الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عذر الجهل والخطأ في شبهة الشرك
فإن الله قائل منفر عن قبول الحق والإدغان له: يلزم من تقريركم وقطعكم في أن من قال: يا رسول الله أسألك الشفاعة- أنه مشرك مهدر الدم- أن يقال بكفر غالب الأمة ولاسيما المتأخرين لتصريح علمائهم المعتبرين أن ذلك مندوب وشنوا الغارة على من خالف في ذلك.
قلت: لا يلزم ذلك 1، لأن لازم المذهب ليس بمذهب كما هو مقرر، ومثل ذلك لا يلزم أن تكون مجسمة، وإن قلنا بجهة العلو، كما ورد الحديث بذلك
1 هذا الجواب الصريح في عدم تكفير المستشفع الجاهل المعذور والمتأول، كالذي لا يقصد بالنداء دعاء العبادة ولا يعتقد استقلال الرسول صلى الله عليه وسلم بالتأثير والشفاعة، وإنما يكفرون من أصر على دعاء غير الله فيما لا يطلب إلا منه عناداً.
الجهل المانع عن التفكير
ونحن نقول فيمن مات {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} 1 ولا نكفر إلا من بلغته دعوتنا للحق، ووضحت له المحجة، وقامت عليه الحجة، وأصر مستكبراً معانداً كغالب من نقاتلهم اليوم، يصرون على ذلك الإشراك، ويمتنعون من فعل الواجبان، ويتظاهرون بأفعال الكبائر المحرمات.
1 سورة البقرة الآية134.
وغير الغالب إنما نقاتله لمناصرته لمن هذه حاله، ورضاه به، ولتكثير سواد من ذكر، والتغليب معه، فله حينئذ حكمه في حل قتاله، ونعتذر عمن مضى بأنهم مخطئون معذورون لعدم عصمتهم من الخطأ، والإجماع في ذلك ممنوع قطعيا، ومن شن الغارة فقد غلط ولا بدع أن يغلط فقد غلط من هو خير منه، كمثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما نبهته المرأة رجع في مسألة المهر وفي غير ذلك، يعرف ذلك في سيرته، بل غلط الصحابة وهم جمع 1 ونبينا صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم سار فيهم نوره، فقالوا: اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط.
فإن قلت: هذا فيمن ذهل فلما نبه انتبه، فما القول فيمن حرر الأدلة: واطلع على كلام الأئمة القدوة، واستمر مصرًّا على ذلك حتى مات؟
قلت: ولا مانع أن نعتذر لمن ذكر، ولا نقول إنه كافر، ولا لما تقدم إنه مخطئ ،وإن استمر على خطئه، لعدم من يناضل في هذه المسألة في وقته بلسانه، وسيفه وسنانه، فلم تقم عليه الحجة، ولا وضحت له المحجة، بل الغالب على زمن المؤلفين المذكورين التواطؤ على هجر كلام أئمة السنة في ذلك رأسا، ومن اطلع عليه أعرض عنه قبل أن يتمكن في قبله، ولم تزل أكابرهم تنهى أصاغرهم عن مطلق
1 أي بعض الصحابة منهم، والقصة المعروفة.
النظر في ذلك وصولة الملوك قاهرة لمن وقر في قلبه شيء من ذلك، إلا من شاء الله منهم.
هذا وقد رأى معاوية وأصحابه رضي الله عنهم منابذة أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه، بل وقتاله ومناجزته الحرب، وهم في ذلك مخطئون بالإجماع، واستمروا في ذلك الخطأ حتى ماتوا، ولم يشتهر عن أحد من السلف تكفير أحد منهم إجماعا، بل ولا تفسيقه، بل أثبتوا لهم أجر الاجتهاد، وإن كانوا مخطئين كما هو مشهور عند أهل السنة.
ونحن كذلك لا نقول بكفر من صحت ديانته وشهر صلاحه، وعلم ورعه وزهده، وحسنت سيرته، وبلغ من نصحه الأمة ببذل نفسه، لتدريس العلوم النافعة والتأليف فيها، وإن كان مخطئاً في هذه المسألة أو غيرها، كابن حجر الهيثمى، فإنا نعرف كلامه في "الدر المنظم"، ولا ننكر سعة علمه، ولهذا نعتني بكتبه، كشرح الأربعين، والزواجر وغيرهما، ونعتمد على نقله إذا نقل لأنه من جملة علماء المسلمين.
هذا ما نحن عليه، مخاطبين به من له عقل أو علم، وهو متصف بالإنصاف، خال عن الميل إلى التعصب والاعتساف، ينظر إلى ما يقال، لا إلى من قال. وأما من شأنه لزوم مألوفه وعادته، سواء كان حقًّا أو غير حق، فقلد من قال الله تعالى فيهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا