الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرض بقية شرائع الإسلام
…
فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام
ــ
والحديث الذي ذكره المصنف مروي عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه1.
وعن عبد الله بن السعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل. فقال معاوية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص رض الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الهجرة خصلتان، إحداهما: أن تهجر السيئات، والأخرى: أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها أو من المغرب، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناسَ العملُ" 2.
قول المصنف رحمه الله: "فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام" ذكر المصنف رحمه الله ما تم من الشرائع بعد استقرار النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وقد ذكر فيما تقدم الهجرة إلى المدينة. وإنما بدأ بأحكام الهجرة وأدلتها؛ لأنها من أبرز تكاليف الولاء والبراء، والأمر بالشرائع جاء بعد بناء العقيدة؛ لأن التوحيد أساس الأعمال؛ ولهذا استمرت الدعوة في مكة في
1 أخرجه أبو داود: "7/156-عون"، والنسائي في "الكبرى":"5/217"، و"البيهقي":"9/17"، وأحمد:"4/99"، وغيرهم من طريق أبي الهند البجلي عن معاوية. قال في "الإرواء" "5/33": "ورجال ثقات غير أبي هند فهو مجهول لكنه لم يتفرد به
…
".
2 أخرجه أحمد: "3/133" تحقيق شاكر. وقال: إسناده صحيح. وقال ابن كثير في "النهاية": "1م170"، وهذا إسناد قوي. وانظر:"الإرواء": "5/33، 34".
مِثلِ الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالأَذَانِ، وَالْجِهَادِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَغَيْرِ ذلك من شرائع الإسلام.
ــ
موضوع بناء العقيدة، ولم تأت الشرائع والتكاليف إلا بعد الهجرة إلى المدينة إلا الصلاة فإنها لعظمها شرعت في مكة كما ذكر المصنف فصلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر ثلاث سنين.
قوله: "أُمِرَ بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلامِ مِثلِ: الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، [وَالأَذَانِ] 1، وَالْجِهَادِ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام" ظاهر كلام المصنف رحمه الله أن الزكاة لم تفرض إلا في المدينة؛ لأنه ذكر الزكاة مع الصوم والحج والجهاد والأذان، وهي لم تشرع إلا في المدينة.
وقد ورد آيات مكية ذكرت فيها الزكاة، وفي بعضها الأمر بالزكاة، كما في قوله تعالى في سورة الأنعام، وهي مكية:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 2، وفي سورة المعارج:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} 3، وفي سورة المؤمنون:{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} 4، فهذه الآيات وغيرها من الآيات المكية ورد فيها ذكر الزكاة ثم جاءت آيات مدنية ذكرت فيها الزكاة.
1 سقط لفظ "الأذان" من بعض نسخ ثلاثة الأصول واستدركته من "مؤلفات الشيخ رحمه الله" القسم الأول: العقيدة والآداب الإسلامية: "ص194".
2 سورة الأنعام، الآية:141.
3 سورة المعارج، الآيتان: 24، 25.
4 سورة المؤمنون، الآية:4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية سورة "المؤمنون" وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} : "الأكثرون على أن المراد بالزكاة هنا زكاة الأموال"1ا. هـ. وقال بعض أهل العلم: إن الزكاة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} المراد بها: تزكية النفوس وتطهيرها من الرذائل وعلى رأسها الشرك.
ولا منافاة بين الآيات المكية والمدنية في موضوع الزكاة، فإنها فرضت في مكة وبينت أنصبتها في المدينة. فالزكاة التي كانت في مكة لم تكن مقدرة بأنصبة معينة إنما كان مرجعها إلى ذاتية الشخص. فقد يجود بالكثير وقد يجود بالقليل، وهذا –والله أعلم؛ لأن الإسلام لم يقم له في مكة دولة، فلم يكن هناك معنى لأن تفرض مقادير معينة للزكاة لكن في الرسول صلى الله عليه وسلم. ولهذا فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو في مكة لم يتحدث عن أنصبة الزكاة ولا بين مقاديرها. وعلى هذا فكلام المصنف صلى الله عليه وسلم هنا في قوله:"الزكاة""يريد" ذات الأنصبة والمقادير. والله أعلم.
قوله: "والصوم، والحج" فرض الصوم في السنة الثانية من الهجرة. 2
والحج فرض على أرجح الأقوال في السنة التاسعة من الهجرة3.
1 تفسير ابن كثير "5/457".
2 انظر: "البداية والنهاية": "3/254"، و"المجموع شرح المهذب":"6/250".
3 انظر: "زاد المعاد": "2/101".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: "والجهاد" هو مصدر جاهد يجاهد جهاداً؛ إذا بالغ في قتل العدو وغيره. ومادة "جهد" حيث وجدت فيها معنى المبالغة. قال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} 1، والمراد هنا: قتال الكفار خاصة.
والجهاد فرض بعد الهجرة كما ذكر المصنف. وقبلها لم يأذن الله للمسلمين بالجهاد في مكة ولا فرضه عليهم؛ لأنهم عاجزون ضعفاء ليس لهم شوكة يتمكنون بها من القتال. فلما هاجروا إلى المدينة وقامت الدولة الإسلامية أمروا بالجهاد قال تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} 2.
قوله: "والأذان" أي: أن الأذان شرع في المدينة في السنة الأولى من الهجرة على القول الراجح، وقد وردت أدلة تدل على أن الآذان شرع في مكة قبل الهجرة. لكنها أحاديث معلولة كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله.
وقد جزم ابن المنذر رحمه الله بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مكة بغير أذان منذ فرضت الصلاة إلى أن هاجر إلى المدينة3.
قوله: "والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، المعروف: اسم جامع لكل ما عرف أنه من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى خلقه. والمنكر: ضد ذلك. قال الراغب: "المعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع
1 سورة الحج، الآية:78.
2 سورة البقرة، الآيتان: 190، 191.
3 انظر: "زاد المعاد": "3/69"، "فتح الباري":"2/78، 79".