المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ذريعة الشيء يختلف باختلاف ما توصل إليه، وكذلك ذرائع البدع - حقيقة البدعة وأحكامها - جـ ٢

[سعيد بن ناصر الغامدي]

فهرس الكتاب

- ‌أقسام البدعة: حقيقة وإضافية

- ‌البدعة الحقيقية والإضافية

- ‌القسم الأول: أدلة غير معتبرة وهي صنفان:

- ‌القسم الثاني: أدلة معتبرة شرعاً:

- ‌ أقسام البدعة الإضافية

- ‌أحدهما: يقرب من الحقيقية، حتى تكاد البدعة تعد حقيقية

- ‌والآخر: يبعد عنها حتى يكاد يعد سنة محضة

- ‌وقد تعرض الإمام الشاطبي رحمه الله لأمور أخرى غير ما سبق وعدها من البدع الإضافية منها:

- ‌1. المتشابه:

- ‌2. (أن يكون أصل العبادة مشروعاً إلى أنها تخرج عن صل شرعيتها بغير دليل، توهما أنها باقية على أصلها تخت مقتضى الدليل، وذلك بأن يقيد إطلاقها بالرأي أو يطلق تقييدها)

- ‌3. تحديث الناس بما لا يفقهون، وتكليمهم في دقائق العلوم وصعاب المسائل التي لا تصل إليها أفها مهم:

- ‌البدعة المتعلقة بالفعل والترك

- ‌1- فعل الشارع:

- ‌2- وأما فعل المكلف:

- ‌وسيكون الكلام عن الترك هنا على قسمين:

- ‌القسم الأول: الترك من قبل الشارع:

- ‌القسم الثاني: الترك من قبل المكلف:

- ‌النوع الثالث من أنواع الترك:

- ‌1- ترك في العبادات:

- ‌2- الترك في المعاملات:

- ‌3- الترك في العادات:

- ‌1- البدع التركية في الاعتقادات:

- ‌2- البدع التركية في الأقوال:

- ‌3- البدع التركية في الأفعال:

- ‌البدعة المتعلقة بالعقائد والأحكام

- ‌البدع الاعتقادية:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌ أنواع من الابتداع في المذاهب الأصولية

- ‌أولاً: مسألة الرأي:

- ‌ثانياً: القياس:

- ‌من أخطاء المغرقين في القياس

- ‌الوجه الثاني من أخطاء المغرقين في القياس:معارضة كثير من النصوص بالرأي والقياس:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌القول الوسط في القياس:

الفصل: ذريعة الشيء يختلف باختلاف ما توصل إليه، وكذلك ذرائع البدع

ذريعة الشيء يختلف باختلاف ما توصل إليه، وكذلك ذرائع البدع يكون حكمها بحسب ما توصل إليه فإن كانت توصل إلى بدعة كبيرة فالوسيلة كذلك، وإن كانت توصل إلى بدعة صغيرة فالوسيلة كذلك، وعليه فلا يعتبر كل ما جاء من باب سد الذرائع في مسألة البدعة من البدع الإضافية التي تقترب من السنة المحضة بل قد تكون إضافية مقتربة من الحقيقية، وقد تكون حقيقية بحتة، وإنما جاء ما ذكر سلفاً عند القسم الثاني من الإضافية من باب التمثيل.

‌وقد تعرض الإمام الشاطبي رحمه الله لأمور أخرى غير ما سبق وعدها من البدع الإضافية منها:

1. المتشابه:

ويراد به كل عمل اشتبه أمره فلم يتبين أهو بدعة فينهى عنه أم غير بدعة فيعمل به.

والمشتبه في هذا الباب من ضمن المشتبهات الواردة في الحديث المروي في الصحيحين عن-صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فيمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه....) الحديث.

ويدخل المشتبه أمره من حيث البدعية أو عدمها في هذا الحديث، لأن العامل بهذا المشتبه لا يقطع بأنه يعمل بسنة، كما لا يقطع أنه يعمل ببدعة وهذا كحال ما اختلف في حله أو تحريمه من الأعيان، والأشربة، والألبسة، والمكاسب

ص: 25

ونحوها، فلم يعلم أهي من الحلال المحض أم من الحرام المحض، كما لو اختلطت الميتة بالمذكاة والرضيعة بالأجنبية ونخو ذلك.

وهذا المشتبه فيه من حيث البدعية أو عدمها، يخرج بسبب هذا التردد بين الحل والحرمة من نطاق البدعة الحقيقية، لأنه كما مر: أن البدعة الإضافية ذات وجهين، وتتعلق بأمرين، أحدهما مشروع والآخر ممنوع، ومن أجل ذلك قيل إن هذا القسم من قبيل البدع الإضافية، وله أمثلة ذكرها الشاطبي يأتي هنا إيجاز بعضها.

المثال الأول:

إذا تعارضت الأدلة على المجتهد في أن العمل الفالني سنة يتعبد بها أو بدعة فلا يصح التعبد بها، ولم يستطع أ، يجمع بين الأدلة ولم يتبين له إسقاط بعضها بنسخ أو ترجيح أو تخصيص أو تقييد وغير ذلك، من طرق ووسائل الترجيح.

فلو عمل بمقتضى أدلة المشروعية من غير مرجح لكان عاملاً بمتشابه لإمكان صحة الأدلة على عدم المشروعية، فالصواب الوقوف عن العمل استبراء لدينه وتنزيهاً عن الوقوع في الشبهات، مع أن هذا قد يقع لمجتهد فيكون عنده من المشتبهات، ولا يقع لآخر فيكون من الواضحات.

المثال الثاني: التبرك بالصالحين وآثارهم:

فهذا العمل متردد بين مجموعتين من الأدلة، إحداها توحي بأن التبرك بالصالحين وآثارهم جائزة، والأخرى تدل على المنع من ذلك.

فمن الأدلة التي يعتمد عليها من يجيز التبرك بالصالحين وآثارهم ما ثبت عن الصحابة-رضي الله عنهم أنهم كانوا يتبركون بأشياء من رسول الله-صلى الله

ص: 26

عليه وسلم- كما روى البخاري ومسلم عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فأتي بوضوء فجعل الناس يأخذون من فضل وضوءه فيتمسحون به) .

وفي حديث صلح الحديبية: (ما تنخم النبي-صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده) .

وفي البخاري عن موسى بن عقبة قال: (رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق ويصلي فيها، ويحدث أن أباه كان يصلي فيها وأنه رأى النبي-صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الأمكنة) .

وفي الصحيحين عن عتبان بن مالك قال: (كنت أصلي لقومي بني سالم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أنكرت بصري وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي، فلوددت أنك جئت فصليت في بيتي مكاناً حتى

ص: 27

أتخذه مسجداً فقال: أفعل إن شاء الله، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه، بعد ما اشتد النهار فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له، فلم يجلس حتى قال:(أين تحب أن أصلي من بيتكم) ؟ فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه، فقام رسول الله-صلى الله عليه وسلم فكبر وصففنا وراءه فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا حين سلم) ومن هذا ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم أن أبا بكر الأثرم قال: (قلت لأبي عبد الله-يعني أحمد بن حنبل-: قبر النبي-صلى الله عليه وسلم يمس ويتمسح به، فقال: ما أعرف هذا، قلت: فالمنبر، فقال: أما المنبر فنعم فنعم قد جاء فيه، قال أبو عبد الله شيء يروونه عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن عمر أنه مسح على المنبر، قال: ويروون عن سعيد بن المسيب في الرمان قلت: ويروون عن

ص: 28

يحي بن سعيد أنه حين أراد الخروج إلى العراق جاء إلى المنبر فمسحه ودعا، فرأيته استحسنه ثم قال: لعله عند الضرورة والشيء) .

ومن هذا القبيل ما رواه الذهبي في سير النبلاء: أن عبد الله بن الزبير- رضي الله عنه شرب دم الرسول-صلى الله عليه وسلم بعد أن احتجم. وأشياء من هذا الباب كثيرة يستدل بها من يجيز التبرك بآثار الصالحين ومقاماتهم ومحل عباداتهم.

إلا أن هذا الاستدلال يعارض بمجموعه من الأدلة منها: أنه هذه الأدلة المذكورة، والتي يعتمد عليها من يجيز التبرك خاصة بالنبي-صلى الله عليه وسلم وأن محل الاختصاص مرتبط بمرتبة النبوة، والخيرية المطلقة التي لا يمكن أن تحقق في أحد بعده، وهذا ما فهمه الصحابة-رضوان الله عليهم- إذ جعلوا هذا التبرك مختصاً به هو عليه السلام لاختصاصه بالأفضلية والسيادة على الأنبياء وسائر البشر، واختصاصه صلى الله عليه وسلم بجواز التبرك به وبآثاره، كاختصاصه بنكاح ما زاد على الأربع والوصال في الصيام وشبه ذلك.

فعلى هذا المأخذ لا يصح لمن بعده الإقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومن اقتدى به في هذا كان إقتداؤه بدعة كما كان الإقتداء به في الزيادة على أربعة نسوة أو الوصال في الصيام بدعة.

ومن أدلة المعترضين:

وهو مرتبط بما سبقه، أن الصحابة-رضوان الله عليهم- بعد موته-عليه السلام لم يقع من أحد منهم شيء من هذا التبرك بالنسبة إلى من خلفه، وقد كان بين ظهرانيهم أفضل الأمة بعد نبيها: الصديق رضي الله عنه ثم عمر أفضل الأمة بعده،

ص: 29

ثم عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ولم ينقل بطريق صحيح أن أحداً في عصرهم تبرك بهم على أحد تلك الوجوه المنقولة في تبركهم بالنبي-صلى الله عليهم وسلم- أو نحوها. وهذا إجماعاً في القرون الفاضلة على ترك هذا العمل والإجماع أصل مقطوع به لا يجوز الخروج عليه لا سيما وقد انعقد في الزمن الفاضل.

ومن الأدلة أيضاً:

لو سلمنا أن الصحابة رضي الله عنهم لم يعتقدوا اختصاص النبي- صلى الله عليه وسلم بهذا، ولم ينعقد إجماعهم على ترك التبرك بغيره، فإنه يجب أ، يقال أنهم تركوا ذلك من باب الذرائع خوفاً من أن يجعل ذلك سنة كما تقدم في اتباع الآثار ونهي عمر عن ذلك وقطعه للشجرة.

أو لأن العامة لا تقتصر في هذا الباب على حد، بل تتجاوز فيه الحدود وتبالغ بجهلها في التماس البركة، حتى تعتقد تعظيم المتبرك به وقد تعتقد عصمته وقدرته على النفع والضر، وهذا من أشنع أنواع الشرك-والعياذ بالله- كما يفعل كثير من الجهلة والمبتدعة مع شيوخهم، من لبس الخرقة والتبرك بالمجلس والتمسح بالأقدام.

وقد فتح هذا الباب على كثير من طوائف المسلمين وعامتهم أبواباً من الاعتقادات الضالة، كاعتقاد الولاية في الزنادقة، واعتقاد البركة المطلقة في كل ما يتصل بمن يرونه ولياً، حتى وصل الأمر عند بعضهم أن يعتقد البركة في البول والعذرة

فإذا علم أن الصحابة كانوا يعتقدون اختصاص النبي-صلى الله عليه وسلم بجواز التبرك به وبآثاره، بدليل إطباقهم على عدم قياس غيره عليه في هذا وإجماعهم على الترك، إذ لو كان اعتقادهم التشريع لعمل به بعضهم بعده أو عملوا به ولو

ص: 30