المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: التوحيد أول واجب على العبد - حماية الرسول صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد

[محمد بن عبد الله زربان الغامدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

-

- ‌الفصل الأول: نماذج من دعوة الأنبياء والرسل (عليهم الصلاة والسلام)

- ‌المبحث الأول: دعوة نوح عليه الصلاة والسلام

- ‌المبحث الثاني: دعوة هود عليه السلام

- ‌المبحث الثالث: دعوة رسول الله صالح عليه الصلاة والسلام

- ‌المبحث الرابع: دعوة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام

- ‌المبحث الخامس: دعوة موسى عليه الصلاة والسلام

- ‌المبحث السادس: دعوة عيسى عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الثاني: دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: حالة العرب قبل بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث: بدء دعوته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: التوحيد أول واجب على العبد

-

- ‌الفصل الثالث: أنواع التوحيد

- ‌المبحث الأول: توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثالث: توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الرابع: منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى التوحيد

- ‌الفصل الرابع: أنواع الشرك

- ‌المبحث الأول: الشرك الأكبر

- ‌المبحث الثاني: الشرك الأصغر

- ‌المبحث الثالث: الشرك الخفي

-

- ‌الفصل الخامس: منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في حماية التوحيد

- ‌المبحث الأول: منهجه عليه الصلاة والسلام في حماية توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: منهجه عليه الصلاة والسلام في حماية توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثالث: حماية الرسول صلى الله عليه وسلم توحيد الأسماء والصفات

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الرابع: التوحيد أول واجب على العبد

‌المبحث الرابع: التوحيد أول واجب على العبد

التوحيد أول ما يجب على العبد معرفته والإقرار به، وأول ما فرضه على عباده، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 1.

وقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه} 2.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا إلا إله إلا الله وإني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"3.

وقوله عليه الصلاة والسلام لما بعث معاذا إلى اليمن: "إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة

" 4 إلى آخر الحديث.

1 الآية 36 من سورة النحل.

2 الآية 19 من سورة محمد.

3 تقدم تخريجه ص 197.

4 تقدم تخريجه ص 197.

ص: 196

والأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم كان التوحيد أو ما دعوا إليه أممهم التي أرسلهم الله إليها، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} .

وقص الله علينا في القرآن الكريم دعوتهم فكان أول ما قالوا لأممهم: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} .

فهو مفتاح دعوة الناس إلى ربهم، كما سبقت الأدلة على ذلك.

وهو قبل ذلك الفطرة المستقرة في النفوس في الأصل، والانحراف أمر طارئ بسبب ما يقع فيه الناس من زيغ وضلال يفسد فطرتهم، عما فطروا عليه، والرسل عليهم الصلاة والسلام إنما جاءوا ليعيدوا الناس إلى ما فطرهم الله عليه من توحيده سبحانه كما قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} 1.

وكما قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 2.

1 الآيتان 172، 173 من سورة الأعراف.

2 الآية 30 من سورة الروم.

ص: 197

وفي الحديث: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه "1.

وفي الحديث الآخر: "خلقت عبادي حنفاء فأخذتهم الشياطين فاجتالتهم" 2 الحديث.

قال صاحب معارج القبول: "أول واجب فرضه الله عز وجل على العبيد معرفة الرحمن، أي معرفتهم إياه بالتوحيد التي خلقهم له، وأخذ عليهم الميثاق به، ثم فطرهم شاهدين مقرين به، ثم أرسل به رسله إليهم، وأنزل به كتبه عليهم"3.

وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "ولما تغيرت فطر الناس بعث الله الرسل بصلاحها وردها إلى حالتها التي خلقت عليها، فمن استجاب لهم رجع إلى الأصل، ومن لم يستجب لهم استمر على تغيير الفطرة وفسادها4".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: "وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد الخليدي في كتابه: "شرح اعتقاد أهل السنة" لأبي علي الحسين بن أحد الطبري، وهذا لعله ممن أدرك أحمد وغيره، قال الخليدي في معرفة

1 تقدم تخريجه ص 51.

2 تقدم تخريجه ص 52.

3 حافظ بن محمد حكمي، معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد 1/53.

4 ابن قيم الجوزية – إغاثة اللهفان 2/158.

ص: 198

الله: "وهي أول الفرض الذي لا يسع المسلم جهله، ولا تنفعه الطاعة – وإن أتى بجميع طاعة أهل الدنيا – ما لم تكن معه معرفة وتقوى، فالمسلم إذا نظر في مخلوقات الله تعالى، وما خلق من عجائبه، مثل دوران الليل والنهار، والشمس والقمر، وتفكر في نفسه، وفي مبدئه ومنتهاه فتزيد معرفته بذلك، قال تعالى:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} 1.

ثم يقول: "وقال شيخ الإسلام الأنصاري: في أول "اعتقاد أهل السنة وما وقع عليه إجماع أهل الحق من الأمة ": أول ما يجب على العبد معرفة الله، لحديث معاذ لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله – سبحانه – فأخبرهم أن افترض عليهم" الحديث رواه مسلم هكذا ورواه البخاري2.

قال: فاعلم أن معرفة الله والإيمان به إنما يجب ويسمع، ويلزم بالبلاغ ويحصل بالتعريف.

ثم قال بعد ذلك قلت: قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل له: بماذا عرفت ربك؟ فقال: من طلب دينه بالقياس، لم يزل دهره في التباس، ضاعنا في الاعوجاج، زائغا عن المنهاج أعرفه بما عرف نفسه، وأصفه بما وصفه به نفسه"3 اهـ

1 الآية 21 من سورة الذاريات.

2 صحيح البخاري مع الفتح 3/322، وصحيح مسلم بشرح النووي 1/196.

3 ابن تيمية، الفتاوى 2/2، 3 الحاشية.

ص: 199

ومعرفة الله التي سلف ذكرها المقصود بها توحيده سبحانه وتعالى أول ما يجب على العبد كما علم من الأدلة السابقة.

ولا شك أن هذه الفطرة مستقرة في النفوس وما يطرأ عليها مما يحدثه شياطين الجن والإنس هو الذي يزيغ بها عن جادة الحق، ومهما بلغ الإنسان في الطغيان والكفر والعناد تبقى هذه الفطرة لا يستطيع القضاء عليها مهما كابر في ذلك، وتظل دلائلها تظهر وهو يشعر أو لا يشعر، كما قال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} 1 وفرعون أعظم طاغية في البشر أنكر وجود الله، ودعا الناس إلى عبادته، وهدد موسى عليه السلام أن اتخذ إلها غيره، قال له موسى عليه السلام كما قص الله تعالى:{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} 2.

ثم قال وهو في أحضان الموج وقد أدركه الغرق: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 3.

1 الآية 14 من سورة النمل.

2 الآية 102 من سورة الإسراء.

3 الآية 90 من سورة يونس.

ص: 200

والفطرة هي الإسلام، فطر الله عليه عباده، وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنزل الكتب لإزالة ما ران عليها من الباطل وتقويم ما اعوج، وحمايتها من كل فساد وانحراف، إذ الانحراف طارئ على الناسن حين تفسد فطرتهم التي فطرهم الله عليها1.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ "2.

ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} 3.

وتفسير الفطرة بالإسلام هو المعروف عند عامة السلف رضي الله عنهم، لما تقدم وغيره من الأدلة الكثيرة على ذلك من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال أبو هريرة: "الفطرة الإسلام" وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة وأحمد وابن عبد البر وغيرهم4.

1 انظر: إغاثة اللهفان لابن قيم الجوزية. 1/106، 107، ومنهج القرآن في الدعوة إلى الإيمان للدكتور علي بن محمد ناصر فقيهي ص 39 وما بعدها.

2 البخاري مع الفتح 3/219.

3 الآية 30 من سورة الروم.

4 انظر: مجموعة الرسائل الكبرى، لابن تيمية 2/333.

ص: 201

ومع وضوح هذه الأدلة من الكتاب والسنة، وما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين لهم بإحسان خلف من بعدهم خلف منهم من أعرض عن نصوص الكتاب والسنة وحكم عقله، ومنهم من علمها وأولها تأويلا باطلا ناتجا عن الفهم المعوج المخالف لفهم سلف هذه الأمة.

ونتيجة لذلك فقد اختلفت أقوالهم وآراؤهم في أول واجب على المكلف اختلافا كبيرا، وأطالوا الكلام فيه.

فمنهم من قال: أول واجب على المكلف المعرفة.

ومنهم من قال: أول واجب النظر.

ومنهم من قال: القصد إلى النظر.

ومنهم من حاول الجمع بين ذلك فقال: أول واجب خطابا ومقصودا: المعرفة، وأول واجب اشتغالا وأداء: القصد إلى النظر.

وأشهر من اختلف في هذه المسألة: الأشاعرة والمعتزلة، وأصلها من المعتزلة كما نقل عن أبي جعفر السنماني – وهو من كبار الأشاعرة – قوله: إن هذه المسألة بقيت في مقالة الأشعري من مسائل المعتزلة، وقد خاض في هذه المسألة خلق كثير، وفرعوا عليها بعض المسائل، وأطالوا في الكلام عنها، وخرج بعضهم عن الصواب فقال: أول واجب على العبد الشك والعياذ بالله.

قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله – في الفتح:

"وأفضى الكلام بكثير من أهله إلى الشك، وببعضهم إلى الإلحاد، وببعضهم إلى التهاون بوظائف العبادات، وسبب ذلك إعراضهم عن

ص: 202

نصوص الشارع وتطلبهم حقائق الأمور من غيره، وليس في قوة العقل ما يدرك ما في نصوص الشارع من الحكم التي استأثر بها، وقد رجع كثير من أئمتهم عن طريقهم حتى جاء عن إمام الحرمين أنه قال:"ركبت البحر الأعظم وغصت في كل شيء نهى عنه أهل العلم في طلب الحق فرارا من التقليد، والآن فقد رجعت واعتقدت مذهب السلف "

هذا كلامه أو معناه وعنه أنه قال عند موته: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلوا عرفت أنه يبلغ بي ما بلغت ما تشاغلت به.. إلى أن قال القرطبي: ولو لم يكن في الكلام إلا مسألتان هما من مبادئه لكان حقيقا بالذم:

إحداهما: قول بعضهم: إن أول واجب الشك، إذ هو اللازم عن وجوب النظر، أو القصد إلى النظر، وإليه أشار الإمام بقوله: ركبت البحر.

ثانيهما: قول جماعة منهم: أن من لم يعرف الله بالطرق التي رتبوها، والأبحاث التي حرروها لم يصح إيمانه، حتى لقد أورد على بعضهم إن هذا يلزم منه تكفير أبيك وأسلافك، وجيرانك، فقال: لا تشنع علي بكثرة أهل النار، وقد رد بعض من لم يقل بهما على من قال بهما بطريق من الرد النظري وهو خطأ منه، فإن القائل بالمسألتين كافر شرعا، لجعله الشك في الله واجبا، ومعظم المسلمين كفار حتى يدخل في عموم كلامه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وهذا معلوم الفساد من الدين بالضرورة وإلا فلا يوجد في الشرعيات ضروري.

ص: 203

وختم القرطبي كلامه بالاعتذار عن إطالة النفس في هذا الموضع لما شاع بين الناس من هذه البدعة، حتى اغتر بها كثير من الأغمار، فوجب بذل النصيحة والله يهدي من يشاء "1.

والحق الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة – كما سلف – أن أول واجب على المكلف التوحيد ومفتاحه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهو الذي فهمه سلف الأمة رضوان الله عليهم والذين اتبعوهم بإحسان الذين رزقهم الله الفهم الصحيح والفقه في الدين، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في تعليقه على كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري:

"الصواب ما ذكره المحققون من أهل العلم أو أول واجب هو شهادة ألا إله إلا الله علما وعملا، وهي أول شيء دعا إليه الرسل، وسيدهم وإمامهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أول شيء دعا إليه أن قال لقومه: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا".

ولما بعث معاذا إلى اليمن قال له: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله.

ولأن التوحيد شرط لصحة جميع لعبادات كما يدل عليه قوله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} "2.

1 فتح الباري شرح صحيح البخاري – الحافظ ابن حجر العسقلاني 13/350.

2 صحيح البخاري مع الفتح 1/70.

ص: 204