المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عَطْف النسق: تالٍ بحرف مُتْبع عطف النَّسق … كاخْصُص بِوُدّ وثناء - حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك - جـ ٣

[الصبان]

الفصل: ‌ ‌عَطْف النسق: تالٍ بحرف مُتْبع عطف النَّسق … كاخْصُص بِوُدّ وثناء

‌عَطْف النسق:

تالٍ بحرف مُتْبع عطف النَّسق

كاخْصُص بِوُدّ وثناء من صَدَق

ــ

عطف النسق:

"تال بحرف متبع عطف النسق" فتال أي: تابع جنس يشمل جميع التوابع. وبحرف يخرج ما عدا عطف النسق منها. ومتبع يخرج نحو: مررت بغضنفر أي: أسد، فإن أسدًا تابع

ــ

عطف النسق:

تقدم معنى العطف، وأما النسق فقال الفاكهي: اسم مصدر بمعنى اسم المفعول، يقال: نسقت الكلام أنسقه عطفت بعضه على بعض والمصدر بالتسكين ا. هـ. والمعنى على هذا العطف الواقع في الكلام المعطوف بعضه على بعض، وفي الفارضي أن النسق بالتحريك مصدر، وقيل النسق بمعنى الطريقة والإضافة لأدنى ملابسة أي: عطف اللفظ الذي جيء به على نسق الأول وطريقته، وهو ثلاثة أقسام: أحدها العطف على اللفظ وهو الأصل وشرطه إمكان توجه العامل فلا يجوز في ما جاءني من امرأة ولا زيد جر زيد؛ لأن من الزائدة لا تعمل في معرفة. الثاني العطف على المحل وشرطه إمكان ظهور المحل في الفصيح فلا يجوز مررت بزيد وعمرًا بالنصب خلافًا لابن جني، وكون المحل بحق الأصالة فلا يجوز هذا ضارب زيدًا وأخيه خلافًا للبغداديين ووجود المحرز أي: العامل الطالب للمحل على خلاف فيه تقدم بيانه فلا يجوز أن زيدًا وعمرو قائمان برفع عمرو. وقد يمتنع العطف على اللفظ وعلى المحل معًا نحو: ما زيد قائمًا لكن أو بل قاعد؛ لأن في العطف على اللفظ إعمال ما في الموجب وفي العطف على المحل اعتبار الابتداء مع زواله بدخول الناسخ فلم يوجد المحرز والصواب الرفع على إضمار مبتدأ. الثالث العطف على التوهم وشرطه صحة دخول العامل المتوهم، وأما كثرة دخوله فشرط للحسن ولهذا حسن لست قائمًا ولا قاعد بالجر ولم يحسن ما كنت قائمًا ولا قاعدًا بالجر، والفرق بين القسمين الأخيرين أن العامل في العطف على المحل موجود دون أثره، والعامل في العطف على التوهم مفقود دون أثره.

قوله: "تال بحرف متبع عطف النسق" قال شيخنا أي: معطوف النسق تال مع حرف متبع ا. هـ. فأشار إلى أمور ثلاثة لا تخفاك. قوله: "بحرف" ولو تقديرًا؛ لأن حذف العاطف جائز عند المصنف نظمًا ونثرًا وإن لم يكن المقام مقام سرد الأعداد على ما أفاده البهوتي. قوله: "متبع" أي: موضوع للاتباع وهو تشريك الثاني مع الأول في عامله غزى. قوله: "يخرج ما عدا عطف النسق منها" أي: وما عدا عطف البيان المسبوق بأي: التفسيرية بدليل كلامه بعد وما عدا التوكيد المسبوق بالعاطف نحو: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ: 4 و5]، لأن هذا أيضًا إنما يخرج بقوله متبع أي: محصل للاتباع. نعم إن جعلت الباء في قوله بحرف سببية خرج جميع ذلك بقوله بحرف؛ لأن تبعية البيان المسبوق بأي: التفسيرية والتوكيد المسبوق بالعاطف ليست بسبب

ص: 131

فَالعَطْفُ مطلقًا بواو ثمّ فا

حَتّى أَمَ أو كَفِيك صِدق وَوَفا

ــ

بحرف وليس معطوفًا عطف نسق، بل بيان؛ لأن أي ليست بحرف متبع على الصحيح بل حرف تفسير. وخلص التعريف للعطف بالحروف الآتي ذكرها "كاخصص بود وثناء من صدق" فثناء تابع لود بالواو وهي حرف متبع "فالعطف مطلقًا بواو" و"ثم" و"فا" و"حتى و"أم" و"أو" فهذه الستة تشرك بين التابع والمتبوع لفظًا ومعنى. وهذا معنى. قوله مطلقًا "كفيك صدق ووفا" وهذا ظاهر في الأربعة الأول. وأما أم وأو فقال المصنف: أكثر النحويين على أنهما يشركان في اللفظ لا في المعنى. والصحيح أنهما يشركان لفظًا

ــ

الحرف لثبوت التبعية لهما مع حذف أي: والعاطف لكن الشارح لم يجر على هذا الوجه.

قوله: "بل بيان" أي: عطف بيان وليس لنا عطف بيان بعد حرف إلا هذا. قوله: "ليست بحرف متبع" لصحة حذفها لفظًا وتقديرًا والعاطف ليس كذلك. ورده الدماميني بأن العاطف قد يحذف لفظًا وتقديرًا إذا صح الكلام بدونه كما في الأخبار المتعاطفة والصفات المتعاطفة، وكما في أشكو إليك بثي وحزني، إذ يصح حذف الواو فيصير الثاني توكيدًا. قوله:"على الصحيح" وقال الكوفيون: إنها عاطفة. قوله: "بل حرف تفسير" وقد ترد زائدة بين المبتدأ والخبر تأكيدًا للاتحاد وزيادة في البيان كما قاله السيد الجرجاني، مثال ذلك قول صاحب المغني. وقالوا التقدير في قوله تعالى:{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 24]، أي: كمن ينعم في الجنة ا. هـ. فزاد أي: بين المبتدأ وهو التقدير بمعنى المقدر والخبر وهو كمن ينعم في الجنة وتكلف الدماميني جعلها تفسيرية بجعل خبر التقدير محذوفًا تقديره ثابت، وهذا يدل على أن ثم مقدرًا فسره بقوله أي: كمن ينعم في الجنة فاحرص على هذه الفائدة تنفعك في مواطن عديدة.

قوله: "مطلقًا" حال من الضمير في الخبر أي: استقر حالة كونه مطلقًا عن التقييد باللفظ وفيه تقديم الحال على عاملها الظرفي وهو جائز عند الأخفش والمصنف، ويجوز كونه حالًا من العطف على مذهب سيبويه. قوله:"لفظًا ومعنى" الحاصل أن حروف العطف المذكورة تسعة وهي ثلاثة أقسام: ما يشرك في اللفظ فقط دائمًا وهي ثلاثة: بل ولكن ولا لاختلاف المتعاطفين فيها بالإثبات والنفي، إذ ما قبل بل ولكن منفي وما بعدهما مثبت ولا بالعكس. وما يشرك لفظًا ومعنىً دائمًا وهو أربعة: الواو والفاء وثم وحتى. وما يشرك لفظًا فقط تارة ولفظًا ومعنىً تارة أخرى وهو أم وأو. فإن قلت الواو في عطف الجوار تشرك لفظًا فقط. قلت هي مشركة في المعنى أيضًا قطعًا؛ لأن العطف في مثل وأرجلكم بالخفض إنما هو على الوجوه، ولكنك ناسبت في الحركة بينه وبين ما قبله والإعراب مقدر لاشتغال المحل بحركة المناسبة. أفاده ابن هشام.

قوله: "كفيك صدق ووفا" لا حاجة إليه بعد قوله: كاخصص إلخ. قوله: "والصحيح أنهما يشركان إلخ" الخلاف لفظي؛ لأن القائل بعدم تشريكهما في المعنى أراد بالمعنى معنى العامل؛ لأن الاستقرار في الدار مثلًا إنما هو ثابت لأحد المتعاطفين لا بعينه فقط لا لهما معًا، والقائل بتشريكهما في المعنى أراد بالمعنى ما يفيد أم من احتمال كل من متعاطفيها لثبوت استقراره في

ص: 132

وأَتْبَعَت لفظًا فَحَسْب بل ولا

لكن كَلَمْ يَبْد امرُؤ لكن طَلا

ــ

ومعنى ما لم يقتضيا إضرابًا؛ لأن القائل أزيد في الدار أم عمرو عالم بأن الذي في الدار أحد المذكورين وغير عالم بتعيينه، فالذي بعد أم مساو للذي قبلها في الصلاحية لثبوت الاستقرار في الدار وانتفائه، وحصول المساواة إنما هو بأم، وكذلك أو مشركة لما قبلها وما بعدها فيما يجاء بها لأجله من شك أو غيره. أما إذا اقتضيا إضرابًا فإنهما يشركان في اللفظ فقط. وإنما لم ينبه عليه؛ لأنه قليل "وأتبعت لفظًا فحسب" أي: فقط بقية حروف العطف وهي "بل ولا" و"لكن كلم يبدو امرؤ لكن طلا" وقام زيد لا عمرو، وما جاء زيد بل عمرو. والطلا الولد من ذوات الظلف.

تنبيه: اختلف في ثلاثة أحرف مما ذكره هنا وهي: حتى وأم ولكن، أما حتى فمذهب الكوفيين أنها ليست بحرف عطف وإنما يعربون ما بعدها بإضمار وأما أم فذكر النحاس فيها خلافًا، وأن أبا عبيدة ذهب إلى أنها بمعنى الهمزة فإذا قلت: أقائم زيد أم عمرو فالمعنى أعمرو قائم فتصير على مذهبه استفهامية، وأما لكن فذهب أكثر النحويين إلى أنها من حروف العطف، ثم اختلفوا على على ثلاثة أقوال: أحدها أنها لا تكون عاطفة إلا إذا لم تدخل عليها الواو وهو مذهب الفارسي وأكثر النحويين. والثاني أنها عاطفة ولا تستعمل إلا بالواو والواو مع ذلك زائدة، وصححه ابن عصفور، قال: وعليه ينبغي أن يحمل مذهب

ــ

الدار وانتفائه عنه وصلاحية كل منهما له أفاده الشاطبي. قوله: "ما لم يقتضيا إضرابًا" أي: فإنهما حينئذٍ يشركان في اللفظ فقد كما سيأتي. قوله: "لأنه قليل" أي: ولأن إطلاقه مقيد بما يأتي في كلامه فلا اعتراض. قوله: "والطلا" أي: بفتح الطاء مقصورًا وأما الطلاء بالكسر ممدودًا فالخمر وأما المضموم فممدوده الدم ومقصوره الأعناق أو أصولها جمع طلية أو طلاة كذا في القاموس. قوله: "الولد من ذوات الظلف" وقيل ولد بقر الوحش فقط. قوله: "مما ذكره هنا" قيد به لوقوع الخلاف في أحرف غير هذه الثلاثة لم يذكرها هنا، وهي إما بالكسر وأي: وإلا وأين وكيف وهلا وليس.

قوله: "ليست بحرف عطف" أي: بل حرف ابتداء. قوله: "وإنما يعربون ما بعدها بإضمار" أي: بإضمار عامل، ففي نحو: جاء القوم حتى أبوك ورأيتهم حتى أباك ومررت بهم حتى أبيك يضمرون جاء ورأيت والباء، ويجعلون حتى ابتدائية. قوله:"فالمعنى أعمرو وقائم" أي: فيكون ما بعدها في مثل هذا التركيب مبتدأ محذوف الخبر وفي النصب والجر يقدر المناسب. قوله: "فذهب أكثر النحويين إلخ" فرض في المغني الخلاف فيما إذا وليها مفرد قال: فإن وليها كلام فهي حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك وليست عاطفة ويجوز أن تستعمل بالواو نحو: ولكن كانوا هم الظالمين وبدونها نحو: قول زهير: إن ابن ورقاء إلخ، وزعم ابن أبي الربيع أنها حين اقترانها بالواو عاطفة جملة على جملة وأنه ظاهر قول سيبويه ا. هـ. والواو على قول ابن أبي الربيع زائدة وعلى الأول عاطفة جملة فيما يظهر. قوله:"ولا تستعمل إلا بالواو" أي: لا تستعمل عاطفة

ص: 133

فاعْطِفْ بوَاوٍ سابقًا أو لاحِقًا

في الحكم أو مُصاحِبًا موافقًا

ــ

سيبويه والأخفش؛ لأنهما قالا: إنها عاطفة، ولما مثلا للعطف بها مثلاه بالواو. والثالث أن العطف بها، وأنت مخير في الإتيان بالواو، وهو مذهب ابن كيسان. وذهب يونس إلى أنها حرف استدراك وليست بعاطفة والواو قبلها عاطفة لما بعدها على ما قبلها عطف مفرد على مفرد. ووافق الناظم هنا الأكثرين. ووافق في التسهيل يونس فقال فيه وليس منها لكن وفاقًا ليونس ا. هـ "فاعطف بواو سابقًا أو لاحقًا في الحكم أو مصاحبًا موافقًا" فالأول نحو:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} [الشورى: 3]، والثالث نحو:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت: 15] ، وهذا معنى قولهم الواو لمطلق الجمع. وذهب بعض الكوفيين إلى أنها ترتب، وحكى عن قطرب وثعلب والربعي. وبذلك يعلم أن ما ذكره السيرافي والسهيلي من

ــ

لا مطلقًا بدليل قوله:

إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره

لكن وقائعه في الحرب تنتظر

والواو على هذا القول زائدة لازمة وعلى القول الذي بعده زائدة غير لازمة. قوله: "وذهب يونس" مقابل قوله فذهب أكثر النحويين إلى أنها من حروف العطف. قوله: "عطف مفرد على مفرد" ففي نحو: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ} الآية يجعل رسول معطوفًا بالواو على أبا عطف مفرد على مفرد لا منصوبًا بكان المحذوفة، والعطف من عطف الجمل، وسيأتي في الشرح رد هذا القول بأن متعاطفي الواو المفردين لا يختلفان بالإيجاب والسلب وسيأتي رد هذا الرد. قوله:"ووافق في التسهيل يونس" أي: في مجرد أن لكن غير عاطفة لكن اختلفا، فقال يونس: الواو عاطفة لمفرد على مفرد كما عرفت، وقال المصنف: لجملة حذف بعضها. قوله: "فاعطف بواو" وترد للاستئناف نحو: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ} .

قوله: "لمطلق الجمع" هو بمعنى قول بعضهم للجمع المطلق فذكر المطلق ليس للتقييد بالإطلاق بل لبيان الإطلاق، فلا فرق بين العبارتين فاندفع الاعتراض على العبارة الثانية بأنها غير سديدة لتقييد الجمع فيها بقيد الإطلاق، مع أن الواو للجمع بلا قيد، قال الشنواني: ومنشأ توهم الفرق بينهما الفرق بين الماء المطلق ومطلق الماء مع الغفلة عن أن ذلك اصطلاح شرعي وما نحن فيه اصطلاح لغوي ا. هـ. والمراد بالجمع الاجتماع في الحصول في عطف الجمل التي لا محل لها من الإعراب، وفي نسبة العامل إلى المتعاطفين أو المتعاطفات في غير ذلك لا الاجتماع في زمان أو مكان. فإن قلت لو لم يؤت بالواو في نحو: قام زيد وقعد عمرو لكان حصول مضمون الجملتين معلومًا فما فائدة الواو في عطف الجمل التي لا محل لها. قلت: قال الدماميني: فائدتها في ذلك النص على حصول المضمونين معًا، إذ لولاها لكان حصولهما ظاهرًا فقط؛ لاحتمال كون الحاصل الثاني فقط بأن يكون الأول غلطًا والثاني إضرابًا عنه ا. هـ. باختصار وكونها للجمع مطلقًا أحد قولين والثاني أنها للجمع في المفردات فقط والأول أوجه. قوله: "وحكي عن

ص: 134

واخْصُص بها عَطْف الذي لا يُغْنِي

متبُوعُه كاصْطَفَّ هذا وابْنِي

ــ

إجماع النحاة بصريهم وكوفيهم على أن الواو لا ترتب غير صحيح.

تنبيه: قال في التسهيل: وتنفرد الواو بكون متبعها في الحكم محتملًا للمعية برجحان، وللتأخر بكثرة وللتقدم بقلة "واخصص بها" أي: بالواو "عطف الذي لا يغني

ــ

قطرب إلخ" بل نقله ابن هشام عن الفراء والرضي عن الكسائي وابن درستويه. همع. قوله: "قال في التسهيل إلخ" حاصله أنها وإن كانت موضوعة لمطلق الجمع الصادق بالأمور الثلاثة، لكن استعمالها في الأمور الثلاثة الصادق بها مطلق الجمع متفاوت فاستعمالها في المعية أكثر، وفي تقدم ما قبلها كثير وفي تأخره قليل، فتكون عند التجرد عن القرائن للمعية بأرجحية ولتقدم ما قبلها برجحان ولتأخره بمرجوحية، فكلام التسهيل كما في التصريح تحقيق للواقع لا قول ثالث.

قوله: "واخصص بها إلخ" قال الدماميني: يرد عليه أن أم المتصلة تشاركها في ذلك نحو: سواء عليّ أقمت أم قعدت فإنها عاطفة على ما لا يغني ا. هـ. قال في التصريح: أجيب عنه بأن هذا كلام منظور فيه إلى حالته الأصلية إذ الأصل سواء عليّ القيام والقعود، فالعاطف بطريق الأصالة إنما هو الواو، قاله الموضح في الحواشي ا. هـ. واعلم أن الواو تختص بأحد وعشرين حكمًا ذكر الناظم منها ثلاثة: عطف ما لا يغني متبوعه وعطف السابق على اللاحق وعطف عامل حذف وبقي معموله، ذكر هذا في قوله آخر الباب: وهي

انفردت. بعطف عامل مزال قد بقي معموله. الرابع عطف سببي على أجنبي في الاشتغال ونحوه نحو: زيدًا ضربت عمرًا وأخاه، وزيد مررت بقومك وقومه. الخامس عطف الشيء على مرادفه نحو:"شرعة ومنهاجًا". السادس فصلها من معطوفها بظرف أو عديله نحو: {وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} . السابع جواز تقديمها مع معطوفها في الضرورة نحو:

جمعت وفحشًا غيبة ونميمة

وقيل لا تختص الواو بذلك، بل الفاء وثم وأو ولا كذلك. الثامن جواز العطف على الجوار في الجر خاصة نحو:{وَأَرْجُلِكُمْ} في قراءة من جر. التاسع جواز حذفها إن أمن اللبس كقوله:

كيف أصبحت كيف أمسيت

العاشر إيلاؤها لا إذا عطفت مفردًا بعد نهي نحو: {وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} [المائدة: 2]، أو نفي {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} أو مؤوّل بنفي نحو:{وَلا الضَّالِّينَ} . الحادي عشر إيلاؤها إما مسبوقة بمثلها غالبًا إذا عطفت مفردًا نحو: إما العذاب وإما الساعة. الثاني عشر عطف النعوت المفرقة مع اجتماع منعوتها نحو: مررت برجلين كريم وبخيل. الثالث عشر عطف العقد على النيف إذا وقعا دفعة كأحد وعشرين، فإن تأخر وقوع العقد جاز أن تقول: قبضت ثلاثة فعشرين أو ثم عشرين. الرابع عشر عطف ما حقه التثنية أو الجمع نحو: محمد ومحمد في يوم واحد. الخامس عشر عطف العام على الخاص نحو: {اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} . أما عطف الخاص على العام لمزية في الخاص فيشاركها فيه حتى نحو: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}

ص: 135

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

متبوعه" أي: لا يكتفي الكلام به "كاصطف هذا وابني" ويخاصم زيد وعمرو، وجلست بين زيد وعمرو، ولا يجوز فيها غير الواو. وأما قوله: بين الدخول فحومل، فالتقدير بين

ــ

[الأحزاب: 7]، الآية ومات الناس حتى الأنبياء. ومثل العام والخاص الكل والجزء. السادس عشر العطف التلقيني من المخاطب نحو:{قَالَ وَمَنْ كَفَرَ} [البقرة: 126] . السابع عشر اقترانها بلكن نحو: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 40] . الثامن عشر والتاسع عشر العطف في التحذير والإغراء نحو: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13]، ونحو: المروءة والنجدة. العشرون عطف أي: على مثلها نحو:

أيي وأيك فارس الأحزاب

الحادي والعشرون صحة حكاية العلم بمن مع اتباعه بعلم آخر معطوف عليه بها نحو: من زيدًا وعمرًا فإنهم شرطوا في حكاية العلم بمن أن لا يتبع، إلا إذا كان التابع ابنًا متصلًا بعلم أو علمًا معطوفًا بالواو، وعد في التصريح من خصائص الواو عطف ما تضمنه الأول لمزية في المعطوف نحو:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]، وفيه أن هذا عطف الخاص على العام ويشاركها فيه حتى كما ذكره بعد. وعد أيضًا من خصائصها امتناع الحكاية بمن إذا اقترنت بها فلا يقال: ومن زيدًا بالنصب حكاية لمن قال: رأيت زيدًا. وفيه أنهم أطلقوا العاطف الذي اقترانه بمن يمنع الحكاية ولم يقيدوه بالواو.

هذا ملخص ما في حاشية شيخنا، ومنه يعلم ما في كلام البعض من الخلل في غير موضع، لكن ما تقدم من اختصاصها بعطف السابق على اللاحق يرد عليه أن حتى تشاركها في ذلك على الصحيح نحو: مات كل أب لي حتى آدم كما سيأتي، وما تقدم من اختصاصها بعطف عامل حذف وبقي معموله يرد عليه ما سيأتي أن الفاء تشاركها في ذلك نحو: اشتريته بدرهم فصاعدًا، وما تقدم من اختصاصها بجواز حذفها خلاف ما في التسهيل من أن أو كالواو في ذلك، بل مال الدماميني إلى أن الفاء أيضًا كالواو في ذلك كما سيأتي وقولنا فيما تقدم إذا عطفت مفردًا بعد نهي إلخ.

قال في المغني: ولم تقصد المعية فلا يجوز ما اختصم زيد ولا عمرو؛ لأنه للمعية وأما: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ، وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر: 22]، فلا الثانية والرابعة والخامسة زوائد لأمن اللبس ا. هـ. وإنما قرنوا الواو بلا في نحو: ما قام زيد ولا عمرو ولا تضرب زيدًا ولا عمرًا؛ لإفادة نفي القيام عنهما مجتمعين ومفترقين والنهي عن ضربهما كذلك، ودفع توهم تقييد النفي أو النهي بحال الاجتماع. وقولنا ما حقه التثنية أو الجمع أي: ما الأصل فيه التثنية أو الجمع فلا ينافي ما في التسهيل من أن العطف سائغ مع قصد التكثير أو فصل بين المتعاطفين ظاهر أو مقدر. مثال الأخير قول الحجاج يوم مات محمد ابنه ومحمد أخوه: محمد ومحمد في يوم واحد أي: محمد ابني ومحمد أخي.

قوله: "بين زيد وعمرو" ويقال بين زيد وبين عمرو بزيادة بين الثانية للتأكيد قاله ابن بري

ص: 136

والفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ باتِّصالِ

وثمَّ للتَّرْتِيبِ بانفصالِ

ــ

أماكن الدخول فأماكن حومل فهو بمثابة اختصم الزيدون فالعمرون "والفاء للترتيب باتصال" أي: بلا مهلة وهو المعبر عنه بالتعقيب نحو: {أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبسى: 21]، وكثيرًا ما تقتضي أيضًا التسبب إن كان المعطوف جملة نحو:{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}

ــ

وغيره وبه يرد منع الحريري لذلك. دنوشري. قوله: "ولا يجوز فيها غير الواو" وإنما انفردت الواو بذلك لترجح معنى المصاحبة فيها. قوله: "بين الدخول فحومل" الدخول بفتح الدال وحومل موضعان. قوله: "بين أماكن إلخ" أي: فهو على حذف مضاف وقدره بعضهم بين أهل الدخول إلخ ويحتمل أن المراد بالدخول وحومل أجزاؤهما. قوله: "والفاء للترتيب" أي: المعنوي وقد تكون للترتيب الذكرى، وأكثر ما يكون في عطف مفصل على مجمل نحو:{فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153] ، والذي انحط عليه كلام سم في الآيات البينات أنه ليس المراد من الترتيب الذكرى مجرد ترتيب الشيئين مثلًا في الذكر؛ لأن هذا القدر لازم للذكر مع إسقاط الفاء أيضًا، بل ترتيب مراتب المذكور في الذكر أي: بيان أن المذكور أولًا حقه أن يتقدم في الذكر لتقدم رتبته على رتبة المتأخر. قال: ولعل معنى التعقيب حينئذٍ بيان أن رتبة المتأخر قريبة من رتبة المتقدم غير متراخية عنها كثيرًا فليتأمل ا. هـ. وقد تكون في غير ذلك كقوله تعالى: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [غافر: 76]، وقوله تعالى:{وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [البقرة: 36]، فإن ذكر ذم الشيء أو مدحه يحسن بعد جري ذكره. وأما الفاء من فأخرجهما من قوله تعالى:{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: 36]، فللترتيب المعنوي إن رجع ضمير عنها إلى الشجرة أي: أوقعهما في الزلة بسبب الشجرة وللذكرى إن رجع إلى الجنة أي: أذهبهما عنها ويرد على هذا أن الذي كانا فيه هو الجنة، فأين التفصيل إلا أن يراد فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والكرامة فيكون تفصيلًا بعد الإجمال قاله الدماميني.

قوله: "باتصال" أي: معه وهو في كل شيء بحسبه يقال: تزوج فلان فولد له إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل وإن طالت. قوله: "أي: بلا مهلة" بضم الميم أي: تأخر كذا في المصباح وغيره. قوله: "نحو: أماته فأقبره" لا يقال الإقبار مسبب عن الإماتة، فالفاء للتسبب في هذه الآية أيضًا، وصنيع الشارح يوهم خلافه؛ لأنا نقول المراد بالتسبب أن يكون المعطوف مسببًا عن المعطوف عليه بالذات لا بواسطة عادة، والآية من الثاني لا الأول. قوله:"إن كان المعطوف جملة" أي: أو صفة نحو: {لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ، فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الواقعة: 53]، الآية وقد تجيء في ذلك لمجرد الترتيب من غير سببية نحو:{فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ، فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} [الذاريات: 27]، ونحو:{فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} [الصافات: 2]، وفي المغني وشرح الدماميني عليه أن للفاء مع الصفة أربعة أحوال: أن تدل على ترتيب معانيها في الوجود أو في غيره، كالشرف والخسة أو على ترتيب موصوفاتها في الوجود أو في غيره نحو: زيد الصابح فالغانم فالآيب أي: الذي أغار على القوم صباحًا فغنم فآب أي: رجع، وجالس الأزهد فالأورع، وولد

ص: 137

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[القصص: 15]، وأما نحو:{أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} [الأعراف: 4]، ونحو:"توضأ فغسل وجهه ويديه" الحديث، فالمعنى أردنا إهلاكها وأراد الوضوء. وأما نحو:{فَجَعَلَهُ غُثَاءً} [الأعلى: 5]، أي: جافًا هشيمًا أحوى أي: أسود، فالتقدير فمضت مدة فجعله غثاء، أو أن الفاء نابت عن ثم كما جاء عكسه وسيأتي "وثم للترتيب بانفصال" أي: بمهلة وتراخ نحو: {فَأَقْبَرَهُ، ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: 22]، وقد توضع موضع الفاء كقوله:

848-

كَهَزّ الرُّدَينِيِّ تحت العَجَاج

جَرى في الأنابيب ثم اضْطَرَبْ

ــ

لزيد الشاعر فالكاتب، ورحم الله المحلقين فالمقصرين ا. هـ بتلخيص وإيضاح.

قوله: "وأما نحو: أهلكناها إلخ" إيراد على الترتيب؛ لأن مجيء البأس قبل الإهلاك وغسل الأعضاء الأربعة قبل الوضوء كذا قال شيخنا. ولا يظهر الثاني إذا كان المراد غسل جملة الأعضاء؛ لأن غسل جملتها نفس الوضوء لا قبله ولا بعده، وإنما يظهر إذا كان المراد غسل كل منها على انفراده؛ لأنه الذي قبل الوضوء أي: في الجملة وإلا فغسل الرجلين بتمامهما ليس قبل الوضوء فتفطن. قوله: "فالمعنى أردنا إلخ" أو يقال الفاء في الآية والحديث للترتيب الذكرى ا. هـ. تصريح أي: لأن ما بعد الفاء تفصيل للمجمل قبلها. قوله: "وأما نحو: فجعله إلخ" إيراد على التعقيب؛ لأن جعله غثاء لا يتصل بإخراجه. قوله: "فالتقدير فمضت مدة إلخ" أي: فالمعطوف عليه محذوف. قيل هذا لا يدفع الاعتراض؛ لأن مضي المدة لا يعقب الإخراج، وأجيب بأنه يكفي أن أول أجزاء المضي يعقب الإخراج، وإن لم يحصل بتمامه إلا في زمن طويل ذكره الرضي والسعد وجعلا منه:{فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: 63]، قال في المغني: وقيل الفاء في هذه الآية يعني آية: {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} للسببية لا للعطف، وفاء السببية لا تستلزم التعقيب بدليل صحة قولك أن يسلم فهو يدخل الجنة، ومعلوم ما بينهما من المهلة ا. هـ. قال الدماميني: الحق أن الأصل في الفاء السببية استلزام التعقيب وإن عدمه في بعض المواضع كالمثال لعدم استكمال السبب إذ السبب التام لدخول الجنة في المثال مجموع الإسلام، واستمرار حكمه لكن إطلاق السبب على جزئه مجاز ا. هـ. باختصار. قوله:"أو أن الفاء نابت عن ثم" أو يقال التعقيب في كل شيء بحسبه، قال في الهمع: قيل ترد الفاء للاستئناف نحو:

ألم تسأل الربع القواء فينطق

أي: فهو ينطق إذ لو كانت لمجرد العطف جزم ما بعدها، أو للسببية نصب ونحو:{أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40]، بالرفع قال ابن هشام: والتحقيق أنها في مثل ذلك عاطفة وأن المعتمد بالعطف الجملة لا الفعل وحده. قوله: "وثم" ويقال فم وثمت وثمت قاله في التسهيل. قوله: "كقوله كهز إلخ" فإن الهز متى جرى في أنابيب الرمح أعقبه الاضطراب ولم

848- البيت من المتقارب، وهو لأبي دؤاد الإيادي في ديوانه ص292؛ والدرر 6/ 196؛ وشرح التصريح 2/ 140؛ وشرح شواهد المغني ص358؛ والمعاني الكبير 1/ 58؛ والمقاصد النحوية 4/ 131؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 363؛ والجنى الداني ص427؛ وشرح عمدة الحافظ ص612؛ ومغني اللبيب ص119؛ وهمع الهوامع 2/ 131.

849-

البيت من الخفيف؛ وهو لأبي نواس في ديوانه 1/ 355؛ وخزانة الأدب 11/ 37، 40، 41؛ والدرر 6/ 93؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص428؛ وجواهر الأدب ص364؛ ورصف المباني ص174؛ ومغني اللبيب 1/ 117.

ص: 138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأما نحو: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزمر: 6] ، {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا} [الأنعام: 153]، وقوله:

849-

إنَّ من سادَ ثمَّ سادَ أبوهُ

ثُمَّ قد سادَ قَبلَ ذلكَ جَدُّه

فقيل ثم فيه لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم، وأنه يقال: بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، أي: ثم أخبرك أن الذي صنعته أمس أعجب. وقيل إن ثم بمعنى الواو وقيل غير ذلك. وأجاب ابن عصفور عن البيت بأن المراد إن الجد أتاه السودد من

ــ

يتراخ عنه قاله في المغني واعترضه قريبه فقال: الظاهر أنه ليس كذلك بل الاضطراب والجري في زمن واحد، فتكون ثم بمعنى الواو، وجوابه أن الترتيب يحصل في لحظات لطيفة، والرديني صفة للرمح نسبة إلى امرأة اسمها ردينة كانت تقوم الرماح. والعجاج الغبار، والأنابيب جمع أنبوبة، وهي ما بين كل عقدتين، كذا في التصريح والاعتراض أقوى من الجواب. وهز مصدر بمعنى اهتزاز كما في العيني مضاف إلى فاعله، والمشبه اهتزاز فرس كانت تحت الممدوح. قوله:"وأما نحو: إلخ" وجه الإيراد في الآية الأولى أن خلق حواء قبل خلق الذرية، وفي الثانية أن إيتاء موسى الكتاب قبل توصية هذه الأمة بالمشار إليه وفي البيت واضح. دماميني.

قوله: "هو الذي خلقكم إلخ" التلاوة وهو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل إلخ أو خلقكم من نفس واحدة ثم جعل إلخ، والثاني هو الموافق لكون الكلام في ثم فكان عليه حذف هو الذي، وأراد بالنفس الواحدة آدم وبزوجها حواء. قوله:"وقيل غير ذلك" فمما قيل في الآية الأولى: إن العطف على محذوف أي: من نفس واحدة أنشأها ثم جعل منها زوجها أو على واحدة لتأويلها بالفعل أي: من نفس توحدت أي: انفردت ثم جعل إلخ، أو أن الذرية أخرجت من ظهر آدم كالذر ثم خلقت حواء، وهذه الأجوبة أنفع من جواب الشارح؛ لأنها تصحح الترتيب والمهلة وجوابه يصحح الترتيب فقط، إذ لا تراخي بين الإخبارين، نعم جوابه أعم إذ يصح أن يجاب به عن الآية الثانية والبيت كما فعله كذا في المغني. قال الدماميني: ووجه الترتيب الإخباري في البيت أن سيادة الابن نفسه أخص به من سيادة أبيه، وكذا سيادة الأب بالنسبة إلى سيادة الجد.

قوله: "وأجاب ابن عصفور عن البيت إلخ" حاصل جوابه أن السيادة لما سرت من الابن إلى الأب ومن الأب إلى الجد كانت سيادة الابن متقدمة رتبة ثم سيادة الأب ثم سيادة الجد، فثم في البيت للترتيب الرتبي لا الخارجي. ولا ينافيه قوله قبل ذلك على رواية من قال:

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قبل الأب، والأب من قبل الابن.

تنبيه: زعم الأخفش والكوفيون: أن ثم تقع زائدة فلا تكون عاطفة ألبتة، وحملوها على ذلك قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة: 118]، جعلوا تاب عليهم هو الجواب وثم زائدة. وقول زهير:

850-

أَرَانِي إذا أَصْبَحْتُ أَصْبَحْتُ ذا هَوًى

فَثُمَّ إذا أَمْسَيْتُ أَمْسَيْتُ عادِيَا

ــ

ثم قد ساد قبل ذلك جده

لإمكان أن يجعل ساد في قوله، ثم قد ساد قبل ذلك جده مستعملًا في السيادة الرتبية والخارجية، ويكون الإتيان بثم نظرًا إلى السيادة الرتبية. وقوله: قبل ذلك نظرًا إلى السيادة الخارجية؛ لأن سيادة الجد الخارجية قبل سيادة الابن وسيادة الأب الخارجيتين، وبهذا التدقيق يندفع الاعتراض بأن هذا الجواب إنما يظهر على رواية بعد ذلك لا على رواية قبل ذلك. وأجاب سم عنه بأن اسم الإشارة راجع إلى وقت التكلم، ولا يخفى أن جوابنا أدق فاعرفه. قوله:"أتاه السودد" قال في القاموس: السود والسودد والسؤدد بالهمز كقنفذ السيادة ا. هـ. والسين مضمومة في الأولين أيضًا كما ضبطت به في النسخ الصحيحة من القاموس كنسخة العلامة أبي العز العجمي، ويصرح بضم السين في الثانية، والثالثة قول الصحاح الدال في سودد زائدة لإلحاق بنائه ببناء جندب وبرفع ا. هـ. لأن أول جندب وبرقع مضموم وثالث جندب مفتوح كاللغة الثانية وثالث برقع مضموم كاللغة الثالثة. قوله:"إن ثم تقع زائدة" وتقع الفاء أيضًا زائدة كالفاء الثانية في قوله:

فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

والفاء في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89] ، عند من جعل كفروا به جواب لما الأولى والثانية تأكيد والفاء زائدة، وكذا الواو عند الأخفش كما في الدماميني وعزاه في الهمع للكوفيين أيضًا، ومثل بآية:{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} [الزمر: 71، 73]، وآية:{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [الصافات: 103] ، فإحدى الواوين فيهما زائدة، وغير الأخفش والكوفيين جعلوا الجواب محذوفًا والواو حالية بتقدير قد، والمعنى في الآية الأولى جاءوها حال فتح أبوابها إكرامًا لهم عن أن يقفوا حتى تفتح. قوله:{بِمَا رَحُبَتْ} أي: مع سعتها وضاقت عليهم أنفسهم أي: من فرط الوحشة والغم {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} أي: وعلموا أن لا ملجأ من سخط الله إلا إلى استغفاره. قوله: "إذا أصبحت إلخ" الهوى بالقصر

850- البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبي سلمى في الأشباه والنظائر 1/ 111؛ وخزانة الأدب 8/ 490، 492؛ والدرر 6/ 89؛ ورصف المباني ص275؛ وشرح شواهد المغني 1/ 282، 284؛ وشرح عمدة الحافظ ص654؛ وشرح المفصل 8/ 96؛ ومغني اللبيب 1/ 117؛ وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب 1/ 264؛ وشرح شواهد المغني 1/ 358؛ وهمع الهوامع 2/ 131.

ص: 140

وَاخْصُصْ بفاءٍ عَطْفَ ما لَيْسَ صِلَه

عَلَى الذِي اسْتَقَرَّ أَنَّهُ الصِّلَهْ

ــ

وخرجت الآية على تقدير الجواب والبيت على زيادة الفاء "واخصص بفاء عطف ما ليس" صالحًا لجعله "صله" لخلوه من العائد "على الذي استقر أنه الصله" نحو: اللذان يقومان فيغضب زيد أخواك، وعكسه نحو: الذي يقوم أخواك فيغضب هو زيد، فكان الأولى

ــ

العشق وإرادة النفس، وكأن الثاني هو المراد في البيت يقول أصبح مريد الشيء وأمسى تاركًا له، يقال عدا فلان هذا الأمر إذا تجاوزه وتركه ا. هـ دماميني. قال الشمني: وهذا يدل على أن عاديًا بالعين المهملة وهو مضبوط في بعض نسخ المغني وفي غيره بالمعجمة، وقد أنشد ابن مالك هذا البيت في شرح الكافية:

أراني إذا ما بتّ بت على هوى

فثم إذا أصبحت أصبحت غاديا

قال ابن القطاع: غدا إلى كذا أصبح إليه ا. هـ. كلام الشمني. وكما أنشده ابن مالك أنشده السيرافي وقال: كذا رواية أبي بكر، ثم قال: يقول إن لي حاجة لا تنقضي أبدًا ا. هـ. قوله: "على تقدير الجواب" أي: فرج الله عنهم أو لجئوا إلى الله ثم تاب إلخ، فثم عاطفة على هذا المحذوف وتوبة الله تعالى على عبده تكون بمعنى توفيقه للتوبة كما في:{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة: 118]، وبمعنى قبول توبته. قال الشمني: وقيل إذا بعد حتى قد تجرد عن الشرط وتبقى لمجرد الوقت فلا تحتاج إلى جواب بل تكون غاية للفعل قبلها أي:

خلفوا إلى هذا الوقت ثم تاب عليهم.

قوله: "على زيادة الفاء" لأنه عهد زيادتها ولم يعهد زيادة ثم، وترد ثم للاستئناف كما في قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [العنكبوت: 19]، فجملة ثم يعيده مستأنفة؛ لأن إعادة الخلق لم تقع فيقرروا برؤيتها ويؤيد كونها مستأنفة قوله تعالى عقب ذلك:{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ} [العنكبوت: 20] ،

كذا في المغني. قوله: "واخصص بفاء إلخ" وفي التسهيل أنها تنفرد أيضًا بعطف مفصل على مجمل متحدين معنى نحو: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45]، والترتيب في مثله ذكري لا معنوي لاتحاد المتعاطفين معنى. قوله:"وعكسه" بالنصب عطفًا على عطف في كلام الناظم.

قوله: "فيغضب هو زيد" يحتمل أن هو فاعل يغضب، فنكتة الإبراز دفع توهم كون زيد فاعلًا ليغضب فيختل التركيب لعدم الضمير حينئذٍ في كل من الجملتين، لا كون الفعل جرى على غير من هو له كما قيل؛ لأنه ممنوع بل هو جار على من هو له، ويحتمل أن الفاعل ضمير مستتر في يغضب وهو توكيد له وهذا ظاهر كلام الدنوشري، وما قبله ظاهر كلام التصريح، ويحتمل أنه ضمير منفصل مبتدأ خبره زيد والجملة خبر الموصول، ويحتمل أنه ضمير فصل لا محل له من الإعراب، فالاقتصار على الأول تقصير، وفاعل يغضب على الأخيرين ضمير مستتر فيه يعود على الذي.

قوله: "فكان الأولى إلخ" لو عبر بالواو لكان أولى لوجهين: الأول أن أولوية التعبير بعبارة تشمل مسألتي الصفة والخبر لا تتفرّع على جريان الحكم في عكس صورة المتن أيضًا، فلا يظهر

ص: 141

بَعْضَا بِحَتَّى اعطف على كلٍّ ولا

يكون إلا غاية الذي تَلا

ــ

أن يقول كما في التسهيل وتنفرد الفاء بتسويغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صلة أو صفة أو خبر ليشمل مسألتي الصلة المذكورتين، والصفة نحو: مررت بامرأة تضحك فيبكي زيد وبامرأة يضحك زيد فتبكي، والخبر نحو: زيد يقوم فتقعد هند وزيد تقعد هند فيقوم ومن هذا قوله:

851-

وإنسانُ عَيْنِي يَحْسِرُ الماءُ

تارَةًفَيَبْدُو وتاراتٍ يَجُمُّ فيَغْرَقُ

ويشمل أيضًا مسألتي الحال ولم يذكره نحو: جاء زيد يضحك فتبكي هند، وجاء زيد تبكي هند فيضحك، فهذه ثمان مسائل يختص العطف فيها بالفاء دون غيرها، وذلك لما فيها من معنى السببية "بعضًا بحتى اعطف على كل ولا يكون إلا غاية الذي تلا" أي: للعطف بحتى شرطان: الأول أن يكون المعطوف بعضًا من المعطوف عليه أو كبعضه كما قاله في التسهيل نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، وأعجبتني الجارية حتى حديثها، ولا يجوز حتى ولدها. وأما قوله:

852-

أَلقَى الصَّحِيفَةَ كَي يُخَفِّفَ رَحْلَهُ

والزَّادَ حَتَّى نَعْلَهُ أَلقَاهَا

ــ

التفريع بالنسبة إليهما. الثاني أن ما قبل فاء التفريع علة لما بعدها فلا يحسن التعليل بعد شمول مسألتي كل من الصلة والصفة والخبر فتأمل. قوله: "يحسر الماء" بحاء وسين مهملتين من بابي ضرب وقتل كما في المصباح أي: يرتفع وينزاح وقوله: يجمّ بضم الجيم وكسرها أي: يكثر. قوله: "ويشمل أيضًا إلخ" الضمير يرجع إلى اختصاص الفاء ويشمل بالرفع على الاستئناف، وليس الضمير راجعًا إلى أن يقول كما في التسهيل، ويشمل بالنصب عطفًا على مدخول اللام في قوله سابقًا ليشمل إلخ؛ لعدم شمول ذلك القول مسألتي الحال كما قال ولم يذكره أي: في التسهيل اللهم إلا أن يراد بالصفة ما يشمل الحال؛ لأنها صفة في المعنى، ويراد بقوله ولم يذكره أي: نصا وفيه ما لا يخفى من التكلف، وبما قررناه اندفع تنظير شيخنا. قوله:"أن يكون المعطوف بعضًا من المعطوف عليه" بأن يكون جزءًا منه أو فردًا أو نوعًا وقوله أو كبعضه أي: في شدة الاتصال.

قوله: "فعلى تأويل ألقى ما يثقله" أي: تأويل ألقى الصحيفة والزاد بألقى ما يثقله ونعله بعض ما يثقله، فالمعطوف بعض تأويلًا، وقد روي نعله بالأوجه الثلاثة كما سيذكره الشارح. قوله:"والثاني أن يكون غاية إلخ" والتحقيق كما في المطول أن المعتبر في حتى ترتيب أجزاء ما

851- البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه ص460؛ وخزانة الأدب 2/ 192؛ والدرر 2/ 17؛ والمقاصد النحوية 1/ 578، 4/ 449؛ ولكثير في المحتسب 1/ 150، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 103، 7/ 257؛ وأوضح المسالك 3/ 362؛ وتذكرة النحاة ص668؛ ومجالس ثعلب ص612؛ ومغني اللبيب 2/ 501؛ والمقرب 1/ 83؛ وهمع الهوامع 1/ 98.

852-

البيت من الكامل، وهو للمتلمس في ملحق ديوانه ص327؛ وشرح شواهد المغني 1/ 370؛ ولأبي "أو لابن" مروان النحوي في خزانة الأدب 3/ 21، 24؛ والدرر 4/ 113؛ وشرح التصريح 2/ 141؛ الكتاب 1/ 97؛ والمقاصد النحوية 4/ 134؛ ولمروان بن سعيد في معجم الأدباء 19/ 149؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص269؛ وأوضح المسالك 3/ 365؛ والجنى الداني ص547، 553؛ وخزانة الأدب 9/ 472؛ والدرر 6/ 140؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 411؛ وشرح عمدة الحافظ ص614؛ ورصف المباني ص182؛ وشرح قطر الندى ص304؛ وشرح المفصل 8/ 19؛ ومغني اللبيب 1/ 24؛ وهمع الهوامع 2/ 24، 36.

ص: 142

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فعلى تأويل ألقى ما يثقله حتى نعله. والثاني: أن يكون غاية في زيادة أو نقص نحو: مات الناس حى الأنبياء، وقدم الحجاج حتى المشاة. وقد اجتمعا في قوله:

853-

قَهَرْناكُم حَتَّى الكُماةَ فأَنْتُمُ

تَهابُونَنَا حتى بَنِينَا الأصاغِرا

تنبيهات: الأول بقي شرطان آخران: أحدهما أن يكون المعطوف ظاهرًا لا مضمرًا كما هو شرط في مجرورها إذا كانت جارة، فلا يجوز: قام الناس حتى أنا، ذكره ابن هشام الخضراوي. قال في المغني: ولم أقف عليه لغيره. ثانيهما: أن يكون مفردًا لا جملة وهذا يؤخذ من كلامه؛ لأنه لا بد أن يكون جزءًا ما قبلها، أو كجزء منه كما تقدم، ولا يتأتي ذلك إلا في المفردات هذا هو الصحيح، وزعم ابن السيد في قول امرئ القيس:

ــ

قبلها ذهنًا من الأضعف إلى الأقوى أو بالعكس، ولا يعتبر الترتيب الخارجي لجواز أن تكون ملابسة الفعل لما بعدها قبل ملابسته للأجزاء الأخر نحو: مات كل أب لي حتى آدم أو في أثنائها نحو: مات الناس حتى الأنبياء، أو في زمان واحد نحو: جاءني القوم حتى زيد إذا جاءوك معًا وزيد أضعفهم أو أقواهم. قوله: "زيادة أو نقص" أي: معنويين كمثالي الشارح أو حسيين نحو: فلان يهب الأعداد الكثيرة حتى الألوف، ونحو: المؤمن يجزى بالحسنات حتى مثقال الذرة. قوله: "حتى الكمأة" جمع كمي على غير قياس، وهو كما في القاموس الشجاع أو لابس السلاح.

قوله: "بقي شرطان آخران" زاد في التصريح نقلًا عن الموضح شرطًا آخر وهو أن يكون ما بعدها شريكًا في العامل فلا يجوز صمت الأيام حتى يوم الفطر. قوله: "أن يكون المعطوف ظاهرًا لا مضمرًا" قال الحفيد: لأن معطوفها

بعض مما قبلها أو كبعضه، ولو دخلت على ضمير غيبة لكان ظاهرًا في أنه عين الأول لا بعضه، فيلزم عطف الشيء على نفسه ثم حمل ضمير المتكلم والمخاطب على ضمير الغائب ا. هـ. وما ذكره في ضمير الغيبة ليس على إطلاقه، فإنك لو قلت: زيد ضربت القوم حتى إياه لم يكن معطوفها عين ما قبلها، مع أن صورة كون معطوفها عين ما قبلها خارجة بالشرط الأول؛ لأن ما كان عينًا ليس بعضًا فالحق عدم اشتراط كون مجرورها ظاهرًا لا ضميرًا.

قوله: "الخضراوي" نسبة إلى الجزيرة الخضراء بلد من بلاد الأندلس.

دماميني. قوله: "مفردًا" لو قال اسمًا لكان أحسن؛ لأن المفرد يشمل الفعل مع أنها لا تعطفه. قوله: "أن يكون جزءًا" أراد بالجزء البعض ليشمل الجزئي ولو عبر بالبعض لكان أوضح وأوفق بعبارة الناظم.

قوله: "ولا يتأتى ذلك إلا في المفردات" اعترضه الدماميني بأنه لو قيل فعلت مع زيد ما

853- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الجنى الداني ص549؛ والدرر 6/ 139؛ وشرح شواهد المغني 1/ 373؛ وشرح عمدة الحافظ ص615؛ ومغني اللبيب 1/ 127؛ وهمع الهوامع 2/ 136.

ص: 143

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

854-

سَرَيتُ بهم حَتَّى تَكِلُّ مَطِيُّهُمْ

وحَتَّى الجِيادُ ما يُقَدْنَ بِأرْسانِ

فيمن رفع تكل أن جملة تكل مطيهم معطوفة بحتى على سريت بهم. الثاني: حتى بالنسبة إلى الترتيب كالواو خلافًا لمن زعم أنها للترتيب كالزمخشري. قال الشاعر:

855-

رِجالِيَ حَتَّى الأَقْدمونَ تَمَالئوا

على كُلِّ أمر يُورِث المجد والحَمْدا

الثالث: إذا عطف بحتى على مجرور قال ابن عصفور: الأحسن إعادة الجار ليقع الفرق بين العاطفة والجارة. وقال ابن الخباز: تلزم إعادته للفرق، وقيده الناظم بأن لا يتعين

ــ

أقدر عليه حتى خدمته بنفسي كان المعطوف بها بعضًا مع أنه جملة، وصرح النحاة وأهل المعاني بأن الجملة تبدل مما قبلها بدل بعض من كل نحو:{أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} [الشعراء: 132 و133] ، وأقره الشمني. وأجاب عنه البعض بأن البعضية في المثال إنما تظهر بالنسبة إلى المعنى التضمني، وكلام القائل بالنسبة إلى المعنى المطابقي ولا بعضية فيه، ويرد بأن زمن خدمته بنفسه بعض زمن فعل ما يقدر عليه، كما أن الخدمة بعض فعل ذلك، وحينئذٍ فالمعنى المطابقي بعض، وأما النسبة فليست جزء مفهوم الفعل على الراجح، ولئن سلم أنها جزؤه فبعضيتها باعتبار بعضية أحد طرفيها وهو الخدمة المنسوبة فتدبر.

قوله: "تكلّ" أي: تتعب والمطي اسم جنس جمعي لمطية وهي الدابة. والجياد جمع جواد وهو الفرس الجيد، والأرسان جمع رسن بالتحريك وهو الحبل أي: وحتى صارت الخيل لا تقاد بمقاودها، بل تسير بنفسها وهو كناية عن شدة تعبها قاله الدماميني. قوله:"فيمن رفع تكل" والمعنى حتى كلت ولكنه جاء مضارعًا على حكاية الحال الماضية، وأما من نصب فهي الجارة، ولا بد على النصب من تقدير زمان مضاف إلى كلال مطيهم مغني. والذي يظهر لي أن تقدير هذا المضاف غير ضروري فتدبر. والواو على النصب عاطفة لمحذوف على سريت بهم تقديره: وسريت بهم حتى الجياد إلخ، فلا يرد أنه لا يستقيم عطف حتى الابتدائية وجملتها على حتى الجارة ومجرورها قاله الدماميني.

قوله: "معطوفة بحتى" والصحيح أنها ابتدائية في الموضعين.

قوله: "بالنسبة إلى الترتيب" أي: إلى عدمه بدليل ما بعده والمراد الترتيب الخارجي فلا ينافي أنها للترتيب الذهني كما مر بيانه. قوله: "تمالئوا" أي: اجتمعوا. قوله: "وقيده الناظم" أي:

854- البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص93؛ والدرر 6/ 141؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 420؛ وشرح شواهد الإيضاح ص228، 255؛ وشرح شواهد المغني 1/ 374؛ وشرح المفصل 5/ 79؛ والكتاب 3/ 27، 626، ولسان العرب 15/ 284 "مطا"؛ ومغني اللبيب 1/ 127، 130؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص267؛ وجواهر الأدب ص404؛ ورصف المباني 5/ 181؛ وشرح المفصل 8/ 19؛ ولسان العرب 15/ 124 "غزا"؛ والمقتضب 2/ 72؛ وهمع الهوامع 136.

855-

البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الدرر 6/ 136؛ وشرح عمدة الحافظ ص616؛ وهمع الهوامع 2/ 136.

ص: 144

وأَمْ بها اعطِف إثر هَمْز التَّسْوِيه

أو همزة عن لفظ أَيٍّ مُغْنيَه

ــ

كونها للعطف نحو: اعتكفت في الشهر حتى في آخره، فإن تعين العطف لم تلزم الإعادة نحو: عجبت من القوم حتى بنيهم. وقوله:

856-

جُودُ يُمْناكَ فاضَ في الخَلقِ حَتَّى

بائِسٍ دانَ بالإساءَةِ دِينَا

الرابع: حيث جاز الجر والعطف فالجر أحسن إلا في باب: ضربت القوم حتى زيدًا ضربته بالنصب أحسن على تقدير كونها عاطفة وضربته توكيد، أو ابتدائية وضربته تفسير، وقد روى بهما قوله: حتى نعله ألقاها، وبالرفع أيضًا على أن حتى ابتدائية ونعله مبتدأ وألقاها خبره ا. هـ. "وأم بها اعطف إثر همز التسوية" وهي الهمزة الداخلة على جملة في

ــ

قيد اللزوم قال في المغني: وهو حسن. قوله: "بأن لا يتعين إلخ" الضابط أنه متى صح حلول إلى محلها كانت محتملة للأمرين وإلا تعينت للعطف. قوله: "نحو: عجبت من القوم إلخ" إنما لم يصح الجر في المثال، والبيت لعدم صلاحية إلى في موضع حتى، ولكون ما بعدها ليس آخرًا ولا متصلًا بالآخر هذا حاصل ما في المغني وشراحه كما قاله شيخنا، وناقش الدماميني في التعليل الأول بأنه دعوى بلا دليل، وأي مانع من كون العجب في المثال انتهى إلى البنين، وفيض الجود في البيت انتهى إلى البائس. وقد يقال المانع عدم مناسبة ذلك مقام التعجب والمدح، ثم البعضية التي هي شرط في العاطفة ظاهرة في البيت، وكذا في المثال إن جعلنا الإضافة في بنيهم على معنى من التبعيضية، وعليه يحمل قول المغني: إنهم بعض القوم، فإن جعلت بمعنى اللام اقتضت عدم دخول بنيهم فيهم فافهم. قوله:"بائس" البائس من أصابه البؤس أي: الشدة، وقوله: دان بالإساءة دينًا بكسر الدال أي: تدين بالإساءة تدينًا أي: جعل الإساءة دينه لتكررها منه كثيرًا. قوله: "فالجر أحسن" لقلة العطف بحتى، حتى أنكره الكوفيون كما مر.

قوله: "إلا في باب ضربت القوم إلخ" أراد ببابه أن يقع بعد الاسم التالي حتى فعل مشتغل بنصب ضميره كما في المغني، فإن اشتغل برفعه نحو: قام القوم حتى زيد قام امتنع النصب وجاز الرفع والجر. قوله: "حتى زيدًا إلخ" أي: إذا كان زيد آخر القوم ليوجد شرط جواز الجر. قوله: "فالنصب أحسن إلخ" علله في المغني بأن الفعل لا يكون مؤكدًا بعد حتى الجارة نقله شيخنا السيد وهو يفيد تعين النصب فيخالف ما يقتضيه كلام الشارح من جواز الجر فتأمل. وقال شيخنا: انظر لم كان غير الجر في هذا الباب أحسن ا. هـ. وقد توجه الأحسنية بأن في النصب مشاكلة الضمير لمرجعه في الإعراب.

قوله: "وضربته توكيد" أي: لضربت زيدًا الذي تضمنه قولك: ضربت القوم لدخول زيد في القوم لا لضربت القوم حتى يرد أن الضمير ليس راجعًا للقوم حتى يكون ضربته تأكيدًا لضربت القوم بل لزيد. قوله: "بهما" أي: الجر والنصب وعليهما فألقاها توكيد إلا إذا جعلت حتى في النصب ابتدائية وألقاها تفسير.

856- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في الدرر 6/ 142؛ وشرح شواهد المغني 1/ 377؛ ومغني اللبيب 1/ 128؛ وهمع الهوامع 2/ 137.

ص: 145

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

محل المصدر، وتكون هي والمعطوفة عليها فعليتين وهو الأكثر نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ

ــ

قوله: "وأم بها اعطف إثر همزة التسوية" أي: بعدها ولا يجوز العطف بأو قياسًا، فقول الفقهاء سواء كان كذا أو كذا خطأ كقولهم: يجب أقل الأمرين من كذا أو كذا؛ لأن الصواب فيه الواو قاله في المغني. ثم ذكر أن قول الصحاح تقول: سواء عليّ قمت أم قعدت سهو، وأن قراءة ابن محيصن "وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَنْذَرْتَهُمْ أَوْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ" من الشذوذ بمكان ا. هـ. ونقل الدماميني عن السيرافي: أن سواء إذا دخلت بعدها همزة التسوية لزم العطف بأم وإذا وقع بعدها فعلان بغير الهمزة جاز العطف بأو. قال الدماميني: وهذا نص صريح يقضي بصحة كلام الفقهاء وبصحة ما في الصحاح، وقراءة ابن محيصن ا. هـ. قال الشمني: ما في المغني هو مقتضى القياس إذ لا فرق بين همزة التسوية والتسوية بلا همزة ا. هـ. وكأن من فرّق رأى التسوية مع الهمزة أقوى. ونقل الدماميني أيضًا عن سيبويه جواز العطف بعد ما أدري وليت شعري مع الهمزة بأم وبأو، ثم قال: والعجب من إيراد المصنف يعني ابن هشام كلام الفقهاء والصحاح وقراءة ابن محيصن في العطف بعد همزة التسوية، والفرض أن لا همزة في شيء من ذلك، وكأنه توهم أن الهمزة لازمة بعد كلمة سواء فتقدر إن لم تذكر وتوصل بذلك إلى الرد ا. هـ.

ويوافق ما في المغني ما سيذكره الشارح عند قوله: وربما حذفت الهمزة إلخ ثم

ذكر الدماميني في قول المغني كقولهم يجب أقل الأمرين إلخ: أنه يدفع الخطأ في قولهم المذكور بجعل من بيانية لا أقل. قال الدماميني: فإن قلت فما وجه العطف بأو والتسوية تأباه؛ لأنها تقتضي شيئين فصاعدًا وأو لأحد الشيئين أو الأشياء؟ قلت: وجهه السيرافي بأن الكلام محمول على معنى المجازاة. قال: فإذا قلت سواء عليّ قمت أو قعدت فتقديره إن قمت أو قعدت فهما على سواء، وعليه فلا يكون سواء خبرًا مقدمًا ولا مبتدأ كما قيل، فليس التقدير: قيامك أو قعودك سواء عليّ أو سواء عليّ قيامك أو قعودك بل سواء خبر مبتدأ محذوف أي: الأمران سواء، وهذه الجملة دالة على جواب الشرط المقدر وصرح الرضي بمثل ذلك ا. هـ. وإنما قال بمثل ذلك؛ لأن فرض كلام الرضي في أم وقد أسلفناه مع زيادة في الاستثناء. ثم قال في المغني: فإن كان العطف بأو بعد همزة الاستفهام جاز وكان الجواب بنعم أو بلا؛ لأنه إذا قيل أزيد عندك أو عمرو فالمعنى: أأحدهما عندك وإن أجيب بالتعيين صح؛ لأنه جواب وزيادة ا. هـ.

وما مر من أن ابن محيصن يقرأ بأو سيأتي في الشارح عند قول المصنف: وربما حذفت الهمزة إلخ أنه يقرأ بأم فحرره. واعلم أن الظاهر أن التسوية في قولنا:

سواء عليّ أقمت أو قعدت مدلولة لسواء لا للهمزة، وفي قولنا ما أبالي أقمت أم قعدت مستفادة من ما أبالي لا من الهمزة فتسميتها همزة التسوية لوقوعها بعد ما يدل على التسوية. وانظر ما مدلول الهمزة حقيقة ولعلها لتأكيد التسوية فتدبر.

قوله: "على جملة في محل المصدر" المناسب أن يقول على جملة هي معها في محل المصدر كذا في يس وفيه نظر. وهذا من مواضع تأويل الجملة بالمصدر بلا سابك بناء على قول

ص: 146

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَأَنْذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6] الآية، واسميتين كقوله:

857-

وَلَسْت أُبَالي بعدَ فَقْدِي مالِكًا

أَمَوْتِي ناءٍ أم هو الآن واقِعُ

ومختلفتين نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ} [الأعراف: 193] الآية. وإذا عادلت بين جملتين في التسوية فقيل: لا يجوز أن يذكر بعدها إلا الفعلية، ولا يجوز: سواء علي أزيد قائم أم عمرو منطلق فهذا لا يقوله العرب، وأجازه الأخفش قياسًا على الفعلية. وقد عادلت بين مفرد وجملة في قوله:

858-

سَوَاءٌ عَلَيكَ النَّفْرُ أمْ بِتُّ لَيلَةً

بِأَهْلِ القِبَابِ مِنْ عُمَيرِ بنِ عامِرِ

"أو" بعد "همز عن لفظ أي مغنيه" وهي الهمزة التي يطلب بها وبأم التعيين، وتقع

ــ

الجمهور إن ما بعد الهمزة مبتدأ مؤخر، ومنها الجملة المضاف إليها الظرف نحو:{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] ، ومنها تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه بناء على عدم تقدير أن، قاله في المغني. قوله:"ولست أبالي" أي: أكترث فهو متعد بنفسه؛ لأن معناه لا أفكر فيه ازدراء به فالجملة بعده في محل نصب، والفعل معلق أفاده الدماميني. وقد يتعدى أبالي بالباء والوجهان صحيحان كما قاله الشنواني نقلًا عن النووي. قوله: أموتي ناء أي: بعيد.

قوله: "نحو: سواء عليكم أدعوتموهم" أي: الأصنام أي: ونحو: سواء عليّ أزيد قائم أم قعد فتم التمثيل. قوله: "فقيل لا يجوز إلخ" يرد عليه أنه سمع ذكر الاسمية بعدها في قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193]، وفي قول الشاعر: ولست أبالي إلخ كما قدم ذلك فلا يصح قوله فهذا لا يقوله العرب ولا قوله، وأجازه الأخفش قياسًا على الفعلية المقتضي عدم السماع. وفي نسخ إسقاط قوله وإذا عادلت بين الجملتين إلخ وهو أولى. قوله:"مغنيه" أي: مع أم كما أشار إليه الشارح فقد حقق الدماميني أن أيا سادة مسد الهمزة وأم جميعًا لا الهمزة فقط. قوله: "وتقع" أي: أم المسبوقة بهمزة التعيين. قوله: "بين مفردين غالبًا" ومن غير الغالب أن تقع بين مفرد وجملة كقوله تعالى: {إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} [الجن: 25] ، وبين جملتين كما سيذكره الشارح.

قوله: "ويتوسط بينهما إلخ" ما لا يسأل عنه في الأول المسند؛ لأن السؤال عن المسند إليه وفي الثاني بالعكس. وبيان ذلك أن شرط الهمزة المعادلة لأم أن يليها أحد الأمرين المطلوب تعيين أحدهما ويلي أم المعادل الآخر؛ ليفهم السامع من أول الأمر ما طلب تعيينه، تقول إذا استفهمت عن تعيين المبتدأ دون الخبر: أزيد قائم أم عمرو وإن شئت أخرت زيد قائم؛ لأنه غير

857- البيت من الطويل، وهو لمتمم بن نويرة في ديوانه ص105؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 51؛ وأوضح المسالك 3/ 368؛ وجواهر الأدب ص187؛ والدرر 6/ 97؛ وشرح التصريح 2/ 142؛ وشرح شواهد المغني 1/ 134؛ ومغني اللبيب 1/ 41؛ والمقاصد النحوية 4/ 136؛ وهمع الهوامع 2/ 132.

858-

البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في المقاصد النحوية 4/ 179.

ص: 147

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بين مفردين غالبًا، ويتوسط بينهما ما لا يسئل عنه نحو:{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: 27]، أو يتأخر عنهما نحو:{وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 109]، وبين فعليين كقوله:

859-

فَقُلتُ أهي سَرَتْ أم عادَنِي حُلُمُ

ــ

مسؤول عنه، وإذا استفهمت عن تعيين الخبر دون المبتدأ أقائم زيد أم قاعد. وإن شئت أخرت زيدًا؛ لأنه غير مسئول عنه، وقس على هذا نقله الدماميني عن ابن الحاجب وابن هشام وغيرهما ثم ساق عن سيبويه كلامه الذي هو كما قاله نص في أن إيلاء المسئول عنه الهمزة أولى لا واجب، كما قاله الجماعة.

قوله: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} هذا الاستفهام توبيخي لا حقيقي ولا ينافيه قول الشارح بعد؛ لأن الاستفهام معها على حقيقته؛ لأنه باعتبار الغالب أو أراد بالاستفهام الحقيقي ما يطلب جوابًا وإن كان توبيخًا أو إنكاريا بقرينة المقابلة نقله البعض عن البهوتي، وهو صريح في أن الاستفهام الإنكاري والتوبيخي يطلب جوابًا وقد يمنع؛ لأن الأول بمعنى لم يقع أو لا يقع، والثاني بمعنى ما كان ينبغي أو لا ينبغي، ولا يستدعي شيء من ذلك جوابًا. ولو قيل أراد بالاستفهام الحقيقي ما ليس خبرًا مجردًا عن طلب الفهم وعن التوبيخ والتقرير ونحوها لكان أسلم، ثم دعوى أن الاستفهام في الآية توبيخي يردها أن تالي همزة التوبيخ واقع أو يقع وفاعله ملوم نحو:{أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] ، صرح به في المغني وهذا منتف في الآية، فالظاهر أنه تقريري فتأمل. قال الدماميني: ووجه كونها في الآية بين مفردين مع أن المتقدم عليها في الصورة جملة أن السماء معطوفة على أنتم وأشد خلقًا خبر مؤخر عن المتعاطفين تقديرًا ا. هـ. وكالآية في هذا قول زهير:

وما أدري ولست إخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء

وجعل الشمني أم في البيت بين جملتين بتقدير: أم هم نساء فارقًا بينه وبين الآية بأن فعل الدراية معلق في البيت، والتعليق إنما يكون عن جملة وهي هنا ما بعد الهمزة فيجب أن يكون معادله، وهو ما بعد أم جملة أيضًا. ويرد بأن المعلق عنه مجموع الكلام على حد ما أدري أزيد أم

859- صدره:

فقمت للطيف مُرتاعًا فأَرَّقَنِي

والبيت من البسيط وهو لزياد بن منقذ في خزانة الأدب 5/ 244، 245؛ والدرر 1/ 190؛ وشرح التصريح 2/ 143؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1396، 1402؛ وشرح شواهد الشافية ص190؛ وشرح شواهد المغني 1/ 134؛ ومعجم البلدان 1/ 256 "أميلح"؛ والمقاصد النحوية 1/ 259، 4/ 137؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 127؛ وأمالي ابن الحاجب 1/ 456؛ وأوضح المسالك 3/ 370؛ والخصائص 1/ 305، 2/ 330؛ والدرر 6/ 97؛ وشرح شواهد المغني 2/ 798؛ وشرح المفصل 9/ 139؛ ولسان العرب 15/ 376 "هيا"؛ ومغني اللبيب 1/ 41؛ وهمع الهوامع 2/ 132.

ص: 148

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذ الأرجح أن هي فاعل بفعل محذوف. واسميتين كقوله:

860-

لَعَمْرُكَ ما أَدْرِي وإنْ كُنت دارِيا

شُعَيثُ ابْنُ سَهْم أم شُعَيْثُ ابن مِنْقَرِ

الأصل أشعيث، فحذفت الهمزة والتنوين منهما.

ــ

عمرو في الدار نعم إن قلنا الهمزة بعد نحو: ما أدري، للتسوية وجبت قدير مبتدأ في البيت فقط؛ لأن همزة التسوية إنما تكون بين جملتين بخلاف همزة الاستفهام وسيأتي بسط ذلك. قوله:"أهي" بسكون الهاء ولم يجئ بعد الهمزة إلا في الشعر كما نقله الدماميني عن شرح التسهيل للناظم، وعادني أتاني والحلم بضمتين وتسكن اللام ما يراه النائم، والضمير يرجع إلى محبوبته التي رآها في المنام فلما استيقظ قال: أهي أتتني حقيقة أم أتاني خيالها في النوم؟

باعتبار عادتهم في مبالغتهم بطريق التجاهل. ويوجد في بعض النسخ صدر

البيت وهو:

فقمت للطيف مرتاعًا فأرّقني

أي: قمت لأجل خيال المحبوبة المرئي في النوم حالة كوني مرتاعًا للقائه هيبة، وأرقني أي: أسهرني ذلك لما لم أجد بعد الانتباه شيئًا محققًا. قوله: "إذ الأرجح" تعليل لقوله بين فعليتين، وقوله بفعل محذوف أي: يفسره سرت. وإنما كان هذا أرجح؛ لأنه الذي يدل عليه وقوع الفعل بعد أم المعادلة للهمزة. وقال في التصريح: لأن الاستفهام بالفعل أولى من حيث إن الاستفهام عما يشك فيه وهو الأحوال؛ لأنها متجددة، وأما عن الذوات فقليل ا. هـ. ومن ثم رجح النصب في أزيدًا ضربته.

قوله: "لعمرك ما أدري إلخ" أي: ما أدري أي: النسبين هو الصحيح وإن كنت داريًا بغير ذلك وشعيث بالمثلثة آخره، وصحفه من رواه بالموحدة كما في شرح شواهد المغني للسيوطي. ومنقر ضبطه الدماميني والشمني بكسر الميم وفتح القاف وبالراء قالا: وهو أي: البيت هجو لشعيث أي: لهذا الحي بأنهم لم يستقروا على أب واحد، وضبطه في التصريح بكسر الميم والقاف ويكتب ابن سهم وابن منقر بالألف؛ لأنه خبر لا نعت؛ ولهذه العلة كان حق شعيث التنوين. قوله:"فحذفت الهمزة والتنوين منهما" أي: للضرورة وقيل حذف الهمزة جائز اختيارًا. ونقل الدماميني أن المختار اطراد حذفها اختيارًا قبل أم المتصلة لكثرته نظمًا ونثرًا، ومنع الصرف لإرادة القبيلة ولا ينافيها الوصف بابن لجواز رعاية التأنيث والتذكير باعتبارين أفاده الدماميني. هذا وكان على الشارح أن يزيد ومختلفين نحو:{أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 59] ، بناء على الأرجح من فاعلية أنتم لمحذوف على ما مر في أهي سرت، وقد يعارضها هنا تناسب المتعاطفين فتستوي

860- البيت من الطويل، وهو للأسود بن يعفر في ديوانه ص37؛ وخزانة الأدب 11/ 122؛ وشرح التصريح 2/ 143؛ وشرح شواهد المغني ص138؛ والكتاب 3/ 175؛ والمقاصد النحوية 4/ 138؛ ولأوس بن حجر في ديوانه ص49؛ وخزانة الأدب 11/ 128؛ وللأسود أو للعين المنقري في الدرر 6/ 98؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 327؛ ولسان العرب 2/ 162 "شعث"؛ والمحتسب 1/ 50؛ ومغني اللبيب 1/ 42؛ والمقتضب 3/ 294؛ وهمع الهوامع 2/ 132.

ص: 149

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيهان: الأول تسمى أم في هذين الحالين متصلة؛ لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر. وتسمى أيضًا معادلة لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية في النوع الأول والاستفهام في النوع الثاني. ويفترق النوعان من أربعة أوجه: أولها وثانيها أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جوابًا؛ لأن المعنى معها ليس على الاستفهام، وأن

ــ

الاسمية والفعلية كما قاله الدماميني.

قوله: "متصلة" قال في الهمع: ويؤخر المنفي فيها بنوعيها فلا يجوز: سواء عليّ ألم يجىء زيد أم جاء ولا ألم يقم أم قام. قوله: "لا يستغنى بأحدهما عن الآخر" أما في الحال الأول؛ فلأن المقصود الإخبار بالتسوية، وهي لا تتحقق إلا بينهما، وأما في الثاني؛ فلأن المقصود طلب تعيين أحد الأمرين، فلا بد من ذكرهما. وقيل إنما سميت بذلك؛ لأنها اتصلت بالهمزة حتى صارتا في إفادة المقصود بمثابة كلمة واحدة؛ لأنهما جميعًا بمعنى أي. ورجح هذا على الأول بأن الاتصال عليه راجع إلى أم نفسها وعلى الأول راجع إلى متعاطفيها، وعورض بأن الثاني إنما يأتي في أم المسبوقة بهمزة الاستفهام لا المسبوقة بهمزة التسوية، فيترجح الأول لشموله النوعين وعليه اقتصر في المغني أفاده في التصريح.

قوله: "في إفادة التسوية" أي: في جملة إفادة التسوية أي: في الجملة التي تفيد التسوية، ومعنى معادلتها للهمزة في هذه الجملة أنه يليها عديل ما يلي الهمزة فاندفع بتقرير عبارته على هذا الوجه ما توهمه من أن كلا من الهمزة وأم له دخل في إفادة التسوية فتدبر.

قوله: "في النوع الأول" أي: أم بعد همزة التسوية وقوله في النوع الثاني أي: أم بعد همزة الاستفهام بقرينة قوله أن الواقعة بعد همزة التسوية إلخ. قوله: "ليس على الاستفهام" أي: بل على الإخبار بالتسوية لانسلاخها عن الاستفهام، فهي مجاز بالاستعارة. قال ابن يعيش: وإنما جاز استعارتها للتسوية للاشتراك في معنى التسوية، إذ الأمر: إن اللذان تسأل عن تعيين أحدهما مستويان عندك في عدم التعيين ا. هـ. وكما تستعار الهمزة للتسوية تستعار للإنكار الإبطالي فيكون ما بعدها غير واقع ومدعيه كاذبًا نحو: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} ، ومنه {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} ، {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ؛ لأنها أبطلت ما بعدها من النفي فصارت الجملة خبرية مثبتة بمعنى الله كاف عبده وشرحنا لك صدرك لا إنشائية؛ ولهذا صح عطف وضعنا على ألم نشرح ومن جعلها فيهما للتقرير، أراد التقرير بما بعد النفي ويظهر أن الهمزة في ألم نشرح على هذا ليست من المعطوف عليه، وأنها مسلطة على ما بعد العاطف أيضًا وللإنكار التوبيخي فيكون ما بعدها واقعًا أو يقع وفاعله ملومًا نحو:{أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا} [النمل: 84]، {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} وللتهكم نحو:{أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا} [هود: 87]، وللتعجب كقولك: أخلص زيد الأسير متعجبًا وللاستبطاء نحو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 17] ، والجامع بين الاستفهام والمعاني المذكورة استلزام كل مطلق الانتفاء فإن الاستفهام عن شيء يستلزم انتفاء علمه، والإنكار الإبطالي يستلزم انتفاء وقوع الشيء المنكر والتوبيخي يستلزم انتفاء لياقته والتهكم

ص: 150

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب؛ لأنه خبر وليست تلك كذلك؛ لأن الاستفهام معها

ــ

يستلزم انتفاء تعظيم المتهكم به، والتعجب يستلزم انتفاء علم سبب الشيء المتعجب منه؛ ولهذا يقولون إذا ظهر السبب بطل العجب.

والاستبطاء يستلزم انتفاء المبادرة وللأمر نحو: {أَأَسْلَمْتُمْ} [آل عمران: 20]، أي: أسلموا وللتهديد كقولك لمن يسيء إليك وهو يعلم أنك أدبت فلانًا على إساءته إليك وأنت تعلم علمه بذلك: ألم أؤدب فلانًا على إساءته إليّ، وللتقرير بمعنى طلب إقرار المخاطب بما يعرفه من نفي أو إثبات، ولا يشترط أن يلي الهمزة كما صرح به غير واحد كالتفتازاني نحو:{أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: 116]، ونحو:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] ، على احتمال وإنما لم يورد بعد الهمزة في الآيتين نفس المقرر به دفعًا لتهمة تلقين المتكلم للمخاطب الجواب المقرر به والجامع بين الاستفهام والمعاني الثلاثة مطلق الطلب، فإن الاستفهام طلب فهم المسئول عنه، والأمر طلب إيقاع المأمور به والتهديد يستلزم طلب ترك الشيء المهدد عليه والتقرير السابق طلب الإقرار، وللتقرير بمعنى التثبيت والتحقيق نحو: أضربت زيدًا أي: إنك ضربته ألبتة، قاله السعد والجامع: ترتب ثبوت الحكم. أما في هذا التقرير فظاهر، وأما في الاستفهام؛ فلأنه يترتب عليه الجواب المترتب عليه الثبوت، فعلم أن للتقرير معنيين لكن استعماله في الثاني قليل بالنسبة للأول كما أشار إليه في شرح التلخيص، ولغير ذلك وهل تشارك الهمزة في الإنكار الإبطالي نحو:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3]، والتقرير نحو:{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} [المطففين: 36]، {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5] ، والأمر نحو:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91]، هذا هو الصحيح على ما يؤخذ من حاشية السيوطي على المغني لكن في المغني في بحث هل أنها تختص عن الهمزة بأن يراد بها النفي ولهذا جاز: هل قام إلا زيد دون أقام إلا زيد ولا ترد الهمزة في نحو: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} [الإسراء: 40] ، من حيث إن الواقع انتفاء الاصفاء؛ لأنها للإنكار على مدعي الإصفاء، ويلزم منه النفي لا أنها للنفي ابتداء. وقد يكون الإنكار توبيخيا بمعنى ما كان ينبغي فعل كذا فيقتضي وقوع الفعل. فتلخص أن الإنكار على ثلاثة أوجه: إنكار على مدعي وقوع الشيء ويلزمه النفي، وإنكار على من أوقع الشيء ويختصان بالهمزة، وإنكار وقوع الشيء، وهذا معنى النفي وتختص به هل عن الهمزة ا. هـ. باختصار.

وربما استعير لهذه المعاني غير الهمزة، وهل من أسماء الاستفهام كالتوبيخ والتعجب في:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28]، والإبطال في:{وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135]، والتقرير في {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} قرره ليقول:{هِيَ عَصَايَ} نقله السيوطي عن أبي البقاء. وما ذكرته من توجيه الاستعارة في المعاني المذكورة هو ما ظهر لي فاعرفه. وفي شرح المغني للدماميني أن استفهام العارف المتجاهل حقيقي بحسب الادعاء. قوله: "وإن الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب إلخ" يعني أن جملة: سواء عليّ أقمت أم قعدت، وجملة: لست أبالي أمات زيد أم عاش ونحوهما يقبل التصديق والتكذيب؛ لأنه خبر بخلاف جملة: أزيد قائم أم عمرو

ص: 151

وَرُبَّمَا أُسْقِطَتِ الهمزة إنْ

كان خَفَا المعنى بحذفها أمِنْ

ــ

على حقيقته. والثالث والرابع. أن أم الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين، ولا تكون الجملتان معها إلا في تأويل المفردين. الثاني؛ قد بان لك أن همزة التسوية لا يلزم أن تكون واقعة بعد لفظة سواء، بل كما تقع بعدها بعد: ما أبالي وما أدري وليت شعري ونحوهن "وربما أسقطت الهمزة" المذكورة "وإن كان خفا المعنى بحذفها أمن" كقراءة ابن محيصن: "سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَنْذَرْتَهُمْ"[البقرة: 6]، وكما مر من قوله:

ــ

وجملة الاستفهام في قولنا: ما أدري أعمري طويل أم قصير، أما مجموع ما أدري أعمري طويل أم قصير فقابل للتصديق والتكذيب؛ لأنه خبر فافهم هذا التحقيق. قوله:"وليست تلك" أي: الواقعة بعد همزة الاستفهام كذلك أي: كالواقعة بعد همزة التسوية في الأمرين، وقوله: لأن الاستفهام إلخ تعليل للنفي في الأمرين. قوله: "لأن الاستفهام معها على حقيقته" أي: غالبًا أو أراد بكونه على حقيقته أنه ليس إخبارًا مجردًا عن طلب الفهم وعن التوبيخ والتقرير ونحوها، فلا يرد أن الزمخشري جوز في قوله تعالى في سورة الأنعام:{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ} [البقرة: 133]، كون أم متصلة مقدرًا قبلها معادلها أي: أتدعون على الأنبياء اليهودية أم إلخ، والهمزة فيه للإنكار التوبيخي، وفي قوله تعالى:{قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا} [البقرة: 80] ، كون أم متصلة والهمزة فيه للتقرير، ونقلهما في المغني ولم يتعقب واحدًا منهما أفاده الشمني.

لكن الأظهر كون الهمزة في الآية الأولى أيضًا تقريرية فتأمل. قوله: "إلا بين جملتين" أي: غالبًا فلا ينافي ما قدمه من أنها عادلت بين مفرد وجملة كما في قول الشاعر:

سواء عليك النفر أم بت ليلة

قوله: "قد بان لك" أي: من الضابط السابق والاستشهاد بقوله: ولست أبالي إلخ. قوله: "وما أدري إلخ" أنت خبير بأن الذي تبين مما قدمه أن الواقعة بعد ما أدري ليست همزة تسوية، بل همزة استفهام حيث مثل لهمزة الاستفهام بقوله تعالى:{وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 109]، وبقول الشاعر: لعمرك ما أدري إلخ أي: لا أدري جواب هذا الاستفهام، وهذا هو الأقرب عندي، ومثل ما أدري: ليت شعري ولا يحضرني ونحو ذلك، ثم رأيت الدماميني على المغني استظهر ما قلته مؤيدًا له بقصر الرضي همزة التسوية على الواقعة بعد قولهم: سواء، وقولهم: ما أبالي، وتصرفاته متعقبًا بذلك ما في المغني من التعميم الذي جرى عليه الشارح، ورأيت بعضهم مال إلى أنها للاستفهام بعد ما أبالي أيضًا كما يفيده ما مر عن الدماميني من كونه قلبيا معلقًا عن العمل في الجملة بعده، والمعنى لا أفكر في جواب هذا الاستفهام فتأمل. قوله:"حذفت الهمزة المذكورة" أي: الشاملة للنوعين المتقدمين بقرينة تمثيله بالمثالين الآتيين. قال الفارضي: وندر حذف أم ومعطوفها كقوله:

دعاني إليها القلب إني لأمره

سميع فما أدري أرشد طلابها

التقدير: أرشد أم غيّ وإذا استفهم بغير الهمزة عطف بأو نحو: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [مريم: 98]، وقد تكون هل بمعنى الهمزة فيعطف بأم بعدها كحديث: $"هل

ص: 152

وبِانْقِطاعٍ وبمعنى بَل وَفَتْ

إن تَكُ مما قُيِّدت به خَلَتْ

861- شُعَيثُ ابْنُ سَهْمٍ أم شُعَيثُ ابْنُ مِنْقَرِ

وهو في الشعر كثير. ومال في شرح الكافية إلى كونه مطردًا "وبانقطاع وبمعنى بل وفت" أي: تأتي أم منقطعة بمعنى بل. "إن تك مما قيدت به" وهو أن تكون مسبوقة بإحدى الهمزتين لفظًا أو تقديرًا "خلت" ولا يفارقها حينئذ معنى الإضراب، وكثيرًا ما تقتضي مع ذلك استفهامًا إما حقيقيا نحو: إنها لا بل أم شاء، أي: بل أهي شاء، وإنما قدرنا

ــ

"تزوجت بكرًا أم ثيبًا"، وتكون أم بمعنى الهمزة نحو: أم ضربت زيدًا التقدير:

أضربت زيدًا ا. هـ. وقوله: التقدير أرشد أم غي بحث فيه في المغني بجواز جعل الهمزة لطلب التصديق فلا يقدر لها معادل حينئذٍ.

قوله: "وبانقطاع إلخ" ظاهره أنها عاطفة قال شيخنا: وفي الرضي خلافه اهـ. وعليه يكون ذكرها هنا استطراديا لتتميم أقسام أم. ثم رأيت في الدماميني ما يفيد أن في كون أم المنقطعة عاطفة ثلاثة أقوال: فابن جني والمغاربة يقولون:

ليست للعطف أصلًا لا في مفرد ولا جملة. وابن مالك للعطف في المفرد قليلًا سمع من كلامهم أن هناك لا بلا أم شاء، وفي الجمل كثيرًا. وجماعة للعطف في الجمل فقط، وتأولوا ما سمع بتقدير ناصب أي: أم أرى شاء. قوله: "وبمعنى بل" العطف من عطف أحد المتلازمين على الآخر. قوله: "وفت" الضمير فيه وفي قيدت وخلت راجع إلى أم في قوله: وأم بها اعطف إلخ، والمراد بها ثم لفظها، كما أن المراد بها هنا ذلك فليس في الكلام استخدام ولا شبهه، وإن زعمه شيخنا. قوله:"إن تك مما قيدت به خلت" صادق بصور أن لا تسبق بأداة استفهام أصلًا بل تكون مسبوقة بالخبر المحض نحو: {الم، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} [السجدة: 1 و2 و3]، وأن تسبق بأداة استفهام غير الهمزة نحو:{هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد: 16]، وأن تسبق بهمزة لغير حقيقة الاستفهام المطلوب به التعيين وغير التسوية كالإنكار أي: النفي نحو: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ} [الأعراف: 195]، الآية والتقرير أي: التثبيت أي: جعل الشيء ثابتًا نحو: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا} [النور: 50] ، الآية كذا في الدماميني عن الناظم وأبي حيان، وقد ينافي ما مر عن البهوتي والشمني. ولو قيل إن التقريري فقط أعني المطلوب به إقرار المخاطب كالحقيقي لاشتراكهما في طلب الجواب لكان وجهًا فتدبر.

قوله: "ولا يفارقها حينئذٍ" أي: حين إذ خلت مما قيدت به وقيل ترد للاستفهام المجرد نحو: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ} [البقرة: 108] . قوله: "أي: بل أهي شاء" كأنه في حال بعده عنها جزم بأنها إبل، فلما قرب منها رآها صغيرة فأضرب مستفهمًا عن كونها شاء. وكأم فيه أم في نحو: أعندك زيد أم عندك عمرو، فقد نص سيبويه على أن أم فيه منقطعة ظن أولًا كون زيد عنده، فاستفهم عنه ثم ظن كون عمرو عنده

_________

861-

راجع التخريج رقم 860.

ص: 153

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعدها مبتدأ محذوفًا؛ لكونها لا تدخل على المفرد، أو إنكاريا نحو:{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} [الطور: 39]، أي: بل أله البنات. وقد لا تقتضيه ألبتة نحو: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد: 16]، أي: بل هل تستوي إذ لا يدخل استفهام على استفهام. ونحو: {لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} [السجدة: 2 و3]، وقوله:

862-

فَلَيتَ سُلَيْمَى في المنامِ ضَجِيعَتِي

هنالِكَ أم في جَنَّةٍ أم جَهَنَّمِ

وسميت منقطعة لوقوعها بين جملتين مستقلتين.

تنبيه: حصر أم في المتصلة والمنقطعة هو مذهب الجمهور، وذهب بعضهم إلى

ــ

قوله: "لا تدخل على المفرد" لأنها بمعنى بل الابتدائية وحرف الابتداء لا يدخل إلا على جملة.

فائدة: تدخل همزة الاستفهام على الواو والفاء وثم كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا} [الأعراف: 185]، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} [غافر: 82، محمد: 10] ، {ثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ} [يونس: 51] ، فالجمهور أن الهمزة قدمت من تأخير وأن هذه الجمل ونحوها معطوفة بالواو والفاء وثم، وأن الهمزة كانت بعد هذه الأحرف فقدمت على العاطف تنبيهًا على أصالتها في التصدير، والزمخشري أن الهمزة في محلها الأصلي والعطف على جملة مقدرة بين الهمزة والعاطف والتقدير: أمكثوا فلم يسيروا ونحو ذلك، وحكي عنه موافقة الجمهور، وفي دعوى الزمخشري حذف الجملة، وفي دعوى الجمهور تقدم بعض المعطوف على العاطف. فارضي. قوله:"نحو: أم له البنات" إذ لو قدرت للإضراب المحض لكان الكلام إخبارًا بنسبة البنات إليه تعالى والله تعالى منزه عن ذلك.

قوله: "وقد لا تقتضيه" هذا مذهب الكوفيين ومذهب البصريين: أنها أبدًا بمعنى بل والهمزة جميعًا، نقله في المغني عن ابن الشجري قال: والذي يظهر قول الكوفيين؛ لأنه يلزم البصريين دعوى التأكيد في نحو: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد: 16]، {أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: 84] ، {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ} [الملك: 20] ، قال الدماميني: والتحقيق أن أهل البلدين متفقون على أن أم تجيء للإضراب المجرد، وإنما الخلاف في تسميتها حينئذٍ منقطعة، فالكوفيون يسمونها منقطعة والبصريون يقولون لا متصلة ولا منقطعة فهو في أمر لفظي. قوله:"أم يقولون افتراه" إنما لم تقتض الاستفهام هنا، وفي البيت لعدم احتياج المقام إليه لكن جعل الدماميني معنى الآية: بل أيقولون على الإنكار التوبيخي. قوله: "في المتصلة والمنقطعة".

فائدة: جواب الاستفهام مع المتصلة بالتعيين، وقد يجاب بلا مقصودًا بها نفي وقوع كل من الشيئين أو الأشياء تخطئة للسائل في اعتقاده وقوع أحد الشيئين أو الأشياء كما في قصة ذي اليدين، وهل يجاب بنعم مقصودًا بها إثبات كل من الشيئين أو الأشياء تخطئة للسائل في اعتقاده

862- البيت من الطويل، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص501؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 376؛ وشرح التصريح 2/ 144؛ وشرح عمدة الحافظ ص620؛ والمقاصد النحوية 4/ 143.

ص: 154

خَيِّرْ أَبِحْ قَسِّمْ وَأَبْهِمِ

واشْكُكْ وإضراب بها أيضا نُمِي

ــ

أنها تكون زائدة. وقال في قوله تعالى: {أَفَلَا تُبْصِرُونَ، أَمْ أَنَا خَيْر} [الزخرف: 52] : إن التقدير أفلا تبصرون أنا خير، والزيادة ظاهرة في قول ساعدة في جؤية:

863-

يا ليت شِعْري ولا مَنْجَى من الهَرَمِ

أم هل على العيش بعد الشِّيب من نَدَمِ

"خير" و"أبح" و"قسم بأو وأبهم واشكك" فالتخيير والإباحة يكونان بعد الطلب

ــ

ثبوت واحد فقط لم أر من ذكره، لكنه مقتضى القياس، وجواب الاستفهام مع المنقطعة بلا أو نعم. وإذا توالت استفهامات بأم المنقطعة فالجواب لأخيرها للإضراب إليه عما قبله فاعرف ذلك.

قوله: "إن التقدير أفلا تبصرون أنا خير" أي: على أن جملة: أنا خير مستأنفة وأما على الأول، فجملة: أنا خير منه معطوفة على ما قبلها. ووجه المعادلة بينها وبين الجملة قبلها أن الأصل أم تبصرون، فأقيمت الاسمية مقام الفعلية والسبب مقام المسبب؛ لأنهم إذا قالوا له: أنت خير كانوا عنده بصراء، قاله في المغني وأورد عليه أن السبب لاعتقاده كونهم بصراء قولهم: أنت خير كما تقرر، والمذكور هنا: أنا خير الذي هو مقوله لا مقولهم. وأجيب بأن الأصل أم تقولون أنت خير فحذف القول وحكي المقول بالمعنى. ثم يصح أن يكون في الآية إقامة المسبب مقام السبب؛ لأن اعتقادهم خيريته مسبب عنده عن كونهم بصراء ثم ظاهر كلام المغني أن أم في الآية متصلة وبه، صرح الزمخشري في الكشاف، والذي نص عليه سيبويه أنها منقطعة فإنه قال ما حاصله: إنه إذا كان ما بعد أم نقيض ما قبلها فهي منقطعة نحو: أزيد عندك أم لا؛ وذلك لأن السائل لو اقتصر على قوله: أزيد عندك لاقتضى استفهامه هذا أن يجاب بنعم أو لا فقوله أم لا مستغنى عنه في تتميم الاستفهام الأول وإنما يذكره الذاكر ليبين أنه عرض له ظن نفي أنه عنده فاستفهم عنه كما كان قد عرض له ظن ثبوت أنه عنده فاستفهم عنه، وكذا في الآية لو اقتصر على قوله: أفلا تبصرون لاستدعى أن يقال له نبصر أو لا نبصر فكان في غنية عن ذكر ما بعده، لكنه أفاد بقوله: أم أنا خير أنه عرض له ظن إبصارهم بعد ما ظن أولا عدمه. قوله: "ابن جؤية" بالهمزة اسم أم الشاعر، وهو في الأصل تصغير جئوة وهي حمرة تضرب إلى سواد.

قوله: "بأو" تنازعه الأفعال الثلاثة قبله كما أن قوله بها تنازعه الفعلان والمصدر قبله. قوله: "والإباحة" قال الشمني: ليس المراد بها الشرعية؛ لأن الكلام في معنى أو بحسب اللغة قبل ظهور الشرع، بل المراد الإباحة بحسب العقل أو بحسب العرف في أي: وقت كان وعند أي: قوم كانوا. قوله: "بعد الطلب" أي: صيغته وإن لم يكن هناك طلب كما في الإباحة وبعض صور التخيير، فقول البعض إذ لا طلب في الإباحة والتخيير فيه تساهل. قوله:"أو مقدرًا" نحو: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]، أي: ليفعل أي: الثلاثة قاله الشارح على التوضيح. قوله:

863- البيت من البسيط، هو لساعدة بن جؤية في الأزهية ص131؛ وخزانة الأدب 8/ 161، 162، 11/ 162؛ والدرر 6/ 115؛ وشرح أشعار الهذليين 3/ 1122؛ وشرح شواهد المغني 1/ 151؛ ومغني اللبيب 1/ 48، وهمع الهوامع 2/ 134؛ وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص319؛ ولسان العرب 12/ 36 "أمم".

ص: 155

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ملفوظًا أو مقدرًا، وما سواهما فبعد الخبر. فالتخيير نحو: تزوج زينب أو أختها. والإباحة نحو: جالس العلماء أو الزهاد، والفرق بينهما امتناع الجمع في التخيير وجوازه في الإباحة، والتقسيم نحو: الكلمة اسم أو فعل أو حرف، والإبهام نحو:{أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا} [يونس: 24]، وجعل منه نحو:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24]، والشك نحو:{لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: 19] ، "وإضراب بها أيضا نمي"

ــ

"وما سواهما فبعد الخبر" صرح الشاطبي بأن الذي يختص بالخبر الشك والإبهام وأما الباقي فيستعمل في الموضعين، وكلام المغني يشعر به نقله شيخنا.

قوله: "امتناع الجمع في التخيير" فإن قلت: قد مثل العلماء بآيتي الكفارة والفدية للتخيير مع إمكان الجمع. قلت: يمتنع الجمع بين الإطعام والكسوة والتحرير الآتي كل منهن كفارة وبين الصيام والصدقة والنسك الآتي كل منهن فدية، بل تقع واحدة منهن كفارة أو فدية والباقي قربة مستقلة خارجة عن ذلك ا. هـ. مغني وآية الكفارة فكفارته إطعام عشرة مساكين إلخ، وآية الفدية:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} . قوله: "والتقسيم" أي: تقسيم الكلي إلى جزئياته أو الكل إلى أجزائه. قال شيخنا: وعبر عنه في التسهيل بالتفريق المجرد أي: من الشك والإبهام والتخيير وبعضهم عبر عنه بالتفصيل بالمهملة ا. هـ. وبه يعرف ما في كلام البعض. قوله: "والإبهام" أي: على السامع.

قوله: "وجعل منه نحو: وإنا أو إياكم إلخ" قال في المغني: الشاهد في الأولى ووجهه الشمني بأن اعتبار الإبهام في إحداهما يغني عن اعتباره في الثانية والأولى أولى بالاعتبار لسبقها، وفيه نظر إذ لا مانع من اعتباره فيهما وإن كان اعتباره في الأولى آكد. وقال الدماميني: في الأولى والثانية والمعنى وإن أحد الفريقين منا ومنكم لثابت له أحد الأمرين كونه على هدى أو كونه في ضلال مبين، أخرج الكلام في صورة الاحتمال مع العلم بأن من وحد الله تعالى وعبده فهو على هدى، وإن من عبد غيره فهو في ضلال مبين توطينًا لنفس المخاطب؛ ليكون أقبل لما يلقي إليه. وقال بعضهم: الشاهد في الثانية؛ لأن الشرط تقدم كلام خبري، وهو إنما يتحقق بقوله:{لَعَلَى هُدًى} لأن ما قبله ليس كلامًا، وقد يقال: إنا لعلى هدى أو في ضلال مبين خبر عن الأول وحذف خبر الثاني أو بالعكس، إذ لا يتعين كونه خبرًا عنهما وإن صلح لذلك؛ لأنه جار ومجرور وعلى كل وجد الشرط مع أنه قد يمنع اشتراطه وإنما خولف بين الحرفين الداخلين على الحق والباطل؛ لأن صاحب الحق كأنه مستعل على جواد يركض به حيث شاء، وصاحب الباطل كأنه منغمس في بحر لا يدري أين يتوجه، ومما ظهر لي أن الآية وإن كانت للإبهام ظاهرًا، إلا أنها ترمز إلى التعيين لاقتضاء التناسب صرف ما بعد أو الثانية لما بعد أو الأولى وصرف ما قبلها لما قبلها، ولاقتضاء الترتيب أيضًا ذلك فاعرفه.

قوله: "والشك" الفرق بينه وبين الإبهام أن المتكلم عالم بالحكم في الابهام دون الشك. غزي. قوله: "واضراب بها أيضًا نمي" قيل: إنها حينئذٍ غير عاطفة كأم الإضرابية على رأي

ص: 156

ورُبَّما عاقَبَتِ الواو إذا

لم يُلفِ ذو النطق للَبْسِ مَنْفَذَا

ــ

أي: نسب إلى العرب في قول الكوفيين وأبي علي وابن برهان وابن جني مطلقًا تمسكًا بقوله:

864-

كَانوا ثَمانِينَ أو زادوا ثَمانِيَة

لولا رَجَاؤُكَ قد قَتَّلتُ أولادِي

وقراءة أبي السمال: "أَوْ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا"[البقرة: 100] ، بسكون الواو، ونسبه ابن عصفور لسيبويه لكن بشرطين: تقدم نفي أو نهي، وإعادة العامل نحو: ما قام زيد أو ما قام عمرو، ولا يقم زيد أو لا يقم عمرو، ويؤيده أنه قال في:{وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] ولو قلت: أو لا تطع كفورًا انقلب المعنى، يعني أنه يصير إضرابًا عن النهي الأول ونهيًا عن الثاني فقط "وربما عاقبت أو "الواو" أي: جاءت بمعناها "إذا لم يلف ذو النطق لبس منفذا" أي: إذا أمن اللبس كقوله:

865-

قومٌ إذا سَمِعوا الصَّريخَ رَأَيتَهُمْ

ما بَينَ مُلجِمِ مُهْرِهِ أو سافِعِ

وقوله:

ــ

الجمهور وقد نقل بعضهم ذلك عن الرضي والسعد كما في يس، وقيل عاطفة وإن كان بعدها جملة. إذ العطف يكون في المفردات والجمل كما يقول بذلك بعضهم في أم الإضرابية وهذا ظاهر كلام المصنف. قوله:"مطلقًا" أي: سواء تقدمها نفي أو نهي أولًا، وسواء أعيد العامل أو لا. قوله:"كانوا" أي: العيال المذكورون في البيت قبله. وقوله أو زادوا يحتمل أن أو بمعنى الواو وكذا في قراءة أبي السمال، وهو بسين مفتوحة وميم مشدة ولام آخره. قوله:"بسكون الواو" المعنى وما يكفر بتلك الآيات البينات إلا الذين فسقوا، بل نقضوا عهد الله مرارًا كثيرة. قوله:"ونسبه" أي: مجيء أو للإضراب بقطع النظر عن الإطلاق السابق بقرينة قوله لكن بشرطين. قوله: "وإعادة العامل" يعني مع حرف النفي أو حرف النهي شمني.

قوله: "ويؤيده" أي: يؤيد نقل ابن عصفور عن سيبويه أن أو تأتي للإضراب بشرطين. قوله: "أو سافع" أي: قابض ناصية فرسه من سفعت بناصيته قبضتها وجذبتها. قال الدماميني: لقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون المراد بين فريق ملحم أو فريق سافع إذ كل واحد من القسمين ذو تعدد ا. هـ. واستبعد؛ لأن الظاهر أن قصد الشاعر أنهم حين سماع صريخ المستغيث محصورون بين

864- البيت من البسيط، وهو لجرير في ديوانه ص745؛ وجواهر الأدب ص217؛ والدرر 6/ 116؛ وشرح شواهد المغني 1/ 201؛ وشرح عمدة الحافظ ص627؛ ومغني اللبيب 1/ 64، 272؛ والمقاصد النحوية 4/ 144؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص121؛ وهمع الهوامع 2/ 134.

865-

البيت من الكامل، وهو لعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص145؛

ولحميد بن ثور في ديوانه ص111؛ وشرح التصريح 2/ 146؛ وشرح شواهد المغني 1/ 200؛ والمقاصد النحوية 4/ 146؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 218؛ وأوضح المسالك 3/ 379؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص29؛ وشرح عمدة الحافظ ص628؛ ولسان العرب 8/ 158 "سفح"؛ ومغني اللبيب 1/ 63.

ص: 157

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

866-

فَظَلَّ طُهاةُ اللحْمِ ما بين مُنْضِج

صَفِيفَ شِواء أو قَدِير مُعَجَّلِ

وقول الراجز:

867-

إنَّ بها أَكْتَلَ أو رِزامَا

خُوَيْرِبَينِ يَنْقُفانِ الهامَا

وقوله:

868-

وقَالوا لنا ثِنْتانِ لا بُدَّ مِنْهما

صُدورُ رِماح أُشْرِعَتْ أو سلاسِلُ

وجعل منه: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147]، أي: ويزيدون.

ــ

قسمين لا يخرجون عنهما لا أنهم ثابت لهم إحدى البينيتين. قوله: "فظل طهاة اللحم إلخ" الطهاة جمع طاه وهو الطباخ، وصفيف شواء مفعول منضج وهو ما فرق، وصف على الجمر وهو شواء الأعراب، وقدير معطوف على منضج بتقدير مضاف أي: وطابخ قدير أي: مطبوخ في القدر ومعجل صفة قدير، وقول العيني قدير معطوف على شواء غير ظاهر وإن أقره شيخنا كما لا يخفى.

قوله: "إن بها أكتل إلخ" ضمير بها للأرض المذكورة قبل، وأكتل بفوقية مفتوحة، ورزام براء مكسورة فزاي اسما رجلين، وخويربين تثنية خويرب تصغير خارب وهو اللص كما قاله الدماميني والشمني. وفي شرح شواهد المغني للسيوطي أنه لص الإبل حال من ضمير ينقفان قدمت على عاملها أو من المستكن في بها، وقول البعض حال مما قبله لا يتمشى على مذهب الجمهور المانعين مجيء الحال من المبتدأ في الحال، أو الأصل وينقفان بضم القاف من النقف وهو كسر الرأس كما قاله الدماميني والشمني والسيوطي، فيحتاج الكلام إلى التجريد. والهام اسم جنس جمعي لهامة وهي الرأس فقول البعض والهام الرأس فيه تساهل. وإنما كانت أو في البيت بمعنى الواو لقوله خويربين بالتثنية ولو كانت على بابها لأحد الشيئين لقال خويربا بالإفراد. قوله:"أشرعت" بالبناء للمجهول أي: صوّبت نحو: العدو وكني بذلك عن الطعن وبالسلاسل عن الأسر. قوله: "وجعل منه وأرسلناه إلخ" فصله للاختلاف فيه فقال بعض الكوفيين والبصريين بمعنى الواو والفراء بمعنى بل فتكون للإضراب عن الإخبار بأنهم مائة ألف بناء على حزر الرأي: مع علمه تعالى

866- البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص22؛ وجمهرة اللغة ص929؛ وجواهر الأدب ص211؛ وخزانة الأدب 11/ 47، 240؛ والدرر 6/ 161؛ وشرح شواهد المغني 2/ 857؛ وشرح عمدة الحافظ ص628؛ ولسان العرب "صفف"، 15/ 16 "طها"؛ والمقاصد النحوية 4/ 146؛ وبلا نسبة في الاشتقاق ص233؛ ومغني اللبيب 2/ 460؛ وهمع الهوامع 2/ 141.

867-

الرجز للأسدي في الأزهية ص116؛ وشرح شواهد المغني 1/ 199؛ ولرجل من بني أسد في الكتاب 2/ 149؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص288؛ ولسان العرب 1/ 349 "حزب"، 11/ 582 "كتل"، 14/ 55 "أوا"؛ ومغني اللبيب 1/ 63.

868-

البيت من الطويل، وهو لجعفر بن علبة الحارثي في الدرر 6/ 119؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص45؛ وشرح شواهد المغني 1/ 203؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب 12/ 65؛ وهمع الهوامع 2/ 134.

ص: 158

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذا مذهب الأخفش والجرمي وجماعة من الكوفيين.

تنبيهات: الأول أفهم قوله وربما أن ذلك قليل مطلقًا. وذكر في التسهيل أن أو تعاقب الواو في الإباحة كثيرًا، وفي عطف المصاحبة والمؤكد قليلًا، فالإباحة كما تقدم، والمصاحبة نحو: قوله عليه الصلاة والسلام: "فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد" والمؤكد نحو: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا} [النساء: 112] . الثاني: التحقيق أن أو موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء، وهو الذي يقوله المتقدمون وقد تخرج إلى معنى بل والواو. وأما

ــ

بزيادتهم إلى الإخبار عن تحقيق، وبعض البصريين للإبهام وقيل للشك مصروفًا للرائي كذا في المغني بزيادة. قال البعض: ويزيدون صفة موصوف محذوف معطوف على ما قبله أي: أو جماعة يزيدون ا. هـ. وفيه أن الموصوف بالجملة المحذوف ليس بعض اسم مجرور بمن أو في ويمكن جعل العطف من باب العطف على المعنى، أي: إلى جماعة يبلغون مائة ألف أو يزيدون فتأمل. قوله: "مطلقًا" أي: سواء كانت أو للإباحة أو لا.

قوله: "وذكر في التسهيل أن أو تعاقب الواو" أي: تجيء بمعنى الواو فتكون للجمع وقوله: في الإباحة أي: في صورة الإباحة أي: في الصورة التي يظن أن أو فيها للإباحة أي: لأحد الشيئين مع جواز الجمع بينهما وإن لم تكن أو في حالة كونها بمعنى الواو للإباحة؛ لأنها حينئذٍ للجمع وأو التي للإباحة لأحد الشيئين مع جواز الجمع بينهما كما سيذكره الشارح عن ابن هشام. وقوله كثيرًا أي: لأنه يكثر إرادة الجمع في نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين. هذا هو الذي أفهمه في هذه العبارة وبه يندفع اعتراضات نشأت من عدم فهم العبارة كفهمنا.

الاعتراض الأول ما ذكره البعض وأقره أن صاحب التسهيل لم يذكر الكثرة إلا في معاقبة أو للواو في الإباحة وهذا لم يرده المصنف هنا لذكره إياه فيما تقدم بقوله: أبح والذي أراده هنا وجعله قليلًا إنما هو القسمان الأخيران الموصوفان في التسهيل أيضًا بالقلة. الثاني ما ذكره شيخنا وأقره أن الإباحة معنى أو أصالة فلا ضرورة إلى جعلها في صور الإباحة بمعنى الواو ووجه اندفاع هذين أنهما مبنيان على أن أو في حال معاقبتها الواو في الإباحة لأحد الشيئين مع جواز الجمع بينهما وليس كذلك بل للجمع كما علمت. الثالث ما ذكره أيضًا البعض وأقره أن قوله: كثيرًا يوهم أن أو في الإباحة قد لا تعاقب الواو وليس كذلك، فكان الأولى أن يقول: تعاقب الواو في الإباحة لزومًا وقد تعاقبها في غيرها، ووجه اندفاع هذا الاعتراض أن المراد كما علمت أن الصورة التي يظن أن أو فيها للإباحة قد تعاقب فيها أو الواو بأن تكون للجمع وقد لا تعاقب بأن تكون للإباحة في الواقع أيضًا، فقول المعترض وليس كذلك ممنوع وكذا قوله لزومًا. هذا هو تحقيق المقام وعليك السلام.

قوله: "نحو: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا} " حمل بعضهم الخطيئة على الذنب الذي بين العبد وربه والإثم على مظالم العباد. قوله: "وقد تخرج إلى معنى بل والواو" أي: مجازًا. قوله:

ص: 159

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بقية المعاني فمستفادة من غيرها. الثالث: زعم قوم أن الواو تستعمل بمعنى أو في ثلاثة مواضع: أحدها في التقسيم كقولك: الكلمة اسم وفعل وحرف وقوله:

869-

كَمَا النَّاسُ مَجْرومٌ عليه وجَارِمُ

وممن ذكر ذلك الناظم في التحفة وشرح الكافية. قال في المغني: والصواب أنها في ذلك على معناها الأصلي إذ الأنواع مجتمعة في الدخول تحت الجنس. ثانيها الإباحة. قاله الزمخشري وزعم أنه يقال: جالس الحسن وابن سيرين أي: أحدهما وأنه لهذا قيل: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} بعد ذكر ثلاثة وسبعة؛ لئلا يتوهم إرادة الإباحة. قال في المغني أيضًا:

ــ

"وأما بقية المعاني إلخ" ذكره في المغني قال: ومن العجب أنهم ذكروا من معاني صيغة أفعل التخيير والإباحة ومثلوه بنحو: خذ من مالي درهمًا أو دينارًا وجالس الحسن أو ابن سيرين، ثم ذكروا أن أو تفيدهما ومثلوه بالمثالين المذكورين ا. هـ. وأجيب بأن كلا من الصيغة وأو تدل على ما ذكر فحيث مثل بالمثالين للصيغة قطع النظر فيهما عن أو وحيث مثل بهما لأو قطع النظر فيهما عن الصيغة. وقال التفتازاني في تلويحه: أن التخيير والإباحة قد يضافان إلى صيغة الأمر، وقد يضافان إلى كلمة أو. والتحقيق أن كلمة أو لأحد الأمرين أو الأمور، وأن جواز الجمع وامتناعه إنما هو بحسب موقع الكلام ودلالة القرائن. قوله:"فمستفادة من غيرها" أي: معها؛ وذلك لأنها تفيد أحد الشيئين وغيرها يفيد امتناع الجمع إذا كانت للتخيير، وجوازه إذا كانت للإباحة وهكذا وقوله من غيرها أي: من القرائن.

قوله: "وممن ذكر ذلك الناظم إلخ" قال البعض: انظر نسبة هذا للناظم مع تصريحه بأن الواو في التقسيم أجود من أو فإنه يدل على أنها فيه ليست بمعنى أو ا. هـ. وقد يقال إن له في المسألة قولين. واعلم أن لكل من الواو وأو في التقسيم وجهًا لاجتماع الأقسام في الدخول تحت المقسم، وعدم اجتماعها في ذات واحدة خارجًا، وإن كانت الواو فيه أكثر. قوله:"قاله الزمخشري" وافقه الناظم وابن هشام في حواشيه على التسهيل راجعًا عما ذكره في المغني كما قاله الدماميني، وسبقهم إلى ذلك السيرافي في شرح الكتاب. قوله:"أي: أحدهما" أي: مع جواز الجمع بينهما أو الترك لكل كما هو مقتضى الإباحة. قوله: "لئلا يتوهم إرادة الإباحة" ويحتمل أن ذلك لئلا يتوهم إرادة التخيير.

869- صدره:

ونَنْصُرُ مولانا ونَعْلَم أنَّه

والبيت من الطويل، وهو لعمرو بن براقة في أمالي القالي 2/ 122؛ والدرر 4/ 210؛ وسمط اللآلي ص749؛ وشرح التصريح 2/ 21؛ وشرح شواهد المغني 1/ 202، 500، 2/ 725، 778؛ والمؤتلف والمختلف ص67؛ والمقاصد النحوية 3/ 332؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 97؛ والجنى الداني ص166، 482؛ وجواهر الأدب ص133؛ وخزانة الأدب 10/ 207؛ والدرر 6/ 81؛ وشرح ابن عقيل ص371؛ ومغني اللبيب 1/ 65؛ وهمع الهوامع 2/ 38، 130.

ص: 160

ومِثل أو القَصْد إما الثانِيَه

في نحو إما ذي وإمّا النائِيَه

ــ

والمعروف من كلام النحويين أن هذا أمر بمجالسة كل منهما، وجعلوا ذلك فرقًا بين العطف بالواو والعطف بأو. ثالثها: التخيير قاله بعضهم في قوله:

870-

قالوا نَأَتْ فاخْتَرْ لَهَا الصَّبْرَ والبُكا

فقلت البُكا أَشْفَى إذًا لغَلِيلِي

أي: أو البكا إذ لا يجمع بين الصبر والبكا. ويحتمل أن يكون الأصل من الصبر والبكا أي: أحدهما ثم حذف من كما في قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} ويؤيده أن أبا علي الفارسي رواه بمن ا. هـ. "ومثل أو في القصد الثانية في نحو" تزوج "إما ذي وإما النائيه" وجاءني إما زيد وإما عمرو.

تنبيهات: الأول ظاهر كلامه أنها تأتي للمعاني السبعة المذكورة في أو، وليس كذلك فإنها لا تأتي بمعنى الواو ولا بمعنى بل والعذر له أن ورود أو لهذين المعنيين قليل ومختلف فيه فالإحاطة إنما هي على المعاني المتفق عليها ولم يذكر الإباحة في التسهيل لكنها بمقتضى القياس جائزة. الثاني ظاهره أيضًا أنها مثل أو في العطف والمعنى وهو ما ذهب إليه أكثر النحويين. وقال أبو علي وابنا كيسان: وبرهان هي مثلها في المعنى فقط، ووافقهم الناظم وهو الصحيح، ويؤيده قولهم: إنها مجامعة للواو لزومًا والعاطف لا يدخل على العاطف. وأما قوله:

871-

يا ليتما أُمُّنَا شَالَتْ نعامَتُها

إيما إلى جَنَّة إيما إلى نار

ــ

قوله: "أن هذا أمر" أي: إذن. قوله: "قالوا نأت إلخ" من الطويل ودخله الثلم وهو حذف فاء فعولن، ويروى وقالوا ولا ثلم فيه حينئذٍ، وقوله نأت أي: بعدت، والغليل حرارة العطش، لكن المراد هنا مطلق الحرارة ليشمل حرارة

العشق. قوله: "رواه بمن" أي: بدل لها. قوله: "إما" ذهب سيبويه إلى أنها مركبة من أن وما، وذهب غيره إلى أنها بسيطة وهو الظاهر؛ لأن الأصل البساطة، وقوله: الثانية احتراز عن الأولى، فإنه لا خلاف في أنها غير عاطفة لاعتراضها بين العامل والمعمول نحو: قام إما زيد وإما عمرو لكن لا مانع من نسبة المعاني للأولى أيضًا لتلازمهما غالبًا، والنائية البعيدة. قوله:"ظاهر كلامه" أي: حيث أطلق القصد فشمل جميع المعاني المقصودة. قوله: "والعذر له" أي: في الإطلاق وعدم التقييد بما عدا المذكورين. قوله: "ظاهره أيضًا" أي: حيث أطلق القصد فشمل العطف إذ هو مما يقصد. قوله: "مثل أو في العطف والمعنى" ولعل الواو على هذا القول زائدة لازمة كما قيل بمثله في لكن كما مر.

قوله: "والعاطف لا يدخل على العاطف" أي: فالعاطف إنما هو الواو الداخلة على إما. قوله: "وأما قوله إلخ" إيراد على قوله لزومًا. قوله: "شالت نعامتها" كناية عن موتها؛ لأن النعامة

870- البيت من الطويل، وهو لكثير عزة في ديوانه ص114؛ وأمالي القالي 2/ 64؛ وشرح شواهد المغني 2/ 581؛ والمقاصد النحوية 3/ 404؛ وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص480؛ ومغني اللبيب 2/ 308.

871-

البيت من البسيط، وهو للأحوص في ملحق ديوانه ص221؛ ولسان

العرب 14/ 46 "أما"؛ ولسعد بن قرط في خزانة الأدب 11/ 86، 87، 88، 90، 92؛ والدرر 6/ 122؛ وشرح التصريح 2/ 146؛ وشرح شواهد المغني 1/ 186؛ وشرح عمدة الحافظ ص643؛ والمحتسب 1/ 284، 2/ 314؛ والمقاصد النحوية 4/ 153؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 382؛ وتذكرة النحاة ص120؛ والجنى الداني ص533؛ وجواهر الأدب ص414؛ ورصف المباني ص102؛ وشرح المفصل 6/ 75؛ ومغني اللبيب 1/ 59؛ وهمع الهوامع 2/ 135.

ص: 161

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فشاذ، وكذلك فتح همزتها وإبدال ميمها الأولى ياء، وفتح همزتها لغة تميم، وبها روي البيت المذكور، وقد يقال: إن قوله في القصد إشارة إلى ذلك أي: إنها مثلها في القصد أي: المعنى لا مطلقًا، سيما أنه لم يعدها في الحروف أول الباب. وقد نقل ابن عصفور اتفاق النحويين على أنها ليست عاطفة، وإنما أوردوها في حروف العطف لمصاحبتها لها. الثالث مقتضى كلامه أنه لا بد من تكرارها وذلك غالب لا لازم فقد يستغنى عن الثانية بذكر ما يغني عنها نحو: إما أن تتكلم بخير وإلا فاسكت، وقراءة أبي:"وَأَنَا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"[سبأ: 24] . وقوله:

872-

فَإِمَّا أن تكونَ أخي بصِدْقٍ

فأعْرِفُ منك غَثِّي من سَمِينِي

ــ

باطن القدم ومن مات ارتفعت رجلاه وانتكس رأسه فظهرت نعامته. قوله: "وكذا فتح همزتها وإبدال ميمها إلخ" أي: شاذان أيضًا على سبيل الاجتماع وإلا ففتح همزتها لغة تميمية وقيسية وأسدية. تصريح فضمير ميمها يرجع إلى المفتوحة الهمزة كما في البيت لا ميم إما مطلقًا وإن ثبت الإبدال مع الكسر أيضًا كما في الدماميني عن المصنف. قوله: "أي: المعنى" فيه إشارة إلى أن القصد بمعنى المقصود، وجمل القصد على المعنى مبني على أن المراد بالقصد مقصود جميعهم ومقصود جميعهم المعنى لاختلافهم في العطف. قوله:"وقد نقل ابن عصفور اتفاق النحويين إلخ" أي: وإن كان هذا النقل غير مسلم لما مر في الشرح. قوله: "لمصاحبتها لها" أي: لبعضها وهو الواو. قوله: "مقتضى كلامه" أي: حيث قال الثانية في نحو: إلخ وهذا أولى مما ذكره البعض.

قوله: "لا بد من تكرارها" أي: إما لا بقيد كونها الثانية. قوله: "غثى من سميني" غثى من غثت الشاة غثا من باب ضرب أي: ضعفت. ويقال في الكلام الغث والسمين أي: الرديء والجيد، ولعل المعنى فأعرف بك الرديء والجيد مني لتبيينك لي الرديء وإبعادك لي عنه، والجيد وإعانتك لي عليه. ويوجد في بعض النسخ بين البيتين:

فلو أنا على حجر ذبحنا

جرى الدميان بالخبر اليقين

وروي مؤخرًا عنهما وهو المتجه. قال شيخنا: وهو ساقط من خط المؤلف ثم قال وأنشده

872- البيتان من الوافر، وهما للمثقب العبدي في ديوانه ص211، 212؛ والأزهية ص140، 141؛ وخزانة الأدب 7/ 489، 11/ 80؛ والدرر 6/ 129؛ وشرح اختيارات المفضل ص1266، 1267؛ وشرح شواهد المغني 1/ 190، 191؛ ومغني اللبيب 1/ 61؛ وله أو لسحيم بن وثيل في المقاصد النحوية 1/ 192، 4/ 149؛ وبلا نسبة في الجنى الداني ص532؛ وجواهر الأدب ص415؛ والمقرب 1/ 232؛ وهمع الهوامع 2/ 135.

ص: 162

وأَوِل لكن نَفْيًا أو نَهْيًا ولا

نِداء أو أَمْرًا أو إثْباتًا تَلا

ــ

وَإلا فاطَّرِحْنِي واتَّخِذْنِي

عدُوًّا أَتَّقِيكَ وتَتَّقِينِي

وقد يستغنى عن الأولى بالثانية كقوله:

873-

تُلِمُّ بدار قَد تقَادَمَ عَهدُها

وإمّا بأَمْوات أَلَمَّ خَيَلُها

أي: أما بدار. والفراء يقيس هذا فيجيز: زيد يقوم وإما يقعد، كما يجوز: أو يقعد. الرابع ليس من أقسام أما التي في قوله: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} ، بل هذه أن الشرطية وما الزائدة "وأول لكن نفيًا أو نهيًا" نحو: ما قام زيد لكن عمرو ولا تضرب زيدًا لكن عمرا.

تنبيه: يشترط لكونها عاطفة مع ذلك أن يكون معطوفها مفردًا، وأن لا تقترن بالواو كما مثل، وقد سبق ما في هذا الثاني. وهي حرف ابتداء إن سبقت بإيجاب نحو: قام زيد لكن عمرو لم يقم، ولا يجوز لكن عمرو خلافًا للكوفيين أو تلتها جملة. كقوله:

ــ

ابن دريد مع بيتين غير هذين:

لعمرك إنني وأبا رباح

على طول التجاور منذ حين

ليبغضني وأبغضه وأيضًا

يراني دونه وأراه دوني

فلو أنا على حجر إلخ، يريد أنهما لشدة العداوة لا يختلط دماؤهما، فلو ذبحا على حجر لافترق الدميان ا. هـ. ثم رأيت في الفارضي في باب النسب أن العرب تقول: إن دم المتباغضين لا يجتمع ا. هـ. قوله: "وقد يستغنى عن الأولى" أي: لفظًا لا تقديرًا دماميني. فقوله كما يجوز أو يقعد تشبيه في مطلق الجواز إذ لا يحتاج إلى تقدير مع أو بخلاف إما، ثم ذكر الدماميني أن ظاهر كلام بعضهم أن الفراء يجيز الاستغناء عن إما الأولى لفظًا وتقديرًا وإجراءها مجرى أو. قوله:"تلم" الضمير يرجع إلى النفس المذكورة في البيت قبله من ألم إذا نزل. وفي بعض النسخ تهاض بالبناء للمجهول من هاض العظم إذا كسره بعد جبره، وعهد الدار ما عهد فيها. قوله:"وقد سبق ما في هذا الثاني" أي: من الخلاف في شرح قوله وأتبعت لفظًا فحسب إلخ. قوله: "وهي إلخ" شروع في محترزات الشروط فكان الأولى التعبير بالفاء. قوله: "ولا يجوز لكن عمرو" أي: على أن عمرو معطوف كما في التوضيح، أما على أنه مبتدأ خبره محذوف فيجوز. قوله:"أو تلتها جملة" أي: أو سبقت بنفي، لكن تلتها جملة فلا ينافي أن المسبوقة بإيجاب لا يتلوها إلا الجملة.

873- البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ملحق ديوانه ص1902؛ وشرح شواهد المغني 1/ 193؛ وشرح عمدة الحافظ ص642؛ والمقاصد النحوية 4/ 150؛ وللفرزدق في ديوانه 2/ 71؛ وشرح المفصل 8/ 102؛ والمنصف 3/ 115؛ ولذي الرمة أو للفرزدق في خزانة الأدب 11/ 76، 78؛ والدرر 6/ 124؛ وبلا نسبة في الأزهية ص142؛ والجنى الداني ص533؛ ورصف المباني ص102؛ ومغني اللبيب 1/ 61؛ والمقرب 1/ 132؛ وهمع الهوامع 2/ 135.

ص: 163

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

874-

إنَّ ابنَ وَرْقاءَ لا تُخْشَى بَوادِرُه

لكنْ وَقائِعُهُ في الحَرْبِ تُنْتَظَرُ

أو تلت واوًا نحو: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 40]، أي: ولكن كان رسول الله وليس المنصوب معطوفًا بالواو؛ لأن متعاطفي الواو المفردين لا يختلفان بالإيجاب والسلب "ولا نداء أو أمرًا أو إثباتًا تلا" لا مبتدأ خبره تلا، ونداء وما بعده مفعول بتلا. وفي تلا ضمير هو فاعله يرجع إلى لا. والتقدير لا تلا نداء أو أمرًا أو إثباتًا، أي: للعطف بلا شرطان: أحدهما إفراد معطوفها والثاني أن تسبق بأمر أو إثبات اتفاقًا نحو: اضرب زيدًا لا عمرًا وجائني زيد لا عمرو، أو بنداء خلافًا لابن سعدان نحو: يابن أخي لا ابن عمي قال السهيلي: وأن لا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر فلا يجوز: جاءني زيد لا رجل وعكسه،

ــ

قوله: "ورقاء" اسم رجل، بوادره جمع بادرة وهي الحدة. تصريح.

قوله: "أي: ولكن كان رسول الله إلخ" حاصله أن لكن حرف استدراك لا عاطفة والواو هي العاطفة لجملة حذف بعضها على جملة وهذا مذهب المصنف وتقدم في الشرح بقية الأقوال. وقد يستشكل العطف بأن قضية كون لكن حرف ابتداء استئناف الجملة بعدها لا عطفها بالواو، ويجاب بأن المراد بكونها حرف ابتداء أنها غير عاطفة للجملة فلا ينافي عطفها بغيرها أفاده سم. قوله:"لأن متعاطفي الواو المفردين إلخ" بخلاف الجملتين فيجوز تخالفهما في ذلك نحو: قام زيد ولم يقم عمرو، وقد يقال محل عدم اختلاف متعاطفي الواو إيجابًا وسلبًا إذا لم يصحبها ما يقتضي الاختلاف كلكن فتأمل. قوله:"أي: للعطف بلا إلخ" فيه مسامحة فإن الشرط الأول لا يفيده كلام المصنف. قوله: "شرطان" بقي شرط ثالث وهو: أن لا تقترن بعاطف فإذا قيل: جاءني زيد لا بل عمرو فالعاطف بل ولا رد لما قبلها وليست عاطفة وإذا قلت ما جاءني زيد ولا عمرو فالعاطف الواو ولا تأكيد للنفي. وفي هذا المثال مانع آخر من العطف وهو تقدم النفي وقد اجتمعا في {وَلا الضَّالِّينَ} . مغني. قوله: "إفراد معطوفها" أي: ولو تأويلًا فيجوز: قلت زيد قائم لا زيد قاعد أخذًا من قول الهمع ولا يعطف بها جملة لا محل لها في الأصح.

قوله: "وأن لا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر" قال البعض: هو ظاهر فيما إذا كان المتناول والأعم الثاني لا الأول ا. هـ. ولك أن تقول جوازا: جاءني رجل لا زيد إذا جعلت لا بمعنى غير صفة لرجل لا إذا كانت عاطفة كما هو فرض الكلام، وقد علل الفارضي وغيره عدم جواز جاءني زيد لا رجل وعكسه بأن الرجل يصدق بزيد فيلزم التناقض. لا يقال المراد بالرجل غير زيد بقرينة العطف المقتضي للمغايرة فلا تناقض؛ لأنا نقول المغايرة التي يقتضيها العطف صادقة بالمغايرة الجزئية كالمغايرة التي بين العام والخاص والمطلق والمقيد فالتناقض غير منتف بحسب

874- البيت من البسيط، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص306؛ والجني الداني ص589؛ والدرر 6/ 144؛ وشرح التصريح 2/ 147؛ وشرح شواهد المغني 2/ 703؛ واللمع ص180؛ ومغني اللبيب 1/ 292؛ والمقاصد النحوية 4/ 178؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 385؛ وهمع الهوامع 2/ 137.

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويجوز جاءني رجل لا امرأة. وقال الزجاجي: وأن لا يكون المعطوف عليه معمول فعل ماض فلا يجوز: جاءني زيد لا عمرو، ويرده قوله:

875-

كَأَنَّ دِثارًا حَلَّقَتْ بِلَبُونِه

عُقابُ تَنُوفَى لا عُقَابُ القواعِلِ

تنبيهات: الأول في معنى الأمر الدعاء والتحضيض. الثاني: أجاز الفراء العطف بها على اسم لعل كما يعطف بها على اسم أن نحو: لعل زيدًا لا عمرًا قائم. الثالث: فائدة العطف بها قصر الحكم على ما قبلها إما قصر إفراد كقولك: زيد كاتب لا شاعر ردا على

ــ

مدلول اللفظ، وكالمثالين المذكورين في الامتناع: قام زيد لا الناس وقام الناس لا زيد. نعم قال: التقى السبكي كما حكاه عنه ولده في شرح التلخيص يخطر لي جواز: قام الناس لا زيد إن أريد إخراج زيد من الناس على وجه الاستثناء، لكن لم أر أحدًا من النحاة عدلًا من حروف الاستثناء فاعرف ذلك.

قوله: "وقال الزجاجي وأن لا يكون إلخ" علل بأن العامل يقدر بعد العاطف ولا يصح أن يقال: لا جاء عمرو إلا على الدعاء ورد بأنه لو توقف صحة العطف على تقدير العامل بعد العاطف لامتنع ليس زيدًا قائمًا ولا قاعدًا ذكره البعض، ثم رأيته في المغني أي: لمنع لا من تقدير ليس بعد الواو. قوله: "كأن دثارًا إلخ" دثار بكسر الدال المهملة وفتح المثلثة اسم راع واللبون النوق ذات اللبن، وحلقت ذهبت وتنوفى بفتح الفوقية وضم النون وفتح الفاء جبل عال. والقواعل بالقاف ثم العين المهملة الجبال الصغيرة وكني بذلك عن عدم عود هذه اللبون.

قوله: "الدعاء" نحو: رحم الله أبا بكر لا أبا جهل وقوله والتحضيض نحو: هلا تضرب زيدًا لا عمرًا، قال ذلك أبو حيان وخالفه الرضي فقال: لا تجيء لا بعد الاستفهام والعرض والتمني والتحضيض ونحو: ذلك ولا بعد النهي ولا يعطف بها الاسمية ولا الماضي، فلا يقال: قام زيد لأقعد؛ لأنها موضوعة لعطف المفردات، وإنما جاز على قلة عطفها المضارع لمضارعته الاسم، ولا يجوز تكريرها كسائر حروف العطف. لا يقال: قام زيد لا عمرو ولا بكر كما تقول: قام زيد وعمرو وبكر، بل لو قصدت ذلك أدخلت الواو في المكرر، وكانت هي العاطفة ولا تأكيد لكنه قال في الكلام على بل قبل لا تجيء بل بعد التحضيض والتمني والترجي والعرض، والأولى أن يجوز استعمالها بعد ما يفيد معنى الأمر والنهي كالتحضيض والعرض ا. هـ. والظاهر أن العرض كالتحضيض عند أبي حيان، ثم القلب إلى جواز مجيء لا بعد الاستفهام أميل نحو: أقام زيد لا عمرو. قوله: "إما قصر إفراد إلخ" لم يذكر قصر التعيين مع أنها تكون له نحو: زيد كاتب لا

875- البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص94؛ وجمهرة اللغة ص949؛ والجنى الداني ص295؛ وخزانة الأدب 11/ 177، 178، 181، 184؛ والخصائص 3/ 191؛ وشرح التصريح 2/ 150؛ وشرح شواهد المغني 1/ 441، 2/ 616؛ ولسان العرب 8/ 342 "ملع"؛ ومغني اللبيب 1/ 242؛ والمقاصد النحوية 4/ 154؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 388؛ ومجالس ثعلب ص466؛ والممتع في التصريف 1/ 104.

ص: 165

وبل كلكِنْ بعد مصحُوبَيْها

كَلَمْ أكنْ في مَرْبعِ بل تَيْها

وانقل بها للثانِ حكمَ الأوَّلِ

في الخبر المثبَتِ والأمر الجَلِي

ــ

من يعتقد أنه كانت وشاعر، وإما قصر قلب كقولك: زيد عالم لا جاهل ردا على من يعتقد أنه جاهل. الرابع أنه قد يحذف المعطوف عليه بلا نحو: أعطيتك لا لتظلم أي: لتعديل لا لتظلم "وبل كلكن" في تقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها "بعد مصحوبيها" أي: مصحوبي لكن وهما النفي والنهي "كلم أكن في مربع تيها" المربع منزل الربيع، والتيهاء الأرض التي لا يهتدى بها، ونحو: لا تضرب زيدًا بل عمرًا "وانقل بها للثان حكم الأول" فيصير كالمسكوت عنه "في الخبر المثبت والأمر الجلي" كقام زيد بل عمرو وليقم زيد بل عمرو. وأجاز المبرد وعبد الوارث ذلك مع النفي والنهي فتكون ناقلة

ــ

شاعر للمتردد في أي: الوصفين ثابت لزيد مع علمه بثبوت أحدهما لا على التعيين. قوله: "كقولك زيد كاتب لا شاعر" في تمثيله لقصر الإفراد بما ذكر ولقصر القلب بقولك: زيد عالم لا جاهل إشارة إلى ما قالوه من اشتراط إمكان اجتماع الوصفين في قصر الإفراد دون قصر القلب. قوله: "قد يحذف المعطوف عليه بلا إلخ" قال شيخنا: كان الأولى تأخيره إلى قول الناظم:

وحذف متبوع بدا هنا استبح

قوله: "وبل كلكن" اعترض بأنه إحالة على مجهول؛ لأنه لم يذكر أولًا معنى لكن وأجيب بأن وجه الشبه الذي ذكره الشارح مشهور في لكن فالإحالة على مشهور بين النحاة. قوله: "في تقرير إلخ" أي: تثبيته في ذهن السامع والحاصل أنها مع النفي والنهي تفيد أمرين: تأكيدي وهو تقرير ما قبلها وتأسيسي وهو إثبات نقيضه لما بعدها، ومع الخبر المثبت والأمر أمرين تأسيسين إزالة الحكم عما قبلها بحيث صار كالمسكوت عنه وجعله لما بعدها. قال الشمني: قال الرضي: وظاهر كلام الأندلسي وهو الظاهر أنها بعد النفي والنهي أيضًا تصير الحكم الأول كالمسكوت عنه ا. هـ. وفي كون هذا هو الظاهر نظر، وقد عد في المعنى من الأمور التي اشتهرت بين المعربين والصواب خلافها قولهم بل حرف إضراب، قال وصوابه حرف استدراك وإضراب فإنها بعد النفي والنهي بمنزلة لكن سواء ا. هـ. قوله:"للثان" حذف ياؤه للضرورة. قوله: "فيصير" بالنصب بأن مضمرة في جواب الأمر وقوله: كالمسكوت عنه أي: أصالة وإن صار مسكوتًا عنه لعارض الإضراب فصح الإتيان بالكاف. ومعنى كون زيد في قولك: قام زيد بل عمرو كالمسكوت عنه صيرورته كأنه لم يثبت له قيام ولم ينف عنه.

قوله: "والأمر الجلي" أي: الظاهر واحترز به عن العرض والتحضيض كما في الغزي ومر خلافه عن الرضي. قوله: "ذلك" أي: النفل. قوله: "وعلى ذلك" أي: الجواز المذكور. وقوله بل قاعدًا أي: بالنصب على معنى بل ما هو قاعدًا. وأورد على المبرد وعبد الوارث أنه يلزمهما أن ما لا تعمل في قائمًا شيئًا؛ لأن شرط عملها بقاء النفي في المعمول وقد انتقل عنه. وأجيب بأن انتقاضه بعد مضي العمل لا يضر قياسًا على النصب بعد فاء السببية أو واو المعية الواقعين بعد

ص: 166

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لمعناها إلى ما بعدها، وعلى ذلك فيصح ما زيد قائمًا بل قاعدًا وبل قاعد، ويختلف المعنى. قال الناظم: وما جوزاه مخالف لاستعمال العرب: ومنع الكوفيون أن يعطف بها بعد غير النفي وشبهه ومنعهم ذلك مع سعة روايتهم دليل على قلته. ولا بد لكونها عاطفة من إفراد معطوفها كما رأيت، فإن تلاها جملة كانت حرف ابتداء لا عاطفة على الصحيح. وتفيد حينئذ إضرابًا عما قبلها إما على جهة الإبطال نحو:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26]، أي: بل هم عباد ونحو: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 70]، وإما على جهة الانتقال من غرض إلى آخر نحو:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى، بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأعلى: 14] ، {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} [المؤمنون: 62] ، وادعى الناظم في شرح الكافية أنها لا تكون في القرآن إلا على هذا الوجه، والصواب ما تقدم.

تنبيهان: الأول لا يعطف ببل بعد الاستفهام؛ فلا يقال أضربت زيدًا بل عمرًا ولا نحوه. الثاني: تزاد قبلها لا لتوكيد الإضراب عن جعل الحكم للأول بعد الإيجاب كقوله:

ــ

النفي المنتقض بعدهما نحو:

وما أصاحب من قوم فأذكرهم

إلا يزيدهم حبا إليّ هم

قوله: "وبل قاعد" أي: على أن قاعد خبر مبتدأ محذوف أي: بل هو قاعد. قوله: "ويختلف المعنى" لأن النصب يقتضي انتفاء القعود والرفع يقتضي ثبوته. قوله: "ومنع الكوفيون إلخ" تورك على النظم بأنه يوهم كثرة العطف ببل في الخبر المثبت والأمر الجلي؛ لأنه ذكره مع العطف بها بعد النفي والنهي من غير تفصيل فتأمل. قوله: "وشبهه" هو النهي. قوله: "وتفيد حينئذٍ" أي: حين إذ تلاها جملة وكلامه يفيد أنها في حال عطفها المفرد ليست للإضراب.

قال شيخنا: وفي شرح الفارضي خلافه ا. هـ. وفي المغني أنها للإضراب في الأمر والإيجاب. قوله: "نحو: وقالوا {اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَه} إلخ" أي: فبل في نحو ذلك للإضراب الإبطالي بناء على المضرب عنه المقول بالميم، أما إذا كان المضرب عنه القول فالإضراب انتقالي إذ الإخبار بصدور ذلك منهم ثابت لا يتطرق إليه الإبطال. قوله:"والصواب ما تقدم" أجيب عن الناظم بحمل كلامه على أنها لا تكون في القرآن بيقين إلا على وجه الانتقال، والآيتان الأوليان ليست بل فيهما للإضراب الإبطالي بيقين لاحتمال أنها للإضراب عن القول فتكون انتقالية كما مر. قوله:"الأول إلخ" هذا التنبيه يستفاد من النظم. قوله: "لا يعطف ببل" مثلها لكن ولا على ما مر.

قوله: "ولا نحوه" بالرفع أي: نحو: هذا التركيب نحو: هل ضربت زيدًا بل عمرًا. قوله: "تزاد قبلها لا" المراد بزيادتها كونها لا للعطف ولا لنفي ما بعدها كما قاله الشمني فلا ينافي أنها نافية للإيجاب قبلها. قوله: "لتوكيد الإضراب عن جعل الحكم للأول بعد الإيجاب" اعلم أن لا بعد

ص: 167

وإنْ عَلى ضَميرِ رَفع متَّصل

عَطَفْتَ فافصِل بالضميرِ المنفَصِل

876- وَجْهُكَ البَدْرُ لا بَلِ الشَّمْسُ لو لم

يُقْضَ للشَّمْسِ كَسْفَة أو أَفُولُ

ولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفي، ومنع ابن درستويه زيادتها بعد النفي وليس بشيء كقوله:

877-

وما هَجَرْتُكِ لا بَل زَادَنِي شَغَفًا

هجْرٌ وبُعْدٌ تَراخَى لا إلى أجَلِ

"وإن على ضمير رفع متصل" مستترًا كان أو بارزًا "عطفت فافصل بالضمير المنفصل" نحو: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ} [الأنبياء: 54] ، "أو فاصل ما" إما بين العاطف والمعطوف عليه، وإما بين العاطف والمعطوف كالمفعول به في نحو:{يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} [الرعد: 23] ولا في نحو: {مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا} [الأنعام: 148] ، وقد

ــ

الإيجاب لنفي الإيجاب الذي قبلها وصيرورته نصا في النفي بعد صيرورته بحرف الإضراب لولاها كالمسكوت عنه يحتمل النفي وغيره، وعليه فلا يظهر قول الشارح لتوكيد الإضراب، إذ ليس ما أفادته معنى تأكيديا بل ذلك معنى تأسيسي أفاده الدماميني، وقوله: عن جعل متعلق بالإضراب، وقوله: بعد الإيجاب متعلق بتزاد ومثله قوله: الآتي بعد النفي. ومقتضى جعله بل في قوله: بل الشمس للإضراب، الذي قدم أنه مفاد بل الداخلة على جملة أنها في قوله: بل الشمس داخلة على جملة، أي: بل هو الشمس وليس بلازم كما يفيده ما مر عن شرح الفارضي والمغني، ولك منع الاقتضاء بحمل قوله سابقًا وتفيد حينئذٍ إضرابًا، على معنى أنها إذا تلاها جملة لا تكون إلا للإضراب بخلاف ما إذا تلاها مفرد فإنها للإضراب في الأمر والإيجاب دون النفي والنهي فافهم.

قوله: "كسفة أو أفول" الكسفة التغير إلى سواد والأفول الغيبوبة. قوله: "ضمير" قيد أول ولم يأخذ الشارح محترزه لظهوره. قوله: "فافصل بالضمير المنفصل" أي: لأن المتصل المرفوع كالجزء مما اتصل به، فلو عطف عليه كان كالعطف على جزء الكلمة، فإذا أكد بالمنفصل دل إفراده مما اتصل به بالتأكيد على انفصاله فحصل له نوع استقلال، ولم يجعل العطف على هذا التوكيد؛ لأن المعطوف في حكم المعطوف عليه فكان يلزم كون المعطوف تأكيدًا للمتصل وهو باطل.

قوله: "أو فاصل ما" قال الشيخ خالد: ما اسم نكرة في موضع جر نعت لفاصل بمعنى أي: فاصل كان، وجوز المكودي أن تكون ما زائدة ا. هـ. وإنما اكتفى بأي فاصل؛ لأن فصل الكلام قد يغني عما هو واجب نحو: أتى القاضي بنت الواقف؛ فلأن يغني عما هو غير واجب أولى. قوله:

_________

876-

البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في الدرر 6/ 135؛ وشرح التصريح 2/ 148؛ ومغني اللبيب 2/ 113؛ وهمع الهوامع 2/ 136.

877-

البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الدرر 6/ 138؛ وشرح التصريح 2/ 148؛ وشرح شواهد المغني 1/ 348؛ ومغني اللبيب 1/ 113؛ وهمع الهوامع 2/ 136.

ص: 168

أو فاصِل ما وَبِلا فَصْل يَرِدْ

في النَّظْم فاشِيا وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ

وعودُ حافِض لدى عطف على

ضمير خفض لازمًا قد جُعلا

ــ

اجتمع الفصلان في: {مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ} [الأنعام: 91]"وبلا فصل يرد في النظم فاشيًا وضعفه اعتقد" من ذلك قوله:

878-

وَرَجَا الأُخَيطِلُ من سَفاهَةِ رَأْيِهِ

ما لم يكن وَأَبٌ له ليَنَالا

وقوله:

879-

قلتُ إذ أَقْبلت وَزُهْرٌ تَهادَى

كَنِعاجِ الفَلا تَعَسَّفْنَ رَمْلًا

وهو على ضعفه جائز في السعة نص عليه الناظم لما حكاه سيبويه من قول بعض العرب مررت برجل سواء والعدم، برفع العدم عطفًا على الضمير المستتر في سواء؛ لأنه مؤول بمشتق أي: مستو هو والعدم وليس بينهما فصل "وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازمًا قد جعلا" في غير الضرورة وعليه جمهور البصريين نحو: {فَقَالَ لَهَا

ــ

"وضعفه اعتقد" أي: على مذهب البصريين وأجازه الكوفيون بلا ضعف قياسًا على البدل نحو: أعجبتني جمالك. والفرق على الأول أن الثاني في العطف غير الأول غالبًا، فلا بد من تقوية الأول بخلاف البدل. وكالبدل التأكيد إلا النفس والعين كما مر في محله. قوله:"ورجا الأخيطل" تصغير الأخطل. ومن في قوله من سفاهة رأيه تعليلية، وما مفعول رجا واللام في قوله: لينًا لا لام الجحود وألفه للتثنية. قوله: "وزهر" أي: ونسوة زهر كحمر جمع زهراء. وأصل تهادى تتهادى أي: تتبختر فحذفت إحدى التاءين والفلا اسم جنس جمعي للفلاة وهي الصحراء. والمراد بنعاج الفلا بقر الوحش تعسفن أي: أخذن على غير الطريق رملًا أي: في رمل وقيد بقوله تعسفن إلخ؛ لأنه أقوى في التبختر.

قوله: "وعود خافض" شامل للحرفي والاسمي، لكن لا يعاد الاسمي إلا إذا لم يلبس فإن ألبس نحو: جاءني غلامك وغلام زيد وأنت تريد غلامًا واحدًا مشتركًا بينهما لم يجز نعم يجوز إذا قامت قرينة تدل على المقصود، والذي ارتضاه الدماميني أن المعطوف الجار والمجرور على الجار والمجرور لا المجرور فقط على المجرور كما استظهره الرضي؛ لئلا يلزم إلغاء الجار واتصال الضمير بغير عامله في نحو: المال بيني وبينك ومررت بك وبه وكلاهما محذور راجع حاشية شيخنا. قوله: "وعليه" أي: اللزوم جمهور البصريين؛ لأن الجار والضمير المجرور كالشيء

878- البيت من الكامل، وهو لجرير في ديوانه ص57؛ والدرر 6/ 149؛ وشرح التصريح 2/ 151؛ والمقاصد النحوية 4/ 160؛ وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 476؛ وأوضح المسالك 3/ 390؛ والمقرب 1/ 234؛ وهمع الهوامع 2/ 138.

879-

البيت من الخفيف، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص498؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 101؛ وشرح عمدة الحافظ ص658؛ وشرح المفصل 3/ 76؛ واللمع ص184؛ والمقاصد النحوية 4/ 161؛ وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 79؛ والخصائص 2/ 386؛ وشرح ابن عقيل ص501؛ والكتاب 2/ 379.

ص: 169

وَليْسَ عِندِي لازِمًا إذْ قد أَتَى

في النَّظْم والنثر الصحيح مُثْبِتا

ــ

وَلِلأَرْضِ} [فصلت: 11]، {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: 12] ، {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ} [البقرة: 133] ، قال الناظم:"وليس" عود الخافض "عندي لازمًا" وفاقًا ليونس والأخفش والكوفيين "إذ قد أتى في النظم والنثر الصحيح مثبتًا" فمن النظم قوله:

880-

فاذهبْ فما بك والأيامِ من عَجبِ

وقوله:

881-

وما بينها والكعْبِ غَوطٌ نفَانِفُ

ــ

الواحد فإذا عطف بدون الجار فكأنه عطف على بعض الكلمة، وقيل غير ذلك كما بينه شيخنا. قوله:"وليس عندي لازمًا" اختاره أبو حيان وقال: ينبغي أن يقيد جواز العطف على الضمير المجرور بلا إعادة الجار بأن يكون الحرف ليس مختصا بجر الضمير احترازًا من الضمير المجرور بلولا على مذهب سيبويه، فإنه لا يجوز عطف الظاهر عليه بالجر أي: لا بإعادة الجار ولا بدونها أي: ولا عطف الضمير عليه إلا بإعادة الجار، فلو رفعت على توهم أنك قد نطقت بالضمير مرفوعًا ففي جوازه نظر ا. هـ. دماميني. قوله:" فاذهب إلخ" جواب شرط محذوف أي: إذا كنت فعلت الهجو والشتم المذكورين في صدر البيت أعني قوله:

فاليوم قد بت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فإن ذلك ليس بعجيب من مثلك ومثل هذه الأيام. قوله: "وما بينها إلخ" صدره:

نعلق في مثل السواري سيوفنا

روي نعلق بنون المتكلم ومعه غيره مبنيا للفاعل، وسيوفنا بالنصب على المفعولية، وروي تعلق بتاء التأنيث مبنيا للمجهول وسيوفنا بالرفع على النيابة عن الفاعل، والسواري جمع سارية وهي الأسطوانة والواو في وما حالية وما مبتدأ خبره، غوط جمع غائط وهو المكان المطمئن الواسع وكني بذلك عن طول القامة، ونفانف صفته جمع نفنف وهو الهواء بين الشيئين ويقال للهواء

880- صدره:

فاليوم قرَّبْت تهجونا وتشتِمُنا

والبيت من البسيط، وهو بلا نسبة في الإنصاف ص464؛ وخزانة الأدب 5/ 123، 126، 128، 129، 131؛ والدرر 2/ 81، 6/ 151؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 207؛ وشرح ابن عقيل ص503؛ وشرح عمدة الحافظ ص662؛ وشرح المفصل 3/ 78، 79؛ والكتاب 2/ 392؛ واللمع في العربية ص185؛ والمقاصد النحوية 4/ 163؛ والمقرب 1/ 234؛ وهمع الهوامع 2/ 139.

881-

صدره:

نُعلِّق في مثل السَّواري سُيوفَنَا

والبيت من الطويل، وهو لمسكين الدارمي في ديوانه ص53 "وفيه نتائف بدل نفانف"؛ والحيوان 6/ 494؛ والمقاصد النحوية 4/ 164؛ وبلا نسبة في الإنصاف 2/ 465؛ وشرح عمدة الحافظ ص663؛ وشرح المفصل 3/ 79؛ ولسان العرب 7/ 365 "غوط".

ص: 170

والفاء قد تُحذَف مع ما عَطَفَت

والواو لا لَبْسَ وهي انْفَرَدَتْ

ــ

وهو كثير في الشعر. ومن النثر قراءة ابن عباس والحسن وغيرهما: {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1]، وحكاية قطرب ما فيها غيره وفرسه قيل ومنه:{وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217] ، إذ ليس العطف على السبيل؛ لأنه صلة المصدر وقد عطف عليه كفر ولا يعطف على المصدر حتى تكمل معمولاته.

تنبيهان: الأول في المسلة مذهب ثالث وهو أنه إذا أكد الضمير جاز نحو: مررت بك أنت وزيد، وهو مذهب الجرمي والزيادي. وحاصل كلام الفراء فإنه أجاز مررت به نفسه وزيد، ومررت بهم كلهم وزيد. الثاني أفهم كلامه جواز العطف على الضمير المنفصل مطلقًا، وعلى المتصل المنصوب بلا شرط نحو: أنا وزيد قائمان، وإياك والأسد، ونحو:{جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} [المرسلات: 38] ، "والفاء قد تحذف مع ما عطفت

ــ

الشديد كذا في العيني، ومثل السواري صفة لمحذوف أي: في قامات مثل السواري طولًا، ومراده بالكعب كعب حامل تلك السيوف هكذا يظهر. قوله:"وغيرهما" كحمزة من السبعة. قوله: "تساءلون به" قال شيخنا بتخفيف السين ا. هـ. وأما ما قيل إن الواو للقسم لا للعطف فعدول عن الظاهر مع أنه إن كان قسم الطلب في قوله: واتقوا الله، ورد عليه أن قسم السؤال إنما يكون بالباء كما قاله الرضي وغيره وإن كان قسم خبر محذوف تقديره والأرحام أنه لمطلع على ما تفعلون، كما قيل كان زيادة في التكلف. قوله:"قيل ومنه إلخ" وقيل خفض المسجد بباء محذوفة لدلالة ما قبلها عليها لا بالعطف فيكون مجموع الجار والمجرور معطوفًا على به وصوبه في المغني وكذا يقال في مثل هذه الآية. وأورد عليه أن حذف الجار وبقاء عمله شاذ إلا في مواضع تقدمت في حروف الجر ليس هذا منها، اللهم إلا أن يقال محل المنع إذا حذف غير تال لعاطف مسبوق بمثال الجار.

قوله: "لأنه" أي: السبيل صلة المصدر أي: فكذا ما عطف على السبيل. قوله: "حتى تكمل معمولاته" لئلا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي. قوله: "إذا أكد الضمير جاز" أي: قياسًا على العطف على ضمير الفاعل إذا أكد، والجامع شدة الاتصال بما يتصلان به، وفرق الأول بأوجه: منها أن الضمير المجرور أشد اتصالًا من ضمير الفاعل بدليل أن ضمير الفاعل قد يجعل منفصلًا عند إرادة الحصر ويفصل بينه وبين الفعل، ولا يمكن الفصل بين الضمير المجرور وعامله كما ذكره السيوطي فلم يؤثر توكيده جواز العطف. قوله:"جواز العطف على الضمير المنفصل إلخ" أي: لأن كلا من المذكورين ليس كالجزء فأجري مجرى الظاهر وقوله مطلقًا أي: مرفوعًا كان أو منصوبًا. قوله: "والفاء قد تحذف إلخ" هذه الأبيات الثلاثة كلام يتعلق بحروف العطف فكان ينبغي أن تذكر قبل ذكر أحكام المعطوف، وأن تكون إلى جانب قوله واخصص بفاء البيت ا. هـ. نكت. قوله:"إذ لا لبس" أي: وقت عدم اللبس فإذ ظرفية لا تعليلية كما يشير إليه قول الشارح هو قيد فيهما.

ص: 171

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والواو إذ لا لبس" هو قيد فيهما، أي: تختص الفاء والواو بجواز حذفهما مع معطوفهما لدليل مثاله في الفاء: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَت} ، أي: فضرب فانفجرت وهذا الفعل المحذوف معطوف على فقلنا. ومثاله في الواو قوله:

882-

فما كان بيْنَ الخير لو جاء سالِمًا

أبو حُجُرٍ إلا ليالٍ قلائِلُ

أي: بين الخير وبيني، وقولهم: راكب الناقة راكب الناقة طليحان أي: والناقة،

ومنه: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أي: والبرد.

تنبيهان: الأول أم تشاركهما في ذلك كما ذكره في التسهيل ومنه قوله:

883-

فما أدْرِي أَرُشْدٌ طِلابُها

أي: أم غي. وإنما لم يذكرها هنا لقلته فيها. الثاني قد يحذف العاطف وحده، ومنه

ــ

قوله: "أن اضرب إلخ" الصواب حذف أن أو إبدال، فانفجرت بفانبجست؛ لأن الآية التي فيها فانفجرت هكذا فقلنا: اضرب إلخ، والآية التي فيها أن هكذا:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ} [الأعراف: 160]، وقوله بعد في غالب النسخ معطوف على فقلنا: يدل على أنه أراد آية فقلنا: اضرب إلخ، فكان عليه أن يحذف أن ويقول فقلناك اضرب إلخ، وقد وجد ذلك في بعض النسخ. قوله:"أي: فضرب فانفجرت" قال البهاء السبكي: طوى ذكر فضرب هنا لسرعة الامتثال، حتى إن أثره وهو الانفجار لم يتأخر عن الأمر، ثم قيل فضرب كله محذوف. وقال ابن عصفور: حذف ضرب وفاء فانفجرت والفاء الباقية فاء فضرب ليكون على المحذوف دليل ببقاء بعضه. دماميني. قوله: "معطوف على فقلنا" فيه مسامحة ظاهرة. قوله: "بين الخبر" خبر كان مقدم وقوله: أبو حجر بضم الحاء والجيم. قوله: "طليحان" أي: ضعيفان فكون الخبر مثنى دليل على حذف المعطوف. ويحتمل أن يكون الأصل أحد طليحين فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كما قاله الموضح في شرح بانت سعاد وحينئذٍ لا شاهد فيه، لكن قال في المغني: هذا لا يتأتى في نحو: غلام زيد ضربتهما.

قوله: "أي: أم غي" إنما يلزم تقدير ما ذكر بناء على أن الهمزة دائمًا لا تكون إلا معادلة بين

882- البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص120؛ وشرح التصريح 2/ 153؛ وشرح عمدة الحافظ ص648؛ والمقاصد النحوية 4/ 167؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 396.

883-

تمامه:

دعاني إليها القلب إني لأمره

سَمِيع فما أدري أَرُشْدٌ طِلابُها

والبيت من الطويل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في تخليص الشواهد ص140؛ وخزانة الأدب 11/ 251؛ والدرر 6/ 102؛ وشرح أشعار الهذليين 1/ 43؛ وشرح عمدة الحافظ ص655؛ وشرح شواهد المغني ص26، 142؛ ومغني اللبيب ص13؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 2/ 132.

ص: 172

بِعَطْفِ عامِلٍ مُزالٍ قَدْ بَقِي

مَعْمُولُهُ دَفْعًا لِوَهْمٍ اتُّقِي

ــ

قوله:

884-

كيفَ أصبحتَ كيف أمسيتَ مِمَّا

يَغْرِسُ الوُدَّ في فؤادِ الكريمِ

أراد كيف أصبحت وكيف أمسيت. وفي الحديث: "تصدق رجل ديناره من درهمه من صاع بره من صاع تمره" وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع: أكلت خبزًا لحمًا تمرًا، أراد خبزًا ولحمًا وتمرًا، ولا يكون ذلك إلا في الواو وأو "وهي" أي: الواو "انفردت" من بين حروف العطف "بعطف عامل مزال" أي: محذوف "قد بقي معموله" مرفوعًا كان نحو: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35، الأعراف: 19]، أي: وليسكن زوجك، أو منصوبًا نحو:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9] أي: وألفوا

ــ

شيئين إما مصرح بهما كما تقدم أو بأحدهما كالبيت فإن طلابها حاصل فلا يسأل عن حصوله وإنما يسأل هل هو رشد أو غي. وقد أسلفنا في مبحث أم تنظير ابن هشام في ذلك فتنبه. بقي أن الزمخشري أجاز حذف ما عطفت عليه أم فقال في أم كنتم شهداء: يجوز كون أم متصلة على أن الخطاب لليهود وحذف معادلها أي: أتدعون على الأنبياء اليهودية أم كنتم شهداء، وجوز ذلك الواحدي أيضًا، وقدر أبلغكم ما تنسبون إلى يعقوب من إيصاء بنيه باليهودية أم كنتم شهداء نقله في المغني وأقره. قوله:"قد يحذف العاطف وحده" أي: على قول الفارسي وابن عصفور ومنعه ابن جني والسهيلي. وإنما جاز حذف حرف الاستفهام اتفاقًا؛ لأن للاستفهام هيئة تخالف هيئة الإخبار. قوله: "ومنه قوله إلخ" خرج المانع الأمثلة على بدل الإضراب كما في الدماميني ويحتمل بعضها الاستئناف كالبيت.

قوله: "إلا في الواو وأو" كذا في نسخ وفي نسخ أخرى إسقاط قوله وأو والأولى هي الموافقة لقوله في التسهيل ويشاركها أي: الواو في ذلك أو، ومثله الدماميني بقول عمر رضي الله تعالى عنه: صلى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء. وقال في المغني: حكى أبو الحسن: أعطه درهمًا درهمين ثلاثة، وخرج على إضمار أو ويحتمل البدل المذكور ا. هـ. قال الدماميني: وظاهره أن الفاء لا تشاركهما في ذلك وقد قيل في علمته النحو بابا بابا إن تقديره بابا فبابا، ويشهد لذلك قولهم: ادخلوا الأول فالأول. قوله: "بعطف عامل إلخ" أو رد عليه ابن هشام أن الفاء تعطف عاملًا حذف وبقي معموله نحو: اشتريته بدرهم فصاعدًا؛ لأن تقديره فذهب الثمن صاعدًا. قوله: "أي: وليسكن زوجك" فيه أن اجتماع حذف الفعل ولام الأمر شاذ فلا يحسن تخريج التنزيل عليه كذا في التصريح، قال سم ويمكن أن يقال: إن من قدر ذلك أراد بيان معنى المقدر لا نفسه أي: ويسكن والجملة حينئذٍ خبرية لفظًا إنشائية معنى. قوله: "تبوؤا الدار" أي

884- البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 8/ 134؛ والخصائص 1/ 290، 2/ 280؛ والدرر 6/ 155؛ وديوان المعاني 2/ 225؛ ورصف المباني ص414؛ وشرح عمدة الحافظ ص641؛ وهمع الهوامع 2/ 140.

ص: 173

وحَذْفَ مَتْبوع بدا هنا اسْتَبِح

وعطفُكَ الفعْلَ على الفِعْلِ يَصِحّ

ــ

الإيمان، أو مجرورًا نحو: ما كل بيضاء شحمة ولا سوداء تمرة، أي: ولا كل سوداء. وإنما لم يجعل العطف فيهن على الموجود "دفعا لوهم اتقي" أي: حذر وهو أنه يلزم في الأول رفع فعل الأمر للاسم الظاهر، وفي الثاني كون الإيمان متبوأ وإنما يتبوأ المنزل، وفي الثالث العطف على معمولي عاملين. ولا يجوز في الثاني أن يكون الإيمان مفعولا معه لعدم الفائدة في تقييد الأنصار بمصاحبة الإيمان إذ هو أمر معلوم "وحذف متبوع" أي: معطوف عليه "بدا" أي: ظهر "هنا" أي: في هذا الموضع وهو العطف بالواو والفاء؛ لأن الكلام فيهما "استبح" كقول بعضهم: وبك وأهلًا وسهلًا جوابًا لمن قال له: مرحبًا بك، والتقدير ومرحبًا بك وأهلًا ونحو:{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} [الزخرف: 5]، أي: أنهملكم فنضرب، ونحو:{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [سبأ: 9]، أي: أعموا فلم يروا. وأما حذفه مع أو في قوله:

ــ

نزلوها وأما تبوأ له فبمعنى هيأ له. قوله: "أي: وألفوا الإيمان" أي: فالعطف من عطف الجمل وجعله قوم من عطف المفردات بتضمين الفعل الأول معنى فعل يتسلط به على المعطوف أي: آثروا الدار والإيمان والوجهان في:

وزججن الحواجب والعيونا

قوله: "وهو أنه يلزم إلخ" كذا في التوضيح وفيه أن هذه اللوازم المذكورة متحققة على تقدير العطف على الموجود لا متوهمة حتى يقال دفعًا لوهم اتقى، بل كان المناسب إذا كان المراد هذا أن يقال دفعًا لأمر اتقى، إلا أن يقال المراد بالوهم الخطأ. قوله:"يلزم في الأول إلخ" قد يقال يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل، ورب شيء يصح تبعًا ولا يصح استقلالًا ا. هـ. مغني فلا يشترط لصحة العطف صحة وقوع المعطوف موقع المعطوف عليه. قوله:"متبوأ" أي: منزولًا. قوله: "على معمولي عاملين" مختلفين العاملان ما وكل والمعمولان بيضاء وشحمة. قوله: "في تقييد الأنصار" كذا في نسخ وهو الموافق لما عليه المفسرون من أن الآية واردة في الأنصار. وفي نسخ المهاجرين وهي غير موافقة إلا أن تقرأ بفتح الجيم أي: المهاجر إليهم.

قوله: "وحذف متبوع بدا هنا استبح" لم يذكر ذلك مع أم وقد قيل في أم حسبتم أن تدخلوا الجنة إن أم متصلة فالتقدير: أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره أم حسبتم. ومر عن الزمخشري والواحدي تجويز ذلك في أم كنتم شهداء، وأسلف الشارح أن المعطوف عليه بلا قد يحذف نحو: أعطيتك لا لتظلم أي: لتعدل لا لتظلم. قوله: "وبك وأهلًا" الواو الأولى لعطف جميع الكلام على كلام المتكلم الأول كالواو في وعليكم السلام جوابًا لمن قال: السلام عليكم، والثانية لعطف أهلًا على مرحبًا المقدر عطف مفرد على مفرد وهي محل الاستشهاد كذا في التصريح، وقوله: والثانية إلخ مبني على أن العامل في الجميع واحد أي: صادفت كذا وكذا ومنهم من جعل ذلك من عطف الجمل وقدر لكل واحد ما يناسبه، وسيبويه يجعل مرحبًا وأهلًا منصوبين على

ص: 174

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

885-

فَهَل لكَ أو من والِد لكَ قَبْلَنا

أي: فهل لك من أخ أو من والد فنادر.

تنبيهان: الأول قال في التسهيل: ويغني عن المعطوف عليه المعطوف بالواو كثيرًا وبالفاء قليلًا. الثاني: قال فيه أيضًا وقد يتقدم المعطوف بالواو وللضرورة. وقال في الكافية: ومتبع بالواو قد يقدم موسطًا أي: يلتزم ما يلزم. وظاهره جوازه في الاختيار على قلة. قال في شرحها قد يقع أي: المعطوف قبل المعطوف عليه إن لم يخرجه التقديم إلى التصدير أو إلى

ــ

المصدر نقل ذلك شيخنا عن الطبلاوي. قوله: "قال في التسهيل إلخ" تفصيل لما أجمله المتن دفع به توهم المساواة.

قوله: "وقد يتقدم المعطوف بالواو" خالف هشام في التخصيص بالواو وأجراه في الفاء وثم وأو ولا قاله السيوطي.

فائدة: فصل الواو والفاء من المعطوف بهما ضرورة وفصل غيرهما سائغ بقسم وظرف سواء كان المعطوف اسمًا نحو: قام زيد ثم والله عمرو وما ضربت زيدًا لكن في الدار عمرًا، أم فعلًا نحو: قام زيد ثم في الدار قعد أو بل والله قعد ا. هـ. همع. وألحق أبو حيان الحال بالظرف؛ لأنها مفعول فيه في المعنى وبنى عليه إعرابه أشد من قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200]، حالًا من ذكر المعطوف على كذكركم قال: لأن المعنى اذكروا الله ذكرًا كذكركم آباءكم أو ذكرًا أشد فأشد في الأصل صفة ذكرًا، فلما قدم عليه أعرب حالًا منه، وجوز وجهًا آخر وهو أن يكون ذكرًا مصدرًا لاذكروا، ويكون كذكركم آباءكم في موضع نصب على الحال من ذكرًا وأشد معطوف على كذكركم فتكون حالًا معطوفة على حال، وعدل كما قاله إلى هذين الوجهين عن كون ذكرًا تمييزًا لاقتضائه أن الذكر ذاكر، ومنهم من التزمه على الإسناد المجازي من وصف الشيء بوصف صاحبه نحو: جده أجد. وفي الكشاف أن أو أشد ذكرًا في موضع جر عطف على ضمير المخاطبين في كذكركم مثل ذكر قريش آباءهم أو قوم أشد منهم ذكرًا، أو في موضع نصب عطف على آباءكم أي: أو أشد ذكرًا من آبائكم على أن ذكرًا من فعل المعلوم أو المجهول قال التفتازاني: وتحقيقه أن المصدر عبارة عن أن مع الفعل والفعل قد يؤخذ مبنيًا للفاعل، وقد يؤخذ مبنيا للمفعول، والمعنى على الأول أو قوم أشد ذاكرية، وعلى الثاني أو قوم أشد مذكورية واختار ابن الحاجب أن أشد ذكرًا حال من محذوف والعطف من عطف الجمل والتقدير: أو اذكروه حال كونكم أشد ذكرًا.

قوله: "للضرورة" تخصيصه بالضرورة مذهب البصريين ومذهب الكوفيين جوازه اختيارًا

885- عجزه:

يُوَسِّمُ أولادَ العِشارِ ويُفْضِلُ

والبيت من الطويل، وهو لأمية بن أبي عائذ الهذلي في الدرر 6/ 156؛ وشرح أشعار الهذليين 2/ 537؛ وشرح عمدة الحافظ ص670؛ والمقاصد النحوية 4/ 182؛ وللهذلي في همع الهوامع 2/ 140.

ص: 175

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مباشرة عامل لا يتصرف أو تقدم عليه ولذا قلت: موسطًا أن يلتزم ما يلزم، فلا يجوز وعمرو زيد قائمان لتصدر المعطوف وفوات توسطه، ولا ما أحسن وعمرًا زيدًا، ولا ما وعمرًا أحسن زيدًا لعدم تصرف العامل. ومثال التقديم الجائز قول ذي الرمة:

886-

كَأَنَّا عَلَى أولادِ أَحْقَبَ لاحَها

وَرَمَى السَّفى أنْفاسَها بِسِهامِ

جَنوبٌ دوَتْ عنها التَّناهِي وأَنْزَلَتْ

بها يومَ رَبَّابِ السَّفيرِ خِيامُ

أراد لاحها جنوب ورمى السفى. ومنه قول الآخر:

887-

وأنت غَرِيم لا أظنُّ قَضاءَهُ

ولا العَنَزِيُّ القارِظُ الدَّهْرَ جائِيًا

ــ

بقلة. قوله: "إن لم يخرجه التقديم إلخ" أي: ولم يكن المعطوف مخفوضًا فلا يجوز: مررت وزيد بعمرو، ولم يكن العامل مما لا يستغنى بواحد فلا يقال اختصم وعمرو زيد خلافًا لثعلب كذا في السيوطي والدماميني. قوله:"أو تقدم عليه" عطف على مباشرة أي: أو يخرجه التقديم إلى تقدمه على عامل لا يتصرف كالمثال الأخير وفي نسخ أو التقدم عليه وهي ظاهرة. قوله: "وفوات توسطه" عطف لازم. قوله: "كأنا على أولاد" أي: حمر أولاد أحقب أي: أولاد فحل من الحمير أحقب أي: في موضع الحقيبة منه وهو مؤخره بياض لاحها بالحاء المهملة أي: غيرها. والسفي بفتح السين المهملة والفاء قال في القاموس: هو التراب، والهزال وكل شجر له شوك واحدته سفاة ا. هـ. والمعنى الأول والثالث يناسبان هنا. وأما قول البعض هو شوك مخصوص فمع كونه مخالفًا لما في القاموس هو غير مناسب لقوله بسهام؛ لأن معناه بشوك كالسهام كما قاله هو وسيأتي، أنفاسها أي: الأولاد على حذف مضاف أي: محل أنفاسها، بسهام متعلق برمي أي: بشوك كالسهام، جنوب فاعل لاحها والجنوب ريح معلومة. دوت بالدال المهملة قال في القاموس: دوي الماء أي: علاه ما تسفيه الريح ا. هـ. فقول البعض أي: جفت فيه نظر. وأما ذوي بالمعجمة ففي القاموس ذوي البقل كرمي ورضي ذويًا كصلى ذبل وأذواه الحر ا. هـ. عنها أي: عن الجنوب أي: من أجلها، التناهي فاعل ذوت وهي جمع تنهية وهي الموضع الذي ينتهي الماء إليه ويحبس فيه، وأنزلت بها أرجع البعض الضمير لأولاد أحقب وعليه فأنزلت عطف على لاحها ولعل المعنى عليه وحملت فوقها الخيام، ويحتمل رجوعه إلى الجنوب فتكون الباء في بها سببية. قال البعض: والمراد بيوم رباب السفير يوم شدة الحر ا. هـ. وفي القاموس الرباب كرمان وشداد الجماعة، وذكر للسفير معاني أنسبها هنا الرياح يسفر بعضها بعضًا. وفي البيت من عيوب القافية الإقواء.

قوله: "ومنه قول الآخر" قال بعضهم: هو من كلام ذي الرمة فكان الموافق الإتيان بالضمير

886- البيتان من الطويل، وهما لذي الرمة في ديوانه ص1071، وشرح أبيات سيبويه 1/ 483؛ والكتاب 2/ 99، 100؛ ولسان العرب 12/ 210 "سهم"؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص862.

887-

البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 347.

ص: 176

واعْطِف على اسم شِبه فِعل فِعْلا

وعكسًا استَعمِل تَجِده َسْهلا

ــ

أراد لا أظن قضاءه جائيًا هو ولا العنزي "وعطفك الفعل على الفعل يصح" بشرط اتحاد زمانيهما سواء اتحد نوعهما نحو: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ} [الفرقان: 49]{وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} [محمد: 36] أم اختلفا نحو: قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود: 98]، {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي} [الفرقان: 10] الآية "واعطف على اسم شبه فعل فعلا" نحو: {صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 19] ، {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَأَثَرْنَ}

ــ

العائد على ذي الرمة بدل التعبير بالآخر. قوله: "وأنت" بكسر التاء؛ لأن الخطاب لمحبوبته، والعنزي بفتح العين المهملة والنون بعدها زاي نسبة إلى عنزة قبيلة، وهو أحد رجلين خرجا يجنيان القرظ فلم يرجعا أصلًا فضرب بهما المثل. قوله:"وعطفك الفعل إلخ" قال ابن هشام: قال بعض الطلبة: لا يتصور لعطف الفعل على الفعل مثال؛ لأن نحو: قام زيد وقعد عمرو المعطوف فيه جملة لا فعل وكذا قام وقعد زيد؛ لأن في أحد الفعلين ضميرًا. قلت له: فإذا قلت: يعجبني أن تقوم وتخرج ولم تقم وتخرج ويعجبني أن يقوم زيد ويخرج عمرو فيا لها خجلة وقع فيها ا. هـ. سيوطي. ووجهه أن الفعل المعطوف منصوب أو مجزوم فلولا أن العطف للفعل وحده لم يتأت نصبه أو جزمه ا. هـ سم. قوله: "بشرط اتحاد زمانيهما" أي: مضيًا أو حالًا أو استقبالًا.

قوله: "سواء اتحد نوعهما" أي: المتعاطفين بأن كانا ماضيين أو مضارعين أو أمرين. قوله: "نحو: يقدم قومه إلخ" فأوردهم معطوف على يقدم؛ لأنه بمعنى يوردهم كما قاله أبو البقاء. قال شيخ الإسلام زكريا: ويحتمل أن يكون أوردهم معطوفًا على اتبعوا أمر فرعون فلا اختلاف في اللفظ، ويرد عليه وإن أقره شيخنا والبعض أن زمني المتعاطفين حينئذٍ مختلفان لمضي زمن الاتباع واستقبال زمن الإيراد فلم يوجد شرط عطف الفعل على الفعل، إلا أن يراد بالنار ما يشمل نار القبر ومتباعدان جدا فلا وجه حينئذٍ للفاء فتدبر. ثم يحتمل أن يكون العطف في الآية من عطف الجملة على الجملة لا الفعل على الفعل وكذا في كثير من الأمثلة لكن لا يضر الاحتمال إذا كان المقصود التمثيل لا الاستشهاد. قوله:"تبارك الذي إلخ" الشاهد في ويجعل على قراءة الجزم عطفًا على جعل الذي هو في محل جزم.

قوله: "فالمغيرات صبحًا" ظاهره أن أثرن معطوف على مغيرات وبه صرح في التصريح مع أنهم قالوا: إن المعطوفات إذا تكررت تكون على الأول على الأصح ويجاب بأن ذلك مقيد بما إذا لم يكن العاطف مرتبًا، فإن كان مرتبًا فالعطف على ما يليه، كما نقل عن الكمال ابن الهمام وإذا عطف بمرتب أشياء، ثم عطف بغير مرتب شيء فهو على ما يليه، كما يؤخذ من كلام المغني في أول الجملة الرابعة من الجمل التي لا محل لها، وينظر بكل تقدير محل أثرن من الإعراب، فإنه لا جائز أن يكون الجر لعدم دخوله الأفعال ولا جائز أن يكون غيره لعدم وجوده، إذ الفرض أنه معطوف على مجرور فقط إلا أن يقال محل قولهم الجر لا يدخل الأفعال إذا كان ذلك على

ص: 177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[العاديات: 3] . لاتحاد جنس المتعاطفين في التأويل، إذ المعطوف في المثال الأول في تأويل المعطوف عليه وفي الثاني بالعكس "وعكسًا استعمل تجده سهلا" كقوله:

888-

أُمَّ صَبِيٍّ قَدْ حَبَى أو دَارِجِ

889-

يَقْصِدُ في أَسْوُقِهَا وجَائِرِ

ــ

سبيل الاستقلال أما على سبيل التبع كما هنا فيدخل، فإن قلت: صرحوا بأن الجملة الفعلية تقع في محل جر فلِمَ لم تكن جملة فأثرن في محل جر؟ قلت: الفرض أن المعطوف الفعل وحده كما صرحوا به لا الجملة بأسرها ا. هـ. دنوشري. وأجاب الإسقاطي بأن الذي يظهر أن أثرن لا محل له من الإعراب لعطفه على ما لا محل له وهو صلة أل، وما فيها من إعراب ليس بطريق الأصالة حتى يراعى في الفعل المعطوف بل بطريق العارية من أل الموصولة؛ لكونها على صورة الحرف نقلوا إعرابها إلى صلتها فجاز أن يعطف عليها ما لا محل له نظرًا لأصلها.

قوله: "إذ المعطوف في المثال الأول في تأويل المعطوف عليه" أي: لأن صافات حال والأصل في الحال الإفراد فيقبضن مؤول بقابضات، وهذا على سبيل الأولوية إذ يجوز كون المؤول هو المعطوف عليه، وكذا يقال في نظائره وفي الكلام حذف مضاف أي: في تأويل مثل المعطوف عليه، وكذا يقال فيما بعده. قوله:"وفي الثاني بالعكس" أي: لأن المعطوف عليه صلة وحقها أن تكون جملة فالمغيرات مؤول باللاتي أغرن. قوله: "أم صبي إلخ" صدره:

يا رب بيضاء من العواهج

جمع عوهج وهو الطويل العنق من الظباء والنعام والنوق، والمراد هنا المرأة التامة الخلق. ويجوز في أم الجر عطف بيان لبيضاء باعتبار اللفظ والرفع عطف بيان لبيضاء باعتبار المحل أو خبر محذوف، والنصب بتقدير أمدح والمؤول هو الأول؛ لأنه وصف والأصل فيه الإفراد على ما ارتضاه الشارح بعد وسيأتي ما فيه، والدارج المقارب بين خطاه وقد يشكل جر دارج مع عطفه على الفعل وحده إلا أن ينزل منزلة العطف على الجملة. قوله:"يقصد إلخ" صدره:

بات يعشيها بعضب باتر

ضمير يعشيها للمرأة؛ لأنه في وصف رجل يعاقب امرأته بالعضب الباتر أي: السيف القاطع.

888- صدره:

يا رب بيضاء من العَواهِج

والرجز لجندب بن عمرو في خزانة الأدب 4/ 238؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 394؛ وسر صناعة الإعراب 2/ 641؛ وشرح التصريح 2/ 152؛ ولسان العرب 2/ 331 "كهج"؛ والمقاصد النحوية 4/ 173.

889-

صدره:

بات يُعَشِّيها بعَضْبٍ باتِرِ

والرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 140، 143، وشرح ابن عقيل ص

506؛ ولسان العرب 11/ 600، "كهل"، 15/ 62 "عشا"؛ والمقاصد النحوية 4/ 174.

ص: 178

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجعل منه الناظم {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: 31] ، وقدر الزمخشري عطف مخرج على فالق، وجعل ابن الناظم تبعًا لأصله المعطوف في البيتين في تأويل المعطوف عليه، والذي يظهر عكسه؛ لأنه المعطوف عليه وقع نعتًا والأصل فيه أن يكون اسمًا.

خاتمة: في مسائل متفرقة: الأولى يشترط لصحة العطف صلاحية المعطوف أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل، فالأول نحو: قام زيد وعمرو، والثاني نحو: قام زيد وأنا، فإنه لا يصلح قام أنا ولكن يصلح قمت والتاء بمعنى أنا، فإن لم يصلح هو أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل، أضمر له عامل يلائمه وجعل من عطف الجمل، وذلك كالمعطوف على الضمير المرفوع بالمضارع ذي الهمزة أو النون أو تاء المخاطب أو بفعل الأمر نحو: أقوم أنا وزيد، ونقوم نحن وزيد، وتقوم أنت وزيد واسكن أنت وزوجك الجنة أي: وليسكن زوجك، وكذلك باقيها، وكذلك المضارع المفتتح بتاء التأنيث نحو:{لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233]، قال الناظم: قال الشيخ أبو حيان: وما ذهب إليه مخالف لما تضافرت عليه نصوص النحويين والمعربين من أن زوجك معطوف على الضمير المستكن في اسكن المؤكد بأنت. الثانية لا يشترط في صحة العطف صحة وقوع المعطوف موقع المعطوف عليه لصحة قام زيد وأنا وامتناع قام أنا وزيد. الثالثة: لا يشترط صحة تقدير العامل بعد العاطف لصحة اختصم زيد وعمرو وامتناع اختصم

ــ

ويقصد من القصد ضد الجور في محل جر صفة ثانية لعضب في تأويل قاصد؛ لأنه وصف والأصل فيه الإفراد وجعله العيني حالًا ويرده جر المعطوف. والأسوق جمع ساق. قوله: "والذي يظهر عكسه إلخ" أقول هذا إنما يتم في البيت الثاني أما في الأول فلا؛ لأن ما علل به معارض بوجود قد في الأول بل وجودها فيه أقوى مما علل به؛ لأنها تبعد كون الفعل في تأويل الاسم، فالوجه أن المؤول في البيت الأول الثاني، وفي الثاني الأول فعليك بالإنصاف. قوله:"فإنه لا يصلح قام أنا" أي: هذا التركيب بعينه فلا يرد أنه يصلح أن يقال إنما قام أنا فأنا قد باشرت العامل.

قوله: "من أن زوجك معطوف على الضمير المستكن في اسكن" أي: ويغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل، وكذا يقال في بقية الأمثلة المتقدمة والبدل أيضًا على هذين القولين نحو: ادخلوا أولكم وآخركم، فيقدر عامل على الأول ويكون من إبدال الجمل بعضها من بعض ولا يحتاج إليه على الثاني. قوله:"لا يشترط في صحة العطف صحة وقوع المعطوف" أي: بنفسه وهذا مستفاد من قوله في المسألة الأولى، أو ما هو بمعناه فإنه يفيد أنه لا يشترط صحة وقوعه بنفسه هكذا ينبغي تقرير الاعتراض لا كما قرره البعض. قوله:"منعه البيانيون" قال السيد: منع

ص: 179

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيد واختصم عمرو. الرابعة: في عطف الخبر على الإنشاء وعكسه خلاف منعه البيانيون والناظم في شرح باب المفعول معه من كتاب التسهيل وابن عصفور في شرح الإيضاح، ونقله عن الأكثرين وأجازه الصفار تلميذ ابن عصفور وجماعة مستدلين بنحو:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا} [البقرة: 25]، في سورة البقرة:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 47]، في سورة الصف. قال أبو حيان: وأجاز سيبويه جاءني زيد ومن عمرو والعاقلان على أن يكون العاقلان خبرًا لمحذوف، ويؤيده قوله:

ــ

البيانيين إنما هو في الجمل التي لا محل لها بخلاف التي لها محل، فإن ذلك جائز فبها وكفاك حجة قاطعة على جوازه قوله تعالى:{وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]، وليس مختصا بالجمل المحكية بالقول إذ لا يشك من له مسكة في حسن قولك: زيد أبوه صالح وما أفسقه ووجه الجواز أن الجمل التي لها محل واقعة موقع المفردات، فليست النسب بين أجزائها مقصودة بالذات فلا التفات إلى اختلاف تلك النسب بالخبرية والإنشائية بخلاف ما لا محل لها ا. هـ. شمني.

قوله: "وأجازه الصفار إلخ" قال البهاء السبكي: أهل البيان متفقون على منعه وكثير من النحاة جوزه ولا خلاف بين الفريقين؛ لأنه عند مجوزه يجوز لغة ولا يجوز بلاغة ا. هـ. شمني. وفيه عندي نظر وإن أقره شيخنا والبعض؛ لأن

عدم جوازه بلاغة عند المجوزين ينافيه استدلالهم على جوازه بالآيتين فافهم. قوله: "بنحو: وبشر إلخ" أي: لأنه معطوف على أعدت للكافرين وهو خبر. وأجيب بأن الكلام منظور فيه إلى المعنى فكأنه قيل: والذين آمنوا وعملوا

الصالحات لهم جنات فبشرهم بذلك. قوله: " {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} في سورة الصف" أي: لأنه معطوف على نصر من الله وفتح قريب وهو خبر. وأجيب بأن بشر معطوف على تؤمنون بمعنى آمنوا ولا يقدح في ذلك تخالف الفاعلين بالإفراد وعدمه؛ لأنك تقول قوموا واقعد يا زيد.

قوله: "على أن يكون العاقلان خبرًا لمحذوف" أي: لا على الاتباع لعدم شرطه من اتحاد المعنى والعمل كما مر، وعن الرضي منع جمع النعتين اتباعًا وقطعًا في مثل هذا كما في سم، ثم رأيت ما يؤيده في المغني وعبارته. وأما ما نقله أبو حيان عن سيبويه فغلط عليه، وإنما قال: واعلم أنه لا يجوز من عبد الله وهذا زيد الرجلين الصالحين رفعت أو نصبت؛ لأنك لا تثني إلا من أثبته وعلمته ولا يجوز أن تخلط من تعلم ومن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة. وقال الصفار: لما منعها سيبويه من جهة النعت علم أن زوال النعت يصححها فتصرف أبو حيان في كلام الصفار فوهم فيه، ولا حجة فيما ذكر الصفار إذ قد يكون للشيء مانعان ويقتصر على ذكر أحدهما؛ لأنه الذي اقتضاه المقام ا. هـ. والذي أوقع أبا حيان في الغلط توهمه أن مراد الصفار النعت الصناعي الذي هو تابع فصحح المسألة بجعل الوصف خبر مبتدأ محذوف وهذا غلط ظاهر، فإن سيبويه مصرح بامتناع المسألة مع الوصف المقطوع حيث قال: رفعت أو نصبت، وإنما مراد الصفار أن الوصف إذا زال بالكلية بأن قيل من عبد الله وهذا زيد كان التركيب جائزًا لفقد ما بنى سيبويه عليه المنع، فثبت حينئذٍ جواز عطف الخبر على الإنشاء، وجوابه قول المغني ولا حجة إلخ قاله الدماميني.

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

890-

وإنَّ شِفائِي عَبْرَةٌ مُهَراقَةٌ

وهل عِنْدَ رَسْمٍ دارِسٍ من مُعَوَّلِ

وقوله:

891-

تُناغِي غَزَالًا عِنْدَ دارِ ابْنِ عامِرٍ

وكُحْلِ أَماقِيكِ الحِسانِ بإِثْمِدِ

الخامسة: في عطف الجملة الاسمية على الفعلية وبالعكس ثلاثة أقوال: أحدها الجواز مطلقًا وهو المفهوم من قول النحويين في نحو: قام زيد وعمرو أكرمته أن نصب عمرو أرجح؛ لأن تناسب الجملتين أولى من تخالفهما. والثاني المنع مطلقًا. والثالث: لأبي علي يجوز في الواو فقط. السادسة: في العطف على معمولي عاملين أجمعوا على جواز العطف على معمولي عامل واحد نحو: إن زيدًا ذاهب وعمرًا جالس، وعلى معمولات عامل واحد. نحو: أعلم زيدًا عمرًا بكرًا جالسًا، وأبو بكر خالدًا سعيدًا منطلقًا، وعلى منع العطف على معمول أكثر من عاملين نحو: إن زيدًا ضارب أبوه لعمرو وأخاك غلامه بكر. وأما معمولًا عاملين فإن لم يكن أحدهما جارًا؛ فقال الناظم هو ممتنع إجماعًا نحو: كان آكلًا

ــ

قوله: "عبرة" بالفتح الدمع مهراقة بفتح الهاء التي زادوها على غير قياس أي: مراقة والرسم الأثر والدارس المنمحي، والمعول مصدر ميمي بمعنى التعويل أي: البكاء برفع صوت أو اسم مكان أو اسم مفعول محذوف الصلة من عولت على فلان اعتمدت عليه، كذا في الشمني وبه يعرف ما في كلام البعض وبحث في الاستشهاد بالبيت بأن الاستفهام فيه إنكاري فهو خبر معنى وحينئذٍ لا شاهد فيه. قوله:"تناغي غزالًا" التاء للخطاب أي: تكلمه بما يسره. والأماقي جمع موق وهو طرف العين مما يلي الأنف. واللحاظ بفتح اللام طرفها مما يلي الأذن والإثمد بكسر الهمزة والميم حجر يكتحل به، وقد يقال كحل معطوف على أمر مقدر يدل عليه المعنى أي: فافعل كذا وكحل إلخ وحينئذٍ لا شاهد فيه. قوله: "مطلقًا" أي: بالواو وغيرها. قوله: "على معمول أكثر من عاملين" إضافة معمول إلى أكثر جنسية بدليل المثال فإن فيه العطف على ثلاث معمولات لثلاثة عوامل. قوله: "وأما معمولًا عاملين إلخ" الأصح في هذه المسألة ما ذهب إليه سيبويه من المنع مطلقًا لقيام العاطف مقام العامل، والحرف الواحد لا يقوى على قيامه مقام عاملين لضعفه. وما أوهم ذلك يؤول بتقدير عامل بعد العاطف فيكون إما من عطف الجمل كما في قولهم في الدار زيد

890- البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص9؛ وخزانة الأدب 3/ 448؛ 5/ 277، 280، 11/ 292؛ والدرر 5/ 139؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 257، 260؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 449؛ وشرح شواهد المغني 2/ 772؛ والكتاب 2/ 142؛ ولسان العرب 11/ 485 "عول"، 709 "هلل"؛ والمنصف 3/ 40؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب 9/ 274، 11/ 29؛ والدرر 6/ 154؛ وشرح شواهد المغني 2/ 872؛ ومغني اللبيب 2/ 350؛ وهمع الهوامع 2/ 77، 140.

791-

البيت من الطويل، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص 134؛ وشرح شواهد المغني 2/ 872، 873؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب 2/ 483.

ص: 181

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

طعامك عمرو وتمرك بكر وليس كذلك، بل نقل الفارسي الجواز مطلقًا عن جماعة، قيل منهم الأخفش وإن كان أحدهما جارًا فإن كان مؤخرًا نحو: زيد في الدار والحجرة عمرو أو وعمرو الحجرة فنقل المهدوي أنه ممتنع إجماعًا، وليس كذلك بل هو جائز عند من ذكرنا، وإن كان الجار مقدمًا نحو: في الدار زيد والحجرة عمرو أو وعمرو الحجرة فالمشهور عن سيبويه المنع، وبه قال المبرد وابن السراج وهشام، وعن الأخفش الإجازة وبه قال الكسائي والفراء والزجاج. وفصل قوم منهم الأعلم فقالوا: إن ولي المخفوض العاطف جاز وإلا امتنع. والله أعلم.

ــ

والحجرة عمرو أو من عطف المفردات لكن لا من العطف على معمولي عاملين بل على معمولي عامل واحد كما في ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة بنصب تمرة وشحمة. بقي أنهم لم يتعرضوا للعطف على معمولات عاملين نحو: إن زيدًا ضارب عمرًا وبكرًا قاتل خالدًا ونحو: إن زيدًا ضارب أبوه عمرًا وأخاك غلامه بكرًا، والظاهر أنه كالعطف على معمولي عاملين فتأمل.

فائدة: قال الرضي: كل ضمير راجع إلى المعطوف بالواو وحتى مع المعطوف عليه بطابقهما مطلقًا نحو: زيد وعمرو جاآني ومات الناس حتى الأنبياء وفنوا فالضمير للمعطوف والمعطوف عليه. وأما قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34]، فالضمير للكنوز لدلالة يكنزون على الكنوز وقوله:{وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62]، أي: يرضوا أحدهما؛ لأن إرضاء أحدهما إرضاء للآخر ونحو: زيد وعمرو قام على حذف الخبر من الأول؛ لدلالة خبر الثاني أو العكس، ويجوز تخريج الآية الثانية على هذا الوجه باحتماليه، ويجوز تقديم الخبر نحو: زيد قام وعمرو على الحذف من الثاني لدلالة خبر الأول وفي الموضعين ليس المبتدأ وحده عطفًا على المبتدأ، إذ لو كان كذلك لقيل قاما. وأما الفاء وثم فإن كان الضمير في الخبر عن المعطوف بهما مع المعطوف عليه فقال بعضهم: يجب حذف الخبر من أحدهما نحو: زيد فعمرو قام، وزيد ثم عمرو قام، ويجوز تقديم الخبر على الحذف من الثاني نحو: زيد قام فعمرو أو ثم عمرو قالوا ولا تجوز المطابقة؛ لأن تفاوتهما بالترتيب يمتنع اشتراكهما في الضمير، وأجاز الباقون مطابقة الضمير وهو الحق نحو: زيد ثم عمرو قاما إذ الاشتراك في الضمير لا يدل على انتفاء الترتيب حتى يناقض الفاء، وثم إذ يقال قام الرجلان مع ترتبهما، والإضمار كالإظهار في هذا وإن لم يكن الضمير في الخبر وجبت المطابقة اتفاقًا نحو: جاءني زيد فعمرو فقمت لهما وجاءني زيد ثم عمرو وهما صديقان، وأما لا وبل وأو وأم وأما ولكن فمطابقة الضمير معها وعدمها بحسب قصد المتكلم فإن قصدت أحدهما وذلك واجب في الاخبار وجب إفراد الضمير نحو: زيد لا عمرو جاءني وزيد بل عمرو قام، وأزيد أم عمرو أتاك، وزيد أو هند جاءني إذ المعنى أحدهما جاءني ويغلب المذكر كما رأيت، وتقول في غير الإخبار جاءني إما زيد وإما عمرو فأكرمته وأزيدًا ضربت أم عمرًا فأوجعته، وما جاءني زيد لكن عمرو فأكرمته، وإن قصدتهما معًا وجبت المطابقة نحو: زيد لا عمرو جاءني مع أني دعوتهما وزيد أو

ص: 182