المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الرابعة: الإقالة بلفظ المعطاة - حقيقة الإقالة دراسة نظرية تطبيقية

[عبد الله بن عبد الواحد الخميس]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأول: الدراسة النظرية

- ‌المبحث الأول: تحديد المراد بالإقالة

- ‌المطلب الأول: تعريف الإقالة

- ‌المطلب الثاني: الألفاظ ذات الصلة بها

- ‌المبحث الثاني: حكم الإقالة

- ‌المطلب الأول: الحكم التكليفي للإقالة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على مشروعيتها

- ‌المطلب الثالث: الحكمة من مشروعيتها

- ‌المبحث الثالث: صيغة الإقالة

- ‌المطلب الأول: الإقالة بلفظها

- ‌المطلب الثاني: الإقالة بغير لفظها

- ‌المسألة الأولي: الإقالة بلفظ الفسخ أو الترك أو للتراد

- ‌المسألة الثانية: الإقالة بلفظ البيع:

- ‌المسألة الثالثة: الإقالة بلفظ الصلح:

- ‌المسألة الرابعة: الإقالة بلفظ المعطاة

- ‌المسألة السادسة: الإقالة بالإشارة

- ‌المبحث الرابع: التكييف الفقهي للإقالة

- ‌المبحث الخامس: أركان وشروط صحة الإقالة

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: أركان الإقالة

- ‌المطلب الثاني: شروط صحة الإقالة

- ‌المبحث السادس: محل الإقالة

- ‌القسم الثاني: الدراسة التطبيقية

- ‌تمهيد:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المسألة الرابعة: الإقالة بلفظ المعطاة

أزال فساده، وبينهما أو ذات بينهما أزال ما بينهما من عداوة وشقاق، وصلح المريض إذا زال عنه المرض، وصلح فلان في سيرته إذا أقلع عن الفساد 1.

وإذا حصلت المبايعة بين شخصين ثم قال المشتري مثلاً صالحتك على أن تعيد لي الثمن وأعيد لك العين فهل تحصل الإقالة بلفظ الصلح؟ على القول بأن الإقالة بيع فإن الإقالة لا تصح بلفظ الصلح ولا تنعقد به، وهذا ما صرح به القاضي من الحنابلة، وقال إن ما يصلح للحل لا يصلح للعقد، وما يصلح للعقد لا يصلح للحل 2، والصلح من الألفاظ التي تفيد معنى الحل والإزالة، ولذلك لا ينعقد به البيع.

وإذا قلنا بأن الإقالة فسخ، فإن لفظ الصلح تصح به الإقالة، وهذا ما ذهب إليه بعض الحنابلة 3، وذلك لأن المقصود هو المعنى فكل ما يتوصل به إليه أجزأ 4.

وهذه المسألة مبنية على أن الإقالة فسخ أو بيع، وثمرة من ثمرات الاختلاف فيها.

1 ينظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس ص: 574، وأساس البلاغة للزمخشري ص: 359، ولسان العرب لابن منظور: 7/384 مادة ((صلح)) .

2 ينظر تقرير القواعد لابن رجب 3/314، والإنصاف للمرداوي: 4/476.

3 ينظر المرجعان السابقان، والإقناع للحجاوي: 2/113، وشرح منتهى الارادات للبهوتي: 2/192، 193، ومعونة أولي النهي لابن النجار: 4/186، وكشاف القناع للبهوتي: 3/250.

4 ينظر كشاف القناع للبهوتي: 3/250.

ص: 251

‌المسألة الرابعة: الإقالة بلفظ المعطاة

المسألة الرابعة: الإقالة عن طريق المعاطاة:

المعاطاة: هي المبادلة الفعلية الدالة على التراضي دون التلفظ بإيجاب أو

ص: 251

قبول 1، وإذا حصلت المبايعة بين شخصين ولزم العقد ثم قام المشتري مثلاً بإرجاع العين إلى البائع وأعطاه البائع الثمن فهل تحصل الإقالة بذلك؟

إن قلنا بأن الإقالة فسخ فالذي يظهر هو صحتها بالمعاطاة وذلك لأن المقصود المعنى فكل ما يتوصل به إليه أجزأ 2.

وإن قلنا بأن الإقالة بيع فالكلام فيها مبني على حكم انعقاد العقد بالمعاطاة، والعلماء متفقون على أن الزواج لا ينعقد بها 3، وأُلحق بالزواج الطلاق والخلع والرجعة فلا تجوز إلا بالقول، وكذا الوصية 4، وأما بقية العقود فقد اختلف الفقهاء فيها إلى ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن التعاقد والتقايل بالمعاطاة جائز فيما تعارف الناس التعاقد بها عليه، سواء كان المعقود عليه، أو المقال فيه نفيسا، أو خسيسا وهو قول الحنفية 5، والمالكية 6، والصحيح من مذهب الحنابلة 7.

1 ينظر الفروق للقرافي: 3/143.

2 ينظر تقرير القواعد لابن رجب 3/314، والإنصاف للمرداوي: 4/476، وكشاف القناع للبهوتي: 3/250، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي: 2/193.

3 ينظر المجموع شرح المهذب للنووي: 9/150، والدر المختار للحصكفي مع حاشية رد المحتار لابن عابدين: 4/146، والفروق للقرافي: 3/144وكشاف القناع للبهوتي: 5/40، 41.

4 ينظر البحر الرائق لابن نجيم: 6/111، وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) : 4/146، 147.

5 ينظر البحر الرائق لابن نجيم: 6/110، والفتاوي الهندية: 3/157، وفتح القدير لابن الهمام: 5/459.

6 ينظر الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي عليه: 3/3، 153.

7 ينظر المغني لابن قدامة: 6/7، وتقرير القواعد لابن رجب 3/314، ومعونة أولي النهي لابن النجار: 4/186.

ص: 252

القول الثاني: أن التعاقد والتقايل بالمعاطاة صحيح إذا كان المعقود عليه أو المقال فيه من الأشياء اليسيرة وهو قول الكرخي 1 من الحنفية 2 وابن سريج 3 من الشافعية 4، وحكي عن القاضي من الحنابلة 5.

القول الثالث:

أن التعاقد بالمعاطاة غير صحيح، وكذا الإقالة، وممن ذهب إلى ذلك الشافعية في القول المشهور عندهم 6، وابن حزم 7 من الظاهرية 8.

الأدلة:

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} 9.

1 الكرخي: هو ابن الحسن عبيد الله بن الحسين بن دلال الكرخي من كبار فقهاء الحنفية كان عابداً زاهداً توفي سنة 340?. ينظر الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية: 1/227، وسير أعلام النبلاء للذهبي: 15/426، وتاريخ بغداد للخطيب: 10/353.

2 ينظر فتح القدير لابن الهمام: 5/459.

3 ابن سريج: أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج القاضي البغدادي من كبار فقهاء الشافعية، ولي القضاء بشيراز، وعنه انتشر فقه الشافعي في أكثر الآفاق ت سنة 306?. له ترجمة في طبقات الفقهاء للشيرازي ص: 108، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 3/21-38.

4 ينظر المجموع شرح المهذب للنووي: 9/149، ومغني المحتاج للشربيني: 2/4.

5 ينظر المغني لابن قدامة: 6/7.

6 ينظر المجموع شرح المهذب للنووي: 6/7، ومغني المحتاج للشربيني: 2/4.

7 هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري حافظ عالم بعلوم الحديث وفقيه إمام في فقه أهل الظاهر توفي سنة 465?. له ترجمة في سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/184، وطبقات الحفاظ للسيوطي: 2/435.

8 ينظر المحلى لابن حزم 9 /603 و294

9 سورة آل عمران من آية: 275.

ص: 253

ويمكن توجيه الدلالة بأن يقال إن الله أحل البيع، والمعاطاة بيع لتحقق معنى البيع فيها وهو مبادلة المال بالتراضي، وإذا جازت المعاطاة في البيع جازت في الإقالة لأن الإقالة بيع.

المناقشة:

يمكن أن يناقش ذلك بأن يقال لا نسلم بأن الإقالة بيع، وإنما هي حل للبيع فافترقا.

الدليل الثاني: من المعقول وهو أن الإيجاب والقبول إنما يرادان للدلالة على التراضي فإذا وجد ما يدل عليه أجزأ عنهما، والمعاطاة كذلك إذا دلت على الإقالة حصل بها المقصود 1.

دليل القول الثاني:

استدل القائلون بجواز التعاقد والتقايل بالأشياء اليسيرة دون غيرها بأن الأشياء اليسيرة يتسامح فيها عادة وعرفا فاغتفر فيها ذلك بخلاف الأشياء النفيسة 2.

ويمكن أن يناقش ذلك بأن يقال إن التعاقد والتقايل بالأشياء اليسيرة لا يخرجه عن كونه بيعاً فيجرى فيه ما يجرى في البيع.

دليل القول الثالث:

استدل القائلون بعدم جواز التعاقد والتقايل بالمعاطاة بالمعقول، فقالوا: ان العقد منوط بالرضا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا

1 ينظر المغني لابن قدامة: 6/9، وكشاف القناع للبهوتي: 3/250.

2 ينظر فتح القدير لابن الهمام: 5/459، وشرح الوجيز للرافعي: 4/10، والمجموع شرح المهذب للنووي: 9/150

ص: 254

أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} الآية1.

وبما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما البيع عن تراض" 2، والرضا أمر خفي لا يطلع عليه، فأنيط الحكم بسبب ظاهر وهو الصيغة 3.

مناقشة هذا الدليل:

ويمكن أن يناقش هذا الدليل بأن يقال نسلم أن العقد منوط بالرضا والرضا كما يحصل بالقول يحصل بغيره مما يشعر به، ومن ذلك المعاطاة، فقد تعارف الناس التعاقدوالتقايل بها في بعض من المعاملات، قال ابن قدامة 4 "لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه مع كثرة وقوع البيع بينهم استعمال الإيجاب والقبول، ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل إلينا نقلاً شائعاً، ولو كان ذلك شرطاً لوجب نقله، ولم يتصور منهم إهماله والغفلة عن نقله"5.

الترجيح:

والذي يظهر لي أن القول بجواز الإقالة بالمعاطاة فيما تعارف الناس التعاقد

1 من آية 29 سورة النساء.

2 أخرجه ابن ماجه في سننه: 3/29 رقم الحديث (2185) وقال البوصيري اسناده صحيح ورجاله موثوقون (ينظر مصباح الزجاجة مطبوع بهامشه) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 6/29 رقم الحديث (11075)، وصححه الألباني في إرواء الغليل: 5/125 رقم الحديث (1283) .

3 ينظر شرح الوجيز للرافعي: 4/10، ومغني المحتاج للشربيني: 2/3.

4 ابن قدامة: هو الشيخ موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الفقيه الحنبلي الزاهد ولد سنة 541هـ وتوفي في دمشق سنة 620هـ. له ترجمة في الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب: 4/133-149، والنجوم الزاهرة: 6/256.

5 المغني لابن قدامة: 6/8.

ص: 255

بها عليه هو الأولى، لأن المقصود هو حصول التراضي من الجانبين، وهو يحصل بالمعاطاة، كما أن القصد المعنى فيكتفي بما أداه كالبيع.

ص: 256

المسألة الخامسة: الإقالة بالكتابة.

إذا كتب أحد المتبايعين للآخر بعد لزوم البيع يطلب منه أن يقيله فكتب إليه الآخر بالموافقة، فهل تحصل الإقالة بالكتابة؟

تحرير محل النزاع:

اتفق الفقهاء على صحة الإقالة بالكتابة إذا كانت من غير قادر على النطق1، كما اتفق الفقهاء على أن الكتابة لكي تكون معتبرة يشترط لها أن تكون مستبينة بأن تبقى صورتها بعد الانتهاء منها، وذلك بأن تكون على ما تثبت عليه، مثل: القرطاس واللوح ونحوهما، وأن يقرأ كل من المتقايلين ما كتبه الآخر ويفهمه ويرضاه 2.

وأما إذا كانت الكتابة بالإقالة من القادر على النطق، ففي صحة الإقالة بها خلاف بين الفقهاء كاختلافهم في صحة البيع بالكتابة من القادر على النطق.

أقوال العلماء في المسألة:

القول الأول: أن التعاقد والتقايل بالكتابة من القادر على النطق جائز

1 ينظر تبيين الحقائق للزيلعي: 6/218، ومغني المحتاج للشربيني: 2/5، ومواهب الجليل للحطاب: 4/486، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/3، والمغني لابن قدامة: 6/9.

2 ينظر تبيين الحقائق للزيلعي: 6/218، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/3، ومواهب الجليل للحطاب: 4/228، 229، وحاشيتا قليوبي وعميرة: 2/246، والمجموع شرح المهذب للنووي: 9/154، وكشاف القناع للبهوتي:5/249.

ص: 256

وهو قول جمهور العلماء من الحنفية 1 والمالكية 2 والحنابلة 3 وبه قال بعض الشافعية إلا أنهم اشترطوا وجود النية لأن الكتابة كناية 4.

القول الثاني: أن التعاقد والتقايل بالكتابة غير جائز وبه قال بعض الشافعية 5 قال الشيرازي 6 وهو الصحيح 7.

الأدلة:

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: أن التعاقد والتقايل ينعقد بكل ما يدل على الرضا والكتابة تدل على الرضا من الجانبين فيصح بها 8.

الدليل الثاني: ان الضرورة تقتضي جواز التعاقد والتقايل بالكتابة، لأن أحد المتبايعين قد يكون غائباً 9.

1 ينظر فتح القدير لابن الهمام: 5/461.

2 ينظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/3.

3 ينظر المغني لابن قدامة: 6/8، والإنصاف للمرداوي: 4/264.

4 ينظر المهذب للشيرازي: 1/264، ومغني المحتاج للشربيني: 2/5، وحاشيتا قليوبي وعميره: 2/246، والمجموع شرح المهذب للنووي: 9/154.

5 ينظر المجموع شرح المهذب: 9/154، والمنهاج للنووي (مطبوع مع مغني المحتاج للشربيني) : 2/5.

6 هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي الفقيه الشافعي ولد سنة 393هـ، وعاش ببغداد وتوفى سنة 476هـ. له ترجمة في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 4/215-256، وطبقات الشافعية لابن هداية الله ص: 170، 171.

7 المهذب للشيرازي: 1/264.

8 ينظر المجموع شرح المهذب للنووي: 9/154، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/3.

9 المهذب للشيرازي: 1/264.

ص: 257