الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحذير والإغراء:
إيَّاكَ والشَّرَّ ونَحوَهُ نَصَبْ
…
مُحَذِّرٌ بما استِثارُهُ وَجَبْ
ــ
والخبر محذوف والتقدير أيها الرجل المخصوص أنا المذكور.
خاتمة: الأكثر في المختص أن يلي ضمير متكلم كما رأيت، وقد يلي ضمير مخاطب كقولهم بك الله نرجو الفضل، وسبحانك الله العظيم، ولا يكون بعد ضمير غائب.
التحذير الإغراء:
التحذير تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليجتنبه والإغراء تنبيهه على أمر محمود
ــ
المخصوص به" تفسير للضمير أعني هو والضمير في به يرجع إلى الفعل المفهوم من إفعل كذا قوله: "أنا المذكور" خبر عن أيها ولا حاجة إلى زيادة قوله المذكور. قوله: "أن يلي ضمير متكلم" ولا يجوز أن يتقدم على الضمير كما قاله السيوطي وغيره. قوله: "ولا يكون بعد ضمير غائب" ولا بعد اسم ظاهر فلا يجوز بهم معشر العرب ختمت المكارم ولا بزيد العالم تقتدي الناس. تصريح.
التحذير والإغراء:
قال في النكت: جمعهما في باب واحد لاستواء أحكامهما وكان ينبغي تقديم الإغراء على التحذير؛ لأن الإغراء هو الأحسن معنى وعادة النحويين البداءة به كما يقولون نعم وبئس وتقول الناس الوعد والوعيد والثواب والعقاب ونحو: ذلك ولا ترى طباعهم العكس ا. هـ. ولك أن تقول إنما قدموا التحذير؛ لأنه من قبيل التخلية والإغراء من قبيل التحلية ثم هما وإن تساويا حكمًا مفترقان معنى فالإغراء التسليط على الشيء والتحذير الإبعاد عنه. ويشتمل التحذير على محذر بكسر الذال وهو المتكلم ومحذر بفتحها وهو المخاطب ومحذر منه وهو الشر مثلًا كذا في الغزي ومثله يجري في الإغراء. وقوله: وهو المخاطب اقتصر عليه مع أنه قد يكون المتكلم والغائب؛ لأن تحذيرهما شاذ كما سيأتي. قال شيخ الإسلام: التحذير يكون بثلاثة أشياء بإياك وأخواتها وبما ناب عنهما من الأسماء المضافة إلى ضمير المخاطب نحو: نفسك وبذكر المحذر منه نحو: الأسد وسيأتي بيانها في كلامه.
قوله: "تنبيه المخاطب" اقتصر على المخاطب مع أن التحذير يكون لغيره؛ لأن تحذيره هو الكثير المقيس فقصد الشارح تعريف هذا النوع منه فقط. قوله: "على أمر مكروه" ولو في زعم المحذر فقط أو المخاطب فقط. أفاده سم. قوله: "ليجتنبه إلخ" بقي تنبيه المخاطب على أمر مذموم ليفعله وتنبيهه على أمر محمود ليجتنبه، والظاهر عندي أن الأول من الإغراء والثاني من التحذير، وإنما لم يذكرهما الشارح؛ لأنهما لا ينبغي صدورهما من العاقل. بقي أن تعريف التحذير يشمل نحو: لا تؤذ أخاك ولا تعص الله، وظاهر ما نقلناه قريبًا عن شيخ الإسلام خلافه وتعريف الإغراء يشمل نحو: أحسن إلى أخيك وأطع الله واصبر، وفي كون كل ذلك ونحوه يسمى إغراء
ودونَ عَطفٍ ذا لإيَّا انسُبْ وما
…
سواهُ سَتْرُ فِعلِهِ لن يَلزما
ــ
ليفعله، وإنما ذكر ذلك بعد باب النداء؛ لأن الاسم في التحذير والإغراء مفعول به بفعل محذوف ولا يجوز إظهاره كالمنادى على تفصيل يأتي.
واعلم أن التحذير على نوعين: الأول أن يكون بإياك ونحوه. والثاني بدونه: فالأول يجب ستر عامله مطلقًا كما أشار إليه بقوله: "إياك والشر ونحوه" أي: نحو: إياك، كإياك وإياكما وإياكم وإياكن "نصب محذر بما" أي: بعامل "استتاره وجب" لأنه لما كثر التحذير بهذا اللفظ جعلوه بدلًا من اللفظ بالفعل، والأصل احذر تلاقي نفسك والشر، ثم حذف الفعل وفاعله ثم المضاف الاول وأنيب عنه الثاني فانتصب، ثم الثاني وأنيب عنه الثالث فانتصب وانفصل
ــ
اصطلاحًا بعد. فتأمل. قوله: "محمود" فيه ما مر في نظيره وكان الأحسن في المقابلة أن يعبر بالمكروه والمحبوب أو بالمذموم والمحمود.
قوله: "بعد باب النداء" أي: حقيقة أو صورة ليشمل الاختصاص. قوله: "على تفصيل يأتي" حاصله أن محل الوجوب إذا كان التحذير بإيا ونحوه أو بغيره مع العطف أو التكرار. قوله: "يجب ستر عامله" أي: حذفه. قال البعض: مقدرًا بعد إياك إذ لا يتقدم الفعل مع انفصال الضمير وفيه أنهم ذكروا من أسباب الانفصال حذف الفعل وتأخره ولا مانع أن يكون سببه هنا الحذف، بل صرح به بعضهم فالفعل المقدر يجوز تقدمه مع انفصال الضمير وما ذكره من عدم جواز تقدمه مع انفصال الضمير، إنما هو في الفعل الملفوظ به فما علل به تقدير الفعل بعد إياك لا ينهض. والتعليل الصحيح ما في الدماميني ونصه: تقدير الفعل بعد إياك واجب إذ لو قدر مقدمًا للزم أن يكون أصله باعدك أي: باعد أنت إياك فيلزم تعدي الفعل الرافع لضمير الفاعل إلى ضميره المتصل وذلك خاص بأفعال القلوب وما حمل عليها ا. هـ. ثم يؤخذ من التعليل ما أفاده صنيع التصريح وصرح به شيخنا السيد من أن وجوب تقديره بعد إياك، إنما هو على جعل الأصل إياك باعد عن الأسد والأسد عنك. وأما على جعل الأصل احذر تلاقي نفسك والأسد وهو ما مشى عليه الشارح والموضح فلا يجب تقديره بعد إياك لانتفاء المحذور المذكور نظرًا إلى أن المفعول في الحقيقة تلاقي لا الضمير. هذا تحقيق المقام فاحتفظ عليه والسلام. فإن قلت المعطوف في حكم المعطوف عليه وإياك محذر والأسد محذر منه وهما متخالفان فكيف جاز العطف فالجواب أنه لا يجب مشاركة الاسم المعطوف للمعطوف عليه إلا في الجهة التي انتسب بها المعطوف عليه إلى عامله وهي هنا كونه مفعولًا به أي: مباعدًا وكذا الأسد مباعد إذ المعنى إياك باعد وباعد الأسد كما مر.
قوله: "مطلقًا" أي: سواء كان مع عطف أو تكرار أولًا. قوله: "جعلوه" أي: هذا اللفظ بدلًا أو عوضًا من اللفظ أي: من التلفظ بالفعل أي: ولا يجمع بين العوض والمعوض. قوله: "وأنيب عنه الثالث" ليس الثالث صفة لمحذوف تقديره المضاف الثالث وإن أوهمته عبارته إذ ليس ثم مضاف ثالث بل الثالث مضاف إليه فيجعل صفة لمحذوف تقديره الاسم الثالث. قوله: "فانتصب وانفصل" أي: بعد أن كان مجرورًا متصلًا. قوله: "ودون عطف" دون ظرف لغو متعلق بانسب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
"ودون عطف ذا" الحكم أي: النصب بعامل مستتر وجوبًا "لإيا انسب" سواء وجد تكرار كقوله:
971-
فإيَّاكَ إيَّاكَ المراءَ فإنَّهُ
…
إلى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وللشرِّ جالِبُ
أم لم يوجد نحو: إياك من الأسد، والأصل باعد نفسك من الأسد، ثم حذف باعد وفاعله والمضاف، وقيل التقدير أحذرك من الأسد، فنحو: غياك الأسد ممتنع على التقدير الأول وهو قول الجمهور، وجائز على الثاني وهو رأي الشارح وظاهر كلام التسهيل ويعضده البيت. ولا خلاف في جواز إياك أن تفعل لصلاحيته لتقدير من. قال في التسهيل: ولا يحذف يعني العاطف بعد إيا إلا والمحذوف منصوب بإضمار ناصب
ــ
وكذا قوله: لإيا وذا مفعول مقدم لانسب.
قوله: "والأصل" أي: أصل إياك من الأسد باعد نفسك إلخ. حاصله أنه إذا ذكر المحذر منه بلا عطف فعند الجمهور يتعين جره بمن بناء على أن العامل عندهم في إياك باعد؛ لأنه لا يتعدى إلى الثاني بنفسه وأما البيت فعلى حذف الجار ضرورة وعند ابن الناظم يجوز نصبه ولا تتعين من كما في البيت بناء على أن العامل عنده في إياك احذر ونحوه مما يتعدى إلى اثنين بنفسه كجنب، وعند الناظم على ما يؤخذ من التسهيل إما أن يجر بمن أو ينصب بفعل محذوف آخر تقديره دع أو نحوه ويجوز إظهاره، وأما نحو: إياك أن تفعل فجائز عند الجميع. قوله: "وقيل التقدير أحذرك من الأسد" لأن احذر يتعدى بمن كما يتعدى بنفسه. قال الحفيد: والحق أن يقال لا يقتصر على تقدير باعد ولا على تقدير احذر بل الواجب تقدير ما يؤدي الغرض إذ المقدر ليس أمرًا متعبدًا به لا يعدل عنه. قوله: "ممتنع على التقدير الأول" لأن باعد لا يتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه كما مر وجعله منصوبًا بنزع الخافض والأصل من الأسد يرده أنه سماعي إلا مع إن وأن. ومحل الامتناع إذا لم يضمن معنى فعل يتعدى إلى مفعولين بنفسه كجنب وحذر وإلا جاز. قوله: "وهو قول الجمهور" مرجع الضمير الامتناع المفهوم من ممتنع.
قوله: "وجائز على الثاني" لأن احذر يتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه كما يتعدى إليه بمن كما مر وينبني أيضًا على التقديرين أن الكلام على الأول انشائي وعلى الثاني خبري. قوله: "وظاهر كلام التسهيل" اعترضه شيخنا والبعض بأن مفاد ما سينقله عن التسهيل أن نصب الثاني بعامل آخر لا بناصب الأول، ولك دفعه بجعل الضمير في قوله: وهو رأي الشارح وظاهر كلام التسهيل إلى مجرد جواز النصب وإن اختلف تخريجه. قوله: "لصلاحيته لتقدير من" تعليل لجوازه
971- البيت من الطويل، وهو للفضل بن عبد الرحمن في إنباه الرواة 4/ 76؛ وخزانة الأدب 3/ 63؛ ومعجم الشعراء ص310؛ وله للعرزمي في حماسة البحتري ص253؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص686؛ وأوضح المسالك 3/ 336؛ والخصائص 3/ 102؛ ورصف المباني ص137؛ وشرح التصريح 2/ 128؛ وشرح المفصل 2/ 25؛ والكتاب 1/ 279؛ وكتاب اللامات ص70؛ ولسان العرب 15/ 441 "أيا"؛ ومغني اللبيب ص679؛ والمقاصد النحوية 4/ 113، 308؛ والمقتضب 3/ 213.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
آخر أو مجرور بمن وتقديرها مع أن تفعل كاف.
تنبيهان: الأول ما قدمته من التقدير في إياك والشر هو ما اختاره في شرح التسهيل وقال: إنه أقل تكلفًا وقيل الأصل اتق نفسك أن تدنو من الشر والشر أن يدنو منك، فلما حذف الفعل استغنى عن النفس فانفصل الضمير، وهذا مذهب كثير من النحويين منهم السيرافي واختاره ابن عصفور. وذهب ابن طاهر وابن خروف إلى أن الثاني منصوب بفعل آخر مضمر فهو عندهما من قبيل عطف الجمل. الثاني حكم الضمير في هذا الباب مؤكدًا
ــ
على التقدير الأول وترك تعليله على الثاني لظهوره. قوله: "بإضمار ناصب آخر" فالتقدير في إياك الشر باعد كودع الشر. ومن كلام التسهيل هذا تعلم موافقة الناظم الجمهور في تقديرهم عامل إياك باعد إذ لو قدره الناظم احذر لم يحتج إلى تقدير ناصب آخر للشر كما فهم.
قوله: "وقيل الأصل اتق نفسك إلخ" وقيل الأصل باعد نفسك من الشر والشر منك وهو أقل تكلفًا من كون الأصل اتق نفسك إلخ، لا من كون الأصل احذر تلاقي نفسك والشر وبهذا القول صارت الأقوال في إياك والشر أربعة. قوله:"أن تدنو من الشر" بدل اشتمال. قوله: "والشر أن يدنو منك" وقد حصل الواجب من اشتراك المتعاطفين في معنى العامل وهو الاتقاء فلا يقال كيف تعاطفا، وأحدهما محذر والآحر محذر منه. قوله:"فانفصل الضمير" ويقدر الفعل بعده لا قبله وإلا كان الأصل أي: الثاني اتقك فيلزم تعدي الفعل الرافع لضمير الفاعل إلى ضميره المتصل وذلك خاص بأفعال القلوب وما حمل عليها ا. هـ. سم وقد يقال هلا نظر إلى كون الفعل إنما تعدى في الحقيقة إلى نفس المقدرة لا إلى الكاف كما مر نظيره إلا أن يفرق بأن المقدر هنا عين الضمير في المعنى بخلاف المقدر في النظير المار وكل هذا يجري في قوله سابقًا نحو: إياك من الأسد والأصل باعد نفسك من الأسد إلخ فتنبه.
قوله: "بفعل آخر مضمر" تقديره ودع الشر مثلًا. قوله: "حكم الضمير في هذا الباب" أراد بالضمير ما يشمل الضمير المنفصل البارز المنصوب والضمير المتصل المستتر المرفوع المنتقل إلى إياك بعد حذف الفعل. وقوله: حكمه في غيره قال الدماميني: فإذا قلت إياك فعندنا ضميران أحدهما هذا البارز المنفصل المنصوب وهو إياك والآخر ضمير رفع مستكن فيه منتقل إليه من الفاعل الناصب له، فإذا أكدت إياك قلت إياك نفسك وأنت بالخيار في تأكيده بأنت قبل النفس، وإن أكدت ضمير الرفع المستكن فيه قلت إياك أنت نفسك ولا بد من تأكيده بأنت قبل النفس حينئذٍ، وأما العطف فتقول في العطف على إياك إياك وزيدًا والشر وإن شئت قلت إياك أنت وزيدًا والشر، وتقول إن عطفت على المرفوع إياك أنت وزيد ويقبح بدون تأكيد أو فاصل على ما تقدم ا. هـ. قال شيخنا والبعض: وهذا مبني على انتقال الضمير من الفعل إلى إياك ونحوه، وهو خلاف ما تقدم في الشرح في قوله: ثم حذف الفعل وفاعله وعليه فليس معنا إلا ضمير واحد. وأجاب شيخنا السيد بأن حذف الفاعل أولًا مع فعله لا ينافي عوده ثانيًا عند مجيء ما يستكن فيه وهو إياك إذ هو في وقت حذفه لم يكن وهذا كله ظاهر على ما في كثير من النسخ من رفع زيد في قوله
إلا مَعَ العَطفِ أو التَّكرارِ
…
كالضَّيغمِ يا ذا السَّارِي
ــ
أو معطوفًا عليه حكمه في غيره نحو: إياك نفسك أن تفعل، وإياك أنت نفسك أن تفعل، وإياك وزيدًا أن تفعل، وإياك أنت وزيدًا أن تفعل "وما سواه" أي: ما سوى ما بإيا وهو النوع الثاني من نوعي التحذير. "ستر فعله لن يلزما إلا مع العطف" سواء ذكر المحذر نحو: ماز رأسك والسيف أي: يا مازن ق رأسك واحذر السيف، أم لم يذكر نحو:{نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13]، "أو التكرار" كذلك "كالضيغم الضيغم" أي: الأسد الأسد "يا ذا الساري" ونحو: رأسك رأسك جعلوا العطف والتكرار كالبدل من اللفظ بالفعل، فإن لم يكن عطف ولا تكرار جاز ستر العامل وإظهاره، تقول نفسك الشر أي: جنب نفسك الشر، وإن شئت أظهرت، وتقول الأسد أي: احذر الأسد، وإن شئت أظهرت. ومنه قوله:
972-
خَلِّ الطريقَ لمن يَبْنِي المَنارَ بِهِ
ــ
وإياك أنت وزيد أن تفعل أما على ما في بعضها من نصبه فالمراد بالضمير الضمير البارز فقط، وبحكمه جواز الفصل بأنت بينه وبين تأكيده ومعطوفه وترك الفصل، وحينئذٍ فلا اعتراض على الشارح أصلًا فاعرف ذلك.
قوله: "إلا مع العطف" أي: بالواو فقط كما يأتي. قوله: "سواء ذكر المحذر" بفتح الذال المعجمة. قال شيخنا: الظاهر أن مراده به المخاطب كما زمن ماز رأسك والسيف وذا الساري من الضيغم الضيغم يا ذا الساري لكن هذا خلاف ما اصطلحوا عليه من أن المحذر بفتح الذال الاسم المنصوب بفعل محذوف أو مذكور على التفصيل المعلوم من إيا أو ما جرى مجراه، وعليه قول المصنف: وكمحذر إلخ والدليل على أن مراده المخاطب أنه مثل لما لم يذكر فيه المحذر بناقة الله وسقياها مع أنه يصدق عليه أنه اسم منصوب إلخ ا. هـ. وتمثيله بقوله: كماز إلخ يشعر بأن المراد المخاطب بالنداء لا بالكاف فيكون نحو: رأسك رأسك مثالًا لما لم يذكر فيه المحذر. وقد علم من ذلك أن قول المصنف يا ذا الساري ليس تكملة بل من جملة المثال.
قوله: "أي: يا مازن ق رأسك واحذر السيف" هلا جعل تقديره كهو في إياك والشر أي: احذر تلاقي رأسك والسيف. قوله: "ناقة الله وسقياها" فيه ذكر المحذر منه مع العطف. قال البيضاوي: أي: ذروا ناقة الله وسقياها فلا تذودوها عنها. قال الشيخ: زاده في حاشيته عليه هذا إشارة إلى أن ناقة الله منصوب بعامل مضمر على التحذير وإضمار الناصب هنا واجب لمكان العطف ا. هـ. قوله: "كذلك" أي: سواء ذكر المحذر أولا. قوله: "ونحو: رأسك رأسك" فيه تنبيه على أنه قد يكتفي بذكر المحذر عن ذكر المحذر منه كعكسه.
قوله: "ومنه" أي: من الإظهار. قوله: "خل الطريق" الشاهد فيه حيث أظهر العامل؛ لأن المحذر منه وهو الطريق خال من التكرار والعطف. تصريح. والمنار بفتح الميم والنون حدود
972- عجزه:
وابُرز ببرزَةَ حيث اضطركَ القَدَرُ
والبيت من البسيط، وهو لجرير في ديوانه 1/ 211؛ وشرح التصريح 2/ 195؛ والصاحبي في فقه اللغة ص186؛ والكتاب 1/ 254؛ ولسان العرب 5/ 310 "برز"؛ والمقاصد النحوية 4/ 307؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 78 والرد على النحاة ص75؛ وشرح المفصل 2/ 30.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيهات: الأول أجاز بعضهم إظهار العامل مع المكرر، وقال الجزولي: يقبح ولا يمتنع. الثاني: شمل قوله إلا مع العطف أو التكرار الصور الأربع المتقدمة، وكلامه في الكافية يشعر بأن الأخيرة منها -وهي رأسك رأسك- يجوز فيها إظهار العامل فإنه قال:
ونحو رأسك كإياك جعل
…
إذ الذي يحذر معطوفًا وصل
وقد صرح ولده بما تقدم. الثالث: العطف في هذا الباب لا يكون إلا بالواو وكون ما بعدها مفعولًا معه جائز فإذا قلت إياك وزيدًا أن تفعل كذا صح أن تكون الواو واو مع "وشذ" التحذير بغير ضمير المخاطب نحو: "إياي" في قول عمر رضي الله عنه: لتذك لكم الأسل والرماح والسهام، وإياي وأن يحذف أحدكم الأرنب، والأصل إياي باعدوا عن حذف
ــ
الأرض ويوجد في بعض النسخ تمام البيت وهو:
وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر
أي: في برزة وهي الأرض الواسعة. قوله: "ونحو: رأسك كإياك جعل إلخ" يعني أن رأسك إنما يكون كإياك في وجوب ستر عامله حيث عطف عليه المحذور فمفهومه أنه حيث لم يعطف عليه لا يكون كإياك ولو حصل تكرار وهذا وجه الإشعار الذي ذكره، واعترض البعض على الشارح بأن في كلامه قصورًا؛ لأن كلام الكافية يشعر بجواز الإظهار في الثالثة أيضًا إذ ليس في كلامها تقييد بحذف المحذر أي: المخاطب ا. هـ. وأقول إذا أحسنت التأمل في كلام الكافية وجدته مشعرًا بجواز الإظهار في بعض أفراد الرابعة وبعض أفراد الثالثة لا في جميع أفرادهما؛ لأن المراد بنحو: رأسك كل ما كان التحذير فيه بذكر غير المحذر منه أولًا بقرينة قوله إذ الذي يحذر إلخ سواء ذكر المخاطب أولًا وحينئذٍ يفيد كلامها أنه إذا قيل رأسك رأسك أو رأسك رأسك يا زيد حاز إظهار العامل لعدم عطف المحذر منه والأول من أفراد الرابعة والثاني من أفراد الثالثة، ولا تعرض في كلامها منطوقًا ولا مفهومًا لحكم ما إذا قيل الضيغم الضيغم وهو من أفراد الرابعة أو الضيغم الضيغم يا ذا الساري وهو من أفراد الثالثة؛ لأن فرض كلامها فيما إذا كان التحذير بذكر غير المحذر منه أولًا والتحذير في هذين المثالين بذكر المحذر منه أولًا فلم يتم إطلاق الشارح ولا إطلاق البعض فافهم.
قوله: "بما تقدم" أي: من وجوب ستر العامل في الصور الأربع. قوله: "وكون ما بعدها إلخ" وعليه فالحذف حائز لا واجب لعدم العطف قاله الدماميني. قوله: "لتذك" من التذكية. والأسل بفتح الهمزة والسين المهملة مارقّ من الحديد كالسيف والسكين. تصريح. قوله: "والأصل إياي باعدوا عن حذف الأرنب إلخ" هذا قول الجمهور وقال الزجاج: التقدير: إياي وحذف الأرنب
وشَذَّ إيَّاي وإيَّاهُ أَشَذّ
…
وعن سَبيلِ القصدِ من قاسَ انْتَبَذْ
وكمُحذَّرٍ بلا إيَّا اجْعلا
…
مُغَرًى به في كل ما قد فُصِّلا
ــ
الأرنب، وباعدوا أنفسكم عن أن يحذف أحدكم الأرنب. ثم حذف من الأول المحذور ومن الثاني المحذر، ومثل إياي إيانا "وإياه" وما أشبهه من ضمائر الغيبة المنفصلة "أشذ" من إياي كما في قول بعضهم: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب، والتقديرك فليحذر تلاقي نفسه وأنفس الشواب، وفيه شذوذان: مجيء التحذير فيه للغائب وإضافة إيا إلى ظاهر وهو الشواب، ولا يقاس على ذلك كما أشار إلى ذلك بقوله:"وعن سبل القصد من قاس انتبذ" أي: من قاس على إياي وإياه وما أشبههما فقد حاد عن طريق الصواب ا. هـ.
تنبيه: ظاهر كلام التسهيل أنه يجوز القياس على إياي وإيانا فإنه قال: ينصب محذر إياي وإيانا معطوفًا عليه المحذور فلم يصرح بشذوذ وهو خلاف ما هنا "وكمحذر بلا إيا اجعلا مغرى به في كل ما قد فصلا" من الأحكام، فلا يلزم ستر عامله إلا مع العطف، كقوله: المروءة والنجدة بتقدير الزم، أو التكرار كقوله:
ــ
وإياكم أن يحذف أحدكم الأرنب فحذف من كل من الجملتين ما أثبت نظيره في الأخرى فيكون احتباكًَا كذا في السندوبي والاحتباك موجود على قول الجمهور أيضًا فتضعيف قول الجمهور بأن فيه الحذف من الأوّل لدلالة الثاني وهو قليل يجري مثله في قول الزجاج، ويزيد بأن فيه ادعاء حذف إياكم وحذفها لا يليق لما استقر لها في هذا الباب من أنها بدل من اللفظ بالفعل.
قوله: "ثم حذف من الأوّل المحذور" وهو حذف الأرنب ومن الثاني المحذر وهو أنفسكم. وقول البعض تبعًا للتصريح وهو باعدوا أنفسكم فيه تساهل. قوله: "وإيا الشواب" بشين معجمة وآخره موحدة جمع شابة ويروى بسين مهملة آخره مثناة فوقية جمع سوأة. قوله: "والتقدير فليحذر تلاقي نفسه وأنفس الشواب" أي: فحذف الفعل مع فاعله ثم تلاقي ثم نفس فانفصل الضمير وانتصب وأقام إيا مقام أنفس. قوله: "وفيه شذوذان" بل ثلاثة ثالثها اجتماع حذف الفعل وحذف لام الأمر كما في التوضيح. وظهر لي رابع وهو جعل إيا محذرًا منه، ثم رأيت في الهمع خلافه حيث ذكر أن المحذر منه يكون ضمير غائب معطوفًَا على المحذر واستشهد بقول الشاعر:
فلا تصحب أخا الجهل
…
وإياك وإياه
وذكر الرضي أن المحذور منه المكرر يكون ظاهرًا نحو: الأسد الأسد وسيفك سيفك، ومضمرًا نحو: إياك إياك وإياه إياه وإياي إياي. قوله: "وإضافة إيا إلى ظاهر" يقتضي أن إيا في نحو: إياه مضافة للهاء مع أنها حرف غيبة والضمير إيا وهو غير مضاف فلعل ما ذكره قول، أو أراد بالإضافة الربط والتعلق ا. هـ سم وقد يمنع الاقتضاء وما ترجاه هو الواقع كما مر في باب الضمير. قوله:"مغري به" ولا يكون الإغراء إلا للمخاطب وقيل جاء قليلًَا للغائب نحو: فعليه بالصوم وللمتكلم نحو: عليّ زيدًا. وأول فعليه بالصوم بأن الأمر للمخاطب أي: ألزموه الصوم أو دلوه عليه مثلًَا أفاده سم أي: وكذا يؤول عليّ زيدًَا أي: ألزموني زيدًا ونحو: ذلك وسيأتي في الباب الآتي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
973-
أخاكَ أخاكَ إنْ من لا أخا له
…
كساعٍ إلى الهَيجا بغير سِلاح
وإنَّ ابنَ عمِّ المَرءِ فاعْلَمْ جَناحُهُ
…
وهل يَنْهضُ البازي بغيرِ جَناح
أي: الزم أخاك. ويجوز إظهار العامل في نحو: الصلاة جامعة إذ الصلاة نصب على الإغراء بتقدير احضروا، وجامعة حال، فلو صرحت باحضروا جاز.
تنبيه: قد يرفع المكرر في الإغراء والتحذير كقوله:
974-
إنَّ قومًا منهم عُميرٌ وأَشْبا
…
هُ عُميرٍ ومنهم السَّفاحُ
لجديرونَ بالوفاءِ إذا قا
…
لَ أخو النجدَةِ السِّلاحُ السلاحُ
وقال الفراء في قوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13] : نصب الناقة على التحذير، وكل تحذير فهو نصب، ولو رفع على إضمار هذه لجاز فإن العرب قد ترفع ما فيه معنى التحذير ا. هـ.
خاتمة: قال في التسهيل: ألحق بالتحذير والإغراء في التزام إضمار الناصب مثل وشبهه نحو: كليهما وتمرًا. وامرأ ونفسه. والكلاب على البقر. وأحشفا وسوء كيلة. ومن
ــ
كلام آخر في قوله فعليه بالصوم. قوله: "والنجدة" بفتح النون أي: الشجاعة. قوله: "نصب على الإغراء إلخ" ويجوز رفعهما على الابتداء والخبر ورفع الأول على الابتداء مع حذف الخبر أو على الخبرية لمحذوف، ونصب جامعة على الحالية ونصب الأول على الإغراء ورفع الثاني على الخبرية لمحذوف.
قوله: "قد يرفع المكرر إلخ" مثل المكرر المتعاطفان كما أشار إليه بنقل كلام الفراء. قوله: "مثل وشبهه" قال البعض: لم يمثل لشبه المثل ومثاله انتهوا خيرًا لكم ا. هـ. وفي كلام شيخنا السيد ما يرده حيث قال: قوله: وامرأ ونفسه هذا من شبه المثل كما في الدماميني وكذا عذيرك وديار الأحباب وإن تأتني فأهل الليل وأهل النهار ومرحبًا وأهلًا وسهلًا، وهذا ولا زعماتك وكل شيء ولا هذا، ثم قال: ولو أخر ذكر جميع أشباه المثل عن ذكر جميع الأمثال لكان أنسب ا. هـ ملخصًا. وذكر شيخنا أيضًا
973- البيتان من الطويل، وهما لمسكين الدارمي في ديوانه ص29؛ والأغاني 10/ 171، 173؛ وخزانة الأدب 3/ 65، 67؛ والدرر 3/ 11؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 127؛ وشرح التصريح 2/ 195؛ والمقاصد النحوية 4/ 305؛ ولمسكين أو لابن هرمة في فصل المقال ص269؛ ولقيس بن عاصم في حماسة البحتري ص245؛ ولقيس بن عاصم أو المسكين الدارمي في الحماسة البصرية 2/ 60؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 79؛ وتلخيص الشواهد ص62؛ والخصائص 2/ 480؛ والدرر 6/ 44؛ وشرح شذور الذهب ص288؛ وشرح قطر الندى ص134؛ والكتاب 1/ 256.
974-
البيتان من الخفيف، وهما بلا نسبة في الخصائص 3/ 102؛ والدرر 3/ 11؛ والمقاصد النحوية 4/ 306؛ والهمع 1/ 180.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنت زيدًا. وكل شيء ولا هذا. ولا شتيمة حر. وهذا ولا زعماتك. وإن تأت فأهل الليل وأهل النهار. ومرحبًا وأهلًا وسهلًا. وعذيرك وديار الأحباب بإضمار أعطني، ودع، وأرسل، وأتبيع، وتذكر، واصنع، ولا ترتكب، ولا أتوهم، وتجد، وأصبت، وأتيت، ووطئت، واحضر، واذكر. ثم قال: وربما قيل كلاهما وتمرًا. وكل شيء ولا شتيمة حر. ومن أنت
ــ
أن امرأ ونفسه شبه مثل. قوله: "كليهما وتمرًا" هذا مثل وأصله أن إنسانًا خير بين شيئين فطلبهما جميعًا وطلب الزيادة عليهما ا. هـ. دماميني. قوله: "والكلاب على البقر" مثل معناه خل الناس خيرهم وشرهم واغتنم أنت طريق السلامة. قوله: "وأحشفا وسوء كيلة" بكسر الكاف كالجلسة للهيئة وهو مثل لمن يظلم الناس من وجهين. قوله: "ومن أنت زيدًا" مثل لمن يذكر عظيمًا بسوء.
قوله: "بإضمار أعطني إلخ" ساق الأفعال الناصبة للمنصوبات المتقدمة على ترتيبها في الذكر السابق فأعطني ناصب كليهما وتمرًا وظاهر كلامه أن تمرًا معطوف على كليهما؛ لأنه لم يقدر له ناصبًا وقدر غيره وزدني تمرًا فيكون من عطف الجمل ودع هو ناصب امرأ وأما نفسه فيحتمل أن يكون معطوفًا وأن يكون مفعولًا معه وأرسل هو ناصب الكلاب على البقر وأتبيع ناصب حشفًا، وأما سوء كيلة فيحتمل أن يكون بتقدير وتزيد وأن يكون مفعولًا معه، وتذكر هو ناصب زيدًا واصنع هو ناصب كل شيء ولا ترتكب هو ناصب هذا من قولهم كل شيء ولا هذا ولا أتوهم هو ناصب زعماتك من قولهم هذا ولا زعماتك، وأما هذا في هذا التركيب فناصبه محذوف أي: أرضى هذا ولا أبوهم زعماتك كما قاله ابن الحاجب، ولم ينبه عليه المؤلف لجواز أنه خبر لمحذوف أو مبتدأ خبره محذوف كما قيل أي: الحق هذا أو هذا الحق. وتجد هو ناصب أهل الليل وأهل النهار أي: تجد من يقوم لك مقام أهلك في الليل والنهار وأصبت ناصب مرحبًا وأتيت ناصب أهلًا ووطئت ناصب سهلًا فعلى هذا هي ثلاث جمل وغيره جعل العامل فيها كلها واحدًا وقدره صادفت، فعلى هذا هي جملة واحدة وأحضر ناصب عذيرك قال سيبويه: أي: أحضر عذرك وقال بعضهم: التقدير: أحضر عاذرك واذكر ناصب ديار الأحباب ا. هـ. دماميني ببعض زيادة.
وظاهر سكوته عن قوله ولا شتيمة حر أنه من تتمة ما قبله وأن العامل في شتيمة هو العامل في الكلمة قبلها وهو ترتكب وفي كلام شيخنا السيد تبعًا للدماميني أنه جملة منفردة فتكون شتيمة مستقلة بعامل تقديره: ترتكب، وأنه كان الأولى زيادة واو أخرى قبل قوله: ولا شتيمة حر لتكون إحدى الواوين من الحكاية والأخرى من المحكي فيفيد أن ولا شتيمة حر جملة منفردة. قال: وكذا ما سيذكره الشارح من لفظ كل شيء ولا شتيمة حر جملة أخرى منفردة ا. هـ. وقد يؤخذ من مجموع ذلك أنه قد يقال ولا شتيمة حر فقط. وقد يقال كل شيء
ولا شتيمة حر والظاهر أن الأول عطف على اصنع كل شيء محذوفًا.
قوله: "وربما قيل كلاهما وتمرًا" بإثبات الألف في كلاهما ونصب تمرًا فكلاهما مرفوع ويحتمل أن يكون منصوبًا على لغة من ألزمه الألف. قال شيخنا والبعض: ويترجح بسلامته من عطف الإنشاء على الخبر ا. هـ. وفي أن السلامة من ذلك ممكنة على الرفع أيضًا بأن يقدر ناصب