الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دفع ضر، أو رجائه فيه 1 والتوكل عليه، وذبح النسك والنذر لجلب خير أو دفع ضر لا يقدر عليه إلا الله، والإنابة والخضوع، كل ذلك مختص بجلالة الله كالسجود والتسبيح والتهليل، فكل ذلك مما قدمناه هو معنى قوله:"لا إله إلا الله". ولا يغني أحد التوحيدين عن الآخر، بل صحة أحدهما مرتبطة بوجود الآخر فلما فهمنا ذلك وعلمنا به قام علينا أهل الأهواء فخرجونا وبدعونا، وجعلوا اليهود والنصارى أخف شرٍّا منا ومن أتباعنا، ولم ننازع العدو في سائر المعاصي بأنواعها، ولا المسائل الاجتهادية، فلم يجر الاختلاف بيننا وبينهم في ذلك، بل في العبادة بأنواعها، والشرك بأنواعه.
1 الضمير في رجائه لله تعالى وفي "فيه" لما لا يقدر عليه غيره وإلا لقال "ورجائه" فقط أو والرجاء فيه.
الشفاعة والوساطة وحق الله وحق رسوله وأوليائه
فنحن نقول: ليس للخلق من دون الله من ولي ولا نصير، وسائر الشفعاء- محمد صلى الله عليه وسلم سيدهم وأفضلهم فمن دونه- لا يشفعون لأحد إلا بأذنه {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 1. {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} 2. {وَلا
1 سورة البقرة الآية 255.
2 سورة الكهف الآية 102.
يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} 1، وإذا كان كذلك فحقيقة الشفاعة كلها لله، فلا تسأل في هذه الدار إلا منه سبحانه وتعالى، وأن يشفع فيه 2 نبيه صلى الله عليه وسلم، فجميع الأنبياء والأولياء لا يجعلون وسائل ولا وسائط بين الله وبين الخلق في جلب الخير أو دفع الشر، ولا يجعل لهم من حقه شيء، لأن حقه تعالى وتقدس غير جنس حقهم، فإن حقه عبادته بأنواعها بما شرع في كتابه، وعلى لسان رسوله، وحق أنبيائه عليهم السلام الإيمان بهم وبما جاءوا به، وموالاتهم وتوقيرهم، وإتباع النور الذي أنزل معهم، ومحبتهم على النفس والمال والبنين والناس أجمعين، وعلامة الصدق في إتباع هديهم، والإيمان بما جاءوا به من عند ربهم. قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} 3 والإيمان بمعجزاتهم، وأنهم بلغوا رسالات ربهم، وأدوا الأمانة، ونصحوا الأمة، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتمهم وأفضلهم، وإثبات شفاعتهم التي أثبتها الله في كتابه، وهي من بعد إذنه لمن رضي عنه أهل التوحيد. وأما المقام المحمود الذي ذكره الله في كتابه وعظم شأنه فهو لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
1 سورة الأنبياء آية 28.
2 أي في السائل.
3 سورة آل عمران 31.
وكذلك حق أوليائه محبتهم، والترضي عنهم، والإيمان بكراماتهم، لا دعاؤهم ليجلبوا لمن دعاهم خيراً لا يقدر على جلبه إلا الله تعالى، أو ليدفعوا عنهم سوءاً لا يقدر على دفعه إلا هو عزوجل، لأن ذلك عبادة مختصة بجلاله تعالى وتقدس. هذا إذا تحققت الولاية أو رجيت لشخص معين كظهور إتباع سنة، وعمل بتقوى في جميع أحواله، وإلا فقد صار الولي في هذا الزمان من أطال سبحته، ووسع كمه، وأسبل إزاره، ومد يده للتقبيل، وليس شكلا مخصوصاً، وجمع الطبول والبيارق، وأكل أموال عباد الله ظلماً وادعاء، ورغب عن سنة المصطفى وأحكام شرعه. فنحن إنما ندعو إلى العمل بالقرآن العظيم، والذكر الحكيم، الذي فيه الكفاية لمن اعتبر وتدبر، وبعين بصيرته نظر وفكر، فإنه حجة الله وعهده، ووعده ووعيده، وأمانه وقدره، ومن اتبعه عاملا بما فيه جد جده، وعلا مجده، وأنار رشده، وبان سعده.
والتوحيد ليس هو محل الاجتهاد، فلا تقليد فيه ولا عناد، ولا نكفر إلا لمن أنكر أمرنا هذا ونهينا، فلم يحكم بما أنزل الله من التوحيد، بل حكم بضده الذي هو الشرك الأكبر الذي لا يغفر، كما سنذكر أنواعه، فجعله دينًا، وسماه الوسيلة عناداً وبغياً، ووالى أهله وظاهرهم علينا، ولم
يقوم أركان الدين ممتنعاً أن دعوناه، وأمروهم أن يبدءونا بقتالنا 1 ليرجعونا عن دين الله الذي وصفنا، وإلى ما هم فيه وكانوا عليه من الشرك بالله، والعمل بسائر مالا يرضى رب العباد {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 2 وما حجتهم علينا إلا أن المدعو يكون شفيعاً ووسيلة. ونحن نقول: هؤلاء الداعون الهاتفون بذكره، المعتقدون في الأحياء الغائبين المدعوين والأموات يطلبون كشف شدتهم، وتفريج كربتهم، وإبراء مريضهم، ومعافاة سقيمهم، وتكثير رزقهم، وإيجاده من العدم، ونصرهم على عدوهم برًّا وبحراً، لم يكفهم الاقتصار على مسألة الشفاعة والوسيلة، وهما أعظم المخاصمة الجارية علينا ممن قاتلنا وبدعنا، وجعل اليهود والنصارى أخف شرًّا منا ومن أتباعنا.
وحقيقة قولنا إن الشفاعة وإن كانت حقاً في الآخرة فلها أنواع مذكورة في محلها، ووجب على كل مسلم الإيمان بشفاعته صلى الله عليه وسلم، بل وغيره من الشفعاء، فهي ثابتة بالوصف لا بالشخص، ما عدا الشفاعة العظمى، فإنها لأهل الموقف عامة، وليس منها ما يقصدون. فالوصف "من
1 كذا، والظاهر أن يقال يبدءونا بالقتال- أو- يبدءوا بقتالنا.
2 سورة التوبه الآية 32.
من مات لا يشرك بالله شيئا" كما في البخاري 1 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل نبي دعوة مستجابة، وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وهي نائلة منكم إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً". وحديث أنس بن مالك الذي في الشفاعة بطوله وحديث الذراع الذي رواه أبوهريرة المتفق عليه. وإذا كانت بالوصف فرجاؤها من الله ودعاؤه أن يشفع فيه نبيه هو المطلوب.
1 الحديث متفق عليه وجملة "وهي نائلة" إلخ زيادة انفرد بها مسلم.