الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعريف الهجرة
…
وَبَعْدَهَا أُمِرَ بالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَالْهِجْرَةُ: الانْتِقَالُ من بلد الشرك إلى بلد الإسلام،
ــ
قوله: "وبعدها"، أي: بعد ثلاث عشرة من بعثته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى بعد العشر ثلاث سنين بمكة.
قوله: "أمر بالهجرة إلى المدينة"، أي: بمفارقة المشركين وأوطانهم ليتمكن صلى الله عليه وسلم من إظهاره دينه.
والدليل على أن الهجرة بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بعث رسول لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحي إليه، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين"1.
قوله: "وَالْهِجْرَةُ: الانْتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بَلَدِ الإسلام" الهجرة في اللغة معناها: الترك والخروج من بلد أو أرض إلى أخرى. وشرعاً: كما عرفها المصنف رحمه الله بأنها الانْتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلَى بَلَدِ الإِسْلامِ.
ومناسبة ذكر الهجرة مع الأصول الثلاثة لبيان أن الهجرة من أبرز تكاليف الولاء والبراء. وبلد الشرك: هو الذي تقام فيه شعائر الكفر، ولا تقام في شعائر الإسلام على وجه عام، وبلد الإسلام: هو البلد التي تظهر فيه شعائر الإسلام والأحكام على وجه عام. وأهم الشعائر: هي الصلاة، فإذا كانت الصلاة مظهراً من مظاهر البلد فهو بلد إسلامي. أما إذا كانت الصلاة يقيمها أفراد أو جماعات وهي ليست من مظاهر البلد فلا يحكم على البلد
1 أخرجه البخاري: "7/227-فتح".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بأنه بلد إسلامي، مثل البلاد التي فيها أقليات مسلمة يقيمون الصلاة ولكن على نطاق ضيق في حدود مجتمعهم الذي يعيشون فيه أو في حدود بيئتهم، ولكن البلد الذي يقيمون فيه أو هم من أهله لا تقام فيه الصلاة بوجه عام بحيث لا توجد عندهم المآذن ولا يسمع الأذان في جميع الأنحاء فمثل هذا لا يعتبر بلداً إسلامياً؛ لأنه لابد أن تكون الإقامة على وجه عام، فمثلاً: فرنسا فيها أقليات مسلمة وفيها إقامة للصلاة من قبل هؤلاء ولكن لا تعتبر مظهراً من مظاهر البلد بحيث تنتشر المآذن ويسمع الأذان هنا وهناك ويهرع الناس إلى المساجد فهذا هو معنى قولنا: إن بلد الإسلام هو الذي تنتشر فيه الشعائر والأحكام بوجه عام. أما لو كان عن طريق أفراد أو أناس قليلين فهذا لا يطلق عليه أنه بلد إسلامي بهذا الاعتبار1.
قوله: "وَالْهِجْرَةُ فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشرك إلى بلد الإسلام" بين المصنف رحمه الله بهذا الوجوب الهجرة وأنها فريضة وهذا دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة وأجمع المسلمون على ذلك؛ لما فيها من حفظ الدين ومفارقة المشركين، فإن المؤمن الذي يعبد ربه ويخلص في عبادته ويبغض الشرك وأهله ويعاديهم لن يتركه أهل الكفر على دينه مع القدرة عليه قال تعالى:{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} 2.
1 انظر: "شرح الأصول الثلاثة" لابن عثيمين: "ض130"، "والفتاوى السعدية":"ص92".
2 سورة البقرة، الآية:2117.
وهي باقية إلى أن تقوم الساعة.
ــ
قوله: "وهي باقية إلى أن تقوم الساعة"، أي: أن الهجرة وهي الانتقال من بلد الكفر والشرك إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة باتفاق أهل العلم، وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يفتتن عليه، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبد ربه حيث شاء، ولكن جهاد ونية1.
قال الحافظ ابن حجر: أشارت عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة، وأن سببها خوف الفتنة. والحكم يدور مع علته، فمقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلا وجبت2.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أحوال البلاد كأحوال العباد، فيكون الرجل تارة مسلماً، وتارة كافراً، وتارة مؤمناً، وتارة منافقاً، وتارة براً تقياً، وتارة فاسقاً، وتارة فاجراً شقياً، وهكذا المساكن بحسب سكانها فهجرة الإنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى مكان الإيمان والطاعة كتوبته من الكفر والمعصية إلى الإيمان والطاعة. وهذا أمر باق إلى يوم القيامة"3. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "لا هجرة بعد الفتح" 4، فالمقصود به لا هجرة من مكة بعد فتحها؛ لأنها صارت دار إسلام. وكل بلد يفتح ويكون بلد إسلام فإن الهجرة لا تجب منه.
1 "صحيح البخاري": "7/226-فتح".
2 "فتح الباري": "7/229".
3 "مجموع الفتاوى": "18/284".
4 أخرجه البخاري: "6/189"، ومسلم:"رقم1864".
ــ
قوله: " وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً إِلَاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوّاً غَفُوراً} 1" هذه الآيات دليل على وجوب الهجرة. والمستفاد من كلام أهل العلم كابن قدامة رحمه الله وغيره أن الهجرة من بلد الكفر ثلاثة أضرب والناس ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: تجب عليه الهجرة، وهو القادر عليها مع عدم إمكان إظهار دينه، وهذا يدل عليه قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً} ووجه الدلالة أن الله جل وعلا وصفهم بأنهم ظالمون لأنفسهم. فمن بقي في بلد الشرك وهو قادر على الهجرة ولا يقدر على إظهار دينه فهو ظالم لنفسه، مرتكب حراماً بالإجماع.
1 سورة النساء، الآيات: 96-99.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصنف الثاني: من لا هجرة عليه وهو العاجز عن الهجرة إما لمرض أو إكراه على الإقامة فلم يستطع الخروج أو ضعف من النساء والولدان وشبههم فهؤلاء لا هجرة عليهم؛ لأن جل وعلا قال: {إِلَاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} عليه أن يعتزل الكفار ما استطاع ويظهر دينه ويصبر على أذاهم.
الصنف الثالث: من تستحب له الهجرة ولا تجب عليه كما تجب على الصنف الأول، وهذا في حق من يقدر على الهجرة لكنه متمكن من إظهار دينه، فهذا تستحب له الهجرة لأجل أن يتمكن من جهاد الكفار وتكثير المسلمين والتخلص من الكفار ومخالطتهم فهذه ثلاثة أصناف هي أصناف الناس بالنسبة للهجرة1. أما الآية التي ساقها المصنف فمعناها بإيجاز {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ} المراد بالملائكة إما ملك الموت وأعوانه، وإما ملك الموت وحده؛ لأن العرب تخاطب الواحد على بلفظ الجمع. وقوله تعالى: {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} هذا دليل على وجوب الهجرة كما تقدم. والمعنى: أنهم ظالمون لأنفسهم بتركهم الهجرة. {قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ} هذا استفهام توبيخ وتقريع لهم، والمعنى: في أي فريق كنتم؟ {قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} يعني: عاجزين لا نستطيع الخروج {قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا} يعني بإمكانكم أن تخرجوا إلى أرض الله الواسعة، والمراد بها في ذلك الزمن: المدينة {فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ
1 انظر: "المغني": "13/151"، و"فتح الباري":"6/190".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَصِيراً} هذا وعيد يدل على أن القادر على الهجرة الذي لا يتمكن من إظهار دينه ولم يهاجر أنه قدر ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأنه لا يتوعد بمثل هذا الوعيد إلا على ترك أمر واجب وهو الهجرة، فتركها كبيرة من كبائر الذنوب، قال تعالى:{إِلَاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ} هؤلاء هم الذين لا يستطيعون الخروج {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} يعني: لا يقدرون على حيلة، لا على خروج، ولا على نفقة، ولا على من يهيئ أمرهم {وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} يعني: لا يعرفون الطريق، ولا يستطيعون أن يسيروا وحدهم، قال تعالى:{فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوّاً غَفُوراً} ، أي: عسى الله أن يتجاوز عنهم وهم المعذورون بتركهم الهجرة. والآية دليل على وجوب الهجرة وعلى آكديتها. يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية: "نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع وبنص هذه الآية
…
"1.
فلا بد من شرطين: القدرة على الهجرة، وعدم التمكن من إظهار الدين. فمن لم يفعل فهو ظالم لنفسه. يقول الشوكاني رحمه الله:"استدل بهذه الآية على أن الهجرة واجبة على من كان بدار الشرك أو بدار يعمل فيها بمعاصي الله جهاراً ولم يكن من المستضعفين"2ا. هـ.
1 "تفسير ابن كثير": "2/343".
2 "فترح القدير": "1/505".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإذا كان الإنسان مأموراً بالهجرة من بلاد الكفر دل على أن الأصل تحريم السفر إلى بلاد الكفر استناداً إلى هذه النصوص لكن لو وجد حاجة تدعو إلى السفر إلى بلاد الكفر أو الإقامة فيها كطلب علم لا يوجد في بلده أو علاج أو للدعوة فإن هذا يجوز نظراً للمصلحة المترتبة على هذه الإقامة؛ لأن الأصل هو عدم السفر ويفهم من كلام العلماء أنه لا يجوز السفر لبلاد الكفر إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون عنده علم يمنعه مما يرد عليه من الشبهات التي قد تعرض له في تلك البلاد. فإن لم يكن عنده علم فهو على خطر عظيم، فقد ينحرف في عقيدته وينخدع بما هم عليه. فلابد أن يكون المسافر على علم يمنعه مما يرد عليه من الشبهات والإشكالات.
الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه مما يرد عليه من الشهوات؛ لأن تلك البلاد بلاد مغرية، بلاد الشهوات واللذات التي تقف على قدم وساق دون تفريق بين ما أحل الله وما حرم الله. والذي لا دين عنده يمنعه من الوقوع في هذه المحرمات يكون عرضة للانحراف ومجاراة القوم فيما هم عليه من الذنوب والمعاصي غائباً عن باله عاقبة الأمر.
ومن وسائل السلامة –بإذن الله تعالى- أن يكون المسافر متزوجاً وأن تكون زوجته معه ليعف نفسه ويتحصن من الحرام، إذا كان يريد الإقامة للدعوة أو للدراسة مثلاً.
الشرط الثالث: أن يتمكن من إظهار دينه والقيام بعبادة ربه كما أمر الله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جل وعلا ووعليه أن يحذر كل الحذر من موالاة المشركين؛ لأن موالاتهم –كما مر معنا- تنافي الإيمان1.
أما السفر لبلاد الكفر لمجرد السياحة فالقول بالمنع أظهر؛ لأن الله تعالى أوجب على الإنسان العمل بالتوحيد، وفرض عليه عداوة المشركين فما كان ذريعة وسبباً إلى إسقاط ذلك فإنه لا يجوز2. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أنا بريء ممن يقيم بين أظهر المشركين لا تراءى نارهما"3.
ومعنى: "لا تراءى نارهما"، أي: لا ترى نار المسلم نار المشرك، ولا نار المشرك نار المسلم، وهذا كناية عن القرب. والعرب تستعمل مثل هذا الأسلوب تقول: داري تنظر إلى داره، وداره تنظر إلى داري، إذا أرادوا شدة القرب.
فمن سافر لمجرد السياحة فهو على خطر عظيم، من وجوه:
أولاً: أنه خالف النصوص الدالة على وجوب الهجرة وتحريم
1 انظر: "شرح الأصول الثلاثة" لابن عثيمين: "ص123".
2 انظر: "الجامع الفريد""ص383"، و"مجموعة رسائل حمد بن عتيق":"ص49" حيث قسم المقيمين في دار الحرب إلى ثلاثة أقسام.
3 أخرجه أبو داود: "7/303- عون"، والترمذي:"4/132" من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه لكنه أعل بالإرسال. قال الترمذي وأبو داود: وقد رواه جماعة ولم يذكروا جريراً. وأخرجه النسائي: "8/36" عن قيس بن أبي حازم مرسلاً ولم يذكر جريراً. قال الترمذي "وسمعت محمداً –يعني: البخاري- يقول: الصحيح حديث قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل". والحديث صححه الألباني في "الإرواء": "5/30"، وذكر طرقه وشواهده.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السفر، ومنها حديث سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله"1.
ثانياً: فقد الغيرة عنده –وهذا شيء ملاحظ- فإن الإنسان –وإن كان عنده غيرة- إذ أقام في بلد تكثر فيه المعاصي؛ فإن غيرته تضعف أو تموت بالكلية، ويصبح مجارياً لهم فيما هم عليه. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن مشاركة الكفار في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين. هذا إذا لم يكن الهدي الظاهر إلا مباحاً محضاً لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له2.
1 أخرجه أبو داود: "7/477-عون" وإسناده ضعيف؛ لأنه من طريق سليمان بن موسى قال: أخبرنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب: حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة. وسليمان بن سمرة قال الحافظ: مقبول. وابنه خبيب: مجهول، وجعفر بن سعد: ليس بالقوي، وسليمان بن موسى: فيه لين. لكن له طريق أخرى يتقوى بها أخرجه الحاكم: "2/141-142"، وقد حسنه الألباني في "الصحيحة":"5/253". ويشهد له ما تقدم وكذا ما أخرجه النسائي: "5/82"، وابن ماجه:"رقم2536" من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
…
كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين". قال الألباني:"وهذا إسناد حسن صححه الحاكم: "4/600"، ووافقه الذهبي""الصحيحة": رقم369".
2 "اقتضاء الصراط المستقيم": 1"/82".
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} .
قال البغوي رحمه الله: "سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين في مكة لم يُهَاجِرُوا، نَادَاهُمُ اللهُ بِاسْمِ الإِيمَانِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "لا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مغربها".
ــ
ثالثاً: أن هذه الأسفار لا تسلم غالباً من الإسراف في النفقات المالية، وهذا فيه إنعاش لاقتصادهم وتقوية لهم.
رابعاً: شعور الإنسان الذي يقيم بأنه كفرد منهم له ما لهم وعليه ما عليهم. أضف إلى هذا أن أهله من النساء والأطفال –إن كانوا معه- يتأثرون بأخلاق أهل تلك البلاد؛ لأن المرأة والطفل والشاب أسرع تأثراً وأكثر إعجاباً بما عليه الآخرون.
قوله: "وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} 1. قال البغوي رحمه الله: "سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين في مكة لم يهاجروا، ناداهم الله باسم الإيمان" هذا دليل على أن الذي يترك الهجرة ليس كافراً؛ لأن الله تعالى قال:{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} ، ولو كانوا كفاراً ما ناداهم باسم الإيمان. وقد تقدم في كلام العلماء كابن كثير والشوكاني أن تارك الهجرة يعتبر عاصياً ظالماً لنفسه. وكلام البغوي هذا لخصه الشيخ رحمه الله مما حكاه البغوي رحمه الله عن جماعة من السلف2.
1 سورة العنكبوت، الآية:56.
2 "تفسير البغوي": "3/372".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والبغوي: هو الإمام الحافظ الفقيه أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي، قال ابن كثير:"برع في العلوم وكان علامة زمانه فيها وكان ديناً ورعاً زاهداً عابداً صالحاً" ا. هـ له مؤلفات منها تفسيره "معالم التنزيل"، و"شرح السنة"، وغيرهما، مات رحمه الله سنة 516هـ1.
وقوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} ، أي: بي وبرسولي ولقائي وأضافهم إليه خطابه لهم تشريفاً وتكريماً {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} فإن كنتم في ضيق من إظهار الإيمان، فاخرجوا فإن أرضي واسعة {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} لا تعبدوا معي غيري كما يريد منكم المشركون.
ففي الآية أمر من الله لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه إلى إقامة الدين، وأنه لا عذر لأحد في ترك عبادة الله وتوحيده فيها؛ لأنه إن منع منها في بلد وجب عليه أن يهاجر إلى بلد آخر2.
قوله: "وَالدَّلِيلُ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "لا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشمس من مغربها".
معنى انقطاع التوبة: عدم قبولها، وألا فقد توجد التوبة ولكنها لا تقبل إذا طلعت الشمس من مغربها؛ لأن هذا أوان قيام الساعة. قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ
…
} 3
1 "سير أعلام النبلاء": "19/439"، و"البداية والنهاية":"12/193".
2 "تفسير ابن كثير": "6/299"، و"أيسر التفاسير":"3/462".
3 سورة الأنعام، الآية:158.