الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معاداة القبوريين لمن ينكر بدعهم
أحاديث الأمر بتسوية القبور
فبهذا يتبين أن الشيطان اللعين نصب لأهل الشرك قبوراً يعظمونها ويعبدونها أوثانا من دون الله، ثم يوحى إلى أوليائه أن من نهى عن عبادتها واتخاذها أعياداً وجعلها والحالة هذه أوثاناً فقد انتقصها وغمصها حقها، فيسعى الجاهلون المشركون في قتالهم وعقوبتهم، وما ذنبهم عند هؤلاء المشركين إلا أنهم أمروهم بإخلاص التوحيد، ونهوهم عن الشرك بأنواعه، وقالوا بتبطيله، فعند ذلك غضب المشركون واشمأزت قلوبهم فهم لا يؤمنون. وقالوا: قد انتقصوا أهل المقامات والرتب، فاستحقوا الوبل والتعب، وفي زعمهم أنهم لا حرمة لهم للدنيا ولا قدر، حتى سرى ذلك في نفوس الجهال والطغام، وكثير ممن ينتسب إلى العلم والدين، حبًّا للأولياء أتباع المرسلين، وبسبب ذلك عادونا ورمونا بالعظائم والجرائم، ونسبوا كل قبيح إلينا، ونفروا الناس عنا وعما ندعوا إليه، ووالوا أهل الشرك وظاهروهم علينا، وزعموا أنهم أولياء الله وأنصار دينه ورسوله وكتابه، ويأبى الله ذلك، فما كانوا أولياؤه إن أولياؤه إلا المتقون، الموافقون له، العارفون به، وبما جاء به، والعاملون به،
والداعون إليه، لا المتشبعون بما لم يعطوا، اللابسون ثياب الزور، الذين يصدون الناس عن دين نبيهم وهديه وسنته ويبغونها عوجاً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً باتباعه واحترامه والعمل به، وتعظيم الأنبياء والأولياء واحترامهم متابعتهم لهم فيما يحبونه، وتجنب ما هم يكرهونه، وهم أعصى الناس لهم، وأبعدهم منهم ومن هديهم ومتابعتهم. كالنصارى مع المسيح، وكاليهود مع موسى، والرافضة مع عليّ. وأهل التوحيد أين كانوا أولى بهم وبمحبتهم ونصرة طريقتهم وسنتهم وهديهم ومنهاجهم، وأولى بالحق قولا وعملا من أهل الباطن. فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض. والمنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات بعضهم أولياء بعض. ومن أصغى إلى كلام الله بكلية قلبه وتدبره وتفهمه أغناه عن إتباع الشياطين وشركهم الذي يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وينبت النفاق في القلب، وكذلك من أصغى إليه وإلى حديث الرسول بكليته وحدث نفسه بهما وعمل باقتباس الهدى والعلم منهما لا من غيرهما أغنياه 1 من البدع والشرك والآراء والتخرصات الشطحات والخيالات التي هي من وساوس الشيطان والنفوس، وتخيلات الهوى والبؤس، وتعود ذلك 2 فلا بد أن يتعوض ما لا ينفعه بل
1 في الأصل: من غيره أغناه وهو تحريف ظاهر.
2 لعل الأصل: ومن تعود ذلك
مصرة عليه 1 كما أن من عمر قلبه بمحبة الله وخشيته والتوكل عليه 2 وأغناه أيضاً عن عشق الصور، وإذا خلا عن ذلك صار عبد هواه، أي شيء استحسنه ملكه واستعبده، فالمعرض عن التوحيد عابد للشيطان مشرك شاء أم أبى، كما في صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي واسمه حيان بن حصين قال: قال لي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، "أن لا أدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبراً مشرقاً إلا سويته". وفي الصحيح أيضا عن عثامة بن شقى الهمداني قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم فتوفى صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوى، فقال:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها" وقد أمر به وفعله الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون، قال الشافعي في "الأم":ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنون على القبور. ويؤيد الهدم قوله: "ولا قبراً مشرفاً إلا سويته"، وحديث جابر الذي في صحيح مسلم:"نهى صلى الله عليه وسلم على البناء على القبور"، ولأنها أسست على معصية الرسول لنهيه عن البناء عليها وأمره بتسويتها. فبناء أسس
1 لعل الأصل: بل ما هو مضرة، وكان الأولى أن يقال: بل ما يضره.
2 يظهر أنه سقط من هنا شيء عطف عليه ما بعده.
على معصيته ومخالفته صلى الله عليه وسلم وبناء غير محترم، وهو أولى بالهدم من بناء الغاصب قطعاً، وأولى من هدم مسجد الضرار المأمور بهدمه شرعاً، إذ إزالة المفسدة أعظم حماية للتوحيد، والله المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على أفضل الخلق أجمعين، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.