المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النعت: يَتْبَعُ في الإعرابِ الأسماء الأُوَل … نَعْتٌ وتَوْكيدٌ وعَطْفٌ وبَدَل ــ إلى - حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك - جـ ٣

[الصبان]

الفصل: ‌ ‌النعت: يَتْبَعُ في الإعرابِ الأسماء الأُوَل … نَعْتٌ وتَوْكيدٌ وعَطْفٌ وبَدَل ــ إلى

‌النعت:

يَتْبَعُ في الإعرابِ الأسماء الأُوَل

نَعْتٌ وتَوْكيدٌ وعَطْفٌ وبَدَل

ــ

إلى ما هو مفعول في المعنى وبإلى إلى ما هو فاعل في المعنى، نحو: المؤمن أحب لله من نفسه، وهو أحب إلى الله من غيره، وإن كان من متعد بنفسه دال على علم عدي بالباء نحو: زيد أعرف بي وأنا أدرى به، وإن كان من متعد بنفسه غير ما تقدم عدي باللام نحو: هو أطلب للثأر وأنفع للجار، وإن كان من متعد بحرف جر عدي به لا بغيره، نحو: هو أزهد في الدنيا وأسرع إلى الخير وأبعد من الإثم وأحرص على الحمد وأجدر بالحلم وأحيد عن الخنى. ولفعل التعجب من هذا الاستعمال ما لأفعل التفضيل، نحو: ما أحب المؤمن لله وما أحبه إلى الله، وما أعرفه بنفسه وأقطعه للعوائق وأغضه لطرفه وأزهده في الدنيا، وأسرعه إلى الخير، وأحرصه عليه، وأجدره به ا. هـ. وقد سبق بعض ذلك في بابه والله تعالى أعلم.

النعت:

"يتبع في الإعراب الأسماء الأُول نعت وتوكيد وعطف وبدل" وتسمى لأجل ذلك

ــ

ما كان من مادة الكراهة مثلًا. قوله: "وهو أحب إلى الله من غيره" أي: يحب الله المؤمن أكثر من محبته للكافر، قال البعض: وظاهره أنه حينئذٍ مجرد عن معنى التفضيل إذ لا يحب الله تعالى الكافر أصلًا ا. هـ. وفيه أنه ينافيه ما اشتهر وقدمه هو أيضًا من أن المقرون بمن لا يتجرد عن معنى التفضيل، فالذي ينبغي عندي أنه غير مجرد عن ذلك بل فيه معنى التفضيل باعتبار محبة الله تعالى الكافر من حيث كونه مخلوقًا، قاله مثلًا فتأمل. قوله:"وأحيد عن الخنى" بفتح الخاء المعجمة أي: أميل عن الزنا. قوله: "وقد سبق بعض ذلك في بابه" فيه أنه ذكر جميع هذا التفصيل في أفعل التعجب في بابه لا بعضه فقط والله سبحانه وتعالى أعلم.

النعت:

ويقال له الوصف والصفة، وقيل: النعت خاص بما يتغير كقائم وضارب والوصف والصفة لا يختصان به بل يشملان نحو: عالم وفاضل، وعلى الثاني يقال صفات الله وأوصافه ولا يقال نعوته، والذي في القاموس أن النعت والوصف مصدران بمعنى واحد، وأن الصفة تطلق مصدرًا بمعنى الوصف واسمًا لما قام بالذات كالعلم والسواد. قوله:"في الإعراب" يرد عليه نحو: قام قام زيد ولا لا، وعطف النسق إذا لم يكن للمعطوف عليه إعراب كالجملة المستأنفة، والجواب أن المراد في الإعراب وجودًا أو عدمًا فيدخل ما ذكر، ويرد أيضًا: يا زيد الفاضل ويا سعيد كرز بضم الفاضل وكرز اتباعًا لضمة زيد وسعيد، فإن تبعية الفاضل وكرز لزيد وسعيد في الضم ليست تبعية في الإعراب. والجواب أن المراد الإعراب وما يشبهه من حركة عارضة لغير الإعراب، مع أنهما تابعان لزيد وسعيد في إعراب غير ظاهر، بل هو محلي في المتبوع وتقديري في التابع منع من ظهوره

ص: 82

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التوابع. فالتابع هو المشارك لما قبله في إعرابه الحاصل والمتجدد غير خبر. فخرج بالحاصل والمتجدد خبر المبتدأ والمفعول الثاني وحال المنصوب. وبغير خبر حامض من قولك: هذا حلو حامض.

تنبيهات: الأول سيأتي أن التوكيد والبدل وعطف النسق تتبع غير الاسم وإنما خص

ــ

حركة الاتباع فعلم أن ضمة التابع ليست ضمة إعراب لعدم الرافع، ولا ضمة بناء لعدم مقتضيه هذا هو التحقيق. ثم المراد الإعراب لفظًا أو تقديرًا أو محلا فيدخل نحو: حجر ضب خرب، فخرب تابع لحجر ورفعه مقدر ونحو: رحم الله سيبويه الذي كان ماهرًا في العربية، فسيبويه والذي متوافقان في الإعراب محلا.

فائدة: الجواز يختص بالجر وبالنعت قليلًا والتوكيد نادرًا على ما في التسهيل والمغني. وقال الناظم في العمدة: يجوز في العطف لكن بالواو خاصة وجعل منه "وَأَرْجُلِكُمْ" في قراءة الجر، وضعفه في المغني بأن العاطف يمنع التجاوز، وعلى منع عطف الجوار يكون جر الأرجل للعطف على الرءوس لا لتمسح بل لينبه بعطفها على الممسوح على طلب الاقتصاد في غسلها الذي هو مظنة الإسراف؛ لكونها من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها، وجيء بالغاية دفعًا لتوهم أنها تمسح؛ لأن المسح لم تضرب له غاية في الشرع كذا في الكشاف، ويلزم عليه إما استعمال المسح في حقيقته بالنسبة إلى الرءوس وفي مجازه وهو الغسل الشبيه بالمسح في قلة الماء بالنسبة إلى الأرجل. وصاحب الكشاف ممن يمنعه وإما جعل العطف من عطف الجمل بتقدير: وامسحوا بأرجلكم فكون الأرجل معطوفة على الرءوس على هذا باعتبار صورة اللفظ، وفي هذا حذف الجار وإبقاء عمله وهو ضعيف إلا أن يقال قوة الدلالة عليه بسبق مثله تدفع الضعف. قال شيخنا السيد: قال بعضهم الجر بالجوار مقيس عند سيبويه سماع عند الفراء ا. هـ. وفي الدماميني أن ابن جني أنكره وجعل خرب صفة ضب بتقدير مضاف أي: خرب جحره وإن حركة الجوار حركة مناسبة لا حركة إعرابية، وأن الحركة الإعرابية مقدرة بحسب ما يقتضيه عامل المتبوع، وعبارة المغني أنكر ابن جني الجر على الجوار وجعل خرب صفة لضب والأصل خرب جحره، ثم أنيب المضاف إليه عن المضاف فارتفع واستتر، ويلزمه استتار الضمير مع جريان الصفة على غير ما هي له، وهو لا يجوز عند البصريين وإن أمن اللبس.

قوله: "وعطف" أي: بيان أو نسق. قوله: "الحاصل" أي: في هذا التركيب والمتجدد أي: تركيب آخر. قوله: "غير خبر" حال من ضمير المشارك. قوله: "فخرج بالحاصل والمتجدد" أي: بمجموعهما ولو قال فخرج بقولنا والمتجدد لكان أحسن؛ لأنه المخرج لخبر المبتدأ أي: غير الثاني من الخبر المتعدد كما يدل عليه ما بعده. قوله: "حامض إلخ" مقتضاه أن حامض خبر بعد خبر وهو الموافق لما سبق أن نحو: الرمان حلو حامض مما تعدد فيه الخبر لفظًا ولا ينافيه قول بعضهم أنه جزء خبر؛ لأنه ناظر إلى المعنى. قوله: "إن التوكيد" أي: اللفظي أما المعنوي فمختص بالأسماء كالنعت وعطف البيان؛ ولذلك كانت الأسماء أصلًا في ذلك. قوله: "لكونها الأصل في

ص: 83

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأسماء بالذكر لكونها الأصل في ذلك. الثاني في قوله الأول إشارة إلى منع تقديم التابع على متبوعه. وأجاز صاحب البديع تقديم الصفة على الموصوف إذا كان لاثنين أو جماعة

ــ

ذلك" فيكون تقديمها على الفاعل في عبارته للاهتمام لا للحصر. قوله: "إلى منع تقديم التابع إلخ" مثل التابع معموله فلا يجوز: هذا طعامك رجل يأكل. قال البعض: لأن المعمول لا يحل إلا حيث يحل عامله ا. هـ. وهو منقوض بنحو: زيدًا لم أضرب. وجوز الكوفيون تقديم المعمول ووافقهم الزمخشري في قوله تعالى: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [النساء: 63] ، فجعل في أنفسهم متعلقًا ببليغًا.

فائدة: يجوز الفصل بين التابع والمتبوع بغير أجنبي محض كمعمول الوصف نحو: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق: 44]، ومعمول الموصوف نحو: يعجبني ضربك زيدًا الشديد وعامله نحو: زيدًا ضربت القائم ومفسر عامله نحو: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176]، ومعمول عامل الموصوف نحو:{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ} [المؤمنون: 92]، والمبتدأ الذي خبره فيه الموصوف نحو:{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10]، الخبر نحو: زيد قائم العاقل والقسم نحو: زيد والله العاقل قائم وجواب القسم نحو: {بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} [سبأ: 3]، والاعتراض نحو:{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 76]، والاستثناء نحو: ما جاءني أحد إلا زيدًا خير منك، ومن الفصل بين التأكيد والمؤكد:{وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب: 51]، وبين المعطوف والمعطوف عليه:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]، فصل به الأيدي والأرجل على قراءة نصب الأرجل وبين البدل والمبدل منه:{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ} [المزمل: 3]، بخلاف الأجنبي بالكلية من التابع والمتبوع فلا يقال: مررت برجل على فرس عاقل أبيض، وكذا لا يجوز فصل نعت المبهم ونحوه مما لا يستغنى عن الصفة من منعوته، فلا يقال: ضربت هذا

زيدًا الرجل ولا الشعري طلعت العبور كذا في الهمع. واعترض الأخير باستغناء الشعري في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم: 49] ، وما ذكره من أن نصفه بدل من الليل هو أحد أوجه ذكرها البيضاوي وغيره، والاستثناء عليه من نصفه والضمير في منه وعليه للأقل من النصف كالثلث فيكون التخيير بين الأقل منه كالربع والأكثر منه كالنصف، ومنها أن الاستثناء من الليل ونصفه بدل من قليلًا فيكون التخيير بين النصف والزائد عليه كالثلثين والناقص عنه كالثلث. واعترضه الشهاب القرافي بأنه يقتضي تسمية النصف قليلًا وهي غير معروفة في استعمال اللغة واختار أن نصفه بدل من الليل إلا قليلًا وأن المراد بالليل الليالي بناء على استغراقية أل وبالقليل منها ليالي الأعذار كالمرض والسفر فأبدل نصفه من الليالي التي لا عذر فيها والمعنى قم الليالي التي لا عذر فيها نصفها أي: نصف كل منها لكن ذكر الضمير المضاف إليه نصف لكون الليل مفردًا مذكرًا في اللفظ، وأن المراد بالقليل في قوله: أو انقص منه قليلًا أو زد عليه أي: قليلًا هو السدس فخير صلى الله عليه وسلم بين قيام نصف الليل وثلثه وثلثيه.

قوله: "إذا كان" أي: الصفة والتذكير باعتبار المذكور أو النعت، وفي بعض النسخ إذا كانت

ص: 84

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد تقدم أحد الموصوفين، فتقول: قام زيد العاقلان وعمرو، ومنه قوله:

808-

ولَسْتُ مُقرًّا للرجال ظُلامَة

أَبَى ذاك عَمِّي الأَكْرَمانِ وخَالِيا

وأجاز الكوفيون تقديم المعطوف بشروط تذكر في موضعها. الثالث اختلف في العامل في التابع فذهب الجمهور إلى أن العالم فيه هو العامل في المتبوع واختاره الناظم وهو ظاهر مذهب سيبويه. الرابع لم يتعرض هنا لبيان رتبة التابع. قال في التسهيل: ويبدأ عند اجتماع التوابع بالنعت، ثم بعطف البيان، ثم بالتوكيد، ثم بالبدل، ثم بالنسق أي: فيقال: جاء الرجل الفاضل أبو بكر نفسه أخوك وزيد. الخامس قدم في التسهيل باب التوكيد على باب النعت، وكذا فعل ابن السراج وأبو علي والزمخشري وهو حسن؛ لأن التوكيد بمعنى الأول، والنعت على خلاف معناه؛ لأنه يتضمن حقيقة الأول وحالًا من أحواله،

ــ

وهي ظاهرة. قوله: "ظلامة" قال البعض: منصوب بنزع الخافض أي: بظلامة ا. هـ. ولا حاجة إليه بل الظاهر أنه مفعول به حقيقة أي: ولست مبقيًا ظلامة لأحد بل أزيلها، قال العيني: وتبعه غيره كشيخنا والبعض وذاك إشارة إلى المذكور من الظلامة ا. هـ. والأحسن إرجاع الإشارة إلى إقرار الظلامة المفهوم من مقرا، وفتح ياء المتكلم جائز اختيارًا إجماعًا. فقول العيني حركت الياء للضرورة غير صحيح. قوله:"بشروط تذكر في موضعها" أي: عند قوله وحذف متبوع إلخ. قوله: "اختلف في العامل في التابع" أي: غير البدل بقرينة قوله فذهب إلخ؛ لأن مذهب الجمهور في البدل كما في الهمع أن عامله محذوف بدليل ظهوره جوازًا مع الظاهر ووجوبًا مع الضمير نحو: مررت بزيد به فإعادة عامل الجر في نحوه واجبة، وبهذا يعلم ما في كلام الإسقاطي من الخلل، وزيف الدماميني الدليل بجعل الجار والمجرور الثاني بدلًا من الجار والمجرور الأول والعامل ما قبل الجار الأول وهو غير معاد. وأما مذهب غيرهم فهو: أن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه. قوله: "فذهب الجمهور" وقيل العامل في النعت والبيان والتوكيد التبعية، وقيل مقدر وفي النسق مقدر، وقيل: حرف العطف نيابة كذا في الدماميني والهمع، قال الدماميني: فائدة الخلاف عدم جواز الوقف على المتبوع دون التابع عند من قال العامل فيه هو الأول ا. هـ. ويظهر أن الأمر كذلك على القول بأن العامل التبعية تأمل.

قوله: "ثم عطف البيان" أي: ثم يبدأ به بدءًا عرفيا أي: بالنسبة لما بعده وكذا يقال فيما بعده، إلا قوله ثم بالنسق فلا يتأتى فيه البدء العرفي فيقدر له عامل يناسبه أي: ثم يؤتى بالنسق ولك تقديره في الكل. قوله: "لأن التوكيد بمعنى الأول" أي: فهو كالجزء من النعت لدلالة النعت على الأول وزيادة والجزء مقدم على الكل، وكون التوكيد بمعنى الأول ظاهر في التوكيد اللفظي وفي

808- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في الدرر 6/ 17؛ ومغني اللبيب 2/ 617؛ والمقاصد النحوية 4/ 73؛ وهمع الهوامع 2/ 12.

ص: 85

فالنَّعتُ تابِعٌ مُتِمُّ ما سَبَقْ

بوَسْمِه أو وَسْمِ ما بِهِ اعْتَلَقْ

ــ

والتوكيد يتضمن حقيقة الأول فقط. وقدم في الكافية النعت كما هنا. وكذا فعل أبو الفتح والزجاجي والجزولي نظرًا لما سبق في التنبيه الرابع. "فالنعت" في عرف النحاة "تابع متم ما سبق" أي: مكمل المتبوع "بِوَسْمِه" أي: بوسم المتبوع أي: علامته "أو وسم ما به اعتلق" فالتابع جنس يشمل جميع التوابع المذكورة، ومتم ما سبق مخرج للبدل والنسق، وبوسمه أو وسم ما به اعتلق مخرج لعطف البيان والتوكيد؛ لأنهما شاركا النعت في إتمام ما سبق؛ لأن الثلاثة تكمل دلالته وترفع اشتراكه واحتماله، إلا أن النعت يوصل إلى ذلك بدلالته على معنى في المنعوت أو في متعلقه، والتوكيد والبيان ليسا كذلك. والمراد بالمتم المفيد ما يطلبه المتبوع بحسب المقام من توضيح نحو: جاءني زيد التاجر أو التاجر أبوه، أو تخصيص نحو: جاءني رجل تاجر أو تاجر أبوه، أو تعميم نحو: يرزق الله عباده الطائعين والعاصين الساعية أقدامهم والساكنة أجسامهم، أو مدح نحو: الحمد لله رب العالمين الجزيل عطاؤه، أو ذم نحو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} ، أو تَرَحُّم

ــ

المعنوي بالنفس والعين، وأما بكل وأجمع ففيه نظر لزيادته لإفادة الشمول فتأمل. قوله:"وحالًا من أحواله" هذا في النعت الحقيقي، واقتصر عليه لكونه الأصل. قوله:"نظرًا لما سبق إلخ" أي: من كونه يبدأ به عند اجتماع التوابع. قوله: "متم ما سبق" أي: المقصود منه أصالة إتمام متبوعه أي: إيضاحه أو تخصيصه كما سيأتي، فلا يرد النعت لغير الإيضاح والتخصيص كالمدح والذم والتأكيد؛ لأن هذا أمر عارض، ومنه النعت الكاشف إذا خوطب به العالم بحقيقة المنعوت وسيدفع الشارح الإيراد بوجه آخر. وبحث في التعريف بأنه غير مانع لشموله، لقولهم: يا هذا ذا الجمة، مع أنه عطف بيان عند سيبويه كما سيأتي، والمراد ما سبق ولو تقديرًا ليشمل المنعوت المحذوف. قوله:" بوسمه" الباء سببية والوسم يطلق بمعنى العلامة، وجرى على هذا الشارح وعليه يقدر مضاف أي: بإفهام وسمه. ويطلق بالمعنى المصدري وهو الوسم بالسمة، وهي العلامة ولا تقدير على هذا. ومعنى العبارة تابع مكمل لمتبوعه بسبب دلالته على معنى في متبوعه، أو في سببي متبوعه والمراد الدلالة التضمنية، فلا يرد علمه من قولنا: نفعني زيد علمه؛ لأن دلالة لفظ علم على المعنى الذي في زيد مطابقية لا تضمنية.

قوله: "مخرج للبدل والنسق" لأنهما لا يتمان متبوعهما لا بإيضاح ولا تخصيص أي: لم يقصد بهما ذلك أصالة فلا ينافي عروض الإيضاح للبدل بل ولعطف النسق في بعض الصور. قوله: "أو في متعلقه" بكسر اللام أي: ما تعلق به وهو السببي. قوله: "ليسا كذلك" لأن البيان عين الأول وكذا التوكيد اللفظي والمعنوي بالنفس والعين، وأما بكل وأجمع ففيه ما تقدم. قوله:"من توضيح" المراد به رفع الاشتراك اللفظي في المعارف، وبالتخصيص تقليل الاشتراك المعنوي في النكرات، فالنعت في الأول جار مجرى بيان المجمل وفي الثاني جار مجرى تقييد المطلق أفاده في التصريح. قوله:"أو تعميم" مجيء النعت للتعميم وما بعده مجاز؛ لأن أصل وضعه

ص: 86

وليُعْطَ في التَّعريف والتَّنْكيرِ ما

لِمَا تلا كامْرُرْ بقَوم كُرَمَا

ــ

نحو: اللهم أنا عبدك المسكين المنكسر قلبه، أو توكيد نحو: أمس الدابر المنقضي أمده لا يعود، أو إبهام نحو: تصدقت بصدقة كثيرة أو قليلة ثوابها أو شائع احتسابها، أو تفصيل نحو: مررت برجلين عربي وعجمي كريم أبواهما لئيم أحدهما. ويسمى الأول من هذه الأمثلة نعتًا حقيقيا والثاني سببيا "فليعط" النعت مطلقًا "في التعريف والتنكير ما" أي: الذي "لما تلا" وهو المنعوت "كامرر بقوم كرما" وبقوم كرماء آباؤهم، وبالقوم الكرماء وبالقوم الكرماء آباؤهم.

تنبيهات: الأول ما ذكره من وجوب التبعية في التعريف والتنكير هو مذهب الجمهور. وأجاز الأخفش نعت النكرة إذا خصصت بالمعرفة، وجعل الأوليان صفة لآخران في قوله تعالى:{فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} [المائدة: 107] ، وأجاز بعضهم وصف المعرفة بالنكرة، وأجازه ابن الطراوة بشرط كون الوصف خاصا بذلك الموصوف كقوله:

809-

أَبِيتُ كأنِّي ساوَرَتْنِي ضَئيلَةٌ

من الرُّفْشِ في أَنْيابِها السمُّ ناقِعُ

ــ

للتوضيح أو التخصيص كذا في التصريح. قوله: "الرجيم" أي: الراجم للناس بالوسوسة أو المرجوم بالشهب أو اللعنة، وكون هذا النعت للذم لا ينافيه كونه تأكيدًا لما فهم من لفظ الشيطان. قوله:"أو إبهام" ينبغي أن يزاد أو شك ويمثل له بمثال الإبهام إذا لم يعرف المتكلم حقيقة الأمر وكان شاكا نبه عليه الدماميني. ثم نقل عن ابن الخباز: أن النعت يجيء لإعلام المخاطب بأن المتكلم عالم بحال المنعوت، كقولك: جاء قاضي بلدك الكريم قيه إذا كان المخاطب يعلم اتصاف القاضي بذلك، ولم تقصد مجرد المدح بل قصدت إعلام مخاطبك بأنك عالم بحال الموصوف. وعن بعضهم أنه قد يكون النعت لإفادة رفعة معناه نحو:{يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44] ، أجرى هذا الوصف على النبيين لإفادة عظم قدر الإسلام.

قوله: "في التعريف والتنكير" في بمعنى من البيانية لما الأولى، وقول شيخنا لما في لما تلا سهو والواو بمعنى؛ أو لأن الثابت للمتلوّ أحدهما. وقوله تلا صلة أو صفة جرت على غير ما هي له، ولم يبرز جريًا على المذهب الكوفي. قوله:"بالمعرفة" متعلق بنعت. قوله: "وأجاز بعضهم وصف المعرفة بالنكرة" أي: مطلقًا بقرينة مقابلته بما بعده. قوله: "ساورتني" أي: واثبتني بمعنى وثبت عليّ فالمفاعلة على غير بابها ضئيلة بفتح الضاد المعجمة وكسر الهمزة وهي الحية الدقيقة التي أتى عليها سنون كثيرة فقلّ لحمها واشتد سمها. والرقش بضم الراء وسكون القاف آخره شين معجمة

809- البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص33؛ وخزانة الأدب 2/ 457؛ والحيوان 4/ 248؛ والدرر 6/ 9؛ وسمط اللآلي ص489؛ وشرح شواهد المغني 2/ 902؛ والكتاب 2/ 89؛ ولسان العرب 4/ 507 "طور" 5/ 202 "نذر"، 8/ 360 "نقع"؛ ومغني اللبيب 2/ 570؛ والمقاصد النحوية 4/ 73؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 2/ 117.

ص: 87

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والصحيح مذهب الجمهور، وما أوهم خلاف ذلك مؤول. الثاني استثنى الشارح من المعارف المعرف بلام الجنس قال: فإنه لقرب مسافته من النكرة يجوز نعته بالنكرة المخصوصة، ولذلك تسمع النحويين يقولون في قوله:

810-

وَلَقَدْ أَمُرُّ على اللَّئِيم يَسُبُّنِي

فأعِفُّ ثمّ أقول لا يَعْنِينِي

أن يسبني صفة لا حال؛ لأن المعنى: ولقد أمر على لئيم من اللئام. ومنه قوله تعالى: {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37]، وقولهم: ما ينبغي للرجل مثلك أو خير

ــ

جمع رقشاء وهي الحية التي لها نقط سود وبيض ومن تبعيضية. وقول البعض للبيان غير ظاهر وناقع بالنون والقاف أي: بالغ في الإهلاك وفيه الشاهد حيث وصف به السم وهو معرفة؛ لأنه لا يوصف به غير السم ولا يرد قولهم دم ناقع؛ لأنه بمعنى طري. قوله: "مؤوّل" أي: بجعل التابع بدلًا فالأوليان أي: الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتها بدل من آخران، وناقع بدل من السم.

ويصح جعل الأوليان خبر محذوف أي: هما الأوليان أو خبر آخران لتخصيصه بالصفة أو مبتدأ خبره آخران أو بدلًا من الضمير في يقومان، وجعل ناقع خبرًا ثانيًا للسم. قوله:"المعرّف بلام الجنس" أي: لام الحقيقة في ضمن فرد غير معين، وتسميها أهل المعاني لام العهد الذهني لعهد الحقيقة في الذهن. قوله:"لقرب مسافته من النكرة" أي: لعدم تعين شيء من الأفراد فيهما.

قوله: "بالنكرة المخصوصة" أي: بإضافة أو عمل كما يؤخذ من التمثيل بقولهم ما ينبغي للرجل إلخ، وقول البعض أي: بوصف أو إضافة كما يؤخذ من الأمثلة سهو منشؤه توهم أن منك صفة لخير، وهو باطل بل هو ظرف لغو متعلق بخير، والمراد النكرة المخصوصة وما في حكمها وهو الجملة كما يؤخذ من التمثيل بالبيت والآية، وقد يستفاد من تعبيره بالجواز أن الأحسن النعت بالمعرفة نظرًا للفظ وهو كذلك. قوله:"لا حال" جوّز جماعة الحالية نظرًا لصورة التعريف، وما ردّ به من أنه ليس المعنى أنه يمر عليه في حال السب بل المراد أن ذلك دأبه يردّ بأنا لا نسلم أنه ليس المعنى ما ذكر، بل المراد أن ذلك دأبه لم لا يجوز أن يكون المعنى ما ذكر ولئن سلم فجعل الحال لازمة يفيد أن ذلك دأبه. قوله:"وآية لهم الليل" أي: حقيقة الليل في ضمن فردّ ما من الليالي فلا ينافيه أن الواقع سلخ النهار من أفراد الليل فلا اعتراض. قوله: "بالأخص" أي: الأقل

810- البيت من الكامل، وهو لرجل من بني سلول في الدرر 1/ 78، وشرح التصريح 2/ 11؛ وشرح شواهد المغني 1/ 310؛ والكتاب 3/ 24؛ والمقاصد النحوية 4/ 58؛ ولشمر بن عمرو الحنفي في الأصمعيات ص126؛ ولعميرة بن جابر الحنفي في حماسة البحتري ص171؛ وبلا نسبة في الأزهية ص263؛ والأشباه والنظائر 3/ 90؛ والأضداد ص132؛ وأمالي ابن الحاجب ص631؛ وأوضح المسالك 3/ 206؛ وجواهر الأدب ص307؛ وخزانة الأدب 1/ 357، 358، 3/ 201، 4/ 207، 208، 5/ 23، 503، 7/ 197، 9/ 119، 383؛ والخصائص 2/ 338، 3/ 330؛ والدرر 6/ 154؛ وشرح شواهد الإيضاح ص221؛ وشرح شواهد المغني 2/ 841؛ وشرح ابن عقيل ص475؛ والصاحبي في فقه اللغة ص219؛ ولسان العرب 12/ 81 "ثم"، 15/ 296 "منن"، ومغني اللبيب 1/ 102، 2/ 429، 645، وهمع الهوامع 1/ 9، 2/ 140.

ص: 88

وهُوَ لَدَى التَّوْحيدِ والتَّذْكيرِ أو

سِواهُما كالفِعْلِ فاقْفُ ما قَفَوا

ــ

منك أن يفعل كذا. الثالث لا يمتنع النعت في النكرات بالأخص نحو: رجل فصيح وغلام يافع. وأما في المعارف فلا يكون النعت أخص عند البصريين بل مساويًا أو أعم. وقال الشلوبين والفراء: ينعت الأعم بالأخص، قال المصنف: وهو الصحيح. وقال بعض المتأخرين: توصف كل معرفة بكل معرفة كما توصف كل نكرة بكل نكرة ا. هـ. "وهو لدى التوحيد والتذكير أو سواهما" وهو التثنية والجمع والتأنيث "كالفعل فاقف ما قفوا" أي: يجري النعت في مطابقة المنعوت وعدمها مجرى الفعل الواقع موقعه، فإن كان جاريًا على الذي هو له رفع ضمير المنعوت وطابقه في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، تقول: مررت برجلين حسنين وامرأة حسنة، كما تقول مررت برجلين حسنا وامرأة حسنت. وإن كان جاريًا على ما هو لشيء من سببيه فإن لم يرفع السببي فهو كالجاري على ما هو له في مطابقته للمنعوت؛ لأن مثله في رفعه ضمير المنعوت نحو: مررت بامرأة حسنة الوجه أو حسنة وجهًا، وبرجلين كريمي الأب أو كريمين أبًا، وبرجال حسان الوجوه أو حسان

ــ

شيوعًا. قوله: "يافع" بالتحتية ثم الفاء أي: مراهق.

قوله: "فلا يكون النعت أخص" أي: أعرف كما في سم فنحو: بالرجل أخيك التابع بدل لا نعت لئلا يفضل التابع على المتبوع، وقد أسلفنا رده في باب النكرة والمعرفة. قوله:"أو أعم" أي: أقل تعريفًا. قوله: "ينعت الأعم بالأخص" قال البعض أي: فقط وإلا ساوى ما بعده ا. هـ. وترجاه شيخنا وفيه نظر إذ يبعد كل البعد أن الفراء والشلوبين يوجبان وصف الأعم بالأخص مع منع غيرهما أيا، ولا يجيزان الوصف بالأعم أو المساوي مع إيجاب غيرهما إياه، وأي ضرر في كون ما بعده مساويًا له فيكون سوقه لتأييده ثم رأيت ما يؤيد ما قلته بخط بعض الأفاضل. قوله:"توصف كل معرفة بكل معرفة" أي: إلا اسم الإشارة فإنه لا يوصف إلا بذي أل إجماعًا وإنما وصفوه باسم الجنس المعرّف بأن لبيان حقيقة الذات المشار إليها إذ لا دلالة لاسم الإشارة على حقيقتها، وألحق به الموصول؛ لأنه مع صلته بمعنى ذي اللام؛ ولأن الموصول الذي يقع صفة ذو لام، وإن كانت زائدة وكما يجوز في تابع اسم الإشارة كونه نعتًا من حيث دلالته على معنى في متبوعه يجوز كونه عطف بيان من حيث إيضاحه له، والأول مبني على ما عليه جمع محققون أنه لا يشترط كون النعت مشتقا أو مؤوّلًا به. والثاني مبني على أنه لا يشترط في البيان أن يكون أعرف من المبين وهو الصحيح. قوله:"لدى التوحيد إلخ" أي: عند ملاحظة التوحيد إلخ. قوله: "الواقع موقعه" أي: الذي يقع في محل النعت على خلاف الأصل.

قوله: "وطابقه في الإفراد إلخ" أورد عليه نحو: نطفة أمشاج وبرمة أعشار وثوب أخلاق. وأجيب بأن النطفة لما كانت مركبة من أشياء كل منها مشيج. والبرمة من أعشار هي قطعها. والثوب من قطع كل منها خلق كان كل من الثلاثة مجموع أجزاء فجاز وصفه بالجمع. وقيل أفعال في مثل ذلك واحد لا جمع كذا في الدماميني. قوله: "على ما هو إلخ" أي: على منعوت

ص: 89

وانْعَتْ بِمُشتقٍّ كصَعْب وذَرِبْ

وشِبْهِهِ كذا وذي والمُنْتَسِبْ

ــ

وجوهًا، وإن رفع السببي كان بحسبه في التذكير والتأنيث كما هو في الفعل، فيقال: مررت برجال حسنة وجوههم، وبامرأة حسن وجهها، كما يقال: حسنت وجوههم وحسن وجهها.

تنبيهات: الأول يجوز في الوصف المسند إلى السببي المجموع الإفراد والتكسير فيقال: مررت برجل كريم آباؤه وكرام آباؤه. الثاني قد يعامل الوصف الرافع ضمير المنعوت معاملة رافع السببي إذا كان معناه له، فيقال: مررت برجل حسنة العين، كما يقال: حسنت عينه، حكى ذلك الفراء وهو ضعيف، وذهب كثير منهم الجرمي إلى منعه. الثالث أفهم قوله كالفعل جواز تثنية الوصف الرافع للسببي، وجمعه الجمع المذكر السالم على لغة أكلوني البراغيث، فيقال: مررت برجل كريمين أبواه، وجاءني رجل حسنون غلمانه، الرابع ما ذكره من مطابقة النعت للمنعوت مشروط بأن لا يمنع منها مانع كما في صبور وجريح وأفعل من ا. هـ "وانعت بمشتق" والمراد به ما دل على حدث وصاحبه، وذلك اسم الفاعل كضارب

ــ

هو أي: النعت أي: معناه ثابت لشيء من سببيه أي: هو سببيه أو بعض أفراد سببيه. قوله: "كان" أي: النعت بحسبه أي: السببي وقوله في التذكير والتأنيث أي: وأما في الإفراد وضديه فسيأتي في التنبيه الأول والثالث. وقوله كما هو في الفعل أي: كحال هو أي: الحال في الفعل إذا وقع نعتًا مثلًا. قوله: "يجوز في الوصف إلخ" أي: على اللغة الفصحى فظهر وجه اقتصاره على الإفراد والتكثير؛ وذلك لأن التصحيح إنما يجوز على لغة أكلوني البراغيث. وسيصرح بهذا في التنبيه الثالث، ولم يتنبه البعض لهذا التحقيق فقال ما قال. واختلف في الأفصح من الإفراد والتكسير فالتكسير أفصح عند سيبويه، والمبرد قال في المغني: وهو الأصح وعكس الشلوبين وطائفة. وفصل آخرون فقالوا: إن كان النعت تابعًا لجمع فالتكسير أفصح وإن كان لمفرد أو مثنى فالإفراد أفصح، كذا في التصريح قال الدماميني: وإنما لم يضعف نحو: مررت برجل كرام آباؤه مع ضعف كريمين آباؤه؛ لأن اسم

الفاعل المشابه للفعل إذا كسر خرج عن موازنة الفعل ومناسبته؛ لأن الفعل لا يكسر بخلافه إذا صحح ا. هـ. ووجه أفصحية التكسير إذا تبع جمعًا المشاكلة. قوله: "المجموع" فإن كان السببي مثنى تعين الإفراد على اللغة الفصحى.

فائدة: يجوز مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين، وإن لزم استتار الضمير في قاعدين مع جريان الصفة على غير من هي له؛ لأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل، ويمتنع قائمين لا قاعد أبواه على إعمال الثاني للزوم وما ذكر في الأوائل أفاده في المغني. قوله:"قد يعامل إلخ" فيه إشارة إلى أنه قليل والكثير المطابقة كما مر. قوله: "إذا كان معناه" أي: الوصف له أي: السببي. قوله: "أفهم قوله كالفعل إلخ" وأفهم أيضًا جواز نحو: برجل قائم اليوم أمه للفصل ونحو: بامرأة حسن نغمتها، لمجازية التأنيث وبه صرح بعضهم سم. قوله:"بأن لا يمنع منها مانع" ككون الوصف يستوي فيه المذكر والمفرد وأضدادهما وكونه أفعل تفضيل مجردًا أو مضافًا لمنكور. قوله: "وانعت بمشتق إلخ" المتبادر منه أنه يشترط في النعت كونه مشتقا أو مؤوّلًا به وهو رأي

ص: 90

ونَعَتُوا بجمْلَةٍ مُنْكّرًا

فَأُعْطِيَتْ ما أُعْطِيَتْهُ خَبرا

ــ

وقائم واسم المفعول كمضروب ومهان والصفة المشبهة. "كصعب وذرب" وأفعل التفضيل كأقوى وأكرم، ولا يرد اسم الزمان والمكان والآلة؛ لأنها ليست مشتقة بالمعنى المذكور وهو اصطلاح "وشبهه" أي: شبه المشتق والمراد به ما أقيم مقام المشتق في المعنى من الجوامد "كذا" وفروعه من أسماء الإشارة عبر المكانية "وذي" بمعنى صاحب والموصولة وفروعهما "والمنتسب" تقول: مررت بزيد هذا، وذي المال، وذو قام، والقريشي، فمعناها الحاضر وصاحب المال، والقائم، والمنسوب إلى قريش "ونعتوا بجملة" بثلاثة شروط: شرط في المنعوت وهو أن يكون "منكرًا" إما لفظًا ومعنى نحو: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ

ــ

الأكثرين وذهب جمع محققون كابن الحاجب إلى عدم الاشتراط وأن الضابط دلالته على معنى في متبوعه كالرجل الدال على الرجولية قاله الدماميني. قوله: "وذلك اسم الفاعل" أراد به ما يشمل أمثلة المبالغة. قوله: "ومهان" كان عليه أن يأتي بالمزيد في اسم الفاعل كما أتى به في اسم المفعول، وأن يأتي باللازم في اسم المفعول كما أتى به في اسم الفاعل، ويمكن أن يجعل في كلامه احتباك.

قوله: "وذرب" بالذال المعجمة الحاد من كل شيء وبالمهملة المعتاد للأشياء الخبير بها. قوله: "ليست مشتقة بالمعنى المذكور" لأنها لا تدل على صاحب الحدث أي: فاعله أو مفعوله بل هي مشتقة بالمعنى الأعم، وهو ما أخذ من المصدر للدلالة على شيء منسوب للمصدر، فمفتاح مثلًا مأخوذ من الفتح للدلالة على آلة منسوبة للفتح، ومرمى مأخوذ من الرمي للدلالة على مكان أو زمان منسوب للرمي. قوله:"وهو" أي: المشتق بالمعنى المذكور اصطلاح أي: لهم في مثل هذا المقام ولا يرد كونها مشتقة باصطلاح آخر. قوله: "في المعنى" أي: من جهة دلالته على معناه. قوله: "غير المكانية" أما هي كمررت برجل هنا أو هناك أو ثم أو ثم فمتعلقة بمحذوف صفة لرجل فهي ظروف لا صفات بل الصفات متعلقاتها. قوله: "والموصولة" إنما يكون قول الناظم وذي شاملًا للموصولة على لغة إعرابها، أما على لغة البناء فلا؛ لأنها بالواو لزومًا على هذه اللغة لا بالياء. ومثلها في الوصف بها سائر الموصولات المبدوءة بهمزة الوصل بخلاف نحو: من وما. قوله: "وذي المال" هل يجوز أن يقال برجل ذي مال أبوه على أن ذي رافع للأب نقل ابن جني عن الأكثرين المنع وعللوه بثلاثة أوجه ذكرها شيخنا فراجعه. قوله: "وذو قام" كذا في نسخ بالواو على لغة بناء ذو الموصولة، لكنه لا يناسب ما جرى عليه الشارح من شمول ذي في كلام المصنف للموصولة؛ لأن شموله للموصولة إنما يجيء على لغة الإعراب؛ لأنها في كلامه بالياء وفي نسخ وذي قام بالياء وهي المناسبة للشمول المذكور.

قوله: "شرط في المنعوت إلخ" فيه شرط آخر وهو أن يكون مذكورًا إن لم يكن بعض اسم متقدم مجرور بمن أو في كما سيأتي ا. هـ تصريح. وأما أنا ابن جلا فضرورة. قوله: "أن يكون منكرًا" أي: لتأوّل الجملة بالنكرة فنحو: جاء رجل قام أبوه أو أبوه قائم من كل وصف بجملة

ص: 91

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281]، أو معنى لا لفظًا وهو المعرف بأل الجنسية كقوله:

811-

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي

وشرطان في الجملة: أحدهما أن تكون مشتملة على ضمير يربطها بالموصوف إما ملفوظ كما تقدم أو مقدر كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48]، أي: لا تجزي فيه أو بدل منه كقوله:

812-

كَأَنَّ حَفِيفَ النَّبْلِ من فَوْق عَجْسِهَا

عوَازِبُ نَخْل أَخْطأَ الغارَ مُطْنِفُ

أي: أخطأ غارها، فأل بدل من الضمير وإلى هذا الشرط الإشارة بقوله: "فأعطيت ما

ــ

المجهول فيها اتصاف المسند إليه بالمسند في تأويل جاء رجل قائم أبوه ونحو: جاء رجل أبوه القائم أو أبوه زيد من كل وصف بجملة المجهول فيها اتحاد ذاتيهما في تأويل جاء رجل كائن ذات أبيه ذات القائم أو ذات زيد، كذا في الدماميني عن ابن الحاجب والرضي لا لكون الجمل نكرات وإن جرى على ألسنتهم، ووجهه بعضهم بما ردّه الرضي ثم قال: والحق أن الجملة ليست معرفة ولا نكرة؛ لأن التعريف والتنكير من عوارض مدلول الاسم والجملة من حيث هي جملة ليست اسمًا، وإنما جاز نعت النكرة بها دون المعرفة لتأولها بالنكرة كما مر.

قوله: "على ضمير يربطها بالموصوف" اقتصر على الضمير؛ لأن الرابط هنا لا يكون إلا للضمير بخلاف الخبر والفرق أن المنعوت لا يستلزم النعت صناعة، فضعف طلبه له فاحتيج لدليل قوي يدل على ارتباط الجملة به، وأنها نعت له بخلاف المبتدأ فإنه يستلزم الخبر، فقوي طلبه له فاكتفى بأي دليل يدل على ارتباط الجملة به، وأنها خبر عنه أفاده سم. ورأيت بخط بعض الفضلاء أن الصحيح عدم تقييد الربط هنا أيضًا بالضمير. قوله:"أي: لا تجزي فيه" وهل حذف الجار والمجرور معًا أو الجار وحده فانتصب الضمير واتصل بالفعل، ثم حذف منصوبًا قولان: الأول عن سيبويه. والثاني عن الأخفش.

تصريح. قوله: "أو بدل منه" معطوف على ضمير. قوله: "كأن حفيف النبل" بالحاء المهملة أي: دويّ ذهاب السهام ومن فوق حال من النبل، وضمير عجسها للقوس. والعجس بتثليث العين المهملة فجيم فسين مهملة مقبض القوس. والعوازب بعين مهملة وبعد الألف زاي جمع عازبة من عزبت الإبل إذا بعدت في المرعى. ومطنف بضم الميم وكسر النون فاعل أخطأ، والمطنف الذي يعلو الطنف كجبل وهو رأس الجبل وأعلاه، وكأن المعنى أخطأ غارها منطفها أي: العالي منها رأس الجبل الذي هو أي: ذلك المنطف كدليلها الذي تتبعه في السير وقيد بقوله أخطأ إلخ؛ لأن النحل إذا تاه عن محله عظم دويه.

811- راجع التخريج رقم 810.

812-

البيت من الطويل، وهو للشنقري في ديوانه ص54؛ والأغاني 21/ 213؛ ولسان العرب 9/ 224 "طنف"؛ والمقاصد النحوية 4/ 85.

ص: 92

وامْنَعْ هنا إيقاعَ ذاتِ الطَّلَبِ

وإنْ أَتَتْ فالقَولَ أَضْمِرْ تُصِبِ

ونَعَتُوا بمصْدَرٍ كثيرًا

فالتزموا الإفرادَ والتَّذكيرا

ــ

أعطيته خبرا" والثاني أن تكون خبرية أي: محتملة للصدق والكذب وإليه الإشارة بقوله: "وامنع هنا إيقاع ذات الطلب" فلا يجوز مررت برجل أضربه أو لا تهنه، ولا بعبد بعتكه قاصدًا إنشاء البيع "وإن أتت" الجملة الطلبية في كلامهم "فالقول أضمر تصب" كقوله:

813-

جَاءُوا بِمَذْقٍ هل رأيت الذِّئبَ قَطْ

أي: جاءوا بلبن مخلوط بالماء مقول فيه عند رؤيته هذا الكلام.

تنبيهان: الأول ذكر في البديع أن الوصف بالجملة الفعلية أقوى منه بالجملة الاسمية. الثاني فهم من قوله:

أعطيت ما أعطيته خبرًا أنها لا تقترن بالواو بخلاف الحالية فلذلك لم يقل ما أعطيته حالًا "ونعتوا بمصدر كثيرًا" وكان حقه أن لا ينعت به لجموده، ولكنهم فعلوا ذلك قصدًا للمبالغة أو توسعًا

ــ

قوله: "فأعطيت ما أعطيته خبرًا" أي: من أصل الربط وإن كان في النعت بالضمير فقط، وفي الخبر به وبغيره على ما تقدم. قوله:"أن تكون خبرية" أي:

لأن النعت يوضح المنعوت أو يخصصه، والجملة لا تصلح لذلك إلا إذا كان مضمونها معلومًا للسامع قبل. ومضمون الجملة الإنشائية غير معلوم قبل. قوله:"وامنع هنا" أي: لا في الخبر على المختار، وكالنعت الحال ففي المفهوم تفصيل. قوله:"جاءوا بمذق إلخ" قبله:

حتى إذا جنّ الظلام واختلط

وصف به قومًا ما أضافوه وأطالوا عليه، ثم أتوه بلبن مخلوط بالماء حتى صار لونه في العشية يشبه لون الذئب في قلة البياض. والمذق بفتح الميم وسكون الذال المعجمة مصدر مذقت اللبن إذا خلطته بالماء، والمراد به هنا الممذوق. قوله:"أن الوصف بالجملة الفعلية أقوى" أي: لاشتمالها على الفعل المناسب للوصف في الاشتقاق، وأما الاسمية فقد تخلو عن المشتق بالكلية نحو: جاء رجل أبوه زيد، هكذا ينبغي تقرير التوجيه، ونقل شيخنا عن الدماميني أن الماضي أكثر من المضارع. قوله:"لا تقترن بالواو" خلافًا للزمخشري كما في الدماميني. قوله:

813- قبله:

حتى إذا جنّ الظلام واختلط

والرجز للعجاج في ملحق ديوانه 2/ 304؛ وخزانة الأدب 2/ 109؛ والدرر 6/ 10؛ وشرح التصريح 2/ 112؛ والمقاصد النحوية 4/ 61؛ وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 115؛ وأوضح المسالك 3/ 310؛ وخزانة الأدب 3/ 30، 5/ 24، 468، 6/ 138؛ وشرح ابن عقيل ص477؛ وشرح عمدة الحافظ ص541؛ وشرح المفصل 3/ 52، 53؛ ولسان العرب 4/ 248 "خضر"؛ 10/ 340 "مذق"؛ والمحتسب 2/ 165؛ ومغني اللبيب 1/ 246، 2/ 585؛ وهمع الهوامع 2/ 117.

ص: 93

وَنَعْتُ غَيْرِ واحِدٍ إذا اخْتَلَفْ

فعاطِفًا فَرِّقْه لا إذا انْتَلَفْ

ــ

بحذف مضاف "فالتزموا الإفراد والتذكيرا" تنبيهًا على ذلك. فقالوا: رجل عدل ورضا وزور، وامرأة عدل ورضا وزور، ورجلان عدل ورضا وزور، وكذا في الجمع أي: هو نفس العدل أو ذو عدل، وهو عند الكوفيين على التأويل بالمشتق أي: عادل ومرضي وزائر.

تنبيهان: الأول وقوع المصدر نعتًا وإن كان كثيرًا لا يطرد كما لا يطرد، وقوعه حالًا وإن كان أكثر من وقوعه نعتًا. الثاني أطلق المصدر وهو مقيد بأن لا يكون في أوله ميم زائدة كمزاد ومسير فإنه لا ينعت به لا باطراد ولا بغيره "ونعت غير واحد إذا اختلف

ــ

"تنبيهًا على ذلك" أي: ما ذكر من قصد المبالغة والتوسع؛ ولأن المصدر من حيث هو مصدر لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث وإنما كان منبهًا على قصد المبالغة؛ لأن معنى قصد المبالغة جعل الموصوف نفس المعنى مجازًا لكثرة وقوعه منه، والمعنى شيء واحد مذكر على حذف المضاف؛ لأن المصدر يكون كذلك أي: مفردًا مذكرًا لو صرح بالمضاف نحو: هند ذات عدل والزيدان ذوا عدل وهكذا. قوله: "وهو عند الكوفيين إلخ" قد خالف كل من الفريقين مذهبه في باب الحال في أتيته ركضًا، فقال البصريون: إن ركضًا بمعنى راكضًا والكوفيون أنه على تقدير مضاف. وقد يقال إن كلا ذكر في كل من الموضعين ما هو بعض الجائز عنده. قوله: "على التأويل بالمشتق" أي: الذي بمعنى الفاعل كثيرًا كما في عدل وزور، وبمعنى المفعول قليلًا كما في رضا قاله الدماميني.

فائدة: قيل من النعت بالمصدر على التأويل باسم المفعول أو تقدير المضاف قولهم مررت برجل ما شئت من رجل؛ لأن ما مصدرية، ومثله قوله تعالى:{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8]، وارتضى في المغني أن ما شرطية حذف جوابها أي: فهو كذلك ومجموع الجملتين نعت، وأن ما في الآية إما زائدة فالنعت جملة شاء وحدها بتقدير الرابط أي: شاءها وفي متعلقة بركبك أو باستقرار محذوف حال من مفعوله أو بعدلك أي: وضعك في صورة أي صورة شاء، وإما شرطية، فالنعت مجموع الجملتين والرابط محذوف أي: ما شاء تركيبك ركبك عليها، وفي متعلقة بعدلك لا بركبك؛ لأن الجواب لا يعمل فيما قبل أداة الشرط. قوله:"لا يطرد" أي: بل يقتصر على ما سمع منه، ولما لم يستفد من هذا التنبيه أن المسموع منه غير ميمي أتى بالتنبيه الثاني لإفادة ذلك. ولي في المقام بحث وهو أنهم كيف حكموا بعدم الاطراد مع أن وقوع المصدر نعتًا أو حالًا إما على المبالغة أو على المجاز بالحذف إن قدر المضاف أو على المجاز المرسل الذي علاقته التعلق إن أول المصدر باسم الفاعل أو اسم المفعول، وكل من الثلاثة مطرد كما صرح به علماء المعاني. اللهم إلا أن يدعي اختلاف مذهبي النحاة وأهل المعاني، أو أن المطرد عند أهل المعاني وقوع المصدر على أحد الأوجه الثلاثة إذا كان غير نعت أو حال كأن يكون خبرًا نحو: زيد عدل فتدبر.

قوله: "ونعت غير واحد" بالرفع مبتدأ ولا يجوز نصبه؛ لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها

ص: 94

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فعاطفًا فرقه لا إذا ائتلف" مثال المختلف: مررت برجلين كريم وبخيل، ومثال المؤتلف: مررت برجلين كريمين أو بخيلين. ويستثنى من الأول اسم الإشارة فلا يجوز تفريق نعته، فلا يقال مررت بهذين الطويل والقصير نص على ذلك سيبويه وغيره كالزيادي والزجاج والمبرد. قال الزيادي وقد يجوز ذلك على البدل أو عطف البيان.

تنبيهات: الأول قيل يندرج في غير الواحد ما هو مفرد لفظًا مجموع معنى كقوله:

ــ

فلا يفسر عاملًا. والمراد بغير الواحد ما دل على متعدد مثنى أو جمعًا أو اسم جمع أو اسم جنس أو اسمين متعاطفين أو أسماء متعاطفة كذا فسر الدماميني وأورد عليه أن نحو: زيد وعمرو إذا اختلف نعته لا يجب فيه التفريق بالعطف، بل يجوز فيه ذكر كل نعت بجانب منعوته نحو: جاء زيد العاقل وعمرو الكريم. وما أجيب به من أن المراد بالتفريق ما يشمل إيلاء كل نعت منعوته يرده قوله فعاطفًا إلا أن يقال عاطفًا في الجملة وأيضًا على ما فسر به الدماميني يرد على قوله لا إذا ائتلف نحو: أعطيت زيدًا أباه مما اتفق فيه المنعوتان إعرابًا لا بسبب العطف فإنه يمتنع جمعهما في وصف واحد، بل يفرد كل بوصف أو يجمعان في نعت مقطوع؛ لأن التابع في حكم المتبوع ولا يكون اسم واحد مفعولًا أولًا، وثانيًا نص على ذلك الرضي فقول المصنف: لا إذا ائتلف أي: فلا يفرق بل يجمع محله ما لم يمنع مانع أفاده سم. وفي هذا الإيراد نظر؛ لأن المنعوت في هذه الصورة ليس من غير الواحد بتفسير الدماميني لعدم العطف فاعرفه ولو أريد بغير الواحد المثنى والمجموع لم يرد شيء من ذلك فتأمل.

قوله: "إذا اختلف" أي: لفظًا ومعنى كالعاقل والكريم أو معنى لا لفظًا كالضارب من الضرب بالعصا مثلًا، والضارب من الضرب في الأرض أي: السير فيها أو لفظًا لا معنى كالذاهب والمنطلق. قوله: "فعاطفًا فرقه" أي: ففرق النعت حال كونك عاطفًا بالواو فقط، إجماعًا إذ لو قيل مررت برجلين صالح فطالح أو ثم طالح لم يستفد الترتيب في المرور، بل في حصول الوصفين للرجلين والترتيب في هذا غير مراد أفاده الدماميني. وأما قول ابن الحاجب الإدغام: أن تأتي بحرفين ساكن فمتحرك، فمردود بخلاف ما إذا كان المنعوت واحدًا فإنه يجوز العطف بغير الواو، حكى سيبويه مررت برجل راكب فذاهب وبرجل راكب ثم ذاهب قاله زكريا أي: لأن قصد الترتيب في حصول الوصفين للرجل سائغ. قوله: "كريمين" أي: بالتثنية ولا يجوز كريم وكريم بالتفريق، نعم يجوز مررت بإنسانين صالح وصالحة إذ لم يتفقا إلا بالتغليب فالنعت مختلف في الحقيقة فجاز تفريقه نظرًا لذلك وجمعه نظرًا للاتحاد في التغليب. قوله:"ويستثنى من الأول" اعترض بأنه لا استثناء؛ لأن نعت اسم الإشارة لا يكون مختلفًا أصلًا فهو خارج بقوله إذا اختلف. قوله: "فلا يجوز تفريق نعته" أي: لوجوب مطابقته له لفظًا، قال الدماميني: اختص نعت اسم الإشارة بأمور: منها هذا. ومنها وجوب كونه ذا أل. ومنها امتناع فصله من موصوفه فلا يجوز مررت بهذا في الدار الفاضل وإن جاز مررت بالرجل في الدار الكريم. ومنها امتناع قطعه، وأما كونه جنسًا لا وصفًا فغالب لا لازم.

قوله: "فلا يقال مررت بهذين الطويل والقصير" أي: على النعتية بقرينة ما يأتي. قوله: "قيل

ص: 95

وَنَعْتَ مَعْمولَيْ وَحِيدَيْ مَعْنى

وعَمَل أَتْبِع بغَيْر استثنا

814- فَوَافَيناهُمُ مِنّا بجَمْعٍ

كأُسْدِ الغابِ مُرْدانٍ وشِيبِ

وفيه نظر. الثاني قال في الارتشاف: والاختيار في مررت برجلين كريم وبخيل القطع. الثالث قال في التسهيل: يغلب التذكير والعقل عند الشمول وجوبًا وعند التفصيل اختيارًا "ونعت معمولي" عاملين "وحيدي معنى وعمل أتبع بغير استثنا" أي: أتبع مطلقًا

ــ

يندرج إلخ" أي: لأن المراد بغير الواحد كما مر ما دل على متعدد والنظر الذي ذكره الشارح مبني على أن المراد به المثنى والمجموع فقط، وقد مر خلافه عن الدماميني وعليه فالنظر غير وارد. قوله: "والاختيار في مررت برجلين كريم وبخيل القطع" قال شيخنا: انظره مع ما سيأتي من وجوب اتباع النكرة بنعت ا. هـ. ولا وجه للتوقف؛ لأن ما يأتي فيما إذا اتحد المنعوت وتعدد نعته. قوله: "عند الشمول" أي: جمع النعوت في لفظ واحد نحو: مررت برجل وامرأة صالحين وبرجل وامرأتين صالحين وبرجل وأفراس سابقين، ويمتنع صالحتين وصالحات وسابقات والتغليب بالعقل خاص بجمع المذكر.

قوله: "وعند التفصيل اختيارًا" مراده بالتفصيل التفريق. قال الدماميني: تقول على التغليب: مررت بعبيد وأفراس سابقين وسابقين وعلى عدمه سابقين وسابقات ا. هـ. أي: أو سابقات وسابقين والظاهر أن مثله في جواز التغليب وعدمه ما إذا أوليت كل منعوت بنعته. قوله: "وحيدي معنى وعمل" أي:

متحدين فيهما سواء اتحدا لفظًا أم لا فالأول نحو: جاء زيد وجاء عمرو العاقلان وكثاني أمثلة الشارح، والثاني كبقية أمثلته فعلم ما في كلام البعض من المؤاخذة، واشترط بعضهم ثالثًا وهو اتفاق المنعوتين تعريفًا وتنكيرًا فلا يجوز: جاء رجل وجاء زيد العاقلان ولا عاقلان لما يلزم من نعت النكرة بالمعرفة أو العكس. ورابعًا وهو أن لا يكون أحد المنعوتين اسم إشارة فلا يجوز: جاء هذا وجاء زيد العاقلان لعدم جواز الفصل بين المبهم ونعته، فإن أخر اسم الإشارة كجاء زيد وجاء هذا العاقلان جاز عند المصنف، وزاد الشاطبي شرطًا خامسًا وهو: أن لا يكون أحد المنعوتين في جملة خبرية والآخر في جملة إنشائية فلا يجوز نحو: جاء زيد ومن عمرو العاقلان. وفيه أن العاملين في المثال مختلفان معنى فاتحادهما معنى يغني عن الشرط الخامس في منع نحو: هذا المثال. وقول البعض: إلا أن يقال في المثال مانعان لا ينهض وجهًا لزيادة الشرط الخامس، ثم منع الشاطبي الاتباع في هذا المثال يوهم جواز القطع بل وجوبه. وفي الرضي منعه أيضًا وعلله بأنه لا يجوز أن تخلط من تعلم بمن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة، فالذي ينبغي أن يمثل بنحو: بعت زيدًا الجبة وبعتك الثوب الجديدين مقصودًا بإحدى الجملتين الإخبار وبالأخرى الإنشاء، ونحو: قام زيد وهل قام عمرو العاقلان.

قوله: "أي: أتبع مطلقًا" أي: سواء كان المتبوعان مرفوعي فعلين أو خبري مبتدأين أو

_________

814-

البيت من الوافر، وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ص135؛ والمقاصد النحوية 4/ 77؛ وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص544.

ص: 96

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نحو: جاء زيد وأتى عمرو العاقلان، وهذا زيد وذاك خالد الكريمان، ورأيت زيدًا وأبصرت عمرًا الظريفين، وخصص بعضهم جواز الاتباع بكون المتبوعين فاعلي فعلين أو خبري مبتدأين، فإن اختلف العاملان في المعنى والعمل أو في أحدهما وجب القطع بالرفع على إضمار مبتدأ، أو بالنصب على إضمار فعل نحو: جاء زيد ورأيت عمرًا الفاضلان أو الفاضلين، ونحو: جاء زيد ومضى بكر الكريمان أو الكريمين، ونحو: هذا مؤلم زيد وموجع عمرا الظريفان أو الظريفين، ولا يجوز الاتباع في ذلك؛ لأن العمل الواحد لا يمكن نسبته لعاملين من شأن كل واحد منهما أن يستقل.

تنبيهان: الأول إذا كان عامل المعمولين واحدًا ففيه ثلاث صور: الأولى أن يتحد العمل والنسبة نحو: قام زيد وعمرو العاقلان. وهذه يجوز فيها الاتباع والقطع في أماكنه من غير إشكال. الثانية أن يختلف العمل وتختلف نسبة العامل إلى المعمولين من جهة المعنى

ــ

منصوبين وقد مثل الشارح لذلك، أو مخفوضين كسقت النفع إلى خالد وسيق لزيد الكاتبين وكمررت بزيد وبعمرو الكاتبين. قال في الهمع: قال أبو حيان: ومقتضى مذهب سيبويه أنه لا يجوز الاتباع لما انجر من جهتين كالحرف والإضافة نحو: مررت بزيد وهذا غلام بكر الفاضلين، والحرفين المختلفين لفظًا ومعنى نحو: مررت بزيد ودخلت إلى عمرو الظريفين، أو معنى فقط نحو: مررت بزيد واستعنت بعمرو الفاضلين، والإضافتين المختلفتين معنى نحو: هذه دار زيد وهذا أخو عمرو الفاضلين. قوله: "ورأيت زيدًا" أي: أبصرته ليتحد مع ما بعده معنى. قوله: "وخصص بعضهم إلخ" هذا هو الذي أشار الناظم إلى رده بقوله بغير استثنا. قوله: "وجب القطع" قال سم: فيه تأمل فإنه يجوز إفراد كل بوصفه بجنبه ا. هـ. وقد يقال مراده بوجوب القطع امتناع الاتباع حالة جمع النعتين لا مطلقًا. قوله: "على إضمار فعل" أي: كأمدح وأذم وأعني وأذكر. قال الدماميني: قال المصنف في شرح عمدته: إذا كان المنعوت متعينًا لم يقدر أعني بل أذكر ا. هـ. وللبحث فيه مجال فتأمل.

قوله: "أن يستقل" أي: ينفرد عن الآخر بالمعنى أو العمل لاختلافهما معنى أو عملًا بخلاف المتحدين معنى وعملًا فإنهما لاتحادهما ينزلان منزلة العامل الواحد فلا يلزم عمل عاملين في معمول واحد. قوله: "والنسبة" أي: نسبة العامل إليهما بأن تكون على جهة الفاعلية أو المفعولية مثلًا. قوله: "يجوز فيها الاتباع والقطع" ويجوز أيضًا إفراد كل بوصفه كجاء زيد الظريف وعمرو الظريف كما قاله الرضي. قال الإسقاطي: وهل يجوز تفريق النعتين مع تأخيرهما في الشاطبي ما يفيد المنع ا. هـ. ومقتضى القياس على ما يأتي عن الرضي في الصورة الثانية الآتية في كلام الشارح الجواز إلا أن يفرق بين هذه والصورة الثانية بأن في الصورة الثانية ما يرد كل نعت إلى منعوته إذا أخر النعت فيها وفرق، وهو اختلاف إعراب النعت بخلاف هذه الصورة لعدم ذلك فيها. وقد يقال لا ضرر فيه إذ لا يترتب عليه اختلاف المعنى فتأمل. قوله:"في أماكنه" أي: القطع

ص: 97

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نحو: ضرب زيد عمرا الكريمان، ويجب في هذه القطع قطعًا. الثالثة أن يختلف العمل وتتحد النسبة من جهة المعنى نحو: خاصم زيد عمرا الكريمان، فالقطع في هذه واجب عند البصريين، وأجاز الفراء وابن سعدان الاتباع، والنص عن الفراء أنه إذا أتبع غلب المرفوع، فتقول خاصم زيد عمرًا الكريمان. ونص ابن سعدان على جواز اتباع أي شيء؛ لأن كلًا منهما مخاصم ومخاصم، والصحيح مذهب البصريين؛ قيل بدليل أنه لا يجوز ضارب زيد هندًا العاقلة برفع العاقلة نعتًا لهند، لكن ذكر الناظم في باب أبنية الفعل من شرح التسهيل أن الاسمين من نحو: ضارب زيد عمرا، ليس أحدهما أولى من الآخر بالرفع ولا بالنصب. قال: ولو أتبع منصوبهما بمرفوع أو مرفوعهما بمنصوب لجاز، ومنه قول الراجز:

815-

قَدْ ساَلَمَ الحَيَّاتُ منه القَدَمَا

الأُفْعوانَ والشجَاعَ الشَّجْعَمَا

ــ

وهي المواضع التي يتعين فيها المنعوت بدون النعت. قوله: "ويجب في هذه القطع قطعًا" المراد بوجوب القطع امتناع الاتباع مع جمع النعتين وإلا فيجوز إفراد كل بنعت، كما في الرضي وفيه أيضًا أنه يجوز تأخير النعتين مع إفرادهما فتقول: ضرب زيد عمرًا الظريف الظريف لكن على أن الأول للثاني والثاني للأول؛ لأن اللازم عليه فصل أحدهما من منعوته وهو خير من فصلهما معًا كما سبق مثل ذلك في الحال ا. هـ. ولا يخفى أن غاية ما يفيده هذا التعليل الأولوية دون الوجوب. فإن كان مراده الأولوية فذاك وإلا منعناه مع أن قد يقال فصل أحدهما بمنزلة فصلهما؛ لأن فصل أحدهما بكلمتين وفصل كل منهما بكلمة فتأمل.

قوله: "قيل بدليل أنه لا يجوز إلخ" وجه التمريض أن هذا الدليل لا يبطل مذهب الخصم لجواز أن يقال المجوز لملاحظة المعنى في الاتباع التغليب، ولا تغليب هنا، وأيضًا عدم جواز ضارب إلخ غير مجمع عليه فلا يبطل هذا الدليل مذهب الخصم. وقد أشار الشارح إلى هذا بالاستدراك على الدليل بقوله لكن إلخ. قوله:"قد سالم" من المسالمة وهي المصالحة. والأفعوان بضم الهمزة والعين المهملة ذكر الحيات والأنثى أفعى. والشجاع الحية وكذا الشجعم وميمه زائدة. والشاهد في الأفعوان فإنه تابع للحيات لكن نصب نظرًا إلى كونه مفعولًا معنى.

815- الرجز للعجاج في ملحق ديوانه 2/ 333؛ وجمهرة اللغة ص1139؛ وله أو لأبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسي أو للدبيري، أو لعبد بني عبس في خزانة الأدب 11/ 411، 415، 416؛ والمقاصد النحوية 4/ 81؛ وللعجاج أو لأبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسي أو للتدمري أو لعبد بني الحسحاس في الدرر 3/ 6؛ وللعجاج أو لأبي حيان الفقعسي أو لمساور العبسي أو للتدمري أو لعبد بني عبس في شرح شواهد المغني 2/ 973؛ ولمساور العبسي في لسان العرب 12/ 366 "ضمز"؛ ولعبد بني عبس في الكتاب 1/ 287؛ وللدبيري في شرح أبيات سيبويه 1/ 201؛ ولأبي حناء في خزانة الأدب 10/ 240؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 122؛ وسر صناعة الإعراب 1/ 431، 2/ 483؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 252؛ ولسان العرب 8/ 175 "شجع"، 12/ 319 "شجعم"؛ ومغني اللبيب 2/ 699؛ والمقتضب 2/ 283؛ والممتع في التصريف 1/ 241؛ والمنصف 3/ 69.

ص: 98

وإنْ نُعُوت كَثُرتْ وقَد تَلَتْ

مُفْتقرًا لِذِكْرهنّ أُتْبِعتْ

واقْطَع أو أََتْبِع إنْ يكن مُعَيَّنا

بدونها أو بعضِها اقْطَع مُعْلِنا

ــ

فنصب الأفعوان وهو بدل من الحيات وهو مرفوع لفظًا؛ لأن كل شيئين تسالما فهما فاعلان مفعولان. وهذا التوجيه أسهل من أن يكون التقدير قد سالم الحيات منه القدم، وسالمت القدم الأفعوان. الثاني قوله: أتبع يوهم وجوب الاتباع وليس كذلك؛ لأن القطع في ذلك منصوص على جوازه "وإن نعوت كثرت وقد تلت" أي: تبعت منعوتًا "مفتقرًا لذكرهن" بأن كان لا يعرف إلا بذكر جميعها "أتبعت" كلها لتنزيلها منه حينئذ منزلة الشيء الواحد، وذلك كقولك: مررت بزيد التاجر الفقيه الكاتب إذا كان هذا الموصوف يشاركه في اسمه ثلاثة أحدهم تاجر كاتب والآخر تاجر فقيه والآخر فقيه كاتب "واقطع" الجميع "أو أتبع" الجميع أو اقطع البعض وأتبع البعض "إن يكن" المنعوت "معينًا بدونها" كلها كما في قول خرنق:

ــ

قوله: "أسهل" أي: لسلامته من كثرة الحذف. قوله: "وسالمت القدم إلخ" أي: فيكون الأفعوان مفعول فعل حذف للعلم به من التعبير بالمسالمة التي هي مفاعلة من الجانبين. قوله: "يوهم وجوب الاتباع" قال سم، وأقره شيخنا والبعض قد يقال لا عبرة بهذا الإيهام مع ذكر مسائل القطع فيما سيأتي ا. هـ. وفيه أن المصنف إنما ذكر القطع مع تعدد النعوت، وكلامه الآن غير مفروض في التعدد فلا يندفع الإيهام هنا بكلامه الآتي.

قوله: "وإن نعوت كثرت" مراده بالكثرة ما قابل الوحدة فيشمل النعتين وإطلاقه شامل للجمل، لكن سيأتي أن الواجب في المنعوت النكرة اتباع نعت واحد. قوله:"مفتقرًا لذكرهن" قال سم: هل يشكل ما أفاده هذا من أن النعت قد يفتقر إليه، وقد يستغنى عنه على ما أفاده التعريف من أنه أبدًا متمم للمنعوت، وذلك يتضمن الافتقار إليه أبدًا؛ لأن ما يتم بغيره يفتقر إليه فليتأمل ا. هـ ويظهر أنه لا إشكال؛ لأن المراد بإتمامه المنعوت أن شأنه والمقصود الأصلي منه الإتمام فلا يضر عروض عدم ذلك فتأمل. قوله:"أتبعت كلها" أي: وجوبًا وأورد عليه أن القطع لا يزيد على ترك النعت بالكلية وهو جائز. وأجيب بأن قطعه بعد الذكر يفوت الغرض من ذكره فبينهما تناف بخلاف الترك. وقد يقال الغرض من الذكر كالتوضيح والتخصيص حاصل عند القطع؛ لأن تلك النعوت المقطوعة في المعنى متعلقة بالمنعوت والتركيب يفهم ذلك فالأولى في الجواب أن يقال لما كان القطع مشعرًا بالاستغناء منعوه عند الحاجة لما فيه من التنافي إذ الغرض الاحتياج وهو يدل على عدم الاحتياج. قوله: "واقطع الجميع إلخ" لم يتعرض للقطع عند عدم تعدد النعت والصحيح جوازه خلافًا للزجاج المشترط في جواز القطع تعدد النعت. واعلم أن النعت إذا قطع خرج عن كونه نعتًا كما ذكره ابن هشام. قوله: "أو اقطع البعض وأتبع البعض" قد يشملها كلام المصنف بأن يراد واقطع الجميع أو البعض؛ لأن حذف المعمول يؤذن بالعموم قاله

ص: 99

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

816-

لا يَبْعدَنْ قَومِي الذين هم

سمُّ العُداةِ وآفَةُ الجُزُر

النازلون بكل معتَرَك

والطيبون معاقدُ الأُزُر

فيجوز رفع النازلين والطيبين على الاتباع لقومي، أو على القطع بإضمارهم، ونصبهما بإضمار أمدح أو أذكر، ورفع الأول ونصب الثاني على ما ذكرنا، وعكسه على القطع فيهما "أو بعضها اقطع معلنا" أي: إذا كان المنعوت مفتقرًا إلى بعض النعوت دون بعض وجب اتباع المفتقر إليه، وجاز فيما سواه القطع والاتباع. هكذا في شرح الكافية.

تنبيهات: الأول إذا قطع بعض النعوت دون بعض قدم المتبع على المقطوع ولا

ــ

سم. قوله: "لا يبعدن قومي إلخ" دعاء لقومها خرج مخرج النهي. ويبعد مضارع بعد من باب فرح أي: لا يهلكن والعداة بضم العين جمع عاد. والأزر بضمتين جمع إزار، ومعاقدها مواضع عقدها. وكنى بالطيبين معاقد الأزر عن طهارتهم عن الفاحشة.

قوله: "فيجوز رفع النازلين إلخ" سكت عن النعت الأول وهو الموصول لخفاء إعرابه فيتبع أن أتبعت الجميع، وكذا إن أتبعت البعض وقطعت البعض بناء على الصحيح من أن القطع في البعض والاتباع في البعض مشروط بتقدم المتبع كما سيذكره الشارح، ويقطع إن قطعت الجميع. قوله:"على ما ذكرنا" راجع لرفع الأول ونصب الثاني أي: على الاتباع أو القطع بإضمارهم في الرفع وعلى القطع بإضمار أمدح أو أذكر في النصب. قوله: "على القطع فيهما" أي: في الرفع والنصب، ولم يقل على ما ذكرنا كسابقه؛ لأن مما ذكره فيما قبله الرفع على الاتباع، وهو لا يأتي في هذا بناء على الصحيح من امتناع الاتباع بعد القطع. قوله:"أو بعضها اقطع معلنًا" مقتضى حل الشارح أن بعضها بالجر عطفًا على الضمير في لذكرهن، أو في بدونها بناء على مذهب المصنف من جواز العطف على ضمير الخفض بغير إعادة الخافض، أو على دونها ومفعول اقطع محذوف أي: وإن يكن المنعوت مفتقرًا لذكر بعضهًا أو معينًا بدون بعضها أو معينًا ببعضها فاقطع ما سواه على الأول والأخير، أو فاقطعه دون ما سواه على الثاني، وعلى هذا يكون المتن مشتملًا على مسألتين: مسألة استغناء المنعوت عن جميع النعوت، ومسألة استغنائه عن بعضها وافتقاره إلى بعضها الآخر. وجعل الشيخ خالد بعضها بالنصب مفعولًا مقدمًا لاقطع، على أن تقدير البيت، واقطع جميع النعوت أو أتبع جميعها أو اقطع بعضها وأتبع بعضها إن يكن المنعوت معينًا بدونها، وعلى هذا فالمسألة الثانية مسكوت عنها في النظم مفهومة بالمقايسة.

قوله: "قدم المتبع" هذا هو الراجح كما يشير إليه تقديمه. قوله: "وفيه" أي: في العكس

816- البيتان من الكامل، وهما للخرنق بنت هفان في ديوانها ص43؛ والأشباه والنظائر 6/ 231؛ وأمالي المرتضى 1/ 205؛ والإنصاف 2/ 468؛ وأوضح المسالك 3/ 314؛ والحماسة البصرية 1/ 227؛ وخزانة الأدب 5/ 41، 42، 44؛ والدرر 6/ 14؛ وسمط اللآلي ص548؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 16؛ وشرح التصريح 2/ 116؛ والكتاب 1/ 202، 2/ 57، 58، 64؛ ولسان العرب 5/ 214 "نضر"؛ والمحتسب 2/ 198؛ والمقاصد النحوية 3/ 602، 4/ 72؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص416.

ص: 100

وارْفَعْ أو انصِب إنْ قَطَعْتَ مُضمِرًا

مبتدأ أو ناصِبًا لن يَظْهَرَا

ــ

يعكس، وفيه خلاف. قال ابن أبي الربيع: الصحيح المنع. وقال صاحب البسيط: الصحيح الجواز. ولو فرق بين الحالة الثانية وهي الاستغناء عن الجميع فيجوز، والحالة الثالثة وهي الافتقار إلى البعض دون البعض فلا يجوز لكان مذهبًا. الثاني إذا كان المنعوت نكرة تعين في الأول من نعوته الاتباع وجاز في الباقي القطع كقوله:

817-

وَيَأوِي إلى نِسْوَةٍ عُطَّلٍ

وشُعْثًا مَراضِيعَ مِثل السَّعَالِي

الثالث يستثنى من إطلاقه النعت المؤكد نحو: إلهين اثنين، والملتزم نحو: الشعرى العبور، والجاري على مشاربه نحو: هذا العالم فلا يجوز القطع في هذه "وارفع أو انصب إن قطعت" النعت عن التبعية "مضمرا مبتدأ أو ناصبًا لن يظهرا" أي: لا يجوز إظهارهما،

ــ

المستفاد من يعكس. قوله: "ولو فرق إلخ" وجهه أنه في حالة الاستغناء عن الجميع يكون الاتباع كلا اتباع بخلاف حالة الافتقار. قوله: "إذا كان المنعوت نكرة إلخ" هل يجري هذا في المعرف بأل الجنسية نظرا إلى أنه في المعنى نكرة فيه نظر سم. قوله: "تعين في الأول إلخ" فلو كان نعت النكرة واحدًَا نحو: جاء رجل كريم لم يجز قطعه إلا في الشعر، كما في الهمع ورأيت بخط بعض الفضلاء أن منع قطعه هو المشهور وأن سيبويه يجوزه. قوله:"وجاز في الباقي القطع" أي: وإن لم يتعين مسمى النكرة إلا بالجميع؛ لأن المقصود من نعتها التخصيص وقد حصل بتبعية الأول. قوله: "ويأوي" الضمير للصائد يغيب في صيده الوحش عن نسائه ثم يأتي إليهن فيجدهن في أسوأ حال، وعطل بضم العين وتشديد الطاء جمع عاطلة وهي المرأة التي خلا جيدها من القلائد. وشعثًَا منصوب بفعل محذوف على الاختصاص أي: وأخص شعثًَا ليبين أن هذا الضرب من النساء أسوأ حالًَا من الضرب الأول الذي هو العطل، وهو جمع شعثاء وهي المغبرة الرأس أي: التي لم تسرح شعر رأسها ولم تدهنه ولم تغسله. والمراضيع جمع مرضع والياء للإشباع أو جمع مرضاع فالياء قياسية، والسعالى جمع سعلاة بكسر السين كما في القاموس وهي أخبث الغيلان.

قوله: "والملتزم" أي: الذي التزمت العرب النعت به نحو: الشعرى العبور والمراد أنه إذا وقع بعدها وصف كان نعتا، لا أنه يلزم بعدها نعت فلا يرد قوله تعالى:{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم: 49] ، نقله شيخنا السيد عن الدماميني وهو أحسن مما قاله البعض، وسميت العبور لعبورها المجرة. قوله:"لن يظهرا" ألفه للتثنية كما عليه حل الشارح؛ لأن أو تنويعية وهي كالواو كما مر غير مرة فعلم ما في كلام البعض وإنما التزم حذف العامل ليكون حذفه الملتزم أمارة على

817- البيت من المتقارب، وهو لأمية بن أبي عائذ الهذلي في خزانة الأدب 2/ 42، 432، 5/ 40؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 146؛ وشرح أشعار الهذليين 2/ 507؛ وشرح التصريح 2/ 117؛ والكتاب 1/ 399، 2/ 66؛ ولأبي أمية في المقاصد النحوية 4/ 63؛ وللهذلي في شرح المفصل 2/ 18؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 322؛ وأوضح المسالك 3/ 317؛ ورصف المباني ص416؛ والمقرب 1/ 225.

ص: 101

وَمَا من المَنْعوتِ والنَّعتِ عُقِل

يجوز حَذْفُه وفي النعت يَقِلْ

ــ

وهذا إذا كان النعت لمجرد مدح أو ذم أو ترحم نحو: الحمد لله الحميد بالرفع بإضمار هو. ونحو: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] ، بالنصب بإضمار أذم. أما إذا كان للتوضيح أو للتخصيص فإنه يجوز إظهارهما، فتقول مررت بزيد التاجر بالأوجه الثلاثة، ولك أن تقول: هو التاجر وأعني التاجر "وما من المنعوت والنعت عقل" أي: علم "يجوز حذفه" ويكثر ذلك في المنعوت "وفي النعت يقل" فالأول شرطه إما كون النعت صالحًا لمباشرة العامل نحو: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: 11]، أي: دروعًا سابغات، أو كون المنعوت بعض اسم مخفوض بمن أو في كقولهم: منا ظعن ومنا أقام: أي: منا فريق ظعن ومنا فريق أقام. وكقوله:

818-

لَو قُلتَ مَا فِي قَومِها لَمْ تِيثَمِ

يَفْضُلهَا في حَسَب ومَيسَمِ

ــ

قصد إنشاء المدح أو الذم أو الترحم. قوله: "ونحو وامرأته إلخ" كان عليه أن يزيد ونحو: اللهم الطف بعبدك المسكين بالرفع والنصب لاستيفاء التمثيل ، وقوله بالنصب أي: لحمالة. قوله: "أما إذا كان للتوضيح أو للتخصيص" أي: أو للتعميم أو الإبهام أو التفصيل، كما يدل عليه قول الموضح وإن كان لغير ذلك أي: لغير المدح والذم والترحم جاز ذكره أي: العامل. قوله: "فإنه يجوز إظهارهما" أي: لعدم قصد الإنشاء حينئذٍ. قوله: "فتقول مررت بزيد التاجر" مثال للنعت الموضح. قوله: "وأعني التاجر" قال البعض أي: إن كان المنعوت غير متعين وإلا قدر اذكر ا. هـ. ونقله شيخنا عن الدماميني وفيه نظر؛ لأن مقتضاه جواز القطع مع عدم تعين المنعوت، مع أن محل القطع إذا تعين المنعوت بدون النعت. وممن صرح به هذا البعض عند قول الشارح سابقًا، وهذه يجوز فيها الاتباع والقطع في أماكنه فتدبر.

قوله: "وما من المنعوت والنعت إلخ" يشمل حذفهما معًا نحو: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} أي: حياة نافعة إذ لا واسطة بين مطلق الحياة والموت. قوله: "علم" فما لم يعلم منهما لا يجوز حذفه إلا عند قصد الإبهام على السامع نحو: رأيت طويلًا أي: شيئًا طويلًا نقله شيخنا عن الدماميني. قوله: "صالحًا لمباشرة العامل" أي: بأن يكون مفردًا إن كان منعوته فاعلًا أو مفعولًا مثلًا، وجملة مشتملة على الرابط إن كان المنعوت خبرًا مثلًا نحو: أنت يضرب زيدًا بالياء التحتية أي: أنت رجل يضرب زيدًا. قوله: "أي: دروعًا" بدليل {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} . قوله: "ظعن" أي: سافر. قوله: "لو قلت إلخ" فيه حذف وتغيير وتقديم وتأخير كما أشار إليه الشارح بقوله: أصله إلخ، ومتعلق تيثم محذوف أي: في مقالتك، والحسب ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه والميسم بكسر

818- الرجز لحكيم بن معية في خزانة الأدب 5/ 62، 63؛ وله أو لحميد الأرقط في الدرر 6/ 109؛ ولأبي الأسود الحماني في شرح المفصل 3/ 59، 61؛ والمقاصد النحوية 4/ 71؛ ولأبي الأسود الجمالي في شرح التصريح 2/ 118؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 320؛ والخصائص 2/ 370؛ وشرح عمدة الحافظ ص547؛ والكتاب 2/ 345؛ وهمع الهوامع 2/ 120.

ص: 102

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أصله لو قلت أحد يفضلها لم تأثم، فحذف الموصوف وهو أحد، وكسر حرف المضارعة من تأثم وأبدل الهمزة ياء، وقدم جواب لو فاصلًا بين الخبر المقدم وهو الجار والمجرور، والمبتدأ المؤخر وهو أحد المحذوف، فإن لم يصلح ولم يكن المنعوت بعض ما قبله من مجرور بمن أو في امتنع ذلك أي: إقامة الجملة وشبهها مقامه، إلا في الضرورة كقوله:

819-

لَكُمْ قِبْصَةٌ من بينَ أَثْرَى وأَقْتَرَا

وقوله:

820-

تَرْمِي بِكَفِّي كانَ مِن أَرْمَى البَشَرْ

ــ

الميم وفتح السين المهملة الجمال وأصله موسم قلبت الواو ياء لوقوعها إثر كسرة كميزان. قوله: "وكسر حرف المضارعة" أي: على غير لغة الحجازيين تصريح.

قوله: "والمبتدأ المؤخر" قال الشيخ خالد: إنما قدر مؤخرًا؛ لأن النكرة المخبر عنها بظرف مختص يجب تقديم خبرها عليها ا. هـ. ووجه وجوب تقديم الخبر دفع توهم كونه صفة للنكرة لما قالوه من أن النكرة أحوج إلى الصفة منها إلى الخبر فاندفع اعتراض سم وأقره شيخنا والبعض، بما حاصله أن النفي يكفي مسوغًا للابتداء بالنكرة. قوله:"إلا في الضرورة" أي: وإلا في قليل من النثر كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34]، أي: بناء على أن من لا تزاد في الإيجاب ولا داخلة على معرفة قاله في التصريح، ولا يلزم حذف الفاعل في غير المواضع المستثناة؛ لأن حذفه الممنوع إذا لم يقم شيء مقامه في اللفظ ونعته هنا قائم مقامه في اللفظ، وإن لم يصلح للفاعلية بنفسه قاله سم. قوله:"لكم قبصة إلخ" الخطاب لبني أمية يمدحهم. والقبصة بكسر القاف وسكون الموحدة وبالصاد المهملة العدد الكثير من الناس والشاهد في قوله من بين أثرى أي: من أثرى أي: كثر ماله وأقتر أي: افتقر فحذف النكرة الموصوفة وأقام الصفة مقامها بدون الشرط المتقدم للضرورة. قوله: "ترمي" بالتاء الفوقية لرجوع ضميره إلى مؤنث وهي الكبداء في

819- صدره:

لكم مَسْجِدا الله المزُورانِ والحصى

والبيت من الطويل وهو للكميت بن زيد في لسان العرب 3/ 205 "سجد"، 7/ 68 "قبض" 14/ 111 "قرأ"؛ والمقاصد النحوية 4/ 84؛ وبلا نسبة إصلاح المنطق ص397؛ والإنصاف 2/ 721؛ وشرح عمدة الحافظ ص548؛ ولسان العرب 5/ 71 "قتر".

820-

الرجز بلا نسبة في الإنصاف 1/ 114، 115؛ وخزانة الأدب 5/ 65؛ والخصائص 2/ 367؛ والدرر 6/ 22؛ وشرح التصرح 2/ 119؛ وشرح شواهد المغني 1/ 461؛ وشرح عمدة الحافظ ص550؛ وشرح المفصل 3/ 62؛ ولسان العرب 13/ 370 "كون"، 421 "منن"؛ ومجالس ثعلب 2/ 513؛ والمحتسب 2/ 227؛ ومغني اللبيب 1/ 160؛ والمقاصد النحوية 4/ 66؛ والمقتضب 2/ 139؛ والمقرب 1/ 227، وهمع الهوامع 2/ 120.

ص: 103

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله:

821-

كَأَنَّكَ مِن جِمالِ بَنِي أُقَيشٍ

يُقَعْقَعُ بينَ رِجْلَيهِ بِشَنَّ

والثاني كقوله تعالى: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79]، أي: كل سفينة صالحة. وقوله:

822-

فَلَمْ أُعْطَ شَيئًا ولم أُمْنَعِ

أي: شيئًا طائلًا وقوله:

ــ

قوله قيل:

مالك عندي غير سهم وحجر

وغير كبداء شديدة الوتر

والكبداء بفتح الكاف وسكون الموحدة بعدها دال مهملة القوس الواسعة المقبض، قاله الدماميني والشمني وغيرهما، وقوله بكفي كان أي: بكفي رجل كان. قوله: "كأنك من جمال إلخ" أي: كأنك جمل من جمال. وأقيش بضم الهمزة وفتح القاف وسكون التحتية آخره شين معجمة. ويقعقع بالبناء للمفعول أي: يصوت نعت ثان للمنعوت المحذوف، وإليه يرجع الضمير في رجليه وهو المحوج لتقدير المنعوت، والشن بفتح الشين المعجمة وتشديد النون القربة اليابسة، وهو أشد لنفور الإبل، ووجه الشبه سرعة الغضب وشدة النفور، والبيت يشهد لإقامة الجملة وإقامة شبهها. قوله:"والثاني" أي: حذف النعت. قوله: "أي: كل سفينة صالحة" بدليل أنه قرئ كذلك وأن تعييبها لا يخرجها عن كونها سفينة فلا فائدة فيه حينئذٍ ا. هـ. مغني. قوله: "فلم أعط شيئًا ولم أمنع" ببناء الفعلين للمجهول وصدره:

وقد كنت في الحرب ذا تدرأ

بضم الفوقية وسكون الدال المهملة وفتح الراء آخره همزة أي: عدة وقوة قال العيني: والشاهد في شيئًا إذ أصله شيئًا طائلًا فحذف الصفة، ولولا هذا التقدير لتناقض مع قوله ولم أمنع

821- البيت من الوافر، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص126؛ وخزانة الأدب 5/ 67، 69؛ وشرح أبيات سيبويه 2/ 58؛ وشرح المفصل 3/ 59؛ والكتاب 2/ 345؛ ولسان العرب 6/ 373 "وقش"، 8/ 286، 287 "قعع"، 13/ 241 "شنن"؛ والمقاصد النحوية 4/ 67؛ وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب 1/ 284؛ وشرح المفصل 1/ 61؛ ولسان العرب 4/ 231 "خدر"، 6/ 264 "أقش"، 14/ 272 "دنا"؛ والمقتضب 2/ 138.

822-

صدره:

وقد كنت في الحرب ذا تُدْرَأ

والبيت من المتقارب، وهو للعباس بن مرداس في ديوانه ص84؛ والدرر 6/ 25؛ وشرح التصريح 2/ 119؛ وشرح شواهد المغني 2/ 925؛ وشرح عمدة الحافظ ص551؛ والشعراء والشعراء 2/ 752؛ ولسان العرب 1/ 72 "درأ"، والمقاصد النحوية 4/ 69؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 322؛ ومغني اللبيب 2/ 627؛ وهمع الهوامع 2/ 120.

ص: 104

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

823-

وَرُبَّ أَسِيلَةِ الخَدَّينِ بِكْرٍ

مُهَفْهَفَةٍ لها فَرْع وجِيد

أي: فرع فاحم وجيد طويل.

تنبيهات: الأول قد يلي النعت لا أو إما فيجب تكررهما مقرونين بالواو نحو: مررت برجل لا كريم ولا شجاع، ونحو: ائتني برجل إما كريم وإما شجاع. الثاني يجوز عطف بعض النعوت المختلفة المعاني على بعض نحو: مررت بزيد العالم والشجاع والكريم. الثالث إذا صلح النعت لمباشرة العامل جاز تقديمه مبدلًا منه المنعوت نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} [إبراهيم: 1] . الرابع إذا نعت بمفرد وظرف وجملة قدم المفرد وأخرت الجملة غالبًا نحو: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر: 28] ، وقد تقدم

ــ

وسبقه إلى ذلك صاحب المغني وناقشه الدماميني بأن عدم الإعطاء لا يناقض عدم المنع فتقدير الصفة لتحري الصدق. قال الشمني: وقد يقال هو وإن لم يناقضه عقلًا يناقضه عرفًا، والأظهر في تمثيل تقدير النعت لدفع التناقض قوله تعالى:{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزخرف: 48]، أي: السابقة ووجه التناقض المدفوع بتقدير السابقة أن أفعل التفضيل يقتضي زيادة المفضل على المفضل عليه فلا يصح الزيدان كل منهما أفضل من الآخر لاقتضائه إثبات الزيادة لكل ونفيها عنه وقوله تعالى: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزخرف: 48] ، شامل لجميع الآيات المرئية لهم فيلزم أن يكون كل منها أكبر من غيرها، فيكون أكبر وغير أكبر فافهم. قوله:"لها فرع وجيد" الفرع الشعر التام والجيد العنق. قوله: "أي: فرع فاحم" أي: أسود وجيد طويل الدليل على هذا الحذف أن البيت للمدح وهو لا يحصل بإثبات الفرع والجيد مطلقين بل بإثباتهما موصوفين بصفتين محبوبتين. قوله: "مقرونين بالواو" أي: في المرة الثانية كما هو ظاهر. قوله: "عطف بعض النعوت إلخ" أي: بجميع حروف العطف إلا أم وحتى كما صوبه الموضح في الحواشي، والأحسن في الجمل العطف وفي المفردات تركه كما قاله أبو حيان. قوله:"المختلفة المعاني" أما متفقتها فلا؛ لئلا يلزم عطف الشيء على نفسه. وقال في الهمع: وإنما يحسن العطف عند تباعد المعاني نحو: هو الأول والآخر والظاهر والباطن بخلاف ما إذا تقاربت نحو: هو الله الخالق البارىء المصور. قوله: "مبدلًا منه المنعوت" قال البعض: أي: إن كان المنعوت معرفة أما إذا كان نكرة فينصب نعته المتقدم عليه حالًا نحو:

لمية موحشًا طلل ا. هـ. وأنت خبير بأن هذا ليس على إطلاقه فإن من المنعوت النكرة ما هو كالمنعوت المعرفة في إعراب نعته بحسب العوامل وإعرابه هو بدلًا أو عطف بيان نحو: مررت بقائم رجل، وقصدت بلد كريم رجل، ثم رأيت في الدماميني ما يؤيده حيث ذكر أن نصب نعت النكرة

823- البيت من الوافر، وهو للمرقش الأكبر في شرح التصريح 2/ 119؛ وشرح اختيارات المفضل ص998؛ وشرح عمدة الحافظ ص552؛ والمقاصد النحوية 4/ 72؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 325.

ص: 105

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الجملة نحو: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: 92]، {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} [المائدة: 54] الآية ا. هـ.

خاتمة: من الأسماء ما ينعت وينعت به كاسم الإشارة نحو: مررت بزيد هذا وبهذا العالم، ونعته مصحوب أل خاصة، فإن كان جامدًا محضًا نحو: بهذا الرجل فهو عطف بيان على الأصح، ومنها ما لا ينعت ولا ينعت به كالمضمر مطلقًا خلافًا للكسائي في نعت ذي الغيبة تمسكًا بما سمع نحو: صلى الله عليه الرءوف الرحيم، وغيره يجعله بدلًا. ومنها ما ينعت ولا ينعت به كالعلم. ومنها ما ينعت به ولا ينعت كأي نحو: مررن بفارس أي فارس. ولا يقال جاءني أي فارس. والله أعلم.

ــ

المتقدم عليها حالًا غالب لا واجب على الأصح، وأن محل نصبه حالًا إذا قبل الحالية ليخرج النعت في نحو: جاءني رجل أحمر ونحوه من الصفات الثابتة إذا لم يمنع مانع من نصبه حالًا ليخرج الوصف في نحو: المثالين المتقدمين. قوله: "أنزلناه مبارك" قال ابن عصفور: الأحسن جعل مبارك خبرًا ثانيًا. قوله: " مصحوب أل خاصة" شامل للموصول ذي أل كالذي والتي وإن كانت أل فيه زائدة وإنما خصوا نعته بمصحوب أل؛ لأنه مبهم وإبهامه لا يرفع بمثله؛ لأنه أيضًا مبهم ولا بالمضاف إلى معرفة؛ لأن تعريفه مكتسب من المضاف إليه فهو كالعارية. كذا عللوا ويرد عليه الموصول غير ذي أل كمن وما فلماذا لم ينعت به اسم الإشارة.

قوله: "كالمضمر" أما أنه لا ينعت؛ فلأن ضمير المتكلم والمخاطب أعرف المعارف فلا حاجة لهما إلى التوضيح، وحمل عليهما ضمير الغائب وحمل على الوصف الموضح الوصف المادح أو الذم أو غيرهما طردًا للباب. وأورد عليه الشنواني أن اسم الله تعالى أعرف المعارف فهو غني عن الإيضاح ومع ذلك ينعت للمدح. وأجيب بأنه نعت نظرًا لأصله وهو الإله الذي هو اسم جنس أو إلحاقًا له بالأعم الأغلب، إذ الأصل في الاسم الظاهر أن ينعت وأما أنه لا ينعت به؛ فلأنه ليس في الضمير معنى الوصفية؛ لأنه لا يدل إلا على الذات لا على قيام معنى بها كذا قالوا. ويرد على تعليل عدم النعت به ما إذا كان الضمير يرجع إلى مشتق لدلالته حينئذٍ على قيام معنى بذات لما قالوه من أن الضمير كمرجعه دلالة اللهم إلا أن يقال طردوا الباب فتأمل، قال في الهمع: وكالضمير في أنه لا ينعت ولا ينعت به أسماء الشرط والاستفهام وكم الخبرية وما التعجبية والآن وقبل وبعد. قوله: "وغيره بجعله بدلًا" أي: بناء على أن البدل لا يشترط فيه الجمود. قوله: "كالعلم" إنما نعت لإزالة الاشتراك اللفظي ولم ينعت به؛ لأنه ليس بمشتق ولا في حكمه إذ هو موضوع لمجرد الذات نعم العلم المشتهر مسماه بصفة كحاتم يصح أن يؤول بوصف وينعت به.

فائدة: يجوز نعت النعت عند سيبويه ومنه: يا زيد الطويل ذو الجمة ومنعه جماعة منهم ابن جني قاله في الارتشاف.

فائدة ثانية: النعت بعد المركب الإضافي للمضاف؛ لأنه المقصود بالحكم وإنما جيء

ص: 106