الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سابعًا:
عند إسداء خدمة للآخرين:
من الأبواب التي تجد النفس عند فتحها فرصة عظيمة للاستطالة على غيرها، والشعور بالعلو والتميز عنهم: النجاح في تقديم خدمات للآخرين، فعندما يحدث ذلك، تبدأ النفس في الإلحاح على صاحبها بالمن على هؤلاء، وتذكيرهم بما فعله معهم من بذل وتضحية، مع العمل الدائم على استنطاقهم ومعرفة رأيهم فيما تم معهم، بل وجرهم للثناء عليه وشكره.
يحتاج هذا الباب إلى مجاهدة عظيمة من المرء لغلقه إذا ما فتح أمامه، ومن أهم الوسائل لذلك:
1 -
تذكير النفس بخطورة المن بالعطايا على الآخرين - سواء كانت مادية أو معنوية - وأنها تحبط العمل.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264].
قال الضحاك في هذه الآية: من أنفق نفقة ثم مَنّ بها، أو آذى الذي أعطاه النفقة حبط أجره، فضرب مثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فلم يدع من التراب شيئًا، فكذلك يمحق الله أجر الذي يعطي صدقته ثم يمن بها كما يمحق المطر ذلك التراب (1).
والمَن لا يحبط العمل فقط، ولكنه كذلك يستوجب غضب الله عز وجل على
(1) الدر المنثور للسيوطي: 1/ 600.
فاعله: قال صلى الله عليه وسلم: " ثلاثه لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بما أعطى
…
" (1).
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لا يدخل الجنة منان. فشق ذلك عليّ حتى وجدت في كتاب الله في المنان {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (2).
2 -
الاجتهاد في عدم مقابلة من أسديت إليه الخدمة أو الاتصال به فترة من الزمن تنسي فيها النفس ما حدث وتنشغل بأمور أخرى.
3 -
علينا أن نقلل من حجم العمل الذي قمنا به مع الآخرين، ونشعرهم أننا لم نتكلف الشيء الكبير بفعلنا هذا إذا ما حاولوا شكرنا عليه.
4 -
ومن وسائل غلق هذا الباب: العمل على خدمة الآخرين دون أن يشعروا بك، أو يعرفوا هويتك.
كان علي بن الحسين يبخل، فلما مات، وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة .. وكان الناس في المدينة يعيشون لا يدرون من أين يأتي معاشهم، فلما مات على بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به الليل (3).
(1) أخرجه الحاكم (16/ 334 برقم 7340) وصححه عن ابن عمر، والبيهقي (8/ 288 برقم 17805) قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3071).
(2)
الدر المنثور: 1/ 600.
(3)
صفة الصفوة لابن الجوزي:2/ 62.