الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك عدم ترشيد مواهبهم وعدم ربطها بالمنعم سبحانه وتعالى، فيولِّد كل هذا اعتقادًا عند الأبناء بأنهم أفضل من غيرهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض. ويلحق بهذا السبب أيضًا: تمثل الداء في أحد الأبوين أو كليهما، فيسرق الابن الطبع منهما كما قال الشاعر:
مشى الطاووس يومًا باختيال
…
فقلد شكل مشيته بنوه
فقال: علام تختالون؟ قالوا:
…
بدأت به ونحن مقلدوه
أما تدري أبانا كل فرخ
…
يحاكي في الخطى من أدبوه
فقوِّم خطوك المعوج واعدل
…
فإنَّا إن عدلت معدلوه
وينشأ ناشيء الفتيان منا
…
على ما كان عوده أبوه
تاسعًا: وجود نقاط ضعف في شخصية الفرد أو في البيئة المحيطة به:
فيتولد عن ذلك محاولته الدائمة لإثبات ذاته، وتعويض نقصه بشتى الطرق.
قال المأمون: ما تكبَّر أحد إلا لنقص وجده في نفسه، ولا تطاول إلا لوهن أحس من نفسه.
وقال ابن المعتز: لما عرف أهل النقص حالهم عند ذوي الكمال، استعانوا بالكبر، ليعظم صغيرًا، ويرفع حقيرًا .. وليس بفاعل (1).
عاشرًا: الاشتهار بين الناس:
الاشتهار بين الناس فتنة عظيمة. قال صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء فتنة أن يُشار إليه بالأصابع "(2).
(1) أدب الدنيا والدين ص 232.
(2)
رواه الطبراني، والبيهقي وأورد نحوه الترمذي، وأورده الألباني في السلسلة الضعيفة ح (2230).
وقال بعض السلف: المتكلم ينتظر الفتنة، والمنصف ينتظر الرحمة (1).
ولِم لا تكون فتنة، وهو يتكلم والناس ينصتون، يدعو والناس يؤمِّنون، يترك نفسه عرضة لمدح المادحين، وملق المتملقين.
تقترب منه الأضواء، فلا يستطيع دفعها .. يكبر ظله، فيصدق نفسه أنه كبير. فتتواجد من هذا كله التربة الخصبة لنمو العُجب وتضخم الذات، وبناء الصنم داخل ذلك الشخص.
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إن قومي قدموني فصليت بهم، ثم أمروني أن أقص عليهم، فتردد إلى عمر ثلاث مرات وأربع، فقال له عمر: لا تقص فإني أخاف عليك أن ترفع نفسك فيضعك الله قبضة (2).
وفي رواية قال عمر: أخاف أن تنتفخ فتبلغ الثريا.
فهذه أكثر الأسباب التي تيسر دخول داء العُجب إلى النفس وتمكنه منها، وإن كان من النادر أن تكون كلها مجتمعه في شخص ما، إلا أن كل سبب منها كفيل بأن يكون مادة جيدة لتسلل العُجب إلى داخل الإنسان. وكلما كثرت الأسباب كان تأثير هذا الداء على النفس أشد.
(1) الزهد لابن المبارك ص 18.
(2)
الزهد للإمام أحمد ص 122.