الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كعرفة، وعاشوراء، وأيام البيض والاثنين والخميس
…
فإذا جاء إنسان فخصص يوماً من الأسبوع كالأربعاء، أو أياماً من الشهر كالأول والثلاثين وما أشبه ذلك، فإن هذا التخصيص أت من جهة رأيه وهواه
…
وهو تخصيص بغير دليل، يضاهي به تخصيص الشارع أياماً بأعيانها دون غيرها فصار هذا التخصيص من المكلف بدعة، لكونه تشريع بغير مستند، وتقييد بغير دليل، وإخراج للعبادة المشروعة عن وضعها الشرعي إلى وضع مبتدع
…
ومنها: تخصيص الأيام الفاضلة كعشر ذي الحجة وعاشوراء ويومي العيد بأنواع من العبادات التي لم تشرع، كتخصيص يوم كذا بصلاة كذا وكذا من الركعات، أو ليلة كذا يختم القرآن فيها أو بإحيائها بالصلاة والذكر وما أشبه ذلك من أنواع التخصيصات التي لا دليل عليها.
فيكون هذا التخصيص والعمل له من البدع الإضافية التي تقرب من الحقيقية. ولا حجة في القول بأن هذا اليوم أو هذه الليلة لها من الفضل كذا وكذا فيحسن إيقاع العبادات فيها لأن الذي بين فضل هذا الزمان قادر على تشريع ما يلائمه من قربات، وقد عرف من الشرع أنه خصص أياماً فاضلة بأنواع من العبادات والقربات لا توجد في غيرها من الأيام، فدل ذلك على أن مجرد الأفضلية لا يكون سبباً في إيقاع العبادات كما أن التخصيص بعبادة في زمن ما من حقوق الشرع وخصائصه، وليست تابعة لآراء العباد وأهوائهم.
ومن الأمور التي ألحقها الشاطبي بالبدع الإضافية:
3. تحديث الناس بما لا يفقهون، وتكليمهم في دقائق العلوم وصعاب المسائل التي لا تصل إليها أفها مهم:
وهذا العمل يكون بدعة باعتقاد فاعله: أنه يتقرب إلى الله بحديثه في هذه الأمور، أو أنه بفعله هذا ينشر العلم الشرعي، ونحو ذلك من المتعلقات التي يريد
من خلالها تحصيل الأجر والمثوبة
…
وهذا النوع من العمل من باب وضع الحكمة في غير موضعها، فسامع الكلام الذي لا يصل إليه فهمه إما أن يفهمه على غير وجهه وهو الغالب، وهذه فتنة تؤدي إلى التكذيب بالحق والشك في الشرع والعمل بالباطل، وإما لا يفهم منه شيئاً وهو أسلم من سابقه، ولكن المحدث لم يعط الحكمة حقها من الصون بل صار في التحديث بها كالعابث بنعمة الله ومن منح الجهال علماً أضاعه..
ومثال ذلك أن يطرح على العوام بعض أحاديث الصفات-كحديث الصورة- التي لا تصل إليها أفها مهم، أو بعض شبهات المبتدعة والكافرين، أو بعض النصوص التي قد تبدو للجاهل وبادي الرأي متعارضة، أو بعض مسائل الاختلاف، أو الحديث عن مسائل القضاء والقدر وأطفال المشركين، ووالدي الرسول، ونحو ذلك من المسائل التي قد تكون فتنة للجاهل والعامي.
ولأجل هذا جاء انهي عن كثير من السلف عن الأغلوطات والمسائل المشكلة، وقد ترجم لهذا المعنى البخاري في صحيحه فقال:(باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا) .
ثم ذكر حديثاً موقوفاً على علي-رضي الله عنه أنه قال: (حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله) .
وفي مسلم عن عبد الله بن مسعود رض الله عنه قال: (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) .
قال الذهبي في سير النبلاء: (كذا ينبغي للمحدث أن لا يشهر الأحاديث التي يتشبث بظاهرها أعداء السنن من الجهمية
…
وأهل الأهواء والأحاديث
التي فيها صفات لم تثبت، فإنك لن تحدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم، فلا تكتم العلم الذي هو علم، ولا تبذله للجهلة الذين يشغبون عليك، أو الذين يفهمون منه ما يضرهم) .
وكلام العلماء من السلف والخلف في هذا الباب كثير، والمقصود أن التحدث مع الناس بما لا تبلغه عقولهم يدخل في باب البدع الإضافية وسبب دخول هذا العمل في الابتداع أنه عند عامله منبعث من محبة الأجر وطلب القربة إلى الله بنشر العلم وتعليم الخلق، وهذا المقصد في ذاته من الأعمال المشروعة....
وهو أحد الوجهين اللذين يتعلق بهما هذا العمل، والوجه الآخر: أنه هذا الفعل على خلاف الشرع، وعلى خلاف ما كان عليه سلف هذه الأمة، وفيه من المفاسد الدينية ما سبق بيان بعضه، فلذلك كان هذا العمل من البدع الإضافية التي تقترب من الحقيقية.
وبما يمكن إلحاقه بهذا الفصل-وقد سبق الإشارة إليه في أوله-: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية، وإلى بسيطة ومركبة، وسبب الإلحاق هذا، هو أن النظر مرتكز في هذه التقسيمات إلى البدعة ذاتها هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن البدعة الكلية والمركبة تكون غالباً من البدع الحقيقية، بينما تكون الجزئية والبسيطة من البدع الإضافية في الغالب أيضاً
…
ويتحدد هذا بالنظر في الدليل الذي قامت عليه البدعة، وبالنظر في التصاقها بالعمل المشروع أو انفصالها عنه كما سبق بيانه..
فأما البدعة الكلية: فهي التي تعتبر كالقاعدة أو الأصل لبدع أخرى تنبني عليها ويتعدى أثرها إلى أمور كثيرة.
مثل بدعة عصمة الأئمة عند الرافضة، فهي بدعة كلية ترتب عليها جملة
من الضلالات والبدع، كإنزالهم أئمتهم منزلة لا يصلها نبي مرسل ولا ملك مقرب، واعتقاد الصواب المطلق في أقوالهم وأفعالهم، وكاعتقاد خروج المهدي من السرداب، وغير ذلك من الانحرافات.
ومن البدع الكلية الأصول الخمسة عند المعتزلة، والقول بأن للشريعة ظاهراً وباطناً كما تقول الباطنية، والزعم بأن منزلة الولي فوق منزلة النبي كما يقول زنادقة الصوفية، وترك العمل بالحديث النبوي كما فعلت الخوارج
…
وأما البدعة الجزئية: فهي لا تتجاوز ذاتها، فلا يبنى عليها شيء من البدع ولا يمتد أثرها إلى شيء من الأعمال الأخرى، التي يفعلها صاحبها فهي على عكس البدعة الكلية، ومن أمثلتها بدعة المداومة على المصافحة عقب الصلوات، وبدعة الجهر بالنية في الصلاة، وبدعة تلقين الميت في قبره بعد دفنه ونحو ذلكز
وأما البدعة المركبة: فهي التي اشتملت على مجموعة من البدع وحوت عدة محدثات، انضمت إلى بعضها حتى أصبحت كأنها بدعة واحدة، ومثالها بدعة المولد، إذ تضم هذه البدعة لفيفاً من البدع، وتشتمل على عدة مخالفات شرعية منها تخصيص يوم معين، وذكر معين، وهيئة معينة بغير دليل، وإحداث أوراد وأشعار مبتدعة تحوي أصنافاً من الأكاذيب والضلالات وغير ذلك.
وأما البدعة البسيطة: فهي على عكس المركبة إذ هي مخالفة بدعية لا يدخل معها غيرها وتشبه الجزئية..