الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه. قال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56].
فالعمل والاجتهاد في فعل الخيرات ما هو إلا وسيلة لنيل الرحمة والمغفرة والتعرض للعفو والتجاوز.
لذلك نجد القرآن يطالبنا بالاجتهاد في العمل للتعرض للرحمة والمغفرة الإلهية، والتي إذا ما تمت للعبد فسيتبعها - بمشيئة الله - دخول الجنة، فضلًا ورحمة منه سبحانه.
قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
ويقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218].
لذلك كان حال المؤمنين أنهم {يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60].
أي يفعلون ويفعلون من الطاعات والقربات ويخافون ألا يتقبلها الله منهم، لاستشعارهم أنها لا تليق بعظمته سبحانه، ولا بحقه عليهم، وهذا الشعور من شأنه أن يدفعهم للاستغفار بعد الطاعة، لا الإعجاب بها أو استعظامها.
قال الحسن البصري: لقد أدركت أقوامًا إذا عملوا الحسنة دأبوا على شكرها وسألوا الله أن يقبلها، وإذا عملوا سيئة أحزنتهم وسألوا الله أن يغفرها، فما زالوا على ذلك، فوالله ما سلموا من الذنوب، وما نجوا إلا بالمغفرة.
من فوائد النظر في حق الله:
إذن فكثرة التفكر والنظر في حق الله ودينه علينا لها كثير من الفوائد التي من شأنها أن تعيننا على استصغار أنفسنا وأعمالنا.
فمن هذه الفوائد:
1 -
عدم رؤية العمل الصالح أو الاعتماد عليه بل استصغاره، والنظر إليه بعين النقص مهما كان اجتهاد العبد، فالذي يجتهد ويجتهد ثم يسدد بضعة دراهم من دينه البالغ المليون دينار، لن يشعر بأنه قدم شيئًا يذكر، فتراه دومًا مستصغرًا ما يقدمه لدائنه طامعًا في عفوه.
2 -
عدم احتقار الآخرين أو الشعور بالأفضلية عليهم: فالكل مدين لله عز وجل، ولا يسع الجميع سوى عفوه، وإلا فالنار مصير من لم يدركه ذلك العفو.
فالذي يقدم خمسة دراهم لصاحب الدين الكبير لن يشعر بأنه أفضل ممن قدم درهمًا أو نصف درهم فالكل مقصر، والكل يستحق العقوبة، ولا أمل إلا في المسامحة والعفو.
3 -
الخوف الدائم من عدم قبول العمل: فمن الطبيعى ألا يقبل صاحب الدين الكبير، سداد جزء يسير منه، فإن قبله فهذا محض فضل وإحسان منه.
4 -
الحذر الشديد من السكون إلى النفس أو الإعجاب بها: حتى لا يتعرض العبد لمقت الله معاملته بالعدل لا بالإحسان، كما قال تعالى:{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8].
يقول ابن القيم: فمن أنفع ما للقلب: النظر في حق الله على العبد، فإن ذلك يورثه مقت نفسه، والإزراء عليها، ويخلصه من العُجب ورؤية العمل، ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدى ربه واليأس من نفسه، وأن النجاة لا تحصل إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته (1).
5 -
سؤال الجنة استجداء لا استحقاقًا: فمن تفضل الله عليه، وقبل عمله، وتجاوز عن حقه وعفا عنه، أدخله الجنة ورفعه في درجاتها بهذا العمل القليل الى أداه .. رحمة منه - سبحانه - وفضلًا.
(1) إغاثة اللهفان لابن القيم 1/ 143 - المكتب الإسلامي - بيروت.