الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: أنواع الشرك
المبحث الأول: الشرك الأكبر
…
كما أن التوحيد أنواع فكذلك الشرك أنواع بيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذّر من الوقوع فيها حماية لجناب التوحيد وحرصاً على أهله من الشرك أيا كان نوعه لأنه إما أن يخرج صاحبه من الإسلام ويحرمه نعمة التوحيد، ويورده النار وبئس المصير، وإما أن ينافي كماله فيحرم العبد تمام نعمة التوحيد، وقد ينتهي به إلى الخروج من الإسلام آخر الأمر، أو يخدش توحيده ويلوث صفاءه.
المبحث الأول: الشرك الأكبر
وهو اتخاذ الأنداد من دون الله، ودعوتهم ومحبتهم والتقرب إليهم من دون الله تعالى، وهو أعظم الذنوب، وأشد المحرمات لا يغفره الله تعالى لمن لم يتب منه توبة نصوحا، ولا يقبل منه صرفا ولا عدلا. قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} 1.
وقال: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} 2.
1 الآية 116 من سورة النساء.
2 الآية 151 من سورة الأنعام.
3 الآية 72 من سورة المائدة.
وقال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 1.
وقال: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} 2.
وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار"3.
وعنه رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" 4.
وهذا النوع من أنواع الشرك ينقسم إلى أقسام:
أحدها: شرك الدعاء:
كما قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} 5.
وهذا إخبار عن حال المشركين وأنهم في حال الرخاء يدعون غير الله ويسألون غيره، فإذا نزلت بهم مصيبة لجأوا إلى الله وسألوه كشف الضر عنهم، حتى إذا كشفه عنهم واستجاب لهم وتحقق مطلبهم عادوا إلى ما
1 الآية 13 من سورة لقمان.
2 الآية 48 من سورة النساء.
3 تقدم تخريجه ص 288.
4 صحيح البخاري مع الفتح 8/163.
5 الآية 65 من سورة العنكبوت.
كانوا عليه من الشرك بالله والإعراض عنه، ثم خلف من بعدهم خلف أشد منهم شركا وإعراضا فهم على شركهم وعنادهم في الرخاء والشدة فهم أسوأ حالا من أسلافهم.
فهؤلاء أشركوا مع الله تعالى غيره في الدعاء الذي هو العبادة، كما يفعله مشركوا اليوم ممن ينتسبون إلى الإسلام، وهو منهم براء كغلاة المتصوفة والرافضة وأضرابهم.
الثاني: شرك النية والقصد والإرادة:
1 الآية 15 من سورة هود.
2 الآيات من 18- 20 من سورة الإسراء.
الثالث: شرك في الطاعة:
وذلك بطاعة غير الله تعالى في معصيته سبحانه، كطاعة العلماء والأمراء والسلاطين وغيرهم، إذ "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" و"إنما الطاعة في المعروف ".
فمن أطاع أحداً في تحليل ما حرم الله تعالى أو تحريم ما أحله فقد اتخذ ذلك المطاع ربا من دون الله بقدر طاعته له، قال تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1.
الرابع: شرك المحبة:
بأن يصرف المحبة لغير الله تعالى مما يجب أن يكون لله، ومن أدلته قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه} 2.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار"3.
1 الآية 31 من سورة التوبة.
2 الآية 165 من سورة البقرة.
3 البخاري مع الفتح 1/60، ومسلم بشرح النووي1/66.
فهذه أقسام الشرك الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة، ويخلده في النار إذا لم يتب منه ولا يقبل الله منه عملا، كما قال تعالى عن المشركين:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} 1.
وقال مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 2.
وقال بعد ذكر عدد من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 3.
1 الآية 23 من سورة الفرقان.
2 الآيتان 65، 66 من سورة الزمر.
3 الآية 88 من سورة الأنعام.