الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهؤلاء يسأل كل منهم حاجته، وتفريج كربته، ويهتفون عند الشدائد باسمه كما يهتف المضطر بالفرد الصمد، ويعتقدون أن زيارته موجبة للغفران، والنجاة من النيران، وأنها تجبّ ما قبلها من الآثام، بل قد وجد هذا الاعتقاد في الأشجار والغيران، يهتفون باسمها واسم من ينسبون إليه من المعتقدين بما لا يقدر عليه إلا رب العالمين، وأكثر ما يكون ذلك عند الشدائد.
عبادة القبور بالدعاء وغيره شرك
والله تعالى عز شأنه قد فسر هذا الدعاء في مواضع أخر بأنه عبادة محضة كقوله: {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ} 1، وقوله:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} 2. والأنبياء والملائكة والصالحون كل معبود من هؤلاء داخل في عموم قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} 3 كما هو سبب النزول، وقوله عز شأنه: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} فدعاؤهم آلهتهم هو عبادتهم لها، ولأنهم كانوا إذا جاءتهم
1 سورة الشعراء آية 92.
2 سورة الأنبياء آية 98.
3 سورة الأنبياء آية 101
الشدائد دعوا الله وحده وتركوها، ومع هذا فهم يسألونها بعض حوائجهم بواسطة قربهم من الله ويطلبونها منهم بشفاعتهم لهم. فأمر الله العباد بإخلاص تلك العبادة له وحده، فلا يدعونهم ولا يسألونهم الشفاعة، فإن ذلك دين المشركين. قال الله تعالى فيهم:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} 1، وقال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} 2 الآية.
وإنما ذكر الله تعالى عنهم لأنهم يدعون الملائكة والأنبياء، ويصورون صوراً ليشفعوا لهم فيما دعوهم فيه وذلك بطرق مختلفة "ففرقة" قالت: ليس لنا أهلية مباشرة دعاء الله ورجائه بلا واسطة تقربنا إليه وتشفع لنا لعظمته. "وفرقة" قالت: الأنبياء والملائكة ذوو وجاهة عند الله ومنزلة عنده؛ فاتخذوا صورهم من أجل حبهم لهم ليقربوهم إلى الله زلفى. "وفرقة" جعلتهم قبلة في دعائهم وعبادتهم. "وفرقة" اعتقدت أن لكل صورة مصورة على صورة الملائكة والأنبياء وكيلا موكلا بأمر الله، فمن أقبل على دعائه
1 سورة سبأ آية 22.
2 سورة الإسراء آية 56.
ورجائه وتبتل إليه قضى ذلك الوكيل ما طلب منه بأمر الله وإلا أصابته نكبة بأمره تعالى. فالمشرك إنما يدعو غير الله بما لا يقدر عليه إلا هو تعالى ويلتجئ إليه فيه ويرجوه منه بما يحصل له في زعمه من النفع، وهو لا يكون إلا فيمن وجدت فيه خصلة من أربع: إما أن يكون مالكاً لما يريد منه داعية، فإن لم يكن مالكاً كان معيناً، فإن لم يكن كان ظهيراً، فإن لم يكن كان شفيعاً، فنفى الله سبحانه وتعالى هذه المراتب الأربع عن غيره، والشركة والمظاهرة والشفاعة التي لأجلها وقعت العداوة والمخاصمة بالآية المتقدمة وبقوله:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} 1 الآية، وقوله:{قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} 2، وقوله:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} ، وقوله:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} 3، وقوله:{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} 4، وقوله:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، وقوله:{وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} 5، فأثبت سبحانه ما لا نصيب فيه لمشرك البتتة، وهي الشفاعة بإذنه لمن رضي عنه وهو سبحانه يعلم
1 سورة الإسراء آية 111.
2 سورة المؤمنون آية 88.
3 سورة غافر آية 16.
4 سورة الانفطار آية 19.
5 سورة طه آية 108.