المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: توحيد الأسماء والصفات - حماية الرسول صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد

[محمد بن عبد الله زربان الغامدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

-

- ‌الفصل الأول: نماذج من دعوة الأنبياء والرسل (عليهم الصلاة والسلام)

- ‌المبحث الأول: دعوة نوح عليه الصلاة والسلام

- ‌المبحث الثاني: دعوة هود عليه السلام

- ‌المبحث الثالث: دعوة رسول الله صالح عليه الصلاة والسلام

- ‌المبحث الرابع: دعوة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام

- ‌المبحث الخامس: دعوة موسى عليه الصلاة والسلام

- ‌المبحث السادس: دعوة عيسى عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الثاني: دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: حالة العرب قبل بعثته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث: بدء دعوته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الرابع: التوحيد أول واجب على العبد

-

- ‌الفصل الثالث: أنواع التوحيد

- ‌المبحث الأول: توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثالث: توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الرابع: منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى التوحيد

- ‌الفصل الرابع: أنواع الشرك

- ‌المبحث الأول: الشرك الأكبر

- ‌المبحث الثاني: الشرك الأصغر

- ‌المبحث الثالث: الشرك الخفي

-

- ‌الفصل الخامس: منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في حماية التوحيد

- ‌المبحث الأول: منهجه عليه الصلاة والسلام في حماية توحيد الربوبية

- ‌المبحث الثاني: منهجه عليه الصلاة والسلام في حماية توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثالث: حماية الرسول صلى الله عليه وسلم توحيد الأسماء والصفات

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثالث: توحيد الأسماء والصفات

‌المبحث الثالث: توحيد الأسماء والصفات

ومعناه: الإيمان بما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأنه تعالى موصوف بها على الحقيقة كما يليق بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل فهو توحيد الله تعالى بأسمائه وصفاته.

الأسس التي يقوم عليها توحيد الأسماء والصفات:

من هذا التعريف لهذا النوع من التوحيد يتبين لنا أنه يقوم على ثلاثة أسس:

الأول: أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية، فلا نثبت لله تعالى ولا ننفي عنه إلا بدليل من الكتاب أو من السنة، إذ لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا من هذا الطريق.

الثاني: الإيمان بأن الله تعالى لا يشبه أحدا من خلقه في أسمائه ولا صفاته كما لا يشبهه أحد من خلقه، وإن سمى أو وصف أحدا من المخلوقين بتلك الأسماء والصفات، فذلك اشتراك في اللفظ لا يوجب مماثلة المخلوقين له فيما دلت عليه هذه الأسماء والصفات، فأسماء الله تعالى وصفاته على ما يليق به سبحانه وتعالى وما يسمى به من المخلوقين أو يوصف من ذلك فعلى ما يليق بالمخلوق نفسه، فكل على ما يليق به.

ص: 253

وإذا علم هذا فلا حاجة إلى ما سلكه أهل الكلام من تعسف في تأويل النصوص وصرفها عن معانيها بحجة تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين1.

قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 2.

وهذا الموضع من فهمه فهما جيدا وتدبره، زالت عنه عامة الشبهات وانكشف له غلط كثير من الأذكياء في هذا المقام3.

قال نعيم بن حماد4 شيخ الإمام البخاري رحمهما الله تعالى: "من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه أو وصفه رسوله كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله تشبيه ولا تمثيل"5.

الثالث: أن صفات الله كلها صفات كمال، فله سبحانه الكمال المطلق، وهو المنزه عن كل نقص، وكل صفة كمال تثبت للمخلوق

1 انظر: فتاوى ابن تيمية.

2 الآية 11 من سورة الشورى.

3 ابن تيمية – نفس المصدر 3/76.

4 هو نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي، أبو عبد الله المروزي، نزيل مصر فقيه عارف بالفرائض مات سنة 228هـ. انظر تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر 2/305.

5 ابن أبي العز شرح الطحاوية ص 117، 118.

ص: 254

وأمكن أن يتصف به الله سبحانه وتعالى فهو أحق بها وأولى، وكل نقص تنزه عنه المخلوق فالله أولى وأحق بالتنزه عنه، ومما ينبغي معرفته في الإيمان بأسماء الله وصفاته أن يقطع الطمع في كيفيتها وألا يسأل عن ذلك، إذ لا يسأل عن صفات الله تعالى بكيف وأن يعلم مع ذلك ويعتقد أن هذه الصفات معلومة المعنى، فلم يخاطب الله تعالى عباده ويتعبدهم بأمور لا يعلمون معناها، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله وغيره من السلف لمن سأل عن كيفية استواء الله تعالى على عرشه:"الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة".

وقال ربيعة شيخ مالك قبله: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ومن الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا الإيمان"1.

أدلة هذا النوع من التوحيد:

الأدلة عليه من الكتاب الكريم والسنة النبوية الصحيحة كثيرة، فقد لا تخلو سورة من سور القرآن الكريم من ذكر اسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته ومن ذلك سورة الإخلاص فهي بكاملها عن أسماء الله وصفاته، قال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 2.

1 انظر فتاوى ابن تيمية 3/58.

2 سورة الإخلاص.

ص: 255

وقد وردت أحاديث في فضل هذه السورة العظيمة منها ما أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك، وكان الرجل يتقالها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن" 1.

ومن أدلة هذا النوع من التوحيد: قوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} 2.

وقد اشتملت على عدد من أسماء الله تعالى وصفاته، وهي أعظم آية في القرآن كما أخبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا المنذر: أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ "قال: الله ورسوله أعلم، قال: قلت: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} قال فضرب في صدري: "والله ليهنك العلم أبا المنذر"3.

1 البخاري مع الفتح 9/58، 59.

2 الآية 255 من سورة البقرة.

3 صحيح مسلم بشرح النووي 6/93.

ص: 256

ومنها قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 1.

والآيات في هذا كثيرة جدا.

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم رب السماوات السبع والأرض رب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، أقض عني الدين واغنني من الفقر"2.

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى تلك الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"3.

والأحاديث في ذلك أيضا كثيرة جدا.

1 الآيات من 22-24 من سورة الحشر.

2 صحيح مسلم بشرح النووي 17/36.

3 صحيح البخاري مع الفتح 3/29.

ص: 257

مناهج المتكلمين في أسماء الله وتعالى وصفاته:

تقدم فيما سبق الكلام عن مذهب السلف في أسماء الله تعالى وصفاته، وأنه المنهج الحق الذي لا يجوز العدول عنه، فهو الموافق لما جاء عن الله عز وجل، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وتشهد له الفطر السليمة والعقول المستقيمة، ناهيك عما في القرآن والسنة من أدلة دامغة.

إلا أن أقواما ساءت أفهامهم وزلت أقدامهم، وعميت بصائرهم عن معرفة هذا الحق وسلوك سبيله وسلكوا في هذا الباب مناهج مختلفة مرجعهم فيها عقولهم القاصرة وأفهامهم العاجزة، فخبطوا في ذلك خبط عشواء حتى انتهى الأمر بأكثرهم إلى الحيرة والشك، ومن اشهر مناهجهم:

منهج أهل التشبيه:

وهم الذين جعلوا صفات الله تعالى من جنس صفات المخلوقين، وقاسوها عليها، فلم يفهموا منها إلا مثل للمخلوقين، وأنه لا حقيقة لها سوى ذلك، وأن هذا هو ما يعقل منها، والله لا يخاطب الناس بما لا يعقلون1.

ولا شك أن هذا فساد في الفهم وانحراف في الاعتقاد، وعمى في البصائر، إذ يحصرون ذلك فيما يشبه المخلوق، ولو رزقوا صحة في الفهم وسلامة في الاعتقاد لعلموا يقينا أن صفات الله سبحانه ثابتة له على ما

1 انظر: كتاب الصواعق المنزلة لابن قيم الجوزية 1/251.

ص: 258

يليق بجلاله وعظمته لا بشبه صفات المخلوق، إذ صفاتهم على ما يليق بهم، قال سبحانه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .

أهل التأويل:

ومنهم الجهمية والمعتزلة، ومنهجهم:"أن النصوص الواردة في الصفات لم يقصد بها الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعتقد الناس الباطل، ولكن قصد بها معاني، ولم يبين لهم تلك المعاني، ولا دلهم عليها، ولكن أراد أن ينظروا فيعرفوا الحق بعقولهم، ثم يجتهدوا في صرف تلك النصوص من مدلولها ومقصوده امتحانهم وتكليفهم واتعاب أذهانهم وعقولهم في أن يصرفوا كلامه عن مدلوله ومقتضاه، ويعرفوا الحق من غير جهته، وهذا قول المتكلمة والجهمية والمعتزلة، ومن دخل في شيء من ذلك"1.

فحقيقة مذهبهم أنهم يقررون أن الصفات لا تدل على حقائق معانيها، فيؤولون ذلك إلى معان أخرى، كتأويلهم اليد بالنعمة، والاستواء بالاستيلاء وغير ذلك، وبناءً عليه فإن صفات الله لا تدل على ما وصف به نفسه حقيقة بل مجازا، فحكموا عقولهم في ذلك واضطربوا فيه اضطرابا كبيرا،"وهم أشد الناس اضطرابا، إذ لم يثبت لهم قدم في الفرق بين ما يتأول وما لا يتأول، ولا ضابط مطرد منعكس تجب مراعاته، وتمتنع مخالفته"2.

1 ابن تيمية – الفتوى الحموية الكبرى ص 37-38.

2 انظر: كتاب الصواعق المنزلة لابن قيم الجوزية 1/245.

ص: 259

ولا ريب أن هذا تحكيم للعقل في نصوص الكتاب والسنة، بل تقديم له عليهما، وفتح لباب الضلال والانحراف، فكل طائفة لا تقبل عقول أهلها أمرا تؤوله ليوافق العقل، وهذا باب واسع لا ينحصر، يفقد معه الفهم الصحيح لمعاني كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتنعدم الثقة بدلالتهما، وإرشادهما للعباد، إذ اصبح الميزان هو العقل، والعقول تختلف وتتفاوت1.

أهل التفويض:

ومنهجهم: أن نصوص الصفات من آيات وأحاديث لا تعقل معانيها، ولا يعلمها إلا الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم معانيها ولا جبريل ولا السلف السابقون، ثم تناقضوا في ذلك:

فمنهم من قال: تجري على ظواهرها وتأويلها بما يخالفه باطل، ولا يعلم تأويلها إلا الله.

ومنهم من يقول: المعنى المراد بها خلاف مدلولها الظاهر، ولا يعلم هذا المعنى أحد من الأنبياء ولا غيرهم.

وهذا تناقض عجيب، إذ يقولون تجري على ظاهرها، ثم يقولون الظاهر غير مراد، ويقولون مع هذا لها تأويل لا يعلمه إلا الله، وهذا يخالف معنى التفويض الذي حقيقته ألا يحكم المفوض بنفي ولا إثبات.

1 انظر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص 216

ص: 260

ومنشأ غلطهم وتناقضهم أنهم جعلوا نصوص الصفات من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، فضلوا بذلك عن الفهم الصحيح الذي فهمه سلف الأمة وأتباعهم بإحسان، إذ لم يرد عنهم أنهم جعلوا نصوص الصفات من

المتشابه، وفهموا وبينوا معنى قوله تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ} وعقلوا المعنى الصحيح للتأويل من تفسير الشيء أو حقيقته التي يؤول إليها.

ومنهج أهل التفويض هذا له نتائجه الخطيرة التي من أخطرها:

أ - أن الله أمر الناس بألفاظ مجردة لا يعلمونها ولا يعقلون معانيها، وهو في الوقت نفسه يأمرهم بالتدبر والتفكر في أمور لا يعلمها حتى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام فضلا عن غيرهم.

ب - أن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم جاهلون بربهم لا يعلمون ما وصف به نفسه، وكانوا يكلمون الناس ويبلغونهم ما لا يعلمون معناه.

ت - أن هذا يؤدي إلى إنكار صفات الله تعالى الثابتة بالكتاب والسنة وتعطيلها ورد ما رضيه الله تعالى لنفسه ورضيه له رسوله عليه الصلاة والسلام1.

1 انظر: موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول بهامش منهاج السنة لابن تيمية 1/116و118

ص: 261