونه غير لازم وهو الظاهر، وليس هذا كالعقد الفاسد المختلف فيه لأن الفاسد المختلف

فيه لازم عند بعض الأئمة فهو غير متفق على حله، بخلاف نكاح الصبي والعبد والسفيه فإنه متفق على حله، وقيل إنه محرم لأنه عقد صحيح، وإن كان غير لازم فلا يشترط في العقد المحرم كونه لازماً كذا قرره شيخ مشايخنا العدوي، والذي صوبه "بن: هذا الأخير وذكر أنه نص في التهذيب على تحريم عقد الرقيق بغير إذن سيده فانظره. اهـ من حاشية الأصل.

قوله: [مطلق التلذذ]: أي وأما لو قصد ولم يتلذذ فلا ينشر الحرمة على الصحيح، كما أن اللواط بابن الزوجة لا ينشر الحرمة عند الأئمة الثلاثة خلافاً لابن حنبل.

قوله: [وتحرم هي به على أصوله وفصوله] إلخ: فلو ورث جارية أبيه أو ابنه بعد موته ولم يعلم هل وطئها أم لا فقال ابن حبيب: لا تحل، وبه العمل واستحسنه اللخمي في العلية، وقال: يندب التباعد في الوخش ولا تحرم الإصابة، وكذا إن باعها الأب لابنه أو بالعكس ثم غاب البائع أو مات قبل أن يسأل فلا تحل مطلقاً، أو إن كانت عليه فلو أخبر البائع منهما الآخر بعدم الإصابة صدق فإن باعها الأب لأجنبي والأجنبي باعها للولد، والحال أن الأب أخبر الأجنبي بعدم إصابتها والأجنبي أخبر الولد بذلك فهل يصدق أو لا؟ والظاهر أن هذا الأجنبي إن كان شأنه الصدق في إخباره صدق وإلا فلا كذا في الحاشية.

قوله: [والمقابل يقول] إلخ: أي بخلاف اللواط بابن امرأته فلا يحرمها باتفاق المذاهب الثلاثة كما تقدم.

قوله: [فالتذ بابنتها] إلخ: أي لا بابنها فالغلط فيه لا يحرم قوله: [فتخرج المرأة وبنت زوجها] إلخ: ولذلك قال الأجهوري:

وجمع مرأة وأم البعل *** أو بنته أو رقها ذو حل.

قوله: [فإنك لو قدرت المالكة ذكراً]: أي وكذا لو قدرنا امرأة الرجل لم يحرم وطء أم زوجها ولابنته بنكاح ولا غيره، لأنها أم رجل أجنبي.

قوله: [لفسخه بلا طلاق]: الأولى حذفه لأن كل ما فسخ

ص: 400

(وإلا) تصدقه بل ادعت أنها الأولى ولا بينة (حلف) إنها الثانية لسقوط المهر عنه فالقول قوله بيمين، ويفسخ حينئذ بطلاق لاحتمال أنها الأولى، فإن نكل حلفت واستحقته، فإن دخل فلها المهر بالدخول صدقته أو لم تصدقه.

(وإن جمعهما بعقد) واحد (فسخ) بلا طلاق للإجماع على فسخه.

(وتأبد) عليه (تحريم الأم وبنتها إن دخل بهما) معاً لاستناد التلذذ بهما لنكاح وإن أجمع على فساده وهو ظاهر إن درأ الحد، فإن لم يدرأه حرم أيضاً إن قلنا إن الزنا يحرم.

(ولا إرث) بينه وبينهما للإجماع على فساده.

(وإن لم يدخل بواحدة) منهما (حلتا) لأن عقده عدم (وإن دخل) بواحدة دون الأخرى (حرمت الأخرى) التي لم يدخل بها أي تأبد تحريمها لتلذذه بأمها أو بنتها، وأما التي دخل بها فتحل له بعد فسخ الأول والموضوع أنه جمعهما في عقد واحد.

(وحلت الثانية من) كل محرمتي الجمع (كأختين) إذا كان تحته إحداهما بنكاح أو ملك وتلذذ بها، وأراد وطء الثانية بنكاح أو ملك حلت له (ببينونة الأولى) بخلع أو بت أو بانقضاء عدة رجعي. (أو زوال ملكها بعتق وإن لأجل أو كتابة) لا تدبير لجواز وطئها (أو نكاح) أي عقد (لزم) ولا يكون إلا صحيحاً أي بتزويجها بنكاح صحيح لازم ولو لزم بالدخول (أو أسر) لها لأنه مظنة اليأس (أو إباق إياس) لا يرجى منه عودها وإلا فلا، وهذا في الموطوءة بملك فيحل له وطء من يحرم جمعه معها بملك أو نكاح.

وأما الزوجة

ــ

قبل الدخول لا شيء فيه إلا ما استثني، سواء كان الفسخ بطلاق أو لا.

قوله: [وإلا تصدقه] إلخ: حاصله أنها إذا لم تصدقه بأن قالت: أنا الأولى، أو لا علم عندي فإن اطلع على ذلك قبل الدخول فسخ بطلاق ولا شيء لها من الصداق، وحلف هو أنها ثانية لأجل إسقاط النصف الواجب لها بالطلاق قبل المسيس على تقدير أنها الأولى، وأن نكاحها صحيح فإن نكل غرم لها النصف بمجرد نكوله إن قالت لا علم عندي، لأنها تشبه دعوى الاتهام، وبعد يمينها إن قالت أنا الأولى فإن نكلت فلا شيء لها وإن اطلع على ذلك بعد الدخول فسخ النكاح بطلاق أيضاً وكان لها المهر كاملاً بالبناء ولا يمين عليها وبقي على نكاح الأولى بدعواه من غير تجديد عقد.

قوله: [وهو ظاهر إن درأ الحد]: أي بأن كان جاهلاً بالتحريم كحديث عهد بالإسلام يعتقد حل نكاح الأم وابنتها، أو كان غير عالم بالقرابة من أصلها.

قوله: [للإجماع على فساده]: أي وقد تقدم أن المجمع على فساده لا يوجب الميراث، ولو حصل الموت قبل الفسخ.

قوله: [والموضوع أنه جمعهما في عقد واحد]: أي وأما لو جمعهما في عقدين مترتبين ودخل بواحدة، فإن كانت تلك التي دخل بها الأولى ثبت عليها بلا خلاف إن كانت البنت، وفسخ نكاح الثانية وتأبدت وإن كان المدخول بها الأم فكذلك على المشهور، وقيل: إنهما يحرمان لأن العقد على البنت ينشر الحرمة ولو كان فاسداً، وإن دخل بالثانية وكانت البنت فرق بينها وبينه، وكان لها صداقها، وله تزويجها بعد الاستبراء، وإن كانت الأم حرمتا أبداً، أما الأم فلأن العقد على البنات يحرم الأمهات، وأما البنت فلأن الدخول بالأمهات يحرم البنات ولو كان العقد فاسداً كما هنا ولا ميراث، وهذا كله إن ترتبتا وعلمت السابقة، وأما إن ترتبتا ولم تعلم السابقة ومات قبل البناء بهما، والإرث بينهما لوجود سببه وجهل مستحقه، ولكل منهما نصف صداقها المسمى لها لأن الموت كمله فكل تدعيه والوارث يناكرها، فيقسم بينهما وما قيل في الأم وابنتها يقال في كل محرمتي الجمع ما عدا تأبيد التحريم.

تنبيه: من تزوج خمساً في عقود أو أربعاً في عقد وأفرد الخامسة ولم تعلم الخامسة فالإرث بينهن أخماساً ولمن مسها منهن صداقها، فإذا دخل بالجميع فلهن خمسة أصدقة أو بأربع فلكل صداقها، والتي لم يدخل بها نصف صداقها لأنها تدعي أنها ليست بخامسة، والوارث يكذبها فيقسم بينهما، وبثلاث فلكل صداقها، وللباقي صداق ونصف يكون لكل منهما ثلاثة أرباع صداقها بنسبة قسم صداق ونصف عليهما، وباثنتين فللباقي صداقان ونصف لكل واحدة صداق إلا سدساً، وبواحدة فللباقي ثلاثة أصدقة ونصف لكل واحدة صداق إلا ثمناً وإن لم يدخل بواحدة فأربعة أصدقة لكل واحدة منهن صداق إلا خمساً كذا في الأصل.

قوله: [أو بانقضاء عدة رجعي]: أي والقول قولها في عدم انقضاء عدتها لأنها مؤتمنة على فرجها، فإن ادعت احتباس الدم صدقت بيمين لأجل النفقة لانقضاء سنة، فإن ادعت بعدها تحركاً نظرها النساء، فإن صدقنها تربصت لأقصى أمد الحمل وإلا لم يلزمه تربص، وهل منع الرجل من نكاح كالأخت في مدة عدة تلك المطلقة الطلاق الرجعي يسمى عدة أو لا؟ قولان وعلى الأول فهي إحدى المسائل التي يعتد فيها الرجل.

ثانيها: من تحته أربع زوجات فطلق واحدة، وأراد أن يتزوج واحدة فلا بد من تربصه حتى تخرج الأولى من العدة إن كان طلاقها رجعياً.

ثالثها: إذا مات ربيبه وادعى أن زوجته حامل فيجب عليه أن يجتنب زوجته حتى

ص: 401

فلا تحل أختها إلا إذا بتها أو علم بموتها (أو بيع) لمن تلذذ بها، (ولو دلس فيه) فتحل أختها لاحتمال أن لا يطلع المشتري على العيب الذي كتمه لبائع أو يرضى به (لا بفاسد)، أي لا تحل الثانية ببيع من تلذذ بها بيعاً فاسداً (لم يفت): أي قبل فواته بحوالة سوق فأعلى، فإن فات ولزم المشتري القيمة أو الثمن حلت الثانية، وكذا إذا زوجها بعد استبرائها نكاحاً فاسداً ولم يفت بالدخول فإن فات حلت. (ولا) تحل الثانية بطروّ (حيض أو نفاس) لمن تلذذ بها (و) لا (استبراء من غيره) بوطء شبهة أو غصب أو زنا، (و) لا (مواضعة و) لا (خيار) ولو كان لغير بائعها لأن ضمانها في مدة المواضعة والخيار من البائع، (و) لا (إحرام) بحج أو عمرة، (و) لا (هبة لمن يعتصرها منه) مجاناً كولده قبل حصول مفوت وعيده [1]، بل (وإن) كان الاعتصار (بشراء) كيتيمه الذي تحت حجره فلا تحل الثانية (كصدقة عليه) أي: على من يعتصرها منه فلا تحل بها الثانية، وهذا ظاهر إذا لم تحز الصدقة للصغير أو لم يحزها الكبير.

وأما إن حيزت فقال الشيخ تبعاً لابن عبد السلام: بخلاف صدقة عليه إن حيزت، وقال ابن فرحون، الظاهر أنه لا يكفي وله انتزاعها بالبيع كما في حق اليتيم انتهى، فإطلاقنا في المتن تبعاً لما لابن فرحون. (وإن تلذذ بهما) بوطء أو مقدماته (وقف) عنهما معاً وجوباً (ليحرم) واحدة منهما بوجه من الوجوه السابقة (فإن أبقى) لنفسه (الثانية استبرأها) بحيضة من مائه الفاسد قبل الإيقاف، وإن أبقى الأولى فلا استبراء إلا أن يطأها بعد وطء الثانية أو زمن الإيقاف.

(وإن عقد) على امرأة (أو تلذذ) بوطء أو مقدماته (بملك): أي بسبب ملكه لها (فاشترى من) يحرم جمعه معها بعد العقد، أو التلذذ بالملك بالأولى، (فالأولى) التي عقد عليها أو تلذذ بها هي التي تحل له دون المشتراة، فإن قرب المشتراة وقف ليحرم.

(و) حرمت (المبتوتة) وهي المطلقة ثلاثاً في مرات أو مرة كما لو قال لها: أنت طالق بالثلاث، أو نوى به [2] الثلاث، أو قال لها: أنت طالق ألبتة -أو نحو ذلك مما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى

ــ

تستبرأ بحيضة لينظر هل هي حامل فيرث حملها أو لا؟ ولا يقال إنه قد يجتنبها في غير هذا كالاستبراء من فاسد، لأن المراد التجنب لغير معنى طرأ على البضع.

قوله: [فلا تحل أختها]: الأولى كأختها والمعنى فلا يحل من يحرم الجمع معها بأسرها أو إباقها، فإن طلقها في حال أسرها طلاقاً بائناً حل من يحرم جمعه معها، وأما من طلقها طلاقاً رجعياً لم يحل من يحرم جمعه معها إلا بمضي خمس سنين من أسرها لاحتمال حملها وتأخرها أقصى أمد الحمل، وثلاث سنين من يوم طلاقها لاحتمال ريبتها وحيضها في كل سنة مرة، هذا إذا كان يحتمل حملها منه وإلا حلت بمضي ثلاث سنين من طلاقها، كذا يؤخذ من حاشية الأصل.

قوله: [ولو دلس فيه]: إنما بالغ على ذلك للرد على المخالف.

قوله: [بوطء شبهة]: أي لأنه لو كان حبسها من عدة نكاح لكان النكاح وحده محرماً والعدة من توابعه.

قوله: [ولا مواضعة] إلخ: أي ولا عهدة ثلاث.

قوله: [في مدة المواضعة] إلخ: أي والعهدة.

قوله: [ولا هبة لمن يعتصرها] إلخ: المراد بالهبة هنا هبة غير الثواب بدليل الاعتصار، لأن هبة الثواب بيع ولا اعتصار فيه.

قوله: [كولده]: أي سواء كان صغيراً أو كبيراً.

قوله: [وله انتزاعها بالبيع]: لا يقال إن شراء الولي مال محجوره لا يجوز فكيف يكون له نزعها بالبيع. وأجيب بأن الممتنع شراء مال المحجور الذي لم يهبه له، وأما ما وهبه له فيكره له شراؤه ولا يكون ممنوعاً منع تحريم كذا في الحاشية.

تنبيه: مما يحل كالأخت إخدام الموطوءة سنين كثيرة أربعة فأكثر، ومثل الكثيرة حياة المخدم، وإنما حل وطء كأختها بالإخدام لأن من أخدم أمة حرم عليه وطؤها قل زمن الخدمة أو كثر، إلا أنه لا تحل كالأخت إلا إذا كثر زمن الخدمة لا إن قل فلا يوجب حل كأختها، لأنه كالإحرام.

قوله: [فإن أبقى لنفسه الثانية استبرأها]: أي لفساد مائه الحاصل قبل التحريم، وإن لحق به الولد.

قوله: [فإن قرب المشتراة] إلخ: أي لأنه صار بمنزلة وطء كالأختين.

قوله: [وهي المطلقة ثلاثاً] إلخ: أي ولو علقه على فعلها فأحنثته قصداً أو في نكاح مختلف فيه، وهو فاسد عندنا خلافاً لأشهب في الأول ولابن القاسم في الثاني. فالحاصل أنه لو قال الرجل لامرأته: إن دخلت الدار مثلاً فأنت طالق ثلاثاً فدخلتها قاصدة حنثه فتحرم عليه عند ابن القاسم وغيره، ولا تحل له إلا بعد زوج، خلافاً لأشهب القائل بعدم وقوع الطلاق معاملة لها بنقيض مقصودها، قال أبو الحسن على المدونة: وهذا القول شاذ والمشهور قول ابن القاسم، وذكر ابن رشد في المقدمات مثله، وقولنا أو في نكاح مختلف فيه وهو فاسد عندنا أي كنكاح المحرم والشغار، وإنكاح العبد والمرأة فإن هذه الأنكحة مختلف في صحتها وفسادها، ومذهبنا فسادها فإذا طلق الزوج في هذه الأنكحة ثلاثاً حرمت عليه ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، خلافاً لابن القاسم القائل إنه يقع عليه الطلاق نظراً لصحة النكاح على مذهب الغير، ولا يتزوجها إلا بعد زوج فلو تزوجها قبل زوج لم يفسخ نكاحه نظراً لمذهبه من فساد النكاح وعدم لزوم الطلاق، فيكون، هذا النكاح الثاني صحيحاً.

قوله: [أو مرة]: خلافاً لمن يزعم أنه لو أوقع الثلاث

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

كذا في ط الحلبي وط المعارف، ولعل الصواب:(وعبده)، كما في الشرح الكبير.

[2]

ليست في ط المعارف.

ص: 402

بالنسبة للحر، أو اثنتين للعبد (حتى تنكح) زوجاً (غيره) لا بوطء مالكها بعد بتها (نكاحاً صحيحاً) لا بفاسد كما يأتي (لازماً) للزوجين ولو بعد الإجازة من سيد أو ولي لا غير لازم، كنكاح محجور بغير إذن سيده أو وليه إلا بوطء بعد الإذن، وكنكاح ذي عيب إلا بوطء بعد الرضا (ويولج) الزوج: أي يدخل، فلا تحل بمجرد العقد ولا بالتلذذ بعده بدون وطء حال كونه (بالغاً) لا صبياً (حشفته) كلها بعد صحة العقد ولزومه (بانتشار) أي مع انتصاب ذكره لا بدونه (في القبل)، ولو بعد الإيلاج لا الدبر ولا الفخذين ولا خارجه بين الشفرين. (بلا مانع) شرعي كحيض ونفاس وإحرام وصوم واعتكاف. (ولا نكرة فيه): أي في الإيلاج من الزوجين بأن أقرا به أو لم يعلم منهما إقرار ولا إنكار، فإن أنكرا أو أحدهما لم تحل. (مع علم خلوة) بينهما (ولو بامرأتين) لا إن لم تعلم، ولا يكفي مجرد تصادقهما عليها، (و) مع علم (زوجة فقط) بالوطء احترازاً من النائمة والمغمى عليها والمجنونة، ولا يشترط علم الزوج كمجنون، (لا) تحل المبتوتة (بفاسد) أي بنكاح فاسد (إن لم يثبت بعده) أي بعد الدخول، فتحل (بوطء ثان) بعد الأول الذي حصل به الثبوت ومثل للفاسد الذي لا يثبت بالدخول بقوله:(كمحلل) وهو من تزوجها بقصد تحليلها لغيره إذا نوى مفارقتها بعد وطئها، أو لا نية له، بل (وإن نوى الإمساك) أي إمساكها وعدم فراغها على تقدير (إن أعجبته)، فلا يحلها وهو نكاح فاسد على كل حال، ويفسخ أبداً بطلقة بائنة للاختلاف فيه.

ولا يضر إلا نية الزوج المحلل. (ونيتها): أي المرأة التحليل للأول (كالمطلق) لها ولو اتفقا على أنها تتزوج بزيد ليحللها (لغو) لا أثر لها؛ فلا تضر في التحليل إذا لم يقصدها المحلل.

(و) حرم على المالك ذكراً أو أنثى (ملكه): أي تزويجه فلا يتزوج الذكر أمته ولا الأنثى عبدها للإجماع على أن الزوجية والملك لا يجتمعان

ــ

مرة واحدة يكون رجعياً وينسبه لأشهب قال أشياخنا هي نسبة باطلة وأشهب بريء منها.

قوله: [بالنسبة للحر]: أي ولو كانت زوجته أمة، وقوله، أو اثنتين للعبد أي ولو كانت زوجته حرة.

قوله: [حال كونها بالغاً]: أي سواء كان حراً أو عبداً، فإذا عقد عليها عبد ولو ملكاً للزوج بإذن سيده، وكان بالغاً وأولج فيها حشفته فقد حلت، فلو كان ملكاً للزوج ووهبه لها بعد الإيلاج انفسخ النكاح، وكان لمطلقها العقد عليها بعد العدة.

قوله: [لا صبياً] إلخ: وعند الشافعية يكفي الصبي، ومن هنا الملفقة واحتياجها لقاضيين بعقد [1] شافعي، ويطلق مالكي المصلحة [2] لرفع الخلاف وإلا فالتلفيق كاف بدونهما، لكنها لا تناسب الاحتياط في الفروج كذا في المجموع، وسمعت من أشياخنا قديما التشنيع على من يفعلها.

قوله: [وصوم]: أي سواء كان واجباً أو تطوعاً كما هو ظاهر المدونة والموازية، وقال ابن الماجشون: الوطء في الحيض والإحرام والصيام يحلها، وقيل إن محل المنع في صوم رمضان والنذر المعين، وأما الوطء فيما عداهما كصيام التطوع والقضاء والنذر غير المعين، فإنه يحلها اتفاقاً واختاره اللخمي كذا في التوضيح نقله البناني، قال في حاشية الأصل: ووجه ما قاله اللخمي أن الصيام يفسد بمجرد الملاقاة فبقية الوطء لا منع فيه، بخلاف رمضان والنذر المعين فإن للزمن المعين حرمة. اهـ.

قوله: [فإن أنكرا أو أحدهما] إلخ: أي سواء كان ذلك قبل الطلاق أو بعده ولو بعد طول ما لم يحصل تصادق عليه قبل الإنكار، وإلا فلا عبرة بالإنكار كما لا عبرة بتصادقهما بعد الإنكار.

قوله: [ولا يشترط علم الزوج]: أي على المعتمد.

قوله: [فتحل بوطء ثان]: أي وفي حلها بالوطء الأول الذي حصل به الثبوت بناء على أن النزع وطء، وعدم حلها بذلك بناء على أنه ليس بوطء، وهو الأحوط هنا تردد الأشياخ.

قوله: [فلا يحلها]: أي خلافاً للحنفية فإنه يحلها عندهم ويثاب على ذلك، ولو اشترط التحليل عليه في صلب العقد، وقالت الشافعية لا يضر إلا الشرط في صلب العقد، فلو اتفقوا عليه قبل العقد لا يضر.

قوله: [ويفسخ أبداً]: أي ولها المسمى بالدخول، وقيل مهر المثل نظراً إلى أن العقد على وجه التحليل أثر خللاً في الصداق، وهذا القول الثاني ضعيف وإن كان موافقاً للقواعد كما قال شيخ مشايخنا العدوي.

قوله: [بطلقة بائنة]: اعلم أنه إن تزوجها بشرط التحليل أو بغير شرط لكنه أقر به قبل العقد فالفسخ بغير طلاق، وإن أقر به بعده فالفسخ بطلاق كما في التوضيح، وابن عرفة، قال الباجي: وعندي أنه يدخله الخلاف في النكاح الفاسد المختلف فيه، هل بطلاق أم لا؟ وهو تخريج ظاهر كذا في (بن) وما قاله الباجي هو الذي مشى عليه الشارح.

تنبيه: تقبل دعوى المبتوتة الطارئة من بلد بعيد يعسر عليها إثبات دعواها التزوج للمشقة التي تلحقها في الإثبات بالبينة كالحاضرة بالبلد المأمونة إن بعد ما بينه وبين دعواها التزوج بحيث يمكن موت الشهود، واندراس العلم، وفي قبول قول غير المأمونة مع البعد قولان كذا في الأصل.

قوله: [وحرم على المالك]: لما كان من موانع النكاح الرق وهو قسمان ما يمنع مطلقاً وما يمنع من

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(يعقد).

[2]

كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(للمصلحة).

ص: 403

لتنافي الحقوق إذ الأمة لا حق لها في الوطء ولا في القسمة، بخلاف الزوجة وليست نفقتها كالزوجة ولا الخدمة كالزوجة (أو ملك فرعه) فلا يصح نكاح ذكر أو أنثى مملوك ولده الذكر أو الأنثى وإن سفل.

(وفسخ) أبداً إن وقع، (وإن طرأ) ملكه أو ملك فرعه بعد التزويج بشراء أو هبة أو صدقة أو إرث؛ كما لو اشترى الزوج زوجته أو الزوجة زوجها أو اشتراها أو اشتراه فرع كل (بلا طلاق) لأنه من المجمع على فساده (وملك أب) وإن علا (أمة ولده) الذكر أو الأنثى (بتلذذه) أي الأب بها بوطء أو مقدماته (بالقيمة) يوم التلذذ، ويتبع بها في ذمته إن أعدم وتباع عليه في عدمه إن لم تحمل (وحرمت عليهما) معاً (إن وطئاها) معاً بأن وطئها الابن قبل وطء أبيه أو بعده وكذا [1] التلذذ بدون وطء، فإن لم يتلذذ بها الابن حرمت عليه فقط (وعتقت) ناجزاً (على من أولدها منهما)، لأن كل أم ولد حرم وطؤها نجز عتقها (و) حرم (أمة غير أصله): أي يحرم على الذكر أن يتزوج بأمة غير مملوكة لآبائه ولا أمهاته بالشروط الآتية خشية رقية ولده لمالك أمه، ولذا لو كانت [2] أمة أبيه أو أمه أو [3] جده أو جدته

ــ

جهة شرع في ذلك وبدأ بالأول.

قوله: [لتنافي الحقوق]: أي لأنها تطالبه بحقوق الزوجية وهو يطالبها بحقوق الرقية، فيصير عائلاً ومعولاً وآمراً ومأموراً فتأمل.

قوله: [فلا يصح نكاح ذكر] إلخ: أي لقوة الشبهة التي للأصل في مال فرعه، وسواء كان الأصل حراً أو عبداً. والحاصل أن المراد بالفرع ما يشمل ولد البنت وهو ما يفيده كلام الأجهوري والقلشاني وزروق، وصوبه (بن) خلافاً لـ (عب) من أن الحرمة قاصرة على غير ولد البنت، لأنه ابن رجل آخر كما قال الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

ونحوه للتتائي. كذا في الحاشية الأصل.

قوله: [أو الزوجة زوجها]: أي ولو كان طرو ملكها لزوجها بدفع مال منها لسيده فيعتقه عنها، ومثل دفع المال ما لو سألته أو رغبته في أن يعتقه عنها ففعل، فإنه يقدر دخوله في ملكها، بخلاف ما لو سألته أو رغبته في عتقه من غير دفع مال، ومن غير تعيين عن نفسها فأعتقه ولو عنها فلا ينفسخ، ومثله في عدم الفسخ لو اشترت أمة زوجها بغير إذن سيده، فرد السيد ذلك أو قصد سيد العبد والزوجة الحرة أو الأمة المملوكة لسيد الزوج ببيع زوجها، لها الفسخ لنكاحه، فلا ينفسخ معاملة بنقيض القصد، وكذا لو قصد ذلك سيده فقط كما استظهره ابن عرفة. وكذلك لو وهب السيد زوجة مملوكة له بقصد أن ينزعها منه ولم يقبل الهبة العبد، فإن الهبة لا تتم مع القصد المذكور، ولا يفسخ النكاح كذا في الأصل.

قوله: [بلا طلاق]: أي وهل له بعد فسخ النكاح وطؤها بالملك قبل الاستبراء أو لا بد من الاستبراء قبل وطئها؟ قولان لابن القاسم وأشهب، وسبب الخلاف ما يأتي أنها هل تصير أم ولد بالحمل السابق على الشراء أو لا تصير به أم ولد؟ فقال ابن القاسم: تصير به أم ولد فلا حاجة إلى الاستبراء، وقال أشهب: لا تصير به أم ولد وحينئذ فتحتاج للاستبراء.

قوله: [وملك] إلخ: حاصله أن الأب وإن علا يملك جارية ولده وإن سفل صغيراً كان أو كبيراً ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً بمجرد تلذذه بها بجماع أو مقدماته لشبهة الأب في مال الولد، لكن لا مجاناً بل بالقيمة يوم التلذذ وإن لم تحمل، وإن كان الأب عبداً كانت القيمة جناية في رقبته يخير سيده في إسلامه لولده في تلك القيمة أو فدائه بدفع القيمة لولده من عنده، وإذا أسلمه سيده لولده عتق عليه ولا حد على الأب في وطئه للشبهة في مال الولد، وحيث ملكها الأب بتلذذه فله وطؤها بعد استبرائها من مائه الفاسد، إن لم يكن استبرأها قبل وطئه الفاسد خوفاً من أن تكون حاملاً من أجنبي، وأما لو استبرأها قبل وطئه الفاسد فلا استبراء عليه ثانياً وهذا كله إذا لم يتلذذ الابن بها قبل الأب، وإلا فلا يجوز للأب وطؤها مطلقاً استبرأها أو لا لحرمتها عليهما كما قال المصنف.

قوله: [وتباع عليه في عدمه إن لم تحمل]: أي وإلا فلا يجوز بيعها وبقيت له أم ولد، وحيث جاز بيعها إن لم تحمل فللابن أن يتمسك بها، فإن باعها الأب في هذه الحالة وزاد الثمن على القيمة كانت الزيادة للأب، وإن نقص الثمن عنها كان النقص عليه. والحاصل أن الجارية إذا لم تحمل إن كان الأب ملياً تعين أخذ القيمة منه وليس للولد أخذها، وإن كان معدماً خير بين أخذها في القيمة وبين إتباعه بها فتباع عليه فيها، فالزائد له والنقص عليه هذا هو المشهور.

قوله: [وحرمت عليهما معاً]: أي حيث وطئاها وكان الابن بالغاً وإلا فلا تحرم على الأب لأن وطء الصغير لا يحرم، بخلاف عقد نكاحه فإنه ينشر الحرمة.

قوله: [وعتقت ناجزاً على من أولدها] إلخ: فإن ولدت من كل عتقت على السابق منهما، فإن وطئاها بطهر ولم توجد قافة تعين ألحق بهما وعتقت عليهما كما لو ألحقته بهما.

تنبيه: يكره للعبد تزوج ابنة سيده إذ هو ليس من مكارم الأخلاق، فلربما مات السيد فترثه فيفسخ النكاح، كذا في الأصل.

قوله: [بالشروط الآتية]: أي وهي كونه حراً ويولد له ولم يخش العنت

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

زاد بعده في ط المعارف: «أو بعده» .

[2]

في ط المعارف: «كان» .

[3]

ليست في ط المعارف.

ص: 404

لم يحرم، لتخلق ولده على الحرية.

وإنما يحرم على الذكر تزويج أمة غير أصله (إن كان حراً يولد له منها) وأما العبد فيحل له تزويج الأمة مطلقاً، كانت لسيده أو لغيره، خشي على نفسه العنت أم لا، كانت مملوكة لأبيه أو أمه أم لا، فالخطاب في قوله تعالى:{ومن لم يستطع منكم طولا} [النساء: 25] إلخ للأحرار، ومفهوم:"يولد له": أن الحر الذي لا يولد له كخصي ومجبوب وعقيم لا يحرم عليه نكاح الأمة لانتفاء علة استرقاق ولده، وأما العبد فلما كان ناقصاً بالرق فلا عار عليه في استرقاق ولده، لأن ذلك ليس بأكثر من رق نفسه، فجاز له نكاح الأمة على كل حال، والحر لحرمته ليس له ذلك مع الاستغناء عنه، وقوله:"منها"، احتراز مما إذا كان لا يولد له منها لعقمها مثلاً فيجوز، وإن كان يولد له من غيرها (إلا إذا خشي) على نفسه (العنت) أي: الزنا فيها أو في غيرها (ولم يجد لحرة ولا كتابية طولاً) أي: ما ينكحها به من عين أو عرض.

والشرط الثاني هو الأول في قوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً} [النساء: 25] والأول هو الثاني في الآية في قوله تعالى: {ذلك لمن خشي العنت منكم} [النساء: 25].

فقوله: "ولم يجد" تفسير لـ "من لم يستطع" وقوله: "لحرة" إلخ تفسير للمحصنات، وقوله:(وهي مسلمة) تفسير للمؤمنات احترازاً من الكافرة فلا يجوز نكاحها.

(وخيرت) زوجة (حرة) لا أمة (مع) زوج (حر) لا عبد (ألفت): أي وجدت الحرة مع زوجها الحر زوجة (أمة) تزوجها قبل الحرة بوجه جائز، ولم تعلم بها الحرة حين العقد عليها أو علمت (بواحدة) من الإماء، (فوجدت) معه (أكثر في نفسها) متعلق بخيرت: أي تخير في المسألتين في أن تختار نفسها (بطلقة بائنة)، فإن وقعت أكثر فليس لها ذلك ولم يلزمه إلا واحدة أو ترضى بالمقام معه فلا خيار لها بعد (كتزويج أمة عليها) أي على الحرة فهي عكس ما قبلها، أو على أمة رضيت بها الحرة أولاً فلها الخيار المذكور.

(ولا تبوأ أمة) منزلاً: أي ليس لها ولا لزوجها إفرادها عن سيدها بمنزل لما فيه من إبطال حق سيدها من الخدمة، أو غالبها، بل يأتيها زوجها ببيت سيدها لقضاء وطره (بلا شرط أو عرف)، وإلا فيقضى به ولا كلام لسيدها، (وللسيد السفر) والبيع لمن يسافر (بمن لم تبوأ)، وإن طال السفر، ويقال لزوجها: سافر معها إن شئت (إلا لشرط أو عرف)، كما أن المبوأة ليس لسيدها سفر بها إلا لشرط أو عرف فيعمل به (و) للسيد (أن يضع صداقها) عن الزوج قبل الدخول، (إلا ربع دينار) فلا يصح إسقاطه لأنه حق لله لا تحل الفروج إلا به، وأما بعد الدخول فله إسقاط الجميع (و) له (أخذه) أي صداق أمته (لنفسه) ولو قبل الدخول،

ــ

ووجد للحرائر طولاً.

قوله: [لم يحرم]: أي حيث كان أصله المالك لها حراً لأنه لو كان رقيقاً لكان الولد رقيقاً للسيد الأعلى.

قوله: [إلا إذا أخشي [1]]: ظاهره ولو توهماً لأن الخشية تصدق بالوهم، ولكن قال في حاشية الأصل: الظاهر أن المراد به الشك فما فوقه وهو الظن والجزم لما يلزمه على تزويج الأمة من رقية الولد فلا يقدم عليه بالأمر الوهمي.

قوله: [ولم يجد لحرة] إلخ: اعلم أن أصبغ قال: الطول هو المال الذي يقدر على نكاح الأحرار به، والنفقة عليهن منه، وهو خلاف رواية محمد من أن القدرة على النفقة لا تعتبر، والراجح كلام أصبغ ويتبادر من شارحنا رواية محمد.

قوله: [من عين أو عرض]: أي أو دين على مليء وكتابة وأجرة خدمة معتق لأجل، ويستثنى من العرض دار السكنى فليست طولاً ولو كان فيها فضل عن حاجته كما قاله الأجهوري، ودخل في العرض دابة الركوب وكتب الفقه المحتاج لها، والفرق بينهما وبين دار السكنى أن الحاجة لدار السكنى أشد من الحاجة للدابة والكتب.

قوله: [تفسير للمحصنات]: أي لأن الإحصان يطلق على معان؛ فالمراد منه هنا الحرية، وقد يطلق بمعنى العفة كما في قوله تعالى:{والذين يرمون المحصنات} [النور: 4] ويطلق بمعنى التزوج بالشروط الذي هو الإحصان المشترط في رجم الزاني والزانية.

قوله: [فلا يجوز نكاحها]: أي لأن الأمة الكافرة لا توطأ إلا بالملك.

تنبيه: لو تزوج الأمة بشرطها ثم زال المبيح لم ينفسخ نكاحه، وكذا إذا طلقها ووجد مهر الحرة فله رجعتها هذا هو المشهور بناء على المعتمد، من أن تلك الشروط في الابتداء فقط، وقيل إنها شروط في الابتداء والدوام، وعليه إذا تزوج الأمة بشروطها ثم زال المبيح انفسخ النكاح ولا تصح الرجعة.

قوله: [لا عبد]: أي فإن الحرة معه لا خيار لها لأن الأمة من نساء العبد.

قوله: [فلها الخيار المذكور]: في نفسها وإن سبقتها الحرة خيرت في الأمة.

قوله: [وللسيد أن يضع صداقها]: أي إن لم يمنعه دينها المحيط بالصداق بأن يكون أذن لها في تداينه فتحصل أن له الوضع بشرطين الأول لحق الله وهو أن لا ينقص عن ربع دينار، والثاني أن لا يمنعه دينها الذي أذن لها في تداينه.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(خشي).

ص: 405

(وإن قتلها) السيد؛ إذ لا يتهم على أنه قتلها لذلك، (أو باعها) لشخص (بمكان بعيد) يشق على زوجها الوصول إليه، فلسيدها صداقها (إلا) أن يبيعها قبل الدخول (لظالم) لا يتمكن زوجها معه من الوصول لها، فليس له أخذه ولا يلزم الزوج صداق ورده السيد إن أخذه (وسقط) الصداق عن زوج الأمة (ببيعها له) أي لزوجها (قبل البناء، ولو) كان البيع له (من حاكم لفلس) قام بسيدها (ولزوجها) أي الأمة (العزل) عنها بأن يمني خارج الفرج (إن أذنت هي وسيدها) له في العزل، أي رضيا به وهذا (إن توقع حملها؛ وإلا) يتوقع حملها، لصغرها أو إياسها أو عقمها، (فالعبرة بإذنها فقط)، فإن أذنت جاز وإلا فلا (كالحرة) العبرة بإذنها فقط دون وليها.

(و) حرمت (الكافرة) أي وطؤها حرة أو أمة بنكاح أو ملك (إلا الحرة الكتابية) فيحل نكاحها (بكره) عند الإمام، وجوزه ابن القاسم (وتأكد) الكره أي الكراهة إن تزوجها (بدار الحرب)، لأن لها قوة بها لم تكن بدار الإسلام، فربما ربت ولده على دينها ولم تبال باطلاع أبيه على ذلك.

(و) إلا (الأمة منهم) أي من أهل الكتاب فيجوز له وطؤها (بالملك فقط)، لا بنكاح فلا يجوز لمسلم، ولو خشي على نفسه الزنا أو كان عبداً ولو كان مالكها مسلماً (وقرر) زوجها الكافر أي قرر نكاحه (إن أسلم عليها) أي على الحرة الكتابية، فتكون حرة كتابية تحت مسلم، (و) قرر إن أسلم (على الأمة) الكتابية (إن عتقت)، فتكون حرة كتابية تحت مسلم أيضاً (أو أسلمت) معه فتكون أمة مسلمة تحت مسلم، ولا يشترط وجود شروط الأمة المسلمة بناء على أن الدوام ليس كالابتداء.

(كمجوسية) أي كما يقرر نكاح من أسلم على مجوسية (أسلمت) بعده (إن قرب إسلامها) من إسلامه (كالشهر) وما قرب منه، في قول بعضهم وظاهره ولو وقفت وعرض عليها الإسلام فأبته ثم أسلمت وهو أحد التأويلين، ومقابله أنه إن عرض عليها الإسلام فأبته فرق بينهما ولا يقرر عليها بعد ذلك إن أسلمت، كما لو بعد ما بين إسلامهما هذا حكم ما إذا أسلم قبلها وأفاد حكم ما إذا أسلمت قبله أو أسلما معاً بقوله:(أو أسلمت) قبله،

ــ

قوله: [وإن قتلها السيد]: أي قبل الدخول أو بعده، فإذا زوج أمته ثم قتلها فإنه يقضى له بأخذه صداقها من زوجها بنى بها أم لا، ويتكمل عليه الصداق بالقتل.

قوله: [على أنه قتلها لذلك]: أي لأجل أخذ صداقها لأن الغالب أن قيمتها أكثر من صداقها.

قوله: [وسقط الصداق] إلخ: حاصله أن السيد إذا باع الأمة المتزوجة لزوجها قبل البناء، فإن الزوج يسقط عنه صداقها، وإن قبضه السيد رده بمعنى أن الزوج يحسبه من الثمن، فلو باعها السلطان لزوجها قبل البناء لفلس السيد فهل كذلك يسقط عن الزوج الصداق؟ وهو ظاهر المدونة، واختاره شارحنا أو لا يسقط عنه وهو ما في العتبية عن ابن القاسم.

تنبيه: لو جمع حرة وأمة في عقد واحد - والحال أنه فاقد شروط زواج الأمة - بطل عقد الأمة فقط دون الحرة، ولا يخالف قولهم الصفقة إذا جمعت حلالاً وحراماً بطلت كلها، لأنه في الحرام بكل حال والأمة يجوز نكاحها في بعض الأحوال، ولذلك لو جمع بين الخمس في عقد أو المرأة ومحرمها فسد الجميع فتدبر.

قوله: [ولزوجها أي الأمة العزل]: أشعر كلامه بجواز عزل مالك الأمة عنها بغير إذنها وهو كذلك لأنه لا حق لها في الوطء.

مسألة: لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوماً، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعاً.

قوله: [إلا الحرة الكتابية]: أي سواء كانت يهودية أو نصرانية، بل ولو انتقلت اليهودية للنصرانية وبالعكس، وأما لو انتقلت اليهودية أو النصرانية للمجوسية أو الدهرية أو ما أشبه ذلك فإنه لا يجوز نكاحها، وأما لو انتقلت المجوسية لليهودية أو النصرانية فاستظهر البساطي و (ح) حل نكاح بعد الانتقال.

قوله: [وجوزه ابن القاسم]: أي وهو ظاهر الآية الكريمة، وإنما حكم مالك بالكراهة في بلد الإسلام، لأنها تتغذى بالخمر والخنزير، وتغذي ولدها به وزوجها يقبلها ويضاجعها، وليس له منعها من ذلك التغذي، ولو تضرر برائحته ولا من الذهاب للكنيسة، وقد تموت وهي حامل فتدفن في مقبرة الكفار وهي حفرة من حفر النار.

قوله: [وإلا الأمة منهم]: أي المختصة بالكتابيين من حيث إنها على دينهم، فإن نساء غيرهم لا يجوز وطؤهن بملك ولا نكاح، بخلاف أهل الكتاب فيجوز وطء حرائرهم بالنكاح وإمائهم بالملك.

قوله: [ولو كان مالكها مسلماً]: أي لأنها معرضة لملك الكافر فيسترق ولده للكافر كما تقدم.

قوله: [وقرر زوجها الكافر]: أي سواء كان كبيراً أو صغيراً.

قوله: [بناء على أن الدوام] إلخ: أي على الراجح كما تقدم.

والحاصل أن المدار في الأمة الكتابية على عتقها أو إسلامها، فإن عتقت وأسلمت صارت حرة مسلمة تحت مسلم، وإن عتقت فقط صارت حرة كتابية تحت مسلم، ولا ضرر فيه، وإن أسلمت من غير عتق صارت أمة مسلمة تحت حر مسلم ولا ضرر فيه أيضاً، بناء على أن الدوام ليس كالابتداء.

قوله: [كمجوسية] إلخ: حاصله أن المدار في المجوسية على إسلامها عتقت أم لا، فإن أسلمت وعتقت ما زادت إلا كمالاً.

قوله: [وما قرب منه]: أي بأن لا يبلغ شهرين.

ص: 406

(فأسلم في عدتها أو أسلما معاً) فيقرر عليها (وإلا) بأن أسلمت بعده ببعيد أو أسلمت قبله، وأسلم بعد خروجها من العدة (بانت) أي انفصلت منه وفرق بينهما (بلا طلاق لفساد أنكحتهم)، فإن تزوجها بعد ذلك فهي بعصمة جديدة كاملة (كطلاقهم) فإنه فاسد لا يقع فإذا طلقها ثلاثاً وأبانها عنه وأسلم (فيعقد) عليها إن شاء (إن أبانها) عنه في حال كفره (بعد) إيقاع الطلاق (الثلاث وأسلم) بعد ذلك (بلا محلل) وتكون معه بعصمة جديدة، كما لو لم يتزوج بها أصلاً، لما علمت من عدم صحة طلاقهم وجرى خلاف فيما إذا طلقها ثلاثاً حال كفره، ثم ترافعا إلينا راضيين بحكمنا، فهل يحكم الحاكم بلزوم الثلاث ويلزمهم ذلك، فإن أسلما لم تحل له إلا أن تنكح زوجاً غيره؟ أو محل الحكم بلزوم الثلاث إن كان صحيحاً في الإسلام باستيفاء الشروط والأركان؟ أو لا يلزمه الحاكم الثلاث وإنما يلزمه الفراق مجملاً؟ أو لا يلزمه شيئاً أصلاً ولا يتعرض لهم؟ تأويلات أربعة ذكرها الشيخ، لكن إذا قلنا: إن أنكحتهم فاسدة كطلاقهم (فالحكم بالطلاق إن ترافعا إلينا) حال كفرهما، بحيث لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، بعد الإسلام (مشكل) إذ كيف يحكم بصحة ما هو فاسد حتى تترتب ثمرة الصحة بعد الإسلام؟ وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر ورضاهم بحكمنا لا يؤثر شيئاً. وقوله تعالى:{فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} [المائدة: 42] محله فيما لا تتوقف صحته على الإسلام كالجنايات والمعاملات.

(و) لو أسلم كافر وتحته نساء كثيرة أو من يحرم جمعهن (اختار أربعاً)، أي له اختيار أربع منهن (إن أسلم على أكثر) من أربع، (وإن كن) أي المختارات (أواخر) في العقد، أو عقد على الجميع في عقد واحد بنى بهن أو لا وإن شاء اختار أقل من أربع أو لم يختر شيئاً.

(و) اختار (إحدى كأختين) أو إحدى كأخوات

ــ

قوله: [فأسلم في عدتها]: يؤخذ منه أن هناك دخولاً لأنه إن لم يحصل دخول فلا يقر عليها إلا إذا أسلما معاً حقيقة أو حكماً بأن جاءانا مسلمين.

قوله: [إن أبانها عنه]: أي أخرجها من حوزه، وأما إن لم يخرجها من حوزه وأسلم فإنه يقر عليها، ولا حاجة للعقد، ولو تلفظ بالطلاق الثلاث حال الكفر وفي ذلك ما حكاه في المجموع عن شب بقوله:

وما واطئ بعد الطلاق تجيزه

بلا رجعة منه وذو الوطء مسلم

وأضاف له في المجموع عند عدم الاحتياج إلى محلل مع البينونة قوله:

وزوجة شخص قد أبان ثلاثة

وليست عليه قبل زوج تحرم

قوله: [تأويلات أربعة]: الأول منها لابن شبلون، والثاني لابن أبي زيد، والثالث للقابسي، والرابع لابن الكاتب، واستظهره عياض ومحل هذا الخلاف إذا ترافعوا إلينا، وقالوا لنا احكموا بيننا بحكم الإسلام في أهل الإسلام، أو على أهل الإسلام، فلا فرق بين في وعلى على الصواب، أو بحكم الإسلام على أهل الكفر، أو في أهل الكفر، وأما لو قالوا احكموا بيننا بحكم أهل الإسلام في طلاق الكفر، أو بما يجب على الكافر عندكم، حكم بعدم لزوم الطلاق لأنه إنما يصح طلاق المسلم، وأما لو قالوا احكموا بيننا بحكم الطلاق الواقع بين المسلمين حكم بالطلاق الثلاث ويمنع من مراجعتها إلا بعد زوج، وأما لو قال: احكموا بيننا بما يجب في ديننا أو بما في التوراة فإننا نطردهم ولا نحكم بينهم كذا في الحاشية.

قوله: [وهل يصلح العطار] إلخ: هذا عجز بيت من بحر الطويل، وأجزاؤه فعولن مفاعيلن أربع مرات وهو من جملة أبيات قالها بعضهم وهي:

عجوز تمنت أن تكون فتية

وقد يبس الجنبان واحدودب الظهر

تروح إلى العطار تبغي شبابها

وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر

بنيت بها قبل المحاق بليلة

فكان محاقاً كله ذلك الشهر

وما غرني إلا الخضاب بكفها

وحمرة خديها وأثوابها الصفر

تنبيه: يمضي صداق الكفار الفاسد إن وقع العقد عليه، أو على إسقاط المهر إن قبض الفاسد، وحصل دخول فيهما ويقران إذا أسلما لأن الزوجة مكنت من نفسها في وقت يجوز لها في زعمها، وأما إن لم يحصل قبض ولا دخول قبل إسلامهما فكالتفويض، فيخير الزوج بين أن يدفع لها صداق المثل ويلزمها النكاح، وبين أن لا يدفعه فتقع الفرقة بطلقة بائنة ولا شيء عليه إن لم ترض بما فرض، وهل محل مضي صداقهم الفاسد أو الإسقاط إذا استحلوه في دينهم، فإن لم يستحلوه لم يمض أو يمضي مطلقاً؟ تأويلان.

قوله: [ولو أسلم كافر] إلخ: أي سواء كان قبل إسلامه كتابياً أو مجوسياً والحال أنه أسلم وهو بالغ عاقل، وأما غيره فيختار له وليه، فإن لم يكن له ولي اختار له الحاكم سلطاناً أو قاضياً.

قوله: [اختار أربعاً]: أي ولو كان في حال اختياره مريضاً أو محرماً ولو كانت المختارة أمة وهو واجد للحرائر طولاً لأن الاختيار كرجعة.

قوله: [أو أخر [1] في العقد]: أي خلافاً لأبي حنيفة القائل بتعين اختيار الأوائل دون الأواخر، ومحل الاختيار المذكور إن كن أسلمن معه أو كن

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(أواخر).

ص: 407

من كل محرمتي الجمع (مطلقاً) متأخرة أو متقدمة عقد عليهما معاً أو مترتبتين دخل بهما أو بإحداهما أو لم يدخل، فالطلاق راجع للمسألتين (و) اختار (أماً أو بنتها [1]) وفارق الأخرى (إن لم يمسهما) أي لم يتلذذ بواحدة منهما، تقدمت المختارة في العقد أو تأخرت أو كانا في عقد واحد، (وإلا) بأن مسهما معاً (حرمتا، وإن مس إحداهما تعينت) للإبقاء إن شاء (وحرمت الأخرى) أبداً.

(والاختيار) فيما ذكر يكون (بصريح لفظ) كاخترت فلانة وفلانة، (أو بطلاق) لأن الطلاق إنما يقع على زوجة، فإذا طلق واحدة معينة كان له اختيار ثلاثة من البواقي، وإن طلق أربعاً لم يكن له اختيار شيء من البواقي (أو ظهار) فإن قال: فلانة علي كظهر أمي كان له اختيار ثلاثة على ما تقدم (أو إيلاء) لأنه لا يكون إلا في زوجة، فإذا قال: والله لا أطؤها أكثر من أربعة أشهر كان مختاراً لها، (أو وطء) فإذا وطئ واحدة أو أكثر بعد إسلامه كانت الموطوءة مختارة، فإن وطئ أكثر من أربع فالعبرة بالأول (لا بفسخت نكاحها)، فلا يعد اختياراً (فيختار غيرها) أي فله اختيار غير من فسخ نكاحها، فإذا كن عشرة -فسخ نكاح ستة منهن- كان له اختيار الأربعة البواقي والفرق بينه وبين الطلاق أن الطلاق لا يكون إلا في زوجة كما تقدم، ولو بفاسد مختلف فيه، وأما الفسخ فيكون في الفاسد المجمع عليه.

(ولا شيء) من الصداق (لغير مختارة لم يدخل بها)، ولمن دخل بها جميع صداقها للمسيس اختارها أم لا، ومن طلقها قبل الدخول فلها نصف الصداق، لأن الطلاق اختيار ولو طلق العشرة قبل البناء لكان لهن أربعة أنصاف أصدقة بصداقين، وكذا إذا فارقهن بلا اختيار، إذ في عصمته شرعاً أربعة نسوة يفض على العشرة لعدم التعيين، وإذا قسم اثنان على عشرة ناب كل واحدة خمس صداقها.

(ومنع) النكاح (مرض مخوف) يتوقع منه الموت عادة (بأحدهما) أي الزوجين وأولى بهما معاً (وإن احتاج) المريض منهما إلى الزواج لإنفاق أو غيره،

ــ

كتابيات، وأما المجوسيات الباقيات على كفرهن فلا يتأتى فيهن اختيار، بل هن عدم.

قوله: [من كل محرمتي الجمع]: أي غير الأم وابنتها كما سيأتي.

قوله: [وحرمت الأخرى أبداً]: فإن كانت الممسوسة البنت تعين بقاؤها وحرمت عليه الأم اتفاقاً، وإن كانت الممسوسة الأم تعين بقاؤها وحرمت البنت على مذهب المدونة، ومقابله يقول مس الأم كـ لا مس.

تنبيه: لا يتزوج فرعه ولا أصله من فارقها حيث مسها لأن مسها بمنزلة العقد الصحيح، والعقد الصحيح يحرمها على أصله وفرعه.

قوله: [أو بطلاق]: فإن كان قبل الدخول كان بائناً لأن النكاح وإن كان فاسداً بحسب الأصل لكن صححه إسلامه، وإن كان بعد الدخول عمل بمقتضاه من كونه رجعياً أو غيره.

قوله: [أو ظهار] إلخ: أي لأن الظهار والإيلاء لا يكونان إلا في الزوجة. واختلف في الإيلاء هل هو اختيار مطلقاً؟ وهو ظاهر كلام المصنف، ورجحه ابن عرفة، أو إنما هو إن أقت كـ والله لا أطؤك إلا بعد خمسة أشهر مثلاً، أو قيد بمحل كـ لا أطؤك إلا في بلد كذا وإلا فلا يعد اختياراً لأنه يكون في الأجنبية. قال في حاشية الأصل: والظاهر أن اللعان من الرجل فقط يعد اختياراً ومن المرأة لا يعد اختياراً، وأما لعانهما معاً فيكون فسخاً للنكاح فلا يكون اختياراً.

قوله: [أو وطء]: هذا مستفاد مما قبله بالأولى لأنه إذا كان ما يقطع العصمة يحصل به الاختيار فأولى الوطء المترتب على وجودها، وسواء نوى بذلك الوطء الاختيار أم لا، لأنه إن نوى به الاختيار فظاهر وإن لم ينوه لو لم يصرفه لجانب الاختيار لتعين صرفه لجانب الزنا وفي الحديث:«ادرءوا الحدود بالشبهات» .

تنبيه: إن اختار أربعاً فظهر أنهن أخوات فله اختيار واحدة منهن ويكمل الأربعة ممن بقي ما لم يتزوجن ويتلذذ بهن الثاني غير عالم، بأن من فارقها له اختيارها بظهور أن من اختارهن أخوات قياساً على ذات الوليين، وإن لم يتلذذ أصلاً أو تلذذ عالماً بما ذكر فلا يفوت اختياره لها فتأمل.

قوله: [ولا شيء من الصداق لغير مختارة] إلخ: أي لأن نكاحه فسخ قبل البناء وما كان كذلك فلا شيء فيه.

قوله: [وكذا إذا فارقهن]: أي قبل البناء لأنه إذا فارقهن بعد البناء كان لكل صداقها كاملاً، وأما إن مات قبل الدخول ولم يختر شيئاً منهن فلهن أربعة أصدقة تقسم بينهن، فإذا كن عشرة فلكل واحدة خمسا صداقها بنسبة قسم أربعة على عشرة، وإذا كن ستاً كان لكل واحدة ثلثا صداقها ولا إرث لمن أسلمت منهن إن مات مسلماً قبل أن يختار، وتخلف أربع كتابيات حرائر عن الإسلام لاحتمال أنه كان يختارهن، فوقع الشك في سبب الإرث، ولا إرث مع الشك فلو تخلف عن الإسلام دونهن فالإرث للمسلمات، لأن الغالب فيمن اعتاد الأربع فأكثر أن لا يقتصر على أقل.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: «ابنتها» .

ص: 408

(أو أذن الوارث) للمريض منهما في التزويج، وقيل: إن احتاج المريض أو أذن له الوارث جاز وعلة المنع: أن فيه إدخال وارث، فإن وقع فسخ قبل الدخول وبعده ما لم يصح المريض كما يأتي، والأولى تقديمه هنا ليرتب عليه قوله:(وللمريضة) المتزوجة في مرضها (بالدخول) عليها (المسمى) إذا فسخ بعده، لأنه من المختلف فيه. وفسخ لعقده ولم يؤثر خللاً في الصداق، ومثل فسخه بعد البناء موته أو موتها قبله فلها المسمى، وتقدم أنه لا إرث بينهما، وإن كان من المختلف فيه لأن علة فساده إدخال الوارث (وعلى المريض) المتزوج في مرضه المخوف إن مات من مرضه قبل فسخه (الأقل من ثلثه) أي ثلث ماله، (و) من (المسمى، و) من (صداق المثل)؛ فإذا مات عن ثلاثين والمسمى أحد عشر وصداق مثلها خمسة عشر كان لها عشرة، ولو كان المسمى أو صداق المثل ثمانية كان لها الثمانية، ولو كان المسمى وصداق المثل عشرة لاستوى الجميع وكان لها عشرة، فإن فسخ قبل الدخول لم يكن لها شيء كما تقدم. (وعجل بالفسخ) متى اطلع عليه قبل البناء أو بعده (إلا أن يصح المريض منهما) فلا يفسخ، وقد تقدم أيضاً.

(ومنع) المرض (نكاحه) أي المريض (الكتابية) نصرانية أو يهودية فهو أشمل من قوله: "النصرانية"، (و) منع نكاحه (الأمة على الأصح) لجواز إسلام الكتابية، وعتق الأمة فيصيران من أهل الإرث ويفسخ قبل البناء وبعده ما لم يصح، واختار اللخمي عدم المنع لندور الإسلام والعتق.

ثم شرع في بيان الصداق وشروطه وأحكامه فقال (والصداق) بفتح الصاد -وقد تكسر- ويسمى مهراً أيضاً: وهو ما يجعل للزوجة في نظير الاستمتاع بها، والاتفاق على إسقاطه مفسد العقد، ويشترط فيه شروط الثمن من كونه متمولاً طاهراً منتفعاً به مقدوراً على تسليمه معلوماً كما سيأتي بيانه، وإلى ذلك أشار بقوله:(كالثمن) إلا أنه لبنائه على المكارمة قد يغتفر فيه ما لا يغتفر في الثمن كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

(وأقله ربع دينار) ذهباً شرعياً (أو ثلاثة دراهم) فضة (خالصة) من الغش، فلا يجزئ بأقل من ذلك وأكثره لا حد له (أو مقوم بها) أي [1] أو عرض مقوم بربع دينار أو ثلاثة دراهم أي قيمته ذلك، ثم بين ما يقوم بهما بقوله:(من كل متمول) شرعاً من عرض أو حيوان أو عقار (طاهر) لا نجس إذ لا يقع به تقويم شرعاً (منتفع به) إذ غيره -كعبد أشرف على الموت- لا يقع به تقويم،

ــ

قوله: [أو أذن الوارث]: أي لاحتمال موت ذلك الوارث، ويكون الوارث غيره فلذلك كان إذنه بمنزلة العدم.

قوله: [وعلى المريض] إلخ: أي ولو كانت هي مريضة أيضاً، والفرق بين مرضها فقط ومرضه، حيث قلتم في الأول بلزوم المسمى من رأس المال بموت أحدهما، وقلتم في الثاني بلزوم الأقل أن الزوج في الأول صحيح فتبرعه معتبر، بخلاف الثاني فلذلك كان في الثلث، واختلف هل تقدم بينة الصحة على بينة المرض أو العكس أو الأعدل منهما؟ أقوال ثلاثة. ذكرها في المعيار كذا في حاشية الأصل.

قوله: [قبل فسخه]: أي سواء دخل أو لم يدخل. وأما إن فسخ بعد الدخول ثم مات أو صح كان لها المسمى تأخذه من ثلثه مبدأ إن مات، ومن رأس ماله، إن صح.

قوله: [وعجل بالفسخ]: أي وجوباً بناء على المشهور من فساده مطلقاً وإن احتاج أو أذن الوارث.

قوله: [إلا أن يصح المريض] إلخ: أي أو يحكم حاكم يرى الصحة.

قوله: [واختار اللخمي] إلخ: هو ضعيف والمعول عليه الأول.

قوله: [ثم شرع في بيان الصداق]: لما فرغ من الكلام على أركان النكاح الثلاث الولي والمحل والصيغة، شرع في الكلام على الركن الرابع وهو الصداق، مأخوذ من الصدق ضد الكذب لأن دخوله بينهما دليل على صدقهما في موافقة الشرع، ومعنى كونه ركناً أنه لا يصح اشتراط إسقاطه لا أنه يشترط تسميته عند العقد، فلا يرد صحة نكاح التفويض ولما كان الصداق من تمام الأركان قدمه على فصل الخيار مخالفاً للشيخ خليل، لأن الخيار حكم يطرأ بعد استيفاء الأركان فرضي الله عن الجميع وعنا بهم.

قوله: [بفتح الصاد]: أي وهو الأفصح.

قوله: [قد يغتفر فيه]: أي لأن الغرر في هذا الباب أوسع من الغرر في البيع، ألا ترى أنه يجوز النكاح على الشورة، أو على عدد من رقيق، أو على أن يجهزها جهاز مثلها فالتشبيه في الجملة.

قوله: [فلا يجزئ بأقل من ذلك]: خلافاً للشافعية القائلين بإجزائه ولو خاتماً من حديد، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم:«التمس ولو خاتماً من حديد» ، وقالت الحنفية: أقله عشرة دراهم.

قوله: [وأكثره لا حد له]: أي لقوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا} [النساء: 20]

قوله: [أي قيمته ذلك]: أي فلا بد أن تكون قيمته مساوية أحد الأمرين، وإن لم تساو الآخر لاختلاف صرف الوقت، فالمضر النقص عنهما معاً كما يأتي.

قوله: [كعبد أشرف على الموت]: ظاهره أنه لا يجوز بيعه في هذه الحالة ولا دفعه صداقاً وإن لم يأخذ في السياق، ولكن سيأتي أن المعتمد جواز بيعه ودفعه صداقاً إن لم يأخذ في السياق، وقول خليل:"لا كمحرم أشرف" في محترزات شروط

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 409

وكآلة لهو لأن المراد ما ينتفع به شرعاً أي ما يحل الانتفاع به، (مقدور على تسليمه) للزوجة، (معلوم) قدراً وصنفاً وأجلاً (لا) إن لم يكن متمولاً (كقصاص) وجب للزوج عليها فتزوجها على تركه فيفسخ قبل الدخول، فإن دخل ثبت بصداق المثل ويرجع للدية وأدخلت الكاف الحر، وتراباً لا بال له، والسمسرة كأن يتزوجها ليكون سمساراً في بيع سلعة لها (و) لا ما لا يملك شرعاً (كخمر وخنزير) مع ما في الخمر من النجاسة، ولا نجس كروث دواب (و) لا غير مقدور على تسليمه (كآبق)، ولا بما فيه غرر كعبد فلان وجنين (وثمرة لم يبد صلاحها على التبقية) للطيب، وأما على أخذها من هذا الوقت فيغتفر وإن كان لا يصح بيعه، ولا مجهول كشيء أو ثوب لم يوصف، أو دنانير ولم يبين قدرها، أو بينه ولم يبين الأجل، أو على عبد من عبيده يختاره هو لا هي لاحتمال اختياره الأدنى أو الأعلى.

ومثل لما يجوز الصداق به بقوله: (كعبد) من عبيده المعلومين (تختاره هي) للدخول على أنها لا تختار إلا الأحسن فلا غرر، (لا هو) فلا يجوز له؛ لأنه لا يدرى هل يختار الأحسن أو الأدنى.

(وجاز) الصداق بما فيه يسير غرر أو جهالة لبنائه على المكارمة، بخلاف البيع كما لو وقع بثمرة لم يبد صلاحها على الجدو (بشَوْرَة) بفتح الشين المعجمة: متاع البيت (معروفة) عندهم: أي جهاز معلوم بينهم (و) جاز على (عدد) معلوم كعشرة (من كإبل ورقيق و) جاز على (صداق مثل) أي: يتزوجها بصداق مثلها (ولها) إن وقع بما ذكر (الوسط) من الشورة والعدد وصداق المثل (و) جاز (تأجيله): أي الصداق كلاً أو بعضاً (للدخول إن علم) وقت الدخول عندهم كالنيل أو الصيف لا إن لم يعلم

ــ

البيع يأتي أنه ضعيف.

قوله: [وكآلة لهو]: أي فلا يصح دفعها صداقاً إن لم يكن جوهرها بقطع النظر عن كونها للهو يساوي أقل الصداق وإلا أجزأ.

قوله: [ويرجع للدية]: أي للزوم العفو بمجرد التراضي على جعله صداقاً.

قوله: [ليكون سمساراً] إلخ: أي وأما لو جعلت له شيئاً يساوي ربع دينار في نظير السمسرة فاستحقه فله جعله صداقاً.

قوله: [فيغتفر]: أي وإن لم توجد شروط البيع التي اشترطت في بيع الثمر قبل بدو صلاحه وهي ثلاثة إن نفع واضطر له ولم يتمالؤوا عليه.

قوله: [أو بينه ولم يبين الأجل]: أي وأما لو بينه والأجل ولم يبين السكة، وكانت السكة متعددة فإنها تعطى من السكة الغالية يوم العقد، فإن تساوت أخذت من جميعها بالسوية كمتزوج برقيق لم يذكر أحمر ولا أسود.

قوله: [تختاره هي]: أي أنه يجوز أن يقول لها أتزوجك بعبد تختارينه إذا كان لذلك الزوج عبيد مملوكة له، وكانت معينة حاضرة أو غائبة، ووصفت كما يجوز أن يقول للمشتري أبيعك على البت عبداً تختاره أنت بكذا بالشروط المذكورة.

قوله: [لأنه لا يدرى]: أي ولا يقال يتعين أن يختار الأدنى لجواز أن يختار الأعلى لعلو همته مثلاً فجاء الغرر. إن قلت إن الغرر موجود في كلتا الحالتين، والغالب أن كلاً يختار الأحظ لنفسه فهي تختار الأعلى وهو يختار الأدنى، فالتفرقة بينهما تحكم ولكن الفقه مسلم.

قوله: [كما لو وقع بثمرة] إلخ: أي وإن لم توجد شروط البيع.

قوله: [بفتح الشين] إلخ: أي وأما بضمها فهي الجمال، فإذا قال لها أتزوجك بالشوار فينظرها لها إن كانت حضرية أو بدوية، ويقضي بشوار مثلها لمثله، بخلاف البيع فلا يجوز أن تكون الشورة ثمناً.

قوله: [كعشرة من كإبل]: أي أنه يجوز على عدد من الإبل في الذمة غير موصوف وعلى عدد من البقر أو الغنم أو الرقيق كذلك، بخلاف الشجر فلا يجوز النكاح على عدد منه ولو وصف كما هو ظاهر كلام ابن عبد السلام، قال الأشياخ: ولعل الفرق بين الحيوان والشجر أن الشجر في الذمة يقتضي وصفها نصاً أو عرفاً، ووصفها يستدعي وصف مكانها فيؤدي إلى السلم في معين.

قوله: [الوسط من الشورة والعدد]: أي وسط ما يتناكح به الناس من الحيوانات، ولا ينظر إلى كسب البلد، وقيل وسط من الأسنان من كسب البلد، ورجحه جد الأجهوري ثم وسط الأسنان يكون من الجيد والرديء والمتوسط، فيراعى الوسط في ذلك فيكون لها وسط الوسط من الأسنان لا أعلى الوسط ولا أدناه ويعلم ذلك بالقيمة وتعتبر القيمة يوم العقد. فإذا كان في البلد بيض وحبش وسود يؤخذ من الأغلب، ثم يعتبر الوسط في السن وفي الجودة والرداءة، فإن لم يكن أغلب أخذ من جميعها بالسوية، ويعتبر السن والجودة والرداءة، ويؤخذ وسط الوسط، والإبل إن كانت نوعاً في الموضع كبخت أو عراب فالأمر ظاهر، وإن كانت نوعين كبخت وعراب فيجري فيهما ما جرى في الرقيق إذا كان من نوعين، فيؤخذ الأغلب وإلا فمن كل ويعتبر الوسط في السن والجودة، والرداءة على ما تبين كذا في الحاشية.

قوله: [وصداق المثل]: الظاهر كما قال الأشياخ أن المراد بالوسط بالنسبة له على حسب الرغبة في الأوصاف التي تعتبر في صداق المثل من الجمال والحسب.

ص: 410

فيفسخ قبل البناء، ويثبت بعده بصداق المثل (و) جاز تأجيله (إلى الميسرة إن كان) الزوج (ملياً) بأن كان له سلع يرصد بها الأسواق، أو له معلوم في وقف أو وظيفة لا إن كان معدماً ويفسخ قبل الدخول لمزيد الجهالة (و) جاز (على هبة العبد) الذي يملكه (لفلان و) جاز على (عتق) من يعتق عليها (كأبيها) وأخيها (عنها) والولاء لها، (أو) عتقه (عن نفسه): أي الزوج والولاء له لأنه يقدر دخوله في ملكها، ثم هبته أو عتقه.

(ووجب) على الزوج (تسليمه) عاجلاً لها أو لوليها (إن تعين) كعبد أو ثوب بعينه، إن طلبت الزوجة تعجيله، ولو كان الزوج صغيراً والزوجة غير مطيقة ويمنع تأخيره كمعين يتأخر قبضه في البيع ويفسد إن دخلا على تأجيله، إلا أن يقرب الأجل (أو حل) أي كان حالاً.

(وإلا) يسلم لها المعين أو حال الصداق المضمون، (فلها منع نفسها من الدخول) حتى يسلمه لها، (و) لها منع نفسها من (الوطء بعده) أي بعد الدخول، (و) لها المنع من (السفر معه) قبل الدخول (إلى تسليم) أي أن يسلمها (ما حل) من المهر أصالة، أو بعد التأجيل هذا كله إن لم يحصل وطء ولا تمكين منه.

(لا بعد الوطء) أو التمكين منه، فإن سلمت نفسها له -وطئ أو لم يطأ- فليس لها منع بعد ذلك من وطء ولا سفر معه موسراً كان أو معسراً، وإنما لها المطالبة به فقط ورفعه للحاكم كالمدين.

(إلا إن استحق [1]) الصداق من يدها بعد الوطء فلها المنع بعد الاستحقاق

ــ

تنبيه:

هل يشترط بيان صنف الرقيق تقليلاً للغرر كحبشي مثلاً، فإن لم يذكر فسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل، وقيل بالوسط من ذلك الصنف أو لا يشترط ذكر الصنف منه وتعطى من الوسط الأغلب إن كان، فإن لم يكن أغلب وثم صنفان أعطيت من وسط كل صنف نصفه، فإن كانت الأصناف الثلاثة فثلثه وهكذا؟ قولان على حد سواء، وأما غير الرقيق من إبل وبقر وغنم ففيه قولان المعتمد منهما عدم اشتراط ذكره، والفرق بين الرقيق وغيره كثرة الاختلاف في أصناف الرقيق بخلاف غيره، كذا في الحاشية، ويقضى للمرأة بالإناث من الرقيق إن أطلق العدد ولم يبين ذكوراً ولا إناثاً بخلاف غيره فلا يقضى لها بالإناث عند الإطلاق ولا عهدة في هذا الرقيق المجعول صداقاً كما يأتي مع نظائره في باب الخيار، فهي من جملة المسائل التي لا عهدة فيها مع جريان العادة بها ما لم تشترط. وأما عهدة الإسلام وهي درك المبيع من عيب أو استحقاق فلا بد منها.

قوله: [فيفسخ قبل البناء]: أي على المشهور، ومقابله جواز ذلك وإن لم يكن وقت الدخول معلوماً، لأن الدخول بيد المرأة فهو كالحال متى شاءت أخذته كما هو ظاهر كلام محمد.

قوله: [إلى الميسرة]: أي بالفعل، وقوله:[إن كان ملياً] أي بالقوة فاندفع ما يقال إن في كلامه تناقضاً لأن التأجيل للميسرة يقتضي أنه غير مليء.

تنبيه: إذا تزوجها بالصداق وأجله إلى أن تطلبه المرأة منه فهل هو كتأجيله للميسرة فيكون جائزاً أو كتأجيله بموت أو فراق فيكون ممنوعاً؟ قولان الأول لابن القاسم، والثاني لابن الماجشون.

قوله: [وجاز على هبة العبد] إلخ: فلو طلقها قبل البناء رجع بنصف العبد وصار العبد مشتركاً بين الزوج والموهوب له، وإن فات في يد الموهوب له تبعه بنصف قيمته، ولا يتبع المرأة بشيء.

قوله: [لأنه يقدر دخوله] إلخ: أي لأجل صحة النكاح فليس فيه دخول على إسقاطه.

إن قلت إذا تزوجها بعتق أبيها عنها كيف يقدر ملكها له مع أنه يعتق عليها؟ أجيب بأن تقدير ملكه فرضي لا يوجب العتق حتى يتعطل تملكها له.

قوله: [ووجب على الزوج] إلخ: هذا إذا كان الصداق حاضراً في مجلس العقد وما في حكمه، وسيأتي حكم الغائب.

قوله: [كمعين يتأخر قبضه]: أي فلا يجوز تأخير تسليم المعين بعد العقد عليه لما يلحق ذلك من الغرر، لأنه لا يدري كيف يقدم لإمكان هلاكه قبل قبضه، ومحل امتناع التأخير إذا كان بشرط وإلا فلا، كما في (بن) ويفيده الشارح.

قوله: [ويفسد إن دخلا] إلخ: هذا الكلام يقتضي أن التعجيل حق لله، وأنه يفسد العقد بالتأخير وهذا إنما يتأتى إذا وقع العقد بشرط التأخير، وأما إن لم يشترط فالحق لها في تعجيل المعين ولها التأخير إذ لا محظور فيه لدخوله في ضمانها بالعقد، وهذا ظاهر كلامهم قاله (ر).

وحاصل فقه المسألة أن الصداق إذا كان من العروض أو الرقيق أو الحيوان أو الأصول فإن كان غائباً عن بلد العقد صح النكاح إن أجل قبضه بأجل قريب بحيث لا يتغير فيه غالباً وإلا فسد النكاح وإن كان حاضراً في البلد وجب تسليمه لها أو لوليها يوم العقد، ولا يجوز تأخيره ولو رضيت بذلك حيث اشترط التأخير في صلب العقد، وإن لم يشترط كان تعجيله من حقها، وإن رضيت بالتأخير جاز اهـ من حاشية الأصل.

قوله: [فلها منع نفسها من الدخول] إلخ: أي لأنها بائعة والبائع له منع سلعته حتى يقبض الثمن.

قوله: [أو التمكين منه]: أي كما في التوضيح عن ابن عبد السلام، والذي ارتضاه ابن عرفة أنه لا يسقط منعها إلا الوطء بالفعل كذا في حاشية الأصل.

قوله: [فليس لها منع] إلخ: هذا هو المعتمد.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: «يستحق» .

ص: 411

وقبل تمكينها بعده حتى يسلمها بدله إن غرها بأن علم أنه لا يملكه، بل (ولو لم يغر) لاعتقاده أنه يملكه بأن ورثه أو اشتراه.

(ومن بادر) منهما ببذل ما عنده (أجبر له الآخر) إن امتنع أو ماطل، وهذا (إن بلغ) الزوج (وأمكن وطؤها) أي الزوجة، فإن لم يبلغ لم تجبر له الزوجة، وإذا لم يمكن وطؤها لصغرها لم يجبر الزوج بدفع ما حل من الصداق (وتمهل) أي وإذا كانت مطيقة ودفع الزوج ما وجب عليه من الصداق وقلنا (بجبرها له) فإنها تمهل زمناً (قدر ما يهيئ مثلها) فاعل يهيئ أي بقدر ما يحصل مثلها (أمرها) من الجهاز، وهو يختلف باختلاف الناس والزمن (إلا ليمين منه) ليدخلن عليها الليلة مثلاً، فإنه يجاب لذلك ويقضى عليها بالدخول فيها، وظاهره ولو كان يميناً بالله يمكن تكفيره (لا) تمهل (لحيض ونفاس)، أي لا يقضى لها بالتأخير لانقطاع دم حيض أو نفاس، بل يقضى عليها بالدخول حال تلبسها بأحدهما لجواز استمتاعه بما عدا ما بين السرة والركبة.

(وإن) طالبته قبل الدخول أو بعده وقبل التمكين بحال الصداق المضمون، فـ (ادعى) الزوج (العسر) ولا مال له ظاهر ولا بينة تشهد بعسره (أجل لإثباته) أي العسر (ثلاثة أسابيع) قال ابن عرفة: ليس هذا تحديداً لازماً بل هو استحسان لاتفاق قضاة قرطبة وغيرهم عليه، وهو موكول لاجتهاد الحاكم. انتهى.

(فإن أثبته): أي العسر في أثنائها أو بعد تمامها وحلف (تلوم له) بعد إثباته (بالنظر) من الحاكم (ولو لم يرج) له مال، (ثم) إن لم يأت به (طلق عليه) إذا لم ترض بالمقام منه وانتظاره.

(ووجب) عليه (نصفه) أي الصداق في ذمته لكونه قبل إذ لا طلاق بعد الدخول بعسر صداق، (بخلاف العيب) بها أو به يفسخ قبل البناء فلا شيء فيه، فلو كان له مال ظاهر أخذ منه كالمعين، فإن شهدت له بينة بعسره حال دعواه العسر تلوم له بالنظر من أول الأمر، فإن كان ظاهر الملاء حبس حتى يثبت عسره.

ولما كان للصداق ثلاثة أحوال؛ يسقط تارة كما في الرد بالعيب قبل البناء وكما في نكاح التفويض إذا طلق أو مات قبله، ويتشطر تارة وسيأتي، ويتكمل تارة وذلك في ثلاث حالات أشار لها بقوله:

ــ

قوله: [وقبل تمكينها بعده]: أي بعد الاستحقاق، فإن مكنته بعده فليس لها المنع.

قوله [ببذل ما عنده]: أي بأن دفع الزوج ما حل من الصداق وطلب الدخول فامتنعت، وكانت مطيقة للوطء والزوج بالغ فإنها تجبر على أن تمكنه من نفسها، وكذا لو بادرت بالتمكين من نفسها وهي مطيقة للوطء، وأبي الزوج أن يدخل عليها وامتنع من دفع الصداق حتى يدخل بها، وهو بالغ، فإنه يجبر لها وهذا كله إذا كان الصداق غير معين، أما لو كان معيناً فلا يشترط بلوغ ولا إطاقة، بل يجب تعجيله كما مر.

قوله: [فإنها تمهل زمناً] إلخ: أي وكذا يمهل هو بقدر ما يهيئ مثله أمره ولا نفقة لها في مدة التهيئة، وما يكتب في وثائق النكاح من نحو قولهم وفرض لها في نظير نفقتها كل يوم كذا من يوم تاريخه لا عبرة به إلا أن يحكم به من يراه.

قوله: [إلا اليمين [1] منه] إلخ: فلو حلف ليدخلن الليلة وحلفت هي على عدم الدخول حتى تهيئ أمرها، فينبغي أن يحنث الزوج لأنها حلفت على حقها، وإن كان هو أيضاً صاحب حق لكن حقها أصلي اهـ تقرير العلامة العدوي.

تنبيه: تجاب الزوجة للإمهال ولدفع الزوج ما عليه سنة إن اشترطت عند العقد على الزوج لتغربة أو صغر يمكن معه الوطء، وأما إن اشترطت بعد العقد أو كان لا لتغربة أو صغر يمكن، بطل الشرط كما إذا اشترط أكثر من سنة كذا في الأصل.

قوله: [أجل لإثباته] إلخ: حاصله أنها إذا طلبته بالمضمون قبل الدخول، وادعى العدم فإن الحاكم يؤجله لإثبات عسرته، ثم يتلوم له لعله يحصل له يسار، ثم يطلق عليه بشروط خمسة: أن لا تصدقه في دعواه العدم، وأن لا يقيم بينة على صدقه، وأن لا يكون له مال ظاهر، وأن لا يغلب على الظن عسره، وأن يجري النفقة عليها من يوم دعائه للدخول، فإن صدقته في دعواه العدم أو أقام بينة به، فإنه يتلوم له من أول الأمر بالنظر، ولا يؤجل لإثبات عسره، وكذا إن كان مما يغلب على الظن عسره كالبقال، وأما إن كان له مال ظاهر أخذ منه حالاً، وإن لم يجر النفقة عليها من يوم دعائه للدخول فلها الفسخ لعدم النفقة مع عدم الصداق على الراجح قوله:[ثلاثة أسابيع]: ستة فستة فستة فثلاثة، لأن الأسواق تتعدد في غالب البلاد مرتين في كل ستة أيام فربما اتجر بسوقين فربح بقدر المهر، كذا في الأصل تبعا للتوضيح، والذي في المتيطي وابن عرفة ثمانية ثم ستة ثم أربعة ثم ثلاثة كما في (ح).

قوله: [في ذمته]: أي فيتبع به إذا أيسر لتقرره في ذمته بمجرد العقد.

قوله: [بخلاف العيب]: أي إذا رد أحد الزوجين صاحبه بعيب من العيوب الآتية في الخيار، فإنه لا شيء لها على الزوج إذا كان الرد قبل البناء كما يأتي.

قوله: [حبس حتى يثبت عسره]: أي حيث لم يسأل الصبر بحميل ولو بالوجه لما سيأتي في المديان أنه يحبس لثبوت عسره إن جهل حاله ما لم يسأل الصبر بحميل بالوجه، ويخرج المجهول إن طال حبسه بقدر الدين والشخص فيجري

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(ليمين).

ص: 412

(وتكمل) الصداق المسمى أو صداق المثل (بوطء وإن حرم) كما لو وطئها في زمن حيض أو اعتكاف أو إحرام.

(و) بسبب (إقامة سنة) ببيت الزوج ولو لم يطأها ولا تلذذ بها (إن بلغ وأطاقت) الوطء، وإلا فلا؛ تنزيلاً لإقامتها السنة عنده بشرطها منزلة الوطء.

(وبموت أحدهما): أي الزوجين قبل الدخول (إن سمى) صداقاً بخلاف التفويض فلا شيء فيه بالموت قبل البناء.

(و) لو تنازعا في الوطء -فادعى عدمه وخالفته- (صدقت) بيمين (في خلوة الاهتداء)، لأنه قل أن يخلو فيها أحد من الوطء، (وإن) كانت متلبسة (بمانع شرعي) كحيض وإحرام، (أو) كانت (صغيرة أو أمة) فأولى الكبيرة والحرة فإن نكلت حلف الزوج لرد دعواها ولزمه النصف إن طلق، وإن نكل غرم الجميع فإن كانت صغيرة فلا يتوجه عليها يمين وحلف هو وغرم النصف، فإذا بلغت حلفت على طبق دعواها وأخذت النصف الباقي، فإن نكلت فلا شيء لها منه وتثبت الخلوة ولو بامرأتين أو باتفاقهما عليها.

(و) إن زار أحدهما الآخر وتنازعا في الوطء صدق (الزائر منهما) بيمين، فإن زارته صدقت أنه وطئها ولا عبرة بإنكاره، وإن زارها صدق في نفيه ولا عبرة بدعواها الوطء، لأن له جراءة عليها في بيته دون بيتها؛ فليس المراد أن الزائر يصدق مطلقاً في النفي والإثبات، بل المراد ما علمت، فإن كانا معاً زائرين صدق في نفيه كما يرشد له التعليل.

ثم شرع في بيان حكم ما إذا فقدت شروط الصداق أو بعضها من فسخ وعدمه وما يترتب على ذلك فقال (وفسد) النكاح (إن نقص) الصداق (عما ذكر) من ربع دينار شرعي، أو ثلاثة دراهم شرعية

ــ

مثله هنا كما في الحاشية.

قوله [وتكمل الصداق] إلخ: إنما عبر بقوله: وتكمل ولم يقل وتقرر كما قال خليل اقتصاراً على المشهور من أنها تملك بالعقد النصف، وقوله: بوطء أي ولو حكماً كدخول العنين والمجبوب والمعترض. قوله: [أو إحرام]: ومثله الوطء في الدبر ولو بقيت بكارتها حينئذ فلو أزال البكارة بأصبعه فإن طلقها قبل البناء فلها نصف الصداق مع أرش البكارة وبعده لها الصداق فقط ويندرج أرش البكارة في الصداق كذا في سماع أصبغ عن ابن القاسم وهو المعتمد والذي في سماع عيسى أنه يلزمه بافتضاضه إياها بأصبعه كل المهر وفي (ح) نقلا عن النوادر إذا افتض الرجل زوجته فماتت، روى ابن القاسم عن مالك: إن علم أنها ماتت منه فعليه ديتها وهو كالخطأ صغيرة كانت أو كبيرة، وعليه في الصغيرة الأدب إن لم تكن بلغت حد ذلك، وقال ابن الماجشون: لا دية عليه في الكبيرة ودية الصغيرة على عاقلته ويؤدب في التي لا يوطأ مثلها اهـ من حاشية الأصل.

قوله: [وبسبب إقامة سنة]: ظاهره ولو كان الزوج عبداً، وقال بعض أشياخ الأجهوري: ينبغي أن يعتبر في العبد إقامة نصف سنة ولا وجه له إذا ليس لهذا شبه بالحدود أصلاً.

قوله: [وبموت أحدهما] إلخ: ظاهره كان الموت متيقناً أو بحكم الشرع وهو كذلك كما نقله الجيزي في وثائقه عن مالك، وهذا في النكاح الصحيح وفي الفاسد لعقده إذا لم يؤثر خللاً في الصداق، وكان مختلفاً فيه كنكاح المحرم بحج أو عمرة، وشمل قوله موت أحدهما من قتلت نفسها كرهاً في زوجها أو قتل السيد أمته المتزوجة فلا يسقط الصداق عن زوجها، ويبقى النظر في قتل المرأة زوجها هل تعامل بنقيض مقصودها، ولا يتكمل صداقها أو يتكمل، واستظهر في الحاشية أن لا يتكمل لها لاتهامها، ولئلا يكون ذريعة لقتل النساء أزواجهن.

قوله: [فلا شيء فيه بالموت قبل البناء]: أي وقبل الفرض، وأما إذا مات واحد بعد الفرض فهو كنكاح التسمية.

قوله: [في خلوة الاهتداء]: من الهدوء والسكون لأن كل واحد من الزوجين سكن للآخر واطمأن إليه، وخلوة الاهتداء هي المعروفة عندهم بإرخاء الستور، كان هناك إرخاء ستور، أو غلق باب أو غيره.

والحاصل أن الزوج إذا اختلى بزوجته خلوة اهتداء ثم طلقها وتنازعا في المسيس، فقال الزوج: ما أصبتها، وقالت هي: بل أصابني: فإنها تصدق في ذلك بيمين كانت بكراً أو ثيباً، كان الزوج صالحاً أو لا، وهذا إذا اتفقا على الخلوة أو ثبتت ولو بامرأتين كما قال الشارح، وأما إن اختلفا فيها فقال ابن عرفة إن أنكرها صدق بيمين، فإن نكل غرم جميع. الصداق كذا في الحاشية.

قوله: [وإن نكل غرم الجميع]: أي لأن الخلوة بمنزلة شاهد ونكوله بمنزلة شاهد آخر.

قوله: [وحلف هو غرم النصف]: فإن نكل غرم جميع الصداق وليس له تحليفها إذا بلغت.

قوله: [حلف على طبق دعواها]: فلو ماتت قبل البلوغ ورث عنها وحلف وارثها ما كانت تحلفه كما جزم به الخرشي.

قوله: [فإن كانا معاً زائرين] إلخ: أي وأما لو اختليا في بيت أو فلاة من الأرض وليس أحدهما زائراً فتصدق المرأة في دعواها الوطء لأن الرجل ينشط فيه.

تنبيه: إن أقر بالوطء فقط أخذ به إن كانت غير رشيدة فيلزمه جميع الصداق، وهل كذلك الرشيدة، فيؤاخذ به ولا عبرة بإنكارها، أو لا يؤاخذ به في الرشيدة إلا إن أكذبت نفسها ورجعت لقوله وهو باق على إقراره؟ قولان.

قوله: [شروط الصداق]: أي الخمسة وهي كونه طاهراً منتفعاً به مقدوراً على تسليمه معلوماً متمولاً.

قوله: [إن نقص الصداق عما ذكر]: اعلم أن أقل الصداق

ص: 413

خالصة من غش، أو ما يقوم بأحدهما، وإن نقص عن قيمة الآخر.

ولما كان الفساد يوهم وجوب الفسخ قبل الدخول ولو أتمه، ويوجب صداق المثل بعده -كما هو قاعدة الفاسد لصداقه- وأنه لا شيء فيه إن طلق قبل الدخول، مع أن فيه نصف المسمى بين المراد وأن إطلاق الفاسد على ما نقص عما ذكر فيه تسمح بقوله:(وأتمه إن دخل): أي أنه إذا غفل عنه حتى دخل لزمه إتمامه ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته ذلك لصحة النكاح، ولا يلزمه صداق المثل على القاعدة. (وإلا) يدخل بأن عثر عليه قبل الدخول (فسخ إن لم يتمه) فإن أتمه فلا فسخ وإن أبى من إتمامه فسخ، (ولها نصفه) أي نصف ما سماه؛ فإن سمى لها درهمين فلها درهم.

والحاصل: أنه إن دخل لزمه إتمامه ولا سبيل لفسخه، وإن لم يدخل قيل له: إما أن تتمه ربع دينار أو ثلاثة دراهم لصحة النكاح، وإلا فسخناه بطلاق ولها نصف المسمى. (أو) وقع (بما لا يملك) شرعاً (كخمر) وخنزير، (و) إنسان (حر) فيفسخ قبل الدخول متى عثر عليه، ولا شيء فيه ويثبت بعده بصداق المثل فلا سبيل لفسخه.

(أو) وقع العقد (بإسقاطه): أي الصداق؛ أي على شرط إسقاطه فيكون فاسداً يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل.

(أو) وقع بغير متمول (كقصاص) ثبت له عليها أو على وليها مثلاً فتزوجها على أن يسقط لها حقه في القصاص، ففاسد يفسخ قبله، ويثبت بعده بصداق المثل، وله الرجوع للدية لأنه أسقط على شيء لم يتم له شرعاً، وسقط القصاص.

(أو) تزوجها على ما لا قدرة له على تسليمه لها في الحال كآبق أو شارد، أو (دار فلان) أو عبده مثلاً، ويفسخ قبل ويثبت بعد بصداق المثل أي على أنه يشتري لها دار فلان ويجعلها صداقاً إذ قد لا يبيعها له.

(أو) بصداق (بعضه) أجل (لأجل مجهول) كموت أو فراق أو قدوم زيد ولا يعلم وقت قدومه ففاسد يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بالأكثر من المسمى الحلال وصداق المثل، ولا يلتفت للمسمى الحرام فيلغى، وما أجل بأجل مجهول حرام كما سيأتي في الشغار.

(أو لم يقيد لأجل) بزمن بأن قيل: المعجل كذا والمؤجل كذا ولم يبين الأجل ولم يكن عرف بالتأجيل وإلا كان صحيحاً. وحمل عليه وإذا لم يبين ولم يكن عرف فسخ قبل البناء وثبت بعده بصداق المثل وأما لو قال: متى شئت، أو إلى أن تطلبيه، فالمنقول عن ابن القاسم أنه إن كان ملياً جاز كـ إلى الميسرة، وأما لو ذكر الصداق ولم يذكر حلول ولا أجل فيحمل على الحلول والنكاح صحيح. (أو) قيد بأجل بعيد جداً كما لو قيد (بخمسين سنة) فيفسخ قبل البناء، ويثبت بعده بصداق المثل لأنه مظنة للدخول على إسقاط الصداق، قال بعضهم: هذه العلة تفيد أن محل الفساد إذا أجل كله. أو عجل منه من ربع دينار؛ وأما لو عجل منه ربع دينار أو أكثر فصحيح فانظره. انتهى.

ــ

على المشهور ربع دينار، أو ثلاثة دراهم خالصة من الفضة، أو ما يساوي أحدهما من العروض ولا حد لأكثره، ومقابل المشهور ما نقل عن ابن وهب من إجازته بدرهم، ونقل عنه أيضاً أنه لا حد لأقله.

قوله: [خالصة من غش]: أي فلا تجزئ المغشوشة ولو راجت رواج الكاملة.

قوله: [فسخ إن لم يتمه]: أي تعرض للفسخ وليس فاسداً بالفعل وإلا احتاج لتجديد عبد آخر كمن تزوج بخمر أو خنزير.

قوله: [كخمر وخنزير]: أي ولو كانت الزوجة التي تزوجها بالخمر أو الخنزير كتابية، ولو قبضت ذلك واستهلكته عند ابن القاسم، وقال أشهب: لها والحالة هذه ربع دينار، اللخمي وهو أحسن لأن حقها في الصداق سقط بقبضها لأنها استحلته، وبقي حق الله. كذا في الحاشية.

قوله: [كقصاص]: أدخلت الكاف ما أشبهه مما هو غير متمول كتزويجه بأمة على أن يجعل عتقها صداقها، وما ورد من أنه عليه الصلاة والسلام «تزوج صفية وجعل عتقها صداقها» فهو من خصوصياته، أو أنه لم يصحبه عمل أهل المدينة.

قوله: [وله الرجوع للدية]: أي لدية العمد وسواء فسخ النكاح قبل الدخول أو دخل وله العفو مجاناً وليس له الرجوع للقصاص بحال.

قوله: [أو دار فلان]: أي أو سمسرتها بأن يتزوجها على أن يشتري لها دار فلان من مالها، ويجعل سمسرته فيها صداقاً لها، وإنما منع النكاح بما ذكر لكثرة الغرر لأنه لا يدري هل يبيعها ربها أم لا، وهل تباع في يوم أو أكثر، ومحل الفساد فيها إذا تزوجها بالسمسرة قبل البيع، وأما بعده فصحيح لأنه حق مالي ثبت له عليها حيث كان يساوي ربع دينار فأكثر، كما تقدم.

قوله: [أو بصداق بعضه أجل] إلخ: أي وبعضه الآخر حال أو أجل بأجل معلوم ومحل الفساد في صورة المصنف ما لم يحكم بصحته حاكم يرى ذلك كالحنفي، وإلا كان صحيحاً لأن تأجيله عنده بالموت أو الفراق معمول به.

قوله: [بصداق المثل]: صوابه بالأكثر من المسمى الحلال وصداق المثل.

قوله: [متى شئت]: بكسر التاء لا بضمها فلا يجوز.

قوله: [فالمنقول عن ابن القاسم]: أي وأما القول بعدم الجواز فلابن الماجشون وأصبغ.

قوله: [فيحمل على الحلول] إلخ: نحوه في المدونة خلافاً لأبي الحسن الصغير.

قوله: [قال بعضهم] إلخ: مراده به (بن)، وظاهر كلامهم أن التأجيل بخمسين مفسد ولو كانا صغيرين يبلغه

ص: 414

(أو) وقع الصداق (بمعين) عقار أو غيره (بعيد) جداً (كخراسان) مدينة بالعجم في أقصى المشرق (من الأندلس) بأقصى المغرب، لأن الشأن أن لا يدرك المعين على حاله وقت العقد فيكون من الغرر.

(وجاز) بمعين غائب على مسافة متوسطة (كمصر من المدينة) المنورة، ومحل الجواز (إن لم يشترط الدخول) بالزوجة (قبله): أي قبل قبضه، فإن شرط الدخول قبل قبض المعين فسد وفسخ قبل الدخول، وثبت بعده بصداق المثل وهذا في غير العقار وأما العقار فلا يضر فيه الشرط المذكور؛ لأن الشأن بقاؤه على هيئته وعلم منه أن المعين القريب جداً يجوز مطلقاً شرط الدخول قبله أو لم يشترط.

(وضمنته) الزوجة أي ضمنت الصداق في النكاح الفاسد (بالقبض إن فات) بيدها بما يفوت به البيع الفاسد، فترد قيمته للزوج وترجع عليه بصداق المثل إن دخل، فإن لم يفت ردته بعينه وإن دخل في الفاسد لعقده مضى بالمسمى.

(أو) أي وفسد النكاح إن وقع صداقه (بمغصوب) أو مسروق (علماه) معاً فيفسخ قبل البناء، ويثبت بعد بصداق المثل (لا) إن علم بغصبه (أحدهما) فقط فلا يفسخ، وترجع بقيمة المقوم ومثل المثلي.

(أو) وقع (باجتماعه مع بيع) في عقد واحد كبعتك هذه السلعة وزوجتك بنتي بمائة، أو دفع الزوج لها سلعة كدار صداقاً على أن يأخذ منها مائة، أو دفعت للزوج داراً على أن يدفع لها مائة في نظير الصداق والدار.

ومثل البيع القراض والقرض والشركة والصرف والمساقاة والجعالة لا يصح اجتماعها مع النكاح في عقد واحد.

(أو وهبت) بالبناء للمفعول و (نفسها) نائب فاعل: يعني أن الولي إذا وهب بنته لرجل على أن يستمتع بها بلا صداق، أو أن المرأة قالت لرجل: وهبتك نفسي، وقال الولي: أمضيت ذلك، وشهدت الشهود على ذلك؛ فإنه يكون فاسداً يفسخ قبل الدخول.

(وثبت بعد البناء بالمثل) أي بصداق المثل؛ للدخول على إسقاط المهر، نقله في التوضيح عن ابن حبيب قال: واعترضه الباجي وقال: بل يفسخ قبل الدخول وبعده وهو زنا يحدان فيه، وينتفي عنه الولد. اهـ أي لأن تمليك الذات مناف للنكاح فكيف يثبت بعده بصداق المثل؟ ويجاب بأنه بمنزلة النكاح على إسقاط الصداق، وقربه له شهود البينة على الهبة فتأمل.

(أو تضمن إثباته) أي العقد (رفعه): أي إبطاله (كدفع العبد) الذي زوجه سيده بحرة أو أمة (في صداقه)، بأن جعله صداقاً لها، أو سمى لها عبداً وجعل الزوج المسمى فثبوت النكاح يتضمن ملك الصداق الذي هو الزوج وملك الزوج

ــ

عمرها، فإن نقص الأجل عن الخمسين لم يفسد النكاح، وظاهر كلامهم ولو كان النقص يسيراً جداً أو طعناً في السن جداً فتأمل.

قوله: [أو وقع الصداق بمعين]: الأولى أو وقع النكاح بصداق معين أي بالوصف، أو برؤية سابقة على العقد، وأولى إذا كان ذلك الغائب لم ير ولم يوصف.

قوله: [القريب جداً]: أي كالخمسة الأيام فدون، ومحل ما ذكر من الجواز في المتوسطة القريبة إذا كان الصداق معيناً برؤية سابقة أو بوصف، وإلا كان فاسداً، وأما البعيد جداً فالفساد فيه مطلقاً كما تقدم خلافاً لما في الخرشي عن الجيزي من تقييده بالوصف أو برؤية يتغير بعدها.

قوله: [في النكاح الفاسد]: أي في هذه الأنكحة الفاسدة لأجل الصداق كالنكاح لأجل مجهول، وبالآبق وبالبعير الشارد أو لأجل العقد، وكان فيه صداق المثل كنكاح المحلل، أو كان فيه المسمى وحصل الضمان قبل أن يدخل كما إذا قبضت الصداق قبل الدخول، وهلك بيدها، وأما لو كان فساده لعقده وكان فيه المسمى ودخل كان ضمانها للصداق بمجرد العقد كالصحيح، سواء قبضته أو كان بيد الزوج كما يؤخذ من الأجهوري.

قوله: [مضى بالمسمى]: أي سواء قبضته أم لا كما هو مقتضى الأجهوري.

قوله: [علماه معاً]: إنما يعتبر علمهما إذا كانا رشيدين وإلا فالمعتبر علم وليهما.

قوله: [وترجع بقيمة المقوم] إلخ: وإنما لم ترجع عليه بصداق المثل لدخولها على العوض حيث لم يعلم، ودخوله على ذلك حيث علم دونها، ومن المعلوم أن قيمة المقوم ومثل المثلي يقومان مقامه.

قوله: [أو وقع باجتماعه مع بيع]: المشهور في هذه المسألة أن النكاح فاسد لصداقه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل، فإذا ثبت النكاح بالدخول ثبت ما معه من البيع وغيره، وإن لم يحصل فيه مفوت ويرجع في البيع وما معه لقيمة المبيع، وبه يلغز فيقال: لنا بيع فاسد يمضي بالقيمة مع عدم مفوت في البيع كذا في الحاشية، وهذا كله في نكاح التسمية، وأما في التفويض فيجوز اجتماعه مع البيع ونحوه وهو ما ارتضاه (بن) رادا على (ر) كذا في المجموع.

قوله: [لا يصح اجتماعها] إلخ: أي لتنافر الأحكام بينهما، لأن النكاح مبني على المكارمة والبيع، وما معه على المشاحة.

قوله: [وقال الولي أمضيت ذلك]: أي وأما لو وهبت نفسها من غير إذن الولي، فإنه يفسخ النكاح أبداً باتفاق بالأولى ممن زوجت نفسها بدون ولي بمهر.

قوله: [وقربه]: أي قرب حكم الهبة كانت من الولي أو من الزوجة بإذنه، وقوله:[له] أي للنكاح على إسقاط الصداق.

قوله: [أو سمى لها عبداً]: أي كلام المصنف محتمل

ص: 415

يتضمن رفع النكاح فيفسخ قبل البناء ولا شيء فيه.

(و) إن دخل (ملكته بالدخول) لأنه من الفاسد لعقده فيملك فيه المسمى بالدخول، وإن كان لا ثبات له.

(أو كان) النكاح (شغاراً) فإنه يكون فاسداً بأنواعه الثلاثة، أشار للأول بقوله:(كزوجني) بنتك مثلاً (بمائة على أن أزوجك) ابنتي (بمائة) مثلاً فمدار الفساد على توقف إحداهما على الأخرى، تساوى المهران أم لا، وأما لو وقع على سبيل الاتفاق من غير توقف لجاز؛ (وهو): أي ما ذكر من قوله: "زوجني" إلخ، (وجهه) أي وجه الشغار يفسخ قبل، ويثبت بعد بالأكثر من المسمى وصداق المثل.

(وإن لم يسم) لواحدة منهما (فصريحه) أي الشغار، (وإن سمى لواحدة) دون الأخرى (فمركب) منهما.

(وفسخ الصريح وإن في واحدة أبداً) قبل الدخول وبعده، (وفيه): أي الصريح وإن في واحدة (بالدخول صداق المثل)، ولا شيء فيه قبله ككل فاسد مطلقاً.

(وثبت به) أي بالدخول (الوجه) أي وجه الشغار، وإن في واحدة ويفسخ قبله.

(ولها فيه) أي في الوجه (به) أي بالدخول (و) لها في (مائة و) شيء حرام (كخمر أو مائة) مع المائة الحالة مؤجلة (لمجهول كموت أو فراق الأكثر من المسمى) للمدخول بها.

(وصداق المثل ولو زاد) صداق المثل (على الجميع) أي المعلوم والمجهول كما لو كان صداق المثل مائتين وخمسين، ولو كان مائتين أخذتهما لأنهما أكثر من المسمى الحلال وهو مائة ولو كان صداق المثل تسعين أخذت المسمى وهو المائة الحلال.

(و) لو كان في المهر ما هو حال كمائة حالة وما هو مؤجل بأجل معلوم كمائة إلى سنة، وما هو مؤجل بأجل مجهول كموت أو فراق فالمجموع ثلثمائة (قدر) صداق المثل (بالمؤجل المعلوم إن كان فيه) مؤجل معلوم كما مثلنا (وألغي المجهول)، لأنه حرام، ثم يقال: ما صداق مثلها على أن فيه مائة حالة ومائة مؤجلة لسنة؟ فإن قيل: مائتان، فقد استوى المسمى الحلال وصداق المثل، وتأخذ المائتين مائة حالة ومائة مؤجلة لسنة، وإن قيل: مائة وخمسون، أخذت المسمى وهو المائتان كذلك لأنه الأكثر، وإن قيل: ثلثمائة، أخذت مائتين حالتين ومائة مؤجلة لسنة وإن لم يكن في الصداق مؤجل معلوم اعتبر الحال فقط وألغي المجهول على كل حال.

(ومضى) النكاح إن وقع (بمنفعة كدار) بالإضافة أي منفعة مثل دار أو عبد أو دابة، (أو تعليمها قرآناً) كسورة منه، (وإحجاجها، ولا فسخ) للنكاح على المشهور، قاله ابن الحاجب، وقال في الجواهر: وهو قول أكثر الأصحاب نقله المصنف في التوضيح، وعبارة ابن الحاجب وفي كونه منافع كخدمته مدة معينة أو تعليمها قرآناً منعه مالك، وكرهه ابن القاسم، وأجازه أصبغ، وإن وقع مضى المشهور انتهى. قال في التوضيح: قوله: وإن وقع مضى على المشهور،

ــ

للصورتين.

قوله: [يتضمن رفع النكاح] إلخ: إذ لا يجوز للمرأة أن تتزوج بعبدها لأن أحكام الملك تنافي أحكام الزوجية.

قوله: [وإن كان لا ثبات له]: أي لكونه يفسخ أبداً وإن لحق به الولد، ويدرأ الحد.

قوله: [أو كان النكاح شغاراً]: الشغار في أصل اللغة رفع الكلب رجله عند البول، ثم استعمل لغة فيما يشبهه من رفع رجل المرأة عند الجماع، ثم نقله الفقهاء فاستعملوه في رفع المهر من العقد.

قوله: [وجهه]: إنما سمي وجهاً لأنه شغار من وجه دون وجه، فمن حيث إنه يسمى لكل منهما صداقاً فليس بشغار لعدم خلو العقد عن الصداق، ومن حيث توقف إحداهما على الأخرى فشغار لأن التسمية فيهما كـ لا تسمية، وأما تسمية القسم الثاني: صريحة فواضح للخلو عن الصداق. وقدم المصنف وجه الشغار اعتناء بالرد على من أجازه كالإمام أحمد ومذهب الحنفية صحة نكاح الشغار مطلقاً.

قوله: [ككل فاسد مطلقاً]: أي متفقاً على فساده أو مختلفاً فيه ما عدا المتراضعين والمتلاعنين والدرهمين.

قوله: [وإن في واحدة]: أي فالمركب منهما المسمى لها تعطي حكم وجه يفسخ نكاحها قبل البناء، ولا شيء لها ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل، والتي لم يسم لها تعطى حكم صريحه يفسخ نكاحها قبل البناء وبعده، ولها بعد البناء صداق المثل ويلحق به الولد ويدرأ الحد.

قوله: [ولو زاد صداق المثل] إلخ: رد بـ "لو" قول ابن القاسم القائل إن لها الأكثر من صداق المثل والمسمى الحلال إن لم يزد صداق المثل على جميع الحلال والحرام، فإن زاد صداق المثل عليهما فليس لها إلا الجميع تأخذه حالاً.

قوله: [قدر صداق المثل بالمؤجل المعلوم]: استشكل هذا بأن صداق المثل إنما ينظر فيه لأوصاف المرأة من مال وجمال وحسب ونسب، ولا ينظر لحلول ولا تأجيل. وأجيب بأن النظر للحلول والتأجيل عند جهل الأوصاف المذكور [1].

قوله: [أي منفعة مثل دار] إلخ: أي كأن يقول: أتزوجك بمنافع داري أو دابتي أو عبدي سنة، ويجعل تلك المنافع صداقها، وكأن يجعل صداقها خدمته لها في زرع أو بناء دار أو سفر الحج مثلاً.

قوله: [أو تعليمها قرآناً] إلخ: أي ومثله تزوجها بقراءة شيء من القرآن لها كما هو ظاهر كلام المجموع.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(المذكورة).

ص: 416

تفريع على ما نسبه لمالك من المنع، وأما على الجواز والكراهة فلا يختلف في الإمضاء، وإنما مضى على المشهور للاختلاف فيه وما شهره المصنف قال في الجواهر هو قول أكثر الأصحاب انتهى، وقيل: الإمضاء مبني على قول ابن القاسم بالكراهة، وأما على المنع فيفسخ قبل البناء، ويثبت بعده بصداق المثل ويرجع عليها بقيمة الأجرة لوقت فسخ الإجارة ولو بعد الدخول.

(وجاز نكاح التفويض) والأحب نكاح التسمية ونكاح التفويض: (عقد بلا ذكر) أي تسمية (مهر ولا) دخول على (إسقاطه)، فإن دخلا على إسقاطه فليس من التفويض بل نكاح فاسد كما تقدم، (ولا صرفه) أي الصداق (لحكم أحد فإن صرف): أي الصداق (له) أي لحكم أحد (فتحكيم): أي فهو نكاح تحكيم وهو جائز أيضاً.

(ولزمها): أي الزوجة في التفويض وكذا في التحكيم (إن فرض) الزوج (صداق المثل)، وليس لها الامتناع.

(ولا يلزمه) أي الزوج أن يفرض صداق المثل بل له أن يفرض أقل منه، فإن رضيت به؛ وإلا قيل له: إما أن تزيد وإما أن تطلق، وإن شاء طلق قبل الفرض ولا شيء عليه، وكذا لا يلزمه ما فرضه المحكم إن كان غيره، ولا يلزمه فرض صداق المثل إن كان هو المحكم ولها طلب الفرض قبل الدخول، وكره تمكينها من نفسها قبل الفرض.

(و) لو وطئها قبل الفرض (استحقته): أي صداق المثل (بالوطء) إن كان بالغاً وهي مطيقة، ولو مع مانع شرعي وليس له أن يقول: لا أفرض إلا أقل من صداق المثل.

(لا بموت) قبل البناء، وإن ثبت به الإرث، (أو طلاق) قبله (إلا أن يفرض) لها شيئاً (وترضى) به ولو ربع دينار، فلها نصفه إن طلق قبل البناء وجميعه إن مات أو ماتت فقوله:"إلا" إلخ راجع للموت والطلاق، فإن لم ترض فلا شيء لها (و) لو فرض لها الأقل فمات أو طلق قبل البناء فادعت الرضا لتأخذه في الموت ونصفه في الطلاق ونازعها الوارث أو الزوج،

ــ

قوله: [تفريع على ما نسبه لمالك] إلخ: أي لدفع توهم الفساد لأن الأصل في المنع الفساد فأفادك أنه ممنوع وليس بفاسد.

قوله: [وقيل الإمضاء] إلخ: ضعيف، ولذلك اعترض على خليل وقالوا الأولى حذف قوله:"ويرجع بقيمة عمله" وأما الجعل فقال الخرشي: لا خلاف في منعه كأن يقول لها أتزوجك وأجعل مهرك إتياني لك بعبدك الآبق، فالجاعل الزوجة والمجعول له هو ذلك الزوج فهو نكاح على خيار وهو يفسخ قبل البناء لا بعده.

تنبيهان:

الأول: يكره التغالي في الصداق، وتختلف أحوال الناس فيه، فرب امرأة يكون الصداق بالنسبة لها قليلاً، وإن كان في نفسه كثيراً وبالعكس، وكذا الرجال فالمغالاة منظور فيها لحال الزوجين، وكذلك يكره الأجل في الصداق ولو ببعضه لئلا يتذرع الناس إلى النكاح بغير صداق، ويظهرون أن هناك صداقاً ولمخالفة السلف.

الثاني: لو أمر الزوج الوكيل بأن يزوجه بألف فزوجه بألفين، فإن دخل فعليه ألف وغرم الوكيل الألف الثانية، إن ثبت تعديه وإلا حلف الزوج ما أمره إلا بألف، ثم يحلف الوكيل أنه ما تعدى وضاعت الألف الثانية عليها، ومن نكل غرم وترد اليمين في دعوى التحقيق على القاعدة، والمتهم يغرم بمجرد النكول، فإن لم يدخل ورضي أحدهما بما قال الآخر لزم وإلا يرض أحدهما، فإن قامت له بينة ما أمره إلا بألف، حلفت المرأة أنها ما رضيت بها، وإن قامت لها بينة أنها ما رضيت بألف حلف أنه رضي بألفين، وإن لم تقم لواحد منهما حلفا وبدئ بالزوج، ثم يفسخ بطلاق وإن علمت الزوجة بتعدي الوكيل فقط، فيثبت النكاح بألف وبالعكس ألفان، وإن علم كل بتعدي الوكيل وعلم بعلم الآخر أو انتفى العلم عنهما معاً فألفان تغليباً لعلمه على علمها، وإن علم كل بالتعدي وعلم بعلمها فقط، ولم تعلم هي بعلمه فألف وبالعكس ألفان فمجموع الصور ست لها في صورتين ألف وفي أربع ألفان كذا في خليل وشراحه.

قوله: [وجاز نكاح التفويض]: أي يجوز الإقدام عليه بلا خلاف في ذلك.

قوله: [وإن شاء طلق قبل الفرض]: أي فللزوج في نكاح التفويض بعد العقد أحوال، إن شاء فرض صداق المثل ويلزمها ذلك، وإن شاء فرض أقل منه ولها الخيار، وإن شاء طلق قبل الفرض ولا شيء عليه كما قال الشارح.

قوله: [وكذا لا يلزمه ما فرضه المحكم]: أي ولو دون صداق المثل، وقوله إن كان غيره أي غير الزوج صادق بالأجنبي والزوجة.

قوله: [استحقته أي صداق المثل بالوطء] إلخ: حاصله أن المرأة لا تستحق صداق مثلها في نكاح التفويض إلا بالوطء ولو حراماً لا بموت أحدهما قبل الدخول، وإن كان لها الميراث ولا بطلاق قبل البناء ولو بعد إقامتها سنة فأكثر في بيت زوجها إن لم يحصل فرض وترضى به، وانظر في نكاح التحكيم هل تستحق فيه صداق المثل بالوطء أو لا تستحق إلا ما حكم به المحكم، ولو حكم به بعد موت أو طلاق فإن تعذر حكمه بكل حال كان فيه صداق المثل بالدخول.

قوله: [فإن لم ترض فلا شيء لها]

ص: 417

(لا تصدق فيه) أي في الرضا (بعدهما) أي بعد [1] الموت والطلاق بمجرد دعواها.

(وللرشيدة الرضا بدونه): أي بدون صداق المثل بعد في نكاح التفويض والتسمية ولو بربع دينار، (وللأب) في مجبرته (والسيد) في أمته الرضا بدونه (ولو بعد دخول) راجع لهما، (وللوصي) الرضا بدونه (قبله) أي قبل الدخول لا بعده، لأنه قد تقرر لها بالدخول فإسقاط بعضه بعده ليس من النظر، بخلاف الأب والسيد لقوة تصرفهما دون الوصي وظاهر قوله:"وللوصي قبله": ولو لم ترض وهو الصحيح، وظاهر المدونة أنه لا بد من رضاها به واعتمده أبو الحسن.

(فإن فرض) الزوج في نكاح التفويض لها شيئاً (في مرضه) قبل الدخول (فوصية لوارث) فتكون باطلة، فإن أجازها الوارث فعطية منه، (و) لو فرض لها أزيد من صداق مثلها وهو مريض (ردت) للوارث (زائد) مهر (المثل إن وطئ) في مرضه ثم مات، لأنه وصية لوارث إلا أن يجيزه الورثة واستحقت بالوطء مهر المثل، (فإن صح) من مرضه (لزم) الزوج جميع (ما فرضه) ولو أضعاف صداق المثل.

(ومهر المثل): هو (ما يرغب به مثله): أي الزوج (فيها) أي الزوجة (باعتبار دين): أي تدين من محافظة على أركان الدين، والعفة والصيانة من حفظ نفسها، ومالها وماله (ومال وجمال وحسب) وهو ما يعد من مفاخر الآباء من كرم وعلم وحلم ونجدة وصلاح وإمارة ونحوها، ولا بد من اعتبار النسب أيضاً هنا، (وبلد) فإنه يختلف البلاد؛ فمتى وجدت هذه الأشياء عظم مهرها. ومتى فقدت أو بعضها قل مهر مثلها. فالتي لا يعرف لها أب ولا هي ذات مال ولا جمال ولا ديانة ولا صيانة، فمهر مثلها ربع دينار. والمتصفة بجميع صفات الكمال فمهر مثلها الألوف، والمتصفة ببعضها بحسبه. وقوله:"مثله" إشارة إلى أن الزوج يعتبر حاله بالنسبة لصداق المثل أيضاً، فقد يرغب في تزويج فقير لقرابة أو صلاح أو علم أو حلم، وفي تزوج أجنبي لمال أو جاه ويختلف المهر باعتبار هذه الأحوال وجوداً وعدماً، وهذه الأوصاف تعتبر في النكاح الصحيح يوم العقد.

(واعتبرت) هذه الأوصاف (في) النكاح

ــ

الحاصل أن اشتراط الرضا محمول على ما إذا كان المفروض لها أقل من صداق المثل، وأما إن كان المفروض لها صداق المثل فلا يحتاج إلى رضاها إذ هو لازم لها تستحقه بالموت ويتشطر بالطلاق.

قوله: [لا تصدق فيه] إلخ: حاصله أن الزوج إذا ثبت أنه فرض لزوجته في نكاح التفويض دون مهر المثل، ولم يثبت رضاها به حتى طلقها أو مات عنها قبل البناء فبعد الطلاق أو الموت ادعت أنها كانت رضيت بما فرضه لها من ذلك، فإن دعواها بذلك لا تقبل إلا ببينة، فلو ثبت أنه فرض لها صداق المثل قبل الموت أو الطلاق، ولم يثبت رضاها به، فلما مات أو طلقها ادعت أنها كانت رضيت به قبل الموت أو الطلاق كان لها الجميع في الموت، والنصف في الطلاق، لما علمت أنه إذا فرض لها صداق المثل لزمها، ولا يعتبر رضاها، وأما إذا لم يثبت أنه فرض لها شيئاً قبل الموت أو الطلاق، وإنما إذا ادعت ذلك بعدهما فلا تصدق، سواء ادعت أنه فرض لها صداق المثل أو أقل.

قوله: [في نكاح التفويض والتسمية]: هذا هو الصواب، وأما قول الخرشي إنه خاص بنكاح التفويض، وأما نكاح التسمية فلا يجوز فيه الرضا بدون صداق المثل لا قبل البناء ولا بعده إلا للأب فقط، فهو غير صواب بل الرشيدة لها هبة الصداق كله أو بعضه بعد البناء وقبله، فأحرى رضاها بدون صداق المثل اهـ (بن) نقله محشي الأصل.

قوله: [وللوصي الرضا بدونه]: أي في محجورته السفيهة المولى عليها، وسواء كان مجبراً أو لا وأراد بالوصي ما عدا الأب والسيد فيشمل الوصي حقيقة، ومقدم القاضي وهذا حيث كان فيه نظر، ومصلحة لها فلو كان بغير نظر فلا يمضي، فإن أشكل الأمر حمل على أنه غير نظر بخلاف الأب فإن أفعاله محمولة على النظر حتى يظهر خلافه.

تنبيه: المهملة التي لا أب لها ولا وصي ولا مقدم من قبل القاضي ولم يعلم حالها برشد ولا بسفه لا يجوز رضاها بدون صداق المثل ولا يلزمها، فلو كانت معلومة السفه فيتفق على أنه ليس لها الرضا - كذا في الخرشي -.

قوله: [فوصية لوارث]: هذا ظاهر إن كانت الزوجة حرة مسلمة، وأما إن كانت أمة أو ذمية فقولان: فقيل يصح ذلك ويكون من الثلث لأنه وصية لغير وارث فتحاصص به أهل الوصايا، وهو قول محمد بن المواز عن مالك، أو يبطل لأنه إنما فرض لأجل الوطء ولم يحصل فليس ما وقع منه وصية بل صداق وهو قول عبد الملك بن يونس وهو أحسن.

قوله: [باعتبار دين] إلخ: اعلم أن اعتبار اتصافها بالأوصاف المذكورة إذا كانت مسلمة حرة، وأما الذمية أو الأمة فلا يعتبر اتصافها بالدين ولا بالنسب ككونها قرشية، وإنما يعتبر فيها المال والجمال والبلد.

قوله: [تعتبر في النكاح الصحيح يوم العقد]: ما ذكره من اعتبار يوم العقد في الصحيح مطلقاً ولو تفويضاً هو ظاهر المذهب كما في التوضيح، وقيل يعتبر اتصافها بالأوصاف المذكورة في نكاح التفويض يوم البناء إن دخل

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 418

(الفاسد يوم الوطء) لأنه الذي يتقرر به صداق المثل في الفاسد (كالشبهة) أي كوطء الشبهة، فإنه يعتبر صداق المثل فيه باعتبار الأوصاف يوم الوطء. (واتحد) صداق المثل في وطء الشبهة مراراً (إن اتحدت الشبهة) ولو بالنوع وذلك (كالغالط بغير عالمة) مراراً وظنها في الأولى زوجته هنداً وفي الثانية دعد فلها مهر واحد وأولى لو ظنها في كل مرة أنها هند وكذا إن ظنها في المرة الأولى أمته فلانة، وفي الثانية أمته الأخرى، وأولى إن ظنها الأولى، والموضوع أن الموطوءة غير عالمة لنوم أو إغماء أو جنون أو لظنها أنه زوجها أو سيدها. وأما العالمة بأنه أجنبي فزانية لا مهر لها وتحد.

(وإلا) تتحد الشبهة بأن تعددت -كأن يطأ غير العالمة يظنها زوجته ثم وطئها يظنها أمته- (تعدد) المهر بتعدد الوطء والظنون (كالزنا بها): أي بغير العالمة يتعدد المهر عليه بتعدد الوطء لعذرها بعدم العلم وسماه زنا بالنسبة له لا لها، (أو) الزنا (بالمكرهة) يتعدد لها المهر بتعدد الوطء على الواطئ ولو كان المكره لها غيره. والحاصل أن العالمة المختارة لا مهر لها وعليها الحد لأنها زانية، بخلاف المكرهة وغير العالمة فلها المهر، وعلم منه أربعة أقسام: علمهما معاً وهو زنا من الطرفين، علمها دونه، وهو زنا منها لا شيء لها وتحد، جهلهما معاً وفيه المهر ويتعدد إن تعددت الشبهة لا إن اتحدت، علمه دونها فهو زان وعليه المهر، ويتعدد بتعدد الوطء والمراد بالوطء: إيلاج الحشفة وإن لم ينزل كما هو ظاهر، ثم شرع يتكلم على تشطر الصداق وما ألحق به بالطلاق في النكاح الصحيح قبل الدخول فقال:(وتشطر هو): أي الصداق في نكاح التسمية أو التفويض إذا فرض صداق المثل أو ما رضيت به قبل الدخول. ومعنى تشطر: تنصف (و) تشطر (مزيد) لها على الصداق، وأبرز الضمير بقوله:"هو" لأجل عطف مزيد على الضمير المتصل في "تشطر". قال في الألفية: وإن على ضمير رفع متصل

عطفت فافصل بالضمير المنفصل

إلى آخره (له): أي لأجل الصداق (بعد العقد) متعلق بـ "مزيد"، أي أن ما يزيد على الصداق بعد العقد على أنه من الصداق، فإنه يتشطر كالصداق.

ومعنى زيادته على أنه من الصداق بأن يقال له: ما جعلته من الصداق ووقع عليه التراضي هو قليل بالنسبة للزوجة، أو تقوم قرينة على ذلك فيزيدها شيئاً عليه، سواء كان من جنسه أو غير جنسه كان مؤجلاً بأجله أم لا، وإذا كان المزيد بعد العقد يتشطر فأولى المزيد في العقد أو قبله لأنه لا يتوهم فيه أنه ليس بصداق وأشعر لفظ "مزيد" أنه من الصداق لأن المزيد على الشيء من ذلك الشيء، فقوله له:"أي لأجل الصداق" زيادة توكيد في البيان فالمزيد غير الهدية، وأما الهدية من نحو فواكه وحلوى وسكر وبن وخمار وعمامة، فإن وقعت حال العقد أو قبله تشطرت، سواء كانت لها أو لوليها أو لغيرهما كأمها وأختها وخالها، ومن ذلك الخاتم الذي يرسله لها قبل العقد وبعد الخطبة، وسواء اشترطت أو لم تشترط خلافاً لظاهر كلام الشيخ، وإن وقعت بعد العقد فإن كانت لغيرها اختص بها ذلك الغير ولا تشطير لأنها صارت صلة محضة، وإن كانت لها اختصت بها وإلى ذلك كله أشار بقوله:(و) تشطرت (هدية لها) أي للزوجة (أو لكوليها قبله) أي قبل العقد أو حال العقد، ولو لم تشترط (ولها) أي وللزوجة إذا تشطر ما أهدي لوليها ونحوه (أخذها) أي الهدية (منه)

ــ

ويوم الحكم إن لم يدخل، إذ لو شاء لطلق قبل ذلك ونقل ذلك ابن عرفة عن عياض.

قوله: [الفاسد يوم الوطء]: أي سواء كان متفقاً على فساده أو مختلفاً فيه.

قوله: [ولو بالنوع]: الباء للسببية أي إن اتحدت الشبهة بسبب اتحاد النوع أو الشخص، وذلك لأن الشبهة لا تكون متحدة إلا إذا اتحد النوع أو الشخص فما كان بالتزويج نوع وما كان بالملك نوع.

قوله: [وهو زنا من الطرفين]: أي حيث كانت مختارة وإلا لزمه المهر ولا حرمة عليها.

قوله: [علمها دونه]: هذا وما قبله يفهمان من قوله: "كالغالط بغير عالمة".

قوله: [جهلهما معاً]: هو منطوق قوله: "كالغالط بغير عالمة".

قوله: [علمه دونها]: مأخوذ من قوله: "كالزنا بها" فالأربعة مأخوذة من كلامه منطوقاً ومفهوماً. واعلم أن اتحاد الشبهة وتعددها إنما يعلم من قوله، فيقبل قوله فيهما بغير يمين.

قوله: [إيلاج الحشفة] إلخ: أي خلافاً لـ (عب) حيث قال والظاهر تبعاً لهم أن المراد بالوطء ما فيه إنزال فإنه غير صواب كما في (بن).

قوله: [وتشطر هو] إلخ: أي بالطلاق قبل البناء كما يأتي لقوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] ثم إن تشطر الصداق بالطلاق ظاهر على القول بأنها تملك بالعقد كل الصداق، وكذا على القول بأنها لا تملك بالعقد شيئاً لأن التشطير إما من ملكها أو من ملكه، وأما على القول بأنها تملك بالعقد النصف فالتشطير في الطلاق مشكل لأنه متشطر من حين العقد، إلا أن يقال المعنى تحتم تشطيره بعد أن كان معرضاً لتكميله.

قوله: [المتصل في تشطر]: أي المستتر فيه لأنه متصل وزيادة.

قوله: [في العقد]: أي في مجلسه، وقوله:[أو قبله] أي كوقت الخطبة.

قوله: [وأما الهدية] إلخ: حاصل ما ذكره أن الهدية متى كانت قبل العقد أو حينه فإنها تتشطر، سواء اشترطت أو لا كانت لها أو لغيرها، وإن كانت بعد العقد ولا يتأتى اشتراطها، فإن كانت لغيرها فلا تتشطر، وإن كانت لها اختصت بها ولا تتشطر على الراجح.

قوله: [أخذها أي الهدية منه]: حاصله أن المرأة إذا طلقت قبل

ص: 419

أي من الولي ونحوه أي لها أخذ نصفها، وللزوج أخذ نصفها الآخر، وليس المراد أنها تأخذ الجميع ثم يرجع الزوج عليها بنصفه إذ الإهداء لم يكن منها (بخلاف ما أهدي له) أي للولي ونحوه (بعده) أي بعد العقد، فليس لها أخذه منه ويختص به المهدى له (بالطلاق) متعلق بقوله "تشطر" أي يتشطر بطلاقها، (قبل الوطء) ومثل الوطء إقامة سنة ببيت زوجها، فإن طلقها قبل تمام السنة تشطر وبعد تمامها تقرر كله عليه كما تقدم.

(لا ما أهدى) عطف على مزيد أي لا يتشطر ما أهدى للزوجة أو غيرها (بعد العقد) وقبل البناء على الراجح من القولين، (وإن) كان ما أهدى لها قائماً بيدها (لم يفت) فأولى إن فات.

(إلا أن) يكون النكاح فاسداً، و (يفسخ قبل البناء فيأخذ) الزوج (القائم منها) أي من الهدية لا ما فات إلا أن يفسخ بعد البناء فلا شيء له منها، (أو) إلا أن (يجري بها أي): بالهدية بعد العقد وقبل البناء (العرف)، فإنه يتشطر كالمهر بناء على أنه يقضى به عند التنازع نظراً للعرف ويتكمل بالموت، وقيل: لا يقضى به فيكون كالمتطوع به لا يتشطر بالطلاق قبل البناء على الأرجح وإلى هذا الخلاف أشار بقوله: (وفي القضاء به): أي بما جرى به العرف من الهدية قبل البناء وبعد العقد (قولان) قيل يقضى به عند التنازع نظراً للعرف، وقيل لا يقضى به.

(وضمانه): أي الصداق (إن هلك) بعد العقد كما لو مات أو حرق أو سرق أو تلف من غير تفريط أحد من الزوجين، وثبت هلاكه (ببينة) أو بإقرارهما عليه؛ كان مما يغاب عليه أم لا كان بيد الزوجة أو الزوج أو غيرهما، (أو) لم تقم على هلاكه بينة و (كان مما لا يغاب عليه) كالحوائط والزرع والحيوان (منهما) معاً إذا طلق قبل البناء؛ فلا رجوع لكل منهما على الآخر. ويحلف من هو بيده أنه ما فرط إن اتهم (وإلا) بأن كان مما يغاب عليه ولم تقم على هلاكه بينة، (فمن الذي بيده) ضمان فيغرم النصف لصاحبه (وتعين) للتشطير (ما اشترته) بالمهر (للجهاز) من فرش وغطاء ووسائد وأوان وغير ذلك مما يصلح أن يكون جهاز أمثالها، وسواء اشترته من زوجها أو من غيره، ولا يجاب لقسمة الدراهم أو الدنانير التي دفعها لها، نما ما اشترته أو نقص، واذا طلبت هي قسمة الأصل لا تجاب لذلك إلا برضاهما معاً وأما لو اشترت ما لا يصلح للجهاز، كعبد ودار وفرس، (فإن اشترته من غير زوجها فلا يتعين قسمته)، والكلام لمن أراد قسمة الأصل، وإن اشترته من زوجها تعين التشطير كالجهاز وهذا معنى قوله:(كلغيره من زوجها): أي كما يتعين ما اشترته لغير الجهاز إذا كان من زوجها، وعبارة ابن الحاجب: ويتعين ما اشترته من الزوج به من عبد أو دار أو غيره نما أو نقص أو تلف وكأنه أصدقها إياه. اهـ.

وأصله للمدونة وأبقاها أكثرهم على ظاهرها، وتأولها القاضي إسماعيل على ما إذا قصدت بشراء ما ذكر من زوجها الرفق والتخفيف عليه، فإن لم تقصد ذلك فلا يتعين للتشطير وإليه أشار بقوله: وهل مطلقاً؟ وعليه الأكثر أو إن قصدت التخفيف؟ تأويلان

(وسقط المزيد بعد العقد) عن الزوج (بكالموت): أي بموت الزوج أو فلسه، (قبل القبض): أي قبل قبض الزوجة له قبل البناء، فإن بنى بها استحقته، وأما موت الزوجة قبل فلا يسقط المزيد بعد العقد ومفهوم "مزيد بعد العقد" أن المزيد قبله لا يسقط بالموت قبل كأصل المهر، بل يتقرر به كأصله (ولزمها) أي الزوجة (التجهيز بما قبضته) من المهر (قبل البناء) كان حالاً أصالة أو حل بعد أجله، فإن لم تقتض شيئاً قبل البناء من الحال أو مما حل

لم يلزمها تجهيز وتصنع به إذا قبضته ما شاءت إلا لشرط أو عرف، وقوله:(على العادة) متعلق بـ "التجهيز" أي: يلزمها التجهيز على عادة أمثالها في البلد ولا يلزمها تجهيز بأكثر مما

ــ

البناء وتشطر ما أخذه وليها من الهدية حين العقد أو قبله، فلها أن ترجع على وليها وتأخذ منه النصف الذي بقي بعد التشطير، وللزوج النصف الآخر يأخذه من الولي، وليس للزوج مطالبتها بالنصف الذي أخذه الولي لأن الإعطاء للولي ليس منها، وإنما هو من الزوج وحينئذ فيتبعه به.

قوله: [ويختص به المهدى له]: أي لأنه محض عطية من الزوج لعدم توقف النكاح عليه.

قوله: [كما تقدم]: أي من أنه يتكمل بالوطء أو بإقامة سنة ببيت زوجها من غير وطء أو بالموت.

قوله: [فيأخذ الزوج القائم منها]: أي ولو كان متغيراً لأنه مغلوب على الفراق.

قوله: [فلا شيء له منها]: أي لأنه استوفى سلعتها.

مسألة: ذكر ابن سلمون أنه يقضى على المرأة بكسوة الرجل عند الدخول إذا جرى بها عرف أو اشترطت، ونقله صاحب الفائق عن نوازل ابن رشد لكن قال في التحفة:

وشرط كسوة من المحظور

للزوج في العقد على المشهور

وعللوه بالجمع بين البيع والنكاح، وقال ابن الناظم في شرح التحفة ما لابن سلمون خلاف المشهور، ولكن جرى به العمل اهـ (بن) نقله محشي الأصل.

تنبيه: صح القضاء على الزوج بالوليمة وهي طعام العرس بناء على أنها واجبة، وسيأتي ندبها وهو الراجح فلا يقضى بها ما لم تشترط أو يجري بها عرف كما أن أجرة الماشطة والدف والكبر والحمام ونحو ذلك لا يقضى به إلا لعرف أو شرط.

قوله: [وسقط المزيد] إلخ: أي لأنه هبة لم تحز فتسقط بموت الواهب أو فلسه.

قوله: [فلا يسقط المزيد بعد العقد]: أي بل يتكمل بالموت كما يتشطر بالطلاق فليس عطية محضة.

قوله: [لا يسقط بالموت]: أي موت الزوج أو فلسه.

قوله: [كان حالاً أصالة] إلخ: هذا قول ابن زرب وشهره المتيطي، وقال ابن فتحون: إنما يلزمها التجهيز بما قبضته قبل البناء إن كان حالاً

ص: 420

قبضته قبل البناء إلا لشرط أو عرف، وإذا دعاها لقبض الحال قبل البناء لتتجهز به وامتنعت قضى له عليها بذلك.

(ولا تقضي) مما قبضته قبل البناء (ديناً): أي لا يجوز لها ذلك لما علمت أن عليها التجهيز به، (ولا تنفق) على نفسها (منه إلا المحتاجة) فتنفق الشيء اليسير بالمعروف، (و) إلا الدين القليل (كالدينار) من مهر كثير فيجوز لها ذلك، ثم إن طلقت قبل البناء حسب عليها ما أنفقت أو ما قبضت من ذلك من أصل ما يخصها من النصف (و) لو ادعى الأب أو غيره أن بعض الجهاز له وخالفته البنت أو الزوج (قبل دعوى الأب فقط) لا الأم والجد والجدة (في إعارته لها) إن كانت دعواه (في السنة) من يوم البناء، وكانت البنت بكراً أو ثيباً وهي في ولايته قياساً على البكر، بخلاف ثيب ليست في ولايته وكان ما بقي من الجهاز بعدما ادعاه من العارية يفي بجهازها المعتاد أو المشترط، وإن زاد على الصداق فالشروط ثلاثة، ومثل الأب وصيه فيقضى له به، (وإن خالفته ابنته، لا بعدها): أي السنة فلا تقبل دعواه.

(إلا أن يشهد) عند البناء أو بعده بقرب أن هذا الشيء عارية عند بنتي فيقضى له به ولو طال الزمن.

(وإن صدقته) ابنته الرشيدة في دعواه بعد السنة ولم يشهد (ففي ثلثها)، وما زاد على الثلث فللزوج رده.

(و) لو جهز رجل ابنته بشيء زائد على صداقها ومات قبل البناء أو بعده (اختصت به) البنت (عن) بقية (الورثة إن أورد) الجهاز (ببيتها) الذي دخلت فيه، (أو أشهد لها الأب) بذلك قبل موته، ولا يضر إبقاؤه تحت يده بعد الإشهاد،

ــ

أما إن كان مؤجلاً وحل قبل البناء فلا حق للزوج في التجهيز به، ولغرمائها أخذه في ديونهم مثل ما قبض بعد البناء.

وحاصل الفقه أن الزوجة الرشيدة التي لها قبض صداقها إذا قبضت الحال من صداقها قبل بناء الزوج بها، فإنه يلزمها أن تتجهز به على العادة من حضر أو بدو حتى لو كان العرف شراء خادم أو دار لزمها ذلك، ولا يلزمها أن تتجهز بأزيد منه إلا لشرط أو عرف، ومثل حال الصداق إذا عجل لها المؤجل وكان نقداً، وإن كان لا يلزمها قبوله لأن ما يقع في مقابلة العصمة ليس بمنزلة الثمن إذا كان نقداً، وعجله المشتري أجبر البائع على قبوله ولا يجاب لتأخيره لأجله.

قوله: [لم يلزمها تجهيز] إلخ: مثل ذلك ما لو كان الصداق مما يكال أو يوزن أو حيواناً أو عروضاً أو عقاراً، فإنه لا يلزم بيعه لتتجهز به كما قال اللخمي، ورواه ابن سهل عن ابن زرب، وقال المتيطي: يجب بيعه، والمعتمد الأول وكل هذا ما لم يقصد الزوج تجهيزها به، وإلا وجب البيع، وفي جواز بيعها العقار المدفوع في صداقها قولان محلهما حيث لم يجر عرف بالبيع أو بعدمه وإلا عمل به، وعلى القول بعدم بيعه يأتي الزوج بالغطاء والوطاء المناسبين.

قوله: [قضي له عليها بذلك]: حاصله أن الزوج إذا دعا زوجته لقبض ما اتصف بالحلول من صداقها، سواء كان حالاً في الأصل أو حل بعد مضي أجله لأجل أن تتجهز به، وامتنعت من ذلك فإنه يقضى عليها بقبض ذلك على المشهور.

مسألة: لو طالب أولياء المرأة الزوج بميراثهم من صداقها لموتها قبل الدخول، وقد كان اشترط عليهم تجهيزها بأكثر من صداقها، أو جرى عرف بذلك فطالبهم بإبراز جهازها لينظر قدر ميراثه منه لم يلزمهم إبرازه عند المازري، وقال اللخمي: يلزمهم، وعلى الأول لا يلزم الزوج جميع ما سمى من الصداق، بل صداق مثلها على أنها تجهز بما يقبض قبل البناء جهاز مثلها، ويحط عنه ما زاد لأجل جهازها المشترط أو المعتاد.

قوله: [قبل دعوى الأب] إلخ: حاصل فقه المسألة أن المدعى عليها إما رشيدة أو غير رشيدة، فإن كانت رشيدة فلا تقبل دعوى مدع إعارتها لا في السنة ولا بعدها حيث خالفت المدعي ولم تصدقه كان المدعي أباً أو غيره، ما لم يعلم أن أصل ذلك المدعى به للمدعي وإلا قبل قوله بيمين، ولو كان أجنبياً أو يشهد على الإعارة، وأما إن لم تخالف المدعي بل صدقته أوخذت بإقرارها كانت الدعوى بعد السنة أو قبلها كان المدعي أباً أو غيره ولو أجنبياً وأما إن كانت غير رشيدة بأن كانت مولى عليها بكراً أو ثيباً سفيهة، وهذه هي مسألة المصنف فلا تقبل دعوى غير الأب عليها، سواء صدقته أو خالفته ما لم يعلم أصل ذلك المدعى به للمدعي، وإلا قبل قوله بيمين وأخذه ولو بعد السنة، وأما الأب فتقبل دعواه عليها في السنة إذا كان الباقي بعد المدعى به يوفي بالجهاز المشترط أو المعتاد، فإن ادعى بعد السنة لا تقبل دعواه ما لم يعرف أن أصل المدعى به له أو يشهد على العارية.

قوله: [لا الأم والجد] إلخ: أي وغيرهم، سواء كانت دعواهم قبل تمام السنة أو بعدها ما لم يثبت بالبينة أن أصل ذلك المبتاع المدعى أنه عارية لهم، وإلا حلف مدعيه وأخذه ولو بعد السنة.

قوله: [إن كانت دعواه في السنة] إلخ: شروع في شروط قبول دعوى الأب.

قوله: [فالشروط ثلاثة]: أي وهي كون الدعوى في السنة وكونها في ولايته بكراً أو ثيباً سفيهة، وأن يبقى بعد المدعى به ما يفي بجهازها المعتاد أو المشروط.

قوله: [ففي ثلثها]: أي فهو نافذ في ثلثها.

قوله: [عن بقية الورثة]: أي ورثة أبيها.

قوله: [أو أشهد لها الأب]: أي بأن ذلك الجهاز الزائد

ص: 421

ولتنزيل الإشهاد منزلة الحيازة (أو اشتراه) الأب (لها ووضعه عند) غيره (كأمها)، أو عندها هي فإنها تختص به، إن سماه لها وأقرت الورثة بالتسمية لها، أو شهدت البينة بالتسمية وإن لم يشهد على أنه لها.

(وإن وهبت له) أي للزوج (الصداق) مفعول مقدم (قبل قبضه) من الزوج (رشيدة) فاعل مؤخر وقبل البناء، (أو) وهبت له (ما) أي مالاً (يصدقها به) قبل العقد أو بعده قبل البناء (جبر) في المسألتين (على دفع أقله) ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته ذلك لئلا يخلو النكاح من صداق، أما في الأولى فظاهر، وأما في الثانية فيدفع لها ما وهبته له ويزيد عليه ربع دينار، وقوله:"قبل قبضه"، وكذا بعده؛ فلا مفهوم له، ولو قال: بدله قبل البناء، كان أتم وأظن أنه سبقني القلم فيه؛ أردت كتابة: البناء فسبقني إلى كتابة: قبضه، وما منعني من إصلاحها إلا كثرة النسخ فلو وهبت بعضه نظر للباقي، فإن كان ربع دينار فأكثر صح، وإن كان أقل جبر على إتمامه، فلو طلق قبل البناء فلا شيء عليه في المسألتين وأخذت جميع ما وهبته في الثانية إذا لم يدفع لها أقل الصداق وإلا تشطر.

(وجاز بعد البناء) أن تهبه جميع الصداق الذي تقرر به النكاح لأنها ملكته وتقرر بالوطء، سواء قبضته منه أم لم تقبضه قال تعالى:{فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً} [النساء: 4].

(وإن وهبته) أي الصداق بعد البناء أو ما عدا أقله قبله، (أو أعطته) الرشيدة (مالاً) من عندها (لدوام العشرة) أي استمرارها معه، (أو حسنها) أي لأجل حسن عشرته معها، (ففسخ) النكاح لفساده، (أو طلق عن قرب رجعت) عليه بما وهبته من الصداق وبما أعطته من مالها لعدم تمام غرضها، وقوله:"عن قرب مفهومه" أنه لو تباعد الطلاق لم ترجع ذكر هذا التفصيل اللخمي وابن رشد وهو فيما إذا أسقطته من مهرها، أو أعطته مالاً على أن يمسكها أو لا يتزوج أو لا يتسرى عليها أو نحو ذلك، ففارق أو طلق، وأما لو تسرّى أو تزوج عليها فلها الرجوع، سواء كان ذلك بالقرب أو بالبعد.

(ورجعت) الزوجة على زوجها (بما أنفقت على) حيوان جعل صداقاً لها (كعبد، أو) أنفقت على (ثمرة) أصدقها لها (إن فسخ) النكاح (قبله) أي البناء، (و) رجعت (بنصفه) أي نصف ما أنفقت (إن طلق قبله) في النكاح الصحيح.

(وإن أعطته سفيهة ما ينكحها به) فتزوجها به (ثبت النكاح) فلا سبيل إلى فسخه، (وأعطاها) من خالص ماله جبراً عليه (مثله): أي مثل ما أعطته، إن كان مثل مهرها فأكثر، فإن كان أقل من مهر مثلها أعطاها من ماله قدر مهر مثلها.

ثم شرع في بيان من يتولى قبض المهر وما يترتب على ذلك فقال: (وقبضه) أي المهر (مجبر) أب أو وصيه أو سيد (أو ولي سفيهة) إن كان أو حاكم أو مقدمه من عاصب أو غيره.

ــ

على مهرها ملك لها.

قوله: [ولتنزيل الإشهاد] إلخ: عطف علة على معلول.

قوله: [وإن لم يشهد على أنه لها]: أي لأن حيازة كالأم لها تغني عن الإشهاد.

قوله: [فلا مفهوم له]: أي خلافاً لمن زعم اعتبار المفهوم، وجعل القبض قبل البناء مثل القبض بعده في كونه لا يجبر على دفع أقله.

قوله: [جبر على إتمامه]: أي إن أراد الدخول بدليل ما بعده.

قوله: [وأخذت جميع ما وهبته في الثانية]: أي لأنها عطية معلقة على كونها صداقاً ولم يتم فلها الرجوع فيها ككل عطية معلقة على شيء لم يتم.

قوله: [وإلا تشطر]: أي الذي دفعه من عنده.

قوله: [أو طلق عن قرب]: أي بأن كانت المفارقة قبل تمام سنتين، وأما لو كانت بعد سنتين فأكثر فلا رجوع.

قوله: [فلها الرجوع] إلخ: أي وقد صرح بذلك اللخمي أيضاً وهو ظاهر كلام المتيطي وابن فتحون.

قوله: [ورجعت بنصفه]: أي إن كان الإنفاق منها، وأما لو كان الإنفاق من الزوج فيرجع بنصف ما أنفق عليها حيث طلق قبل الدخول.

تنبيه: إن وهبت الرشيدة صداقها لأجنبي وقبضه منها أو من الزوج، ثم طلق الزوج قبل البناء اتبعها بنصفه ولم ترجع الزوجة على الموهوب له بما غرمته للزوج، إذا لم تبين أن الموهوب صداق أو يعلم هو بذلك، وإلا رجعت عليه بما غرمته للزوج، وأما النصف الذي ملكته بالطلاق فلا ترجع به وهذا إذا كان الثلث يحمل جميع ما وهبته وإلا بطل جميعه، إلا أن يجيزه الزوج وإن لم يقبضه الموهوب له وطلقت قبل البناء أجبرت على إمضاء الهبة للموهوب له كانت يوم الهبة أو الطلاق معسرة أو موسرة، ويرجع الزوج عليها بنصف الصداق في مالها انظر الأصل

قوله: [أو حاكم]: أي إن لم يكن للسفيهة ولي ولا مجبر فلا يقبض صداقها إلا الحاكم، فإن شاء قبضه واشترى لها به جهازاً وإن شاء عين لها من يقبضه ويصرفه فيما يأمره به مما يجب لها، فإن لم يكن حاكم أو لم يمكن الرفع إليه أو خيف على الصداق منه حضر الزوج والولي والشهود فيشترون لها بصداقها جهازاً، ويدخلونه في بيت البناء كما ذكره المتيطي وابن الحاج في نوازله عازياً ذلك لمالك نقله محشي الأصل عن (بن).

ص: 422

(وَصُدِّقَا في ضياعه) بلا تفريط (بيمين) ومصيبته على الزوجة، فلا رجوع لها على ولي ولا زوج، فإن طلقها قبل البناء وهو مما يغلب [1] عليه ولم تقم على هلاكه بينة رجع عليها إن أيسرت يوم الدفع لوليها، وإلا فلا رجوع له ولو أيسرت بعد.

(وإنما يبريهما): أي المجبر وولي السفيهة من مقبوض الصداق أحد أمور ثلاثة: (شراء جهاز) يصلح لها (تشهد بينة بدفعه لها)، أي: للزوجة، ومعاينة قبضها له، (أو إحضاره بيت البناء) وتشهد البينة بحضوره فيه، (أو توجهه إليه): أي إلى بيت البناء وإن لم تشهد بوصوله إليه فلا تسمع حينئذ دعوى الزوج أنه لم يصل، فعلم أنه لا يبرئ من له قبضه دفعه عيناً للزوجة ولا مجرد دعوى أنه دفع لها الجهاز، أو أنه وصل لبيت البناء.

(وإلا) يكن مجبر ولا ولي سفيهة من حاكم أو مقدم عليها منه، (فالمرأة) الرشيدة هي التي تقبضه لا من يتولى عقدها إلا بتوكيل منها في قبضه، فإن ادعت ضياعه بلا تفريط صدقت بيمين ولا يلزمها تجهيز.

(فإن قبضه غيرهم) أي غير المجبر وولي السفيهة والمرأة الرشيدة (بلا توكيل) ممن له القبض، فضاع ولو ببينة من غير تفريط كان ضامناً له لتعديه بقبضه، و (اتبعته) الزوجة (أو) اتبعت (الزوج) لتعديه بدفعه لغير من له قبضه، فإن دفعه لها القابض فلا شيء على الزوج وإن دفعه لها الزوج رجع به على القابض فقرار الغرم عليه.

(وأجرة الحمل) أي حمل الجهاز من بيت الزوجة إلى بيت الزوج (عليها) أي على الزوجة، (إلا لشرط أو عرف) فيعمل به.

(ولو قال من له القبض) من مجبر أو امرأة (بعد الإقرار به) أي بالقبض في مجلس العقد أو غيره (لم أقبضه)، وإنما قلت ذلك لتوثقي بالزوج وظني فيه الخير، (لم يفده) لأن المكلف يؤخذ بإقراره، (وله تحليف الزوج) على أنه قد أقبضه للمجبر أو من معه إن كان الأمر قريباً، (في كعشرة أيام) من يوم الإقرار بالقبض، وأدخلت الكاف الخمسة الأيام، فإن زاد الزمن على نصف شهر فليس له تحليفه.

(وجاز عفو المجبر) دون غيره من الأولياء (عن نصف الصداق) الذي ترتب لمجبرته في ذمة الزوج، (بعد الطلاق قبل البناء، لا) يجوز العفو (قبله): أي قبل الطلاق، قاله الإمام وقال ابن القاسم:(إلا لمصلحة) تقتضي العفو قبله فيجوز.

فصل في خيار أحد الزوجين إذا وجد عيباً بصاحبه؛

ــ

قوله: [وصدقا في ضياعه بلا تفريط]: أي كما هو قول مالك وابن القاسم

قوله: [وإنما يبريهما]: أي بالنسبة لدفع الصداق لها فلا ينافي ما تقدم من أنهما إذا ادعيا تلفه أو ضياعه صدقا بيمين، ولذلك قال ابن عرفة نقلاً عن ابن حبيب: للزوج سؤال الولي فيما صرف نقده فيه من الجهاز وعلى الولي تفسير ذلك وحلفه إن اتهمه.

قوله: [بدفعه لها]: أي في بيت البناء أو غيره.

قوله: [ومعاينة قبضه]: عطف تفسير.

قوله: [ولا يلزمها تجهيز]: أي بغيره فتصديقها بالنظر لعدم لزوم التجهيز ببدله، وأما بالنظر لرجوع الزوج عليها بنصفه إذا طلق قبل البناء فلا تصدق فيما يغلب عليه إن لم تقم على هلاكه بينة وإلا كان الضمان منهما.

قوله: [وله تحليف الزوج] إلخ: فإن نكل الزوج ردت اليمين على الولي إن كانت دعوى تحقيق، فإن نكل الولي أيضاً فلا رجوع له، وإن حلف أخذه من الزوج، وإن كانت دعوى اتهام غرم الزوج بمجرد النكول على القاعدة.

قوله: [وجاز عفو المجبر]: أي سواء كانت المجبرة بكراً أو ثيباً صغرت، كما يشير لذلك تعميم المصنف فهو أشمل من قول خليل:"عفو أبي البكر"، وظاهر المصنف شمول الوصي المجبر وليس كذلك، بل المراد منه خصوص الأب دون غيره وكان وصياً مجبراً، وخص الأب بذلك لشدة شفقته فلا تهمة، ولو قال المصنف: وجاز عفو أب مجبر لكان جامعاً مانعاً.

قوله: [عن نصف الصداق]: أي وأولى عن أقل منه.

قوله: [قبل البناء]: أي لا بعده فلا يجوز للولي أن يعفو عن شيء من الصداق إن رشدت، بل وإن كانت سفيهة أو صغيرة خلافاً للخرشي و (عب)، حيث قالا له العفو إن كانت سفيهة أو صغيرة إذا الحق أنه لا عفو بعد الدخول سواء كانت رشيدة أو لا، ففي سماع محمد بن خالد أن الصغيرة إذا دخل بها الزوج وافتضها، ثم طلقها قبل البلوغ أنه لا يجوز العفو عن شيء من الصداق، لا من الأب ولا منها، قال ابن رشد وهو كما قال لأنه إذا دخل بها الزوج وافتضها، فقد وجب لها جميع صداقها بالمسيس، وليس للأب أن يضع حقاً قد وجب لها إلا في الموضع الذي أذن له فيه، وهو قبل المسيس لقوله تعالى:{وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237]، الآية اهـ من حاشية الأصل، وقد يقال كلام الخرشي و (عب)، يحمل على ما إذا كانت المصلحة في الفوات ارتكاباً لأخف الضررين، وسيأتي بيان ذلك في باب الخلع إن شاء الله تعالى.

فصل في خيار أحد الزوجين

لما استوفى الكلام على الأركان والشروط، وكان حصول الخيار لأحد الزوجين في صاحبه عيباً يثبت بعد استيفاء الأركان والشروط ذكره هنا بعد تمام الكلام عليها، وهذا حسن صنيع منه رضي الله عنه.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: «يغاب» ، ولعلها الصواب.

ص: 423

وبيان العيوب التي توجب الخيار في الرد

(الخيار) مبتدأ (للزوجين) أي: لأحدهما متعلق به، وخبره قوله:"ببرص" إلخ: أي يثبت بسبب وجود عيب بصاحبه.

(إذا لم يسبق علم) بالعيب قبل العقد، فإن علم بالعيب قبل العقد فلا خيار له، (ولم يرض) بالعيب حال اطلاعه عليه، فإن رضي به صريحاً أو ضمناً بأن تلذذ بصاحبه بعد اطلاعه على العيب فلا خيار له.

(و) لو ادعى عليه العلم قبل العقد أو الرضا به بعده (حلف على نفيه)، فإن حلف أنه لم يعلم أو لم يرض صدق بيمينه وثبت له الخيار، وإن نكل حلف المدعي على طبق دعواه وانتفى الخيار.

واعلم أن من وجد بصاحبه عيباً لم يعلم به ولم يرض فله الخيار، ولو كان هو معيباً، لكن إن كان معيباً بغير ما قام به فظاهر وإن كان معيباً بمثله -كجذام وجذام- فقال اللخمي: إن كانا من جنس واحد، فإن له القيام دونها لأنه بذل صداقاً لسالمة فوجد ما يكون صداقها دون ذلك. اهـ. وهو دقيق (ببرص) أي: ثابت بسبب وجود برص وما عطف عليه.

وحاصله أن العيوب ثلاثة عشر عيباً، يشتركان في أربعة: الجنون، والجذام، والبرص، والعذيطة، ويختص الرجل بأربعة: الخصاء، والجب، والعنة، والاعتراض، وتختص المرأة بخمسة: الرتق، والقرن، والفعل [1]، والإفضاء، والبخر، فما كان مشتركاً بينهما أطلقه بعد قوله:"للزوجين"، وما كان مختصاً به أضافه لضميره بعد قوله:"ولها"، وما كان مختصاً بها أضافه لضميرها بعد قوله:"وله".

فقال: الخيار للزوجين ببرص لا فرق بين أبيضه وأسوده؛ الأردأ من الأبيض، لأنه مقدمة الجذام، وعلامة الأسود التقشير والتفليس، أي يكون له قشر مدور يشبه الفلوس ويشبه قشر بعض السمك، ولا فرق بين قليله وكثيره اتفاقاً في المرأة، وعلى أحد القولين في يسير الرجل.

(وعذيطة): بفتح العين أو كسرها، وسكون الذال المعجمة، وفتح المثناة التحتية، فطاء مهملة: خروج الغائط عند الجماع، ويقال للمرأة عذيوطة وهي التي تحدث عند الجماع والرجل عذيوط، ومثل الغائط البول عند الجماع؛ لا في الفرش ولا في الريح.

(وجذام) محقق ولو قل لا مشكوك فيه.

(وجنون) بطبع أو صرع أو وسواس، (وإن) وقع (مرة في الشهر) لنفور النفس منه.

(ولها) أي للزوجة الخيار (بخصائه): قطع الذكر دون الأنثيين، وأما قطع الأنثيين دون الذكر

ــ

قوله: [وبيان العيوب التي توجب الخيار]: أي: بغير شرط أو به.

قوله: [صريحاً]: أي بأن كان الرضا بالقول كرضيت، وقوله: [بأن تلذذ بصاحبه) تصوير للضمني.

قوله: [حلف على نفيه] إلخ: صورتها أنه إذا أراد أحد الزوجين أن يرد صاحبه بالعيب الذي وجده به، فقال المعيب للسليم: أنت علمت بالعيب قبل العقد ودخلت عليه، أو علمت به في العقد ورضيت به، والحال أنه لا بينة لذلك المدعي بما ادعاه، وأنكر المدعى عليه الرضا، أو العلم وأراد المدعى عليه أن يحلفه على نفي العلم، أو الرضا فإنه يلزمه أن يحلف ويثبت له الخيار، ومحل كلام المصنف إذا لم يكن العيب ظاهراً أو يدعي علمه به بعد البناء، أو يطل الأمر كشهر، وإلا فالقول قول المعيب بيمينه.

قوله: [وإن نكل حلف المدعي] إلخ: هذا إذا كانت دعواه عليه دعوى تحقيق، أما إذا كانت دعوى اتهام فإنه يسقط خياره بمجرد النكول على القاعدة.

قوله: [فقال اللخمي]: ونصه وإن اطلع كل واحد من الزوجين على عيب في صاحبه مخالف لعيبه، بأن تبين أن بها جنوناً، وبه هو جذام أو برص، كان لكل واحد منهما القيام، وأما إن كانا من جنس واحد كجذام أو برص، أو جنون صرع، فإن له القيام دونها لأنه بذل الصداق لسالمة فوجدها ممن يكون صداقها أقل اهـ. ولكن المأخوذ من الحاشية استظهار أن لكل القيام مطلقاً كان من جنس الآخر أم لا كما صرح به الرجراجي و (ح) وظاهر إطلاق ابن عرفة لأن المدرك الضرر واجتماع المرض على المرض يورث زيادة.

قوله: [وحاصله أن العيوب] إلخ: أي التي يرد فيها بغير شرط، وأما التي يرد فيها بالشرط فهي كثيرة وسيأتي بعضها.

قوله: [وعلى أحد القولين في يسير الرجل]: هذا كله في برص قديم قبل العقد، وأما الحادث بعده فلا رد باليسير اتفاقاً، وفي الكثير خلاف وهذا فيما حدث بالرجل، وأما بالمرأة فمصيبة نزلت به كما قال البدر القرافي وسيأتي.

قوله: [بفتح العين]: أي على أنه مصدر، وقوله:[أو كسرها] أي على أنه اسم لذي العيب والمناسب لعده من العيوب الفتح ولذلك قدمه.

قوله: [عذيوطة]: بكسر العين وكذا عذيوط.

قوله: [لا مشكوك]: أي بأن كان غير بين.

قوله: [وإن وقع مرة]: أي هذا إذا استغرق كل الأوقات أو غالبها، بل وإن حصل في كل شهر مرة ويفيق فيما سواها وظاهره إذا كان يأتي بعد كل شهرين فلا رد به. وليس كذلك، والظاهر أن هذا كناية عن القلة ومحل الرد بما ذكر إذا كان يحصل منه إضرار من ضرب أو إفساد شيء أما الذي يطرح بالأرض ويفيق من غير إضرار فلا رد به كذا قال بعضهم، ولكن ظاهر شارحنا الإطلاق.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: «والعفل» ، ولعلها الصواب.

ص: 424

فلا رد به إلا إذا كان لا يمني، ومثل قطع الذكر قطع الحشفة على الأرجح. (وجبه) قطع الثلاثة وهو أولى بالحكم مما قبله، والقصد النص على أعيان المسائل الواردة.

(وعنته) بضم العين المهملة: صغر الذكر جداً. (واعتراضه): عدم الانتشار (وله) أي للزوج الخيار (بقرنها) بفتح الراء المهملة مصدر بمعنى البروز، وأما بسكونها: فهو شيء يبرز في فرج المرأة يشبه قرن الشاة يكون لحماً غالباً فيمكن علاجه، وتارة يكون عظماً فلا يمكن علاجه (ورتقها) بفتح الراء المهملة والتاء الفوقية وهو انسداد مسلك الذكر بحيث لا يمكن الجماع معه إلا أنه إن انسد بلحم أمكن علاجه لا بعظم (وبخر فرجها) أي نتونته لأنه منفر جداً، بخلاف نتن الفم فلا رد به (وعفلها) بفتح المهملة والفاء: لحم يبرز في قبلها يشبه الأدرة ولا يخلو عن رشح، وقيل رغوة تحدث في الفرج عند الجماع (وإفضائها) وهو اختلاط مسلك البول والذكر.

ومحل الرد بهذه العيوب (إن كانت) أي وجدت: أي كانت موجودة (حال العقد)، ولم يعلم بها كما تقدم، وأما ما حدث منها بعد العقد، فإن كان بالزوجة فلا رد للزوج به وهو مصيبة نزلت به، وإن كان بالزوج فلها رده ببرص وجذام وجنون لشدة الإيذاء بها، وعدم الصبر عليها وإلى ذلك أشار بقوله:(ولها) أي للزوجة (فقط) دون الزوج (رد) لزوجها (بجذام بين) أي محقق ولو يسيراً لا مشكوك، (وبرص مضر) أي فاحش لا يسير (وجنون حدثت) هذه الأدواء الثلاثة بعد العقد، بل (وإن) حدثت بالزوج (بعد الدخول) لعدم صبرها عليها، وليست العصمة بيدها بخلاف الزوج ليس له رد بها إن حدثت بها بعد العقد، وهي مصيبة نزلت به، فإما أن يرضى، وإما أن يطلق، إذ العصمة بيده وقبل [1]: حدوث الجنون بالزوجة بعد العقد، كحدوثه بالزوج فله الخيار، ونقل عن أبي الحسن وذهب اللخمي والمتيطي إلى إلغاء ما حدث بعد الدخول، وذهب أشهب إلى إلغاء الحادث مطلقاً، والراجح ما ذكرناه، قال ابن عرفة: ما حدث بالمرأة بعد العقد نازلة بالزوج (لا) رد لزوجة (بكجبه) واعتراضه وخصائه إن حصل له بعد وطئها ولو مرة، وهي مصيبة نزلت بها، فإن لم يحصل وطء فلها القيام بحقها وفسخ النكاح.

ثم بين أنه لا يستعجل بالفسخ لمن أراد الرد منهما في الأدواء التي يرجى برؤها فقال: (وأجلا) أي: الزوجان؛ أي من قام به الداء منهما (فيها) أي في هذه الأدواء الثلاثة: الجنون والجذام والبرص (سنة) كاملة (للحر ونصفها للرق) للتداوي (إن رجي برؤها) وإلا فلا فائدة في التأجيل (ولها) أي للزوجة (فيه) أي في الأجل (النفقة) على زوجها دون أجرة الطبيب والدواء، أي إن دخل بها لا إن لم يدخل، قال ابن رشد: إذا لم يدخل المجنون فلا نفقة لزوجته في الأجل، ومثله الأبرص والمجذوم (ولا خيار بغيرها): أي بغير العيوب المتقدمة من سواد وقرع وعمى وعور وعرج وشلل، وقطع عضو، وكثرة أكل، ونحوها مما يعد في العرف عيباً، (إلا بشرط) فيعمل به وله الرد (ولو بوصف الولي) لها (عند الخطبة) بكسر الخاء كأن يقول هي سليمة العينين طويلة الشعر لا عيب بها، فتوجد بخلافه فله الرد لأن وصفه لها منزل منزلة الشرط، وكذا وصف غير كأمها بحضوره وهو ساكت (لا بخلف الظن) كالقرع من قوم ذوي شعور،

ــ

قوله: [فلا رد به]: أي ولا يضر عدم النسل كالعقم قوله: [صغر الذكر جداً] إلخ: مثل الصغر في كونه موجباً للرد الغلظ المانع من الإيلاج، وأما الطول فيلوى شيء على ما يستطيع إيلاجه من جهة عانته، ولا يرد الزوج بوجوده خنثى متضح الذكورة، كما في البدر القرافي و (ح)، وانظر السيد البليدي في وجود الزوجة خنثى متضحة الأنوثة.

قوله: [يشبه الأدرة] إلخ: اسم لنفخ الخصية. إن قلت إن عيوب الفرج إنما تدرك بالوطء وهو يدل على الرضا فينتفي الخيار. أجيب بأن الدال على الرضا هو الوطء الحاصل بعد العلم بموجب الخيار لا الحاصل قبله أو به قوله: [وهو اختلاط مسلك البول]: أي أولى مسلك البول مع الغائط

قوله: [بل وإن حدثت بالزوج بعد الدخول]: أي كما قاله أبو القاسم الجزيري في مسائله، فالحادث عنده بعد البناء كالحادث قبله بعد العقد في التفصيل المذكور، وهو أن الجذام إذا كان محققاً رد به قل أو كثر، والبرص يرد به بشرط أن يكون فاحشاً لا يسيراً.

قوله: [وليست العصمة بيدها]: هذا روح الفرق بينها وبينه.

قوله: [والراجح ما ذكرناه]: أي الذي هو كلام أبي القاسم الجزيري والقرافي.

قوله: [وأجلا] إلخ: اعلم أن الأدواء المشتركة والمختصة بالرجل إذا رجي برؤها فإنه يؤجل فيها الحر سنة والعبد نصفها وأما الأدواء المختصة بالمرأة فالتأجيل فيها إن رجي البرء بالاجتهاد.

قوله: [أي في هذه الأدواء الثلاثة]: قد علمت أنه لا مفهوم لها بل باقي المشتركة كذلك حيث رجي برء الداء.

فائدة: قال المؤلف في تقريره نقلاً عن بعضهم: إذا نقعت الحناء في ماء سبعة أيام وسقي رائق مائها للمجذوم، فإن لم يبرأ فلا دواء له قوله:[ونصفها للرق]: أي على مشهور المذهب، وسيأتي

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: «وقيل» ، ولعلها الصواب.

ص: 425

(والثيوبة) مع ظنها بكراً، (والسواد من بيض) فلا رد به (ونتن فم) لا رد به لأن المراد بالبخر نتن الفرج كما تقدم (إلا أن يجده الحر) منهما أي يجد صاحبه (رقيقاً)، بأن يتزوج الحر امرأة يظنها حرة فيجدهاً رقيقا أو تتزوج الحرة رجلاً فتجده عبداً فللحر الخيار في رد صاحبه، لأن الرقيق ليس بكفء للحر.

(وأجل المعترض) بفتح الراء من اتصف بالاعتراض أي عدم انتشار الذكر (الحر سنة) إذا كان لها خيار بأن لم يسبق له فيها وطء ولو مرة، وإلا فلا خيار لها.

(و) أجل (العبد) المعترض (نصفها) أي نصف سنة على النصف من الحر وهو قول مالك وبه الحكم، ونقل عنه أيضاً أنه يؤجل سنة كالحر وهو قول جمهور الفقهاء، قال اللخمي: وهو أبين لأن السنة جعلت ليختبر في الفصول الأربعة فقد ينفع الدواء في فصل دون فصل وهذا يستوي فيه الحر والعبد. اهـ. ومثله يجرى في الأبرص والأجذم والمجنون (من يوم الحكم) لا من يوم الرفع لأنه قد يتقدم على يوم الحكم (بعد الصحة) من المرض (إن كان مريضاً) بمرض غير الاعتراض.

(ولها النفقة) على زوجها في السنة أو نصفها خلافاً لاستظهار الشيخ.

(وصدق) الزوج (إن ادعى الوطء فيه): أي في الأجل (بيمين، فإن نكل) عن اليمين (حلفت) الزوجة أنه لم يطأ، وفرق بينهما قبل تمام السنة إن [1] شاءت (وإلا) تحلف بأن نكلت كما نكل، (بقيت) إلى تمام الأجل.

(وإن لم يدعه): أي الوطء بعد الأجل (طلقها) زوجها (إن طلبته): أي الطلاق، أي أمره الحاكم بطلاقها، فإن طلق فواضح.

(وإلا) يطلقها، وامتنع (فهل يطلق الحاكم؟ ) بأن يقول: طلقتها عليك، أو هي طالق منك أو نحو ذلك -وهو المشهور، فالأولى الاقتصار عليه (أو يأمرها) الحاكم (به) أي بإيقاع الطلاق؛ بأن تقول: طلقت نفسي منه أو نحوه، (ثم يحكم) به الحاكم؟ ونقل عن ابن القاسم (قولان): قال بعضهم: أي يشهد به، قال ابن عات: وليس المراد ما يتبادر منه من الحكم، بل المراد أن يقول لها الحاكم بعد تمام نظره مما يجب: طلقي نفسك إن شئت وإن شئت التربص عليه، فإن طلقت نفسها أشهد على ذلك. اهـ. ذكره المحشي (ولها) أي لزوجة المعترض (الفراق بعد الرضا بمدة): أي بإقامتها معه مدة عينتها، كقولها: رضيت بالمقام معه سنة أيضاً أو سنتين، قال بعضهم: والظاهر أن هذا ليس بشرط وإن كان ظاهر كلام ابن القاسم، بل لو قالت: رضيت بالمقام معه، ثم أرادت الفراق فلها ذلك، (بلا ضرب أجل) ثان لأنه قد ضرب أولاً، وهذا كالمستثنى من قولهم أول الفصل ولم يرض (ولها الصداق) كاملاً (بعده): أي بعد الأجل لأنها مكنت من نفسها وطال مقامها معه

ــ

مقابله للخمي أنه كالحر.

قوله: [والثيوبة]: حاصله أن من تزوج امرأة يظنها بكراً فوجدها ثيباً، فإن لم يكن شرط فلا رد مطلقاً علم الولي بثيوبتها أم لا، وإن شرط العذارة فله الرد مطلقاً أو البكارة وكان زوالها بنكاح، وإن شرط البكارة وكان زوالها بوثبة أو زنا، فإن علم الولي وكتم على الزوج كان له الرد، وإن لم يعلم الولي ففيه تردد قوله:[لأن الرقيق ليس بكفء للحر]: أي على المعول عليه كما تقدم، بخلاف العبد مع الأمة يظن أحدهما حرية الآخر، والمسلم مع النصرانية يظنها مسلمة فتبين خلاف ظنه فلا خيار لاستوائهما رقاً وحرية، إلا أن يغر

بأن يقول الرقيق: أنا حر، والنصرانية، أنا مسلمة، وعكسه، ولا يكون بذلك مرتداً فالخيار في الأربع صور.

قوله: [بفتح الراء]: أي على أنه اسم مفعول، ومعنى اتصافه بالاعتراض قيام مانع الوطء به، وإنما يكون لعارض كسحر أو خوف أو مرض.

قوله: [بأن لم يسبق له فيها وطء]: أي سواء كان اعتراضه قديماً أو حادثاً.

قوله: [وإلا فلا خيار لها]: أي ما لم يدخله على نفسه كمن فعل بنفسه فعلاً منع به الانتشار كذا قاله بعض الأشياخ.

قوله: [قال اللخمي وهو أبين]: لكن أيد في المجموع الأول بقوله: هكذا الفقه، وإن كانت حكمة الفصول تقتضي المساواة.

قوله: [بعد الصحة]: أي كما قال ابن رشد حيث كان المرض شديداً، وأما إن مرض بعد الحكم جميع السنة أو بعضها كأن يقدر، في مرضه هذا على علاج أو لا فلا يزاد عليها، بل يطلق عليه.

قوله: [ولها النفقة على زوجها]: أي لأنها في نظير الاستمتاع وهي ممكنة له في ذلك فتدبر.

قوله: [وفرق بينهما قبل تمام السنة]: هذا مذهب المدونة وهو المعتمد، خلافاً لما في الموازية من أنه إذا نكل يبقى لتمام السنة، ثم يطلب بالحلف ولا يكون نكوله أولاً مانعاً من حلفه عند تمام السنة، فإن نكل فرق بينهما.

قوله: [وإن لم يدعه]: أي بأن وافقها على عدمه أو سكت ولم يدع وطئا ولا عدمه.

قوله: [أي لزوجة المعترض الفراق]: حاصله أنها إذا رضيت بعد مضي السنة التي ضربت لها بالإقامة مدة لتتروى وتنظر في أمرها، أو رضيت رضاً مطلقاً من غير تحديد بمدة، ثم رجعت عن ذلك الرضا فلها ذلك، ولا تحتاج إلى ضرب أجل ثان، لأن الأجل قد ضرب أولاً، بخلاف ما لو رضيت ابتداء بالإقامة معه لتتروى في أمرها بلا ضرب أجل، ثم قامت فلا بد من ضرب الأجل وهذا كله في زوجة المعترض كما علمت، وأما زوجة المجذوم إذا طلبت فراقه فأجل لرجاء برئه وبعد انقضاء الأجل رضيت بالمقام معه، ثم أرادت الرجوع فإن قيدت رضاها بالمقام معه أجلاً لتتروى كان لها الفراق من غير ضرب أجل ثان، وإن لم تقيد بل رضيت بالمقام معه أبداً ثم أرادت الفراق

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 426

وتلذذ بها، فإن طلق قبل السنة فلها نصفه، قال الحطاب: إذا لم يطل مقامها معه فإن طال فلها الصداق، وإذا كان لها النصف تعاض المتلذذ بها.

(كطلاق المجبوب والعنين اختياراً بعد الدخول): فيه الصداق كاملاً، فلو طلق عليهما لعيبهما فسيأتي.

(وأجلت الرتقاء للدواء) حيث رجي زواله بالدواء (بالاجتهاد) بلا تحديد بل بما يقوله أهل المعرفة بالطب، (ولا تجبر) الزوجة (عليه) أي على التداوي (إن كان) الرتق (خلقة) أي من أصل الخلقة، لا إن كان بعمل كما يقع لبعض السودان حين الخفاض من التحام الشفرين فتجبر (وجس على ثوب منكر الجب ونحوه) كخصاء وعنة (بظاهر اليد) لأنه أخف من باطنها، ولا يجوز النظر إليه.

(وصدقا): أي الزوجان (في نفي داء الفرج): كالاعتراض والبرص والجذام القائم به إن ادعاه الآخر (بيمين)، ولا يجوز نظر النساء لها، كما لا يجوز نظر الرجال له.

(وصدقت في بكارتها و) صدقت في (حدوثه) أي العيب (بعد العقد) إذا ادعته وادعى هو أنه قديم، وتحلف إن كانت رشيدة (وحلف أبوها إن كانت سفيهة أو صغيرة)، قال ابن رشد: والأخ كالأب بخلاف غيرهما من الأولياء فلا يمين عليهم، بل اليمين عليها أي السفيهة ويصبر لبلوغ الصغيرة.

(ولا ينظرها النساء) إذا كان العيب بالفرج كالبكارة خلافاً لسحنون.

(وإن شهدت له امرأتان قبلتا)، ولا يكون نظرهما لفرجها جرحة نظراً لقول سحنون.

ولما فرغ من الكلام على بيان العيوب وما يوجب الرد وما لا يوجبه شرع في الكلام على ما يترتب على الرد قبل البناء وبعده من الصداق فقال: (ولا صداق في الرد قبل البناء) ولو وقع بلفظ الطلاق، لأن العيب إذا كان به فقد اختارت فراقه قبل استيفاء سلعتها، وإن كان بها فغارة مدلسة.

(وإن ردته) الزوجة (بعده) أي البناء لعيبه (فلها المسمى) لتدليسه.

(وإن ردها) الزوج بعده لعيبها (رجع به) الزوج

ــ

فقال ابن القاسم: ليس لها ذلك إلا أن يزيد الجذام، وقال أشهب: لها ذلك وإن لم يزد، وحكى في البيان قولاً ثالثاً ليس لها ذلك، وإن زاد قال (بن): وقول ابن القاسم هو الموافق لتقييد الخيار فيما سبق بعدم الرضا.

قوله: [وتلذذ بها]: أي بالمقدمات.

قوله: [فإن طلق قبل السنة] إلخ: أي بغير اختياره، وأما إن طلق باختياره فعليه الصداق كاملاً بمجرد الدخول أولى من المجبوب والعنين والخصي.

قوله: [تعاض المتلذذ بها]: أي زيادة على النصف بما يراه الحاكم أو جماعة المسلمين إن لم يكن حاكم.

قوله: [فلو طلق عليهما لعيبهما فسيأتي]: لم يأت له ذلك في هذا الشرح، وإنما ذكره في الأصل.

وحاصل فقه المسألة أن المرأة إذا ردت زوجها بعد الدخول بسبب عيبه يجب لها المسمى إذا كان يتصور وطؤه كمجنون ومجذوم وأبرص، فإن كان لا يتصور وطؤه كالمجبوب والعنين والخصي مقطوع الذكر، فإنه لا مهر لها على من ذكر كما قال ابن عرفة، فقد علمت أن العنين والمجبوب والخصي مقطوع الذكر إذا طلقوا بعد الدخول باختيارهم عليهم الصداق كاملاً، وإن ردوا بعيبهم لا شيء عليهم.

قوله: [وأجلت الرتقاء] إلخ: لا مفهوم له، بل جميع الأدواء المختصة بالمرأة إن رجي برؤها كذلك.

قوله: [بلا تحديد]: هذا هو المشهور، وقيل يضرب لها شهران.

قوله: [إن كان الرتق خلقة]: أي سواء كان يحصل بعده عيب في الإصابة أم لا، وهذا إن طلبه الزوج وامتنعت، وأما إن طلبته هي وأبى الزوج، والفرض أنه خلقة فإنها تجاب لذلك، ولا كلام للزوج إذا كان لا يحصل بعده عيب وإلا فلا بد من رضاه.

قوله: [وجس على ثوب منكر الجب] إلخ: أي، وأما منكر الاعتراض بأن ادعت على زوجها أنه معترض وأكذبها، فإنه لا يعلم الجس، وحينئذ فيصدق في نفيه بيمين لأن إنعاظه ويجس عليه لا يحصل من ذوي المروءات فلا يلزم به لفحشه.

قوله: [وحلف أبوها إن كانت سفيهة] إلخ: إن قلت كيف يحلف الأب ليستحق الغير مع أن الشأن أن الإنسان إنما يحلف ليستحق هو؟ أجيب بأن المراد بالحلف لكونه مقصراً بعدم الإشهاد على أن وليته سالمة حين العقد، فالغرم متعلق به، والحلف لرد الغرم عن نفسه لا لاستحقاق غيره.

قوله: [ولا ينظرها النساء]: أي كما هو قول ابن القاسم، وابن حبيب، ونقله بعضهم عن مالك وكل أصحابه غير سحنون.

قوله: [وإن شهدت له امرأتان]: أي أو امرأة واحدة وهذا كالمستثنى من تصديق المرأة في داء فرجها، كأنه قيل محل تصديق المرأة ما لم يأت الرجل بامرأتين يشهدان له، فإنه يعمل بشهادتهما، ولا تصدق المرأة، وظاهره ولو حصلت الشهادة بعد حلفها على ما ادعت كذا في الحاشية.

قوله: [ولو وقع بلفظ الطلاق]: هذا ظاهر في ردها له بعيبه، وأما في رده لها بعيبها فمحل كونه لا صداق لها إن ردها بغير طلاق، فإن ردها به فعليه نصف الصداق كذا في الحاشية نقلاً عن الأجهوري، وكلام المصنف شامل لما إذا كان الرد بعيب يوجب الرد بغير شرط أو بعيب لا يوجبه إلا بشرط وحصل ذلك الشرط.

قوله: [فلها المسمى] إلخ: أي إذا كان يتصور وطؤه كمجنون ومجذم ومبرص، فإن كان لا يتصور وطؤه كالمجبوب والعنين والخصي مقطوع الذكر، فإنه لا مهر عليه كما قاله ابن عرفة وتقدم ذلك.

قوله: [رجع به]: أي بالمسمى إن كان الرد بعيب يرد فيه بغير شرط، فإن كان يرد فيه بالشرط رجع بما زاده المسمى عن

ص: 427

(على ولي لم يخف عليه حالها كأب وأخ) وابن لتدليسه بالكتمان، (ولا شيء عليها) من الصداق الذي أخذته فلا رجوع للولي ولا للزوج عليها إذا كانت غائبة عن مجلس العقد.

(و) رجع الزوج (عليه) أي على الولي المذكور، (أو عليها) فهو بالخيار (إن حضرت مجلس العقد) لتدليسهما بالكتمان، (ثم) يرجع (الولي عليها إن أخذه) الزوج (منه) أي من الولي فقرار الغرم عليها، وهذا في العيب الظاهر كالجذام والبرص، وأما ما لا يظهر إلا بعد البناء أو بالوطء كالرتق فالولي القريب فيه كالبعيد كما يأتي.

(و) رجع (عليها فقط في) ولي (بعيد) شأنه أن يخفى عليها حالها (كابن عم) وحاكم (إلا ربع دينار) لئلا يخلو البضع عن مهر فيشبه وطؤها الزنا، (أو) ولي (قريب فيما) أي في عيب (لا يعلم قبل البناء كفعل [1]) ورتق وبخر.

(فإن علم) الولي (البعيد) بالعيب وكتمه (فكالقريب) فيرجع عليه بجميعه إن كانت غائبة عن مجلس العقد وعليه أو عليها إن زوجها بحضورها كاتمين.

(وحلفه الزوج) أي: حلف الزوج الولي البعيد (إن ادعى) عليه (علمه) بالعيب، (فإن نكل) الولي (حلف) الزوج (أنه غره، ورجع عليه وإلا) يحلف (فلا شيء له)، فلو حلف الولي بأنه لا علم عندي، رجع الزوج عليها هذا ما قاله اللخمي، وبه تعلم ما في كلام الشيخ من النظر، ونص اللخمي في التبصرة: واختلف أيضاً إذا كان الولي عماً أو ابن عم أو من العشيرة أو السلطان، فادعى الزوج أنه علم وغره وأنكر الولي، فقال محمد: يحلف، فإن نكل حلف الزوج أنه علم وغره، فإن نكل الزوج فلا شيء على الولي ولا على الزوجة، وقد سقطت تباعته على الزوجة بدعواه على الولي، وقال ابن حبيب: إن حلف الولي رجع على المرأة وهو أصوب. اهـ.

(و) رجع الزوج (على غار) له بأنها سليمة من العيوب (غير ولي) خاص (إن تولى) ذلك الغار (العقد) بالولاية العامة أو بتوكيل من الخاص (ولم يخبر بأنه غير ولي) ولم يعلم الزوج بذلك بجميع الصداق فإن أخبره الغار بأنه غير ولي لم يكن له عليه رجوع ولا على الزوجة أيضاً، وكذا إن علم الزوج بأنه غير ولي لتفريطه.

ولو غره غير الولي بأنها حرة فتزوجها، فإذا هي أمة فردها لذلك غرم للسيد المسمى وقيمة ولده منها، لأنه حر لعدم علمه برقها حين الوطء، ورجع على الغار بالمسمى الذي غرمه لسيدها (لا بقيمة الولد) لأن الغرور سبب في إتلاف الصداق فقط وهو وإن كان سبباً للوطء إلا أن الوطء قد لا ينشأ عنه ولد، فإن أخبر الغار بأنه غير ولي أو لم يتول العقد فلا رجوع للزوج بشيء.

(وولد) الزوج (المغرور بحريتها الحر فقط) لا غير المغرور، ولا مغرور عبد (حر) بإجماع الصحابة فهو كالمستثنى من قاعدة "كل ولد فهو تابع لأمه في الرق والحرية".

(وعليه): أي على المغرور (إن ردها) بالغرور منها أو من سيدها (الأقل من المسمى وصداق المثل)

ــ

صداق مثلها متصفة بذلك العيب كما ذكره في الأصل.

قوله: [على ولي]: أي تولى العقد وقوله: لم يخف عليه حالها أي لكونه مخالطاً، وإنما رجع الزوج عليه بجميع الصداق، لأنه لما كان مخالطاً لها وعالماً بعيوبها وأخفاها على الزوج صار غاراً له ومدلساً عليه، فلذلك كانت الغرامة عليه وحده إن كانت الزوجة غائبة عن مجلس العقد.

قوله: [فقرار الغرم عليها]: أي في هذه الحالة.

قوله: [فالولي القريب فيه كالبعيد]: أي في عدم الرجوع عليه.

قوله: [شأنه أن يخفى عليه حالها]: أي لكونه لم يكن مخالطاً لها.

قوله: [كابن عم وحاكم]: أي وكذا شديد القرابة إن كان غير مخالط لها؛ ففي الحقيقة المدار على المخالطة وعدمها وينظر في ذلك للقرائن كما يأتي.

قوله: [إلا ربع دينار]: أي أو ما يقوم مقامه ويترك لها أيضاً ربع دينار في الغرور بالعدة حيث قالت: أنا خرجت من العدة وعقد عليها ودخل بها معتمداً على ذلك، ثم ظهر كذبها، وأما لو كان الغرور من الولي فإنه يرجع عليه بكل الصداق كذا في الحاشية.

قوله: [وبه تعلم ما في كلام الشيخ] إلخ: أي حيث قال، فإن نكل حلف أنه غره ورجع عليه، فإن نكل رجع على الزوجة على المختار اهـ.

قوله: [وهو أصوب]: أي فهذا مصب اختيار اللخمي وبعد هذا كله فهو ضعيف، والمذهب أن الولي البعيد إذ حلف أنه لم يغر الزوج لم يرجع الزوج على الزوجة لإقراره أن الولي غره، ولا على الولي لحلفه، قال في الحاشية، فالحاصل أنه متى حلف الولي أو نكل الزوج، وإنما يكون ذلك في دعوى التحقيق لا غرم على أحد لا على الولي ولا على الزوجة، وإنما الرجوع في صورتين على الولي إحداهما أن ينكل، والدعوى دعوى اتهام يغرم فيها بمجرد النكول، والثانية أن يحلف الزوج بعد نكول الولي في دعوى التحقيق فيغرم الولي أيضاً اهـ.

قوله: [إن تولى ذلك الغار العقد]: أي وأما إن لم يتول العقد فلا يلزمه شيء لأنه غرور قولي.

قوله: [بجميع الصداق]: متعلق بقوله رجع.

قوله: [بتفريطه]: علة لعدم رجوعه في المسألتين.

قوله: [ورجع على الغار بالمسمى]: أي بشرطين وهما إن تولى العقد ولم يخبر بأنه غير ولي كما سيأتي في الشارح.

قوله: [فلا رجوع للزوج بشيء]: أي لتفريطه.

قوله: [الأقل من المسمى] إلخ: أي لأن من حجة الزوج أن يقول إذا كان المسمى أقل قد رضيت به على أنها حرة فرضاها به على أنها رق أولى، وإن كان صداق المثل أقل فمن حجته أن يقول لم أدفع المسمى إلا على أنها حرة؛ والفرق بين الحرة الغارة والأمة

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: «كعفل» ، ولعلها الصواب.

ص: 428

فإن لم يردها بل تمسك بها فصداق المثل.

(و) عليه أيضاً (قيمة الولد مطلقاً) ردها أو أمسكها كان الغرور منها أو من سيدها أو من أجنبي لأنه حر كما تقدم، بخلاف العبد المغرور فولده رق (دون ماله) أي الولد فلا يكون لسيد أمه وتعتبر قيمته (يوم الحكم) لا يوم الولادة، (إلا أن يعتق) الولد (على سيد أمه) بأن يكون سيد أمه جداً أو أباً أو أماً للمغرور فلا يغرم قيمته لعتقه على سيد الأم، ولا ولاء له عليه لتخلقه على الحرية.

(ولعدمه) بفتح العين: أي وعند عدم الأب بعسر أو موت أو فقد (تؤخذ) القيمة (من) نفس (الولد) إن أيسر، ولا يرجع بها على أبيه كما لا يرجع أبوه بها عليه إن غرمها، فإن أعسر أخذت من أولهما يساراً ولا يرجع على الآخر.

(و) لو عدم الأب وقلنا تؤخذ من الولد وكان الولد متعدداً (لا يؤخذ) من كل (ولد إلا قسطه): أي قيمته فقط، ولا يؤخذ مليء عن معدم، ولا حاضر عن غائب.

(وقبل قول الزوج إنه غر بيمين) إذا ادعى عليه العلم فله الرد قبل البناء، ولا شيء عليه، وبعده ويغرم قيمة الولد على ما مر.

(ولو طلقها أو ماتا) معاً أو أحدهما (فاطلع) بالبناء للمفعول (على موجب خيار) من جذام أو برص أو غير ذلك في أحدهما، (فكالعدم) فلها الصداق كاملاً في الموت مطلقاً وفي الطلاق إن دخل ونصفه إن لم يدخل والإرث ثابت بينهما.

(وللولي كتم العمى ونحوه) من كل عيب لا يوجب الخيار إلا بشرط، أي إذا لم يشترط الزوج السلامة منه؛ لأن النكاح مبني على المكارمة بخلاف البيع يجب على البائع بيان كل ما يكرهه المشتري، وأما ما يوجب الخيار فعليه بيانه.

(و) يجب (عليه كتم الخنى) بفتح الخاء المعجمة أي الفواحش التي توجب العار كالزنا والسرقة.

(ومنع أجذم وأبرص من وطء إمائه) لأنه ضرر، فالزوجة أولى، لأن تصرفه في الرقيق أقوى من تصرفه في الزوجة.

ــ

الغارة، أن الأمة الغارة قد حدث فيها عيب يعود ضرره على السيد فلزم الأقل من المسمى وصداق المثل، بخلاف الحرة الغارة فلذا لم يكن لها شيء إلا ربع دينار.

قوله: [فصداق المثل]: أي إذا أراد إبقاءها في عصمته لزمه صداق المثل كذا قال الشارح، والذي في (عب) والمجموع أنه إذا أراد إبقاءها في عصمته لزمه المسمى كاستحقاق ما ليس وجه الصفقة كما أفاده القرافي.

قوله: [إلا أن يعتق الولد على سيد أمه]: أي فإذا غرته أمة كأبيه بالحرية فتزوجها وأولدها ثم علم برقها، فإن الولد يعتق على سيد أمه ولا قيمة فيه، ويلزم الزوج للأمة الأقل من المسمى وصداق المثل إلى آخر ما تقدم.

قوله: [لتخلقه على الحرية]: أي فليس لسيد أمه فيه إنشاء عتق حتى يكون له الولاء.

قوله: [إلا قسطه]: اعترض بأن التعبير بقيمته أولى لأنه أظهر. وأجيب بأنه إنما عبر بقسطه لأجل أن يشمل ما إذا دفع الأب بعضاً من قيمتهم وأعسر بالباقي فلا إشكال أن الباقي يقسط على كل بقدر قيمته.

تنبيه: إذا كانت الغارة أم ولد يلزم الزوج قيمة ولدها على الغرر، فيقوم يوم الحكم على غرره لاحتمال موته قبل موت سيد أمه، فيكون رقيقاً أو بعد موته فيكون حراً، وكذلك ولد المدبرة يقوم على غرره لاحتمال موته قبل موت السيد فيكون رقيقاً أو بعده فيحمله الثلث فحر، أو يحمل بعضه أو لا يحمل منه شيئاً فيرق ما لا يحمله، فاحتمال الرق في ولد المدبرة أكثر منه في ولد أم الولد، ولو قتل ولد الأمة الغارة قبل الحكم بتقويمه وأخذ الأب ديته لزم الأقل من قيمته وديته لسيد أمه. فإن اقتص أو هرب القاتل فلا شيء على الأب كموته قبل الحكم من غير منفعة تعود على أبيه، وكذا لو ضرب شخص بطن الأمة وهي حامل فألقته ميتاً، وأخذ الأب عشر دية حرة فيلزمه لسيد الأم الأقل من عشر دية الحرة، ومن قيمة الأم يوم الضرب، وكذا لو جرح الولد شخص قبل الحكم عليه بالقيمة فيلزم أباه لسيد أمه الأقل مما نقصته قيمته مجروحاً عن قيمته سالماً يوم الجرح، ومما أخذه من الجاني في نظير الجرح، ثم يوم الحكم يدفع له قيمته ناقصاً كذا يؤخذ من الأصل فتدبر.

قوله: [ولا شيء عليه]: أي حيث حلف.

قوله: [ولو طلقها] إلخ: ظاهره ولو كان الطلاق على مال أخذه منها وهو كذلك عند ابن القاسم، وأكثر الروايات على أن كل نكاح لأحد الزوجين إمضاؤه وفسخه إذا خالعها الزوج على مال أخذه منها، فالطلاق يلزمه ويحل له ما أخذه منها ولا عبرة بما ظهر به من العيب بعد الطلاق، وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين ظهور العيب بالزوجة أو بالزوج، فالخلع ماض على كلتا الحالتين، وقال عبد الملك إذا ظهر العيب بالزوج رد ما أخذه لأنها كانت مالكة لفراقه، وقد اقتصر خليل على هذا القول في باب الخلع واعتمده الأجهوري، وصوب بعضهم كما قال في الحاشية قول ابن القاسم، وهو ظاهر كلام المصنف هنا.

قوله: [ونحوه]: أي كالقرع والسواد والشلل وغير ذلك من كل عيب تكرهه النفوس غير الثلاثة عشر عيباً قوله: [وأما ما يوجب الخيار]: أي بغير شرط.

قوله: [ومنع أجذم] إلخ: المراد بالمنع الحيلولة بينه وبينهن من الوطء والاستمتاع بهن لأنه لا ضرر ولا ضرار.

ص: 429

فصل في خيار من تعتق وهي في عصمة عبد

(لمن كمل عتقها) من الإماء وهي (تحت عبد) ولو بشائبة (فراقه) فيحال بينها وبينه حتى تختار (بطلقة)، وقوله:(فقط) راجع للثلاثة أي كمل عتقها لا إن لم يكمل تحت عبد لا حر بطلقة لا أكثر، سواء بينت أو أبهمت؛ كأن قالت: طلقت نفسي أو اخترت نفسي، (بائنة) خبر لمبتدأ محذوف أي وهي بائنة، وبالجر على النعت، والمعنى صفتها البينونة ولا إيهام فيه، فإن أوقعت طلقتين فله رد الثانية على قول الأكثر.

(ولا شيء لها) من الصداق إن اختارت نفسها (قبل البناء ولها بعده) أي البناء (المسمى)، لأنه تقرر لها بالوطء (إلا أن تعتق قبله) أي البناء، ولم تعلم بعتقها (فيطؤها غير عالمة، فالأكثر منه) أي من المسمى (ومن صداق) المثل.

(وليس للسيد انتزاعه) أي الصداق (إلا أن يشترطه) السيد لنفسه بعد أن قبضته من زوجها، (أو يأخذه) السيد من الزوج (قبل العتق) فيكون للسيد في الصورتين.

واستثني من قوله "لمن كمل عتقها" إلخ، قوله:(إلا أن تسقطه) أي إلا أن تسقط خيارها بقولها: اخترت زوجي ونحوه، أو تقول: أسقطت خياري فلا خيار لها بعد ذلك.

(أو تمكنه) من نفسها (طائعة) وإن لم يطأها بالفعل (بعد العلم) منها بعتقها، فلا خيار لها، (ولو جهلت الحكم) بأن لها الخيار أو بأن تمكينها طائعة مسقط لخيارها.

(أو يبينها): أي: يطلقها طلاقاً بائناً فلا خيار لها لفواته بفوات محل الطلاق.

(أو يعتق) زوجها (قبل اختيارها) فلا خيار لها لأنها صارت حرة تحت حر، (إلا) أن يحصل عتقه قبل اختيارها (لتأخير) للاختيار منها (لحيض)، فلا يسقط اختيارها لجبرها شرعاً على التأخير إذ لا يجوز طلاق في زمن الحيض، فإن أوقعت الطلاق زمنه لزم.

(ولها) أو لمن كمل عتقها (إن أوقفها) زوجها عند حاكم بحضرة عتقها، وقال لها: إما أن تختاري الفراق أو تختاري البقاء معي،

ــ

فصل في خيار من تعتق

إلخ

قوله: [لمن كمل عتقها]: أي في مرة أو مرات بأن أعتق السيد جميعها إن كانت كاملة الرق أو باقيها إن كانت مبعضة، أو عتقت بأداء كتابتها، أو كانت مدبرة وعتقت من ثلث ماله، أو أم ولد عتقت من رأس ماله.

قوله: [وهي تحت عبد]: قال ابن رشد علة تخييرها نقص زوجها لا جبرها على النكاح، ولذا قلنا لا خيار لها إذا كمل عتقها وهي تحت الحر، وعلى قول أهل العراق من أن علته جبرها على النكاح لها الخيار إذا كمل عتقها تحت الحر أيضاً.

قوله: [لا إن لم يكمل]: أي كما إذا حصل لها شائبة حرية كتدبير أو عتق لأجل أو عتق بعض أو إيلاد من سيد، كما لو غاب الزوج فاستبرأها السيد من ماء الزوج، وارتكب المحظور ووطئها فولدت فلا يحصل لها الخيار بمجرد ذلك.

قوله: [خبر لمبتدأ محذوف] إلخ: قال (بن) فيه نظر إذ قطع النعت هنا عن التبعية لا يجوز لقولهم إن نعت النكرة لا يقطع إلا إذا وصفت بنعت آخر، وذلك مفقود هنا وزعمهم أن في الجر إيهاما غير صحيح تأمل اهـ. فإذا علمت ذلك فالمناسب للشارح أن يقتصر على الثاني.

قوله: [فله رد الثانية على قول الأكثر]: أي لقول مالك لا تختار إلا واحدة بائنة، وقاله أكثر الرواة ومقابله قول المدونة وللأمة إذا عتقت أن تختار نفسها بالبتات وبتاتها اثنتان إذ هما بتات العبد.

قوله: [فالأكثر منه] إلخ: أي لأنه إن كان المسمى أكثر فقد رضي به على أنها أمة فرضاه به على أنها حرة أولى، وإن كان صداق مثلها أكثر دفعه له وجوباً لأنه قيمة بضعها، ومحل لزومه الأكثر منهما إذا كان نكاحه صحيحاً أو فاسداً لعقده، فإن كان فاسداً لصداقه وجب لها بالدخول مهر المثل اتفاقاً قاله (ح).

قوله: [إلا أن تسقطه]: أي ولو صغيرة أو سفيهة إذا كان الإسقاط حسن نظر لها، وإلا لم يلزمها عند ابن القاسم، ونظر لها السلطان، خلافاً لقول أشهب يلزمها الإسقاط مطلقاً ولو لم يكن حسن نظر.

قوله: [أو تمكنه من نفسها]: يدخل في ذلك ما إذا تلذذت بالزوج لأن تلذذه بها مع محاولته لها يكون مسقطاً فأحرى إذا تلذذت به دون محاولة منه.

قوله: [بعد العلم منها بعتقها]: فلو ادعى عليها العلم وخالفته كان القول قولها بلا يمين.

قوله: [ولو جهلت الحكم] إلخ: هذا الإطلاق الذي مشى عليه المصنف شهره ابن شاس وابن الحاجب والقرافي، وقال ابن القطان: إنما أسقط مالك خيارها حيث اشتهر الحكم ولم يمكن جهل الأمة به، وأما إذا أمكن جهلها فلا.

قوله: [فلا خيار لها]: أي ولو كان تأخيرها الاختيار لحيض، فقوله الآتي:"إلا لتأخير لحيض" محله حيث لم يبنها قبل ذلك، واعلم أنه إذا أبانها قبل اختيارها نفسها وكان ذلك قبل الدخول فلها نصف الصداق، ولا يدخل هذا تحت قوله:"ولا شيء لها قبل البناء" لأن ذاك فيما إذا اختارت فراقه قبل طلاقها.

قوله: [بفوات محل الطلاق]: أي وهو العصمة، فإذا أبانها واختارت الطلاق بعده كان ذلك الطلاق لا محل له لزوال محله بالبينونة.

قوله: [فلا يسقط اختيارها]: محل ذلك ما لم تمض مدة يمكنها أن تختار فيها فلم تختر حتى جاء الحيض وإلا فلا خيار لها.

قوله: [إن أوقفها زوجها] إلخ

ص: 430

(تأخير) إن طلبته تتروى فيه (بالنظر) من الحاكم أي بالاجتهاد منه (تنظر) أي تتروى (فيه وإلا) توقف بأن غفل عنها أو غاب زوجها أو لم يعلم الحكم (صدقت أنها ما رضيت به) أي بزوجها أي بالمقام معه إذا لم تمكنه طائعة (وإن بعد سنة) والله أعلم.

فصل في بيان أحكام تنازع الزوجين

(إن تنازعا في الزوجية) بأن ادعاها أحدهما وأنكرها الآخر (ثبتت ولو ببينة سماع) تشهد بأنا لم نزل نسمع من الثقات وغيرهم أن فلاناً زوج لفلانة أو تزوج بفلانة، ولا يثبت بإقرارهما بعد التنازع.

(وإلا) بأن لم يثبت ببينة قطع أو سماع (فلا يمين على المنكر) للزوجية منهما، لأن كل دعوى لا تثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها على المنكر المدعى عليه، بل (ولو أقام المدعي شاهداً) يشهد له؛ إذ لا فائدة في توجهها على المنكر لأنه لو نكل لم يقض بالشاهد والنكول، (لكن يحلف معه) أي مع شاهده إذا مات المنكر.

(ويرث): لأن الدعوى آلت إلى مال.

(ولا صداق) لها، لأنه من أحكام الحياة.

(وأمرت) المرأة المنكرة (بانتظاره): أي الزوج المدعي (لبينة ادعى قربها) لا ضرر عليها في انتظارها، فلا تتزوج، فإن أتى بها قضي له بها، (ثم) إذا أمرت بالانتظار ولم يأت بها، أو كانت البينة بعيدة (لم تسمع له بينة) بعد ذلك (إن عجزه) أي حكم بعجزه (الحاكم)، لا إن لم يحكم بذلك فتسمع.

(وليس إنكاره) للزوجية (طلاقاً)، فإذا أقامت عليه البينة وحكم الحاكم بها فيلزمه النفقة ويحل له وطؤها (إلا أن ينويه) أي الطلاق (به) أي بالإنكار فيكون طلاقاً (ولو حكم عليه بها): أي بالزوجية حين أقامت المرأة عليه البينة (جدد عقداً) لتحل له (إن علم) من نفسه (أنها غير زوجة) في الواقع، وأن البينة زور.

(ولو ادعاها) أي المرأة (رجلان) فقال كل منهما: هي زوجتي (أقام كل) منهما (بينة) تشهد له، وسواء صدقتهما

ــ

فلو عتق في زمن الإيقاف بطل خيارها ورجعت زوجة وليس ذلك مثل عتقه في زمن تأخيرها لأجل حيض.

قوله: [إن طلبته]: أي بأن قالت أمهلوني أنظر وأستشير في ذلك، واعلم أنه لا نفقة لها في مدة التأخير لأن المنع جاء منها.

تتمة: إن اختارت الفراق من عتق زوجها بعد عتقها ولم تعلم بعتقه حتى تزوجت بثان، فأتت بدخول ذلك الثاني إذا لم يعلم بعتق الأول، سواء دخل بها ذلك الأول أم لا كذا في الأصل.

فصل في بيان أحكام تنازع الزوجين

ذكر في هذا الفصل حكم تنازع الزوجين في أصل النكاح أو الصداق قدراً أو جنساً أو صفة أو اقتضاء أو متاع البيت وما يتعلق بذلك.

قوله: [ولو ببينة سماع]: اعلم أن بينة السماع لا بد أن تكون مفصلة كبينة القطع بأن تقول: سمى لها كذا النقد منه كذا والمؤجل كذا، وعقد لها وليها فلان كما في عبارة المتيطي فلا يكفي الإجمال في واحدة من ذلك، ورد المصنف بـ "لو" على ما قاله أبو عمران، إنما تجوز شهادة السماع إذا اتفقا على الزوجية.

والحاصل أنهما إذ تنازعا في أصل النكاح فإنه يثبت بالبينة المعاينة للعقد إذا فصلت اتفاقاً، وهل يثبت ببينة السماع أو لا؟ فقال أبو عمران لا يثبت، وقال المتيطي يثبت ببينة السماع بالدف والدخان، وعلى هذا مشى المصنف كخليل، ورد بـ "لو" على أبي عمران.

قوله: [ولا يثبت بإقرارهما بعد التنازع]: أي ولو كانا طارئين على الراجح.

قوله: [فلا يمين على المنكر للزوجية] إلخ: أي ولو كانا طارئين على الراجح، وقيل يلزمه وهو قول سحنون، ونص ابن رشد لو لم تكن المرأة تحت زوج، وادعى رجل نكاحها وهما طارئان، وعجز عن إثبات ذلك لزمها اليمين، لأنها لو أقرت له بما ادعاه من النكاح كانا زوجين، وقيل لا يمين عليها، لأنها لو نكلت عن اليمين لم يلزمها النكاح اهـ. وعزا الثاني ابن عرفة لمعروف المذهب والأول لسحنون كذا في (بن)، وما قاله سحنون مبني على أن الطارئين يثبت نكاحهما بإقرارهما بالزوجية مطلقاً والمشهور تقييد ذلك بما إذا لم يتقدم نزاع في أصل الزوجية.

قوله: [بل ولو أقام المدعي شاهداً]: أي خلافاً لقول ابن القاسم يحلف المنكر لرد شهادة ذلك الشاهد.

قوله: [ويرث]: أي على ما قال ابن القاسم لأن دعوى الزوجية بعد الموت ليس المقصود منها إلا المال، وكل دعوى مال يثبت بالشاهد واليمين، وقال أشهب لا ميراث لأن الميراث فرع الزوجية وهي لا تثبت بالشاهد واليمين.

قوله: [لأنه من أحكام الحياة]: أي لأنه في مقابلة التمتع في حالة الحياة ولم تثبت الزوجية حال الحياة.

قوله: [لم تسمع له بينة] إلخ: حاصله أنه إذا أنظره الحاكم ليأتي بالبينة التي ادعى قربها ثم لم يأت بها تارة ويعترف بالعجز، وتارة يقول لي بينة وسآتي بها، فإن عجزه القاضي ثم أتى بها لم تقبل، وهذا هو المشار إليه بقوله:[ثم لم تسمع له بينة] إلخ، أي في حال كونه مدعياً حجة وإن لم يعجزه في هذه الحالة وأتى بها قبلت، والمعترف بالعجز إذا عجزه وأتى بها فقولان بقبولها وعدمه والراجح عدم القبول.

قوله: [وليس إنكاره للزوجة طلاقاً]: وذلك لأن إنكاره لاعتقاده أنها ليست زوجة، فحيث أثبتتها لزمه البناء والنفقة، ولا يلزمه طلاق.

قوله: [إلا أن ينويه أي الطلاق] إلخ: أي والحال أنها قد أثبتت الزوجية، وأما إن لم تثبت الزوجية

ص: 431

أو كذبتهما أو صدقت أحدهما (فسخا): أي نكاحهما بطلقة بائنة، لاحتمال صدقهما مع عدم علم السابق منهما (كذات الوليين) إذا جهل زمن العقدين، ولا ينظر لدخول أحدهما بها، ولا ينظر لأعدلية إحداهما ولا لغيرها من المرجحات إلا التاريخ، فإنه يعمل بالسابقة في التاريخ، ولو أرخت إحداهما فقط بطلت كعدم التأريخ بالمرة على الأرجح.

(وإن أقر بها) أي بالزوجية (طارئان) على محله (توارثاً لثبوت النكاح) بإقرارهما وهما طارئان، (كأبوي صبيين) أقرا بنكاح ولديهما، فإنه يثبت به التوارث، (وإلا) يكونا طارئين ولا أبوي صبيين، بأن كانا بلديين أو أحدهما، وأقرا بالزوجية أو أحدهما من غير ثبوت، وسواء كان الإقرار في الصحة أو في المرض (فخلاف) في التوارث إذا مات أحدهما.

(و) إن تنازعا (في قدر المهر) كأن يقول الزوج: عشرة وتقول هي: بل خمسة عشر، (أو) في (صفته) بأن قالت: بدنانير محمدية، وقال: بل يزيدية وكان اختلافهما (قبل البناء، فالقول لمدعي الأشبه بيمينه)، فإن نكل حلف الآخر وثبت النكاح ولا فسخ.

(وإلا) يشبه واحد منهما أو أشبها معاً (حلفا) إن كانا رشيدين، وإلا فولي غير الرشيد كل على طبق دعواه، ونفي دعوى الآخر، وفسخ النكاح بينهما ونكولهما كحلفهما، (وبدأت) الزوجة بالحلف لأنها كالبائع، (وقضي للحالف على الناكل وفسخ) إن اختلفا (في الجنس) قبل البناء، كذهب وثوب وكعبد وفرس أو بعير (مطلقاً) أشبها معاً أو أحدهما أو لم يشبها، (إن لم يرض أحدهما بقول الآخر)، وإلا فلا فسخ.

(و) إن اختلفا (بعد البناء فالقول له) أي: للزوج (بيمين)، فإن نكل حلفت وكان القول لها (في القدر أو الصفة، وإن لم يشبه) كما لو أشبه بالأولى (كالطلاق) أي: كما أن القول للزوج بيمين إن اختلفا في القدر أو الصفة قبل البناء بعد الطلاق، (والموت) أشبه أو لم يشبه؛ فلا يراعى الشبه وعدمه إلا قبل البناء من غير طلاق وموت.

(فإن نكل) الزوج في هذه المسائل (حلفت) الزوجة وكان القول لها فيما إذا تنازعا بعد البناء أو بعد الطلاق، (أو) تحلف (ورثتها) فيما إذا ماتت لأن الطلاق والموت والبناء بمنزلة فوات السلعة في البيع، فالقول فيه بعد الفوات للمشتري إن أشبه، وهنا القول للزوج مطلقاً أشبه أم لا وأما قبل البناء فيراعى قول من أشبه لأنه بمنزلة قيام السلعة في البيع يراعى فيه قول من أشبه ويبدأ البائع باليمين، والمرأة هنا كالبائع هذا في الاختلاف في القدر والصفة.

وأما في الجنس فأشار له بقوله: (ورد) الزوج (لصداق المثل) إن تنازعا بعد البناء (في الجنس) والمراد به: ما يشمل النوع كعبد وفرس أو بعير، إذ المراد الجنس اللغوي وتقدم أنه إن كان التنازع قبل البناء ولم يرض أحدهما بما ادعاه الآخر فلا بد من فسخه، أي بعد حلفهما أو نكولهما معاً، ولا شيء فيه للمرأة.

فإن كان بعده فإنه يرد لصداق المثل (ما لم يزد على ما ادعته) المرأة،

ــ

فلا يكون طلاقاً، ولو قصده، لأنه طلاق في أجنبية.

والحاصل أن إنكاره إنما يكون طلاقاً إذا نوى ذلك وأثبتت الزوجية عليه، فإذا وجد الأمران لزمته طلقة إلا أن ينوي أكثر.

قوله: [ولا ينظر لدخول أحدهما بها]: أي وحينئذ فلا يكون الداخل أولى، ولا بد من الفسخ كذا قال عبد الحق، خلافاً لابن لبابة وابن غالب حيث قالا إن دخل بها أحدهما كانت له كذات الوليين إذا اختلف زمن عقدهما وعلم السابق.

قوله: [فإنه يعمل بالسابقة]: أي لأنه أسبق بالعقد عليها.

قوله: [كعدم التأريخ بالمرة]: وكذا إن لم يعلم السابق أو أرختا معاً في وقت واحد.

قوله: [وإلا يكونا طارئين] إلخ: حاصله أن الرجل والمرأة إذا كانا بلديين، أو أحدهما بلدياً والآخر طارئاً وأقرا بأنهما زوجان، ثم مات أحدهما فهل يرثه الآخر أو لا يرثه؟ في ذلك خلاف، فقال ابن المواز يتوارثان لمؤاخذة المكلف الرشيد بإقراره بالمال، وقال غيره لا يتوارثان لعدم ثبوت الزوجية لأن الزوجية لا تثبت بتقارر غير الطارئين وظاهره ولو طال زمن الإقرار ومحل الخلاف إذا لم يكن هناك وارث ثابت النسب حائز لجميع المال، وإلا لم يثبت التوارث اتفاقاً.

قوله: [وسواء كان الإقرار في الصحة أو في المرض]: أي لا فرق بين الإقرار في الصحة أو في المرض، فقد قال في الجواهر ومن احتضر فقال لي امرأة بمكة سماها ثم مات، فطلبت ميراثها منه فذلك لها، ولو قالت زوجي فلان بمكة فأتى بعد موتها ورثها بإقرارها بذلك، ونقله في التوضيح وخالف في ذلك الأجهوري، قال ومحل الخلاف إذا وقع الإقرار في الصحة وإلا فلا إرث اتفاقاً، لأن الإقرار في المرض كإنشائه فيه، وإنشاؤه فيه ولو بين الطارئين مانع من الميراث اهـ ورده بالنقل المتقدم عن الجواهر.

قوله: [وكان اختلافهما قبل البناء] أي بعد اتفاقهما على ثبوت الزوجية، والحال أنه لم يحصل موت ولا طلاق بدليل ما يأتي. قوله:[وفسخ النكاح بينهما]: أي ويتوقف الفسخ على الحكم ويقع الفسخ ظاهراً وباطناً كما يأتي

قوله: [مطلقاً]: أي كما هو عند اللخمي وابن رشد والمتيطي وغيرهم كما سيأتي

قوله: [إن لم يرض أحدهما] إلخ: حاصل فقه المسألة أنهما إذا تنازعا في جنس الصداق قبل البناء فسخ مطلقاً حلفا أو أحدهما أو نكلا أشبها أو لم يشبها، أو أشبه أحدهما، فإن تنازعا فيه بعد البناء رد الزوج لصداق المثل ما لم يزد على دعواها أو ينقص عن دعواه

ص: 432

فإن زاد فليس لها إلا ما ادعته إذ لا يعطى مدع أكثر مما ادعى (أو ينقص عن دعواه)، فإن نقص صداق المثل عن دعواه؛ كما لو قال: أصدقتها بقرة، وكان صداق مثلها شاة فإنها تعطى البقرة، إذ من أقر بشاة لا يقضى عليه بأقل مما أقر به، ومتى قلنا هنا بالفسخ احتاج لحكم وكان بطلاق. وقوله:(وثبت النكاح ولا فسخ) راجع لقوله: "وبعد البناء" إلخ، ولقوله:"فالقول لمدعي" إلخ، ولقوله:"وقضي للحالف" ولمفهوم قوله: "إن لم يرض"، فتحصل أنه إن كان تنازع قبل البناء ولم يحصل طلاق ولا موت فالقول لمدعي الأشبه بيمينه، ولا فسخ في القدر والصفة فإن أشبها معاً أو لم يشبها تحالفا وفسخ إن لم يرض أحدهما بقول الآخر، وإن كان التنازع قبله في الجنس حلفا وفسخ مطلقاً ولا ينظر لشبه ولا عدمه ما لم يرض أحدهما بقول الآخر وإن حصل التنازع بعد البناء أو قبله بعد طلاق أو موت فالقول للزوج بيمينه ولا فسخ في القدر والصفة، وأما في الجنس فيرد لصداق المثل بعد حلفهما أو نكولهما معاً ولا سبيل للفسخ ولا يراعى شبه لهما ولا لأحدهما، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي له بما ادعى، ولا فسخ أيضاً وقد علمت أنه متى حصل بناء فلا فسخ مطلقاً كان التنازع في القدر أو الصفة أو الجنس أشبها أو لم يشبها، أو أشبهه أحدهما دون الآخر إلا أنه في القدر والصفة القول قول الزوج إن حلف، وإلا حلفت وكان القول لها، وفي الجنس يرد لصداق المثل إن حلفا أو نكلا، فإن حلف أحدهما فالقول له وأنه إن لم يحصل بناء فتارة يفسخ، وذلك فيما إذا تحالفا أو تناكلا معاً في اختلافهما في الجنس مطلقاً أو في الصفة والقدر، إذا لم ينفرد أحدهما بالشبه وصور المسألة أربعة وعشرون؛ لأن التنازع إما في القدر أو الصفة أو الجنس، وفي كل: إما أن يشبها معاً أو لم يحصل شبه أو يشبه الزوج فقط أو هي فقط، وفي كل: إما أن يبني بها أو لا وظاهر كلام الشيخ أنه لا فرق بين الاختلاف في الجنس وغيره وهو خلاف ما قرره في توضيحه، ونقله عن اللخمي وابن رشد والمتيطي وغيرهم (ولو ادعى) الزوج أنه تزوجها (تفويضاً عند معتاديه): أي التفويض، وادعت هي تسمية (فكذلك): أي فالقول له بيمين، ولو بعد الفوات بدخول أو موت أو طلاق فيلزمه أن يفرض لها صداق المثل بعد البناء، ولا شيء عليه في الطلاق أو الموت قبل البناء، فإن اعتادوا التسمية خاصة فالقول لها بيمين وثبت النكاح.

(ولا كلام لمحجور): لسفه أو صبا من زوج أو زوجة في التنازع المتقدم ذكره، بل الكلام لوليه واليمين عليه (وإن قال الزوج) لها:(أصدقتك أباك): أو غيره ممن يعتق عليها (فقالت) بل أصدقتني (أمي) وغيرها ممن يعتق عليها أيضاً، وكان التنازع قبل الدخول بدليل التفصيل الآتي فصورها أربع: إما أن يحلفا أو ينكلا، أو يحلف الزوج دونها أو عكسه أشار لها بقوله:(حلفت) أي ابتدأت باليمين بأنه أصدقها أمها لا أباها، ثم قيل له احلف لرد دعواها، (فإن حلف) كما حلفت بأنه ما أصدقها إلا أباها لا أمها (فسخ) النكاح بطلاق وهذا دليل على أن النزاع قبل البناء إذ بعده لا يتأتى فسخ كما تقدم، وهذا من الاختلاف في الصفة (وعتق الأب) لإقراره بحريته وولاؤه لها كما يأتي، (كأن نكلا) معاً فإنه يفسخ ويعتق الأب فقط، (وإن نكل) بعد حلفها (عتقا معاً): الأب لإقراره بحريته والأم لحلفها ونكوله، (وثبت) النكاح (بها) أي بالأم، فلو طلقها قبل البناء رجع عليها بنصف قيمتها (وولاؤهما لها، وإن حلف فقط) دونها (ثبت) النكاح (به) أي بالأب والأم رقيقة ففي الصور الأربع يعتق الأب، وفي صورة واحدة تعتق الأم معه، وهي صورة نكوله وحلفها وهي التي يثبت النكاح بها وترق في الثلاثة والولاء لها في الأربع صور

اجتماعاً وانفراداً، فلو كان النزاع بعد البناء لثبت النكاح في الصور الأربع، والقول للزوج بيمين، فإن نكل حلفت وعتقا معاً، فإن نكلت أيضاً عتق الأب لأنه ثبت به النكاح ولا رجوع لأحدهما على الآخر بشيء.

ــ

وإن تنازعا في قدره أو في صفته، فإن كان قبل البناء صدق بيمين من انفراد بالشبه وإن أشبها أو لم يشبها، فإن حلفا أو نكلا فسخ النكاح ما لم يرض أحدهما بقول الآخر، وإن كان التنازع فيهما بعد البناء صدق الزوج بيمين، وقد فصل الشارح ذلك وأوضحه غاية الإيضاح.

قوله: [عند معتاديه]: أي إذا كانت من قوم يتناكحون على التفويض فقط، أو هو الغالب عندهم أو عليه وعلى التسمية سوية لصدق الاعتياد بذلك.

قوله: [فإن اعتادوا التسمية خاصة]: أي أو لا عادة لهم بشيء، أو كانت هي الغالبة فيقبل قول كل في ثلاث حالات.

تنبيه: لو ادعت امرأة على رجل أنه تزوجها مرتين بصداقين، وأكذبها الرجل وأقامت بكل بينة لزمه نصفهما وقدر طلاق بينهما، للجمع بين البينتين ولا فرق بين أن ينكر الرجل النكاح رأساً أو ينكر أحدهما، وكلفت بينة أن الطلاق بعد البناء ليتكمل الصداق الأول، وأما الثاني فينظر فيه لحالته الحاصلة، فإن كان قد دخل لزمه جميعه وإلا فنصفه إن طلق.

قوله: [ممن يعتق عليها]: أي وهم الأصول والفصول والحواشي القريبة قوله: [وهذا من الاختلاف في الصفة]: أي وإنما أفرده لينبه على أنه تارة يعتق الأب وتارة يعتقان معاً.

قوله: [وولاؤه لها]: أي لأنه أقر بأنه صداقها فيكمل العتق خصوصاً، وقد قيل إنها تملك بالعقد الكل ولا يرجع الزوج عليها بشيء من قيمته.

ص: 433

(و) إن تنازعا (في قبض ما حل) من الصداق فقال الزوج: دفعته لك، وقالت: لم تدفعه بل هو باق عندك، (فقبل البناء) القول (قولها، و) إن كان التنازع (بعده) فالقول (قوله بيمين فيهما) أي في المسألتين، لكن بأربعة شروط في الثانية، أفاد الأول بقوله:(إن لم يكن العرف تأخيره): أي تأخير ما حل من الصداق، بأن كان عرفهم تقديمه أو لا عرف لهم، فإن كان العرف تأخيره فلا يكون القول قوله بل قولها، والثاني بقوله:(ولم يكن معها رهن) وإلا فالقول لها لا له، والثالث بقوله:(ولم يكن) الصداق مكتوباً (بكتاب) أي وثيقة، وإلا فالقول لها، والرابع بقوله:(وادعى) بعد البناء (دفعه) لها (قبل البناء) فإن ادعى دفعه بعده فقولها وعليه البيان وأما التنازع في مؤجل الصداق فالقول لها كسائر الديون من أن من ادعى الدفع فلا يبرئه إلا البينة أو اعتراف من رب الدين.

(و) إن تنازعا (في متاع البيت): أي ما فيه (فللمرأة المعتاد للنساء فقط) كالحلي والأخمرة وما يناسب النساء من الملابس إن لم يكن في حوزه الخاص به، وإلا فالقول له بيمين ولم تكن المرأة معروفة بالفقر، وإلا فالقول له إلا ما يناسب جهازها.

(وإلا) يكن ما في البيت معتاداً للنساء فقط بل للرجال فقط كالسيف ونحوه والفرس ونحوها، والمصحف وكتب العلم وسلع التجارة، أو معتاداً لهما كالأواني (فله) القول (بيمين) لأن الشأن أن ما في البيوت للرجال (ولها الغزل) إذا تنازعا فيه (إلا أن يثبت) الزوج (أن الكتان له فشريكان) هو بقيمة كتانه وهي بقيمة غزلها.

(وإن نسجت) المرأة شقة وادعاها الزوج (كلفت) هي (بيان أن الغزل لها) واختصت به، قاله مالك، (وإلا) تبين أن لها الغزل (لزمه) لها (الأجرة) واختص بها، وقال ابن القاسم: النسج للمرأة وعلى الزوج بيان أن الكتان والغزل له، فإن أقام البينة كانت شريكة له فيها بقدر قيمة نسجها وهو بقيمة كتانه وغزله، قال بعضهم: وقول ابن القاسم هو المتبادر من مسألة كون الغزل لها.

(وإن اشترى) الزوج (ما هو): أي شيئاً شأنه أن يكون (لها) كالحلي (فادعته المرأة)، وأنه اشتراه لها من مالها، وادعى هو أنه اشتراه لنفسه من ماله (حلف وقضي له به)، فإن نكل [1] حلفت وقضي لها به (كالعكس)، وهو أنها اشترت شيئاً يشبه أن يكون للرجال كالسيف وادعت أنها اشترته من مالها، وقال هو: بل من مالي اشترته لي حلفت وقضي لها به، فإن نكلت حلف وأخذه وقيل: لا يمين عليها أي يقضى لها به من غير يمين.

ــ

قوله: [اجتماعاً وانفراداً]: فالاجتماع عتقهما معاً وهو صورة واحدة، والانفراد عتق الأب فقط وهو في ثلاث.

قوله: [في الصور الأربع]: المناسب أن يقول في الصور الثلاث لأنه بعد البناء لا يتأتى إلا ثلاث صور: حلفه. حلفها بعد نكوله. نكولهما معاً ولا يتأتى حلفهما معاً لقول الشارح، والقول للزوج بيمين فتكون الصور سبعاً أربعاً قبل الدخول وثلاثاً بعده.

واعلم أن الأب إذا مات بعد عتقه لإقرار الزوج وترك مالاً فإن الزوج يأخذ منه قيمته نظراً لإقرار الزوجة لأنه ملكه، والباقي للزوجة نصفه بالإرث ونصفه بالولاء، لا كله بالولاء كما قيل انظر (عب).

قوله: [القول قولها]: أي أنها لم تقبض إن كانت رشيدة وإلا فوليها هو الذي يحلف، فإن نكل وليها غرم لها لإضاعته بنكوله ما حل من الصداق.

قوله: [أو لا عرف لهم]: أي كما إذا استوى الحال.

قوله: [بل قولها]: أي بيمين أيضاً وهذا هو المعتمد. وقال سحنون: القول قوله.

قوله: [وأما التنازع في مؤجل الصداق] إلخ: أي سواء كان التنازع قبل البناء أو بعده كما في (بن).

قوله: [وإن تنازعا في متاع البيت] إلخ: اعلم أن مثل الزوجين القريبان كرجل ساكن مع محرمه أو مع امرأة أجنبية، وتنازع معها في متاع البيت ولا بينة لهما فحكمهما حكم الزوجين كذا في الحاشية.

قوله: [فله القول بيمين]: أي إلا أن يكون في حوزها الخاص بها، أو يكون فقيراً لا يشبهه لفقره فلا يقبل قوله، ويكون القول للمرأة.

قوله: [ولها الغزل]: أي بيمينها إذا تنازعا فيه قبل الطلاق أو بعده ولا بينة لأحدهما، وإنما قضي لها به لأنه من فعل النساء غالباً وهذا ما لم يكن يشبهه أيضاً ككونه من الحاكة، وإلا كان له خاصة بيمينه لأنه من المشترك، وتقدم أنه فيه يغلب جانب الرجل وكل هذا ما لم يكن في حوز أحدهما الخاص به.

قوله: [كلفت هي بيان أن الغزل لها]: اعترض على المصنف بأن قوله: "كلفت هي بيان" إلخ مخالف لقوله قبل: "ولها الغزل" لأنه فيما مر ادعت أن الغزل الذي في البيت لها فقبل قولها، وهنا ادعت ذلك فلم يقبل قولها. وأجاب بعضهم بحمل الأول على من صنعتها الغزل وهنا على من صنعتها النسج فقط. وأجيب أيضاً بأن ما مر قول ابن القاسم وما هنا قول مالك.

قوله: [حلف] إلخ: محل حلفه إذا كان اشتراه من غيرها كما هو الموضوع لا منها، وإلا فلا يمين وكذلك لو شهدت له البينة أنه اشتراه لنفسه فلا يمين أيضاً، وما قيل فيما اشتراه الرجل يقال فيما اشترته المرأة.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 434

فصل في الوليمة وأحكامها

(الوليمة وهي طعام العرس) بضم العين المهملة (مندوبة) للقادر عليها ولو قبل البناء سفراً وحضراً فلا يقضى بها، وقيل: واجبة فيقضى بها (ككونها) أي كما يندب كونها (بعد البناء) فهو مندوب ثان على المعتمد، وقيل إنما تكون بعد البناء، فإن قدمها لم يكن آتياً بالمندوب.

(تجب إجابة من عين لها) بالشخص صريحاً أو ضمناً ولو بكتاب أو رسول ثقة، يقول له ربها: ادع فلاناً وفلاناً وكذا ادع محلة كذا أو العلماء أو المدرسين وهم محصورون، لا إن لم يحصروا، ولا إن قال له: ادع من لقيته؛ فلا تجب كما لا تجب دعوة لطعام ختان، أو قدوم من سفر، أو لبناء دار، أو لصرفة صبي، أو لختم كتاب ونحو ذلك.

(وإن) كان المدعو (صائماً) فيجب (لا الأكل) وإن لمفطر فلا يجب (إن لم يكن) في المجلس (من يتأذى منه) لأمر ديني، كمن شأنه الخوض في أعراض الناس أو من يؤذيه (أو منكر كفرش حرير) يجلس عليه، هو أو غيره بحضرته (وآنية نقد) من ذهب أو فضة لأكل أو شرب أو تبخير أو نحو ذلك، ولو كان المستعمل غيره بحضرته، (وسماع غانية) ورقص نساء (وآلة لهو) غير دف وزمارة وبوق، (وصور حيوان) كاملة (لها ظل) لا منقوشة بحائط أو فرش، إذا كانت تدوم كخشب وطين، بل (وإن لم تدم) كما لو كانت من نحو قشر بطيخ.

والحاصل أن تصاوير الحيوانات تحرم إجماعاً إن كانت كاملة لها ظل مما يطول استمراره، بخلاف ناقص عضو لا يعيش به لو كان حيواناً، وبخلاف ما لا ظل له كنقش في ورق أو جدار. وفيما لا يطول استمراره خلاف، والصحيح حرمته والنظر إلى الحرام حرام، وأما تصوير غير الحيوان كالسفن والأشجار فلا حرمة فيه، وليس من المنكر ستر الجدران بحرير إذا لم يستند إليه.

ــ

فصل في الوليمة وأحكامها

الوليمة مشتقة من الولم: وهو الاجتماع لاجتماع الزوجين والناس فيها، ومنها أولم الغلام إذا اجتمع عقله وخلقه.

قوله: [وهي طعام العرس]: أي خاصة ولا تقع على غيره إلا بقيد، بأن تقول وليمة الختان مثلاً.

واعلم أن طعام الختان يقال له إعذار، وطعام القادم من سفر يقال له نقيعة، وطعام النفاس يقال له خرس بضم الخاء وسكون الراء، والطعام الذي يعمله الجيران والأصحاب لأجل المودة يقال له مأدبة بضم الدال وفتحها، وطعام بناء الدور يقال له وكيرة، والطعام الذي يصنع في سابع الولادة يقال له عقيقة، والطعام الذي يصنع عند حفظ القرآن يقال له حذاقة، ووجوب إجابة الدعوة والحضور إنما هو لوليمة العرس، وأما ما عداها فحضوره مكروه إلا العقيقة فمندوب كذا في الشامل، والذي لابن رشد في المقدمات: أن حضور الكل مباح إلا وليمة العرس فواجب، وإلا العقيقة فمندوب، والمأدبة إذا فعلت لإيناس الجار ومودته فمندوبة أيضاً، وأما إذا فعلت للفخار والمحمدة فحضورها مكروه.

قوله: [وقيل إنما تكون بعد البناء]: أي وقيل قبل البناء أفضل، وكلام مالك يحتمل أن يكون قاله لمن فاتته قبل البناء لأن الوليمة لإشهار النكاح، وإشهاره قبل البناء أفضل كذا في (بن)، قال البدر: الذي يظهر من كلام ابن عرفة أن غايتها للسابع بعد البناء، فمن أخرها للسابع كانت الإجابة مندوبة لا واجبة.

قوله: [ولو بكتاب]: أي هذا إذا كانت الدعوة مباشرة بأن خاطبه صاحب العرس بنفسه، بل وإن أرسل له كتاباً.

قوله: [ونحو ذلك]: أي من باقي السبعة التي قدمناها لك.

قوله: [وإن كان المدعو صائماً]: محل وجوب إجابة الصائم ما لم يبين له وقت الدعوة أنه صائم، وكان وقت الاجتماع والانصراف قبل الغروب وإلا فلا تجب إجابته.

قوله: [وإن لمفطر فلا يجب]: أي على الراجح لرواية محمد أنه يجيب، وإن لم يأكل، ولقول الرسالة وأنت في الأكل بالخيار وفي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من دعي فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك» ، وقال ابن رشد الأكل مستحب لقوله عليه السلام:«فإن كان مفطراً فليأكل وإن كان صائماً فليصل» ، أي يدع، فحمل مالك الأمر على الندب للحديث المتقدم، لأن إعمال الحديثين أولى من طرح أحدهما.

قوله: [وسماع غانية]: بمعنى مغنية إذا كان غناؤها يثير شهوة، أو كان بكلام قبيح، أو كان بآلة من ذوات الأوتار، لأن سماع الغناء إنما يحرم إذا وجد واحد من هذه الثلاثة، وإلا كان مكروها إن كان من النساء لا من الرجال فلا كراهة ما لم يكونوا متشبهين بالنساء، وإلا كان حراماً.

قوله: [وصور حيوان]: في (عب) نقلا عن (ح) أنه يستثنى من المحرم تصوير لعبة على هيئة بنت صغيرة تلعب بها البنات الصغار، فإنه جائز ويجوز بيعها وشراؤها لتدريب البنات على تربية الأولاد، وظاهر هذا أنه يجوز تصويرها واللعب بها للبنات، وبيعها وشراؤها وإن كانت كاملة الخلقة فانظره، مع قول الشارح تحرم إجماعاً إن كانت كاملة.

قوله: [بخلاف ناقص عضو]: مثله ما إذا كان مخروق البطن، وإنما حرمت الصور لما ثبت أن المصورين يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم أحيوا ما كنتم تصورون.

قوله: [والنظر إلى الحرام حرام]: أي كمشي على حبل وكالنط من الطارة واللعب بالسيف للخطر والغرر في السلامة، وفي (بن) عن ابن رشد أن المشهور أن عمل ذلك وحضوره جائز للرجال والنساء

ص: 435

(أو كثرة زحام) فإنها مسقطة لوجوب الدعوة (أو إغلاق باب دونه) إذا قدم، (وإن لمشاورة أو) لم يكن (عذر يبيح الجمعة) أي التخلف عنها من كثرة مطر أو وحل أو خوف على مال أو مرض أو تمريض قريب ونحو ذلك.

(وحرم ذهاب غير مدعو و) حرم (أكله) إن ذهب ويسمى الطفيلي (إلا بإذن) من رب الطعام فيجوز أكله.

(وكره نثر اللوز والسكر) ونحوهما في المجلس (للنهبة)، لأنه ليس من فعل الناس وأما وضع ذلك للأكل على العادة فجائز.

(و) كره (الزمارة والبوق) المسمى عندنا بالنفير إذا لم يكثر جداً حتى يلهي كل اللهو، وإلا حرم كآلات الملاهي ذوات الأوتار، والغناء المشتمل على فحش القول أو الهذيان (لا الغربال)، قال ابن عمر: هو المسمى عندنا بالبندير، ويسمى في عرف مصر بالطار، أي فلا يكره إذا لم يكن فيه صراصير، وإلا حرم (والكبر) فلا يكره: وهو الطبل الكبير المدور المُغَشَّى من الجهتين.

فصل في القسم بين الزوجات وما يلحق به

(إنما يجب القسم) على الزوج البالغ العاقل ولو مجبوباً أو مريضاً مرضاً يقدر معه عليه، (للزوجات) لا للإماء، ولا لزوجة مع أمة (في المبيت) لا في غيره

ــ

وهو قول مالك وابن القاسم، غاية الأمر أنه يكره لذي الهيئة أن يحضر اللعب اهـ من حاشية الأصل.

قوله: [أو كثرة زحام]: مثله ما إذا كان الداعي امرأة غير محرم، أو كانت الوليمة لغير مسلم، ولو كان الداعي مسلماً وكذا إن كان في البيت كلب عقور، أو كان في الطعام شبهة كطعام المكاس، أو خص بالدعوة الأغنياء، أو كانت الطريق فيها نساء واقفات يتعرضن للداخل.

قوله: [ونحو ذلك]: أي من باقي أعذار الجمعة المشهورة.

قوله: [إلا بإذن من رب الطعام]: أي في الدخول، والأكل وجواز الأكل حينئذ لا ينافي حرمة الذهاب ابتداء، ومحل حرمة مجيئه بغير إذن ما لم يكن تابعاً لذي قدر معروف بعدم مجيئه وحده، فالظاهر الجواز كما في الحاشية.

قوله: [للنهبة]: أي لأجل الانتهاب، فإن صار أحدهم يأخذ ما بيد صاحبه فحرام.

قوله: [ذوات الأوتار]: أي الخيوط كالربابة والعود والقانون.

قوله: [أي فلا يكره]: أي لقوله عليه الصلاة والسلام: «أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف» اهـ. وأما غير النكاح كالختان والولادة فالمشهور عدم جواز ضربه، ومقابل المشهور جوازه في كل فرح للمسلمين.

قوله: [وهو الطبل الكبير]: وقيل طبل صغير طويل العنق مجلد من جهة واحدة وهو المعروف بالدربكة، وفي تقرير لشيخ مشايخنا العدوي أن الطبل بجميع أنواعه يجوز في النكاح، فإن كان فيه صراصير ففيه خلاف.

تتمة: قال الإمام عز الدين بن عبد السلام: من كان عنده هوى من مباح كعشق زوجته وأمته فسماعه لا بأس به، ومن قال: لا أجد في نفسي شيئاً فالسماع في حقه ليس بمحرم، وقال السهروردي: المنكر للسماع إما جاهل بالسنن والآثار، وإما مغتر بما حرمه من أحوال الأخيار، وإما جامد الطبع لا ذوق له فيصر على الإنكار. قال بعض العارفين: السماع لما سمع له؛ كماء زمزم لما شرب له.

واعلم أن العلماء اختلفوا في العود وما جرى مجراه من الآلات المعروفة ذوات الأوتار؛ فالمشهور من المذاهب الأربعة أن الضرب به وسماعه حرام، وذهبت طائفة إلى جوازه ونقل سماعه عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص وغيرهم وعن جملة من التابعين ومن الأئمة المجتهدين، ثم اختلف الذين ذهبوا إلى تحريمه، فقيل: كبيرة وقيل: صغيرة، والأصح الثاني، وحكى المازري عن ابن عبد الحكم أنه قال: إذا كان في عرس أو صنيع فلا ترد به شهادة.

وأما الرقص فاختلف فيه الفقهاء، فذهبت طائفة إلى الكراهة، وطائفة إلى الإباحة، وطائفة إلى التفريق بين أرباب الأحوال وغيرهم فيجوز لأرباب الأحوال، ويكره لغيرهم، وهذا القول هو المرتضى، وعليه أكثر الفقهاء المسوغين لسماع الغناء، وهو مذهب السادة الصوفية، قال الإمام عز الدين بن عبد السلام: من ارتكب أمراً فيه خلاف لا يعزر عليه لقوله عليه الصلاة والسلام: «ادرءوا الحدود بالشبهات» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«بعثت بالحنيفية السمحة» ، وقال الله تعالى:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78] أي ضيق، وفي هذا القدر كفاية، فإن أردت الزيادة من ذلك فانظر حاشية شيخنا الأمير على (عب) في هذا الموضع، فإن فيها العجب العجاب.

فصل في القسم بين الزوجات

قوله: [وما يلحق به]: أي وهي أحكام النشوز.

قوله: [للزوجات]: هذا هو المحصور فيه، فالمعنى لا يجب القسم لأحد في شيء إلا للزوجات في المبيت على حد لا محبة لي في شيء إلا في الله.

قوله: [لا للإماء] إلخ: أي كما قال ابن شاس لا يجب القسم بين المستولدات وبين الإماء، ولا بينهن وبين المنكوحات. اهـ.

ص: 436

كالوطء والكسوة والنفقة، (وإن) كانت الزوجات (إماء) كلهن أو بعضهن، أو كتابيات كذلك.

(أو) وإن (امتنع الوطء شرعاً أو عادة أو طبعاً؛ كمحرمة) بحج أو عمرة، (أو مظاهر منها) مثالان للممتنع شرعاً، والامتناع في الأول من جهتها، والثاني من جهته، (ورتقاء) مثال للممتنع عادة، (وجذماء) مثال للممتنع طبعاً.

(لا) يجب القسم (في الوطء إلا لضرر)، أي إلا أن يقصد بتركه ضرراً فيمنع، ويجب عليه ترك الضرر (ككفه) عن وطء واحدة مع قدرته عليه، (لتتوفر لذته للأخرى)، والاستثناء منقطع.

(وفات) القسم (بفوات زمنه)، سواء فاته لعذر أم لا فلا يقضى، فليس للتي فاتت ليلتها ليلة بدلها.

(وإن ظلم) فلا محاسبة للمظلومة بما مكنه عند ضرتها لفوات زمنه، (كخدمة) عبد (معتق بعضه) يأبق زمن نوبة سيد بعضه، (أو) عبد (مشترك) بين اثنين مثلاً، (يأبق) فإذا رجع بعد شهر مثلاً فإنه يفوت على مالك بعضه، أو على أحد الشريكين ما أبق في زمنه، ولا يحاسب العبد بما أبق زمنه، ولا أحد الشريكين صاحبه إلا أن يستخدمه شخص أيام إباقه، فلسيد بعضه ولأحد الشريكين الرجوع على من استخدمه بمنابه (يوماً وليلة) معمول لقوله:"يجب القسم": أي إذا لم يرضين بشيء أقل أو أكثر كما سيأتي.

(وندب الابتداء بالليل) لأنه وقت الإيواء، (كالبيات عند) الزوجة (الواحدة) التي لا ضرة لها، فإنه يندب لما فيه من حسن العشرة ما لم تقتض الحاجة خلافه فإن شكت الوحدة ضمت لمن يؤانسها أو أتى لها بمن يؤانسها.

(وجاز برضاهن الزيادة على يوم وليلة، والنقص) لأن الحق في ذلك لهن.

(و) جاز (استدعاؤهن لمحله) بأن يكون له محل بخصوصه يدعو كل من كانت نوبتها أن تأتي إليه فيه، والأولى أن يذهب إليها بمحلها لفعله عليه الصلاة والسلام.

(كجمعهما بمنزلين بدار) واحدة فيجوز، (ولو) جبراً (بغير رضاهما)، واعترض سيدي أحمد بابا على الشيخ بأن ما ذكره من التقييد فيها بالرضا فلا نص في كلامهم يوافقه، بل نصوص أهل المذهب تدل على أن له جبرهن على ذلك.

(و) جاز (الأثرة) بفتحات كدرجة، وبضم الهمزة وسكون المثلثة كجحفة أي: أن يؤثر ضرتها (عليها برضاها بشيء) أي في نظير شيء تأخذه منه، أو من غيره (وبغيره) أي بغير شيء بل مجاناً

ــ

قوله: [كالوطء] إلخ: أدخلت الكاف الميل القلبي، بل سيأتي أن الوطء يوكل فيه لطبيعته ما لم يمتنع لتوفير لذته لأخرى فيحرم، ونفقة كل وكسوتها على قدر حالها، وله أن يوسع على من شاء منهن زيادة على ما يليق بمثلها، قال ابن عرفة: ابن رشد مذهب مالك وأصحابه، أنه إن قام لكل بما يجب لها بقدر حالها فلا حرج عليه أن يوسع على من شاء منهن بما شاء.

قوله: [والامتناع في الأول] إلخ: أي فلذلك عدد المثال.

قوله: [والاستثناء منقطع]: راجع إلى قوله: "إلا لضرر"، وضابط الاستثناء المنقطع صحة حلول لكن محله، فكأنه قال، لكن محل عدم وجوب القسم في الوطء إن لم يكن ضرر، وإلا فيجب وما قيل في الوطء يقال في الكسوة والنفقة.

قوله: [وإن ظلم]: أي بأن بات عند إحدى الضرتين ليلتين ليلتها وليلة ضرتها، وكذا إذا بات عند إحدى الضرتين ليلتها وبات ليلة الأخرى في المسجد لغير عذر.

قوله: [فلا محاسبة للمظلومة]: أي لأن القصد من القسم دفع الضرر الحاصل في الحال، وذلك يفوت بفوات زمنه، ولو قلنا بالقضاء لظلم صاحبة الليلة المستقبلة فتدبر.

قوله: [كخدمة عبد معتق بعضه] إلخ: أي وكانت خدمته مقسومة بالجمعة مثلاً.

قوله: [وندب الابتداء بالليل]: أي ما لم يقدم من سفر، فإنه يخير في النزول عند أيتهما شاء في وقت قدومه ولا يتعين النزول عند من كان ذلك اليوم يومها على المعتمد، وإنما يستحب فقط لأجل أن يكمل لها يومها.

قوله: [فإن شكت الوحدة]: أي في الليل أو النهار، قال ابن عرفة الأظهر وجوب البيات عند الواحدة، أو يأتي لها بامرأة ترضى ببياتها عندها لأن تركها وحدها ضرر، وربما تعين زمن خوف المحارب، قال بعضهم والأظهر التفصيل بين أن يكون عندها ثبات بحيث لا يخشى عليها في بياتها وحدها فلا يجب البيات ولا الأنيسة، وإلا فيجب أحد الأمرين وهذا هو الأظهر.

قوله: [وجاز برضاهن الزيادة] إلخ: أي فإن لم يرضيا وجب القسم بيوم وليلة، ومحل هذا إذا كانتا ببلد واحدة أو في بلدين في حكم الواحدة، وأما إذا كانتا ببلدين متباعدتين فلا بأس بالقسم بالجمعة أو الشهر مما لا ضرر عليه فيه.

قوله: [بل نصوص أهل المذهب] إلخ: أي حيث كان كل منزل مستقلاً بمنافعه، والجواز بالرضا إنما هو حيث لم يكن كل منزل مستقلاً بأن كان المنزلان بمرحاض واحد ومطبخ واحد، بقي شيء آخر وهو ما إذا أراد سكناهما بمنزل واحد وقد ذكر في التوضيح أنه لا يجوز، وإن رضيتا واعترضه الشيخ أحمد بابا، أيضاً بأن النصوص تدل على جواز سكناهما بمنزل واحد إن رضيتا، ولا يقال جمعهما في منزل يستلزم وطء إحداهما بحضرة الأخرى، لأنه يمكن أن يطأها في غيبة الأخرى قاله (بن).

تنبيه: ذكر شيخ مشايخنا العدوي أنها لا تجاب بعد رضاها بسكناها مع ضرتها أو مع أهله

ص: 437

وفيه نوع تكرار مع قوله: "وجاز برضاهن الزيادة" إلخ، وليس المراد بالأثرة التفضيل في النفقة والكسوة إذ لا يجب قسم في ذلك (كعطية) منها أو من غيرها لزوجها كانت ضرة أو لا (على إمساكها) في عصمته وعدم طلاقها فيجوز، وليس من أكل أموال الناس بالباطل.

(و) جاز (شراء يومها منها) بمال أو منفعة، وهذا من باب إسقاط حق وجب في نظير شيء لا بيع حقيقي (و) جاز (وطء ضرتها) في يومها (بإذنها) لا بغيره.

(و) جاز له (سلامه عليها)، وسؤاله عن حالها (بالباب) من غير دخول عليها وإلا منع.

(وجاز له البيات عند ضرتها إن أغلقت الباب دونه) حال دخوله لها أو قبله ولم تفتح له (إن لم يقدر على البيات بحجرتها) لخوف من لص أو غيره، فإن قدر لم يجز له البيات عند ضرتها.

(وإن وهبت) امرأة (نوبتها من ضرة): أي وهبتها لضرتها هند (فالكلام له) أي للزوج (لا لها) أي هند الموهوبة، فله أن يرضى وأن لا يرضى إذ قد يكون له غرض في الواهبة دون هند الموهوبة، (فإن رضي اختصت الموهوبة) وهي هند بتلك الليلة، (بخلاف هبتها) ليلتها (له) أي للزوج (فتقدر الواهبة عدماً): أي كأنها معدومة فيستحق تلك الليلة من يليها في القسم، وليس له أن يجعلها لمن يشاء (لا إن اشترى) الزوج ليلة من ضرة، (فيخص) بها (من يشاء ولها): أي للواهبة لزوجها أو لضرتها ليلتها (الرجوع) فيما وهبت لما يلحقها من الغيرة فلا قدرة لها على الوفاء.

(ومنع) أي حرم عليه (دخوله) أي الزوج (على ضرتها في يومها) بلا إذنها (إلا لحاجة)، فيجوز الدخول بقدر زمن قضاء الحاجة (بلا مكث) بعد تمامها.

(و) منع دخوله (حماماً بهما) معاً ولو برضاهما لأنه مظنة كشف العورة، وكذا جمع الإماء فيه بخلاف دخوله بواحدة فيجوز.

(و) منع (جمعهما معه في فراش) واحد (وإن بلا وطء، كأمتين) يحرم جمعهما في فراش واحد وإن بلا وطء، لكن على أحد القولين إذا لم يكن وطء.

(و) لو تزوج رجل بضرة (قضي) عليه (للبكر بسبع) من الليالي متواليات تختص بها عنهن، (وللثيب بثلاث)، ثم يقسم بعد ذلك، وهو مخير بعد ذلك في البداءة بما شاء (ولا تجاب) البكر أو الثيب (لأكثر) مما جعله لها الشرع إن طلبته (وإن لم يقدر مريض) على القسم لشدة مرضه، (فعند من شاء) منهن بلا تعيين.

(وإن سافر) زوج ضرائر أي أراد سفراً (اختار) منهن للسفر معه من شاء

ــ

في دار لسكناها وحدها. اهـ.

والظاهر أن محل ذلك ما لم يحدث مقتض.

قوله: [وفيه نوع تكرار]: أي لعموم قوله: "الزيادة"، فإنها صادقة ولو لبعضهن، ولكن المتبادر مما تقدم الزيادة عن اليوم والليلة مع التسوية للكل، أو النقص مع التسوية لكل فلا تكرار فتأمل.

قوله: [لزوجها]: أي ويجوز العكس بأن يعطي الزوج زوجته شيئاً على أن تحسن عشرته.

قوله: [وجاز شراء يومها منها]: أي لقول ابن عبد السلام: اختلف في بيعها اليوم واليومين، والأقرب الجواز إذ لا مانع منه، ونقل عن ابن رشد الكراهة قوله:[لا بيع حقيقي]: أي لأنه ليس متمولاً.

قوله: [وجاز له البيات عند ضرتها] إلخ: وهل يجوز وطء من بات عندها حينئذ؟ وهو ما اعتمده الأجهوري أو لا يجوز اقتصاراً على قدر الضرورة وهو ما لغيره.

قوله: [فإن قدر لم يجز له البيات] إلخ: ظاهره كانت ظالمة أو مظلومة وهو كذلك على المعتمد.

قوله: [فله أن يرضى وأن لا يرضى]: قال (عب): انظر مفهوم الهبة كالشراء، هل هو كذلك له المنع أو لا لضرورة العوضية؟ قال (بن) والظاهر أن له المنع في الشراء كالهبة لوجود العلة المذكورة.

قوله: [فيخص بها من يشاء]: أي كما صرح به ابن عرفة.

قوله: [الرجوع فيما وهبت]: أي سواء قيدت بوقت أو لا، وكذلك لو باعت نوبتها للعلة المذكورة.

قوله: [لأن مظنة كشف العورة]: لا يقال هذا يقتضي منع دخول النساء الحمام مؤتزرات بعضهن مع بعض، لأنه يقال المرأة يحصل منها التساهل في كشف عورتها إذا كان زوجها حاضراً، بخلاف ما إذا لم يكن حاضراً فلا يحصل عندها التساهل كذا في حاشية الأصل، قال في الحاشية: ثم إن مقتضى العلة جواز الدخول بالزوجات وكذا الإماء إذا اتصف كل بالعمى اهـ.

قوله: [لكن على أحد القولين]: أي والقول الآخر لابن الماجشون يكره في الزوجات، ويباح في الإماء وهو ضعيف.

قوله: [قضي عليه للبكر بسبع] إلخ: هذا هو المشهور، ومقابله أن البكر يقضى لها بسبع وللثيب بثلاث مطلقاً تزوجها على غيرها أم لا، وإنما قضي للبكر بسبع إزالة للوحشة فتحتاج لإمهال وتأن، والثيب قد جربت الرجال إلا أنها استحدثت الصحبة فأكرمت بزيادة الوصلة وهي الثلاثة، فلو زفت له امرأتان في ليلة فقال اللخمي: يقرع بينهما، وقيل الحق للزوج فهو مخير دون قرعة، قال ابن عرفة الأظهر أنه إن سبقت إحداهما بالدعاء للبناء قدمت وإلا فسابقة العقد، وإن عقدتا معاً فالقرعة، وإذا أوجبت القرعة تقديم إحداهما فإنها تقدم بما يقضى لها به من سبع إن كانت بكراً، أو ثلاث إن كانت ثيباً، ثم يقضى للأخرى.

قوله: [بما شاء]: أوقع ما على من يعقل اقتداء بقوله تعالى {فانكحوا ما طاب لكم} [النساء: 3]، ولما فيهن من نقص العقل.

قوله: [ولا تجاب البكر أو الثيب لأكثر]: ظاهره ولو شرطت ذلك عند العقد لأنه شرط مخالف للسنة.

ص: 438

(إلا) إذا أراد السفر (في قربة) أي لعبادة كحج وغزو (فيقرع) بينهما أو بينهن، فمن خرج سهمها أخذها معه لأن الرغبات تعظم في العبادات.

ولما فرغ من الكلام على أحكام القسم، أخذ يتكلم على أحكام النشوز فقال:(ووعظ) الزوج (من نشزت): أي خرجت عن طاعته بمنعها التمتع بها أو خروجها بلا إذن لمكان لا يجب خروجها له، أو تركت حقوق الله كالطهارة والصلاة، أو أغلقت الباب دونه أو خانته في نفسها أو ماله. والوعظ ذكر ما يقتضي رجوعها عما ارتكبته من الأمر والنهي برفق واختلف في وجوب نفقة الناشز والذي ذكره المتيطي ووقع به الحكم وهو الصحيح أن الزوج إذا كان قادراً على ردها ولو بالحكم من الحاكم، ولم يفعل فلها النفقة، وإن غلبت عليه لحمية قومها، وكانت ممن لا تنفذ فيهم الأحكام فلا نفقة لها.

(ثم) إن لم يفد فيها الوعظ (هجرها) في المضاجع فلا ينام معها في فرش، ولا يباشرها لعلها ترجع عن نشوزها.

(ثم) إن لم يفد الهجر (ضربها) ضرباً غير مبرح ولا يجوز الضرب المبرح وهو الذي يكسر عظماً أو يشين لحماً، ولو علم أنها لا ترجع عما هي فيه إلا به، فإن وقع فهو جان فلها التطليق والقصاص ومحل جواز الضرب (إن ظن إفادته) وإلا فلا يضرب، فهذا قيد في الضرب دون ما قبله لشدته (وبتعديه) أي الزوج على الزوجة بضرب لغير موجب شرعي، أو سب كلعن ونحوه، وثبت ببينة أو إقرار (زجره الحاكم بوعظ فتهديد) إن لم ينزجر بالوعظ، (فضرب إن أفاد) الضرب أي ظن إفادته وإلا فلا، وهذا إن اختارت البقاء معه (ولها التطليق) بالتعدي إذا ثبت (وإن لم يتكرر) التعدي منه عليها، وليس من الضرر منعها من الحمام والنزاهة وضربها ضرباً غير مبرح على ترك الصلاة ونحوها، بخلاف المبرح كما تقدم، (وإن) كانت (صغيرة وسفيهة) ولا كلام لوليها في ذلك.

(وإن أشكل) الأمر فلم يعلم هل الضرر منها أو منه بأن ادعت الضرر وتكررت شكواها، ولم تثبت ذلك أو ادعى كل منهما الضرر، وتكررت منه الشكوى ولم يكن له بينة (أسكنها) الحاكم: أي أمر بسكناها (بين) قوم (صالحين إن لم تكن بينهم) ليظهر لهم الحال، فيخبروا الحاكم بذي الضرر.

(ثم) إن استمر الإشكال والنزاع (بعث) الحاكم (حكمين من أهلهما) أي حكماً من أهله وحكماً من أهلها (إن أمكن)، فإن لم يمكن فأجنبيين.

(وندب كونهما جارين) لأن الجار أدرى بحال الجار (وصحتهما) أي الحكمين أي: شرط صحتهما (بالعدالة) فلا يصح حكم غير العدل، سواء حكم بطلاق أو إبقاء أو بمال، وغير العدل صبي أو مجنون أو فاسق، (والذكورة) فلا يصح حكم النساء (والرشد) فلا يصح حكم سفيه،

ــ

قوله: [إلا إذا أراد السفر في قربة]: أي وهذا هو اختيار ابن القاسم من أقوال أربعة، وهي الاختيار مطلقاً، القرعة مطلقاً، القرعة في الحج والغزو فقط، القرعة في الغزو فقط.

قوله: [ووعظ الزوج من نشزت]: أي إذا لم يبلغ نشوزها الإمام أو بلغه ورجي صلاحها على يد زوجها وإلا وعظها الإمام.

قوله: [ذكر ما يقتضي رجوعها]: أي بما يلين القلب من الوعد بالثواب والتخويف بالعقاب، المترتبين على طاعة الزوج ومخالفته.

قوله: [هجرها في المضاجع]: وغاية الهجر المستحسن شهر ولا يبلغ به أربعة أشهر.

قوله: [غير مبرح) بكسر الراء المشددة. اسم فاعل من برح به الضرب تبريحاً: شق عليه، فالمبرح هو الشاق، وإن ضربه فادعت العداء وادعى الأدب، فإنها تصدق ما لم يكن معروفاً بالصلاح وإلا قبل قوله.

قوله: [دون ما قبله]: أي وهو الوعظ والهجر، فإنه يفعله ولو لم يظن الإفادة، ولا يقال هما من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيشترط فيهما ظن الإفادة، لأنه يقال بل هما من باب رفع الشخص الضرر عن نفسه، بدليل أن في الآية تقدير مضاف وهو:{واللاتي تخافون نشوزهن} [النساء: 34]، أي ضرر نشوزهن، والخوف يصدق ولو بالشك.

قوله: [فضرب إن أفاد]: أي على طبق ما تقدم في وعظ الزوج لها. والحاصل أنه يعظه أولاً إذا جزم بالإفادة أو ظنها، أو شك فيها، فإن لم يفد ذلك هدده بالضرب، فإن لم يفد ذلك ضربه إن جزم بالإفادة أو ظنها.

قوله: [ولا كلام لوليها]: قال المؤلف في تقريره: هذا ظاهر في السفيهة فهو راجع لها دون الصغيرة فالكلام لوليها اهـ.

قوله: [حكمين من أهلهما]: أي لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال، وأطيب للإصلاح، ونفوس الزوجين أسكن إليهما، فيبرزان ما في ضمائرهما من الحب والبغض، وإرادة الفرقة أو الصحبة.

قوله: [فإن لم يمكن فأجنبيين]: فإن بعث أجنبيين مع الإمكان ففي نقض حكمهما تردد، والظاهر نقضه لأن ظاهر الآية أن كونهما من أهلهما واجب شرط كما في التوضيح.

قوله: [سواء حكم بطلاق]: أي بغير مال، وقوله:[أو بمال] أي في خلع.

قوله: [فلا يصح حكم النساء]: لأن الحكم حاكم وإمام مقتدى به، ولا يصح الحكم من النساء ولا الاقتداء بهن لنقصهن في العقل والدين.

قوله: [فلا يصح حكم سفيه]: اعلم أن السفيه إذا كان مولى عليه كان غير عدل، وإن كان أصلح أهل زمانه لأن شرط العدل أن لا يكون مولى عليه، وإن كان مهملاً فإن اتصف بما اعتبر في العدل فعدل وإلا فلا؛ فقول الشارح فلا يصح حكم

ص: 439

(والفقه بذلك) فلا يصح حكم جاهل بما ولي فيه.

(و) يجب (عليهما الإصلاح) ما استطاعا {إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما} [النساء: 35]، (فإن تعذر) الإصلاح (طلقا) أي حكما بالطلاق، (ونفذ) حكمهما ظاهراً وباطناً، (وإن لم يرضيا): أي الزوجان بحكمهما، (أو) لم يرض (الحاكم به).

(ولو كانا) أي الحكمان مقامين (من جهتهما) أي الزوجين فهو نافذ، ولو لم يرض به الزوجان أو الحاكم فأولى إذا أقامهما الحاكم، (بواحدة) متعلق بطلقا (ولا يلزم) الزوج (ما زاد) على الواحدة (إن أوقعا أكثر) من واحدة (وطلقا) بما فيه المصلحة فيطلقان (بلا خلع)، أي بلا مال يأخذانه منها للزوج (إن أساء) الزوج، أي إن كانت الإساءة منه، (وبه) أي بالخلع (إن أساءت) أي كانت الإساءة منها، (أو يأتمناه عليها) بلا طلاق، بأن يأمراه بالصبر عليها وعدم معاملتها بالضرر الواقع منها إن اقتضى النظر والمصلحة ذلك (وإن أساءا معاً) أي كان كل منهما يضر بصاحبه (تعين) الطلاق (بلا خلع عند الأكثر) إذا لم ترض بالمقام معه (وجاز) الطلاق (به) أي بالخلع (بالنظر عند غيرهم) أي الأكثر وهم الأقل هكذا نقله بعضهم واعترض على كلام الشيخ الذي مقتضاه عكس ذلك انظر شرح الشبرخيتي (وأتيا الحاكم) بعد حكمهما بما اقتضاه النظر (فأخبراه ونفذه) أي نفذ حكمهما وجوباً، ولا يجوز له تعقبه ولا نقضه كما تقدم، وإن خالف مذهبه، وفائدته جمع الكلمة وعدم الاختلاف.

(وللزوجين إقامة) حكم (واحد) يرضيانه من غير رفع للحاكم (على الصفة) المتقدمة من كونه عدلاً رشيداً ذكراً عالماً بذلك، وينفذ حكمه ولو لم يرضيا به فأولى أن لهما إقامة حكمين، بخلاف الحاكم إذا رفعا إليه فلا بد من بعث حكمين إذا كان لكل من الزوجين قريب من أهله، والآية الكريمة تفيد ذلك لأن قوله تعالى:{فابعثوا} إلخ يفيد أن ذلك عند الرفع، وأنهما إذا رضيا بإقامة واحد بلا رفع كفى (كالحاكم) له إقامة الواحد (والوليين) أي ولي الزوج وولي الزوجة حيث كان الزوجان محجورين لهما إقامة الواحد بلا رفع على أحد القولين، (إن كان) المقام (أجنبياً) من الزوجين، ومثله فيما يظهر إذا كان قريباً لهماً معاً قرابة مستوية، كابن عم لهما أو عم، والقول الثاني لا يجوز للحاكم ولا للوليين إقامة الواحد مطلقاً.

(ولهما) أي للزوجين (الإقلاع عنهما) أي عن الحكمين، وعدم الرضا بحكمهما، إن أقاما حكمين، أو الإقلاع عن الواحد إن أقاما واحداً ومحل جواز الإقلاع (إن أقاماهما) من أنفسهما بلا رفع للحاكم (ما لم) أي مدة كون الحكمين المقامين منهما لم (يستوعبا الكشف) عن حالهما، (ويعزما على الحكم) وإلا فليس لهما الإقلاع، وظاهره ولو رضيا بعد العزم على الحكم بالطلاق بالبقاء والصلح، وقال ابن يونس: ينبغي إذا رضيا معاً بالبقاء أن لا يفرق بينهما، ومفهوم إن أقاماهما أنهما لو كانا موجهين من الحاكم فليس لهما الإقلاع، ولو لم يستوعبا الكشف وهو ظاهر لعدم اختيارهما في إقامتهما (وإن) حكما بالطلاق و (اختلفا) أي الحكمان (في المال) أي العوض فقال أحدهما: بعوض، وقال الآخر: مجاناً (فإن التزمته) المرأة فظاهر (وإلا) تلتزمه (فلا طلاق) يلزم الزوج ويرجع الحال لما كان؛ لأن الزوج يدعي أن الطلاق معلق على شيء لم يتم لأن مجموع الحكمين بمنزلة حاكم واحد، ولا وجود للمجموع عند انتفاء بعضه فقوله واختلفا في المال أي في أصله،

وأما لو اختلفا في قدره أو صفته أو نوعه فينبغي الرجوع إلى خلع المثل، وقد تم الخلع ما لم يزد خلع المثل على دعواهما جميعاً أو ينقص عن دعوى أقلهما ذكره الأجهوري.

ــ

سفيه أي حيث كان مولى عليه أو مهملاً غير عدل.

قوله: [والفقه بذلك]: أي فغير الفقيه لا يصح حكمه ما لم يشاور العلماء بما يحكم به، فإن حكم بما أشاروا عليه به كان حكمه نافذاً.

قوله: [ولو لم يرض به الزوجان أو الحاكم]: أي أو كان الحكم الذي أوقعاه مخالفاً لمذهبه، إذ لا يشترط موافقتهما له في المذهب.

قوله: [ولا يلزم الزوج ما زاد]: حاصله أنه لا يجوز لهما ابتداء إيقاع أكثر من واحدة، فإذا أوقعاه فلا ينعقد منه إلا واحدة، لأن الزائد خارج عن معنى الإصلاح.

قوله: [وطلقا بما فيه المصلحة]: إن قلت إن كلام المصنف يفيد أنه يجوز للحكمين الطلاق ابتداء وهو يعارض ما يأتي له في باب القضاء من أن المحكم لا يجوز له أن يحكم في الطلاق ابتداء، فإن حكم مضى حكمه. والجواب أن ما هنا الطلاق ليس مقصوداً بالذات من التحكيم، بل أمر جر إليه الحال، وإنما المقصود بالذات الإصلاح، فلذا جاز لهما ابتداء الطلاق، وما يأتي المقصود بالذات من التحكيم الطلاق، فلذا لم يجز لغير القاضي الحكم فيه ابتداء.

قوله: [انظر شرح الشبرخيتي]: أي فإنه قال عند قول خليل: "وإن أساء فهل يتعين الطلاق بلا خلع أو لهما أن يخالعا بالنظر وعليه الأكثر؟ تأويلان" لم نر في كلامهم رجوعاً، قوله:"وعليه الأكثر" للثاني فعلى المصنف تقديمه لأول التأويلين.

قوله: [أي نفذ حكمهما) بأن يقول حكمت بما حكمتما به، وأما إن قال نفذت ما حكمتما به، فلا يرفع الخلاف.

قوله: [إقامة حكم واحد]: أي إن كان قريباً منهما مستوي القرابة أو أجنبياً منهما كما يأتي.

قوله: [على أحد القولين]: ظاهره أن الخلاف إنما هو في إقامة الوليين والحاكم، وأما إقامة الزوجين محكماً فلا خلاف في جوازه، وليس كذلك بل فيه الخلاف أيضاً كما في البدر القرافي، ولكن عدم الجواز بالنسبة للزوجين ضعيف رأى المصنف ضعفه فلم يلتفت له.

قوله: [وقال ابن يونس] إلخ: قال في الحاشية ومفاد بعض

ص: 440

ولما فرغ من الكلام على النكاح شرع يتكلم على الطلاق، وبدأ بالخلع لتقدم ذكره في النشوز ولأن له أحكاماً تخصه وهي قليلة بالنسبة لأحكام غيره من الطلاق، فقدمها ليتفرغ منها لذكر أحكام غيره فقال:

فصل في الكلام على الخلع وما يتعلق به

ومعناه لغة الإزالة والإبانة [1] من خلع الرجل ثوبه أزاله وأبانه، والزوجان كل منهما لباس لصاحبه قال تعالى:{هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187] فإذا فارقها كأنه نزعها منه، ولما كان في نظير عوض ناسبه أن يسمى بهذا الاسم أكثر من غيره.

وحكمه الأصلي الجواز كما أفاده بقوله: (يجوز الخلع وهو الطلاق بعوض): أي في نظير عوض قل أو كثر، ولو زاد على الصداق بأضعاف إن كان العوض منها، بل (وإن) كان (من غيرها) من ولي أو غيره.

(أو بلفظه) أي الخلع، و"أو" للتنويع: أي أنه نوعان: الأول وهو الغالب ما كان في نظير عوض.

والثاني: ما وقع بلفظ الخلع ولو لم يكن في نظير شيء، كأن يقول لها: خالعتك، أو أنت مخالعة.

(وهو): أي الخلع بنوعيه طلاق (بائن لا رجعة فيه)، بل لا تحل له إلا بعقد جديد بشروطه المتقدمة، (وإن قال) الزوج حين دفع العوض أو حين تلفظ بالخلع طلقتك طلقة (رجعية) فلا يفيده ويقع بائناً، ومن لوازم البينونة سقوط النفقة والإرث.

(وشرط باذله): أي العوض من زوجة أو غيرها (الرشد) فلا يصح من سفيه أو صغير أو رق.

(وإلا) بأن بذله غير رشيد (رد) الزوج (المال) المبذول، (وبانت) منه (ما لم يعلق بكأن تم لي) هذا المال فأنت طالق، (أو) إن (صحت براءتك فطالق)، فإذا رد الولي أو الحاكم المال من الزوج لم يقع طلاق بخلاف ما إذا قاله لرشيدة أو رشيد

ــ

الشراح اعتماده.

قوله: [وأما لو اختلفا في قدره] إلخ: أي بأن قال أحدهما: طلقت بعشرة، وقال الآخر: بثمانية، وقوله:[أو صفته)، أي بأن قال أحدهما: بمقطع هندي، وقال الآخر: ببلدي، وقوله: [أو نوعه] أي بأن قال أحدهما: بفرس والآخر: ببعير فالحكم كما قال الشارح.

فصل في الكلام على الخلع

وأركانه خمسة: القابل، والموجب، والعوض، والمعوض، والصيغة؛ فالقابل: الملتزم للعوض. والموجب: الزوج أو وليه، والعوض: الشيء المخالع به، والمعوض: بضع الزوجة، والصيغة: كاختلعت كذا في الحاشية، فالمراد من الخلع حقيقته المتضمنة لتلك الأركان.

قوله: [وما يتعلق به]: أي وهي فروعه الآتية.

قوله: [قال تعالى: {هن لباس لكم} [البقرة: 187]]: تسمية كل لباساً لصاحبه فيه استعارة مصرحة، بأن شبه الساتر المعنوي بالساتر الحسي، واستعير اسم المشبه به وهو اللباس، للمشبه وهو أحد الزوجين على طريق الاستعارة المصرحة، والجامع بينهما أن كلاً مانع للقبح أو مجاز مرسل من إطلاق الملزوم وهو اللباس، وإرادة اللازم وهو الستر.

قوله: [يجوز الخلع]: أي جوازاً مستوي الطرفين على المشهور، وقيل يكره وهو قول ابن القصار، والخلاف فيه من حيث المعاوضة على العصمة، وأما من حيث كونه طلاقاً فهو مكروه بالنظر لأصله، أو خلاف الأولى لقوله عليه الصلاة والسلام:«أبغض الحلال إلى الله الطلاق» ، كما يأتي.

قوله: [وهو الطلاق بعوض]: يفهم من قوله: "بعوض" أنه معاوضة فلا يحتاج لحوز كالعطايا فلو أحال عليها الزوج فماتت أو فلست أخذ من تركتها وأتبعت به.

قوله: [بل وإن كان من غيرها]: ظاهره جوازه بعوض من غيرها ولو قصد ذلك الغير إسقاط نفقتها عن الزوج في العدة وهو المشهور، ومذهب المدونة وحينئذ فلا يرد العوض ويقع الطلاق بائناً، وتسقط نفقة العدة، وقيل يعامل بنقيض مقصوده فيرد العوض ويقع الطلاق رجعياً ولا تسقط نفقتها.

تنبيه: قال في المدونة: من قال لرجل: طلق امرأتك ولك ألف درهم ففعل لزم الألف ذلك الرجل.

قوله: [بشروطه المتقدمة]: أي وأركانه والمراد شروط النكاح وأركانه المتقدمة في أول الباب.

قوله: [وشرط باذله]: أي شرط صحته بدليل التفريع.

قوله: [فلا يصح من سفيه] إلخ: المناسب فلا يلزم، لأن الولي ينظر في فعل محجوره فإن وجد فيه المصلحة أمضاه فمقتضى نظره فيه أنه صحيح غير لازم، كما يؤخذ من المجموع ومن حاشية الأصل والخرشي، قال في المجموع وإن خالع محجوراً عليها سفيهة أو غيرها نظر الولي اهـ. واختلف في لزوم العوض للسفيهة المهملة والمعتمد أنه لا يلزمها، ولو أقامت أعواماً عند زوجها. والحاصل أن الصغيرة والسفيهة وذات الرق إن أذن لهن الولي والسيد لزم العوض ولا يرده الزوج إذا قبضه، وأما إن فعلن ذلك بدون إذن فللولي والسيد رده، ولا تتبع إن عتقت وبانت من زوجها، وهذا في ذات الرق التي ينتزع مالها أما غيرها كالمدبرة وأم الولد في مرض السيد إذا خالعا وقف المال، فإن مات السيد مضى الخلع، وإن صح فله إبطاله ورد المال. وتبين من زوجها وأما المكاتبة إذا خالعت بالكثير فيرد إن اطلع عليه قبل أدائها، ولا يجوز له الإذن في ذلك لأنه يؤدي

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (والإعانة).

ص: 441

أو قاله بعد صدور الطلاق فلا ينفعه.

(وجاز) الخلع (من المجبر) أياً كان، أو سيداً أو وصياً عن مجبرته بغير إذنها ولو بجميع مهرها، وذلك ظاهر قبل الدخول وكذا بعده في السيد مطلقاً وفي الأب والوصي إذا كانت بحيث لو تأيمت بطلاق أو موت كانت مجبرة لصغر أو جنون وجعلنا المجبر شاملاً للوصي تبعاً لبعضهم، لكن نص المدونة أنه لا يجوز خلع الوصي إلا برضاها لقوله فيها: يجوز خلع الوصي عن البكر برضاها، وعليه فقول الشيخ:"بخلاف الوصي" أي فإنه لا يجوز خلعه عنها بغير رضاها صحيح، واعتراض الشراح عليه لا يسلم فتأمل. (لا) يجوز الخلع (من غيره) أي المجبر من سائر الأولياء (إلا بإذن) منها له فيه (وفي كون السفيهة) ذات الأب الثيب البالغ (كالمجبرة) يجوز للأب أن يخالع عنها من مالها بدون إذنها، أو ليست كالمجبرة فليس له ذلك (خلاف)، وظاهر كلامه في التوضيح: أن الأرجح أنه لا يجوز إلا برضاها.

(و) جاز الخلع (بالغرر كجنين) ببطن أمتها أو بقرتها أو نحو ذلك، فإن انفش الحمل فلا شيء له وبانت، كما لو كان الجنين في ملك غيرها، (وآبق) فإن لم يظفر به فلا شيء له، وبانت (غير [1] موصوف) من حيوان أو عرض وثمرة لم يبد صلاحها، (وله الوسط منه): أي من غير الموصوف لا الجيد، ولا الدنيء من جنس ما خالعته به، فإذا وقع على عبد أو بعير فله الوسط من ذلك.

(و) جاز الخلع (بنفقة حمل) أي بنفقتها على نفسها مدة حملها (إن كان) حمل: أي على تقدير وجوده، وأولى الحمل الظاهر (وبالإنفاق على ولدها) منه (أو ما تلده) من الحمل (مدة الرضاع) عامين (أو أكثر [2] ولا تسقط به) أي بخلعها على نفقة ما تلده من الحمل (نفقة الحمل على الأصح) وهو قول ابن القاسم، قال: لها نفقة الحمل لأنهما حقان أسقطت أحدهما عنه في نظير الخلع فيبقى الآخر، وقال الإمام: إذا خالعها بنفقة ما تلده استلزم ذلك سقوط نفقة الحمل، وهو الذي مشى عليه الشيخ بقوله فلا نفقة للحمل، ورجح الأول.

(كالعكس) أي إذا خالعها على إسقاط نفقة الحمل فلا يسقط به نفقة الرضاع، (أو) بالإنفاق (على الزوج) المخالع لها (أو) على (غيره) قريب أو غيره منفردة عن نفقة رضاع بل (وإن) كانت (مع) نفقة (الإرضاع) لولدها منه مدة الرضاع أو أكثر (فإن ماتت) المرأة (أو انقطع لبنها أو ولدت أكثر من ولد) في بطن (فعليها) النفقة، وتؤخذ من تركتها في موتها.

(وإن أعسرت) المرأة (أنفق الأب) على ولده المدة المشترطة، (ورجع) عليها إذا أيسرت (وإن مات الولد أو غيره) من زوج أو غيره (رجع الوارث عليها) أي على المرأة (ببقية) نفقة (المدة) المشترطة (إلا لعرف) أو شرط فيعمل به (و) جاز الخلع (بإسقاط حضانتها) لولده وينتقل الحق [3] له

ــ

لعجزها، وأما باليسير فيوقف ما خالعت به، فإن عجزت فله إبطاله ورد المال وبانت، وإن أدت صح ولزم، وأما المعتقة لأجل فخلعها صحيح لازم إن قرب الأجل لا إن بعد فينظر فيه السيد، وأما المبعضة فإن كان بمالها الذي ملكته ببعضها الحر فصحيح لازم فتأمل.

قوله: [أو قاله بعد صدور الطلاق]: أي لصغيرة أو سفيهة أو ذات رق فلا ينفعه ذلك على المعتمد خلافاً للبرزلي.

قوله: [فلا ينفعه]: هذا ظاهر بالنسبة لصدوره بعد الطلاق، وأما لو قاله لرشيدة فقد ينفع كما إذا كان مضارراً لها، فافتدت منه ليطلقها وأضمرت أنها تثبت الضرر وتعود عليه، فلو علق في تلك الحالة فلا يلزمه طلاق حينئذ، وأما طلاق الحاكم عليه للضرر فحكم آخر.

قوله: [وظاهر كلامه في التوضيح] إلخ: نص التوضيح في خلع الأب عن السفيهة قولان الأول لابن العطار وابن الهندي وغيرهما من الموثقين لا يجوز له ذلك إلا بإذنها، وقال ابن أبي زمنين وابن لبابة جرت الفتوى من الشيوخ بجواز ذلك، ورأوها بمنزلة البكر ما دامت في ولاية الأب على المشهور، اللخمي وهو الجاري على قول مالك في المدونة ابن راشد والأول هو المعمول به، ابن عبد السلام وهو أصل المذهب اهـ. وفي التوضيح أيضاً اختلف في خلع الوصي عنها برضاها في ذلك روايتان لابن القاسم والقياس المنع في الجميع اهـ من حاشية الأصل.

قوله: [كجنين]: فإذا أعتق الزوج الجنين المخالع به شرعاً صار حراً ببطن أمه.

قوله: [كما لو كان الجنين] إلخ: تشبيه في لزوم الطلاق ولا شيء له وظاهره كان عالماً أنه ملك للغير أو لا ولكنه يجري على ما يأتي.

قوله: [وغير موصوف]: ويدخل فيه اللؤلؤ.

قوله: [أي بنفقتها على نفسها]: فيه إشارة إلى أن المراد بقولهم نفقة الحمل أي نفقة أم الحمل.

قوله: [وتؤخذ من تركتها في موتها]: أي يؤخذ ما يفي برضاعه في بقية الحولين ولو استغرق جميع التركة، فإن الدين يقدم على جميع الورثة.

قوله: [إلا لعرف أو شرط]: أي يقدم الشرط على العرف عند تعارضهما.

قوله: [وينتقل الحق له]: هذا مقيد بأن لا يخشى على المحضون ضرر. إما لعلوق قلبه بأمه، أو لكون مكان الأب غير حصين وإلا فلا تسقط الحضانة اتفاقاً ويقع الطلاق، وإذا خالعته على إسقاط الحضانة ومات الأب، فهل تعود الحضانة للأم؟ وهو الظاهر أو تنتقل لمن بعدها لإسقاط حقها؟ وانظر إذا ماتت الأم أو تلبست بمانع، هل تعود الحضانة لمن بعدها قياساً على من أسقط حقه في وقف لأجنبي، ثم مات فيعود لمن بعده

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (وغير).

[2]

قوله: (أو أكثر) في ط المعارف: (وأكثر).

[3]

في ط المعارف: «المحق» .

ص: 442

ولو كان هناك من يستحقها غيره قبله، وهذا هو المشهور، ولكن الذي جرى به العمل وبه الفتوى انتقالها لمن يليها في الرتبة.

(و) جاز الخلع (مع البيع) كأن تدفع له عبداً على أن يخالعها ويدفع لها عشرة.

(و) لو خالعته بمال لأجل مجهول (عجل المؤجل بمجهول) فيأخذه منها حالاً، والخلع صحيح. (وله) أي للزوج (رد) شيء (رديء) وجده في المال الذي خالعته به ليأخذ بدله منها، سواء كان دراهم أو غيرها (إلا لشرط) بأن شرطت عليه عدم رد الرديء فليس له رده عملاً بالشرط (وإن استحق) من يد الزوج (مقوم معين) خالعته به كثوب معين أو عبد معين (فقيمته) يرجع بها عليها (وإلا) بأن خالعته بمثلي أو مقوم موصوف كثوب صفته كذا فاستحق من يده، (فمثله) يرجع به عليها (إلا أن يعلم) الزوج حين الخلع بأنها لا تملك ما خالعته به وخالعها عليه، (فلا شيء له) وبانت (كالحرام) فإنه يرد أنه إذا خالعها بشيء حرام (من كخمر) وخنزير ومغصوب ومسروق علم به فلا شيء له عليها وبانت، (وأريق) الخمر وقتل الخنزير ويرد المغصوب أو المسروق لربه.

(وكتأخيرها ديناً عليه) في نظير خلعها، وقد حل أجله، فإنه لا شيء له عليها لأن تأخير الحال سلف وقد جر لها نفعاً وهو خلاص عصمتها منه، وتأخذ منه الدين حالاً.

(أو تعجيل ما) أي دين لها عليه لأجل (لم يجب) عليها (قبوله) قبل أجله، بأن كان طعاماً أو عرضاً من بيع فيرد التعجيل، ويبقى إلى أجله وبانت لما فيه من حط الضمان عنه على أن زادها حل العصمة (أو) خالعها على (خروجها من المسكن) الذي طلقها فيه فيرد برجوعها له، لأنه حق لله لا يجوز إسقاطه.

(وبانت) راجع لجميع ما تقدم ولا شيء له عليها (كإعطائه) أي الزوج وهو من إضافة المصدر لمفعوله أي أعطته هي أو غيرها (مالاً في عدة) الطلاق (الرجعي على نفيها): أي الرجعة، (فقبل) الزوج ذلك المال على ذلك فيقع عليه طلقة أخرى بائنة اتفاقاً إن كان على أن لا رجعة له عليها وعلى المشهور إن كان على أن لا يرتجعها، وقال أشهب: له رجعتها ورد المال ذكره ابن رشد

ــ

ممن رتبه الواقف، أو تستمر للأب؟ وهو ظاهر كلام جمع نظراً إلى أنها ثبتت له بوجه جائز كذا في الحاشية.

قوله: [ولكن الذي جرى به العمل] إلخ: هذا الاستدراك أصله للـ (بن)، وهذا الخلاف مبني على خلاف آخر؛ حاصله أن من ترك حقه في الحضانة إلى من هو في ثالث درجة مثلاً، هل للثاني قيام أو لا قيام له؟ لأن المسقط له قائم مقام المسقط، وشمل قول المصنف؛ وبإسقاط حضانتها لولده الولد الحاصل، ومن سيحصل فيلزمها خلعها على إسقاط حضانتها لحمل بها كما قاله (ح)، وليس هذا من باب إسقاط الشيء قبل وجوبه لجريان سببه وهو الحمل.

قوله: [على أن يخالعها ويدفع لها عشرة]: أي فالعبد نصفه في مقابلة العشرة وهو بيع، ونصفه في مقابلة العصمة وهو خلع، سواء كانت قيمة العبد تزيد على ما دفعه الزوج من الدراهم أو تساوي أو تنقص على الراجح من وقوع الطلاق بائناً لأنه طلاق قارنه عوض في الجملة واستحسنه اللخمي، وبه القضاء كما قال المتيطي لا رجعياً كمن طلق وأعطى خلافاً لبعضهم.

قوله: [ولو خالعته بمال] إلخ: أي فالمال معلوم قدره والأجل مجهول كما إذا خالعته على عشرة دفعها له يوم قدوم زيد، وكان يوم قدومه مجهولاً، فالخلع لازم ويلزمها أن تعجل له العشرة حالاً، وتؤولت المدونة أيضاً على تعجيل قيمة ذلك المجهول، وما مشى عليه الشارح هو المعتمد إذ هو ظاهر المدونة، لأن المال في نفسه حلال، وكونه لأجل مجهول حرام، فيبطل الحرام ويعجل ووجه القول الثاني أنه كقيمة السلعة في البيع الفاسد.

قوله: [إلا أن يعلم الزوج] إلخ: حاصل المسألة أن الصور ثمان وهو ما إذا علما معاً أنه ملك للغير، أو جهلا معاً، أو علمت هي دونه، أو علم هو دونها، وفي كل إما أن يكون ما استحق معيناً أو موصوفاً، ويلحق به المثلي، فإن علما معاً أو علم دونها فلا شيء له وبانت كان المستحق معيناً أو موصوفاً، وإن جهلا معاً رجع بالقيمة في المقوم وبالمثل في الموصوف والمثلي، وإن علمت دونه فإن كان معيناً فلا خلع، وإن كان موصوفاً رجع بمثله كذا يؤخذ من (بن)، وبهذا تعلم ما في كلام المصنف من الإجمال.

قوله: [وأريق الخمر]: ولا تكسر أوانيه لأنها تطهر بالجفاف.

قوله: [وقتل الخنزير]: أي على ما في سماع ابن القاسم وهو المعتمد، وقيل إنه يسرح.

قوله: [ويرد المغصوب أو المسروق لربه]: أي ولا يلزم الزوجة شيء بدل ذلك كله إذا كان الزوج عالماً بالحرمة علمت هي أم لا، أما لو علمت هي بالحرمة دونه فلا يلزمه الخلع كما مر، وإن جهلا معاً الحرمة ففي الخمر والخنزير لا يلزمها شيء وتبين منه، وأما المغصوب والمسروق فكالمستحق يرجع عليها بقيمته إن كان معيناً وبمثله إن كان موصوفاً أو مثلياً.

قوله: [وكتأخيرها ديناً عليه]: ومثله تعجيلها ديناً عليها له لم يجب عليه قبول.

قوله: [لأن تأخير الحال سلف]: أي لأن من أخر ما عجل يعد مسلفاً.

قوله: [من بيع]: يحترز عما إذا كان الطعام أو العرض من قرض، فإنه يجب عليها قبولها قبل الأجل كالعين مطلقاً لأن الأجل فيها من حق من هي عليه كما سيأتي في الربويات إن شاء الله تعالى.

ص: 443

وقيل الخلاف في كل من الصورتين وبالجملة اتفق مالك وابن القاسم على وقوع طلقة أخرى بائنة.

(وكبيعها أو تزويجها) فيلزمه الطلاق بائناً أي: إن من باع زوجته أو زوجها لغيره في زمن مجاعة أو غيره، فإنه يقع عليه الطلاق بائناً إذا كان جداً لا هزلاً قاله المتيطي، قال ابن القاسم: من باع امرأته أو زوجها هازلاً فلا شيء عليه، ومثله في العتبية فقول بعض الشراح:"ولو هازلاً" ضعيف (و) يقع الطلاق بائناً (بكل طلاق حكم به) أي حكم به حاكم، (إلا) إذا حكم به (لإيلاء أو عسر بنفقة) فرجعي، فإن أيسر في العدة فله رجعتها كما أن المولى له رجعتها ووطؤها في العدة (لا إن طلق) زوجته (وأعطى) لها مالاً من عنده فليس بخلع، بل هو رجعي على المعتمد، قال في التوضيح: لأنه بمنزلة من طلق وأعطى لزوجته المتعة، (أو شرط) بالبناء للمفعول فيشمل الشرط منه أو منها أو من غيرهما، أي أن من طلق زوجته رجعياً وشرط عليه (نفي الرجعة) من غير إعطاء مال فإنه يستمر على أنه رجعي، ولا تبين بذلك.

(وموجبه) بكسر الجيم: أي موقعه ومثبته (زوج) لا غيره إلا أن يكون وكيلاً عنه (مكلف)، لا صبي ومجنون، (ولو) كان الزوج (سفيهاً) أو عبداً لأن العصمة بيده، وله أن يطلق بغير عوض فيه.

(أو ولي غيره): أي غير المكلف من صبي أو مجنون، سواء كان الولي أباً للزوجة، أو سيداً أو وصياً أو حاكماً أو مقاماً من جهته، إذا كان الخلع منه (لنظر) أي مصلحة، ولا يجوز عند مالك وابن القاسم أن يطلق الولي عليهما بلا عوض، ونقل ابن عرفة عن اللخمي أنه يجوز لمصلحة إذ قد يكون في بقاء العصمة فساد لأمر ظهر أو حدث (لا أب سفيه) فلا يخالع عنه بغير إذنه، (و) لا (سيد) عبد (بالغ) لأن الطلاق بيد الزوج المكلف ولو سفيهاً أو عبداً، لا بيد الأب والسيد فأولى غيرهما من الأولياء كالوصي والحاكم.

(ونفذ خلع المريض) مرضاً مخوفاً وهو ما الشأن فيه أن يكون سبباً في الموت، لا نحو رمد أو خفيف صداع، وأشار بقوله:"ونفذ" إلى أنه لا يجوز ابتداء لما فيه من إخراج وارث (وترثه) زوجته المخالعة في مرضه إن مات منه، ولو خرجت من العدة وتزوجت بغيره (دونها) أي فلا يرثها هو إن ماتت في مرضه قبله، ولو كانت مريضة حال الخلع أيضاً لأنه هو الذي أسقط ما كان يستحقه، (ككل مطلقة بمرض موت) أي مخوف فإنها ترثه إن مات من ذلك المرض دون أن يرثها، ولو كانت مريضة أيضاً، (ولو أحنثته [1] فيه): أي في المرض تعمداً منها كما لو قال لها: إن دخلت دار فلان فأنت طالق، فدخلتها قاصدة حنثه فترثه دونها.

ــ

قوله: [وقيل الخلاف في كل من الصورتين]: هذا هو المعتمد لما علمت من العبارة الأولى.

قوله: [وبالجملة اتفق مالك وابن القاسم]: وذلك لأن عدم الارتجاع الذي قيل [2] المال لأجله ملزوم للطلاق البائن، فالطلاق الذي أنشأه الآن بقبول المال غير الطلاق الذي حصل منه أولاً، إذ الحاصل أولاً رجعي وهذا الذي أنشأه بقبول المال بائن، وعن ابن وهب أنها تبين بالأولى فتنقلب الأولى بائناً، وقال أشهب لا يلزمه بقبول المال شيء وله الرجعة ويرد لها مالها، وكلا القولين ضعيف والمعتمد قول مالك وابن القاسم. إن قلت هو ظاهر إن وقع القبول باللفظ، بأن قال قبلت هذا المال على عدم الرجعة، وأما القبول بغير اللفظ بأن أخذ المال وسكت فهو مشكل إذ كيف يقع الطلاق بغير اللفظ، وقد يجاب بأن ما يقوم مقام اللفظ في الدلالة على القبول كالسكوت منزل منزلة اللفظ، وسيأتي أنها تكفي المعطاة إن قصد بها ذلك.

قوله: [إذا كان جداً]: أي لو كان جاهلاً بالحكم ولا يعذر بجهله، ومثل بيعه لها وتزويجه ما لو باعها إنسان أو زوجها بحضرة الزوج وهو ساكت، فإنها تبين أيضاً، وأما إن أنكر فلا تبين كذا في الحاشية.

قوله: [ضعيف]: أي لقول بعض المحققين إذا كان هازلاً فلا شيء عليه اتفاقاً، والخلاف فيما إذا باعها أو زوجها غير هازل وحيث قلتم ببينونتها في البيع والتزويج فينكل فاعل ذلك نكالاً شديداً، ولا يمكن من تزوجها ولا من تزوج غيرها حتى تعرف توبته مخافة أن يعود ثانياً.

قوله: [وموجبه] إلخ: أي طلاق الخلع وليس الضمير راجعاً للعوض، لأن الزوج لا يوجب العوض وإنما الذي يوجبه ملتزمه زوجة أو غيرها.

قوله: [ولو كان الزوج سفيهاً]: رد بـ "لو"ٍ على ما حكاه ابن الحاجب وابن شاس من عدم صحة طلاق الخلع من السفيه.

قوله: [إذا كان الخلع منه]: الضمير عائد على الولي فهو قيد فيه.

قوله: [ونقل ابن عرفة] إلخ: هذا هو المعول عليه.

قوله: [بالغ]: حذفه من الأول لدلالة الثاني عليه بدليل تعليل الشارح.

قوله: [وترثه زوجته]: أي على المشهور ومقابله ما روي عن مالك من عدم إرثها لانتفاء التهمة لكونها طالبة للفراق.

قوله: [أي فلا يرثها هو]: أي ولو ماتت يوم الخلع لأن الطلاق بائن.

قوله: [دون أن يرثها]: أي في الطلاق البائن أو الرجعي إذا انقضت عدتها منه.

قوله: [ولو أحنثته فيه]: أي فلا يرثها في الطلاق البائن أو الرجعي إن ماتت بعد انقضاء

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

كذا في طبعة الحلبي وط المعارف، وفي (أقرب المسالك):(اختَلَتْه).

[2]

كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(قبل).

ص: 444

(أو) ولو (أسلمت) زوجته الكتابية في مرض موته، (أو عتقت) زوجته الأمة (فيه) أي في مرض موته، فإنها ترثه دونها، (أو) ولو خرجت من العدة و (تزوجت غيره) ولو أزواجاً (وورثت أزواجاً) كثيرة كل منهم طلقها بمرض موته. (والإقرار به) أي بالطلاق (فيه): أي في مرض الموت بأن أخبر في مرضه أنه كان طلقها سابقاً (كإنشائه) في مرضه فترثه ولا يرثها إن كان طلقها بائناً على دعواه، أو رجعياً وخرجت من العدة على دعواه، وإلا ورثها أيضاً، ولا عبرة بإسناده الطلاق لزمن صحته.

(والعدة) تبتدأ (من) وقت (الإقرار) بالطلاق لا من اليوم الذي أسند إليه الطلاق، وهذا إذا لم تشهد بينة بمقتضى إقراره، وإلا عمل بها، والعدة من يوم أرخته البينة ولا إرث إذا انقضت العدة على مقتضى تاريخها أو كان بائناً (وإنما ينقطع إرثها منه بصحة) من ذلك المرض (ببينة) أي ظاهرة (ولا يجوز خلع) الزوجة (المريضة) مرضاً مخوفاً أي يحرم عليها أن تخالع زوجها، وكذا يحرم عليه لإعانته لها على الحرام، وينفذ الطلاق ولا توارث بينهما إن كان الزوج صحيحاً، ولو ماتت في عدتها، ومحل المنع (إن زاد) الخلع (على إرثه منها) لو ماتت بأن كان إرثه منها عشرة وخالعته بخمسة عشر، وأولى لو خالعته بجميع مالها، فإن خالعته بقدر إرثه فأقل جاز ولا يتوارثان، قاله ابن القاسم وقال مالك: إن اختلعت منه في مرضها وهو صحيح بجميع مالها لم يحز [1] ولا يرثها، وظاهر أن قول ابن القاسم لا يخالفه كما قاله أكثر الأشياخ.

(ورد الزائد) على إرثه منها (واعتبر) الزائد على إرثه (يوم موتها) لا يوم الخلع، وحينئذ فيوقف جميع المال المخالع به إلى يوم الموت، فإن كان قدر إرثه فأقل استقل به الزوج، وإن كان أكثر رد ما زاد على إرثه، فإن صحت من مرضها تم الخلع وأخذ جميع ما خالعته به، ولو أتى على جميع مالها (ولا توارث) بينهما على كل حال (وإن) وكل الزوج وكيلاً على خلعها و (نقص وكيله عما سماه) له بأن قال له: وكلتك على أن تخالعها بعشرة فخالعها بخمسة، (أو) نقص (عن خلع المثل إن أطلق) الزوج (له) أي للوكيل بأن لم يسم له شيئاً (أو) أطلق (لها) أي للزوجة بأن قال لها: إن أتيتيني بمال أو بما أخالعك به فأنت طالق (لم يلزمه) الخلع في الصور الثلاث (إلا أن يتم) بالبناء للمفعول أي إلا أن يتم الوكيل في الأولى ما سماه له، وفي الثانية خلع المثل، وتتمم الزوجة في الثالثة خلع المثل ولو زاد الوكيل على ما سماه له أو على خلع المثل فيما إذا أطلق له فاللزوم ظاهر بالأولى (وإن) وكلت الزوجة وكيلاً ليخالعها وسمت له شيئاً أو أطلقت و (زاد وكيلها) على ما سمت أو على خلع المثل إن أطلقت (فعليه الزيادة) على ما سمت، أو على خلع المثل إن أطلقت، ولا يلزمها إلا دفع ما سمت أو خلع المثل، ولزم الطلاق على كل حال (ولها) أي الزوجة حيث خالعت زوجها بمال وادعت أنها إنما خالعته لضرر منه يجوز التطليق به (رد المال) الذي أخذه الزوج منها أي أخذه منه (إن شهدت) أي أقامت بينة تشهد لها (على الضرر ولو بسماع)، بأن تقول: لم نزل نسمع أنه يضاررها (أو بيمين مع شاهد أو) مع (امرأتين) شهدتا برؤية الضرر منه ولو مرة هذا إذا لم تسقط قيامها بينة الضرر بل، (وإن أسقطت القيام بها) بأن قال لها: أنا أخالعك بشرط أن تسقطي حقك من القيام ببينة الضرر، فوافقته، فلها أن تقيمها بعد الطلاق وتأخذ منه المال الذي دفعته له على الأصح كما قال الشيخ، لأن الضرر يحملها على ذلك قهراً فلا يعمل بالتزامها لذلك [2]،

ــ

العدة ولو كان تعليقه الطلاق في الصحة.

قوله: [أو ولو أسلمت زوجته الكتابية] إلخ: أي المطلقة كل منهما في المرض أو المحنثة له فيه، ولو كان التعليق في الصحة.

قوله: [أو ولو خرجت من العدة]: مبالغة في إرثها.

قوله: [وورثت أزواجاً كثيرة]: من ذلك اللغز المشهور، امرأة ورثت ثلاثة أزواج في يوم واحد، وطئها اثنان منهم في ذلك اليوم، وتصور بمرأة كانت في عصمة مريض فطلقها في المرض، فوفت العدة قبل موته، ثم تزوجت بآخر فحملت منه، ففي يوم وضع حملها وطئها ثم مات قبل الوضع، فوضعت ذلك اليوم وعقد عليها شخص فيه ووطئها ومات في ذلك اليوم هو والمريض الأول.

قوله: [وهذا ما لم تشهد بينة]: أي كما لو أقر أنه طلقها منذ سنة أو شهر وأقام على ذلك بينة فيعمل على ما أرخت، وأما لو شهدت البينة على المريض بأنه طلق في زمان سابق على مرضه بحيث تنقضي العدة كلها أو بعضها وهو ينكر ذلك، فكإنشاء الطلاق في المرض لا يعتبر تاريخ البينة فترثه إن مات من ذلك المرض، ولو طال وتزوجت أزواجاً، وابتداء العدة من يوم الشهادة، وقيل من تاريخ البينة وهو المعتمد.

قوله: [بصحة من ذلك المرض] إلخ: أي مات بعد انقضاء العدة، أو كان الطلاق بائناً وإن لم تنقض العدة.

قوله: [وظاهر أن قول ابن القاسم لا يخالفه]: أي لأن كلام مالك صريح في أنه خالعها بأكثر من إرثه منها وهذا بعينه تقييد ابن القاسم.

قوله: [يوم موتها]: أي على الراجح.

قوله: [رد ما زاد على إرثه]: أي كما قاله اللخمي خلافاً لابن رشد القائل بأنه لا شيء له أصلاً حيث كان زائداً.

قوله: [ولا توارث بينهما على كل حال]: أي ماتت قبل الصحة أو بعدها انقضت العدة أم لا، لأن الطلاق بائن.

قوله: [رد المال] إلخ: صورتها ادعت امرأة بعد المخالعة بدفع المال لزوجها أنها ما خالعته إلا عن ضرر، وأقامت بينة على الضرر، فإن الزوج يرد لها ما خالعها به وبانت منه، هذا إذا كانت البينة شهدت بمعاينة الضرر، بل وإن قالت لم نزل نسمع أنه يضاررها.

قوله: [أو بيمين مع شاهد] إلخ

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (يجز).

[2]

قوله: (فلا يعمل بالتزامها لذلك) مكرر في ط الحلبي.

ص: 445

وبانت منه (و) رد المال الذي خالعها به أيضاً (بكونها بائناً): أي بثبوت كونها وقت الخلع كانت مطلقة طلاقاً بائناً إذ الخلع لم يصادف محلاً حالة البينونة منه (لا) إن خالعها في حال كونها مطلقة طلاقاً (رجعياً) لم تنقض عدته فلا يرد المال، وصح الخلع ولزمه طلقة أخرى بائنة لأن الرجعية زوجة ما دامت في عدتها، (كأن قال) لها (إن خالعتك فأنت طالق ثلاثاً) ثم خالعها فيقع الطلاق عليه ثلاثاً ورد لها ما أخذه منها، لأن الخلع لم يصادف محلاً لوقوع الثلاث عليه هذا قول ابن القاسم، وهو المشهور، ووجهه: أن المعلق والمعلق عليه يقعان في آن واحد، وقد يقال إن المعلق لا يقع إلا بعد حصول المعلق عليه وهو الخلع وإذا حصل الخلع كانت غير زوجة فلم يقع المعلق عليه ولا يلزمه إلا طلقة واحدة بائنة، فلا ترد منه المال، وهذا هو قول أشهب وهو دقيق، وإن كانت الفتوى بقول ابن القاسم. فإن لم يقل: ثلاثاً، بل قال: إن خالعتك فأنت طالق، وأطلق لزمه طلقتان ولم يرد المال، فإن قيد باثنتين لم يرد المال ولزمه الثلاث وكل هذا على مذهب ابن القاسم (وكفت المعاطاة) في الخلع عن النطق بالطلاق، (إن جرى بها) أي بالمعاطاة (عرف) كأن يجري عرفهم بأنها متى دفعت له أسورتها أو عقدها فأخذه وانصرفت، كان ذلك خلعاً ومثله قيام القرينة، قال ابن القاسم: إن قصد الصلح على أن يأخذ متاعه وسلم لها متاعها فهو خلع لازم ولو لم يقل أنت طالق. اهـ. (وإن علق) الخلع (بالإقباض أو الأداء) نحو: إن أقبضتني أو أديتني عشرة فأنت طالق أو فقد خالعتك، (لم يختص) الإقباض (بالمجلس) الذي علق به، بل متى أعطته ما طلبه لزمه الخلع ما لم يطل الزمن، بحيث يقضي العرف أن الزوج لم يقصد التمليك إليه (إلا لقرينة) تقتضي أنه أراد الإقباض بالمجلس، فيعمل بها (ولزم في) الخلع على (ألف) عين نوعها كألف دينار أو درهم أو شاة، وفي البلد محمدية ويزيدية، أو ضأن ومعز (الغالب) في البلد؛ فإن لم يكن غالب أخذ من كل المتساويين نصفه، ومن الثلاثة المتساوية ثلث كل (و) لزم (البينونة) أي الطلاق البائن إذا قال: أنت طالق (بهذا) الثوب (الهروي) بفتح الراء نسبة إلى [1] هراة، بلدة من خراسان، وأشار لثوب حاضر فدفعته له (فإذا هو) ثوب (مروي) بسكون الراء نسبة لمرو بلدة من خراسان أيضاً، فتبين منه ويلزم الثوب المشار إليه لأنه لما عينه بالإشارة كان المقصود ذاته، سواء كان الثاني أدنى أو أجود، (أو) قال أنت طالق (بما في يدك، فإذا هو غير متمول) كتراب، (أو) كانت يدها (فارغة) فيلزمه الطلاق بائناً عند ابن عبد السلام، واختاره الشيخ بقوله:"على الأحسن"؛ لأنه أبانها مجوزاً لذلك كالجنين فينفش الحمل، وقال اللخمي: لا يلزمه طلاق.

(لا إن خالعته بمعين لا شبهة لها فيه) لعلمها بأنه ملك غيرها (ولم يعلم) الزوج بذلك لأنه خالعها بشيء لم يتم له، وغير المعين يلزمه به الخلع ويلزمها مثله، وبمعين لها فيه شبهة بأن اعتقدت أنه ملكها فاستحق منه لزم الطلاق ولزمها مثل المثلي وقيمة غيره، فلو علم لزم الطلاق ولا شيء كما تقدم (أو) خالعته (بدون خلع المثل في) قوله لها: إن دفعت لي (ما أخالعك به فأنت طالق) لم يقع عليه طلاق، لأن ما أخالعك به منصرف لخلع المثل، فإن دفعت خلع المثل بانت وإلا فلا (وإن) اتفقا على الطلاق و (تنازعا في المال) فقال الزوج: طلقتك على مال، وقالت: بل بلا عوض (أو) اتفقا عليه وتنازعا في (قدره) فقال: بعشرة، قالت: بل بخمسة، (أو) في (جنسه) فقال: بعبد، وقالت: بثوب (حلفت) على طبق دعواها ونفي دعوى الزوج وكان القول لها بيمين في المسائل الثلاث،

ــ

محل كفاية اليمين مع الشاهد أو مع المرأتين إن كانت الشهادة بمعاينة الضرر كما قال الشارح لا بالسماع، فلا بد من رجلين على المعتمد.

قوله: [فلا يعمل بالتزامها لذلك]: أي ولو أشهد عليها بينة.

قوله: [وبانت منه]: أي ما لم يعلق طلاقها على تمام المال أو صحة البراءة كما تقدم.

قوله: [أي بثبوت كونها قبل الخلع مطلقة] إلخ: أي كما لو وقع عليه طلاق بائن، واستمر معاشراً لها من غير تجديد عقد.

قوله: [وهو دقيق]: أي لقول ابن رشد في نقله من أشهب إذا خالعها لا يرد على الزوجة شيئاً مما أخذه قال وهو الصحيح في النظر، لأنه جعل الخلع شرطاً في وقوع الطلاق الثلاث، والمشروط إنما يكون تابعاً للشرط، وحيث كان تابعاً له فيبطل لوقوعه بعد الخلع في غير زوجة، وحينئذ فلا يرد ما أخذه تأمل.

قوله: [وكل هذا على مذهب ابن القاسم]: أي وأما على ما ذهب إليه أشهب فلا يلزمه إلا طلاق الخلع، ويقضى له بالمال في سائر الأحوال.

قوله: [إن قصد الصلح]: أي قطع النزاع بالمفارقة، وقوله، فهو خلع، أي حيث دفعت له شيئاً من عندها.

قوله: [لم يختص الإقباض] إلخ: أي ولا يشترط قبول الزوجة للتعليق عقب حصوله من الزوج. والحاصل أنه إن وقع منها الأداء بعد المجلس وقبل الطول لزم الخلع مطلقاً عند ابن عرفة، وقيده ابن عبد السلام بتقدم القبول منها في المجلس وإلا لم يلزم.

قوله: [لا إن خالعته بمعين] إلخ: تقدم في هذا المقام صور ثمانية عند قول المصنف: "وإن استحق مقوم معين" إلخ فلا حاجة للإعادة.

قوله: [المسائل الثلاث]: أي وهي التنازع في أصل المال أو القدر أو الجنس.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 446

(وبانت) على مقتضى دعواه في الأولى (فإن نكلت حلف) الزوج وكان القول له (وإلا) يحلف بأن نكل كما نكلت، (فقولها): أي فالقول قولها (و) إن تنازعا (في عدد الطلاق) فقال: طلقتها واحدة، وقالت: بل ثلاثاً ولا بينة، (فقوله بيمين) فله تزوجها قبل زوج، ولو تزوجها بعد زوج كانت معه بطلقتين عملاً بقوله، هذا هو الذي تقتضيه القواعد من العمل بالأصل؛ إذ الأصل عدم الطلاق، وقد ادعت عليه خلاف الأصل فعليها البيان (كدعواه) أي الزوج (موت) عبد مثلاً (غائب) خالعته به قبل الخلع وادعت موته بعده، (أو) ادعى حين ظهر به عيب أن (عيبه قبله) أي قبل الخلع، وادعت أنه بعده فالقول له في المسألتين والضمان منها، لأن الأصل عدم انتقال الضمان إليه فعليها البيان (فإن ثبت أنه) أي الموت أو العيب (بعده) أي بعد الخلع (فضمانه منه) أي من الزوج.

فصل في بيان أحكام الطلاق وأركانه وما يتعلق بذلك

وافتتحه بقوله صلى الله عليه وسلم: («أبغض الحلال إلى الله الطلاق») وهو يفيد أن الطلاق وإن كان حلالاً إلا أن الأولى عدم ارتكابه لما فيه من قطع الألفة إلا لعارض كما أفاده بقوله: (وقد يندب) لعارض كما لو كانت بذيَّة اللسان يخاف منها الوقوع في الحرام لو استمرت عنده، كأن يضربها ضرباً مبرحاً، أو يسبها ويسب والديها، أو كانت قليلة الحياء تتبرج إلى الرجال، وأكثرهن يسب أم الزوج إذا كانت عند ابنها وغير ذلك.

(أو) قد (يجب) لعارض كما لو علم أن بقاءها يوقعه في محرم من نفقة أو غيرها.

ــ

قوله: [وبانت على مقتضى دعواه في الأولى]: أي فيؤاخذ بإقراره من جهة البينونة احتياطا في الفروج، ولا يرثها إن ماتت، وإن لم تنقض العدة وعلي النفقة على مقتضى دعواها، وترثه إن لم تنقض العدة.

قوله [فإن نكلت حلف الزوج]: أي لأنها دعوى تحقيق ترد فيها اليمين.

قوله: [فقوله بيمين]: وقيل بغير يمين ووجهه أن ما زاد على ما قاله الزوج هي مدعية له، وكل دعوى لا تثبت إلا بعدلين فلا يمين بمجردها، وعلى الأول لو نكل حبس حتى يحلف، فإن طال دين، ولا يقال تحلف ويثبت ما تدعيه، لأن الطلاق لا يثبت بالنكول مع الحلف، وتبين منه على كل حال، إذا اتفقا على الخلع أو ادعاه الزوج. وفائدة كون القول قوله أنه إذا تزوجها تكون على تطليقتين اعتماداً على قوله طلقت واحدة إلا أنه عند بينونتها لا يحل لها أن تمكنه بتزوجها قبل زوج كما في سماع عيسى، وأقره ابن رشد، فإن تزوجته قبل زوج فرق بينهما، وقال ابن رشد: لو ادعت ذلك وهي في عصمته ثم أبانها فأرادت أن تتزوجه قبل زوج، وقالت: كنت كاذبة وأردت الراحة منه صدقت. في ذلك، ولم تمنع من ذلك ما لم تذكر ذلك بعد أن بانت منه اهـ كذا يؤخذ من حاشية الأصل نقلاً عن (بن).

فصل في بيان أحكام الطلاق

أي أحكام القدوم عليه، فتارة يكون واجباً، وتارة يكون حراماً، وتارة يكون مندوباً، وتارة يكون مكروهاً؛ فكما أن تلك الأحكام تعرض على النكاح تعرض على الطلاق إلا أن الأصل في النكاح الندب، وفي الطلاق - خلاف الأولى - أو الكراهة وسيفصل ذلك.

قوله: [وأركانه]: أي الأربعة الآتية في قوله: "وركنه أهل وقصد ومحل ولفظ ".

قوله: [وما يتعلق بذلك]: أي من شروط وغيرها.

قوله: [وهو يفيد أن الطلاق] إلخ: اعلم أنه استشكل هذا الحديث بأن المباح ما استوى طرفاه، وليس منه مبغوض ولا أشد مبغوضية، والحديث يقتضي ذلك لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه. وأجيب بأن المعنى أقرب الحلال للبغض الطلاق، فالمباح لا يبغض بالفعل، لكن قد يقرب له إذا خالف الأولى، والطلاق من أشد أفراد خلاف الأولى، وهذا ما أشار له الشارح بقوله:"وإن كان حلالا، إلا أن الأولى عدم ارتكابه". وأجيب بجواب آخر بأنه ليس المراد بالحلال ما استوى طرفاه، بل ما ليس بحرام فيصدق بالمكروه، وخلاف الأولى، فخلاف الأولى مبغوض والمكروه أشد مبغوضية، وليس المراد بالبغض ما يقتضي التحريم، بل المراد كونه ليس مرغوباً فيه لأن فيه اللوم، ويكون سر التعبير بالأبغضية قصد التنفير، وأنت خبير بأن الجواب الثاني مبني على أن حكم الطلاق الأصلي الكراهة، لا على أنه خلاف الأولى الذي مشي عليه الشارح، فالأظهر الجواب الأول، وأما حمله على سبب الطلاق من سوء العشرة ففيه أن هذا ليس من الحلال، وأفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه.

قوله: [يخاف منها الوقوع في الحرام]: أي يخاف على نفسه الوقوع في ذلك، أو يخاف عليها بدليل تمثيل الشارح، فإن ضربه فيها الضرب المبرح وسبها وسب والديها حرام عليه، وتبرجها للرجال وسبها أم الزوج حرام عليها، والمراد بالخوف الشك الظن لا العلم، وإلا لوجب الطلاق كما في القسم الذي يليه.

قوله: [من نفقة أو غيرها]: أي كما إذا كان ينفق عليها من حرام، وغير النفقة كالضرب المبرح أو السب المتحقق وقوعه بالفعل، ومحل

ص: 447

وقد يحرم كما لو علم أنه إن طلقها وقع في الحرام كالزنا ولا قدرة له على زواج غيرها.

والطلاق من حيث هو قسمان: سني وبدعي (والسني): ما استوفى شروطاً خمسة أشار لها بقوله: (واحدة) لا أكثر (كاملة) لا بعض طلقة كنصف طلقة (بطهر) لا في حيض أو نفاس (لم يمس) أي لم يطأها (فيه) أي في الطهر الذي طلق فيه (بلا عدة) أي من غير أن يوقعه عليها في عدتها من رجعي قبل هذا وبقي شرط سادس: وهو أن يوقعه على جملة المرأة لا على بعضها كيدها.

(وإلا) بأن انتفت هذه الشروط أو بعضها بأن أوقع أكثر من واحدة، أو بعض طلقة أو في حيض، أو نفاس أو في طهر مسها فيه، أو أردف أخرى في عدة رجعي (فبدعي) كما لو أوقعها على بعض المرأة.

والبدعي إما مكروه وإما حرام كما قال: (وكره) البدعي (إن كان) وقوعه (بغير حيض ونفاس)، وظاهره ولو أوقع ثلاثاً، وقال اللخمي: إيقاع اثنتين مكروه، وثلاثة ممنوع ونحوه في المقدمات، وعبر في المدونة بالكراهة، لكن قال الرجراجي: مراده بالكراهة التحريم.

والإجماع على لزوم الثلاث إذا أوقعها في لفظ واحد نقله ابن عبد البر وغيره، ونقل بعضهم عن بعض المبتدعة: أنه يلزمه طلقة واحدة، واشتهر ذلك عن ابن تيمية، قال بعض أئمة الشافعية: ابن تيمية ضال مضل، أي لأنه خرق الإجماع وسلك مسالك الابتداع، وبعض الفسقة نسبه إلى الإمام أشهب، فيضل به الناس، وقد كذب وافترى على هذا الإمام، لما علمت من أن ابن عبد البر وهو الإمام المحيط نقل الإجماع على لزوم الثلاث، وأن بعضهم نقل لزوم الواحدة عن بعض المبتدعة.

(وإلا) بأن طلق في الحيض أو النفاس (منع ووقع، وإن طلبته) المرأة من زوجها في حيضها أو نفاسها، (أو خالعت) زوجها فيه (وأجبر) الزوج (على الرجعة) إذا كان رجعياً ويستمر الجبر (لآخر العدة) فإن خرجت من العدة بانت، وقال أشهب: يجبر ما لم تطهر من الحيضة الثانية لأنه عليه الصلاة والسلام أباح في هذه الحالة طلاقها فلا معنى لإجباره في هذه الحالة، والأمر بارتجاعها حق لله فيجبره الحاكم، (وإن لم تقم) المرأة (بحقها) في الرجعة (فإن أبى) من الرجعة (هدد بالسجن، ثم) إن أبى (سجن) بالفعل، (ثم) إن أبى هدد (بالضرب، ثم) إن أبى (ضرب) بالفعل يفعل ذلك كله (بمجلس) واحد، (فإن أبى) من [1] الارتجاع (ارتجع الحاكم) بأن يقول: ارتجعتها لك (وجاز به): أي بارتجاع الحاكم (الوطء والتوارث) وإن لم ينوها الزوج لأن نية الحاكم قائمة مقام نيته.

(والأحب) لمن راجع المطلقة في الحيض طوعاً أو كرهاً وأراد مفارقتها (إمساكها حتى تطهر) فيطأها (فتحيض فتطهر) بعده (ثم إن شاء طلق) قبل أن يمسها ليكون سنياً، وإنما طلب منه عدم طلاقها في الطهر الذي يلي الحيض الذي طلق فيه، لأن الارتجاع جعل للصلح، وهو إنما يتم بالوطء بعد الحيض، فقد مسها في ذلك الطهر، فإذا حاضت منع الطلاق، فإذا طهرت فله الطلاق قبل الوطء ومنع طلاق الحائض قيل: تعبدي، أي غير معلل بعلة، والأصح أنه معلل بتطويل العدة لأن أولها يبتدئ من الطهر بعد الحيض، فأيام الحيض الذي طلق فيه لغو لم تحسب من العدة، فليست هي فيها زوجة ولا معتدة، وينبني على ذلك قوله:(وجاز طلاق الحامل) في الحيض؛ لأن عدتها وضع حملها فلا تطويل فيها.

(و) جاز طلاق (غير المدخول بها فيه): أي في الحيض لعدم العدة من أصلها.

ــ

وجوب طلاقها عند الإنفاق عليها من حرام ما لم يخش بفراقها الزنا، وإلا فلا يجب عليه طلاق ويقتصد مهما أمكن.

قوله: [كما لو علم أنه إن طلقها] إلخ: ظاهره ولو لزم عليه الإنفاق عليها من حرام كما علمت، بقي أنه لم يذكر حكم الكراهة وهو إذا طلقها قطع عن عبادة مندوبة ككونها معينة له على طلب العلم المندوب.

قوله: [سني]: أي أذنت السنة في فعله، سواء كان راجحاً أو خلاف الأولى أو حراماً لا راجح الفعل فقط، كما قد يتوهم من إضافته للسنة، فلذلك كانت تعتريه الأحكام، وإن كان سنياً.

قوله: [فإن انتفت هذه الشروط]: لا يتأتى ذلك دفعة لأن البدعي يكون في الحيض، وفي طهر مسها فيه، ومحل اجتماعهما، فالمناسب أن يقتصر على قوله أو بعضها.

قوله: [وظاهره ولو أوقع ثلاثاً]: ظاهره أيضاً ولو أوقعها على جزء المرأة وليس كذلك، بل هو حرام كالواقع في الحيض بدليل تأديبه عليه كما يأتي.

قوله: [منع]: أي إذا كان بعد الدخول وهي غير حامل بدليل ما يأتي.

قوله: [إذا كان رجعياً]: أي لا بائناً ولو طلقة واحدة كما إذا كانت في خلع.

قوله: [أباح في هذه الحالة طلاقها]: أي طلاق المرأة التي طلقها زوجها في الحيض.

قوله: [ضرب بالفعل]: ينبغي أن يقيد الضرب بظن الإفادة كما تقدم في ضربها عند النشوز.

قوله: [فإن أبى الارتجاع ارتجع الحاكم]: فإن ارتجع الحاكم قبل فعل شيء من هذه الأمور صح إن علم أنه لا يرتجع من فعلها، وإلا لم يصح والظاهر وجوب الترتيب، وأنه إن فعلها كلها من غير ترتيب ثم ارتجع مع إباء المطلق صحت الرجعة قطعاً.

قوله: [والأحب لمن راجع المطلقة]: الاستحباب منصب على المجموع فلا ينافي وجوب الإمساك في حالة الحيض.

قوله: [وإنما طلب منه عدم طلاقها] إلخ: أي فطلاقها في ذلك الطهر مكروه ولا يجبر على الرجعة، سواء مسها قبل الطلاق أو لا.

قوله: [قيل تعبدي]: أي لمنع الخلع وعدم الجواز، وإن رضيت وجبره على الرجعة وإن لم تقم كما قال خليل.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 448

(وصدقت) المرأة (إن ادعته): أي الطلاق في الحيض ليجبر على رجعتها ولا ينظرها النساء (إلا أن يترافعا) للحاكم حال كونها (طاهراً)، فالقول له فلا يجبر على الرجعة.

(وعجل فسخ الفاسد في) زمن (الحيض)، ولا يؤخر حتى تطهر منه إذ التأخير على الفساد أقبح من الفسخ في الحيض.

(و) عجل (الطلاق على المُولي) في الحيض إذا حل الأجل بكتاب الله، (ثم أجبر على الرجعة) بعده لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(بخلاف المعسر بالنفقة) إذا حل أجل التلوم فلا يطلق عليه في الحيض، بل حتى تطهر (أو العيب) كجذام أو برص أو جنون يجده أحد الزوجين في الآخر فلا يعجل الفسخ في الحيض، بل حتى تطهر، (أو ما): أي نكاح (للولي) أي أب أو سيد أو غيرهما (فسخه)، وعدم فسخه كأن يتزوج عبد بغير إذن سيده أو صغير أو سفيه بغير إذن وليه فلا يعجل فسخه في الحيض، واللعان لا يعجل في الحيض إذا أراد ملاعنتها فيه، بل حتى تطهر.

ثم شرع يتكلم على أركانه وشروطه وما يتعلق بها فقال: (وركنه): أي الطلاق من حيث هو سنياً أو بدعياً بعوض أم لا، وهو مفرد مضاف فيعم جميع الأركان، فكأنه قال: وأركانه أربعة: (أهل) والمراد به: موقعه من زوج أو نائبه أو وليه إن كان صغيراً، ولا يرد الفضولي لأن موقعه في الحقيقة هو الزوج بدليل أن العدة من يوم الإجازة لا الإيقاع.

(وقصد): أي قصد النطق باللفظ الصريح أو الكناية الظاهرة، ولو لم يقصد حل العصمة وقصد حلها في الكناية الخفية، واحترز به عن سبق اللسان في الأولين وعدم قصد حلها في الثالث.

(ومحل) أي عصمة مملوكة تحقيقاً أو تقديراً كما يأتي.

(ولفظ): صريح أو كناية ظاهرة أو خفية، أي أو ما يقوم مقامه كالإشارة والكتابة، لا بمجرد نية ولا بفعل إلا لعرف والمراد بالركن: ما تحقق به الماهية ولو لم يكن جزءاً منها حقيقة.

وأشار لشروط صحته وهي ثلاثة: الإسلام والبلوغ والعقل بقوله: (وإنما يصح من مسلم) لا من كافر (مكلف) ولو سفيهاً، لا من صبي أو مجنون أو مغمى عليه (ولو سكر) المكلف

ــ

قوله: [وصدقت المرأة] إلخ: حاصله أن المرأة إذا طلقها زوجها، فقالت طلقني في حال حيضي، وقال الزوج: طلقتها في حال طهرها وترافعا، فإنها تصدق بيمين ولا ينظرها النساء لأنها مؤتمنة على فرجها خلافاً لما في طرر ابن عات من أن النساء ينظرن لمحل الدم، من فرجها ولا تكلف أيضاً بإدخال خرقة في فرجها، وينظر إليها النساء خلافاً لابن يونس، وكل هذا ما لم يترافعا وهي طاهرة، وإلا فالقول قوله كما قال المصنف، وانظر هل بيمين أم لا.

قوله: [وعجل الطلاق على المولي] إلخ: حاصله أن المولي إذا حل أجل الإيلاء في زمن حيض امرأته ولم يفئ بأن لم يرجع عن يمينه ويكفر عنه، فالمشهور كما قال ابن القاسم أنه يطلق عليه ويجبر على الرجعة، لأنه صدق عليه أنه طلق في الحيض والطلاق رجعي. واستشكل تعجيل الطلاق على المولي في الحيض بأن الطلاق إنما يكون عند طلبها الفيئة وطلبها حال الحيض ممتنع، فإن وقع لا يعتبر كما يدل عليه ما يأتي. وأجيب بحمل هذا على ما إذا وقع منها طلب الفيئة قبل الحيض وتأخر الحكم بالطلاق حتى حاضت.

قوله: [بكتاب الله]: أي لقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} [البقرة: 226] إلى {سميع عليم} [البقرة: 227] وقوله: [لسنة رسول الله)، أي «لقضية عبد الله بن عمر حين طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسكها بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله تعالى بها النساء» قال ابن عمر حسبت علي تطليقة.

قوله: [فلا يعجل الفسخ في الحيض] إلخ: فإن عجل فيه وقع بائناً إن أوقعه الحاكم ولا رجعة له كذا قاله ابن رشد وهو المعتمد، وقال اللخمي يقع رجعياً ويجبر على الرجعة إلا في العنين، فإنه بائن، فإن أوقعه الزوج من غير حاكم فرجعي اتفاقاً ويجبر على الرجعة إلا في العنين، فإنه بائن لأنه طلاق قبل الدخول.

قوله: [للولي أي أب أو سيد أو غيرهما فسخه]: أي فليس لهم فسخه في الحيض إذا كان ذلك بعد الدخول لا قبله فلهم الفسخ لأن الطلاق في الحيض حينئذ جائز.

قوله: [فلا يعجل فسخه في الحيض]: هذا ظاهر في غير الصغير فتأمل.

قوله: [وركنه]: الواو للاستئناف.

قوله: [أو نائبه]: المراد به الحاكم والوكيل، ومنه الزوجة إذا جعله بيدها.

قوله: [إن كان صغيراً]: أي ومثله المجنون إذا كان لا يفيق.

قوله: [أي قصد النطق]: أي ولذلك كان يلزم بالهزل على المشهور.

تنبيه: يلزم طلاق الغضبان ولو اشتد غضبه خلافاً لبعضهم ودعوى أنه من قبيل الإكراه باطل، وكل هذا ما لم يغب عقله بحيث لا يشعر بما صدر منه فإنه كالمجنون.

قوله: [أو تقديراً كما يأتي]: أي في قوله: "ومحله ما ملك من عصمة وإن تعليقاً".

قوله: [ولفظ صريح]: أي كما يأتي في قوله: "ولفظه الصريح الطلاق".

قوله: [لا بمجرد نية]: أي عزم ليس معه لفظ ولا كلام نفسي.

قوله: [ولا يفعل [1]]: أي كنقل متاعها مثلاً.

قوله: [والمراد بالركن] إلخ: بهذا يندفع ما يقال إن الفاعل والمفعول ليس واحد منهما ركناً من الفعل، فكيف يجعل الأهل والمحل من أركان الطلاق الذي هو رفع حلية تمتع الزوج بزوجته.

قوله: [لا من كافر]: أي سواء كانت زوجته التي طلقها كافرة أو مسلمة، فإذا طلق زوجته الكافرة

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(بفعل).

ص: 449

سكراً (حراماً) كما لو شرب خمراً عمداً مختاراً فيلزمه الطلاق ميز أو لم يميز، لأنه أدخله على نفسه، وقيل: إن ميز، وإلا فهو كالمجنون.

(كعتقه) فإنه يلزمه ميز أو لا، (وجناياته) على نفس أو مال (بخلاف عقوده) من بيع أو شراء أو إجارة أو نكاح، فلا تلزم ولا تصح، (وإقراره) بشيء في ذمته أو أنه فعل كذا فلا [1] يلزمه.

(وطلاق الفضولي) وهو من أوقع الطلاق عن غيره بغير إذنه (كبيعه) متوقف على الإجازة، فإن أجازه الزوج لزم.

(والعدة من) يوم (الإجازة) لا من يوم إيقاع الفضولي.

(ولزم) الطلاق (ولو) وقع منه (هازلاً؛ كالعتق والنكاح والرجعة)، فإنها تلزم بالهزل والمزاح إن لم يقصد إيقاعها.

(لا إن سبق لسانه) بأن قصد النطق بغير لفظ الطلاق فزل لسانه فنطق به فلا يلزمه (في الفتوى)، ويلزمه في القضاء (أو لقن أعجمي) لفظ الطلاق (بلا فهم) منه لمعناه، فلا يلزمه شيء مطلقاً (أو هذى) بذال معجمة مفتوحة كرمى (لمرض) قام به، فطلق من غير شعور حيث شهد العدول بأنه يهذي، وأما لو شهدوا بصحة عقله لزمه الطلاق ولا يقبل قوله:(أو أكره عليه): أي على الطلاق فلا يلزمه في فتوى ولا قضاء، لقوله عليه الصلاة والسلام:«لا طلاق في إغلاق» أي إكراه، (ولو ترك التورية) مع معرفتها لم يلزمه شيء، بل لو قيل طلقها فقال: هي طالق بالثلاث لم يلزمه شيء لأن المكره لا يملك نفسه حال الإكراه كالمجنون.

(أو) أكره (على فعل ما علق عليه) الطلاق فلا يحنث كحلفه بطلاق: لأدخل [2] الدار، فأكره على دخولها، أو حمل كرهاً فأدخلها وذلك في صيغة البر.

وأما صيغة الحنث نحو: إن لم يدخل الدار فطالق، فأكره على عدم الدخول، فإنه يحنث كما يأتي.

(إلا أن يعلم) حال الحلف (أنه سيكره) فأكره فإنه يحنث أو يكون الإكراه (شرعياً) فإنه يحنث به لأن الإكراه الشرعي كالطوع.

(كتقويم جزء العبد في) حلفه بالطلاق أو غيره (لا باعه) أي هذا العبد: أي لا باع نصيبه من ذلك العبد، فأعتق شريكه فيه نصيبه منه فقوم عليه نصيب الحالف على عدم البيع وكمل به عتق الشريك، فإنه يحنث لأن المكره له الشارع (أو) في حلفه (لا اشتراه) فأعتق الحالف نصيبه من العبد فقوم عليه نصيب شريكه [3] لتكميل عتقه لزمه الطلاق،

ــ

ثم أسلمت وأسلم في عدتها كان أحق بها ما لم يبنها من حوزه كما تقدم، وإذا أسلمت الكافرة وزوجها كافر ثم طلقها في العدة ولو ثلاثاً ثم أسلم فيها لم يعد طلاقه طلاقاً، وكان على نكاحها وإن انقضت عدتها ما لم يكن أخرجها من حوزه كما تقدم فتحل بعقد جديد.

قوله: [سكراً حراماً]: أي بأن استعمل عمداً ما يغيب عقله، سواء كان جازماً حين الاستعمال بتغييب عقله بهذا الشيء، أو شك في ذلك كان مما يسكر جنسه أو من غيره كلبن حامض، ولو كان ذلك المغيب مرقداً أو مخدراً فمراده بالمسكر كل مغيب، ورد المصنف بـ "لو" على من قال إن السكران بحرام لا يقع عليه طلاق، سواء ميز أم لا ومفهوم قوله:"حراماً" أن السكران بحلال كالمغمى عليه والمجنون.

قوله: [وقيل إن ميز]: هذا قول ثالث.

قوله: [كبيعه]: التشبيه في توقف كل على إجازة المالك لا في أصل القدوم، فإنه اتفق على عدم جواز قدوم الفضولي على الطلاق، بخلاف البيع فقيل بالحرمة، وقيل بالجواز، وقيل بالاستحباب، والمعتمد الحرمة والفرق بينه وبين الطلاق أن الناس شأنهم يطلبون الأرباح في سلعهم بالبيع بخلاف النساء.

قوله: [فإنها تلزم بالهزل] إلخ: أي لما ورد في الخبر: «ثلاثة هزلهن جد: النكاح والطلاق والعتق» وفي رواية «والرجعة» بدل العتق.

قوله: [ويلزمه في القضاء]: أي إن لم يثبت سبق لسانه بالبينة وإلا فلا يلزمه في فتوى ولا في قضاء.

قوله: [مطلقاً]: أي لا في الفتوى ولا في القضاء لعدم قصد النطق باللفظ الدال على حل العصمة الذي هو ركن في الطلاق.

قوله: [أو هذي]: من الهذيان وهو الكلام الذي لا معنى له.

قوله: [من غير شعور]: أي من غير شعور أصلاً، وأما لو قال وقع مني شيء ولم أعقله لزمه الطلاق، لأن شعوره بوقوع شيء منه دليل على أنه عقله، قاله ابن ناجي وسلموه له، قال في الأصل وفيه نظر إذ كثيراً ما يتخيل للمريض خيالات يتكلم على مقتضاها بكلام خارج عن قانون العقلاء، فإذا أفاق استشعر أصله وأخبر عن الخيالات الوهمية كالنائم اهـ.

تنبيه: لا يلزمه شيء لا في الفتوى ولا في القضاء، لو قال لمن اسمها طالق يا طالق، وقيل منه في طارق التفات لسانه في الفتوى دون القضاء، أو قال يا حفصة فأجابته عمرة فقال لها أنت طالق يظنها حفصة، فتطلق حفصة في الفتيا والقضاء، وأما المجيبة فتطلق في القضاء دون الفتيا.

قوله: [فلا يلزمه في فتوى] إلخ: محل ذلك ما لم يكن قاصداً بالطلاق حل العصمة باطناً وإلا وقع عليه.

قوله: [ولو ترك التورية]: المراد بها هنا الإتيان بلفظ فيه إيهام على السامع كأن يقول هي طالق، ويريد من وثاق أو رجعة بالطلق.

قوله: [وذلك في صيغة البر]: أي فلا يلزمه الطلاق على المعتمد بشروط ذكر المصنف منها ثلاثة وهي قوله: إلا أن يعلم أنه سيكره، أو يكون الإكراه شرعياً أو يفعل بعد زواله، وزيد عليها أن لا يأمر الحالف غيره بالإكراه، وأن لا يعمم في يمينه بأن قال: لا أفعل طائعاً ولا مكرهاً فتكون الشروط خمسة والصيغة صيغة بر.

قوله: [لزمه الطلاق]: أي على المذهب خلافاً للمغيرة حيث قال بعدم لزوم الطلاق.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

[2]

في ط المعارف: (لا أدخل)، ولعلها الصواب.

[3]

في ط المعارف: (شريك).

ص: 450

وكمن حلف بالطلاق: لا خرجت زوجته فأخرجها قاض لتحلف يميناً وجبت عليها.

(أو يفعل) الشيء المحلوف عليه (بعد زواله) أي الإكراه (فيلزم) الطلاق (كالحنث) أي كما يلزمه اليمين في صيغة الحنث مطلقاً، كما لو حلف: إن لم يدخل الدار فهي طالق، فهمّ بالدخول فمنع منه كرهاً، فإنه يحنث كما لو عزم على عدم الدخول.

والحاصل أن صيغة البر لا حنث فيها بالإكراه بالقيود المتقدمة وأما صيغة الحنث فلا ينفع فيها الإكراه لانعقادها على حنث ثم إن الإكراه الذي لا حنث به في صيغة البر يكون (بخوف قتل) إن لم يطلق، (أو ضرب مؤلم، أو سجن أو قيد، كصفع) بكف في قفا (لذي مروءة بملأ) أي جمع من الناس، فإنه وإن لم يؤلم فهو عند أهل المروءات فظيع، فإن كان بخلوة، أو كان الزوج من غير أهل المروءات لم يكن إكراهاً ما لم يكثر وإلا فإكراه مطلقاً (أو) خوف (أخذ مال) له وظاهره قل أو كثر، وينبغي ما لم يكن تافهاً وهو لمالك، وقال ابن الماجشون: إن كثر (أو) خوف (قتل ولد) إن لم يطلق، وكذا بعقوبته إن كان باراً والولد يشمل الذكر والأنثى وإن نزل.

(أو) خوف قتل (والد) من أب أو أم (لا غيرهما) من أخ أو عم أو خال أو غيرهم.

(وندب الحلف) بالطلاق أو غيره (ليسلم) الغير من القتل بحلفه، وإن حنث هو وذلك فيما إذا قال ظالم: إن لم تطلق زوجتك أو إن لم تحلف بالطلاق قتلت فلاناً، قال ابن رشد: إن لم يحلف لم يكن عليه حرج. اهـ أي لا إثم عليه ولا ضمان، ويرد عليه: أن ارتكاب أخف الضررين واجب فتأمله.

(ومثله): أي مثل الطلاق في الإكراه المتقدم ذكره (العتق والنكاح والإقرار واليمين) فمن أكره غيره على أن يعتق عبده، أو يزوجه بنته مثلاً، أو على أن يقر له بشيء في ذمته، أو سرقة أو جناية أو غير ذلك، أو على أن يحلف يميناً بالله، أو بعتق عبده أو بالمشي إلى مكة، أو بصوم العام أو نحو ذلك؛ وكذا لو أكره على نذر شيء مما ذكر لم يلزم المكره شيء، (والبيع ونحوه) من سائر العقود لم يلزمه شيء.

وحاصله: أن من أكره غيره على عقد أو حل أو إقرار أو يمين لم يلزم المكره شيء، والإكراه فيما ذكر يكون بخوف قتل [1] أو ضرب مؤلم إلى آخر ما تقدم.

(بخلاف) الإكراه على (الكفر

ــ

قوله: [وكمن حلف بالطلاق]: أدخلت الكاف كل ما كان الإكراه فيه شرعياً، كما إذا حلف لا ينفق على زوجته، أو لا يطيع أبويه، أو لا يقضي دين فلان الذي عليه، فإذا أكرهه القاضي، على شيء من ذلك لزمه الطلاق على المذهب.

قوله: [بالقيود المتقدمة]: أي الثلاثة التي ذكرها المصنف مع القيدين اللذين زدناهما فيما تقدم.

قوله: [بخوف قتل]: المراد بالخوف ما يشمل الظن

قوله: [أو سجن أو قيد]: أي ولو لم يطل كل منهما وهذا إذا كان المكره من ذوي القدر، وأما إن كان من رعاع الناس فلا يعد الخوف إكراهاً إلا إذا هدد بطول الإقامة في السجن أو القيد كذا في الحاشية، فعلى هذا يعتبر الإيلام في السجن والقيد أيضاً وإلا فلا يكونان إكراهاً إلا لذوي المروءات.

قوله: [أي جمع من الناس]: أي سواء كانوا أشرافاً أو غيرهم كما يدل عليه قوله: "فإن كان بخلوة" إلخ.

قوله: [وإلا فإكراه مطلقاً]: أي سواء كان في الملا أو في الخلا لذي مروءة أو غيره.

قوله: [وينبغي ما لم يكن تافهاً]: اعلم أنه جرى في التخويف بأخذ المال ثلاثة أقوال: قيل إكراه، وقيل ليس بإكراه، وقيل إن كثر فإكراه وإلا فلا، الأول لمالك، والثاني لأصبغ، والثالث لابن الماجشون، ثم إن المتأخرين اختلفوا فمنهم من جعل الثالث تفسيراً للأولين وذلك كابن بشير ومن تبعه وعليه فالمذهب على قول واحد، ومنهم كابن الحاجب من جعل الأقوال ثلاثة متقابلة إبقاء لها على ظاهرها، فإذا علمت ذلك فقول الشارح:"وينبغي ما لم يكن تافهاً" تقييد لكلام مالك وليس من كلامه.

قوله: [من أخ أو عم]: أي فإذا قال له ظالم: إن لم تطلق زوجتك وإلا قتلت أخاك أو عمك فطلق خوفاً عليهما، فإنه يقع عليه الطلاق، ومن باب أولى الأجنبي فليس الخوف على من ذكر إكراهاً شرعياً وإن أمر بالحلف كما يأتي.

قوله: [وندب الحلف] إلخ: وقيل بالوجوب وعلى كل فهو غموس إن كانت بالله، وتكفر إن لم تتعلق بماض، ويثاب عليها ويلغز بذلك وإن كان بالطلاق أو العتق لزم.

قوله: [أي لا إثم عليه ولا ضمان]: محل ذلك إذا كان منه مجرد نكول فقط، وأما لو دل الظالم على المظلوم فيضمن قطعاً، ولا يعذر بالإكراه.

قوله: [ويرد عليه] إلخ: هذا البحث يؤيد القول بوجوب الحلف المتقدم، ولكن عدم الضمان مراعاة للقول الآخر، ويؤيد هذا البحث ما مر من وجوب تخليص المستهلك من نفس أو مال، ويجاب عنه بأن محل الوجوب ما لم يتوقف التخليص على الحلف كاذباً وإلا فلا يجب، فيكون مخصصاً لما تقدم.

قوله: [وكذا لو أكرهه على نذر شيء] إلخ: مثل ما إذا أكره على الحلف بالتزام طاعة كما إذا حلف بالله أو بالطلاق أو بالمشي لمكة ليصلين الظهر أول وقتها، أو لا يشربن الخمر، فهل إذا خالف يلزمه اليمين ولا يعد مكرها أو لا يلزمه يمين نظراً للإكراه؟ قولان قال في المجموع والأحسن عدم لزوم اليمين على الطاعة اهـ.

قوله: [بخلاف الإكراه على الكفر] إلخ: حاصله أن الأمور المتقدمة

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 451

كالسب) لله تعالى، أو لنبي أو ملك، وكإلقاء مصحف بقذر.

(و) بخلاف (قذف المسلم) بالزنا، (و) بخلاف (الزنا بطائعة خلية) من زوج أو سيد (فلا يجوز) الإقدام على شيء من ذلك (إلا) إذا أكره (بالقتل) لا بغيره من قطع ونحوه، وإلا ارتد.

(والصبر) على القتل وعدم ارتكاب شيء مما ذكر (أجمل) عند الله تعالى وأحب إليه.

(لا قتل المسلم أو قطعه) يداً أو رجلاً أو أصبعاً، (أو الزنا بمكرهة) لو خلية من زوج كذات زوج أو سيد ولو طائعة، فلا يجوز الإقدام على شيء من ذلك، ولو أكره بالقتل، وأما لو أكره على فعل معصية لا حق فيها لمخلوق كشرب خمر وأكل ميتة، فيكون بغير القتل أيضاً، وألحق به بعضهم الزنا بطائعة لا زوج لها ولا سيد، لأنها معصية لا حق لمخلوق فيها، وقد يفرق بأن الزنا أشد لما فيه من اختلاط الأنساب، ولذا كان الحد فيه أعظم والقذف به لا يجوز إلا بالقتل، (وإن أجاز) المكره على شيء مما أكره عليه (غير النكاح طائعاً) بعد زوال الإكراه (لزم) على الأحسن، وأما لو أكره على النكاح ثم زال الإكراه فلا بد من فسخه ولا تصح إجازته.

ولما كان الركن الثالث والرابع يتعلق بهما أحكام كثيرة خصهما بالذكر بقوله: (ومحله): أي الطلاق (ما ملك من عصمة) بيان لما [1]، فما واقعة على عصمة أي عصمة مملوكة حقيقة أي حاصلة بالفعل، بل (وإن تعليقاً): أي وإن كان ملكها ذا تعليق أي مقدراً حصوله بالتعليق.

وذلك التعليق: إما أن يكون صريحاً كقوله لأجنبية أي غير زوجة: إن تزوجتك أو تزوجتها فهي طالق، فمتى تزوجها وقع عليه الطلاق، وإما غير صريح وهو قسمان: إما (بنية أو بساط) الأول (كقوله لأجنبية: إن فعلت) كذا كإن دخلت الدار فأنت طالق، (ونوى) إن فعلته (بعد نكاحها) فتزوجها ففعلته لزمه الطلاق لنية التعليق.

والثاني ما أشار له بقوله: (أو قال عند خطبتها) وشدد الولي عليه في الشروط مثلاً: (هي طالق) ولم يستحضر نية إن تزوجها لزمه الطلاق؛ لأن بساط اليمين –أي: قرينة الحال- تدل على أن المراد إن تزوجها (وتطلق) بفتح التاء وضم اللام أي يقع عليه الطلاق (عقبه) أي عقب الفعل في الثاني، وعقب العقد في الثالث كالأول، (وعليه النصف): أي نصف الصداق لكن في الثاني إن فعلت قبل الدخول،

ــ

من طلاق وأيمان لغيره، ونكاح وعتق وإقرار وبيع وإجارة وسائر العقود، يتحقق فيها الإكراه بالخوف من القتل، وما معه، وأما هذه الأمور وهي الكفر وما معه فلا يتحقق فيها الإكراه إلا بخوف من القتل فقط.

قوله: [أو لنبي أو ملك]: أي مجمع على نبوته أو ملكيته ومثلهما الحور العين، أما من لم يجمع على نبوته كالخضر ولقمان وذي القرنين، أو على ملكيته كهاروت وماروت، فالإكراه فيهما يكون ولو بغير القتل كذا في (عب)، وبحث فيه في الحاشية فقال وفيه أن سب الصحابة لا يجوز إلا بالقتل فهم أولى، فالذي ينبغي أنه لا يجوز إلا بمعاينة القتل ولذلك أطلق الشارح.

قوله: [وإلا ارتد]: أي وإلا يخف من القتل بل فعله لخوف الضرب أو قتل الولد أو نهب المال، فإنه يعد مرتداً ويحد في قذف المسلم وفي الزنا.

قوله: [أجمل عند الله]: أي لأنه أفضل وأكثر ثواباً كالمرأة لا تجد ما يسد رمقها إلا ممن يزني بها، فيجوز لها الزنا ولكن صبرها أجمل.

قوله: [لا قتل المسلم] إلخ: أي لو قال لك ظالم إن لم تقتل فلاناً أو تقطعه قتلتك فلا يجوز ذلك، ويجب عليه أن يرضى بقتل نفسه، وإن قتل غيره أو قطعه من أجل الخوف على نفسه اقتص منه.

قوله: [أو الزنا بمكرهة] إلخ: حاصله أنه إذا قال لك ظالم: إن لم تزن بفلانة قتلتك فلا يجوز الزنا بها، ويجب عليه الرضا بقتل نفسه إذا كانت تلك المرأة مكرهة أو طائعة ذات زوج أو سيد، أما لو كانت طائعة ولا زوج لها ولا سيد، فيجوز بخوف القتل كما تقدم في الشارح.

قوله: [وألحق به بعضهم]: المراد به سحنون.

قوله: [ولا تصح إجازته] إلخ: أي لأنه غير منعقد ولو انعقد لبطل لأنه نكاح فيه خيار.

قوله: [الركن الثالث والرابع]: أي وهما المحل والصيغة.

قوله: [خصهما بالذكر]: أي على سبيل الصراحة.

قوله: [وإن تعليقاً]: هذا قول مالك المرجوع إليه وفاقاً لأبي حنيفة، وخلافاً للشافعي، ولقول مالك المرجوع عنه.

قوله: [ذا تعليق]: يشير إلى أنه يقال فيه ما قيل في زيد عدل بأن يقال فيه سماها تعليقاً مبالغة أو على حذف مضاف كما قال الشارح، أو يؤول المصدر باسم المفعول.

قوله [لنية التعليق]: من إضافة الصفة للموصوف والنية بمعنى المنوي، والمعنى للتعليق المنوي أي المقيد بالنية بكونه بعد نكاحها فتأمل.

قوله: [أي قرينة الحال]: تفسير للبساط.

قوله: [عقبه] إلخ: هذا معلوم من صحة التعليق، وإنما ذكره لدفع توهم أنه يحتاج لحكم الحاكم بلزوم التعليق.

قوله: [أي عقب الفعل في الثاني] إلخ: المراد بالثاني: النية، وبالثالث: البساط، وبالأول: الصريح، وانظر قوله عقبه:" مع أن المعلق والمعلق عليه يقعان في وقت واحد "، إلا أن يقال المراد بالعقب المقارنة في الزمن الواحد، ويرد بأن الطلاق لا يكون إلا بعد تحقيق الزوجية، فالأحسن أن يقال قولهم المعلق والمعلق عليه يقعان في زمن واحد، أي قد يقعان فليس كلياً كذا في الحاشية. واستشكل أيضاً قوله:"ومحله ما ملك" بأنهم عرفوا الملك باستحقاق التصرف في شيء بكل وجه جائز، وهو يكون بالبيع والهبة ونحوهما، والزوج لا يتصرف في الزوجة. والجواب أن هذا تصرف خاص

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (معاً).

ص: 452

وإلا فعليه جميع الصداق. (وتكرر) وقوع الطلاق ولزوم نصف الصداق (إن) أتى [1] بصيغة تقتضي التكرار كأن (قال: كلما تزوجتك) فأنت طالق (إلا بعد ثلاث) من المرات وهي الرابعة (قبل زوج)، فإذا تزوجها ثلاث مرات لزمه النصف في كل مرة، فإن عقد عليها بعد ذلك قبل أن تنكح زوجاً غيره لم يلزمه شيء لأن عقده حينئذ لم يصادف محلاً، فإن تزوجت غيره وعاد الحنث ولزوم النصف إلى أن تنتهي العصمة، وهكذا لأن العصمة لما لم تكن مملوكة بالفعل وإنما حلف [2] على عصمة مستقبلة وهي عامة لزمه النصف في كل عصمة، بخلاف ما لو كان متزوجاً بها وحلف بأداة تكرار فيختص بالعصمة المملوكة فقط كما يأتي، وقوله:"وعليه النصف": أي في نكاح التسمية وإلا فلا شيء عليه (ولو دخل) بهذه المرأة التي علق طلاقها على تزويجها (فالمسمى) يلزمه (فقط) إن كان وإلا فصداق المثل، ورد بقوله: فقط، على من قال يلزمه صداق ونصف صداق، أما النصف فللزومه بالطلاق، وأما الصداق كاملاً فللوطء، ورد بأن هذا الوطء من ثمرات العقد قبله وهذا إذا لم تكن عالمة بوقوع الطلاق عليها، وإلا كانت زانية.

واستثني من قوله: "وإن تعليقاً"، قوله:(إلا إذا عم النساء) في تعليقه، كأن قال: كل امرأة أتزوجها، أو إن دخلت الدار فكل امرأة أتزوجها فهي طالق، ثم دخل فلا يلزمه شيء للحرج والمشقة بالتضييق، والأمر إذا ضاق اتسع، (أو أبقى قليلاً) من النساء (ككل امرأة أتزوجها) فهي طالق، أو إن فعلت كذا فكل امرأة أتزوجها طالق (إلا من قرية كذا وهي) أي القرية (صغيرة)، قال أبو الحسن: والصغيرة هي التي لا يجد فيها ما يتزوج بها أي ما شأنها ذلك لصغرها بخلاف الكبيرة كالقاهرة.

(وإلا تفويضاً)، ألأن [3] نكاح التفويض قليل جداً بالنسبة لنكاح التسمية (كأن ذكر زمناً لا يغلبه [4] عمره غالباً) فلا يلزمه طلاق، كما لو قال: كل امرأة أتزوجها مدة أربعين سنة فهي طالق، وكان ما مضى من عمره أربعين أو خمسين سنة إذ الغالب أنه لا يعيش الثمانين بناء على أن التعمير بخمس وسبعين، فهو كمن عم النساء ومفهوم كلامه: أنه لو أبقى كثيراً من النساء ولو كان بالنسبة لغيره قليلاً لزمه الطلاق كما [5] لو قال: كل امرأة أتزوجها من مصر، أو من العرب، أو من العجم، أو من تميم، فهي طالق، فتزوج من ذلك، وكذا إذا قال: كل امرأة أتزوجها تفويضاً فهي طالق، أو كل امرأة أتزوجها مدة أربعين سنة فهي طالق، وكان الماضي من عمره عشرين أو ثلاثين فإنه يلزمه الطلاق في كل من تزوجها في مدة الأربعين لأن السبعين يبلغها الشخص في الغالب وكذا إن أبقى لنفسه قرية كبيرة كالقاهرة فيلزمه الطلاق فيما عداها.

(وله نكاح الإماء في) قوله: (كل حرة) أتزوجها طالق، لأنه صار بسبب يمينه كعادم الطول ولو ملياً (ولزم) اليمين (في المصرية) مثلاً كما لو قال: كل مصرية أو شامية أو مغربية أتزوجها طالق.

ــ

مثل الطلاق والظهار فهو تصرف في الجملة.

قوله: [وتكرر وقوع الطلاق] إلخ: اعترض بأن مقتضى العقل أن الصيغة إذا كانت تقتضي التكرار كان النكاح فاسداً، لأن الوسيلة إذا لم يترتب عليها مقصدها لم تشرع، والمقصود من النكاح الوطء وهو غير حاصل، لأنه كلما تزوجها طلقت عليه، وإذا كان النكاح فاسداً فلا يترتب عليه صداق، لأن كل نكاح فسخ قبل الدخول لا شيء فيه، وطلاق الفاسد مثل فسخه. وأجيب بأن قولهم طلاق الفاسد مثل فسخه إذا كان فاسداً لصداقه كما في (بن)، وأما الفاسد لعقده كما هنا، ففي الطلاق قبل البناء نصف المسمى.

قوله: [فالمسمى يلزمه فقط]: أي ولو تعدد الوطء وهذا مقيد بعدم علمه حين الوطء بأنها هي المعلق طلاقها على نكاحها، وإلا تعدد الصداق بتعدد الوطء إن لم تكن عالمة، وإلا فهي زانية فلا يتعدد لها مهر ولا يتكمل لها صداق بالوطء الأول كما يؤخذ من الشارح.

قوله: [على من قال] إلخ: أي وهو أبو حنيفة وابن وهب.

قوله: [وإلا كانت زانية]: أي فليس لها إلا نصف الصداق بالعقد ولو كان الواطئ ذا شبهة.

قوله: [أنه لو أبقى كثيراً] إلخ: أي بتعليق أو بدونه.

قوله: [ولو كان بالنسبة لغيره]: أي لغير من منع نفسه منه.

قوله: [فتزوج من ذلك]: أي من الجنس الذي حلف عليه.

قوله: [يبلغها الشخص في الغالب]: قد يقال إنهم شرطوا أن يبقى من العمر الغالب ما يحصل له النفع بالتزوج، ومن بلغ سبعين سنة انتهى في العمر الغالب، ولذلك قال في الأصل:"ولا بد من بقاء مدة بعد ما يبلغه عمره ظاهراً يتزوج فيها، ويحصل له فيها النفع بالتزوج"، أما لو كان ابن عشرين وحلف على ترك التزوج مدة خمسين سنة فلا يحنث إذا تزوج لأن السبعين مدة العمر المعتاد، إلا أن يقال التفت شارحنا إلى القول بأن مدة التعمير ثمانون تأمل.

تنبيه: إذا حلف لا يتزوج من الجنس الفلاني أو البلد الفلانية وله زوجة من ذلك الجنس أو البلد في عصمته قبل الحلف فلا تدخل في اليمين، لأن الدوام ليس كالابتداء.

قوله: [وله نكاح الإماء]: اعلم أن محل إباحة نكاح الإماء له إذا خشي الزنا ما لم يقدر على التسري، وإلا وجب كما في الخرشي، وفي حاشية شيخنا الأمير على (عب) أن له نكاح الإماء، ولو قدر على التسري فإن عتقت الأمة التي تزوج بها

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

[2]

ليست في ط المعارف.

[3]

في ط المعارف: (لأن)، ولعلها الصواب.

[4]

في ط المعارف: (يبلغه)، ولعلها الصواب.

[5]

ليست في ط المعارف.

ص: 453

(فيمن أبوها كذلك): أي مصري مثلاً، ولو كانت أمها غير مصرية، والأم تبع للأب.

(و) لزم (في الطارئة) إلى مصر وكانت شامية مثلاً (إن تخلقت بخلقهن) أي المصريات، بأن أقامت مدة بمصر حتى تطبعت بطباع المصريات، لا إن لم تتخلق بخلقهن ولو طالت إقامتها بها (لا) يلزمه طلاق (في) قوله: كل من أتزوجها طالق (إلا أن أنظرها)، أو حتى أنظرها أي ببصري (فعمي) لأن بساط يمينه ما دمت بصيراً، فله بعد العمى تزوج من شاء.

(ولا) يلزمه طلاق (في الأبكار) إذا قال: كل بكر أتزوجها طالق (بعد) قوله: (كل ثيب) أتزوجها طالق (كالعكس)، أي لا يلزمه في الثيبات إذا قال: كل ثيب أتزوجها طالق بعد قوله: كل بكر أتزوجها طالق على المشهور فيهما، لدوران الحرج مع اليمين الثانية، ويلزمه في الثيبات في المسألة الأولى، وفي الأبكار في الثانية.

(ولا) يلزمه طلاق (إن خشي) على نفسه (العنت في مؤجل) بأجل (يبلغه) الحالف غالباً، كقوله: كل امرأة أتزوجها في السنة المستقبلة، أو مدة عشرة أعوام وهو ابن ثلاثين مثلاً، (وتعذر) عليه (التسري)، فإن لم يخش العنت أو أمكنه التسري حنث كما مر، فهذا كالمستثنى من مفهوم قوله:"كأن ذكر زمناً لا يبلغه"، أي فإن كان الزمن يبلغه الحالف عادة حنث إلا إذا خشي إلخ.

(أو قال: آخر امرأة) أتزوجها طالق لم يلزمه فيمن يتزوجها شيء على الراجح، (ولا يوقف) عن وطء الأولى حتى يتزوج بثانية، فإن تزوج بثانية حل وطء الأولى ووقف عن الثانية حتى يتزوج ثالثة، فإن تزوج وقف عن الثالثة حتى يتزوج برابعة، وهكذا ويضرب له أجل الإيلاء من يوم الرفع فيمن وقف عنها، فإن مضى الأجل ولم يتزوج طلق عليه كما هو قول سحنون، واختاره اللخمي إلا في الزوجة الأولى فلا يوقف عنها، لأنه لما قال آخر امرأة علمنا أنه جعل لنفسه أولى لم يردها بيمينه.

(واعتبر في ولايته): أي الزوج (عليه): أي على المحل الذي هو العصمة والولاية عليه ملكه (حال النفوذ) نائب فاعل اعتبر، وحال النفوذ هو وقت وقوع المعلق عليه كدخول الدار؛ أي والمعتبر شرعاً في ملك العصمة هو وقت وقوع الفعل الذي علق الطلاق عليه لا حال التعليق، وفرع على هذا قوله:(فلو فعلت) الزوجة التي حلف بطلاقها إن دخلت الدار (المحلوف عليه) بأن دخلت الدار (حال بينونتها) ولو بواحدة كخلع، أو بانقضاء عدة رجعي (لم يلزم) الطلاق،

ــ

فمقتضى قولهم إن الدوام ليس كالابتداء في المرأة التي في عصمته أن لا تطلق عليه، وهذا هو المعتمد.

قوله: [فيمن أبوها كذلك]: أي ولو لم تقم بمصر قوله: [ولزم في الطارئة] إلخ: أي والموضوع أنه حلف لا يتزوج مصرية.

قوله: [فله بعد العمى تزوج من شاء]: ومثله لو قال حتى ينظرها فلان، فعمي فلان أو مات فله أن يتزوج ما شاء، ولو لم يخش العنت، وقال ابن المواز: لا يتزوج حتى يخشى الزنا ولم يجد ما يتسرى به، وكل هذا إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق حتى أنظرها أو ينظرها فلان، وأما لو قال كل امرأة أتزوجها من بلد كذا أو من قبيلة كذا فهي طالق حتى أنظرها أو ينظرها فلان، فعمي، فإن اليمين لازمة، ومتى تزوج من تلك البلد أو من تلك القبيلة بعد العمى طلقت عليه كما في البدر اهـ، وعبارة الشارح تفيد ذلك.

قوله: [ولا يلزمه طلاق في الأبكار]: ما ذكره المصنف هو المشهور

وهو قول ابن القاسم وسحنون، ابن عبد السلام: هو أظهر الأقوال، وقليل يلزمه اليمين فيهما نظراً للتخصيص فيهما، وقيل لا يلزمه فيهما وهذا القول حكاه جماعة واختاره اللخمي.

قوله: [حنث إلا إذا خشي] إلخ: أي فحينئذ له التزوج بحرة ولا شيء عليه، وليس له التزوج بالأمة حيث أبيحت له الحرة إلا إذا عدم الطول للحرائر.

قوله: [على الراجح]: أي وهو قول ابن القاسم وذلك لأن الآخر لا يتحقق إلا بالموت، ولا يطلق على ميت، ولأنه ما من واحدة إلا ويحتمل أنها الأخيرة فكان كمن عم النساء.

قوله: [حل وطء الأولى]: أي ويرثها إذا ماتت، وأما إذا ماتت الموقوف عنها فإنه يوقف ميراثه منها، فإن تزوج ثانية أخذه، وإن مات قبل أن يتزوج رد لورثتها، وإذا مات الزوج عمن وقف عنها فلا ترثه ولها نصف الصداق لتبين أنها المطلقة، لأنها آخر امرأة له ولا عدة عليها، ويلغز بها في مسألة موت الزوج فيقال: شخص مات عن زوجة حرة مسلمة، نكحها بصداق مسمى وأخذت نصفه ولا ميراث لها ولا عدة، ويلغز بها أيضاً إذا ماتت هي من وجهين فيقال: ماتت امرأة ووقف إرثها، وليس في ورثتها حمل، والوجه الثاني ماتت امرأة في عصمة رجل ولا يرثها إلا إذا تزوج عليها.

قوله: [واختاره اللخمي]: أي وأما لو قال أول امرأة أتزوجها طالق، وآخر امرأة أتزوجها طالق، فإنه يلزمه الطلاق في أول من يتزوجها اتفاقاً ويجري في آخر امرأة قول ابن القاسم، وقول سحنون ولا يجري فيها اختيار اللخمي فتأمل.

قوله: [أي والمعتبر شرعاً] إلخ: هذا إذا كانت اليمين منعقدة، فلو كانت غير منعقدة حال التعليق كما إذا علق صبي طلاق زوجته على دخول الدار فبلغ ودخلت

ص: 454

إذ لا ولاية له على محل العصمة حال النفوذ أي حال وقوع المحلوف عليه من الدخول المعلق عليه الطلاق؛ إذ المحل معدوم حال النفوذ وإن كان له عليه الولاية أي الملك حال التعليق، وكذا من حلف على فعل غيرها كدخول زيد أو دخوله هو فدخل حال بينونتها لم يلزم.

قال ابن القاسم: من حلف لغريمه بالطلاق الثلاث ليقضينه حقه وقت كذا، فقبل مجيء الوقت طلقها طلاق الخلع لخوفه من مجيء الوقت وهو معدوم، أو قصد عدم القضاء في الوقت لا يلزمه الثلاث، ثم بعد ذلك يعقد عليها برضاها بربع دينار، (فلو نكحها) بعد البينونة وكانت يمينه مطلقة أي غير مقيدة بزمن، أو مقيدة بزمن ولم ينقض (ففعلته) بعد نكاحها (حنث) سواء فعلته حال البينونة أيضاً أم لا (إن بقي لها من العصمة المعلق فيها شيء) بأن كان طلاقها دون الغاية، وقوله:"فلو نكحها" أي مطلقاً قبل زوج أو بعده؛ لأن نكاح الأجنبي لا يهدم العصمة السابقة، واحترز بقوله:"إن بقي" إلخ، عما لو أبانها بالثلاث ثم تزوجها بعد زوج ففعلت المحلوف عليه لم يحنث، لأن العصمة المعلق فيها قد زالت بالكلية، ولو كانت يمينه بأداة تكرار.

(كمحلوف لها) بطلاق غيرها إن تزوجها عليها أو آثرها عليها، (ككل امرأة أتزوجها عليك) طالق؛ فإن اليمين تختص بالعصمة المعلق فيها دون غيرها كالمحلوف بها أي بطلاقها المتقدم ذكرها، فإذا طلق المحلوف لها دون الغاية ثم تزوجها ثم تزوج عليها طلقت من تزوجها عليها، ولو طلقها ثلاثاً ثم تزوجها بعد زوج وتزوج عليها لم يحنث، خلافاً لقول الشيخ: ففيها وغيرها.

(فلو بانت) المحلوف لها (بدون الغاية فتزوج) بأجنبية، (ثم تزوجها) أي المحلوف لها المطلقة بما دون الغاية (طلقت الأجنبية) بمجرد العقد عليها، (ولا حجة له في أنه لم يتزوج عليها) أي على المحلوف لها، وإنما تزوجها على الأجنبية، (وإن ادعى نية) ولا يعمل بنيته في فتوى ولا قضاء لأن اليمين على نية المحلوف لها ونيتها أن لا يجمع معها غيرها، وقيل: هذا إن رفعته، ولو جاء مستفتياً لقبلت نيته، وقد أشار لذلك بقوله:"تأويلان".

(ولو علق عبد) الطلاق (الثلاث على فعل) منه أو من غيره كدخول دار، (فعتق فحصل) الفعل المعلق عليه كالدخول (لزمت) الثلاث [1]، لأن المعتبر حال النفوذ لا حال التعليق، وإلا لزمه اثنتان لأن العبد ليس له إلا اثنتان، فإن دخلت قبل العتق لزمه اثنتان ولا تحل له إلا بعد زوج، ولو عتق بعد (و) لو علق العبد (اثنتين) على الدخول مثلاً فعتق ثم دخلت لزمه الاثنتان،

ــ

لم يلزمه طلاق.

قوله: [إذ لا ولاية له] إلخ: أي لا ملك للزوج في العصمة حال النفوذ لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً.

واعلم أن اشتراطهم لملك العصمة حال النفوذ إنما هو بالنظر للحنث، وأما البر فلا يشترط فيه ذلك، وذلك أن الحنث لما كان موجباً للطلاق اشترط فيه ملك العصمة، وأما البر لما كان مسقطاً لليمين فلا معنى لاشتراط ملك العصمة فيه، بل في أي وقت وقع الفعل الذي حلف ليفعلنه بر، فإذا حلف ليفعلن الشيء الفلاني فأبانها، وفعله حال بينونتها ثم تزوجها فإن يبر بفعله حال البينونة خلافاً لما ذكره (عب) من عدم البراءة كذا يؤخذ من حاشية الأصل.

قوله: [إن بقي له من العصمة المعلق فيها شيء]: هذا خلاف مذهب الشافعي، فإن مذهبه إذا قال الرجل لزوجته: إن فعلت أنا أو أنت كذا فأنت طالق ثلاثاً، ثم خالعها انحلت يمينه، فإذا فعل المحلوف عليه بعد ذلك فلا يلزمه شيء بقي من العصمة فيها شيء أم لا، وهي فسحة عظيمة يجوز التقليد فيها.

قوله: [لم يحنث]: أي باتفاق عندنا وعند الشافعي.

قوله: [خلافاً لقول الشيخ] إلخ: حاصل ما لهم هنا أن المحلوف عليها متفق على تعلق الحنث بها في العصمة الأولى وغيرها كما يأتي في الإيلاء، وأما المحلوف بها أي بطلاقها فاتفق على تعلق اليمين بالعصمة الأولى فقط، وأما المحلوف لها فهي محل النزاع، فالذي في كتاب الأيمان من المدونة أنها كالمحلوف بها في تعلق اليمين بها في العصمة الأولى، وعليه ابن الحاجب، واعترضه ابن عبد السلام قائلاً: أنكر ذلك ابن المواز وابن حبيب وغير واحد من المحققين، وهذا الحكم إنما يكون في المحلوف بطلاقها لا في المحلوف لها بالطلاق، وقد عول شارحنا على ما قاله ابن الحاجب.

قوله: [ولا يعمل بنيته في فتوى ولا قضاء]: ظاهره على هذا التأويل كانت اليمين حقاً لها بأن اشترطت عليه في العقد أن لا يتزوج عليها، أو تطوع لها بتلك اليمين لأنه صار حقاً لها، وقيل لا يلزمه في التطوع وتقبل نيته. واستشكل هذا الفرع بأن محل عدم قبول النية عند القاضي إن كانت مخالفة لظاهر اللفظ، وهي هنا موافقة لا مخالفة، فكان ينبغي أن يقبل قوله ولو مع الرفع للقاضي. وأجيب بأن يمينه محمولة شرعاً على عدم الجمع، وحينئذ فالنية مخالفة لمدلول اللفظ شرعاً.

مسألة: لو علق حر طلاق زوجته المملوكة لأبيه الحر المسلم على موته، بأن قال: أنت طالق يوم موت أبي أو عند موته لم ينفذ هذا التعليق؛ لانتقال تركة أبيه كلها أو بعضها إليه بموته، ولو كان عليه دين، ومن جملتها الأمة فينفسخ نكاحه فلم يجد الطلاق عند موت الأب محلاً يقع عليه، وجاز له

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (لثلاث).

ص: 455

و (بقيت) عليه (واحدة كما لو طلق) حال رقه (واحدة فعتق) بقيت عليه واحدة، لأنه كحر طلق نصف طلاقه.

ثم شرع في بيان الركن الرابع وهو اللفظ بقوله: (ولفظه الصريح) الذي تنحل به العصمة ولو لم ينو حلها متى قصد اللفظ (الطلاق) كما لو قال: الطلاق يلزمني، أو علي الطلاق أو أنت الطلاق، ونحو ذلك، (وطلاق) بالتنكير أي: يلزمني، أو عليك، أو أنت طلاق، أو علي طلاق، وسواء نطق بالمبتدأ كأنت أو بالخبر كعلي أم لا؛ لأنه مقدر والمقدر كالثابت، (وطلقت) بالفعل الماضي والتاء مضمومة، (وتطلقت) بتشديد اللام المفتوحة وكسر التاء أي مني أو أنت تطلقت، (وطالق) اسم فاعل، (ومطلقة) بفتح الطاء واللام مشددة اسم مفعول نحو أنت مطلقة (لا مطلوقة ومنطلقة وانطلقي) أي ليست هي من صريحه ولا من كناياته الظاهرة لاستعمالها في العرف في غير الطلاق، بل من الكنايات الخفية، إن قصد بها الطلاق لزمه، وإلا فلا.

(ولزم) في صريحه طلقة (واحدة إلا لنية أكثر) فيلزمه ما نواه (كاعتدي) أي كما لو قال لها: اعتدي؛ فإنه يلزمه طلقة واحدة إلا أن ينوي أكثر، فإنه يلزمه ما نواه واعتدي من الكناية الظاهرة ويلزم بها ما ذكر (وصدق في) دعوى (نفيه) أي نفي الطلاق من أصله في قوله: اعتدي (إن دل بساط عليه) أي على نفيه، كما لو كان الخطاب في مقام ذكر الاعتداد بشيء أو العد، فقال: اعتدي، وقال: نويته الاعتداد بكذا أو العد فيصدق في ذلك.

(وكنايته الظاهرة: بتة، وحبلك على غاربك ولزم بهما): أي بإحدى هاتين الصيغتين (الثلاث مطلقاً) دخل بها أم لا، لأن البت القطع وقطع العصمة شامل للثلاث، ولو لم يدخل، والحبل عبارة عن العصمة وهو إذا رمى العصمة على كتفها لم يبق له فيها شيء مطلقاً (كأن اشترت) زوجته (العصمة منه) أي من زوجها بأن قالت له: بعني عصمتك بمائة، فباعها لها بها فإنها تطلق ثلاثاً دخل أو لم يدخل (وواحدة بائنة) بالرفع عطف على "بتة"، أي: ومن الكناية الظاهرة قوله لها: أنت طالق طلقة واحدة بائنة نظراً لقوله: "بائنة" والبينونة بعد الدخول بغير عوض إنما تكون ثلاثاً؛ فألزم بها الثلاث كما يأتي، ولم ينظروا للفظ واحدة، إما لكون "واحدة" صفة لمرة محذوفاً أي: مرة واحدة، بدليل قوله بعد:"بائنة"، وأما لأنه يحتاط في الفروج ما لا يحتاج في غيرها، فاعتبر لفظ بائنة وألغي لفظ واحدة.

(أو نواها): أي الواحدة البائنة (بكادخلي واذهبي) وانطلقي من سائر الكنايات الخفية، فإنه يلزمه الثلاث في المدخول بها وواحدة فقط في غيرها ما لم ينو أكثر، وأولى إذا نوى الواحدة البائنة بلفظ صريح الطلاق، كأن يقول لها: أنت طالق، ونوى الواحدة البائنة؛ فإنه يلزمه الثلاث في المدخول بها دون غيرها ما لم ينو أكثر؛ لأن نية البينونة كغيرها، والبينونة بعد الدخول بغير عوض ولا لفظ خلع ثلاث، وقبل الدخول واحدة إلا لنية أكثر ولذا قال:(وهي): أي واحدة بائنة لفظاً، أو نية بلفظ صريحه أو كنايته الخفية (ثلاث في المدخول بها) ويلزمه واحدة في غيرها ما لم ينو أكثر وأما نية الواحدة البائنة بلفظ الكناية الظاهرة كخليت سبيلك فلا أثر له، لأن العبرة حينئذ باللفظ ومدلوله الثلاث على تفصيلها المعلوم فيها، فقول الشيخ: بخليت سبيلك، فيه نظر.

ثم شبه بالواحدة البائنة في لزوم الثلاث في المدخول بها قوله: (كالميتة والدم) يعني أن من قال لزوجته: أنت علي كالميتة أو الدم،

ــ

وطؤها بالملك، ولو كان الطلاق المعلق ثلاثاً وكذا نكاحها بعد عتقها قبل زوج كذا في الأصل.

قوله: [وبقيت عليه واحدة]: على بمعنى اللام.

قوله: [ولفظه الصريح] إلخ: أي فهو منحصر في تلك الألفاظ الستة دون غيرها من الألفاظ، خلافاً لمن قال: إن الصريح ما كان فيه الحروف الثلاثة الطاء واللام والقاف لشموله نحو منطلقاً ومطلقة ومطلوقة وانطلقي، فإن هذه الألفاظ من الكتابة الخفية كما يأتي.

قوله: [اسم مفعول]: أي للفعل المضعف، وأما بغيره فتقدم أنه من الكناية الخفية.

قوله: [طلقة واحدة]: وفي حلفه على أنه لم يرد أكثر من واحدة وعدم حلفه قولان: الأول نقله اللخمي عن ابن القاسم، والثاني رواية المدنيين عن مالك، ومحل الخلاف إذا رفع للقاضي، وأما في الفتوى فلا يمين اتفاقاً.

قوله: [وصدق في دعوى نفيه]: أي بيمين في القضاء، وأما في الفتوى فلا يحتاج ليمين.

قوله: [وكنايته الظاهرة]: ليس المراد بالكناية اللفظ المستعمل في لازم معناه، بل المراد بها: لفظ استعمل في غير ما وضع له.

قوله: [والحبل) عبارة عن العصمة أي والغارب عبارة عن الكتف وهو في الأصل كتف الدابة أو ما انحدر عن أسفل سنم البعير.

قوله: [وواحدة بائنة]: محل ما قاله المتن والشارح إن كان عرف التحالف أن البائنة معناها المنفصلة، فإن كان عرفهم أن معناها الظاهرة التي لا خفاء فيها، وقصد ذلك المعنى فالظاهر لا يلزمه إلا طلقة واحدة، وتكون بعد الدخول رجعية.

قوله: [بغير عوض]: أي وبغير لفظ الخلع.

قوله: [فإنه يلزمه الثلاث في المدخول بها]: أي كما هو الظاهر، خلافاً لـ (عب) حيث عمم في المدخول بها وغيرها في لزوم الثلاث.

قوله: [ويلزمه واحدة في غيرها]: الفرق بين المدخول بها وغيرها أن غير المدخول بها تبين بالواحدة، فإن كان طلاقه خلعاً استوت المدخول بها وغيرها في قبول نية الواحدة.

قوله: [لأن العبرة حينئذ باللفظ]: أي ونية صرفه مباينة لوضعه.

ص: 456

(ولحم الخنزير) الواو بمعنى "أو"(ووهبتك لأهلك أو رددتك أو لا عصمة لي عليك، وأنت حرام أو خلية)[1] أي من الزوج (أو برية، أو خالصة): أي مني لا عصمة لي عليك، (أو بائنة، أو أنا) بائن منك، أو خلي أو بري أو خالص، فإنه يلزمه الثلاث في المدخول بها (كغيرها) أي غير المدخول بها (إن لم ينو أقل)، فإن نوى الأقل لزمه ما نواه وحلف إن أراد نكاحها أنه ما أراد إلا الأقل لا إن لم يرده، فقوله:"كغيرها" راجع لما بعد الكاف أي الميتة، وما بعدها (ولزم الثلاث مطلقاً) دخل أم لا (ما لم ينو أقل) من الثلاث (في) قوله لها (خليت سبيلك)، فإن نوى الأقل لزمه ما نواه.

(و) لزمه الثلاث (في المدخول بها) فقط (في) قوله: (وجهي من وجهك) حرام، (أو) وجهي (على وجهك حرام) فلا فرق بين "من" و "على"، وشبه في ذلك قوله:(كلا نكاح بيني وبينك، أو لا ملك لي) عليك، (أو لا سبيل لي عليك) فيلزمه الثلاث في المدخول بها فقط (إلا لعتاب) راجع لما بعد الكاف (وإلا) بأن كان لعتاب (فلا شيء عليه) كما لو كانت تفعل أموراً لا توافق غرضه بلا إذن منه فقال لها ذلك، فالعتاب قرينة وبساط دال على عدم إرادته الطلاق كما يأتي (كقوله يا حرام) ولم ينو به الطلاق، (أو) قال:(الحلال حرام) بدون علي، (أو) قال: الحلال (حرام علي) أو علي حرام، (أو جميع ما أملك حرام، ولم يرد إدخالها): أي الزوجة في لفظ من هذه الألفاظ، فلا شيء عليه، فإن قصد إدخالها فثلاث في المدخول بها وفي غيرها إلا لنية أقل.

(و) لزمه (واحدة مطلقاً) دخل أم لا (في) قوله: (فارقتك) إلا لنية أكثر وهي رجعية في المدخول بها.

(وحلف على نفيه) أي الطلاق حيث ادعى عدم قصده (في) قوله: (أنت سائبة، أو ليس بيني وبينك حلال ولا حرام؛ فإن نكل) لزمه الطلاق و (نوي في عدده)، وقبل قوله فيما دون الثلاث بيمينه، واستشكل تنويته في العدد مع كونه قد أنكر قصد الطلاق، وهو إذا أنكر قصد الطلاق فلا تقبل نيته، قال بعضهم: هذا الفرع وإن ذكره في المدونة إلا أنه ذكره عن ابن شهاب، وليس هو لمالك بل هو مخالف لأصل مذهبه، ولذا لم يذكره ابن الحاجب ولا ابن شاس ولا ابن عرفة، فعلى المصنف الدرك في ذكره. اهـ أي فالجاري على أصل مذهب مالك أنه يلزمه الثلاث في المدخول بها كغيرها إلا إذا نوى أقل وقد علمت أن الكناية الظاهرة أقسام.

الأول: ما يلزم فيه طلقة واحدة إلا لنية أكثر في المدخول بها وهو: اعتدي، وأما غير المدخول بها فلا عدة عليها، فإن قال لها: اعتدي، فهو من الكناية الخفية في حقها.

الثاني: ما يلزم فيه الثلاث مطلقاً وهو: بتة، وحبلك على غاربك.

الثالث: ما يلزم فيه الثلاث في المدخول بها وواحدة في غيرها لم ينو أكثر

ــ

والحاصل أن صريح الطلاق والكناية الظاهرة لا يصرفهما عن ظاهرهما إلى الأخف إلا البساط لا النية.

قوله: [أو خالصة]: ومثله لست لي على ذمة، وأما عليه السخام فيلزمه فيه واحدة إلا أن ينوي أكثر، وأما نحو عليه الطلاق من ذراعه أو فرسه فلا شيء فيه، لأن القصد من الحلف بذلك التباعد عن الحلف بالزوجة. واعلم أن لست لي على ذمة أو أنت خالصة لا نص فيهما، وقد اختلف استظهار الأشياخ في اللازم بهما، فاستظهر شيخ مشايخنا العدوي لزوم طلقة بائنة، واستظهر شيخنا المؤلف لزوم الثلاث، واستظهر بعض المحققين أن خالصة يمين سفه ولست لي على ذمة في عرف مصر بمنزلة فارقتك يلزم فيه طلقة واحدة إلا لنية أكثر في المدخول بها وغيرها، وأنها رجعية في المدخول بها كذا يؤخذ من حاشية الأصل.

قوله: [إن لم ينو أقل]: أي بأن نوى الثلاث أو لا نية له. إن قلت إن صريح الطلاق عند الإطلاق فيه طلقة واحدة فما وجه كون ذلك فيه الثلاث؟ فالجواب أن عدوله عن الصريح أوجب ريبة عنده في ذلك فشدد عليه.

قوله: [فلا فرق بين من وعلى]: أي في لزوم الثلاث وفي تنويته في العدد في غير المدخول بها.

قوله: [فإن قصد إدخالها]: هذا التفصيل في الصيغ التي قالها المصنف، وأما لو قال علي الحرام وحنث فإنه يلزمه الثلاث في المدخول بها ولا ينوى فيها ويلزمه في غيرها أيضاً، ولكنه ينوى في العدد، والفرق بين علي حرام وما معها، وبين علي الحرام، أن علي الحرام استعمل في العرف في حل العصمة، بخلاف علي حرام وما معه، فمن قاس علي الحرام على باقي الصيغ فقد أخطأ لوجود الفارق، وخالف المنصوص في كلامهم أفاده الأجهوري: قال (بن): وقد جرى العمل بفاس ونواحيها بلزوم طلقة بائنة في علي الحرام بالتعريف، لا فرق بين مدخول بها وغيرها.

قال في حاشية الأصل: والحاصل أن كلاً من هذين القولين يعني القول بلزوم الثلاث، والقول بلزوم طلقة بائنة معتمد، وحكى البدر القرافي أقوالاً أخر أنه لغو لا يلزم به شيء وقيل إنه طلقة رجعية، وقيل ينوى فيه أو نوى به الطلاق لزمه، وإن لم ينوه لا يلزمه شيء وهو المفتى به عند الشافعية.

قوله: [فهو من الكناية الخفية في حقها]: أي فلا يلزم فيها شيء إلا بالنية كاسقني الماء.

قوله: [وهو بتة] إلخ: لزوم الثلاث في بتة، وحبلك على غاربك، لكونه من الكناية الظاهرة على حسب العرف القديم، وأما عرفنا الآن فهما من الكناية الخفية، لأن ألفاظ الأيمان مبنية على العرف، وكذلك باقي الألفاظ ينظر فيها على حسب العرف، ولذلك قال في الحاشية: فائدة قال القرافي في فروقه

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

زاد بعدها في ط المعارف: (لأهلك).

ص: 457

كواحدة بائنة؛ نظراً لبائنة كما تقدم لفظاً أو نية بلفظ.

الرابع: ما يلزم فيه الثلاث في المدخول بها كغيرها إن لم ينو أقل وهي ميتة وما عطف عليها.

الخامس: ما يلزم فيه الثلاث مطلقاً ما لم ينو أقل وهو: خليت سبيلك.

السادس: ما يلزم فيه الثلاث في المدخول بها وينوى في غيرها، وهو: وجهي من وجهك حرام إلى آخره.

السابع: ما يلزم فيه واحدة إلا لنية أكثر وهو: فارقتك، وكل ذلك ما لم يدل البساط والقرائن على عدم إرادة الطلاق، وأن المخاطبة بلفظ مما ذكر ليست في معرض الطلاق بحال، وإلى ذلك أشار بقوله:(وصدق في نفيه) أي الطلاق (إن دل بساط عليه) أي على النفي (في الجميع) أي جميع الكنايات الظاهرة (كالصريح): فإنه يصدق في نفيه عند قيام القرائن، كما لو أخذها الطلق عند ولادتها، فقال: أنت طالق إعلاماً أو استعلاماً، أو كانت مربوطة فقالت له هي أو غيرها: أطلقني، فقال: أنت طالق، ونحو ذلك مما يقتضيه الحال.

وحاصل القول في الكناية أنها قسمان: ظاهرة وهي ما شأنها أن تستعمل في الطلاق وحل العصمة، وخفية وهي ما شأنها أن تستعمل في غيره والضابط في الظاهرة على ما يؤخذ من كلامهم في غير واحدة بائنة أن اللفظ إن دل على قطع العصمة بالمرة لزم فيه الطلاق الثلاث في المدخول بها وغيرها، ولا ينوى، وذلك كبتة، وحبلك على غاربك، ومثلهما: قطعت العصمة بيني وبينك، وعصمتك على كتفك أو على رأس جبل ونحو ذلك، وإن لم يدل على ذلك بل دل على البينونة. والبينونة لغير خلع ثلاث في المدخول بها، وصادقة بواحدة في غيرها فإن كان ظاهراً فيها ظهوراً راجحا فثلاث في المدخول بها جزماً كغيرها ما لم ينو الأقل، كحرام، وميتة، وخلية، وبرية، ووهبتك لأهلك وما ذكر معها، وإن كان اللفظ ظاهراً في البينونة ظهوراً مساوياً فثلاث مطلقاً إلا لنية أقل، كخليت سبيلك وإن كان مرجوحاً لزمه الواحدة ما لم ينو أكثر كفارقتك وأما سائبة، أو ليس بيني وبينك حرام ولا حلال، فهذا من قبيل: وجهي من وجهك حرام، وما أنقلب إليه من أهل حرام وهو ثلاث في المدخول بها، وينوي في غيرها، فإن لم يكن له نية فهل يحمل على الثلاث لأنه الأصل في البينونة؟ فيكون من قبيل كالميتة وأنت حرام وبائن فلا يحمل في غير المدخول بها على الأقل إلا إذا نواه وهو ظاهر ما لأصبغ، أو يحمل على الواحدة إلا لنية أكثر؟ والأول أظهر والله أعلم هذا كله في الكناية الظاهرة.

وأما الكناية الخفية فأشار لها بقوله: (و) نوي (فيه): أي في أصل الطلاق، (وفي عدده في) كل كناية خفية توهم قصد الطلاق نحو:(اذهبي وانصرفي) وانطلقي (أو) أنا (لم أتزوج، أو قيل له: ألك امرأة؟ فقال لا، أو) قال لها: (أنت حرة أو معتقة أو ألحقي بأهلك)، فإن ادعى عدم الطلاق صدق، وإن ادعى عدداً واحدة أو أكثر صدق، فإن ادعى أنه نوى الطلاق ولم ينو عدداً لزمه الثلاث في المدخول بها وغيرها (وعوقب) الآتي بهذه الألفاظ الموجبة للتلبيس على نفسه وعلى الناس (وإن قصده بكلمة) كاسقني (أو صوت) ساذج (لزم) وهذا من الكناية الخفية عند الفقهاء، وإن لم يستعمل في لازم معناه (لا) يلزم (إن قصد التلفظ به) أي بالطلاق، (فعدل لغيره غلطاً) كما لو أراد أن يقول: أنت طالق، فالتفت لسانه بقوله: أنت قائمة، قال مالك: من أراد أن يقول: أنت طالق، فقال: كلي أو اشربي فلا يلزمه شيء أي لعدم وجود ركنه وهو اللفظ الدال عليه أو غيره مع نيته، بل أراد إيقاعه بلفظه،

ــ

ما معناه: إن نحو هذه الألفاظ من برية وخلية وحبلك على غاربك ورددتك، إنما كان لعرف سابق، وأما الآن فلا يحل للمفتي أن يفتي بها إلا لمن عرف معناها وإلا كانت من الكنايات الخفية، فلا نجد أحداً اليوم يطلق امرأته بخلية ولا برية. والحاصل أنه لا يحل للمفتي أن يفتي بالطلاق حتى يعلم العرف في ذلك البلد. اهـ.

قوله: [وهي ميتة وما عطف عليها]: أي من قوله والدم ولحم الخنزير، وعرفنا الآن أن هذه الألفاظ الثلاثة من الكناية الخفية.

قوله: [وينوي في غيرها]: أي فإن نوى ثلاثاً لزمته، أو أقل لزمه ما نواه، فإن لم تكن له نية فقيل يحمل على الثلاث وقيل على الواحدة، وعلى الأول يكون القسم السادس متحداً مع القسم الرابع فتأمل، وسيأتي يوضح الشارح ذلك في آخر عبارته.

قوله: [ما يلزم فيه واحدة إلا لنية أكثر]: أي لا فرق بين المدخول بها وغيرها فغاير القسم الأول وهو اعتدى، فإنه في غير المدخول بها كناية خفية لا يلزمه شيء إلا بالنية.

قوله: [والقرائن]: وأعظم القرائن العرف.

قوله: [كما لو أخذها الطلق]: مثال للبساط في الصريح.

قوله: [إعلاماً]: أي لغيره، وقوله:[أو استعلاماً] أي طالباً العلم لنفسه.

قوله: [وهي ما شأنها أن تستعمل]: أي عرفاً.

قوله: [وذلك كبتة] إلخ: أي على حسب العرف الماضي.

قوله: [وأما الكناية الخفية]: أي وهي ما شأنها أن تستعمل في غيره كما تقدم.

قوله: [عند الفقهاء]: أي كما قال ابن عرفة، وقال ابن الحاجب وابن شاس إنه ليس بكناية ولا صريح ومقتضى كلامهما عدم لزوم الطلاق بهذه الألفاظ، ولو نوى به الطلاق، والمعول عليه الأول، فيلزم إذا نواه بالصوت الساذج أو المزمار، وأما الصوت الضرب باليد فمن الفعل الذي يحتاج

ص: 458

فوقع في غيره.

(أو أراد أن ينطق بالثلاث فقال أنت طالق، وسكت) عن التلفظ بالثلاث، فلا يلزمه ما زاد على الواحدة، لأنه لم يقصد الثلاث: بقوله: أنت طالق، وإنما أراد أن ينطق بالثلاث فبدا له عدم الثلاث فسكت عن النطق به.

ولما قدم أن من أركانه اللفظ، أفاد هنا أنه ليس المراد خصوص اللفظ لا غير، بل المراد اللفظ أو ما يقوم مقامه من إشارة أو كتابة أو فعل جرت به عادة أو كلام نفسي على قول بقوله:(ولزم) الطلاق (بالإشارة المفهمة) بيد أو رأس ولو من غير الأخرس، لا بغير المفهمة ولو فهمتها الزوجة لأنها من الأفعال التي لا طلاق بها والمفهمة: هي التي يقطع من رآها بقصد الطلاق، ولو كانت المرأة لبلادتها لم تفهم منها طلاقاً.

(و) لزم الطلاق (بمجرد إرساله): أي الطلاق مع رسول، أي المجرد عن الوصول إليها، فمتى قال للرسول: أخبرها بأني طلقتها، لزمه الطلاق.

(أو) بمجرد (كتابته) الطلاق (عازماً) بطلاقها لا متردداً فيه حتى يبدو له فيلزمه بمجرد كتابة طالق، وإلا يكن عازماً بالطلاق حال الكتابة، بل كان متردداً أو مستشيراً (فبإخراجه): أي فيلزمه حينئذ إن أخرجه (عازماً) وأعطاه لمن يوصله ولو لم يصل، (أو وصوله) لها أو لوليها إن أخرجه غير عازم، فإن أخرجه غير عازم ولم يصل فقولان: أقواهما عدم اللزوم، قال ابن رشد وتحصيل القول في هذه المسألة أن الرجل إذا كتب طلاق امرأته لا يخلو من ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يكون كتبه مجمعاً على الطلاق.

الثاني: أن يكون كتبه على أن يستخير فيه، فإن رأى أن ينفذه نفذه، وإن رأى أن لا ينفذه لم ينفذه.

والثالث: أن لا يكون له نية، فأما إذا كتبه مجمعاً على الطلاق، أو لم يكن له نية، فقد وجب عليه الطلاق، وأما إذا كتبه على أن يستخير فيه ويرى رأيه في إنفاذه فذلك له ما لم يخرج الكتاب من يده فإن أخرجه من يده على أن يرده إن بدا له فقيل: إن خروج الكتاب من يده كالإشهاد وليس له أن يرده، وهو رواية أشهب، وقيل: له أن يرده وهو قوله في المدونة فإن كتب إليها: إن وصلك كتابي هذا فأنت طالق، فلا اختلاف في أنه لا يقع عليه الطلاق إلا بوصول الكتاب إليها؛ فإن وصل إليها طلقت مكانها وأجبر [1] على رجعتها إن كانت حائضاً. اهـ. فتحصل أن اللزوم إما في الكتابة عازماً أو بإخراجه من يده عازماً على الطلاق، وإما بالوصول إليها، وفي قوله الثالث: أن لا يكون له نية نظر، لأن المراد بالنية العزم [2]. والإنسان إما عازم على الشيء، وإما لا عازم ولا واسطة بينهما إلا أن يحمل على العبث أو السهو، وعلم من قوله: فإن كتب إليها: "إن وصلك"، إلى آخر ما في بعض الشروح من المخالفة.

(لا) يلزم طلاق (بكلام نفسي) على أرجح القولين، قال في التوضيح: الخلاف إنما هو إذا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفسي.

ــ

للعرف أو القرائن كما في الحاشية.

قوله: [أو أراد ينطق بالثلاث] إلخ: أي وأما لو أراد أن ينجز واحدة، فقال: أنت طالق ثلاثاً، فقيل يلزمه الثلاث في الفتوى والقضاء وهو قول مالك وسحنون، وأما لو أراد أن يعلق الثلاث، فقال: أنت طالق ثلاثاً، وسكت ولم يأت بالشرط فلا شيء عليه كما في المواق عن المتيطي.

قوله: [لزمه الطلاق]: أي ولو لم يصل الخبر إليها.

قوله: [فيلزمه بمجرد كتابة طالق]: أي في صور ست، وهي ما إذا أخرجه عازماً أو مستشيراً أو لا نية له، وفي كل وصل أم لا والمتردد والمستشير شيء واحد في الحكم فلا تتعدد من أجلهما الصور.

قوله: [إن أخرجه عازماً]: مثل العزم في الإخراج عدم النية على المعتمد.

قوله: [إن أخرجه غير عازم]: أي بأن كان مستشيراً أو متردداً.

قوله: [أقواهما عدم اللزوم]: أي حيث كان كتبه مستشيراً أو متردداً وأخرجه كذلك.

قوله: [وتحصيل القول في هذه المسألة] إلخ: فحاصله أن الصور فيها ثمانية عشر، لأنه إما أن يكتبه عازماً أو مستشيراً أو لا نية له، وفي كل إما أن يخرجه عازماً أو مستشيراً أو لا نية له، فهذه ثلاثة تضرب في مثلها بتسع، وفي كل إما أن يصل أم لا هذه ثمانية عشر، فإذا كتبه عازماً الذي هو معنى قول الشارح مجمعاً حنث بصوره الست، وهي إما أن يخرجه عازماً أو مستشيراً أو لا نية له، وفي كل إما أن يصل أم لا، وأما لو كتبه مستشيراً أو لا نية له أخرجه عازماً أو مستشيراً أو لا نية له فهذه ست يحنث فيها إن وصل اتفاقاً، وكذا إن لم يصل على المعتمد إلا في صورة وهي ما إذا كتبه مستشيراً وأخرجه كذلك كذا في الحاشية.

قوله: [على أن يستخير]: هو معنى الاستشارة والتردد.

قوله: [فقد وجب عليه الطلاق]: أما إن كان مجمعاً على الطلاق فظاهر، وأما، عند عدم النية فيأتي البحث فيه.

قوله: [على أن يرده]: هو معنى إخراجه مستشيراً أو متردداً، وتقدم أن المعتمد في هذه لا حنث إن لم يصل الذي هو قول المدونة.

قوله: [فلا اختلاف في أنه لا يقع] إلخ: أي ولو كان عازماً وقت الكتابة.

قوله: [انتهى]: أي كلام ابن رشد.

قوله: [أو بإخراجه من يده عازماً]: مثله عدم النية على المعتمد حال الكتابة أو حال الإخراج.

قوله: [إلا أن يحمل على العبث]: هذا هو الذي يظهر من كلامهم، ولذلك شدد عليه وجعل عدم النية كالعزم على الطلاق فتدبر.

قوله: [وعلم من قوله فإن كتب] إلخ: أي كالخرشي حيث عمم بقوله: سواء كان في الكتابة إذا جاءك كتابي فأنت طالق، أو أنت طالق، وسواء أخرجه ووصل إليها أو لم

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (أجبر).

[2]

ليست في ط المعارف.

ص: 459

والقول بعدم اللزوم لمالك في الموازية وهو اختيار عبد الحكم وهو الذي ينصره أهل المذهب القرافي وهو المشهور.

(أو فعل) كضرب وفتق ثوب أو تمزيقه، أو قطع حبل لا يلزمه به طلاق ولو قصده به (إلا أن يكون) ذلك الفعل (عادتهم) في وقوعه فيلزم به.

(وسفه) زوج (قائل) لزوجته: (يا أمي أو يا أختي ونحوه) كخالتي وعمتي من المحارم، أي نسب للسفه ولغو الحديث.

(وإن كرره): أي الطلاق (بعطف): بواو أو فاء أو ثم (أو بغيره) نحو: أنت طالق طالق طالق بلا ذكر مبتدأ في الأخيرين أو بذكره، (لزم) ما كرر مرتين أو ثلاثاً (في المدخول بها) نسقه أو فصل بسكوت أو كلام إذا لم يكن خلعاً، لأن الرجعية زوجة [1] يلحقها الطلاق ما دامت في العدة (كغيرها)، أي غير المدخول؛ فإنه يلزمه بقدر التكرار مرتين أو ثلاثاً، لكن (إن نسقه) ولو حكماً كفصل بعطاس أو سعال، لا إن فصله لإبانتها بالأول فلا يلحقه الثاني بعد الفصل كالتكرار بعد الخلع، (إلا لنية تأكيد في غير العطف) فيصدق في المدخول بها وغيرها، بخلاف العطف فلا تنفعه نية التأكيد مطلقاً، لأن العطف ينافي التأكيد.

(ولزم) طلقة (واحدة في) تعبيره بجزء قل أو كثر منطق أو لا نحو (ربع) أو ثمن (طلقة أو ثلثي) أو ثلث أو سدس (طلقة)، أو جزء من أحد عشر جزءاً من طلقة، (أو نصفي طلقة) لأن النصفين طلقة واحدة، (أو ثلث وربع طلقة) لأن الثلث والربع نصف طلقة وسدس نصف طلقة فتكمل، (أو ربع ونصف طلقة) لأن الربع والنصف طلقة إلا ربعاً.

(و) لزم (اثنتان في ثلث طلقة وربع [2]، أو ربع طلقة ونصف طلقة) ونحو ذلك من كل ما أضيف فيه الجزء المذكور صريحاً إلى طلقة، بأن يكون كل كسر موافق أو مخالف مضافاً لطلقة صريحاً، لأن كل كسر أضيف لطلقة أخذ مميزه فاستقل بنفسه بخلاف نصف وثلث طلقة كما تقدم.

(و) لزم اثنتان في (الطلاق كله إلا نصفه) لأنه استثني من الثلاث طلقة ونصف طلقة يبقى طلقة ونصف، وكمل عليه النصف، (و) لزم اثنتان في (واحدة) أي في قوله: أنت [3] طالق واحدة (في اثنتين) لأن الواحد في اثنين باثنين، وهذا (إن قصد الحساب) بأن كان ممن يعرف ذلك، (وإلا) يقصد الحساب (فثلاث) لأن شأن من لم يعرف الحساب أن يقصد واحدة مع اثنتين، (كأنت طالق الطلاق إلا نصف طلقة) فيلزمه الثلاث لأنه لما استثنى نصف طلقة،

ــ

يخرجه فقد علمت أن هذا التعميم خلاف ما قاله ابن رشد، ولذلك قال: وإن كتب لها إن وصلك كتابي فأنت طالق توقف الطلاق على الوصول، وإن كتب إذا وصل لك كتابي إلخ ففي توقفه على الوصول خلاف وقوي القول بتوقفه على الوصول لتضمن إذا معنى الشرط.

قوله: [لمالك في الموازية]: أي وأما القول باللزوم فهو لمالك العتبية قال في البيان والمقدمات وهو الصحيح وقال ابن راشد هو الأشهر، ابن عبد السلام: والأول أظهر لأنه إنما يكتفى بالنية في التكاليف المتعلقة بالقلب، لا فيما بين الآدميين اهـ. (بن)، ومفهوم قوله إذا أنشأ الطلاق بقلبه أن العزم على الطلاق لا شيء فيه، وكذا من اعتقد أنها طلقت منه ثم تبين له عدمه فلا يلزمه شيء.

قوله: [إلا أن يكون ذلك الفعل عادتهم]: تقدم له في الخلع أن قيام القرينة مثل العادة، وانظر هل هو مخصوص بالخلع أو يجري هنا.

قوله: [من المحارم]: لا مفهوم له، بل قال لها يا ستي أو يا حبيبتي، فإنه سفه أيضاً كما قرره شيخ مشايخنا العدوي، لكن قال في المجموع هو خفيف، لأن السيدة تصدق بعد عتقه، والنكاح إذ ذاك جائز على أن العرف شاع بها في الود والتعظيم، وأما قول نساء مصر للزوج سيدي فلا بأس به لجواز الوطء بالملك اهـ. وإنما نسب القائل ذلك للسفه للنهي الوارد عنه صلى الله عليه وسلم في قوله لمن قال لزوجته يا أختي:" أأختك هي "، فكره ذلك وأنكره، وفي كراهته وحرمته قولان.

قوله: [إن نسقه]: المراد به النسق اللغوي وهو المتابعة لا الاصطلاحي، وهو توسط أحد حروف العطف التسعة بين التابع والمتبوع.

قوله: [كالتكرار بعد الخلع]: تشبيه في غير المدخول بها.

قوله: [فيصدق في المدخول بها] إلخ: أي بيمين في القضاء وبغيرها في الفتوى، وتقبل نية التأكيد في المدخول بها، ولو طال ما بين الطلاق الأول والثاني، بخلاف غير المدخول بها فإنه إنما ينفعه فيها التأكيد حيث لم يطل، وإلا لم يلزمه الثاني ولو نوى به الإنشاء قاله الأجهوري.

قوله: [لأن العطف ينافي التوكيد]: أو لقولهم إن العطف يقتضي المغايرة.

قوله: [منطق أو لا]: المنطق ما لم يعبر فيه بلفظ الجزئية كربع وخمس، وغير المنطق ما عبر فيه بلفظ الجزئية كجزء من أحد عشر.

قوله: [لأن الثلث والربع نصف طلقة وسدس نصف طلقة]: أي لأنك تأخذ سدساً من الربع يوضع على الثلث يكمل النصف يبقى نصف سدس وهو سدس النصف، لأن الربع سدس ونصفه والثلث سدسان.

قوله: [أخذ مميزه]: أي الذي هو لفظ طلقة.

وقوله: [فاستقل بنفسه] أي حكم بكمال الطلقة فيه، فالجزء الآخر المعطوف بعد طلقة أخرى.

قوله: [كما تقدم]: أي من أنهما يحسبان طلقة واحدة لعدم أخذ مميز الأول معه، ومحل ذلك ما لم يزد مجموع الجزأين على طلقة، فإن زاد كما إذا قال نصف وثلثي طلقة بتثنية ثلث لزمه طلقتان، لأن الأجزاء المذكورة تزيد على طلقة، وفي الجواهر لو قال ثلاثة أنصاف طلقة أو أربعة أثلاث

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

[2]

زاد بعدها في ط المعارف: (طلقة).

[3]

في ط المعارف: (إنه).

ص: 460

علمنا أنه أراد بالطلاق كل الطلاق، (أو) قال:(كلما حضت) فأنت طالق يلزمه الثلاث، وينجز [1] عليه من الآن ولا ينتظر لوقوعه لأنه من المحتمل الغالب وقوعه، وقصده التكثير وهذا فيمن تحيض أو يتوقع منها الحيض، وأما الآيسة فلا يلزمه شيء (أو قال: كلما) طلقتك (أو: متى ما طلقتك، أو) كلما أو متى ما (وقع عليك طلاقي فأنت طالق، وطلق واحدة) فيلزمه الثلاث في الفروع الأربعة، لأنه بإيقاع الواحدة وقع المعلق فتقع الثانية، وبوقوعها تقع الثالثة، لأن فاعل السبب فاعل المسبب، (أو) قال:(إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً أو اثنين، وطلق): لزمه الثلاث في الفرعين، ويلغي قوله قبله لأنه بمنزلة من قال: أنت طالق من الأمس، فإن لم يطلق فلا شيء عليه.

(وأدب المجزئ) للطلاق (كمطلق جزء، كيد) ورجل وأصبع وأنملة من زوجته، ولزمه الطلاق.

(ولزم) الطلاق (بنحو شعرك) مما يعد من محاسن المرأة كشعرك أو كلامك أو ريقك طالق. (لا) يلزم بما لا يعد من المحاسن نحو (بصاق ودمع) وسعال.

(وصح) في الطلاق (الاستثناء بإلا وأخواتها ولو) لفظ به (سراً) فإنه ينفعه ويصدق فيه نحو: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة، أو غير واحدة أو سوى واحدة، فيلزمه اثنتان كما يأتي لكن صحته بشروط ثلاثة أشار لها بقوله:(إن اتصل) بالمستثنى منه ولو حكماً فلا يضر فصل بعطاس أو سعال، فإن انفصل اختياراً لم يصح.

(و) إن (قصد) الاستثناء: أي الإخراج لا إن جرى على لسانه بلا قصد فلا يفيد.

(ولم يستغرق) المستثنى منه، وإلا لم يصح نحو: طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً ويلزمه الثلاث ومثال غير المستغرق (نحو) أنت طالق (ثلاثاً إلا اثنتين) فيلزمه واحدة، وإذا علمت أن المستغرق غير صحيح وأن غيره صحيح.

ــ

طلقة وقعت اثنتان لزيادة الأجزاء على واحدة نقله (ر).

قوله: [علمنا أنه أراد بالطلاق] إلخ: أي أراد به الطلاق الثلاث لا الطلاق الشرعي، وإلا كأن يقول إلا نصفه، ولو قال ذلك لزمه طلقة واحدة.

قوله: [وهذا فيمن تحيض]: هذا نحو ما لابن عرفة عن النوادر معترضاً على ابن عبد السلام، حيث قال هذا في غير اليائسة والصغيرة، وأما اليائسة والصغيرة يقول لإحداهما إذا حضت فلا خلاف أنها لا تطلق عليه حتى ترى دم الحيض.

قوله: [أو قال كلما طلقتك] إلخ: أما لو قال لها: أنت طالق كلما حليتي حرمتي، نظر لقصده، فإن كان مراده: كلما حليتي لي بعد زوج حرمتي تأبد تحريمها، وإن أراد كلما: حليتي لي بالرجعة في هذه العصمة بعد الطلاق الرجعي حرمتي حلت له بعد زوج، فإنه لم يكن له قصد نظر لعرفهم، فإن لم يكن نظر للبساط، فإن لم يكن له نية ولا بساط حمل على المعنى المقتضي للتأبيد احتياطاً، ومثل ذلك إذا قال لها أنت طالق كلما حللك شيخ حرمك شيخ، وأما لو قال أنت طالق ثلاثاً كلما حليتي حرمتي، فإن أراد الزوج الثاني بعد هذه العصمة لا يحللها، فإنها تحل له بعد زوج لأن إرادته ذلك باطلة شرعاً لأن الله أحلها بعده، وإن أراد أنها إن حلت له بعد زوج وتزوجها فهي حرام عليه تأبد تحريمها.

قوله: [لأن فاعل السبب]: أي الذي هو الطلقة الأولى، والمراد بالمسبب الطلقة الثانية، وإذا كان فاعل السبب فاعل المسبب آل الأمر إلى أن الطلقة الثانية فعله، فتجعل سبباً للثالثة بمقتضى أداة التكرار.

قوله: [ويلغى قوله قبله]: هذا هو مشهور مذهبنا، وقال ابن سريج من أئمة الشافعية إذا قال إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً لا يلزمه شيء أصلاً، ولا يلحقه فيها للدور الحكمي، فإنه متى طلقها وقع الطلاق قبله ثلاثاً ومتى وقع قبله الطلاق ثلاثاً كان طلاقها الصادر منه لم يصادف محلاً، لكن قال العز بن عبد السلام تقليد ابن سريج في هذه المسألة ضلال مبين.

قوله: [وأدب المجزئ]: قال في الأصل وهو يقتضي تحريمه.

قوله: [مما يعد من محاسن المرأة]: أي هو كل ما يلتذ به أو يلتذ بالمرأة بسببه، فالأول كالريق والثاني كالعقل، لأن بالعقل يصدر منها ما يوجب للرجل الإقبال عليها والالتذاذ بها، بخلاف العلم.

قوله: [نحو بصاق]: الفرق بين الريق والبصاق أن الريق هو ماء الفم ما دام فيه، فإن انفصل عنه فهو بصاق والأول يلتذ به بخلاف الثاني.

تنبيه: خالف ابن عبد الحكم، فقال لا يلزم في:" كلامك " شيء لأن الله حرم رؤية أمهات المؤمنين ولم يحرم كلامهن على أحد، ورد بأن الطلاق ليس مرتبطاً بحل ولا حرمة، فإن وجه الأجنبية ليس بحرام، وتطلق به وفي الحاشية عن بعض المشايخ، إن قال: اسمك طالق، يلزم لأنه من المنفصل، قال في المجموع وضعفه ظاهر، لأن كل حكم ورد على لفظ فهو وارد على مسماه، وقد قيل الاسم عين المسمى فتأمل.

قوله: [وأخواتها]: وهي سوى وخلا وعدا وحاشا وغير.

قوله: [ولو لفظ به سراً]: محل الاكتفاء بالسر ما لم يكن الحلف في وثيقة حق وإلا فلا ينفعه إلا الجهر، لأن اليمين على نية المحلف كما مر في اليمين.

قوله: [إن اتصل بالمستثنى منه]: المراد بالمستثنى منه المحلوف به، فلو فصل بينهما بالمحلوف عليه ضر كما لو قال: أنت طالق ثلاثاً إن دخلت الدار إلا اثنتين، وقال بعضهم: المراد إن اتصل بالمحلوف به أو المحلوف عليه نحو: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين إن دخلت الدار، وأنت طالق ثلاثاً إن دخلت الدار إلا اثنتين وهما قولان.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (ينجر).

ص: 461

(ففي): طالق (ثلاثاً إلا ثلاثاً إلا واحدة): يلزمه اثنتان لإلغاء الاستثناء المستغرق، وكان الثاني مخرجاً من أصل الكلام، (أو) قال: أنت طالق (ألبتة إلا ثنتين إلا واحدة) يلزمه (اثنتان) لأن ألبتة ثلاث، والاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، فأخرج من ألبتة اثنتين ثم أخرج منهما واحدة تضم للواحدة الأولى، (واعتبر) في صحة الاستثناء (ما زاد على الثلاث) لفظاً، وإن كان لا حقيقة له شرعاً على أرجح القولين، فمن قال: أنت طالق أربعاً إلا اثنتين لزمه اثنتان، وإن قال: إلا ثلاثاً، لزمه واحدة، ومن قال: خمساً إلا ثلاثاً، لزمه اثنتان، كمن قال: ستاً إلا أربعاً وقيل لا يعتبر الزائد على الثلاث؛ لأنه معدوم شرعاً فهو كالمعدوم حساً، فيلزمه في المثال الأول واحدة، وفي الثاني ثلاثة لأنه كان استثنى ثلاثاً من ثلاث، فيلغى الاستثناء للاستغراق، وكذا في المثال الثالث والرابع.

ثم شرع في بيان أحكام تعليق الطلاق على مقدر حصوله في المستقبل، من حنث وعدمه وتنجيز الحنث وعدمه.

وحاصله: أنه إن علقه على أمر مستقبل محقق الوقوع، أو غالب وقوعه أو مشكوك في حصوله في الحال، ويمكن الاطلاع عليه بعد أو لا يمكن فإنه ينجز عليه الطلاق في الحال، وإن علقه على ممتنع فلا حنث، وإن علقه بممكن الوقوع مع عدم حصوله وقت التعليق، وليس بغالب الوقوع كمدخول الدار، فإنه ينتظر. وإلى تفصيل ذلك أشار بقوله:(ونجز) الطلاق أي وقع ولزم (في الحال إن علق بمستقبل محقق) وقوعه (عقلاً؛ كإن تحيز الجرم) في غد فأنت طالق، (أو إن لم أجمع بين الضدين) فأنت طالق، إذ الجمع بين الضدين مستحيل عقلاً، والأول يمين بر والثاني حنث.

(أو) محقق أي واجب (عادة)، وإن أمكن عقلاً وكان (يبلغه عمرهما) أي الزوجين معاً (عادة) بأن كان أقل من مدة التعمير، وتختلف باختلاف الناس (كبعد): أي كقوله لها أنت طالق بعد (سنة) مثلاً، فبعدية السنة أمر محقق عادة ويبلغه عمرهما عادة فينجر [1] عليه من الآن، بخلاف بعد ثمانين سنة كما يأتي، (أو) طالق (يوم موتي أو قبله بساعة) أي لحظة وأولى أكثر،

ــ

قوله: [ففي طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً إلا واحدة] إلخ: ما ذكره من لزوم الاثنتين هو مذهب خليل بناء على أن قوله إلا ثلاثاً ملغى، وقال ابن الحاجب إنه لا يلزمه إلا واحدة، ووجهه أن الكلام بآخره، وأن المراد أن الثلاث التي أخرج منها الواحدة مستثناة من قوله هي طالق ثلاثاً فالمستثنى من الثلاث اثنتان يبقى واحدة، قال ابن عرفة وهو الحق وعلى عكس القولين لو قال أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً إلا اثنتين، فعلى ما للمصنف من إلغاء الاستثناء الأول تلزمه واحدة، وعلى ما لابن الحاجب وابن عرفة يلزمه اثنتان.

قوله: [ما زاد على الثلاث]: أي في حق الحر، ويقال في العبد ما زاد على اثنتين.

تنبيه: لو قال لزوجته أنت طالق واحدة واثنتين إلا اثنتين، فإن كان الاستثناء من الجميع المعطوف والمعطوف عليه فواحدة، لأنه أخرج اثنتين من ثلاث وإلا يكن من الجميع، بل من الأول أو من الثاني أو لا نية له فيلزمه الثلاث في الصور الثلاث.

قوله: [أحكام تعليق الطلاق]: اختلف في حكم الطلاق المعلق فقال في المقدمات مكروه قال اللخمي ممنوع.

قوله: [على مقدر]: متعلق، بـ "تعليق" وقوله:"في المستقبل" متعلق بـ "حصوله"، وقوله "من حنث وعدمه وتنجيز الحنث وعدمه"، بيان للأحكام، ومعنى مقدر الحصول مفروض الحصول أي والعدم، ففي الكلام اكتفاء بدليل تعليقه على الممتنع.

قوله: [محقق الوقوع]: أي لوجوبه عقلاً أو عادة أو شرعا كماً سيذكر أمثلته.

قوله: [أو غالب وقوعه]: أي كالحيض في غير اليائسة.

قوله: [أو مشكوك في حصوله]: أي كقوله لحامل إن كان في بطنك غلام، أو إن لم يكن أو إن كان في هذه اللوزة قلبان إلخ.

قوله: [أو لا يمكن]: أي كمشيئة الله أو الملائكة أو الجن. قوله: [وإن علقه على ممتنع]: أي عقلاً كإن جمعت بين الضدين، أو عادة كإن لمست السماء أو إن شاء هذا الحجر كما سيأتي. قوله:[فإنه ينتظر]: وسيأتي يذكره بقوله: "ولا حنث إن علقه بممكن غير غالب" إلخ.

قوله: [أي وقع ولزم في الحال]: أي من غير توقف على حكم من القاضي إلا في مسائل ثلاث: مسألة إن لم أزن مثلاً، ومسألة إن لم تمطر السماء، ومسألة ما إذا علقه على محتمل واجب شرعاً كإن صليت. فالتنجيز في هذه الثلاث يتوقف على حكم الحاكم وما عداها مما ذكره المصنف لا يتوقف على حكم.

قوله: [وكان يبلغه عمرهما]: أي وأما إن كان يشبه بلوغ أحدهما إليه دون الآخر فلا ينجز، لأنه إذا كان كل من الزوجين يبلغ الأجل ظاهراً صار شبيها بنكاح المتعة من كل وجه، وأما إن كان يبلغه أحدهما فقط فلا يأتي الأجل إلا والفرقة حاصلة بالموت فلم يشبه المتعة حينئذ، ولذا قال أبو الحسن: هذا على أربعة أقسام: إما أن يكون ذلك الأجل مما يبلغه عمرهما فهذا يلزم، أو يكون مما لا يبلغه عمرهما، أو يبلغه عمره أو عمرها فهذه الثلاثة لا شيء عليه فيها إذ لا تطلق ميتة ولا يؤمر ميت بطلاق ابن يونس، وفي العتبية قال عيسى عن ابن القاسم: من طلق امرأة إلى مائة

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

كذا في ط الحلبية وط المعارف، ولعل الصواب:(فينجز).

ص: 462

فينجز عليه الآن، بخلاف بعد موتي أو موتك، أو: إن مت، فلا شيء عليه إذ لا طلاق بعد موت، وأما إن مات زيد أو بعد موته، فينجز عليه، (أو: إن أمطرت) السماء فأنت طالق، إذ المطر أمر واجب عادة (أو: إن لم أمس السماء) فأنت طالق، إذ عدم مسه لها محقق عادة، والأول يمين بر، والثاني حنث (أو: إن قمت) أو قام زيد أو جلست أو أكلت أو جلس أو أكل زيد (من كل ما) أي فعل (لا صبر) للإنسان (عنه) فينجز عليه في يمين البر، بخلاف الحنث نحو: إن لم أقم وإن لم آكل فينتظر كما ينتظر في البر مما للإنسان الصبر عنه نحو إن دخلت الدار.

(أو) بمحقق أي واجب (شرعاً كإن صليت أو صمت رمضان) فأنت طالق، فينجز عليه من الآن، وسواء صلى الخمس أو صام رمضان أم لا لوجوبه عليه شرعاً، ومثله: إن صلى زيد (أو) علقه (بغالب) وقوعه، (كإن حضت) أو: حاضت هند، وقاله (لغير آيسة) من الحيض وهي من شأنها الحيض، أو صغيرة يتوقع منها الحيض ولو بعد عشر سنين فينجز عليه، بخلاف ما لو قاله لآيسة فلا شيء عليه لأن الحيض في حقها من الممتنع عادة، (أو) علقه (بما لا يعلم حالاً) أي في حال التعليق بأن كان مشكوكاً في الحال، وإن كان يعلم في المآل (كقوله لحامل) محققة الحمل كما في المدونة:(إن كان في بطنك غلام، أو) إن (لم يكن) في بطنك غلام أي ذكر فأنت طالق، فينجز عليه ولا ينتظر ما في بطنها للشك حين اليمين، ولا بقاء على فرج مشكوك (أو) قال لها (إن كان في هذه اللوزة قلبان).

أو إن لم يكن فأنت طالق، فإنه ينجز عليه للشك حال اليمين، ونحو: إن كانت هذه البطيخة حلوة أو إن لم تكن، (أو) قال:(إن كان فلان من أهل الجنة) أو إن لم يكن من أهلها فأنت طالق للشك في الحال فينجز عليه ما لم يكن مقطوعاً بأنه من أهلها كأحد العشرة الكرام ونحوهم ممن ورد النص فيهم بدخول الجنة (أو قال لغير ظاهرة الحمل إن كنت حاملاً أو إن لم تكوني) حاملاً فأنت طالق، فينجز عليه للشك في الحمل وعدمه، (وحملت) المرأة (على البراءة) من الحمل إذا كانت حال يمينه (في طهر لم يمس فيه)، وحينئذ (فلا حنث) عليه (في) يمين (البر)، وهو إن كنت حاملاً فأنت طالق، (بخلاف) يمين (الحنث) وهو إن لم تكوني إلخ فيحنث للعلم بعدم حملها.

(أو) علق (بما لا يمكن اطلاعنا عليه) حالاً ومآلاً كمشيئة الله أو الملائكة أو الجن، (كإن شاء): أي كقوله أنت طالق إن شاء (الله، أو) إن شاءت (الملائكة أو) إن شاءت [1](الجن) أو إلا أن يشاء الله إلخ فإنه ينجز عليه،

ــ

سنة أو إلى ثمانين سنة فلا شيء عليه، وقال ابن الماجشون في المجموعة: إذا طلقها إلى وقت لا يبلغه عمرها، أو لا يبلغه عمره، أو لا يبلغانه لم يلزمه اهـ. (بن) من حاشية الأصل.

قوله: [فينجز عليه الآن]: أي لأنه ربط الطلاق بأمر محقق وقوعه في المستقبل لوجوبه عادة، إذ حصول الموت لكل أحد واجب عادي، فلو بقي من غير تنجيز الطلاق كان شبيها بنكاح المتعة.

قوله: [إذ لا طلاق بعد موت]: أي لأنه لا يؤمر ميت بطلاق، ولا يطلق على ميتة.

قوله: [وأما إن مات زيد] إلخ: أي فلا فرق في التعليق على موت الأجنبي بين يوم، وإن وإذا وقبل وبعد، فينجز عليه الطلاق في الجميع، وإنما يفترق التعليق على موت أحد الزوجين أو على موت سيد الزوجة إذا كان أبا للزوج فينجز عليه في يوم، وقبل ولا شيء عليه في إن وإذا وبعد كذا في (بن) نقله محشي الأصل.

قوله: [لا صبر للإنسان عنه]: أي لأن ما لا صبر على تركه كالمحقق الوقوع، فكأنه علق الطلاق على محقق الوقوع، فلذلك نجز عليه لأن بقاءه بلا تنجيز يشبه نكاح المتعة، ومحل التنجيز المذكور إن أطلق في يمينه أو قيد بمدة يعسر فيها ترك القيام مثلاً، وأما إن عين مدة لا يعسر ترك القيام فيها كما إذا قال إن قمت في مدة ساعة فأنت طالق، فإنه لا ينجز عليه بل ينتظر إن لم يحصل منه قيام فلا شيء عليه، وإن حصل منه قيام وقع الطلاق، فإن كان الحالف على أن لا يقوم كسيحاً فلا شيء عليه، فإن زال الكساح بعد اليمين نجز عليه.

قوله: [كإن صليت] إلخ: أي وتنجيزه عليه يتوقف على حكم كما تقدم، وهي إحدى المسائل الثلاث.

قوله: [بخلاف ما لو قاله لآيسة]: أي إما لكبر أو شأنها عدم الحيض وهي شابة، وهي التي يقال لها بغلة فلا شيء في التعليق عليها، فإذا تخلف الأمر وحاضت الشابة التي شأنها عدم الحيض وقع الطلاق ذكره (ح)، وبحث فيه بأنه إذا علق الطلاق على أجل لا يبلغه عمرهما معاً عادة، فإنه لا يقع عليه طلاق ولو بلغاه بالفعل.

قوله: [للشك حين اليمين]: إن قلت ما الفرق بين هذه المسألة ومسألة إن دخلت الدار حيث حكم هنا بالتنجيز، وهناك بعدمه مع أن كلاً مشكوك فيه؟ وأجيب بأن الطلاق في مسألة إن دخلت محقق عدم وقوعه في الحال لا أنه مشكوك فيه، وإنما هو محتمل الوقوع في المستقبل، والأصل عدم وقوعه، وأما مسألة إن كان في بطنك إلخ فالطلاق مشكوك فيه في الحال، هل لزم أم لا؟ فالبقاء معها بقاء على فرج مشكوك فيه.

قوله: [أو قال إن كان فلان من أهل الجنة]: قال (ح) ليس من أمثلة ما يعلم حالاً، وإنما هو من أمثلة ما لا يعلم حالاً ولا مآلاً كما في التوضيح، فإذا علمت ذلك فالأنسب لمصنفنا ذكره هناك فهو كمشيئة الله، لأن المراد بعدم علمه في المآل في الدنيا، ثم محل الحنث بقوله فلان من أهل الجنة ما لم يرد العمل بعمل أهل الجنة، ويكون هو كذلك وإلا فلا شيء عليه.

قوله: [في طهر لم يمس فيه]: أي بخلاف ما إذا كان

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

قوله: (الملائكة أو إن شاءت) ليس في ط المعارف.

ص: 463

لأن مشيئة من ذكر لا اطلاع لنا عليها بخلاف إن شاء زيد أو إلا أن يشاء زيد فتنتظر مشيئته.

(أو) علق (بمحتمل) وقوعه أي ممكن (ليس في وسعنا كإن لم تمطر السماء في هذا الشهر)، أو غداً أو في هذا اليوم بأن قيد بزمن يمكن فيه الوجود والعدم فأنت طالق، فإنه ينجز عليه في يمين الحنث كما ذكرنا، (بخلاف) يمين (البر كإن أمطرت) السماء (فيه) أي في هذا الشهر مثلاً فأنت طالق (فينتظر)، فإن أمطرت في الأجل المذكور طلقت وإلا فلا (على الأرجح) وهو قول الأكثر، ومقابله ينجز كالحنث.

(أو) علقه (بمحرم) بصيغة حنث (كإن لم أزن) أو أشرب الخمر فأنت طالق فإنه ينجز عليه الطلاق لكن بحكم حاكم في هذا الفرع بدليل قوله: (إلا أن يتحقق) فعلى [1] المحرم (قبل التنجيز) فلا شيء عليه لانحلال يمينه.

(ولا حنث) عليه (إن علقه) أي الطلاق (بمستقبل ممتنع) وقوعه عقلاً، كالجمع بين الضدين، أو عادة كلمس السماء (كإن جمعت بين الضدين) فأنت طالق، (أو إن لمست السماء) فطالق، أو إن (شاء هذا الحجر) إذ لا مشيئة للحجر فيمتنع عادة أن تكون له مشيئة.

(أو) علقه (بما) أي بشيء (لا يشبه البلوغ إليه) عادة، بأن زاد أمده على مدة التعمير، (كبعد ثمانين سنة) أنت طالق (أو) قال (إذا مت) أنا (أو مت) أنت (أو إن) مت أو مت (أو متي) مت أو مت أنت فأنت طالق، فلا شيء عليه إذ لا طلاق بعد موت، بخلاف يوم موتي أو قبله كما تقدم، (أو قال) لخلية من الحمل تحقيقاً لصغر أو إياس أو في طهر لم يمس فيه (إن ولدت) ولداً (أو إن حملت) فأنت طالق فلا شيء عليه لتحقق عدم حملها، وقد علق الطلاق على وجوده (إلا أن يطأها ولو مرة، وهي ممكنة الحمل) بعد يمينه بل، (وإن) وطئها (قبل يمينه) ولم تحض بعده (فينجر [2]) الطلاق عليه للشك.

(ولا) حنث إن علقه (بمحتمل) وقوعه (غير غالب) كدخول دار،

ــ

مسها وأنزل فينجز عليه.

قوله: [لأن مشيئة من ذكر] إلخ: أي ولأن مشيئة الله لا تنفع في غير اليمين، وقد تبع المصنف خليلاً التابع لابن يونس في تمثيل ما لم يمكن الاطلاع عليه، لا حالاً ولا مآلاً بمشيئة الله، واعترضه ابن رشد بأن التمثيل بهذا لما لا يمكن الاطلاع عليه، إنما يظهر على كلام القدرية من أن بعض الأمور على خلاف مشيئته تعالى، فيحتمل أن اليمين لازمة، وأنها غير لازمة، أما إن قلنا: كل ما في الكون بمشيئته تعالى فالصواب أن هذا من التعليق على أمر محقق، إن أراد إن شاء الله طلاقك في الحال، لأنه بمجرد نطقه بالطلاق علم أنه شاء، وإن أراد إن شاءه في المستقبل فهو لاغ لأن الشرع حكم بالطلاق فلا يعلق بمستقبل، وأجاب بعضهم بأن جعل ذلك مثالاً لما لا يمكن الاطلاع عليه منظور فيه للمشيئة في ذاتها، فلا ينافي أنها تعلم بتحقيق المشاء فتأمله في حاشية الأصل.

فمحصل الجواب أنه لا يمكن الاطلاع على ذات الله في الدنيا ولا على تعلق إرادته لأن قدر الله لا اطلاع لأحد عليه ما دامت الدنيا. تنبيه: لو صرف مشيئة الله أو الملائكة أو الجن لمعلق عليه كقوله أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله وصرف المشيئة للدخول أي إن دخلت بمشيئة الله فينجز عليه إن وجد الدخول عند ابن القاسم، وقال أشهب وابن الماجشون: لا ينجز ولو حصل المعلق عليه، وأما إن صرفها للمعلق وهو الطلاق أو لهما، أو لم تكن له نية فينجز إن وجد الدخول اتفاقاً، بخلاف قوله أنت طالق إن دخلت الدار مثلاً إلا أن يبدو لي، أو إلا أن أرى خيراً منه، أو إلا أن يغير الله ما في خاطري ونوى صرفه للمعلق عليه فقط كالدخول، فلا ينجز بل لا يلزمه شيء لأن المعنى: إن دخلت الدار وبدا لي جعله سبباً للطلاق فأنت طالق، وإذا لم يبد لي ذلك فلا ففي الحقيقة هو معلق على التصميم والتصميم لم يوجد حال التعليق فلم يلزمه شيء، وأما لو صرفه للطلاق أو لم ينو شيئاً فينجز عليه لأنه يعد ندماً ورفعاً للواقع.

قوله: [ومقابله ينجز كالحنث]: وهو ما لابن رشد في المقدمات قائلاً: إنه ينجز حالاً ولا ينظر، فإن غفل عنه حتى جاء ما حلف عليه فقيل يطلق عليه وقيل لا.

قوله: [لكن بحكم حاكم]: أي وهي إحدى المسائل الثلاث التي تقدم التنبيه عليها، وحيث احتاج لحكم فلو أخبره مفت بوقوع الطلاق من غير حكم فاعتدت زوجته وتزوجت، ثم فعل المحلوف عليه المحرم فإن زوجته ترد لعصمة الأول.

قوله: [أو إن شاء هذا الحجر]: هذا قول ابن القاسم في المدونة، وقال ابن القاسم، في النوادر: ينجز عليه الطلاق لهزله وبه قال سحنون، وذكرهما عبد الوهاب روايتين وذكر أن لزوم الطلاق أصح.

قوله: [فينجز الطلاق عليه للشك]: أي في لزوم اليمين له حين الحلف إن كان الوطء متقدماً أو حين الوطء إن كان متأخراً، وعد لزومه له في البقاء مع تلك اليمين بقاء على عصمة مشكوك فيها، وليس له وطؤها خلافاً لابن الماجشون حيث قال: إذا قال لها إن حملت فأنت طالق كان له وطؤها في كل طهر مرة إلى أن تحمل أو تحيض، قياساً على ما إذا قال لأمته إن حملت فأنت حرة، فإن له وطأها في طهر مرة ويمسك إلى أن تحمل أو تحيض، وفرق ابن يونس

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (فعل)، ولعلها الصواب.

[2]

كذا في ط الحلبية وط المعارف، ولعل الصواب:(فينجز)، كما في أقرب المسالك.

ص: 464

وأكل وشرب وركوب ولبس، (وانتظر) حصول المحلوف عليه، فإن حصل لزم الطلاق وإلا فلا ويحنث في يمين الحنث نحو: إن لم أدخل الدار فطالق بالعزم على الضد إلى آخر ما تقدم في الأيمان، وإذا قلنا:"لا حنث وينتظر" فلا يخلو الحال من أن تكون يمينه مثبتة أي يمين بر، أو نافية أي يمين حنث، ويمين الحنث إما مؤجلة بأجل أو مطلقة، فإن كانت يمين بر أو حنث مقيدة بأجل لم يمنع منها وإلا منع وإلى هذا أشار بقوله:(ولا يمنع منها) أي من الزوجة (إن أثبت) في يمينه بأن كانت يمين بر (كإن دخلت أو إن قدم زيد أو إن شاء زيد) فأنت طالق، بل له أن يسترسل عليها حتى يدخل أو حتى يشاء زيد، فإن شاء الطلاق طلقت، وإن شاء عدمه لم تطلق كما إذا لم يعلم مشيئته، كما لو مات زيد قبل أن يشاء أو بعد أن شاء ولم يعلم، ومثل إن شاء زيد إلا أن يشاء.

(وإن نفى) بأن كانت يمينه صيغة حنث نحو إن لم أدخل الدار فأنت طالق، وفي قوته: عليه الطلاق ليدخلن الدار، فإنه في قوة: إن لم أدخلها فهي طالق، (ولم يؤجل) بأجل معين بل أطلق في يمينه -كما مثلنا- (منع منها) أي من الزوجة، فلا يجوز له الاستمتاع حتى يفعل المحلوف عليه (وضرب له أجل الإيلاء) من يوم الرفع (إن قامت) الزوجة (عليه)، بأن طلبت حقها من الاستمتاع، فإن أجل بأجل، نحو: إن لم أدخل في هذا الشهر أو شهر كذا فلا يمنع منها حتى يضيق الوقت بقدر ما يسع المحلوف عليه من آخر الأجل، فيمنع حتى يفعل المحلوف عليه أو يحنث، ومحل منعه إذا لم يؤجل أو أجل وضاق الوقت (إلا) أن يكون بره في وطئها، كما لو حلف (إن لم أحبلها أو) إن (لم أطأها) فهي طالق فلا يمنع لأن بره في وطئها، ومحله في إن لم أحبلها إن كان يتوقع حملها فإن أيس منه -ولو من جهته- نجز طلاقها.

ومحل ضرب أجل الإيلاء في صيغة الحنث (إن حلف على فعل نفسه، كإن لم أفعل) كذا فهي طالق كما تقدم (وإلا) يحلف على فعل نفسه بل على فعل غيره نحو: إن لم يدخل زيد أو إن لم تدخلي الدار فأنت طالق (تلوم له بالاجتهاد) من الحاكم (على ما يدل عليه البساط): أي القرائن الدالة على الزمن الذي أراده بيمينه، ولا يضرب له أجل الإيلاء (على الأرجح) من القولين اللذين ذكرهما الشيخ، والثاني: أنه لا فرق بين حلفه على فعل نفسه أو فعل غيره في ضرب أجل الإيلاء، فالخلاف إنما هو في أجل الإيلاء، وأما المنع من وطئها فهو على كل من القولين لنص ابن القاسم في المدونة في كتاب العتق على المنع من الوطء مع التلوم، فالقول بعدم المنع ضعيف (وطلق عليه) بعد أجل التلوم ومثل لفعل الغير بقوله:(كإن لم تفعلي) أو إن لم يفعل زيد فأنت طالق.

(ولو قال) الحالف (إن لم أحج) فأنت طالق (وليس) الوقت (وقت سفر) للحج كما لو حلف المصري بذلك في شهر رجب، (انتظر ولا منع) من وطئها (حتى يأتي الإبان) أي وقت السفر المعتاد للحالف وهو للمصري شوال، فإن سافر للحج بر وإلا حنث ومثله كل سفر له وقت معين لا يمكن السفر قبله عادة (على الأوجه) عند ابن عبد السلام قال: لأن الأيمان إنما تحمل على المقاصد، ولا يقصد أحد الحج في غير وقته المعتاد، فإن قيد بقوله في هذا العام فاتفقوا على أنه لا يمنع منها إلا إذا جاء وقت الخروج (وإن قال: إن لم أطلقك فأنت طالق) نجز عليه الطلاق وكثيراً ما يقع هذا من العوام بلفظ علي الطلاق لأطلقنك، (أو) قال:(إن لم أطلقك رأس الشهر ألبتة فأنت طالق رأس الشهر ألبتة، أو) أنت طالق

(الآن، نجز عليه) الطلاق في الحال (كأنت طالق الآن إن كلمته في غد، وكلمه فيه): أي في الغد فينجز عليه حال كلامه له في الغد، ويعد لفظ "الآن" لغواً، فكذلك يلغى لفظ الآن قبله وينجز عليه في الحال وكأنه قال: إن لم أطلقك رأس الشهر ألبتة فأنت طالق ألبتة، فلا بد من التنجيز

ــ

بمنع النكاح لأجل وجواز العتق له.

قوله: [وأكل وشرب]: أي معينين أو خصهما بزمن يمكن الصبر فيه عادة وإلا نجز عليه، لأنه مما لا يمكن الصبر عنه عادة، ويجري في الركوب واللبس ما جرى في الأكل والشرب.

قوله: [مقيدة بأجل]: أي معين بدليل ما يأتي.

قوله: [بل أطلق في يمينه]: أي أو أجل بأجل مجهول كما إذ قال لها، إن لم أفعل الشيء الفلاني قبل قدوم زيد أو قبل أن تمطر السماء مثلاً، ولم يعلم وقت قدومه.

قوله: [منع منها]: فإن تعدى ووطئها لم يلزمها استبراء، لأن المنع ليس لخلل في موجب الوطء، وقول المدونة في كتاب الاستبراء. كل وطء فاسد لا يطأ فيه حتى يستبرئ يريد فاسداً لسبب حليته الذي هو العقد لخلل فيه، ألا ترى لوطء المحرمة والمعتكفة الصائمة فإنه لا استبراء فيه ويلحق به الولد.

قوله: [فلا يمنع لأن بره في وطئها]: فإن امتنع من وطئها كان لها أن ترفع أمرها للقاضي، يضرب لها أجل الإيلاء عند مالك والليث، لا عند ابن القاسم وهو الأقرب، وعليه إن تضررت بترك الوطء طلق عليه بدون ضرب أجل.

قوله: [وإلا حنث]: أي ما لم يمنع مانع والحال أن العام غير معين، وأما في المعين فينجز متى فات وقته لأن الإكراه في صيغة الحنث لا ينفع.

قوله: [ومثله كل سفر له وقت معين]: اعلم أن هذا الخلاف كما يجري فيما إذا كان للمعلق عليه وقت معين لا يتمكن من فعله قبله عادة، يجري فيما إذا كان حلف على فعل شيء أو الخروج لبلد، وكان لا يمكنه ذلك بأن قال علي الطلاق لأسافرن لمصر مثلاً ولم يمكنه السفر لفساد طريق، أو غلو كراء، أو قال عليه الطلاق لأشتكين زيدا للحاكم ولم يوجد حاكم يشتكي له، وقد علمت أن المعتمد أنه لا يمنع من الزوجة إلا إذا تمكن من الفعل بأن تمكن من السفر أو تيسر الحاكم.

قوله: [فاتفقوا على أنه لا يمنع منها]: أي ولا ينجز

ص: 465

بقطع النظر عن قوله الآن فليس له أن يقول: أنظروني حتى يأتي رأس الشهر ليحصل المحلوف عليه، فإذا جاء رأس الشهر قال: لا أطلقك، فلا يقع عليه طلاق لانعدام المحلوف به بمضيه، لأنا نقول لا عبرة بالتقييد بالزمن بقوله:"الآن" كما في أنت طالق الآن، إن كلمته في غد خلافاً، لابن عبد السلام.

(وإن أقر) مكلف (بفعل) كسرقة أو غصب أو شرب خمر أو زنا أو سلف (ثم حلف بالطلاق: ما فعلته) وقد أخبرت بخلاف الواقع (دين): أي وكل إلى دينه وصدق بيمينه أنه كذب في إقراره في القضاء ولا يمين عليه في الفتوى فإن نكل طلق عليه الحاكم.

(وأخذ بإقراره إن كان) إقراره (بحق لله أو لآدمي كالدين) فيغرمه للمقر له (والسرقة) حق لهما فيقطع لحق الله، ويغرم لحق الآدمي (والزنا) فيحد لحق الله، قوله [1]:"بفعل" أي: أمر فيشمل القول والدين (إلا أن يقر) بفعله (بعد الحلف) بالطلاق أنه ما فعله (فينجز) الطلاق عليه في القضاء وظاهر هذا أنه يقبل في الفتوى قال في المدونة: فإن لم تشهد البينة على إقراره بعد اليمين، وعلم هو أنه كاذب في إقراره بعد يمينه حل له المقام عليها بينه وبين الله. انتهى.

وقوله: "فإن لم تشهد" إلخ: أي بأن لم يرفع للقاضي وعلم هو من نفسه إلخ.

(وأمر وجوباً بالفراق) بكسر الفاء أي بمفارقتها (بلا جبر) عليه (في) تعليقه على معيب لم يعلم صدقها فيه من عدمه نحو: (إن كنت تحبيني، أو): إن كنت (تبغضيني) بفتح التاء من بغض كنصر فأنت طالق (إذا لم تجب بما يقتضي الحنث) بأن أجابت بما يقتضي البر، كأن قالت: لا أحبك، أو: لا أبغضك أو سكتت، فإن أجابت بما يقتضي الحنث بأن قالت: إني أحبك أو أبغضك نجز عليه الطلاق جبراً وهذا أحد التأويلين، والثاني: أنه يؤمر به بلا جبر مطلقاً ولو أجابت بما يقتضي الحنث ورجح،

ــ

عليه لأنه على بر إلى ذلك الأجل.

قوله: [نجز عليه الطلاق في الحال]: أي لأن أحد البينونتين واقعة رأس الشهر على كل تقدير، إما بإيقاعه ذلك عليها أو بمقتضى التعليق، ولا يصح أن يؤخر لرأس الشهر لأنه من قبيل المتعة فينجز عليه، فهو كمن قال أنت طالق رأس الشهر ألبتة وهذا ينجز عليه لأنه علقه على أجل يبلغه عمرها هذا ظاهر بالنسبة لقوله إن لم أطلقك رأس الشهر ألبتة فأنت طالق رأس الشهر ألبتة، ويجري مثل هذا التعليل في قوله إن لم أطلقك في رأس الشهر ألبتة فأنت طالق الآن، أي يحكم بوقوع ما علقه ناجزاً إن بائناً فبائناً وإن رجعياً فرجعياً، ولو مضى زمنه خلافاً لابن عبد السلام القائل لا يقع عليه شيء في هذا الفرع الأخير، وسيأتي ذلك في الشارح.

قوله: [دين] إلخ: ومن قبيل ذلك من حلف بالطلاق أنه ما أخذ معلومه من الناظر أو دينه من المدين، فأظهر الناظر أو المدين ورقة بخط الحالف أنه قبض حقه من الناظر أو دينه من المدين فادعى الحالف أنه كتبه قبل أن يأخذ منه فلا حنث عليه، لأن خطه بمنزلة إقراره قبل يمينه لا بعده لسبقية الخط على الحلف، وإن لم يظهر إلا بعد الحلف ولكن لا مطالبة له على الناظر ولا على المدين بمقتضى خطه وتكذيبه لخطه إنما ينفعه في عدم لزوم الطلاق.

قوله: [فيقطع لحق الله] إلخ: فيه نظر بل حيث كذب نفسه لا قطع عليه ولا حد في الزنا، وإنما يؤاخذ بحق الآدمي فقط كما سيأتي في الحدود، قال في الأصل وإذا أقر طائعاً ورجع عن إقراره قبل رجوعه عنه فلا يحد، وكذا يقبل رجوع الزاني والشارب والمحارب، ولو رجع بلا شبهة في إقراره أي كما لو رجع لشبهة كأخذت مالي المرهون أو المودع خفية فسميته سرقة، ويلزمه المال إن عين صاحبه نحو أخذت دابة زيد بخلاف سرقت أو سرقت دابة أي وقع مني ذلك انتهى.

قوله: [إلا أن يقر]: مستثنى من عموم قوله "دين"، أي محل تصديقه عند المفتي والقاضي ما لم يقر بعد الحلف فيصدق عند المفتي لا عند القاضي.

قوله: [وظاهر هذا]: أي التقييد بالقضاء وإنما قيد به الشارح، وأشار له أخذاً من عبارة المدونة التي بعد.

قوله: [بلا جبر عليه]: أي كما في المدونة، فإن لم يطلق كان عاصياً بترك الواجب وعصمته باقية غير منحلة، ويلزم من ذلك أن الفراق المأمور به إنما يوقعه بلفظ آخر ينشئه لا أنه يقع باللفظ الأول كما زعمه بعضهم، إذ لو وقع الفراق به لانحلت العصمة به ووجب القضاء عليه بتنجيز الفراق، والفرض بخلافه كذا في (بن) نقله محشي الأصل، وحيث كان يحتاج لإنشاء صيغة فلا تحسب عليه هذه طلقة ثانية، بل طلقة واحدة لأن المقصود منها تحقيق ما كان مشكوكاً فيه كما في المجموع.

قوله: [وهذا أحد التأويلين]: محلهما إن أجابت بما يقتضي الحنث والحال أنه لم يصدقها فيما أجابت به وإلا أجبر على الطلاق بالقضاء كما يفيده نقل (ح) وغيره.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (وقوله).

ص: 466

فكان الأولى حذف هذا القيد.

(و) أمر بالفراق بلا جبر (في قولها) له: (فعلته) بعد أن قال لها [1]: إن كنت فعلت هذا الشيء فأنت طالق (إذا لم يصدقها) في فعله، فإن صدقها أجبر على فراقها.

(و) أمر المكلف بلا قضاء عليه (بتنفيذ ما شك فيه من الأيمان إن حلف) أي وحنث، وشك، هل كان حلفه بالطلاق أو بالعتق أو بالمشي إلى مكة؟ أمر بتنفيذ الجميع من غير قضاء، وقوله:"إن حلف" أي تحقق الحلف وشك في المحلوف به (وإلا) يحلف: أي يتحقق ذلك بأن شك، هل حلف أم لا أو شك هل طلق أم لا؟ (فلا) شيء عليه لأن الأصل عدم الحلف، وعدم الطلاق.

(كشكه) إذا حلف على فعل غيره (هل حصل المحلوف عليه) كما لو حلف على زيد لا يدخل الدار، وإن دخلها فيلزمه الطلاق، ثم شك هل دخلها زيد أم لا؟ فلا شيء عليه (إلا أن يستند) الحالف (لأمر) من الأمور فيتقوى حصول ما حلف عليه، فيؤمر بالطلاق وهل يجبر عليه أو لا؟ تأويلان وذلك (كرؤيته شخصاً يفعله): أي المحلوف عليه؛ كرؤيته داخل الدار (فشك) في الداخل (هل هو) زيد (المحلوف عليه) أو غيره ولم يمكنه تحقق الداخل بعد ذلك وهذا كله في سالم الخاطر، وأما من استنكحه الشك فلا شيء عليه أي ذي الوسوسة كما في النقل.

(ولو شك هل) طلق (واحدة) من نسائه (أو أكثر؟ فالجميع) يطلقن عليه للاحتياط، ونفي التحكم (كأن قال) لزوجاته (إحداكن) طالق ولم ينو معينة أو عينها ونسيها فالجميع.

(ولو حلف) مكلف بالطلاق أو غيره (على) شخص (غيره: لتفعلن كذا) نحو لتدخلن الدار، أو لتأكلن من طعامنا (فحلف) الآخر بالطلاق مثلاً (لا فعلته) نحو: لا دخلت أو لا أكلت لك طعاماً

(قضي) بالحنث (على الأول) لحلفه على ما لا يملكه، بخلاف الثاني.

(ولو) علق الطلاق مثلاً على شرطين، ويسمى تعليق التعليق كما لو (قال: إن كلمت إن دخلت) فأنت طالق أو حرة أو فعليّ المشي إلى مكة (لم يحنث) الحالف (إلا بهما) معاً،

ــ

قوله: [فكان الأولى حذف هذا القيد]: أي وهو قوله إذا لم تجب بما يقتضي الحنث أي والموضوع أنه لم يصدقها فيما يقتضي الحنث، وقد يجاب بأنه زاده لما في مفهومه من التفصيل، وإذا كان في المفهوم تفصيل لا يعترض عليه، فإن قوله الآتي:"إذا لم يصدقها" قيد في مفهوم ذلك كما علمت من نقل (ح) وغيره.

قوله: [أي يتحقق ذلك]: أخذ هذا القيد من قوله أولا: " إن حلف " أي تحقق الحلف.

قوله: [فلا شيء عليه]: أي وأما الظن فكالتحقيق، وأما لو شك هل أعتق أو لا فإنه يلزمه العتق لتشوف الشارع للحرية وبغضه للطلاق، ولم ينظروا للاحتياط في الفروج، وقد أتوا هنا على القاعدة من إلغاء الشك في المانع لأن الطلاق مانع من حلية الوطء، لأن الأصل عدم وجوده، بخلاف الشك في الحدث لسهولة الأمر فيه.

قوله: [إذا حلف على فعل غيره]: وأما لو شك في فعل نفسه الذي حلف عليه كما لو حلف بالطلاق لا يكلم زيداً وشك، هل كلمه أم لا؟ فإنه ينجز عليه الطلاق على طريقة أبي عمران وابن الحاجب، وقال ابن رشد: يؤمر بالطلاق من غير جبر إن كان شكه لسبب قائم به، وإلا فلا يؤمر به وعزاه ابن رشد لابن القاسم في المدونة وحكى عليه الاتفاق.

قوله: [ولم ينو معينة]: طلاق الجميع في هذه هو قول المصريين، وقال المدنيون: يختار واحدة للطلاق كالعتق، قال ابن رشد: والأول هو المشهور، وأما المسألة الثانية وهي ما إذا عينها ونسيها فقال أبو الحسن يتفق فيها المصريون والمدنيون على طلاق الجميع، وكذلك في العتق إذا قال أحد عبيدي حر ونوى واحداً ثم نسيه فإنه يتفق على عتق الجميع.

مسألة: لو كان لرجل أربع زوجات رأى إحداهن مشرفة من شباك فقال لها: إن لم أطلقك فصواحباتك طوالق، فردت رأسها ولم يعرفها بعينها وأنكرت كل واحدة منهن أن تكون هي المشرفة، فيلزمه طلاق الأربع كما أفتى به ابن عرفة، والصواب ما أفتى به تلميذه الأبي أن له أن يمسك واحدة ويلزمه طلاق ما عداها، لأنه إن كانت التي أمسكها هي المشرفة فقد طلق صواحباتها وإن كانت المشرفة إحدى الثلاث اللاتي طلقهن فلا حنث في التي تحته - كذا في (ح) أما لو قال: المشرفة طالق وجهلت طلق الأربع قطعاً كما في البدر القرافي. تنبيه: إن شك أطلق زوجته طلقة واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً؟ لم تحل إلا بعد زوج لاحتمال كونه ثلاثاً، ثم إن تزوجها بعد زوج وطلقها طلقة أو اثنتين فلا تحل إلا بعد زوج، لاحتمال أن يكون المشكوك فيه اثنتين وهذه ثالثة، ثم إن تزوجها وطلقها لا تحل إلا بعد زوج، لاحتمال أن يكون المشكوك فيه واحدة وهاتان اثنتان محققتان، ثم إن طلقها ثالثة بعد زوج لم تحل إلا بعد زوج، لاحتمال أن يكون المشكوك فيه ثلاثاً وقد تحقق بعدها ثلاث وهكذا لغير نهاية، إلا أن يبت طلاقها كأن يقول أنت طالق ثلاثاً، أو إن لم يكن طلاقي عليك ثلاثاً فقد أوقعت عليك تكملة الثلاث، فينقطع الدور وتحل له بعد زوج وتسمى هذه المسألة الدولابية، لدوران الشك فيها كما في خليل وشراحه.

قوله: [قضي بالحنث على الأول]: أي ما لم يحنث الثاني نفسه بالفعل طوعاً، وإلا فلا حنث على الأول وهذا ما لم يكره

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

قوله: (أن قال لها) ليس في ط المعارف.

ص: 467

سواء فعل المتقدم في اللفظ أو لا أو أخر أو فعلهما معاً فيما يمكن فيه الجمع في آن واحد، ولا يرد على هذا ما تقدم في اليمين من التحنيث بالبعض، وقال ابن رشد: لم يختلف قول مالك ولا قول أحد من أصحابه -فيما علمت- أن من حلف ألا يفعل فعلين ففعل أحدهما، أو لا يفعل فعلاً ففعل بعضه أنه حانث من أجل أن ما فعله من ذلك قد حلف أن لا يفعله إذ هو بعض المحلوف عليه. انتهى؛ لأن ما تقدم إما لا تعليق فيه أصلاً كاليمين بالله أو فيه تعليق واحد، وهنا فيه تعليق التعليق، والمعلق لا يقع إلا بوقوع المعلق عليه، والمعلق عليه هنا مجموع الأمرين معاً، كأنه قال: إن حصل الأمر فأنت طالق، وفي المسألة نزاع طويل بين الفقهاء والنحاة.

(ولا تمكنه) المطلقة أي لا يجوز لها أن تمكنه من نفسها (إن علمت بينونتها) منه، (ولا بينة) لها تقيمها عند حاكم أو جماعة المسلمين ليفرقوا بينهما (ولا تتزين): أي يحرم عليها الزينة (إلا) إذا كانت (مكرهة) بالقتل، (وتخلصت منه) وجوباً (بما أمكن) من فداء أو هروب.

(وفي جواز قتلها له عند محاورتها) للوطء (إن كان لا يندفع) عنها (إلا به) أي بالقتل، فإن أمكن دفعه بغيره فلا يجوز قولاً واحداً وعدم جوازه (قولان).

فصل في ذكر تفويض الزوج الطلاق لغيره من زوجة أو غيرها

والتفويض كالجنس تحته ثلاثة أنواع: التوكيل، والتخيير، والتمليك: فالتوكيل: جعل إنشاء الطلاق لغيره باقياً منع الزوج منه، كما قال ابن عرفة: أي لأن الموكل له عزل وكيله متى شاء لأن الوكيل يفعل ما وكل فيه نيابة عن موكله. والتخيير: جعل إنشاء الطلاق ثلاثاً -صريحا أو حكماً- حقاً لغيره، مثال الحكمي: اختاريني أو اختاري نفسك، والتمليك: جعل إنشائه حقاً لغيره راجحاً في الثلاث ومن صيغه: جعلت أمرك أو طلاقك بيدك، قال بعضهم: والفرق بين التخيير والتمليك أمر عرفي لا دخل للغة فيه، فقولهم في المشهور الآتي: إن للزوج البقاء على العصمة والذهاب لمناكرة المملكة دون المخيرة، إنما نشأ من العرف وعلى هذا ينعكس الحكم بانعكاس العرف، وقال القرافي ما حاصله: إن مالكاً رحمه الله بنى ذلك على عادة كانت في زمانه أوجبت نقل اللفظ عن مسماه اللغوي إلى هذا المفهوم، فصار صريحاً فيه أي في الطلاق، أي وليس من الكنايات كما قاله الأئمة الثلاثة [1].

قال: وهذا هو الذي يتجه وهو سر الفرق بين التخيير والتمليك، غير أنه يلزم عليه بطلان هذا الحكم اليوم

ــ

الثاني على الفعل، وإلا فلا حنث على واحد.

قوله: [سواء فعل المتقدم في اللفظ أو لا] إلخ: وجه هذا التعميم أن الجواب يحتمل أن يكون للثاني، والثاني وجوابه جواب للأول، ويحتمل أن يكون جواباً للأول والمجموع دليل جواب الثاني، وحينئذ فلا يحنث إلا بالأمرين احتياطاً فعلهما على الترتيب في التعليق أو لا، وقال الشافعي لا يحنث إلا إذا فعلهما على عكس الترتيب في التعليق، لأن قوله: فأنت طالق جواب في المعنى عن الأول، فيكون في النية إلى جانبه ويكون ذلك المجموع دليل جواب الثاني، فيكون في النية بعده، فمحصله أنه جعل الطلاق معلقاً على الكلام، وجعل الطلاق بالكلام معلقاً على الدخول، فلا بد في الطلاق بالكلام من حصول الدخول أولاً فتأمل.

قوله: [وقال ابن رشد]: أتى بكلام ابن رشد لدفع توهم أن ما تقدم فيه خلاف، وأن ما تقدم في اليمين على قول وهنا على قول، فأجاب بأن ابن رشد حكى الاتفاق على الحنث لما تقدم كما قرره مؤلفه.

قوله: [نزاع طويل]: وقد أشرنا لذلك في حكاية مذهب مالك والشافعي.

قوله: [إلا إذا كانت مكرهة بالقتل]: أي لأنه من باب الإكراه على الزنا.

قوله: [وفي جواز قتلها له] إلخ: والقول بالجواز ولو غير محصن لمحمد، وعدم الجواز لسحنون وصوبه ابن محرز قائلاً: إنه لا سبيل إلى القتل لأنه قبل الوطء لا يستحق القتل بوجه وبعده صار حداً والحد ليس لها إقامته.

فصل في ذكر تفويض الزوج الطلاق لغيره

قوله: [جعل إنشاء الطلاق لغيره]: هذا جنس يعم التمليك والتخيير، وقوله:"باقياً منع الزوج منه" فصل يخرجهما لأن له العزل في التوكيل دونهما، وخرجت الرسالة بقوله:"جعل" لأن الزوج لم يجعل للرسول إنشاء الطلاق، بل الإعلام بثبوته كما يأتي.

قوله: [والتخيير جعل إنشاء الطلاق] إلخ: هذا جنس أيضاً يعم التوكيل والتمليك ويخرج الرسالة كما علمت، وقوله:"صريحاً أو حكماً" أخرج به التمليك، وقوله "حقاً لغيره" أخرج التوكيل، لأن الزوج لم يجعل إنشاء الطلاق حقاً للتوكيل بل جعله بيده نيابة عنه.

قوله: [اختاريني أو اختاري نفسك]: مثل نفسك أمرك.

قوله: [والتمليك جعل إنشائه]: جنس أيضاً يعم التوكيل والتخيير، ويخرج الرسالة وقوله:" حقاً لغيره " أخرج به التوكيل، وقوله:" راجحاً في الثلاث " أخرج به التخيير. قوله: [جعلت أمرك] إلخ: ويدخل فيه كل لفظ دل على جعل الطلاق بيدها دون تخيير، كطلقي نفسك أو ملكتك أمرك أو وليتك أمرك. والحاصل أن كل لفظ دل على أن الزوج فوض لها البقاء على العصمة أو الذهاب عنها بالكلية فهو تخيير، وكل لفظ دل على جعل الطلاق بيدها أو بيد غيرها دون تخيير في أصل العصمة بدليل المناكرة فيه كما يأتي فهو تمليك.

قوله: [غير أنه] إلخ: هذا من

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 468

ووجوب الرجوع إلى اللغة، ويكون كناية محضة كما قاله الأئمة الثلاثة، لأن العرف قد تغير حتى لم يصر أحد يستعمل هذا اللفظ إلا في غاية الندور، والقاعدة أن اللفظ متى كان الحكم فيه مستند الحكم [1] عادي بطل ذلك الحكم عند بطلان تلك العادة وتغير إلى حكم آخر وإلى بيان الأنواع الثلاثة وأحكامها أشار بقوله:(للزوج تفويض الطلاق لها): أي للزوجة (أو لغيرها توكيلاً) منصوب على أنه مفعول مطلق بتقدير المضاف، أي تفويض توكيل (وتمليكاً وتخييراً).

(فإن وكل) في إنشائه (نحو: وكلتك) في طلاقك، (أو: جعلته) –أي: الطلاق- لك توكيلاً، (أو فوضته لك توكيلاً، فله) أي الزوج (العزل) أي عزل وكيله من زوجته أو غيرها قبل إيقاعه، كما لكل موكل عزل وكيله قبل فعل ما وكل عليه (إلا لتعلق حقها) فليس له العزل، كما لو شرط لها أنه إن تزوج عليها فقد فوض لها أمرها أو أمر الداخلة عليها توكيلاً؛ لأن الحق وهو رفع الضرر عنها قد تعلق لها فليس له عزلها عنه.

(لا إن ملك أو خير) فليس له عزلها لأنه فيهما قد جعل لها ما كان يملكه ملكاً لها، بخلاف التوكيل فإنه جعلها نائبة عنه في إيقاعه (وحيل بينهما): أي الزوجين وجوباً في التمليك والتخيير كالتوكيل إن تعلق به حق لها فلا يقربها (ووقفت) المملكة أو المخيرة أو من تعلق لها حق، أي: أوقفها الحاكم أو من يقوم مقامه متى علم (حتى تجيب) بما يقتضي رداً أو أخذاً بما يأتي، وإلا لزم الاستمتاع بعصمة مشكوكة، بخلاف الموكلة فلا يحال بينهما لقدرة الزوج على عزلها، فلو استمتع بها لكان ذلك منه عزلاً لها ومحل الحيلولة والإيقاف وقت العلم إن لم يعلق التخيير أو التمليك على أمر، كقدوم زيد، فإن علقه فلا حيلولة حتى يحصل المعلق عليه، فإن أجابت بشيء عمل به.

(وإلا) تجب (أسقطه الحاكم) أو من يقوم مقامه، ولا يمهلها وإن رضي الزوج بالإمهال لحق الله تعالى لما فيه من البقاء على عصمة مشكوكة.

(وعمل بجوابها الصريح في اختيار الطلاق أو رده)، كأن تقول: طلقت نفسي، أو: أنا طالق منك، أو: بائن، أو حرام، أو اخترت نفسي، أو لست لك بزوجة أو نحو ذلك من الكنايات الظاهرة وكأن تقول في رد الطلاق: اخترتك زوجاً ورددت لك ما ملكتني، هذا إن ردت ما جعله لها من الطلاق بقول، بل (ولو) كان (بفعل كتمكينها) من نفسها (طائعة) لا مكرهة (عالمة) بالتمليك أو التخيير وإن لم يطأ بالفعل، لا إن كانت غير عالمة بما جعله لها وأما جهل الحكم بأن لم تعلم أن التمكين مسقط لحقها فلا ينفعها، ومثلها الأجنبي؛ فلو ملك أو خير أجنبياً فقال: شأنك بها،

ــ

كلام القرافي في استدراك على ما قبله.

قوله: [ووجوب الرجوع إلى اللغة]: أي إن لم يحدث عرف قولي وإلا عمل على العرف الحادث، لتقديم العرف القولي على اللغة، فلو كان عرفهم إن خيرتك كملكتك في كونه راجحاً في الثلاث لا صريحاً كان حكم الصيغتين واحداً في المناكرة، وإن بالعكس عمل به، فإن كان كل من الصيغتين مهجوراً غير مفهوم المعنى بينهم كان من الكنايات الخفية، وهو معنى قوله "ويكون كناية محضة" فتأمل.

قوله: [على أنه مفعول مطلق]: ويصح نصبه على الحال من "تفويض"، وأما قول الخرشي منصوب على التمييز المحول عن المفعول، كغرست الأرض شجراً ففيه أنه لم يفوض لها التوكيل، وإنما فوض لها الطلاق على سبيل التوكيل.

قوله: [كما لكل موكل عزل وكيله] إلخ: أي وإن لم يعلم الوكيل بذلك

قوله: [وحيل بينهما]: أي ولا نفقة للزوجة زمن الحيلولة، لأن المانع من قبلها، وإذا مات أحدهما زمن الحيلولة قبل الإجابة فإنهما يتوارثان.

قوله: [إن تعلق به حق لها]: أي كما إذا قال إن تزوجت عليك فأمرك أو أمر الداخلة بيدك توكيلاً وتزوج، فيحال بينه وبين المحلوف لها حتى تجيب.

قوله: [أي أوقفها الحاكم]: سواء لم يسم أجلاً، بل ولو سمى كما إذا قال لها: أمرك بيدك إلى سنة مثلاً، فلا بد من الإيقاف والحيلولة متى علم، وإلا لزم البقاء على عصمة مشكوك فيها كما قال الشارح

قوله: [وعمل بجوابها الصريح] إلخ: جوابها الصريح الذي يقتضي الطلاق هو صريح الطلاق أو كنايته الظاهرة، ومن ذلك قولها اخترت نفسي فإنه كناية ظاهرة هنا، وأما لو أجابت بالكناية الخفية فإنه يسقط ما بيدها، ولا يقبل منها أنها أرادت بذلك الطلاق كما نقله (ح) عن ابن يونس

قوله: [عالمة بالتمليك]: فإذا ادعت عدم العلم فالقول قولها بيمين، فإن علمت بالتخيير والتمليك وثبتت الخلوة بينهما بعد ذلك، وادعى أنه أصابها وأنكرت ذلك، فقال بعض القول قوله بيمين، واستظهر الأجهوري أن القول قولها وظاهره خلوة زيارة أو خلوة بناء مع أنه سيأتي في الرجعة أن المعتمد لا بد من إقرارهما معاً في خلوة الزيارة، وخلوة البناء، فإذا انتفى إقرارهما، أو ثبت إقرار أحدهما فلا تصح الرجعة فهذا مما يقوي كلام

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

قوله: (مستند الحكم) في ط المعارف: (مستنداً لحكم)، ولعلها الصواب.

ص: 469

أو خلى بينه وبينها طائعاً فرد (كمضي زمنه): أي التخيير أو التمليك، كما لو قال لها: خيرتك في هذا اليوم، أو: نصف هذا اليوم أو أكثر أو أقل، فانقضى زمن التخيير فلا كلام لها بعد، وهذا إذا لم توقف، وإلا فإما أن تجيب ولا تمهل، وإما أن يسقطه الحاكم كما تقدم.

(فإن) أجابت بجواب مجمل يحتمل الطلاق والرد لما جعله لها، بأن (قالت: قبلت، أو قبلت أمري أو ما ملكتني) فإنه محتمل لقبول الطلاق، وقبول رده قيل لها في الحضرة أفصحي عما أردتي بهذا اللفظ، فإن فسرت بشيء (قبل تفسيرها برد أو طلاق أو إبقاء) لما هي عليه من تمليك أو تخيير، فيحال بينهما وتوقف حتى تجيب بصريح وإلا أسقطه الحاكم (وله) أي الزوج المخير أو المملك زوجته (مناكرة) زوجة (مخيرة لم تدخل) والمناكرة عدم رضا الزوج بما أوقعته الزوجة من الطلاق، فالمخيرة له مناكرتها قبل الدخول بها، فإن دخل لزم ما أوقعته من الثلاث وليس له مناكرتها لأن القصد من التخيير البينونة وهي لا تبين بعد الدخول في غير خلع إلا بالثلاث.

(و) له مناكرة (مملكة مطلقاً) دخل أم لا، ومحل المناكرة فيهما (إن زادتا): أي المخيرة غير المدخول بها والمملكة مطلقاً (على الواحدة) بأن أوقعت اثنتين أو الثلاث، فله أن يقول: إنما قصدت واحدة فقط بتخييري أو تمليكي، وأما إن أوقعت واحدة فقط فليس له مناكرة بحيث يقول: لم أرد شيئاً، (و) إن (نوى ما ادعى) أي نوى عند التفويض ما ناكر فيه من واحدة أو اثنتين، فإن لم ينو شيئاً فلا مناكرة له عند الله لأن النية أمر خفي، فإن نوى حال التفويض اثنتين [1] ناكر في الثالثة (و) إن (بادر) بالإنكار عقب إيقاعها الزائد وإلا بطل حقه، (و) إن (حلف) على دعواه بأن يقول: ما أردت بتفويضي إلا واحدة (إن دخل) بالمملكة، فإن نكل لزم ما أوقعته ولا ترد عليها اليمين، والمراد أنه إن دخل حلف وقت المناكرة أنه ما أراد إلا واحدة ليحكم له بالرجعة، وتثبت أحكامها، فإن لم يدخل فلا يمين عليه الآن، بل عند إرادة تزوجها وهذا معنى قوله:(وإلا) يدخل (فعند) إرادة (ارتجاعها) أي نكاحها لا قبله، إذ من حجته أن يقول: هب أني لا أتزوج بها فلأي شيء أحلف؟ (و) إن (لم يكرر) حال التفويض (قوله: أمرها بيدها)، فإن كرره فلا مناكرة له فيما زادته على الواحدة لأن التكرير يقتضي إرادة التكثير (إلا أن ينوي) بتكريره (التأكيد)، فله المناكرة (كتكريرها هي) حيث ملكها قبل البناء، فقالت: طلقت نفسي وكررت نسقاً، فإنه يلزمه ما كررت إلا لنيتها التأكيد، وكذا بعد البناء ولو لم يكن نسقاً (و) إن (لم يشترط) التفويض لها (في) حال (العقد) أي عقد نكاحها فإن اشترط فيه فلا مناكرة له فيما زاد على الواحدة.

(ولو قيد) الزوج في تخييره أو تمليكه (بشيء) من العدد واحدة أو أكثر (لم تقض) الزوجة (إلا بما قيد به) وليس لها الزيادة ولا النقصان عما جعله لها (فإن زادت) على ما عينه لها (لزم ما قيد به) وله رد الزائد، (وإن نقصت) عنه بأن جعل لها الثلاث أو اثنتين فقضت بواحدة (بطل ما قضت به فقط في التخيير)

ــ

الأجهوري.

قوله: [أو خلى بينه وبينها طائعاً فرد]: أي ولو كانت هي مكرهة فلا يعتبر كراهتها.

قوله: [المخير أو المملك]: بالكسر اسم فاعل وقوله "زوجته تنازعه" كلاً من المخير والمملك.

قوله: [مناكرة زوجة مخيرة]: هذا التفصيل في التخيير والتمليك المطلقين بدليل قول المصنف الآتي، ولو قيد بشيء لم تقض إلا بما قيد به.

قوله: [من الطلاق]: أي من عدده لا من أصله لأنه ليس له ذلك.

قوله: [في غير خلع]: أي لفظاً أو عوضاً كما تقدم.

قوله: [إن زادتا] إلخ: هذا موضوع المناكرة التي هي عدم رضا الزوج بالزائد الذي أوقعته، وليس هذا شرطاً خلافاً لما يوهمه كلامه هنا من جعل الشروط ستة، فإنه في الأصل جعلها خمسة وجعل هذا موضوعاً وهو أظهر.

قوله: [وأما إن أوقعت واحدة فقط] إلخ: أما المملكة فظاهر، وأما المخيرة فعدم المناكرة لبطلان ما لها من التخيير إذا لم تقض بالثلاث، قال ابن عبد السلام وهو الظاهر لأن المخيرة التي لم تدخل بمنزلة المملكة، قال (ح): لأنها تبين بالواحدة وهو المقصود.

قوله: [وإن بادر]: هذا هو الشرط الثاني على جعلها خمسة، والثالث على جعلها ستة.

قوله: [ما أردت بتفويضي إلا واحدة]: أي مثلاً: قوله: [إن دخل بالمملكة]: شرط في مقدر وليس معدوداً من الشروط الخمسة أو الستة، أي ومحل تعجيل يمينه وقت المناكرة إن دخل بالمرأة ليحكم الآن بالرجعة، وتثبت أحكام الرجعة من نفقة وغيرها كما يفيد ذلك الشارح بقوله:"والمراد" إلخ.

قوله: [إلا أن ينوي بتكريره التأكيد]: وهذه النية لا تعلم إلا منه.

قوله: [وكذا بعد البناء ولو لم يكن نسقاً]: أي لأنه رجعي فيلحق فيه الطلاق ما دامت العدة، ولو طال فطلاقها كطلاقه المتقدم في باب الطلاق.

قوله: [وإن لم يشترط التفويض]: هذا هو الشرط السادس على كلام المصنف واعلم أن الواقع في العقد سواء كان مشترطاً أو متبرعاً به حكمه واحد من جهة عدم المناكرة، فالأولى للمصنف أن يقول ولم يكن ذلك في العقد، قال في المدونة وإن تبرع بهذا بعد العقد فله أن يناكرها فيما زاد على الواحدة

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 470

مع استمرار ما جعله لها بيدها، (وصح في التمليك) بأن قال لها: ملكتك طلقتين فقضت بواحدة على الأصح.

(وإن أطلق) في التخيير أو التمليك، بأن قال لها: اختاريني أو اختاري نفسك، أو قال: ملكتك طلاقك أو أمر نفسك، (فقضت بدون الثلاث) واحدة أو اثنتين (بطل التخيير) من أصله، لأنها خرجت عما خيرها فيه بالكلية لأنه أراد أن تبين، وأرادت هي أن تبقى في عصمته، وهذا (في المدخول بها) ولزم في غيرها كالمملكة مطلقاً هذا إذا أفصحت بما دون الثلاث.

(ولو قالت: طلقت نفسي أو اخترت الطلاق)، ولم تفصح عن عدد، (سئلت) عما أرادت من العدد (فإن قالت: أردت الثلاث لزمت) الثلاث (في التخيير بمدخول بها)؛ لأن الأصل في التخيير الثلاث، (وناكر في غيرها) أي غير المدخول بها (كالتمليك) مطلقاً له المناكرة فيه على نهج ما تقدم، (وإن قالت) أردت (واحدة بطل التخيير) في المدخول بها، (ولزمت) الواحدة (في التمليك، و) في (تخيير غير المدخول بها، وإن قالت: لم أقصد شيئاً) من العدد (حمل على الثلاث) في الجميع (على الأرجح)، وله مناكرة مملكة أو غير مدخول بها، وهو مذهب ابن القاسم.

(وشرط التفويض) توكيلاً أو تخييراً أو تمليكاً (لغيرها) أي لغير الزوجة من ذكر أو أنثى ولو ذمياً ليس من شرعه طلاق (حضوره) بالبلد، (أو قرب غيبته كاليومين) لا أكثر كما في المصنف، (فيرسل إليه) إما أن يحضر، وإما أن يعلمنا ببينة بما أراد (وإلا) يكن حاضراً ولا قريب الغيبة (انتقل) التفويض (لها)، وجرى فيه جميع ما تقدم.

(وعليه) أي المفوض له (النظر) في أمر الزوجة فلا يفعل إلا ما فيه المصلحة وإلا نظر الحاكم (وصار كهي) أي كالزوجة في التخيير والتمليك والتوكيل، فيجري فيه جميع ما تقدم فيها من حيلولة وإيقاف ومناكرة وغير ذلك.

(وإن فوض) الزوج (لأكثر من واحد) كأن يفوض طلاقها لاثنين فأكثر (لم تطلق) عليه (إلا باجتماعهما) أي الاثنين الداخلين تحت قوله لأكثر، أي: أو باجتماعهم إن زادوا على اثنين لأنهما بمنزلة الوكيل الواحد، كالوكيل في البيع أو الشراء فإن أذن له أحدهما في وطئها زال ما بيدهما جميعاً، وإن مات أحدهما أو غاب فليس للآخر كلام لانعدام المجموع بانعدام بعض أجزائه.

(إلا أن يقول) لهما مجتمعين أو متفرقين (جعلت لكل منكما)، أو فوضت لكل منكما (طلاقها)، فلكل الاستقلال.

ولو قال: أعلماها بأني طلقتها، فالطلاق لازم وإن لم يعلماها، ويسمى رسالة في عرفهم، ولو قال: طلقاها احتمل الرسالة والتمليك والتوكيل، فعلى الرسالة: يلزم إن لم يبلغاها، وعلى التمليك: لا يلزم ولا يقع إلا بهما، وعلى التوكيل: يلزم بتبليغ أحدهما وله عزله؛ وهي أقوال ثلاثة، المشهور الأول، أي أنه رسالة فيلزم بمجرد الإخبار، وقولنا:"إلا أن يقول" إلخ ليس هو المراد بقول الشيخ: "إلا أن يكونا رسولين"، لأن مراده بالرسولين فيما إذا قال: أعلماها بطلاقها أو قال: طلقاها، والأول يلزم الطلاق بمجرد الإخبار وإن لم يعلماها اتفاقاً

ــ

قال أبو الحسن: هذا يقتضي أن التبرع في أصل العقد كالشرط، ونص عليه ابن الحاجب انتهى.

قوله [مع استمرار ما جعله لها]: أي وهو التخيير فلها أن تقضي ثانياً بالثلاث.

قوله: [بطل التخيير من أصله]: أي على المشهور بشروط ثلاثة: إن كان تخييرها بعد الدخول، وأن لا يرضى الزوج بما قضت به، وأن لا يتقدم لها ما يتمم الثلاث، فإن كان التخيير قبل الدخول وقضت بواحدة لزمت، أو كان بعده رضي بما قضت، أو تقدم لها ما يكمل الثلاث لزم ما قضت به

قوله: [على نهج ما تقدم]: أي حيث استوفى الشروط. قوله: [بطل التخيير في المدخول بها]: أي لأنه لا يقضى فيه إلا بالثلاث، ولا مناكرة فيها بل يبطل التخيير من أصله إذا أوقعت أقل.

قوله: [وله مناكرة مملكة]: أي مطلقاً.

قوله: [لا أكثر]: أي فالكاف استقصائية.

قوله: [فيرسل إليه] إلخ: هذا في الغائب قبل التفويض، أما إن غاب بعده فيسقط حقه ولا ينتقل إليها النظر، والفرق بينهما أنه إذا غاب بعد التفويض له كان ظالماً فيسقط حقه، بخلاف ما إذا كان غائباً حال التفويض فإنه لا ظلم عنده فلم يسقط حقه، ويفصل فيه بين قريب الغيبة وبعيدها، وهذه طريقة لابن الحاجب وابن شاس، وأجرى ابن عبد السلام الغيبة بعد التفويض على الغيبة قبله في التفصيل بين قرب الغيبة وبعدها، واختاره في التوضيح، فإذا علمت ذلك ففي كلام المصنف والشرح إجمال.

قوله: [وإلا يكن حاضراً ولا قريب الغيبة]: أي بأن كان بعيد الغيبة قوله: [انتقل التفويض لها]: أي على الراجح، وقيل: ينتقل ما جعل له للزوجة في الغيبة القريبة والبعيدة معاً.

قوله: [وإن فوض الزوج لأكثر من واحد]: ظاهره كان التفويض تخييراً أو تمليكاً أو توكيلاً.

قوله: [فإن أذن له أحدهما] إلخ: مفرع على قولهم لم تطلق إلا باجتماعهما.

قوله: [مجتمعين أو متفرقين]: إما صيغة تثنية أو جمع.

قوله: [في عرفهم]: بل وفي العرف العام، لأن حقيقة الرسول هو المأمور بالإعلام.

قوله: [ولو قال طلقاها]: أي والموضوع أنه لا نية له كما يأتي.

قوله: [وعلى التوكيل يلزم بتبليغ أحدهما]: أي احتياطاً لعدم النية كما يأتي.

قوله: [وهي أقوال ثلاثة]: الأول للمدونة، والثاني لسماع عيسى، والثالث

ص: 471

والثاني يلزم الطلاق بمجرد الإخبار على المشهور والاستثناء في كلامه منقطع إذ لم تدخل صورة من هاتين الصورتين في التمليك قبله، وتسميتهما رسالة اصطلاح فالمعنى على كلام الشيخ أن من ملك رجلين طلاق امرأته فليس لأحدهما القضاء به، بل لا بد من اجتماعهما، إلا أن يقول لهما [1]: أعلماها أو أخبراها بطلاقها، فيلزم بمجرد قوله لهما ذلك، ولا يتوقف على إخبارها، أو يقول: طلقاها ولا نية له، فكذلك على قول ابن القاسم في المدونة، وقيل: محمله عند عدم النية على التوكيل بمعنى أنه يتوقف على تبليغها ولو من واحد منهما، وله منعه، وهو قوله: في غيرها، وقيل: محمله التمليك فلا يقع إلا بهما معاً، فإن نوى به واحداً منهما عمل به، والله أعلم.

فصل في الرجعة

ولما كانت الرجعة من توابع الطلاق، ويتعلق بها أحكام بين حقيقتها وما يتعلق بها من الأحكام عقبه بقوله:(الرجعة) بفتح الراء وقد تكسر (عود الزوجة) أي إعادتها (المطلقة) طلاقاً (غير بائن) بخلع أو بت، أو بكونه قبل الدخول، فإن كان بائناً فلا رجعة (للعصمة) أي لعصمة زوجها (بلا تجديد عقد) بل بقول أو فعل أو نية كما يأتي.

والأصل فيها الجواز كما أشار له بقوله: (وللمكلف) أي: البالغ العاقل (ولو) كان (محرماً) بحج أو عمرة، (أو مريضاً أو) عبداً أو سفيهاً (لم يأذن له) في الرجعة (ولي) السيد في العبد أو الأب والوصي والحاكم في السفيه، (ارتجاعها) أي المطلقة غير البائن (في عدة نكاح صحيح) لا إن خرجت من العدة، ولا إن كانت العدة من نكاح فاسد يفسخ بعد الدخول، وسواء فسخ بعده أو طلق فلا رجعة كخامسة وجمع كأخت مع أختها، ولو ماتت الأولى أو طلقت لعدم صحة النكاح (حل وطؤه) احترز به عن صحيح وطئ فيه وطئاً حراماً، إما لعدم لزومه؛ كوطء عبد تزوج بغير إذن سيده؛ وإما لعروض حرمته كحائض ومحرمة بحج فلا تصح الرجعة في عدة من ذكر (بقول) متعلق "بارتجاعها": أي إما بقول ولو لم يطأ، صريح (كرجعت) لزوجتي، (وارتجعت) زوجتي، وحذف المعمول إشارة إلى أن المدار على نيته ذكره أو حذفه، ويكون مع النية رجعة ظاهراً وباطناً، بخلاف الهزل فإنه رجعة في الظاهر فقط كما يأتي، وكذا راجعتها ورددتها لعصمتي أو لنكاحي أو غير صريح كمسكتها (وأمسكتها) إذ يحتمل أمسكتها تعذيباً، (أو بفعل) كوطء ومقدماته (مع نية)،

ــ

لأصبغ قال أبو الحسن، ومذهب المدونة هو الصحيح للاحتياط في الفروج.

قوله: [والثاني يلزم] إلخ: أي من الأقوال الثلاثة المتقدمة.

قوله: [إذا لم تدخل صورة] إلخ: أما الصورة الأولى فظاهر، وأما الثالثة وهي طلقاها على مذهب المدونة الذي هو القول الأول.

قوله: [وتسميتها رسالة اصطلاح]: أما الصورة الأولى فالاصطلاح فيها موافق للغة والعرف العام، وأما الثانية فمجرد اصطلاح للفقهاء فقط.

قوله: [بمعنى أنه يتوقف] إلخ: أي فيحمل على التوكيل الذي جعل لكل منهما الاستقلال به احتياطاً في الفروج، وتوسطاً بين الرسالة والتمليك.

قوله: [فإن نوى به واحداً منهما]: أي الرسالة والتمليك أو التوكيل، وقوله "عمل به" أي عمل على مقتضاه.

فصل في الرجعة

لما أنهى الكلام على الطلاق وما يتعلق به، وقسمه إلى واقع من الزوج، ومن مفوض إليه ذكر ما قد يكون بعد ثبوته وهو الرجعة، وهو لغة المرة من الرجوع وشرعاً ما قاله المصنف.

قوله: [بين حقيقتها]: أي تعريفها.

قوله: [طلاقاً أي غير بائن]: يفهم منه أن عود البائن للعصمة لا يسمى رجعة وهو كذلك، بل يسمى مراجعة لتوقف ذلك على رضا الزوجين، لأن المفاعلة تقتضي الحصول من الجانبين، والمعتبر تحقق الطلاق في نفس الأمر لا في اعتقاد المرتجع، فمن ارتجع زوجته معتقداً أنه وقع عليه الطلاق لشكه هل طلق أم لا؟ فإن رجعته غير معتد بها، فإذا تبين له بعد الرجعة وقوع الطلاق فلا بد من رجعة غير التي وقعت منه، لأنها مستندة لاعتقاده أنه لزمه الطلاق بالشك وهو غير لازم له، وليست مستندة للطلاق الذي تبين أنه وقع منه، هكذا ينبغي كما في (شب) انتهى من الحاشية

قوله: [بخلع] إلخ: تفصيل للبائن، وقوله "للعصمة" متعلق بـ "عود" و "بلا تجديد عقد" حال من "عود".

قوله: [والأصل فيها الجواز]: المناسب الندب فإن أحكام النكاح تعتريها كما وجده البدر القرافي بخط بعض أقاربه استظهاراً كما في الأجهوري كذا في المجموع

قوله: [وللمكلف]: خبر مقدم وارتجاعها مبتدأ مؤخر وما بينهما اعتراض قصد به المبالغة والرد على المخالف. والمكلف من فيه أهلية الطلاق فيخرج الصبي والمجنون، ويدخل المحرم والمريض، فالمجنون يرتجع له وليه أو الحاكم، والصبي لا يتأتى فيه رجعة، لأن طلاق وليه عنه بعوض أو بدونه بائن، لأن وطأه كلا وطء.

قوله: [فلا تصح الرجعة في عدة من ذكر]: أي لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً قوله: [كما يأتي]: أي من أن الحاكم يلزمه بالنفقة وسائر الحقوق لا الباطن فلا يحل له الاستمتاع بها ولا معاشرتها معاشرة الأزواج فيما بينه وبين الله.

قوله: [ورددتها لعصمتي أو لنكاحي]: أي فلا يكون صريحاً إلا بذكر المتعلق الذي هو قوله لعصمتي أو لنكاحي، كما يشير له الشارح وإلا كان من المحتمل.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 472

أي قصد لرجعتها (فيهما) أي في القول والفعل لتكون رجعة حقيقية أي ظاهراً وباطناً، فإن تجردا عن النية ففي صريح القول رجعة في الظاهر فقط، وفي محتمله وفي الفعل ليس برجعة أصلاً كما سيصرح بالجميع (أو بنية فقط) المراد بها حديث النفس أي قوله في نفسه: راجعتها، وأما مجرد قصد أن يراجعها فلا يكون رجعة اتفاقاً، وهي بالمعنى المراد: رجعة في الباطن فقط، يجوز الاستمتاع بها وتلزمه نفقتها لا في الظاهر، أي عند الحاكم إذا رفع ليمنع منها فادعى بعد العدة أنه كان راجعها بالنية فلا يحكم بالرجعة، لخفاء النية فلا يمكن إثباتها ولا يصدق في دعواه (على الأظهر) عند ابن رشد واللخمي؛ قاساه على اعتبار لزوم الطلاق بالنية على القول بلزومه بها، وفي الموازية: أنه لا رجعة بالنية؛ وصححه ابن بشير ولذا قال الشيخ: "وصحح خلافه".

(أو بقول صريح ولو هزلاً) لأن الرجعة هزلها جد، لكن الهزل رجعة (في الظاهر فقط) لعدم النية فيلزمه الحاكم بالنفقة وسائر الحقوق، فلا يحل له الاستمتاع بها.

(لا) تصح له الرجعة (بمحتمل) من القول (بلا نية) أي قصد لا في الظاهر ولا في الباطن، (كأعدت الحل ورفعت التحريم)؛ إذ يحتمل الأول لي ولغيري، ويحتمل الثاني عني وعن غيري (أو فعل) بلا نية لا تصح به الرجعة (كوطء) وأولى غيره (ولا صداق فيه) أي في هذا الوطء الخالي عن نية الرجعة؛ لأنها زوجة ما دامت في العدة.

(إن علم دخول) شرط في قوله: "وللمكلف ارتجاعها"(ولو بامرأتين، وإلا) يعلم الدخول بأن علم عدم الدخول،

ــ

قوله: [أي قصد لرجعتها]: أي ليس المراد من النية حديث النفس الآتي لأنه يكفي وحده على الأظهر كما يأتي.

قوله: [فلا يكون رجعة اتفاقاً]: أي باتفاق ابن رشد وغيره ما لم يصحبها قول كراجعت أو فعل كوطء.

قوله: [ولذا قال الشيخ وصحح خلافه]: قال بعضهم هذا هو المنصوص في الموازية، والأول صححه في المقدمات وهو مخرج عند ابن رشد واللخمي على أحد قولي مالك بلزوم الطلاق واليمين بمجرد النية ورده ابن بشير

قوله: [فلا يحل له الاستمتاع بها]: أي فيما بينه وبين الله، ولا يحل له أيضاً أخذ شيء من ميراثها، والفرق بين النكاح والرجعة حيث قلتم إن النكاح يصح بالهزل ظاهراً وباطناً، والرجعة تصح ظاهراً لا باطناً أن النكاح له صيغة من الطرفين، فكان الهزل فيه كالعدم، ولما ضعف أمر الرجعة لكون صيغتها من جانب الزوج فقط أثر هزله فيها في الباطن فتدبر.

قوله: [بمحتمل من القول]: أي وإما بقول غير محتمل لها أصلاً مع نية كاسقني الماء وشبهه، فهل تحصل الرجعة أو لا؟ تردد فيه الأجهوري وغيره والظاهر الثاني كما يفيده ابن عرفة، لأن إلحاق الرجعة بالنكاح أولى من إلحاقها بالطلاق، لأن الطلاق يحرم والرجعة تحلل كذا في الحاشية.

قوله: [أو فعل بلا نية]: حاصل الفقه أن الفعل مع النية تحصل به الرجعة، وكذا القول مع النية، سواء كان القول صريحاً أو محتملاً، وأما الفعل وحده أو القول المحتمل وحده فلا تحصل بهما رجعة أصلاً، والقول الصريح وحده تحصل به الرجعة في الظاهر لا الباطن، وأما النية وحدها فإن كانت بمعنى القصد فلا تحصل بها رجعة اتفاقاً وإن كانت بمعنى الكلام النفسي فقيل تحصل بها الرجعة في الباطن لا الظاهر، وقيل لا تحصل بها مطلقاً.

قوله: [ولا صداق فيه]: أي وإن كان وطؤها من غير نية رجعة حراماً، ويلحق به الولد ولا حد ويستبرئها من ذلك الوطء إذا ارتجعها ولا يرتجعها في زمن الاستبراء بالوطء بل بغيره، ومحل ارتجاعها في زمن الاستبراء بغير الوطء إذا كانت العدة الأولى باقية، فإن انقضت العدة الأولى فلا ينكحها هو أو غيره بالعقد إلا بعد انقضاء الاستبراء، فإن عقد عليها قبل انقضاء الاستبراء فسخ ولا يتأبد تحريمها عليه بالوطء الحاصل في زمن الاستبراء للحوق الولد به، وإن كان فاسداً، وإن طلقها ثانية بعد خروجها من العدة لحقها طلاقه نظراً لقول ابن وهب: إن الوطء مجرداً عن نية رجعة، فهو كمن طلق في مختلف فيه كما في (عب)، قال: وهل هو رجعي وإن لم تثبت له رجعة؟ وفائدة لزوم الطلاق بعده وتأتنف له عدة، فيلغز بها من وجهين: رجعي يؤتنف له عدة ولا رجعة معه، أو بائن انتهى وجزم (بن) بالثاني كذا في المجموع

قوله: [وإلا يعلم الدخول]: حاصله أن الرجعة لا تصح إلا إذا ثبت النكاح بشاهدين، وثبتت الخلوة ولو بامرأتين، وتقارر الزوجان بالإصابة، فإذا طلق الزوج زوجته ولم تعلم الخلوة بينهما وأراد رجعتها فلا يمكن منها لعدم صحة الرجعة، لأن من شرط صحة الرجعة وقوع الطلاق بعد الوطء للزوجة، وإذا لم تعلم الخلوة فلا وطء ولا رجعة، ولو تصادق كل من الزوجين على الوطء قبل الطلاق وأولى إذا تصادقا بعده، وإنما شرط في صحة الرجعة الوطء قبل الطلاق، لأنه إذا لم يحصل وطء كان الطلاق بائناً فلو ارتجعها لأدى إلى ابتداء نكاح بلا عقد ولا ولي ولا صداق.

قوله: [بأن علم عدم الدخول]: أي كما إذا عقد على امرأة في بلد بعيدة وطلقها، وعلم

ص: 473

أو لم يعلم شيء (فلا) تصح الرجعة، (ولو تصادقا على الوطء قبل الطلاق) فأولى عدم الصحة إن لم يتصادقا أو تصادقا بعده (إلا أن يظهر بها حمل لم ينفه) بلعان فله مراجعتها ما دامت حاملاً.

(وأخذا): أي الزوجان المتصادقان على الوطء قبل الطلاق (بإقرارهما) أي أخذ كل منهما بمقتضى إقراره بالنسبة لغير الارتجاع، فيلزمه النفقة والكسوة والسكنى ما دامت في العدة، وتكميل الصداق، ويلزمها العدة وعدم حلها لغيره، ولا يتزوج بأختها، ولا بخامسة بالنسبة لها ما دامت في العدة وشبه في الحكمين أي عدم صحة الرجعة والأخذ بالإقرار قوله:(كدعواه) أي الزوج (لها) أي للرجعة (بعدها) أي العدة، أي ادعى بعد العدة أنه قد كان راجعها فيها، فلا تصح الرجعة بمعنى أنه لا يقبل قوله، ولا يمكن منها، وأخذاً بإقرارهما فيلزمه ما تقدم ذكره دائماً، (إن تماديا على التصديق) شرط في الأخذ بالإقرار في المسألتين، فإن رجعا أو أحدهما عن الإقرار سقطت مؤاخذة الراجع.

(وله) أي للزوج المقر بالرجعة (جبرها) أي جبر المصدقة له، أو جبر وليها إن كانت غير رشيدة (على تجديد عقد بربع دينار) أو ثلاثة دراهم، أو مقوم بهما لتعود له؛ لأنها باعتبار دعواهما في عصمته يلزمه نفقتها، ويلزمها عدم الزواج بغيره، وإنما منعناه منها ومنعناها منه لحق الله تعالى في الظاهر.

(ولم تنكر الوطء): عطف على "علم الدخول": أي شرط صحة ارتجاعها: علم الدخول وعدم إنكار الوطء، فإن أنكرته لم تصح الرجعة وظاهره، سواء اختلى بها في زيارة أو خلوة اهتداء وهو أحد أقوال.

الثاني: أن ذلك في خلوة الزيارة، أما خلوة الاهتداء فلا عبرة بإنكارها وتصح الرجعة، وهو الذي مشى عليه الشيخ بقوله:"ولا إن أقر به فقط في زيارة بخلاف البناء".

الثالث: أنها إن كانت الزائرة صدق في دعواه الوطء فتصح الرجعة كخلوة البناء، وإن كان هو الزائر فلا يصدق ولا تصح رجعته (وصحت رجعته): أي المطلق بعد البناء

ــ

عدم دخوله بها لكونها لم تأت بلده ولم يذهب هو لبلدها

قوله: [أو لم يعلم شيء]: أي كما إذا عقد على امرأة في بلدها، وطلقها ولم يعلم هل دخل بها أم لا

قوله: [وأخذا] إلخ: يعني إذا قلنا بعدم تصديقهما في دعوى الوطء قبل الطلاق أو بعده، فإن كل واحد يؤاخذ بمقتضى إقراره بالوطء، وسواء إقرارهما بالوطء قبل الطلاق أو بعده

قوله: [فيلزمه النفقة] إلخ: هذا مرتب على إقراره، وقوله:"ويلزمها العدة" إلخ مرتب على إقرارها، والمراد أن من أقر منهما بالوطء أخذ بمقتضى إقراره، سواء صدقه الآخر أو لا.

قوله: [كدعواه] إلخ: حاصله أن الزوج إذا ادعى بعد انقضاء العدة أنه كان راجع زوجته في العدة من غير بينة ولا مصدق مما يأتي، فإنه لا يصدق في ذلك وقد بانت منه، ولو كانت الزوجة صدقته على ذلك، والموضوع أن الخلوة علمت بينهما لكن يؤاخذ بمقتضى دعواه، وهي أنها زوجة على الدوام فيجب لها ما يجب للزوجة، وكذا تؤاخذ بمقتضى إقرارها إن صدقته، ولا يمكن واحد منها من صاحبه، فإن لم تصدقه فلا يجب لها عليه شيء لأن لزوم ما يجب لها عليه بإقراره مشروط بتصديقها كما يأتي، فإن كذبته لم يؤاخذ بذلك لإقرارها بسقوط ذلك عنه، وأما زواج رابعة بدلها أو كأختها فلا يجوز ما دام مقراً وإن كذبته

قوله: [شرط في الأخذ بالإقرار في المسألتين]: المسألة الأولى: إذا لم تعلم بينهما خلوة وتصادقا على الوطء قبل الطلاق، والمسألة الثانية ما إذا ادعى بعد العدة الرجعة فيها وحاصل فقه المسألة أنه في المسألة الأولى يؤاخذان بإقرارهما عند الأجهوري تماديا على التصديق أو لا إن استمرت العدة، فإن انقضت فلا يؤاخذان بإقرارهما إلا إذا تماديا، وفي المسألة الثانية يؤاخذان بإقرارهما أبداً إذا تماديا على الإقرار، فإن رجعا أو أحدهما سقطت مؤاخذة الراجع، وقال الطخيخي والشيخ سالم: إن التمادي شرط فيهما.

وحاصل كلامهما أنهما لا يؤاخذان بإقرارهما في المسألة الثانية إلا مدة دوامها على التصديق، وكذلك في الأولى كان الإقرار في العدة أو بعدها، فإن رجعا أو أحدهما سقطت مؤاخذة الراجع، وفي الشيخ عبد الرحمن الأجهوري والشيخ أحمد الزرقاني: إنهما في المسألة الأولى يؤاخذان بإقرارهما في العدة مطلقاً تماديا على التصديق أو لا، وأما في المسألة الثانية فلا يؤاخذان بإقرارهما إلا مدة دوامهما على التصديق، فإن حصل رجوع منهما أو من أحدهما سقطت مؤاخذة الراجع، وهذه الطريقة هي الموافقة للنقل كما في الحاشية، ولكن المتبادر من عبارة شارحنا كلام الطخيخي والشيخ سالم.

قوله: [أي جبر الصدقة له]: أي على الوطء في المسألة الأولى، أو على الرجعة في المسألة الثانية

قوله: [أو جبر وليها]: فإن أبى الولي عقد الحاكم وإن لم ترض، وانظر هل لها جبره على تجديد عقد أخذاً من حديث:«لا ضرر ولا ضرار» أو لا؟ تأمل اهـ من حاشية الأصل.

قوله: [وهو أحد أقوال]: أي ثلاثة، وذكر في الشامل أن القول بعدم التفرقة بين الخلوتين هو المشهور وبذلك صدر به شارحنا.

ص: 474

(إن قامت له بينة بعدها): أي بعد العدة، (على إقراره) أي بالوطء في العدة أو بمقدماته وادعى أنه كان نوى به الرجعة فيصدق في ذلك وتصح رجعته، (أو) قامت له البينة على معاينة (تصرفه) أي الزوج (لها) في العدة بالدخول والخروج والإتيان بحاجة المنزل، (أو) أشهدت على (مبيته عندها) أي الزوجة وادعى رجعتها (فيها) أي في العدة متعلق بكل من إقراره وتصرفه ومبيته والحاصل: أنه إن ادعى بعدها مراجعتها في العدة وأقام بينة على أنه أقر في العدة بوطئها أو على أنه كان يتصرف لها التصرف الخاص، أو أنه كان يبيت عندها في العدة فإنه يصدق ويحكم له بصحة الرجعة.

(أو قال): أي وصحت رجعته إن قال لها (ارتجعتك) إنشاءً لا إخباراً، (فقالت) له: قد (انقضت العدة) برؤيتي الحيضة الثالثة، أي فلم تصادف رجعتك محلاً، (فأقام بينة على ما) أي على قول منها قبل ذلك (يكذبها) في قولها انقضت العدة، بأن أقام بينة تشهد أنها قالت قبل ذلك بنحو يومين أو عشرة أيام أنها لم تر إلا حيضة فقط أو حيضتين، ولم يمض زمن يمكن فيه رؤية الثالثة، (أو) أنه لما راجعها (سكتت) زمناً (طويلاً) كاليوم أو بعضه (ثم قالت: كانت انقضت) العدة قبل المراجعة فلا يفيدها، وصحت الرجعة ويعد ذلك منها ندماً ومفهوم:"سكتت"، أنها لو بادرت لأفادها ولم تصح الرجعة، وهو كذلك أي إذا لم تقم بينة بما يكذبها كما تقدم.

(لا) تصح الرجعة (إن قال من يغيب) أي من أراد الغيبة أي السفر، وكان علق طلاقها على شيء كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، وخاف أن تدخلها في غيبته فيحنث فقال:(إن حنثتني) بدخول الدار في سفري (فقد ارتجعتها) ولا يفيده هذا التعليق؛ لأن الرجعة تحتاج لنية بعد الطلاق، (كأن) قال: إن (جاء الغد فقد ارتجعتها) فلا يفيده، ولا تصح رجعته لأن الرجعة ضرب من النكاح، فلا تكون لأجل ولأنها تحتاج لمقارنة نية. نعم إن وطئها في العدة بعد الغد، معتمدا على تعليقه المتقدم، صحت رجعته من حيث إنه فعل قارنه نية لا بالتعليق المتقدم.

(وصدقت) المطلقة (في انقضاء العدة

ــ

قوله: [إن قامت له بينة بعدها] حاصل فقه المسألة أن الرجل بعد انقضاء العدة ادعى أنه راجع زوجته فيها، وأقام بينة تشهد أنه أقر بالوطء أو التلذذ بها في العدة، وادعى أنه نوى به الرجعة فإنه يصدق في دعواه وتصح رجعته، والموضوع أن الخلوة بها قبل الطلاق قد علمت ولو بامرأتين، وحيث كان تصح الرجعة بإقامة البينة على إقراره بالوطء، في العدة مع دعواه أنه نوى به الرجعة، فلو دخل على مطلقة وبات عندها في العدة، ثم مات بعد العدة ولم يذكر أنه ارتجعها فلا تثبت بذلك الرجعة، ولا ترثه ولا يلزمها عدة وفاة فتدبر.

قوله: [فأقام بينة]: أي من الرجال لا من النساء لأن شهادتها على إقرارها بعدم الحيض لا على رؤية الدم التي يكفي فيها النساء.

قوله: [فلا تكون لأجل]: أي فكما لا يجوز التأجيل في النكاح كأن يقول أعقد لك على ابنتي الآن على أنها لا تحل لك إلا في الغد، لا يجوز التأجيل في الرجعة.

قوله: [بعد الغد]: لا مفهوم له (بن) كذلك، لو وطئها قبله تصح رجعته إن قارن الوطء نيته وإلا فلا، والفرق بين صحة الطلاق قبل النكاح كما إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق، وبين عدم صحة الرجعة قبل الطلاق في مسألة من أراد السفر أن الطلاق حق على الرجل يحكم به عليه، والرجعة حق له والحق الذي عليه يلزم بالتزامه، والحق الذي له ليس له أخذه قبل أن يجب ولو أشهد به فتأمل. تنبيه: مثل قول من يغيب المذكور اختيار الأمة المتزوجة بعبد نفسها، أو زوجها بتقدير عتقها كأن تقول: إن عتقت فقد اخترت نفسي أو اخترت زوجي فإنه لغو ولو أشهدت على ذلك ولها اختيار خلافه إن عتقت، بخلاف الزوجة التي شرط لها الزوج عند العقد أن أمرها بيدها إن تزوج عليها أو تسرى أو أخرجها من بلدها أو بيت أبيها، تقول قبل حصول ما ذكر: إن فعله زوجي فقد فارقته، فإنه يلزمها وليس لها الانتقال إلى غيره لأن الزوج أقامها مقامه في تمليكه إياها ما يملكه، وهو يلزمه ما التزمه، نحو: إن دخلت الدار فأنت طالق. فكذلك هي وهذا يفيد كما قال ابن عرفة لزوم ما أوقعه من الطلاق لا ما أوقعته باختيار زوجها، وقيل إن المسألتين مستويتان في لزوم ما أوقعتاه قبل حصول سبب خيارهما، وهو لابن حارث عن أصبغ مع رواية ابن نافع، وقيل: مستويتان في عدم لزوم ما أوقعتاه وهو للباجي، ولكن المعتمد الأول وهذه المسألة هي التي تحكى عن ابن الماجشون أنه سأل مالكاً عن الفرق بين الحرة ذات الشرط والأمة؟ فقال له الفرق دار قدامة وكانت داراً يلعب فيها الأحداث بالحمام معرضاً له بقلة التحصيل، فيما سأله عنه وتوبيخاً له على ترك إعمال النظر في ذلك حتى إنه سأل عن أمر غير مشكل اهـ. وحاصل الفرق بين المسألتين أن اختيار الأمة قبل العتق فعل للشيء قبل وجوبه لها بالشرع، وأما ذات الشرط فاختيارها فعل للشيء بعد

ص: 475

بلا يمين ما أمكن) الانقضاء، كثلاثين يوماً: أي مدة الإمكان، ولو خالفت عادتها أو خالفها الزوج، وشمل كلامه انقضاءها بالأقراء أو الوضع فلا تصح رجعتها وقد حلت للأزواج، (و) صدقت (في أنها رأت أول الدم) من الحيضة الثالثة، (وانقطع) قبل استمراره المعتبر وهو يوم أو بعضه، فهي في عدتها لم تخرج، وقال ابن الحاجب: لا يفيدها ذلك ولا تصدق، وقد حلت للأزواج وتبعه الشيخ، قال ابن عرفة: المذهب كله على قبول قولها أي خلافاً لابن الحاجب، ثم اختلفوا بعد أن قالوا بتصديقها فيما لو راجعها بعد قولها: قد انقطع فعاودها الدم عن قرب قبل تمام طهر، حتى لفقت عادتها، هل هذه الرجعة فاسدة؟ لأنه قد تبين أنها حيضة ثالثة صحيحة وقعت فيها الرجعة فتكون باطلة وهو الصحيح أو ليست بفاسدة بل صحيحة؟ وعلى القول الصحيح حمل بعضهم كلام ابن الحاجب والشيخ، أي فقولهما لا يفيدها قولها قد انقطع أي في صحة الرجعة، أي إنا وإن صدقناها فراجعها فعاودها الدم حتى لفقت عادتها إلا أنه لا يفيد في صحة الرجعة، بل الرجعة فاسدة.

(ولا يلتفت لتكذيبها نفسها) حيث قالت: كذبت في قولي قد انقضت عدتي فلا تحل لمطلقها إلا بعقد جديد، ولا توارث بينهما (ولو صدقها النساء) في تكذيبها نفسها بأن قلن: نظرناها حين قالت قد انقضت العدة بنزول الحيض أو الوضع فلم نر بها أثر حيض ولا وضع، فلا يلتفت لذلك وقد بانت بقولها: قد انقضت حيث أمكن الانقضاء.

(و) الزوجة (الرجعية) أي المطلقة طلاقاً رجعياً (كالزوجة) التي في العصمة في لزوم النفقة والكسوة والسكنى ولحوق الطلاق والظهار، (إلا في الاستمتاع والخلوة) بها، (والأكل معها) بلا نية مراجعتها بذلك فلا يجوز، (ولو مات زوجها) المطلق لها (بعد سنة) من يوم طلاقها (فقالت: لم تنقض)، فأنا أرث (وهي غير مرضع، و) غير (مريضة، لم تصدق) فلا إرث لها منه (إلا إذا كانت تظهره) أي تظهر عدم انقضائها قبل موته فتصدق وترث بيمين إن ظهر للناس لضعف التهمة حينئذ، (وإلا) بأن كانت مرضعاً أو مريضة (صدقت) لأن شأن المرضع والمريضة عدم الحيض،

ــ

وجوبه لها بالتمليك فتأمل.

قوله: [بلا يمين]: وقيل بيمين.

قوله: [انقضاءها بالأقراء]: أي فإن شهدت لها النساء أنها تحيض لمثل هذا فإنها تصدق، ووجه تصديقها في كالشهر جواز أن يطلقها أول ليلة من الشهر وهي طاهر فيأتيها الحيض وينقطع قبل الفجر، ثم يأتيها ليلة السادس عشر وينقطع قبل الفجر أيضاً، ثم يأتيها آخر يوم من الشهر بعد الغروب، لأن العبرة بالطهر في الأيام. ولك أن تلغز فتقول: ما امرأة مدخول بها غير حامل طلقت أول ليلة من رمضان، فحلت للأزواج من أول يوم من شوال ولم يفتها صوم ولا صلاة منه وقد تقدم التنبيه على هذا اللغز في باب الحيض.

قوله: [ثم اختلفوا] إلخ: ونص أبي الحسن عياض واختلفوا إذا راجعها عند انقطاع هذا الدم وعدم تماديه، ثم رجع هذا الدم بقرب هل هي رجعة فاسدة لأنه قد استبان أنها حيضة ثالثة صحيحة وقعت الرجعة فيها فتبطل وهو الصحيح وقيل لا تبطل رجع الدم عن قرب أو بعد اهـ، ثم ذكر أبو الحسن عن عبد الحق في النكت أنه حكى القولين، وقال بعدهما والقول الأول يعني التفصيل عندي أصوب اهـ، والقرب أن لا يكون بين الدمين طهر تام فتأمل.

قوله: [ولا يلتفت لتكذيبها نفسها]: الفرق بين هذه المسألة والتي قبلها حيث قلتم المذهب قبول قبولها في المسألة المتقدمة دون هذه أنها في هذه صرحت بتكذيب نفسها ولم تستند لما تعذر به بخلاف التي قبلها.

قوله: [بذلك]: اسم الإشارة عائد على ما ذكر من الأمور الثلاثة، أي فإن نوى رجعتها بأحد هذه الأمور صحت قوله:[بعد سنة] إلخ: حاصل المسألة أنه إذا طلقها طلاقاً رجعياً ثم مات بعد سنة أو أكثر من يوم الطلاق، فقالت: لم أحض من يوم الطلاق إلى الآن أصلاً، أو لم أحض إلا واحدة أو اثنتين، ولم أدخل في الثالثة فلا يخلو حالها من أمرين: تارة يظهر في حال حياة مطلقها احتباس دمها للناس، ويتكرر قولها للناس، وفي هذه الحالة يقبل قولها بيمين وترث لضعف التهمة حينئذ، وتارة لم تكن تظهره في حال حياة مطلقها فلا يقبل قولها، ولا ترث لدعواها أمراً نادراً، والتهمة حينئذ قوية، وما ذكره شارحنا من التفصيل بين من تظهره والتي لم تكن تظهره هو قول الموازية، وقال في سماع عيسى إنها تصدق بيمين مطلقاً كانت تظهره أم لا، وهذا الخلاف حكاه ابن رشد فيما إذا ادعت ذلك بعد السنة أو بقرب انسلاخها، وأما لو ادعت ذلك بعد أكثر من العام أو العامين لا ينبغي أنها تصدق إلا أن تكون تظهر ذلك في حياته قولاً واحداً.

قوله: [صدقت]: أي بغير يمين.

قوله: [لأن شأن المرضع والمريضة] إلخ: حاصله أنه إذا كانت المرأة مريضة أو مرضعة في كل المدة التي بين الموت والطلاق فإنها تصدق في دعواها في هذه الحالة عدم انقضاء هذه العدة بغير يمين، ولو كانت المدة أكثر من سنة، فإن كانت مريضة أو مرضعة بعد تلك المدة وادعت عدم الانقضاء بعد الفطام أو بعد زوال المرض، ففي المواق عن ابن رشد أن حكم المرضع

ص: 476

(وحلفت) أنها لم تنقض عدتها (فيما دون العام) كالأربعة الأشهر فأكثر (إن اتهمت) وإلا فلا يمين عليها.

(وندب) لمن راجعها (الإشهاد) على الرجعة لدفع إيهام الزنا، ولا يجب خلافاً لبعضهم (وأصابت من منعت) نفسها من زوجها (له) أي لأجل الإشهاد على مراجعتها، وذلك دليل على كمال رشدها، والمعتبر في الإشهاد المندوب شهادة [1] غير الولي.

(وشهادة الولي) من سيد أو أب أو وصي (عدم) لا تفيد ولا يحصل بها الندب.

(و) ندب (المتعة) وهي ما يعطيه الزوج لمن طلقها زيادة على الصداق لجبر خاطرها المنكسر بألم الفراق، (بقدر حاله) أي الزوج من فقر وغنى بالمعروف على الموسر قدره، وعلى المقتر قدره، ومشهور المذهب الندب وقيل بوجوبها، والقرآن أظهر في الوجوب من الندب، ولكن صرفه عنه صارف عند الإمام.

وتكون المتعة (بعد) تمام (العدة للرجعية) لأنها ما دامت في العدة ترجو المراجعة فلم ينكسر قلبها بألم الفراق، بخلاف ما إذا بانت بالخروج منها ككل بائنة، (أو) تدفع إلى (ورثتها) إن ماتت قال بعضهم: أي بعد العدة وإلا فلا لموتها قبل الاستحقاق ولا متعة لها إن مات أو ردها لعصمته قبل دفعها لها، رجعية كانت أو بائنة وشبه في الحكمين أي الدفع لها أو لورثتها على جهة الندب قوله:(ككل مطلقة في نكاح لازم) ويلزم من اللزوم الصحة والمراد اللزوم ولو بعد الدخول والطول (لا فسخ) محترز "مطلقة" أي في كل طلاق لا فسخ، فلا متعة فيه بعد البناء، وأولى قبله إذا كان فسخه (لغير رضاع)، وأما فسخه لرضاع فتمتع كما ذكره ابن عرفة، واستثنى من كل مطلقة قوله:(إلا المختلعة) فلا متعة لها؛ لأن الطلاق جاء من جهتها فلا كسر عندها، وهذا إذا كان الخلع بعوض منها أو من غيرها برضاها، لا إن كان بلفظ الخلع بلا عوض أو بعوض من غيرها بلا رضا منها فتمتع.

(و) إلا (من طلقت قبل البناء في) نكاح (التسمية) فلا متعة لها لأخذها نصف الصداق مع بقاء سلعتها، بخلاف التفويض فتمتع.

(و) إلا (المفوض لها) طلاقها تخييراً أو تمليكاً أو توكيلاً فلا متعة لها، (و) إلا (المختارة) لنفسها (لعتقها) تحت عبد فلا متعة، (أو) المختارة لنفسها (لعيبه) ببرص أو جذام أو نحو ذلك فلا متعة لها، ولما كانت الإيلاء قد ينشأ عنها الطلاق الرجعي ناسب ذكرها عقب الرجعة فقال:

ــ

بعد الفطام كالتي لا ترضع من يوم الطلاق، لأن ارتفاع الحيض مع الرضاع ليس بريبة اتفاقاً، وحينئذ فتصدق بيمين بعد الفطام بسنة فأكثر إذا كانت تظهره في حياة مطلقها، ومثلها المريضة فإن كانت لا تظهره فلا تصدق ولو بيمين، وأما لو ادعت ذلك بعد الفطام في أقل من سنة فإنها تصدق بيمين كذا في حاشية الأصل.

قوله: [وحلفت إنها] إلخ: الحلف مخصوص بغير المرضع والمريضة كما علمت.

قوله: [عدم]: أي لاتهامهم على ذلك ولا فرق بين الولي المجبر وغيره.

قوله: [لجبر خاطرها] إلخ: هذا يقتضي أن الندب معلل بما ذكر، واعترض بأن المتعة قد تزيدها أسفاً على زوجها لتذكرها حسن عشرته وكريم صحبته، فالظاهر أنها غير معللة، وقول ابن القاسم: إن لم يمتعها حتى ماتت ورثت عنها يدل على ذلك.

قوله: [وقيل بوجوبها]: وفاقاً للشافعي.

قوله: [أظهر في الوجوب] إلخ: أي لقوله تعالى: {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين} [البقرة: 236] وقال أيضاً: {حقا على المتقين} [البقرة: 241] والأصل في الأمر الوجوب خصوصاً مع اقترانه بحقنا، قلنا: صرفه عنه قوله: " على المحسنين " و " المتقين "، لأن الواجب لا يتقيد بهما والمراد بالحق الثابت المقابل للباطل، فيشمل المندوب بقرينة التقييد بالمحسنين والمتقين كما علمت، وحينئذ فلا يقضى بها ولا تحاصص بها الغرماء، إذ لا يقضى بمندوب ولا يحاصص به الغرماء.

قوله: [ولا متعة لها إن مات]: أي في العدة أو بعدها كان الطلاق رجعياً أو بائناً، لأنه لا يؤخذ من التركة إلا الحقوق الواجبة.

قوله: [ككل مطلقة] إلخ: أي فتدفع لها إن كانت حية، أو لورثتها إن ماتت، والمراد كل مطلقة طلقها زوجها أو حكم الشرع بطلاقها، إلا ما استثنى فالمراد من قوله، "كل مطلقة" أي طلاقاً بائناً فلم يتحد المشبه مع المشبه به.

قوله: [في نكاح لازم]: احترز به عن غير اللازم وهو شيئان، الفاسد الذي لم يمض بالدخول، والصحيح الغير اللازم كنكاح ذات العيب، فإن ردته لعيبه أو ردها لعيبها فلا متعة كما يأتي.

قوله: [فتمتع كما ذكره ابن عرفة]: أي والموضوع أن الفسخ بعد البناء أو قبله ولم تأخذ نصف الصداق لكونها صدقته أو ثبت الرضاع ببينة.

قوله: [إلا المختلعة] إلخ: يلحق بتلك المستثنيات المرتدة، ولو عادت للإسلام والظاهر عدم المتعة أيضاً إذا ارتد الزوج عاد للإسلام أم لا كذا في الحاشية.

قوله: [وإلا المفوض لها] إلخ: أي وأما لو كان التفويض لغيرها فلها المتعة.

قوله: [لعيبه]: مثله ما إذا ردها لعيبها لأنها غارة

قوله: [ناسب ذكرها عقب الرجعة]: بحث فيه بأن تسبب الطلاق الرجعي عنها يقتضي تقدمه على الرجعة، لأن السبب متقدم على المسبب، فالمناسب أن يقول ناسب جمعه مع الرجعة، وبعضهم وجه جمعهما بقوله: إن كلاً من الإيلاء والظهار كان في الجاهلية طلاقاً بائناً، واختلف هل كان كذلك أول الإسلام أم لا؟ وهو الصحيح فلذا جمعهما معاً وأتى بهما عقب الطلاق، ومن المعلوم أن الرجعة من توابع الطلاق.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

قوله: (المندوب شهادة) ليس في ط المعارف.

ص: 477

فصل في الإيلاء وأحكامها

(الإيلاء) شرعاً المشار إليه بقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} [البقرة: 226] الآية (حلف الزوج) لا السيد (المسلم) لا الكافر (المكلف) لا الصبي والمجنون (الممكن وطؤه) خرج المجبوب والخصي: أي مقطوع الذكر، والشيخ الفاني، فلا ينعقد لهم إيلاء، ودخل في الزوج المذكور العبد والمريض الذي له قدرة على الوقاع والسكران (بما) متعلق (بحلف) أي حلفه بكل ما (يدل على ترك وطء زوجته) الحرة أو الأمة، سواء كان حلفه بالله أو بصفة من صفاته، أو بالطلاق أو بالعتق، أو بمشي لمكة أو بالتزام قربة، (غير المرضع) فلا إيلاء في مرضع لما في ترك وطئها من إصلاح الولد، (أكثر من أربعة أشهر) للحر، (أو) أكثر من (شهرين للعبد) ولو بشائبة، ولا ينتقل لأجل الحر إن عتق في الأجل، (تصريحاً) بالأكثر (أو احتمالاً) له وللأقل؛ (قيد) بشيء في يمينه، نحو: لا أطؤك في هذه الدار أو حتى تسأليني، (أو أطلق) كوالله لا يطؤها، (وإن تعليقاً) كما يكون تنجيزاً، ومثل للتعليق بقوله:(كإن وطئتها فعليّ صوم) أو صوم يوم أو شهر، أو عتق عبد أو عبدي فلان ومثال التصريح بالأكثر: والله لا أطؤك حتى تمضي خمسة أشهر، أو في هذه السنة، ومثال المحتمل للأكثر: لا أطؤك حتى يقدم زيد من سفره (أو) قال: (والله لا أطؤك حتى تسأليني) وطأك هذا مما يدل على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر لزوماً عرفياً إذ شأن النساء لا يسألن الأزواج الوطء لمعرة ذلك عليهن، ومشقته عليهن، وفيه تقييد الترك بسؤالها،

ــ

فصل في الإيلاء وأحكامه

هي لغة الامتناع ثم استعملت فيما كان الامتناع منه بيمين، وشرعاً عرفه المصنف بقوله:"حلف الزوج" إلخ.

قوله: [حلف الزوج]: أي بأي يمين كانت كما يأتي.

قوله: [لا الكافر]: وقال الشافعي ينعقد الإيلاء من الكافر لعموم قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم} [البقرة: 226] الآية فإن الموصول من صيغ العموم، وجوابه منع بقاء الموصول على عمومه بدليل:{فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم} [البقرة: 226] فإن الكافر ليس من أهل ذلك.

قوله: [والمريض الذي له قدرة] إلخ: أي فإن منعه المرض فلا إيلاء كما في (عب)، وفيه نظر فإن مذهب ابن عبد السلام أنه كالصحيح مطلقاً، لأنه إن لم يمكن وقاعه حالاً يمكن مآلاً كما نقله في التوضيح، ومحل هذا ما لم يقيد بمدة مرضه وإلا فلا إيلاء عليه، سواء كان المرض مانعاً من الوطء أو لا، ولو طال المرض إلا أن يقصد الضرر فيطلق عليه حالاً لأجل قصد الضرر كذا في حاشية الأصل.

قوله: [والسكران]: أي بحرام، وأما بحلال فلا إيلاء عليه لأنه كالمجنون.

قوله: [فلا إيلاء في مرضع]: أي فإذا حلف لا يطأ زوجته ما دامت ترضع، أو حتى تفطم ولدها، أو مدة الرضاع فلا إيلاء عليه عند مالك، وقال أصبغ: يكون مولياً، قال اللخمي: وقول أصبغ أوفق بالقياس، لكن المعتمد قول مالك وهو مقيد بما إذا قصد بالحلف على ترك الوطء إصلاح الولد، أو لم يقصد شيئاً وإلا فمول اتفاقاً.

قوله: [أكثر من أربعة أشهر]: وأما لو حلف على ترك أربعة أشهر فقط، فلا يكون مولياً، وروى عبد الملك أنه مول بذلك وهو مذهب أبي حنيفة ومنشأ الخلاف الاختلاف في فهم قوله تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم} [البقرة: 226] هل الفيئة مطلوبة خارج الأربعة الأشهر أو فيها، فعلى المشهور لا يطلب بالفيئة إلا بعد الأربعة الأشهر، ولا يقع عليه الطلاق إلا بعدها، وحيث كانت الفيئة مطلوبة بعد الأربعة أشهر، فلا يكون مولياً، بالحلف بها، وعلى مقابله يطلب بالفيئة فيها، ويطلق عليه بمجرد مرورها، وتمسك من قال بالمشهور بما تعطيه الفاء من قوله تعالى:{فإن فاءوا} [البقرة: 226]، فإنها تستلزم تأخر ما بعدها عما قبلها؛ فتكون الفيئة مطلوبة بعد الأربعة الأشهر، ولأن إن الشرطية يصير الماضي بعدها مستقبلاً، فلو كانت مطلوبة في الأربعة لبقي معنى الماضي بعدها على ما كان عليه قبل دخولها وهو باطل تأمله.

قوله: [أو أكثر من شهرين للعبد]: أي لأنه على النصف من الحر في الحدود وهذا منها.

قوله: [في هذه الدار]: أي فذكره الدار قيد للحلف على عدم الوطء، وقوله "أو حتى تسأليني" سؤالها قيد.

قوله: [وإن تعليقاً]: مبالغة في قوله "حلف الزوج"، ويصح أن يكون مبالغة في زوجته أو في ترك الوطء، لأنه لا فرق في لزوم الإيلاء بين كون اليمين منجزة أو معلقة، ولا بين كون ترك الوطء منجزاً أو معلقاً.

قوله: [أو قال: والله لا أطؤك حتى تسأليني]: حاصله أنه إذا قال لها: والله لا أطؤك حتى تسأليني الوطء، أو حتى تسأليني للوطء، فإنه يكون مولياً ويضرب له أجل الإيلاء من يوم الحلف، فإن فاء في الأجل أو بعده بدون سؤال فالأمر ظاهر وإلا طلقت عليه، ومحل كونه مولياً ما لم يقع منها سؤال للوطء، وإلا فتنحل الإيلاء بمجرد سؤالها إياه، سواء كان سؤالها في الأجل أو بعده، وما مشى عليه المصنف من كون مولياً بحلفه أن لا يطأها حتى تسأله، هو قول ابن سحنون ومقابله قول والده ليس بمول، وعاب قول ولده حين عرضه عليه، وإنما درج المصنف على الأول لأن ابن رشد قال لا وجه لقول سحنون، واستصوب ما قاله ولده نظراً لمشقة سؤال الوطء على النساء كما قال الشارح.

ص: 478

(أو) قال: والله (لا ألتقي معها أو لا أغتسل من جنابة) هذا يدل على ترك الوطء لزوماً عقلياً في الأول، وشرعياً في الثاني، (أو) قال:(إن وطئتك فأنت طالق) فهو مول، ويحنث بمجرد مغيب الحشفة، أي يلزمه طلاقها به فالنزع حرام (و) المخلص له من ذلك أنه إن غيبها (نوى ببقية وطئه الرجعة، وإن) كانت (غير مدخول بها) لأنه بمجرد مغيب الحشفة صارت مدخولاً بها فتصح رجعتها بما ذكر فلو كانت الأداة تقتضي التكرار نحو: كلما وطئتك فأنت طالق، فلا يمكن من وطئها، وكذا لو كان الثلاث أو ألبتة نحو: إن وطئتك فأنت طالق بالثلاث أو ألبتة، وهل يكون مولياً فيضرب له أجل الإيلاء فلعلها أن ترضى بالمقام معه بلا وطء أو ينجز عليه الطلاق حيث قامت بحقها في الوطء؟ قال المصنف: وهو الأحسن، قولان، (وكإن) أي وكقوله: إن (لم أدخل) الدار (فأنت طالق) فامتنع من وطئها ليبر فإنه يكون مولياً (لا) يكون مولياً (في) قوله: (إن لم أطأك) فأنت طالق؛ لأن بره في وطئها، فإن امتنع وعزم على الضد طلقت وإليه رجع ابن القاسم وصوب، وكان أولاً لا يقول بأنه مول حيث وقف عنها وهو الذي مشى عليه الشيخ وضعف بأن يمينه ليست مانعة له من الوطء، وإنما امتنع من نفسه ضرراً.

(ولا) إيلاء (في) قوله: (لأهجرتها [1] أو لا كَلَّمْتُها) لأنه لا يلزم من الهجر ولا من عدم الكلام ترك الوطء، إذ يطؤها ولا يكلمها ويطؤها مع الهجر في مضجعها والمكوث معها، قال اللخمي: ولكنه من الضرر الذي لها القيام به والتطليق عليه بلا أجل، (ولا) إيلاء (في) حلفه (لأعزلن) عنها بأن يمني خارج الفرج، (أو) حلفه (لا أبيت معها) فلا يضرب له أجل الإيلاء، (وطلق عليه) لأجل الضرر بذلك (بالاجتهاد) من الحاكم (بلا أجل)، يضرب حيث قامت بحقها وشكت ضرر العزل أو البيات معها، (كما) يجتهد ويطلق عليه (لو ترك الوطء) هذا إن كان حاضراً، بل (وإن) كان (غائباً) ويكتب له: إما أن يحضر وإما أن يطلق، فإن لم يحضر ولم يطلق طلق عليه الحاكم إلا أن ترضى بذلك كما قال أصبغ، ومعنى الاجتهاد بلا أجل: أن يطلق عليه فوراً إن علم الحاكم منه العناد والضرر، أو يتلوم له إن رجا منه ترك ما هو عليه بقدر ما يراه (أو سرمد العبادة): أي داومها بقيام الليل وصوم النهار، وترك زوجته بلا وطء فيقال له: إما أن تأتيها أو تطلقها، أو يطلق عليك بلا ضرب أجل إيلاء،

ــ

قوله: [أو قال والله لا ألتقي معها]: أي ما لم يقصد نفي الالتقاء في مكان معين، فليس بمول ويقبل منه ذلك مطلقاً، سواء رفعته البينة أو لا كما قال ابن عرفة

قوله: [أو لا أغتسل من جنابة]: اعلم أنه إذا قال: والله لا أغتسل منها من جنابة إن قصد معناه الصريح فلا يحنث إلا بالغسل، وإذا امتنع من الوطء خوفاً من الغسل الموجب لحنثه كان مولياً وضرب له أجل الإيلاء من يوم الرفع والحكم، لا من يوم الحلف، وإن أراد معناه اللازمي وهو عدم وطئها فالحنث بالوطء، ويكون مولياً ويضرب له أجل من يوم الحلف، لأن هذا من اليمين الصريحة في ترك الوطء، وأما إن لم ينو شيئاً فهل يحمل على الصريح أو على الالتزام؟ احتمالان، واستصوب ابن عرفة الثاني منهما كذا في حاشية الأصل.

قوله: [أو قال إن وطئتك فأنت طالق]: حاصله أنه إذا قال لها إن وطئتك فأنت طالق واحدة أو اثنتين وامتنع من وطئها خوفاً من وقوع الطلاق المعلق، فإنه يكون مولياً ويضرب له الأجل من يوم الحلف، ويمكن من وطئها، فإن استمر على الامتناع من وطئها حتى انقضى الأجل طلقت عليه بمقتضى الإيلاء، وإن وطئها طلقت عليه بمقتضى التعليق بأول الملاقاة، وحينئذ فالنزع حرام والاستمرار حرام، فالمخلص له أن ينوي الرجعة ببقية وطئها، ولا فرق في ذلك بين المدخول بها وغيرها كما قال الشارح ومحل تمكينه من وطئها إن نوى ببقية وطئه الرجعة، وإلا فلا يمكن ابتداء من وطئها، لأن نزعه حرام والوسيلة للحرام حرام كما قال (بن) خلافاً لتعميم (عب).

قوله: [وإن كانت غير مدخول بها]: قال في المجموع قيل مشهور مبني على ضعيف من عدم الحنث بالبعض، وإلا بانت لأن الدخول بجميع مغيب الحشفة.

قوله: [وكذا لو كان الثلاث] إلخ: لا مفهوم له، بل المدار على كونه بائناً.

قوله: [قال المصنف وهو الأحسن]: أي لقول ابن القاسم ومالك ينجز عليه الثلاث من يوم الرفع، ولا يضرب له أجل الإيلاء، واستحسنه سحنون وغيره لأنه لا فائدة في ضرب الأجل لحنثه بمجرد الملاقاة وباقي الوطء حرام.

قوله: [أو البيات معها]: الكلام على حذف مضاف أي عدم البيات قوله: [بقدر ما يراه]: أي ولو زاد على أجل الإيلاء.

تنبيه: لا يلزم الرجل إيلاء إن لم يلزمه بيمينه حكم كقوله: كل مملوك أملكه حر إن وطئتك، أو كل درهم أملكه صدقة، أو خص بلداً قبل ملكه منها كقوله: كل مملوك أملكه من البلد الفلانية حر إن وطئتك، ولا يكون مولياً في هذا الأخير إلا إذا ملك من تلك البلد بالفعل قبل الوطء، وإلا فبالوطء ينحل الإيلاء، ويعتق عليه ما ملكه منها، أو حلف لا أطؤك في هذه السنة إلا مرتين فلا يلزمه إيلاء، لأنه يترك وطأها أربعة أشهر، ثم يطأ ثم يترك أربعة أشهر، ثم يطأ فلم يبق إلا أربعة أشهر

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (لأهجُرَنَّها)، ولعلها الصواب.

ص: 479

ثم إن ضرب الأجل للمولي حيث قامت المرأة بحقها في ترك الوطء ورفعته للحاكم (فإن قامت عليه) أي على زوجها ورفعته (تربص له أربعة أشهر) إن كان حراً، (أو شهران [1]) إن كان عبداً وهذا هو الأجل فاليمين على ترك الوطء الذي يضرب لها الأجل لا بد أن تكون بتركه أكثر من أربعة أشهر، ولو بقليل في الحر أو أكثر من شهرين في العبد، والأجل المضروب أربعة فقط في الأول وشهران فقط في الثاني.

(والأجل) المذكور ابتداؤه (من يوم اليمين إن دلت) يمينه (على ترك الوطء) صريحاً إن كانت صريحة في المدة المذكورة نحو: والله لا أطؤها أكثر من أربعة أشهر، أو مدة خمسة أشهر، أو لا أطؤها أبداً أو حتى أموت أو تموتي، أو أطلق كوالله لا أطؤك أي لأن الأبدية تلزمه الأكثرية، أو التزاماً كلا ألتقي معها أو لا أغتسل من جنابة، ولم تحتمل أقل ولم تكن على حنث، بل (وإن احتملت) يمينه [2] (أقل) من المدة المذكورة وأكثر نحو: والله لا يطؤها حتى يقدم زيد من سفره ولا يعلم وقت قدومه، أو حتى يموت زيد فإنها محتملة للأقل والأكثر، فالأجل وقت اليمين (أو كانت على حنث) نحو: والله لا يطؤها إن لم أدخل الدار. فإن لم تدل على ترك الوطء، وإنما استلزمته، وذلك في يمين الحنث، فالأجل من يوم حكم الحاكم وإليه أشار بقوله:(إلا أن تستلزمه) أي لكن إن استلزمت يمينه ترك الوطء، (وهي) أي يمينه منعقدة (على حنث، فمن) يوم (الحكم) عليه بأنه مول يضرب له الأجل أي الأربعة أشهر للحر، أو الشهران للعبد ومثله بقوله:(كإن لم أفعل) كذا نحو إن لم أدخل الدار (فأنت طالق) فهذه يمين حنث ليس فيها ذكر ترك الوطء، بل علق فيها الطلاق على عدم الدخول، (فامتنع عنها) أي عن زوجته أي عن وطئها (حتى يفعل) المحلوف عليه، بأن يدخل الدار ليبر فرفعته للحاكم فأمره بالدخول [3] ليبر فلم يعجل الدخول، فيضرب له الأجل من يوم الحكم عليه، بأنه إن لم يدخل يكون مولياً، وفائدة كون ضرب الأجل في الصريح من وقت اليمين، وفي المستلزمة من يوم الحكم، أنها إن رفعته في الدالة على الترك صريحاً أو التزاماً بعد أربعة أشهر أو شهرين للعبد، لم يضرب له الأجل وإنما يأمره بالفيئة، أو يطلق عليه وإن رفعته بعد شهرين للحر أو شهر للعبد ضرب له شهرين، في الحر وشهراً للعبد وهكذا، وإن رفعته في المستلزمة فمن يوم الرفع ولو تقدم له من وقت التعليق زمن كثير.

والحاصل: أن الحالف على ترك الوطء يسمى مولياً من وقت يمينه، والحلف على شيء اقتضى الترك، فإنما يكون مولياً من وقت الرفع أي الحكم، وما ذكرناه من الأقسام الأربعة هو المنقول المعول عليه في المذهب،

ــ

وهي دون أجل الإيلاء، أو حلف لا يطأ في هذه السنة إلا مرة فلا يلزمه إيلاء حتى يطأ، وتبقى مدة أكثر من أربعة أشهر للحر وشهرين للعبد كذا في الأصل

قوله: [ثم إن ضرب الأجل] إلخ: هذا دخول على المصنف، ولكنه ناقص فكان حقه أن يقول بعد قوله ورفعته للحاكم، وإلى ذلك أشار بقوله:"فإن قامت" إلخ.

قوله: [وهذا هو الأجل]: أي المأخوذ من الآية بطريق النص والقياس، فالنص: الأربعة الأشهر للحر، والقياس: الشهران للعبد.

قوله: [ابتداؤه من يوم اليمين]: هذا في المدخول بها مطيقة، وأما غير المطيقة فالأجل فيها من يوم الإطاقة.

قوله: [إن دلت يمينه على ترك الوطء صريحاً]: من هذا إلى قوله "ولم تحتمل أقل، ولم تكن على حنث" هو القسم الأول من الأقسام الأربعة الآتية، وتحته صورتان: الصراحة والالتزام، وقوله "وإن احتملت يمينه أقل" هذا هو القسم الثاني من الأقسام الأربعة، وتحته صورتان أيضاً: وهو كون اليمين صريحة في ترك الوطء، أو مستلزمة وقوله:"أو كانت على حنث" هذا هو القسم الثالث، وقوله "إلا أن تستلزمه وهي على حنث" هذا هو القسم الرابع وسيأتي إيضاح ذلك.

قوله: [بل وإن احتملت يمينه أقل]: رد بالمبالغة على من يقول إن الأجل في هذه من يوم الحكم، فأفاد أن المعتمد أن الأجل فيها من يوم الحلف كما هو نص المدونة

قوله: [أو كانت على حنث]: أي والموضوع أنها صريحة في ترك الوطء بدليل ما يأتي.

قوله: [وفائدة كون ضرب الأجل في الصريح]: أي وما ألحق به وقوله "وفي المستلزمة" التي على حنث.

قوله: [والحالف على شيء اقتضى الترك]: أي في موضوع صيغة الحنث.

قوله: [وما ذكرناه من الأقسام الأربعة]: أي التي أفادها من قوله والأجل من يوم اليمين إلى هنا، فالقسم الأول: هو الحلف على ترك الوطء صريحاً أو التزاماً، والمدة أكثر من أربعة أشهر صراحة. والقسم الثاني: هو الحلف على ترك الوطء صريحاً أو التزاماً، والمدة محتملة للأكثر والأقل موضوع هذين القسمين البر، بخلاف الأخيرين فموضوعهما الحنث. والقسم الثالث: أن تكون يمينه على حنث وهي صريحة في ترك الوطء. والقسم الرابع كونها على حنث ولم تكن صريحة في ترك الوطء، وإنما استلزمته فأفادك أن الأقسام الثلاثة الأجل فيها من يوم اليمين، وفي القسم الرابع من يوم حكم الحاكم، وإذا تأملت تجد الأقسام الأربعة ترجع إلى صور ست، لأن القسمين الأولين مشتملان على صور أربع، لأن اليمين إما صريحة في ترك الوطء أو مستلزمة، وفي كل إما أن تكون المدة المحلوف على ترك الوطء فيها أكثر من أربعة أشهر صراحة أو احتمالاً

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (أو شهرين).

[2]

ليست في ط المعارف.

[3]

ليست في ط المعارف.

ص: 480

وما اقتضاه كلام الشيخ لا يعول عليه.

وبقي من ظاهر من زوجته بأن قال لها: أنت عليّ كظهر أمي، فامتنع من وطئها حتى يكفر، فرفعته، هل يضرب له الأجل من يوم اليمين أي الظهار؟ وظاهر كلامهم أنه الأرجح وعليه اقتصرت المدونة كما قال الشيخ، ولذا اقتصرنا عليه بقولنا:(والمظاهر إن قدر على التكفير وامتنع) منه فلم يكفر (كالأول) أي كالذي يمينه صريحة في ترك الوطء يضرب له الأجل من وقت الظهار أو كان الثاني يضرب له الأجل من يوم الحكم أو من يوم تبين ضرره وهو يوم الامتناع من التكفير، وعليه تؤولت أقوال، وقوله:"إن قدر" إلخ مفهومه إن عجز عن التكفير لا يكون مولياً وهو كذلك لعذره بالعجز، فيطلق عليه إن أرادت للضرر بلا ضرب أجل بل الاجتهاد.

(كالعبد) يظاهر من زوجته، وكفارته بالصوم فقط (أبى) أي امتنع من (أن يصوم) وهو قادر عليه، (أو منع منه) أي منعه السيد من الصوم (بوجه جائز)، بأن كان صومه يضر بسيده في خدمته أو خراجه، قال في التوضيح عن ابن القاسم: يضرب له أجل الإيلاء إن رفعته، لكن ظاهر قوله:"إن رفعته" أنه يضرب له من يوم الرفع ولما فرغ من الكلام على ما تنعقد به الإيلاء وما لا تنعقد، شرع في الكلام على ما تنحل به إذا انعقدت فقال:(وانحل الإيلاء بزوال ملك من حلف) على ترك الوطء (بعتقه) بأن علق عتق عبده على الوطء، فإذا قال: إن وطئتك فعبدي حر، فإنه إن امتنع من وطئها يكون مولياً والأجل من يوم الحلف لدلالتها على ترك الوطء، فإذا زال ملكه عن العبد بموته أو تنجيز عتقه أو هبته أو بيعه، فإن الإيلاء تنحل عنه، فإن امتنع من وطئها بعد ذلك فمضارر، يطلق عليه إن شاءت للضرر بلا ضرب أجل (إلا أن يعود) العبد (له) أي لملكه (بغير إرث)، فيعود عليه الإيلاء إذا كانت يمينه مطلقة أو مقيدة بزمن، وقد بقي منه أكثر من أربعة أشهر، فلو عاد العبد إليه بإرث فلا تعود عليه الإيلاء؛ لأن الإرث يدخل به العبد في ملك الوارث بالجبر.

(و) انحل الإيلاء (بتعجيل) مقتضى (الحنث) كما لو قال: إن وطئتك فزوجتي فلانة طالق، أو فعلي عتق عبدي فلان، أو التصدق بهذا الدرهم، أو هذا العبد لشيء معين، ثم عجل طلاق الزوجة المذكورة بائناً، أو الصدقة بالشيء المعين، أو عتق العبد المعين، فإنها تنحل يمينه، فقوله:"وبتعجيل الحنث" أي تعجيل ما يقتضيه الحنث لو حنث في يمينه إذ ليس في تعجيل ما ذكر حنث لأن الحنث مخالفة المحلوف عليه.

(و) انحل الإيلاء (بتكفير ما يكفر) من الأيمان وهو اليمين بالله أو صفاته، كما لو قال: والله لا يطؤها خمسة أشهر فكفر عن يمينه قبل وطئه.

(وإلا) تنحل إيلاؤه بوجه مما سبق بأن استمرت منعقدة عليه، (فلها): أي الزوجة إن كانت حرة ولو صغيرة مطيقة لا لوليها،

ــ

ويضم لتلك الأربع الحنث بقسميه فتأمل.

قوله: [وما اقتضاه كلام الشيخ]: أي لقوله: " لا إن احتملت مدة يمينه أقل " فإنه جعل المحتملة المدة اليمين فيها من يوم الحكم مطلقاً، ولم يفصل فيها بين بر وحنث وقد علمت التفصيل فيها

قوله: [أقوال]: أي ثلاثة محلها ما لم يعلق ظهاره على وطئها، وأما لو علق ظهاره على وطئها بأن قال لها: إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي، فإنه يكون مولياً والأجل من يوم اليمين قولاً واحداً، وإذا تم الأجل فلا تطالبه بالفيئة وإنما يطلب منه الطلاق، أو تبقى بلا وطء، فإن تجرأ ووطئ انحلت عنه الإيلاء ولزمه الظهار.

قوله: [لا يكون مولياً]: قيده اللخمي بما إذا طرأ عليه العجز بعد عقد الظهار، أما إن عقده على نفسه مع علمه بالعجز فاختلف، هل يطلق عليه حالاً لقصد الضرر بالظهار، أو بعد ضرب أجل الإيلاء وانقضائه رجاء أن يحدث الله له قدرة على التكفير، أو يحدث لها رأياً بالإقامة معه بلا وطء.

قوله: [أي امتنع من أن يصوم] إلخ: فإن عجز عن الصوم فكالحر لا يدخله إيلاء ولا حجة لزوجته.

قوله: [بوجه جائز] إلخ: مفهومه لو معه بوجه غير جائز فإن الحاكم يرده عنه.

قوله: [بزوال ملك]: وسواء كان زواله اختيارياً للحالف أم لا كبيع السلطان له في فلسه.

قوله: [بموته] إلخ: مثله البيع لأن المدار على زوال الملك عنه.

قوله: [فيعود عليه الإيلاء]: أي سواء كانت يمينه صريحة أو محتملة على المذهب، وسواء عاد لملكه كلاً أو بعضاً، فلو عاد ملكه لبعضه وقلتم بعود الإيلاء وطولب بالفيئة، ووطئ عتق عليه ما ملكه منه وقوم عليه باقيه إن كان موسراً.

قوله: [فلو عاد العبد إليه بإرث]: أي كله أو بعضه بالإرث فقط، وأما عود بالإرث وبعضه بغيره فكعوده كله بغير إرث فيعود الإيلاء.

قوله: [أي تعجيل ما يقتضيه الحنث]: أو يراد بالحنث هنا ما يوجبه الحنث كالعتق والطلاق.

قوله: [وهو اليمين بالله]: أي مثله النذر المبهم كقوله إن وطئتك فعلي نذر.

قوله: [ولو صغيرة]: أي أو سفيهة أو مجنونة فلها المطالبة حال إفاقتها، ولا يثبت لها طلب في حال جنونها، ومثلها المغمى عليها وليس لوليهما كلام حال الإغماء أو الجنون، بل تنتظر إفاقتهما.

ص: 481

(ولسيدها) إن كانت أمة لأن له حقاً في الولد (المطالبة بعد) مضي (الأجل بالفيئة: وهي تغييب الحشفة في القبل [1]) ولما كان تغييبها قد لا يزيل البكارة في البكر وهو غير كاف قال: (وافتضاض البكر) فلا فيئة بدونه، وإن حنث في يمينه (إن حل) تغييب الحشفة أي: أن شرط الوطء الكافي أن يكون حلالاً فلا يكفي الحرام كما في الحيض والإحرام، فيطلب بالفيئة بعد زوال المانع، وإن حنث بالحرام فيلزمه الكفارة ولا تنحل الإيلاء، (ولو) كان تغييب الحشفة في القبل وافتضاض البكر (من مجنون) فإنه كاف في انحلال الإيلاء، بخلاف جنونها.

(فإن امتنع) من وطئها بعد أن طلبته هي أو سيدها (طلق عليه بلا تلوم) بعد أن يأمره الحاكم بالطلاق فيمتنع، (وإلا) يمتنع بأن وعد بالفيئة أي ولم يف (اختبر المرة فالمرة) إلى ثلاث، (فإن لم يف أمر بالطلاق) فإن طلق فواضح (وإلا) يطلق (طلق عليه وصدق) في الوطء (إن ادعاه) وخالفته (بيمين فإن نكل حلفت) أنه لم يف (وبقيت على حقها) من الطلب، فإن لم تحلف بقيت زوجة كما لو حلف، ومحل كون الفيئة مغيب الحشفة في القبل مع الافتضاض في البكر، إنما هو في غير المريض والمحبوس والغائب، ومن يمتنع وطؤها شرعاً لحيض ونفاس ونحوهما.

(وفيئة المريض والمحبوس ونحوهما) إنما تكون (بما تنحل به) الإيلاء من زوال ملك وتكفير ما يكفر، وتعجيل مقتضى الحنث (فإن لم يمكن انحلالها) بما ذكر (كطلاق فيه رجعة) وهو غير البائن (فيها) أي في المولي منها (أو في غيرها) كقوله: إن وطئتك فأنت طالق واحدة أو اثنتين، أو إن وطئتك ففلانة طالق كذلك، فلا يمكن انحلالها بطلاقها رجعياً، لأنه لو طلقها كذلك فاليمين منعقدة عليه؛ لأن الرجعية زوجة يلزمه طلاقها طلقة أخرى فلا فائدة في تعجيل الطلاق قبل الحنث، وكذا إن طلق ضرتها طلاقاً رجعياً ثم وطئها فإنه يلزمه في ضرتها طلقة ثانية، ومثل ذلك لو قال إن وطئتك فعليّ عتق رقبة غير معينة أو صدقة بدينار، فلا يمكن انحلالها بعتق رقبة أو صدقة بدينار قبل الحنث؛ إذ لو أعتق عبداً أو تصدق بدينار ثم وطئ لزمه عتق رقبة أخرى وصدقة بدينار آخر، فالفيئة في ذلك كله تكون بالوعد بالوطء إذا زال مانع المرض أو السجن أو نحوهما، لا بالوطء لتعذره بالمرض أو السجن، ولا بالطلاق الرجعي، ولا عتق غير المعين، ولا الصدقة بغير معين إذ لو فعل ذلك للزمه مرة أخرى، فلا فائدة في فعله كما تقدم، وكذا صوم غير معين أو صوم زمن معين كرجب ولم يأت زمنه، فإنه إن صام قبل مجيء زمنه ثم وطئ لزمه صومه إذا جاء زمنه، وإلى ذلك كله أشار بقوله:(و) مثل (صوم) معين (لم يأت زمنه، وعتق أو نحوه) كصدقة وصوم وحج (غير معين) راجع لعتق وما بعده، وقوله:(فالوعد) جواب الشرط أي فالفيئة في ذلك الوعد لا الوطء لتعذره، ولا الطلاق الرجعي وما بعده للزوم آخر، إن فعل كما تقدم (ولها) أي الزوجة (القيام عليه) أي على زوجها، وطلب الفيئة أو الطلاق إن لم يف (إن رضيت به) أي بزوجها،

ــ

قوله: [ولسيدها]: أي وكذا لها لأن الحق في الوطء لها وفي الولد للسيد لقول ابن عرفة الباجي عن أصبغ: فلو ترك سيدها وقفه، فهل لها وقفه؟ وسمع عيسى ابن القاسم لو تركت الأمة وقف زوجها المولي كان لسيدها وقفه اهـ. وهذا كله إذا كان يرجى منها ولد، أما إن كان لا يرجى كان لها الحق خاصة.

قوله: [وهي تغييب الحشفة]: أي كلها أو قدرها ممن لا حشفة له، وقوله "في القبل" أي في محل البكارة لا محل البول، وهل يشترط الانتشار أو لا يشترط؟ المأخوذ من كلام ابن عرفة عدم اشتراطه، قال بعض الأشياخ: ينبغي اشتراطه كالتحليل لعدم حصول مقصودها الذي هو إزالة الضرر بدونه، والظاهر الاكتفاء بالانتشار ولو داخل الفرج، وعدم الاكتفاء بتغييبها مع لف خرقة تمنع اللذة أو كمالها. قوله:[في القبل]: أي لا في الدبر ولا بين الفخذين. قوله: [وإن حنث في يمينه]: أي لأن الحنث يحصل بأدنى سبب.

قوله: [فيلزمه الكفارة ولا تنحل الإيلاء]: أي لا يلزم من حنثه ولزوم الكفارة له انحلال يمينه، لأن حل الإيلاء بالوطء شرطه أن يكون حلالاً، فإن كان الوطء حراماً حصل الحنث ولا تنحل الإيلاء، لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً فما هنا يقيد ما تقدم في قوله:"وتكفير ما يكفر".

قوله: [من مجنون]: ما ذكره من أن وطء المجنون في حال جنونه فيئة تنحل به الإيلاء هو الذي نص عليه ابن المواز، وأصبغ وابن رشد، واللخمي وعبد الحق خلافاً لابن شاس وابن الحاجب

قوله: [بخلاف جنونها]: أي فإن وطأها في حالته لغو لا تنحل به الإيلاء وإن حنث في اليمين.

قوله: [طلق عليه بلا تلوم]: أي ويجري هنا القولان السابقان في امرأة المعترض من كونه يطلق الحاكم أو يأمرها به، ثم يحكم.

قوله: [اختبر]: أي يؤخره الحاكم المرة بعد المرة ويكون اختبار المرات الثلاث في يوم واحد.

قوله: [حلفت]: أي إن كانت بالغة عاقلة، وأما إن كانت مجنونة أو صغيرة سقطت عنها اليمين وطلقت

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (قبل).

ص: 482