الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناوأة الدعوة
وبينما الدعوة تشق طريقها إلى القلوب الصلدة فتصدعها، وإلى العقول الضالة فتردعها، وإلى النفوس الظامئة من العلم فتبل صداها، وتجلو صدأ الجهالة الذي ران عليها، نرى سليمان بن محمد بن عريعر الحميدي حاكم الأحساء والقطيف ينذر عثمان بن معمر بالثورة عليه، وقطع الخراج عنه إن لم يقتل الشيخ ويقضي على دعوته، ويتخاذل عثمان ويأمر الشيخ بالخروج من بلدته، فسار معه إلى الدرعية ورافقه في الطريق "الفريد الظفير وطوالة الحمراني" من رجال بن معمر بأمر منه، وكان الشيخ يسير في الرمضاء والحر يلفحه، ومعه مروحة من الخوص وهو يردد قول الله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 1.
"وسبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر" وحتى وصل إلى الدرعية، وما قاله بعض المؤرخين من أن ابن معمر قد أمر "الفريد" أن يقتل الشيخ في منتصف الطريق فلا صحة لهذا القول.
1 سورة الطلاق آيتا 2، 3
آل سعود يحتضنون الشيخ وينصرونه:
وصل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية في اليوم الخامس من شهر رجب عام 1158هـ ونزل في بيت رجل فاضل هو "عبد الله بن عبد الرحمن بن سويلم" الذي أكرم وفادته، وكتم أمره خوفاً من بطش أمير الدرعية الأمير "محمد بن سعود" ورجاله، وأخذ الشيخ يدعو الناس إلى
دعوته السلفية سراً، حتى استطاع أن يقنع الأمير "محمد بن سعود" على تأييده ومؤزرته، وأقبل عليه الأمير وبايعه على دين الله ورسوله والجهاد في سبيله، وتنفيذ أحكام الشريعة، وقد عاونه على إتمام هذه المبايعة أخوا الأمير محمد بن سعود وهما مشاري وثنيان، وكان عبد الله بن سويلم حضهما على تأييد الشيخ ومعاهدته من أجل نشر دعوته السلفية الخيرة، فبدأ بزوجة الإمام "موضي بنت أبي وطبان" لتكون عوناً لهما على زوجها، وكانت ذات عقل ودين، فألقي الله في قلبها محبة الشيخ ودعوته، فقالت لزوجها:"إن هذا أتى إليك وهو غنيمة ساقها الله لك، فأكرمه وعظمه واغتنم نصرته، فقبل قولها وألقى الله سبحانه في قلب الأمير محبة الشيخ، فأراد أن يرسل إليه فقال أخوا الأمير وزوجته: "إننا نرى أن تذهب إليه بنفسك، وأن تظهر لأهل الدرعية تكريمه واحترامه والاحتفال به، لأن العلم يُذهَب إليه ولَا يذهب العلم إلى أحد من الناس، فسار الأمير إليه وقابله في بيت ابن سويلم، ورحب الأمير بالشيخ وقال له:"أبشر ببلاد خير من بلادك، وأبشر بالعز والمنعة" فقال له الشيخ: "وأنا أبشرك بالعز والتمكين، والنصر المبين، وهذه كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" التي دعت إليها الرسل كلهم فمن تمسك بها وعمل بها ونصرها، ملك البلاد والعباد، وأنت ترى نجداً كلها وأقطارها قد سارت على الشرك والجهل والفرقة والاختلاف وقتال بعضهم
بعض فأرجو أن تكون إمام يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك" وأخذ يشرح له الإسلام وشرائعه، وما يحل وما يحرم، وما عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الدعوة إلى التوحيد والقيام في نصره، والقتال عليه، فلما شرح الله صدر الأمير محمد بن سعود بذلك، وتقرر عنده طلب من الشيخ المبايعة على ذلك فبايعه الشيخ على ذلك وقال: "إن الدم بالدم والهدم بالهدم" أي دمي دمك وهدمي هدمك، ولكن أريد أن أشترط عليك اثنتين: أولاهما أننا إذا قمنا بنصرتك والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان أخاف أن ترتحل وتستبدل بنا غيرنا، والثانية أن لي على الدرعية قانونا آخذه منهم في وقت الثمار، وأخاف أن تقول: لا تأخذ منهم شيئا" فقال الشيخ: أما الأولى فلك عليّ عهد الله ورسوله، وأما الثانية فلا فإن لك عليهم الزكاة، ولعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها.
وبسط الأمير يده، فبايعه الشيخ على دين الله ورسوله، والجهاد في سبيله، وإقامته شرائع الإسلام القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبهذا تم لقاء القمة الإسلامي السياسي بين مؤسس الدولة السعودية الأول الإمام محمد بن سعود، ومؤسس الدعوة السلفية الأول في العصر الحديث الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومن هنا دخلت دعوة الشيخ في مرحلة التنفيذ والجد والعمل، وأيد أهل الدرعية صغيرهم
وكبيرهم دعوة الشيخ، وإتباع تعاليمه السلفية، وبهذا اتحد "الدين والسياسة" وسارا في طريق سليم واحد، لهدف إسلامي نبيل واحد، ثم بدأ الشيخ يراسل ذوي الرأي في بلاد نجد من قضاة وعلماء وأعيان، فاستجاب له البعض وصد عنه آخرون، فسل أعوان الشيخ السيف للجهاد، وأعلنوا الحرب في سبيل الله، وقتال المارقين، ومات في هذه المعركة أبناء الأمير محمد بن سعود وهما فيصل وسعود، وتوفي الأمير محمد، وولي مكانه إمارة الدرعية ابنه عبد العزيز ابن محمد بن سعود، وقد ولد الإمام محمد بن سعود عام 1138هـ وتوفي عام 1179هـ الموافق 1725 – 1765م. وفي عهده وبعد انتقال الإمام الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية أخذت الدرعية في الازدهار، وتشد لها الرحال، وتضرب لها آباط الإبل لمقابلة الشيخ، وطلب العلم عليه، والتزود بعلومه، ومن نبعها الصافي ومعينها النمير، وفيها شيد الأمير مسجد الدرعية الكبير وفي عهد ابنه عبد العزيز زاد ازدهار الدرعية وقصدها الناس من كل مكان للقاء الشيخ ومبايعته، وقد أعلنت حريملاء الانضمام إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومؤازرته والاستجابة لدعوته، وقامت في حريملاء حروب وخصومات بين أنصار الدعوة وأعدائها، وكذلك قامت بين حريملاء والدرعية حروب وخصومات أخرى. انتهت بانتصار الدرعية وخضوع حريملاء خضوعا مطلقاً.