المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور - حصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول

[عبد الله بن صالح الفوزان]

الفصل: ‌ ‌مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور

‌مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد: فإن رسالة "ثلاثة الأصول وأدلتها"1 للشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رسالة موجزة جامعة في موضوع توحيد الربوبية والألوهية والولاء والبراء وغير ذلك من المسائل المتعلقة بعلم التوحيد، الذي هو من أشرف العلوم وأجلها قدراً، كتبها الشيخ رحمه الله مقرونة بالدليل بأسلوب سهل ميسر لكل قارئ؛ فأقبل الناس عليها حفظاً وتدريساً؛ لأنها كتبت بقلم عالم جليل من علماء الإسلام نهج منهج السلف الصالح داعياً إلى التوحيد ونبذ البدع والخرافات وتنقية الإسلام مما علق به من أوهام. ويظهر ذلك جلياً في معظم مؤلفات الشيخ ورسائله، فجاءت هذه الرسالة خلاصة وافية لمباحث مهمة لا يستغني عنها المسلم ليبني دينه على أسس سليمة وقواعد صحيحة؛ ليجني ثمرات ذلك سعادة في الدنيا وفلاحاً في الدار الآخرة.

1 هذا العنوان هو أول ما عنونت به هذه الرسالة في طباعتها الأولى، ومنها على سبيل المثال مجيء الرسالة بهذا العنوان ص95 في مجموع طبع بدار المعارف في مصر بتصحيح ومراجعة أحمد محمد شاكر، وقال جامعها محمد النجار: إنه فرغ من جمعها في 24/3/1316هـ، ولها عناوين أخرى. فراجع:"عقيدة الشيخ محمد عبد الوهاب" للدكتور صالح العبود: ص132

ص: 5

لذا رأيت أن أكتب عليها شرحاً متوسطاً في تفسير آياتها وشرح أحاديثها وتوضيح مسائلها إسهاماً في تسهيل الاستفادة منها، والتشجيع على حفظها وفهمها بعد أن قمت بشرحها للطلبة في المسجد بحمد لله تعالى، وسميته:"حصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول".

وقد اعتمدت على نسخة الأصول التي عليها حاشية الشيخ عبد الرحمن قاسم رحمه الله؛ لأنها مطابقة لما في مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي قوبلت على عدة نسخ أهمها مخطوطة المكتبة السعودية بالرياض كما قال مصححوها، وهي في قسم العقيدة والآداب الإسلامية ص183 من مؤلفات الشيخ رحمه الله.

وختاماً أسأل الله تعالى أن يجزل الأجر والثواب لمؤلفها وكل من ساهم بتوضيح العقيدة وبيان البدع والتحذير منها، كما أسأله وهو أكرم مسئول أن يجعل عملي صالحاً ولوجهه خالصاً ولعباده نافعاً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه

عبد الله بن صالح الفوزان

مساء الجمعة 19/12/1417هـ في بريدة

ص: 6

ترجمة موجزة لمؤلف الرسالة1

هو الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي "من المشارفة أحد فروع الوهبة" من قبيلة تميم.

ولد الشيخ -عليه رحمة الله- عام 1115هـ في بلدة العيينة، وتلقى فيها علومه الأولية. فتعلم القرآن وحفظه على ظهر قلب قبل بلوغه عشر سنين، وكان حاد الفهم وقاد الذهن ذكي القلب سريع الحفظ، واجتمع له مع هذه الملكات وراثة علمية ووسط ديني صالح تربى فيه، فجده كان عالماً جليلاً، ووالده قاضي المدينة؛ فأخذ عن مشايخ بلده ثم رحل في طلب العلم إلى الحجاز واليمن والبصرة، فحاز علوماً وحفظ متوناً، قرأ كثيراً من كتب الحديث والتفسير والأصول، وعني عناية خاصة بمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، وتأثر بأفكارهما واستنار بآرائهما مما كان له أثر واضح على دعوة الشيخ ومنهجه.

عاد الشيخ من هذه الرحلات العلمية المباركة إلى حريملاء حيث كان والده قد انتقل إليها من العيينة لخلاف بينه وبين أميرها، فدرس على والده في حريملاء ودعا إلى توحيد الله تعالى وبين بطلان ما عليه عباد القبور.

ولما توفي والده عام 1153هـ أعلن دعوته إلا أنه ما لبث أن قرر أن "حريملاء" لا تصلح أن تكون منطلقاً للدعوة فانتقل منها فيما يقارب عام 1155هـ إلى "العيينة" فناصره أميرها عثمان بن معمر أول الأمر ثم خذله؛

1 هذه الترجمة مأخوذ من عدة مصادر، وقد ترجم للشيخ كثيرون، فانظر:"عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" للدكتور صالح العبود: ص65.

ص: 7

فانتقل الشيخ إلى "الدرعية" وهيأ الله له الأمير محمد بن سعود فقويت وانتشرت دعوته فأخذ ينشر التوحيد ويجاهد في إحياء السنة وإماتة البدعة، ويدرس العلوم النافعة ويؤلف الكتب على طريقة السلف الصالح وأخذ عنه كثيرون وخلف من التلاميذ الكبار من نفع الله بهم الإسلام وأهله كما نفع به.

وقد مد الله تعالى في عمر الشيخ فعاش في "الدرعية" بعد انتقاله إليها قرابة خمسين عاماً قضاها في الدعوة إلى الله وتطبيق مبادئها بهدم القباب المقامة على القبور وقطع الأشجار التي يتبرك بها الناس وإقامة الحدود والجهاد والعمل على نشر الدعوة فقرت عينه بانتصار كلمة الحق وشمولها أجزاء الجزيرة، وقد وافته المنية يوم الاثنين آخر شهر شوال سنة 1206هـ كان عمره نحو اثنين وتسعين سنة، ومات ولم يخلف ديناراً ولا درهماً، فلم يوزع بين ورثته مال ولم يقسم.

رحم الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين الجزاء الأوفى.

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

ــ

بدأ المصنف هذه الرسالة بالبسملة اقتداء بكتاب الله تعالى، وتأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يبدأ كتبه بالبسملة. فقد ورد في "صحيح البخاري" في كتاب بدء الوحي: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم

"1

أما الأحاديث القولية في مسألة البسملة، كحديث:"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر" فهي أحاديث ضعفها العلماء2.

والبدء بالبسملة يدل عليه أمران:

الأول: كتاب الله تعالى حيث بدئ بالبسملة.

والثاني: ما كان يصنعه النبي صلى الله عليه وسلم في كتاباته إلى الملوك.

وقوله: "بسم الله"، هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف يقدر متأخراً، والقاعدة في متعلق الجار والمجرور أنه يقدر متقدماً، وهذا هو الأصل لكن في البسملة يقدر متأخراً؛ ليحصل التبرك بالبدء بالبسملة، وأما نوعية المقدر

1 "صحيح البخاري": "رقم7"، "صحيح مسلم":"رقم1773"، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

2 هذا الحديث أخرجه الخطيب في "الجامع": "2/69، 70"، والسبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" المقدمة:"ص12"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو حديث ضعيف جداً؛ لأنه من رواية أحمد بن محمد بن عمران المعروف بابن الجندي، قال الخطيب في "تاريخه""5/77":"كان يضعف في روايته ويطعن عليه في مذهبه"، أي: في التشيع. وقال ابن عراق في "تنزيه الشريعة المرفوعة""1/33": "شيعي اتهمه ابن الجوزي بالوضع"اهـ.

والحديث ضعفه الحافظ ابن حجر رحمه الله على ما نقله في "الفتوحات الربانية": "3/209".

ص: 9

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإنه يقدر بما يناسب المقام، فالذي يقرأ يكون التقدير:"بسم الله أقرأ"، والذي يكتب إذا قال:"بسم الله الرحمن الرحيم"، يعني: بسم الله أكتب، وعلى هذا يقاس باقي الأفعال، فإذا قال:"بسم الله أكتب"؛ حصلت البداءة ببسم الله، ولكن لو قال:"أكتب بسم الله"؛ لصارت البداءة بغير البسملة لهذا يقدر المتعلق متأخراً. والمراد باسم الله هنا: كل اسم من أسماء الله تعالى، ولفظ الجلالة "الله" اسم من أسماء الله تعالى الخاصة به ومعناه: المألوه حبّاً وتعظيماً.

وقوله: "الرحمن" هذا اسم من أسماء الله الخاصة به، ومعناه ذو الرحمة الواسعة.

وقوله: "الرحيم" هذا اسم من أسماء الله ومعناه موصل رحمته إلى من يشاء من عباده.

قال ابن القيم رحمه الله: "الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم ، فكان الأول للوصف ، والثاني للفعل ، فالأول دال على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} 1، {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 2 ولم يجئ قط: رحمن ربهم. فعلم أن رحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته"3.

1 سورة الأحزاب، الآية:43.

2 سورة التوبة، الآية:117.

3 "بدائع الفوائد": "1/24".

ص: 10

اعلم رحمك الله

ــ

قوله: "اعلم رحمك الله"، هذا دعاء من المصنف رحمه الله لك أيها القارئ يدل على محبته لك وشفقته عليك وأنه راغب في حصول الخير لك، والشيخ رحمه الله يستعمل مثل هذه العبارة كثيراً، يقول:"اعلم رحمك الله"، "اعلم أرشدك الله لطاعته"، "أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة".

وكلمة "اعلم" يؤتى بها من باب التنبيه وحث السامع على أن يصغي لما سيقال، فهي أمر بتحصيل العلم والتهيؤ لما سيلقى إليك من العلوم.

ولهذا ينبغي للمتكلم إذا تحدث أمام الناس أن يستعمل معهم بين حين وآخر العبارات التي تشد أذهانهم معه؛ لأن السامع بطبيعته يحتاج إلى ما يحرك ذهنه ويثير انتباهه، ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرح السؤال بين حين وآخر على الصحابة:"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ "، "أتدرون ماذا قال ربكم؟ "، "أتدرون ما الغيبة؟ "، والقصد من هذا أن السامعين يستعدون لسماع ما سيقال لهم، وهذا يعتبر من باب اختيار المقدمات المناسبة للكلام.

وقوله: "رحمك الله" جملة خبرية لفظاً، إنشائية معنى؛ لأن المراد بها الدعاء للمتعلم بالرحمة، أي: غفر الله لك ما مضى من ذنوبك ووفقك وعصمك فيما يستقبل، هذا إذا أفردت الرحمة، وإذا قرنت بالمغفرة: فالمغفرة لما مضى، والرحمة لما يستقبل بالتوفيق للخير والسلامة من الذنوب.

ص: 11