الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتأمل لما حدث مع يوسف عليه السلام بعد تأويله لرؤيا الملك، يجد أن ملك مصر قد أعجب به وبما عنده من إمكانات .. هذا الإعجاب دفعه لاختياره لأن يكون بجواره {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: 54].
إذن فيوسف عليه السلام قد سلطت عليه الأضواء، وأصبح من الخواص عند الملك، ومن ثم دخل دائرة التكليف .. هنا اختار لنفسه المجال الذي يظن أنه قد يحسن فيه بتوفيق من الله، ولم لا وهو العبد المعترف دومًا بفضل الله عليه فيما حباه من إمكانات.
ألم يقل لصاحبي السجن عندما طلبا منه تفسير أحلامها {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف: 37]. فإذا كان المرء في نفس الحالة التي كان فيها يوسف عليه السلام ولا مناص له من التكليف، فلا بأس أن يختار لنفسه المجال الذي يرى أن إمكاناته التي حباه الله إياها تؤهله للقيام به، مع يقينه بتوقف ذلك كله على عون الله ومدده المستمر له
…
ضوابط تقديم النفس:
ومع ذلك، فهناك ضوابط ينبغي مراعاتها إذا ما اضطر شخص إلى تقديم نفسه وقد ذكرها د. عادل الشويخ رحمه الله في كتابه تقويم الذات، ونجملها في هذه النقاط:
1 -
الأصل هو عدم طلب المسئولية أو الإمارة أو عمل بعينه، والاستثناء هو طلبها لمصلحة راجحة لا ظنية، مثل الذي يتقن لغة من اللغات، ولا يعرف بذلك أحدًا ممن حوله، فله أن يعرفهم بذلك، ويقدم نفسه لهم إذا ما وجدهم يبحثون عمن يترجم لهم مقالة بهذه اللغة إلى لغتهم.
2 -
أن يكون الناس من حوله يجهلون عنه الشيء الذي يحسنه، أما إذا ما كانوا يعرفونه فليس له أن يقدم نفسه بأي حال من الأحوال، مع الأخذ في الاعتبار أن الشيطان يدخل للواحد منا من باب أن مصلحة الدين، ومصلحة الدعوة أن يكون في المقدمة، فهو صاحب جهد مميز، وتجربة عظيمة، وما يريد أن يقوم به من عمل لا يستطيع أن يقوم به غيره، فخوفه على الدعوة يستدعي منه تقديم نفسه، وتشبثه بمكانه في المقدمة.
هذه التصورات - لو كانت صحيحة - فليس من شأن صاحبها أن يدعيها أو يصرح بها، ولكنها من شأن من حوله، فهم يعرفونه جيدًا، ويحرصون على مصلحة الدين كما يحرص .. ومما يدعو للأسف أن غالب مثل هذه الادعاءات تدل على رؤية صاحبها لنفسه بعين التعظيم، وأن منطلقه الأساسي هو مصلحة نفسه قبل مصلحة الدعوة، ولو كان صادقًا في ادعاءاته، ما زكى نفسه، ولسعد باختيار غيره - إذا ما حدث - وعمل معه وهو في الظل بنفس الهمة والجهد والنشاط كما لو كان مكانه.
3 -
عندما تترجح المصلحة الدينية الحقيقية، ويضطر المرء إلى تقديم نفسه للآخرين للقيام بعمل ما، فعليه أن يقرن ذلك بأن ما يدعيه عن نفسه فهو بتوفيق الله وفضله وكرمه، ولولاه سبحانه ما كان كذلك
4 -
ومن الضوابط كذلك: عدم المبالغة في مدح النفس، بل بقدر، وبكلمات قليلة تؤدي الغرض، وليعلم كل من يضطر لذلك أن كل كلمة يقولها عن نفسه تعد بمثابة سهم يوهن قلبه، ويفتح الباب لفتنة عظيمة أمامه، فليقلل قدر الإمكان من هذه السهام، وليسارع بعد ذلك بمناجاة الله أن يحفظه من شرها ويطلب منه العفو والمغفرة، وليردد {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].