الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: توحيد الألوهية
.
ومعناه: إفراد الله تعالى بجميعأنواع العبادة وإخلاصها له وحده لا شريك له ظاهرا وباطنا، وهو توحيد الله تعالى بأفعال العباد.
ويسمى توحيد العبادة، لأن الألوهية والعبودية بمعنى واحد، إذا معنى الإله: المعبود، قال ابن عباس رضي الله عنهما:"الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين"1.
مكانته وأهميته:
هذا التوحيد أعظم أنواع التوحيد وأهمها، والمتضمن لها جميعا، ولا يصير العبد مؤمنا إلا بتحقيقه، وهو الذي لأجله خلق الله عباده، وأنزل كتبه، وبعث أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} 2
وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 4.
1 خليل الهراس، دعوة التوحيد ص 37.
2 الآية 56 من سورة الذاريات.
3 الآية 36 من سورة النحل.
4 الآية 5 من سورة البينة.
وهو أول واجب على العبد، والذي من أجله قامت الخصومة بين الرسل وأممهم، إذ هو أول ما دعا إليه أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام فهو مفتاح الجنة ومفتاح دعوة كل نبي إلى قومه، إذ يقول لهم:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} .
"وهذا التوحيد هو أول الدين وآخره، وباطنه وظاهره، وهو أول دعوة الرسل وآخرها، وهو معنى قول لا إله إلا الله، فإن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة والخشية، والإجلال والتعظيم وجميع أنواع العبادة، ولأجل هذا التوحيد خلقت الخليقة، وأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وسعداء أهل الجنة، وأشقياء أهل النار، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 1 فهذا أول أمر القرآن2.
وهو أول واجب على المكلف، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله – وفي رواية – إلى أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات
…
إلى آخر الحديث" 3.
1 الآية 22 من سورة البقرة.
2 سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد ص 31.
3 تقدم تخريجه ص 198.
وكما قال عليه الصلاة والسلام: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله
…
إلى آخر الحديث" 1.
والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة، كلها تبين أن هذا التوحيد هو لب الإسلام وحقيقته وأساسه، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:"بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله" 2 الحديث.
أدلة توحيد الألوهية:
الأدلة على هذا النوع من أنواع التوحيد كثيرة جدا من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تكاد تخلو سورة من سور القرآن الكريم من هذا التوحيد.
ومن هذه الأدلة: قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 3.
1 تقدم تخريجه ص 197.
2 البخاري مع الفتح 1/49، ومسلم بشرح النووي 1/176.
3 الآية 36 من سورة النحل.
4 الآية 25 من سورة الأنبياء.
وقولهِ: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} 4.
وقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 5.
وقوله: {وَما أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إلا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 6 وسورة الكافرون بكاملها.
1 الآية 1،2 من سورة النحل.
2 الآية 18 من سورة آل عمران.
3 الآية 45 من سورة الزخرف.
4 الآية 3 من سورة الزمر.
5 الآية 5 من سورة البينة.
6 الآية 31 من سورة التوبة.
والآيات في هذا كثيرة، والأحاديث سبق ذكر بعضها، وغيرها كثير في الدلالة على هذا النوع العظيم من التوحيد والأمر به، وبيان تحقيقه والتحذير من مخالفته.
منهج القرآن الكريم في الدعوة إلى توحيد الألوهية:
سبق الكلام على أن القرآن كله توحيد، وتوحيد الألوهية أعظم التوحيد، بل هو التوحيد كله، إذ هو متضمن له.
ولهذا جاء القرآن الكريم مبينا لهذا التوحيد، وآمرا به وداعيا إليه بأساليب متنوعة ومناسبة لمعالجة ما كان عليه الناس وقت نزول القرآن، وما يأتي بعد ذلك، من صورة ترجع في كثير من الأحيان إلى تلك الصورة الأولى التي كان عليها المجتمع الجاهلي وقت نزول القرآن من فساد في العقيدة وضلال عن الصراط المستقيم، وانحراف عن العبودية الحقة لله تعالى التي هي أشرف مقام.
"ولما كان توحيد الألوهية هو مناط الإيمان بالله ورسله كان لابد أن يعنى القرآن بتقريره والبرهنة عليه بالأدلة العقلية والبراهين الصحيحة، لأن الشرك الذي وقع فيه جميع الأمم، كان في هذا النوع، فإن عامة مشركي الأمم كانوا مقرين بالصانع، ويعترفون بتوحيد الربوبية، ولكنهم مع إقرارهم بربوبيته قد أشركوا بعبادته غيره، وكان ما عابه مشركو العرب على محمد "أن جعل الآلهة إلها واحدا"وقالوا له: "إن هذا لشيء عجاب".
ولا شك في وجب الإيمان بتوحيد الربوبية إلا أنه ليس كل الواجب، وليس هو مناط الإيمان والكفر، ولا مناط التوحيد والشرك، وليس بمجرد الإقرار به يكون الفرد موحدا "1
وإليك أهم الأساليب التي جاء بها القرآن الكريم في الدعوة إلى هذا النوع من التوحيد:
منها: بيان آيات ربوبيته سبحانه التي يراها الناس، ويقرون بها، وإنه سبحانه هو خالقها، ثم يختمها بالدعوة إلى أفراده سبحانه بالعبادة، فكما أنه المتفرد بهذا الخلق، فيجب أن يكون وحده سبحانه المتفرد بالعبادة لا شريك له، ومن ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 2.
1 ابن تيمية، كتاب التوحيد وإخلاص العمل لله عز وجل، تحقيق د. محمد السيد الجليندي ص 58، 59
2 الآيتان 21، 22 من سورة البقرة.
3 الآيتان 31،32من سورة يونس.
وقوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُون قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ َ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُون بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ مَا اتَّخَذَ اللهُ
1 الآيات من 59-64 من سورة النمل.
مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1.
والآيات في هذا كثيرة جدا، وأنت ترى أن الله تعالى يبين للناس آيات ربوبيته ودلائل خلقه التي يعترفون بها ويعلمون أن الله سبحانه هو خالقها وحده ولكنهم مع ذلك يشركون في ألوهيته سبحانه غيره، فالآيات تحتج عليهم بما أقروا به من توحيد الرببوبية، فإن ذلك في الوقت نفسه دليل على توحيد الألوهية، إذ هما متلازمان، ولا يكفي الإقرار بتوحيد الربوبية وحده، بل هم كما قال الله تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} فإن الله تعالى كما أنه الواحد في ربوبيته لا شريك له، فكذلك الواحد في ألوهيته لا شريك له، وهذا حق الله تعالى على عباده كما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ " فقلت: الله ورسوله أعلم، قال:"حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا"، فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا"2.
1الآيات من 84-92 من سورة المؤمنون.
2 البخاري مع الفتح 6/58، ومسلم بشرح النووي 1/230.
"وحاجتهم إليه في عبادتهم إياه وتألهم كحاجتهم وأعظم في خلقه لهم، وربوبيته إياهم، فإن ذلك هو الغاية المقصودة لهم، وبذلك يصيرون عاملين متحركين، ولا صلاح لهم ولا فلاح، ولا نعيم ولا لذة بدون ذلك بحال، بل من أعرض عن ذكر ربه فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، ولهذا كان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ولهذا كانت لا إله إلا الله أحسن الحسنات، وكان التوحيد بقول: لا إله إلا الله رأس الأمر"1.
1 ابن تيمية – الفتاوى 1/23.
* ومن أساليب القرآن الكريم في الدعوة إلى الألوهية:
بيان عجز الآلهة التي يدعونها من دون الله تعالى، وإنها لا تملك لنفسها كما لا تملك لغيرها نفعا ولا ضرا من دون الله، وجاء ذلك في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى:
وقوله في سورة النحل في موضعين: الأول قوله: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} 2.
1 الآيات من 191-195 من سورة الأعرف.
2 الآيتان20، 21 من سورة النمل.
والآيات في هذا كثيرة تبين عجز هذه الآلهة التي اتخذوها من دون الله تعالى وأنها لا تملك لنفسها ولا لغيرها نفعا ولا ضرا، بل إن الذين اتخذوها هم أنفسهم أكمل وأقدر من آلهتهم التي يعبدونها، ومنهم من يعرف عجزها وضعفها، ولكنه مع ذلك قد ارتضى ذلك لنفسه، ليعيش في حضيض الشرك وحمأة الكفر بدلا من كرم التوحيد وعزة الإيمان4، كما
1 الآية 73 من سورة النحل.
2 الآية 73 من سورة الحج.
3 الآية 13، 14 من سورة فاطر.
4 انظر معارج القبول لحافظ حكمي 1/359-360، وكتاب دعوة التوحيد لخليل الهراس ص 40-41
ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل حصينا والد عمران قبل إسلامه "كم تعبد اليوم من إله؟ قال سبعة آلهة، ستة في الأرض وواحد في السماء، قال صلى الله عليه وسلم: فمن تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: ألا تسلم فأعلمك كلمات، فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قل: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي" 1.
ومن أساليب القرآن الكريم في الدعوة إلى توحيد الألوهية:
بيان حال عباد هذه الآلهة، والتنديد بهم، والتشنيع عليهم، ووصفهم بالضلال والغي والعمى، والبعد عن الهدى والرشاد، فآلهتهم عاجزة قاصرة وقد اتخذوها من دون الله، فهم قاصروا الأفهام ضالوا العقول، وإلا لما عبدوا آلهة هم أكمل منها وأقوى.
1 أخرجه ابن خريمة في كتاب التوحيد ص 120، والبيهقي في الأسماء والصفات ص 534، وابن قدامة في إثبات صفة العلو رقم (6) ص 78.
2 الآيتان 5، 6 من سورة الأحقاف.
3 الآية 41 من سورة العنكبوت.
والآيات في هذا كثيرة تبين قصور أفهام من يشرك بالله ويتخذ من دونه آلهة عاجزة وقاصرة ليعبدها مندون الله أو يجعلها واسطة وشافعة تقربه من الله كما كان المشركون يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 2.
* ومن أساليب القرآن الكريم في الدعوة إلى توحيد الألوهية:
بيان ما يقع يوم القيامة بين هؤلاء المشركين وآلهتهم من براءة بعضهم من بعض، وتخليهم عن عابديهم وتنكرهم لأتباعهم، في حال هم أحوج ما يكون إلى من يشفع لهم ويدافع عنهم، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ
1 الآية 3 من سورة الفرقان.
2 من الآية 3 من سورة الزمر.
الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} 1.
* ومن أساليب القرآن الكريم في الدعوة إلى توحيد الألوهية:
ما جاء في قصص الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم أممهم إلى توحيد الله تعالى وإفراده وحده بالعبادة، وكان ذلك مفتاح دعوة كل نبي ورسول منهم، وما جرى بينهم وبين أقوامهم لأجله من خصومة وما دارت بسببه من معارك عظيمة بالبيان والسنان، وما كان من ذلة وهلاك لأعداء الله وأعداء رسله، ونصر ومنعة وغلبة للرسل وأتباعهم، وتلك سنة الله في خلقه، وهو الذي يقول بعد ما قص دعوة عدد من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام:{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} 3.
1 الآيات من 165، 167 من سورة البقرة.
2 الآيتان 28، 29 من سورة يونس.
3 الآية 83 من سورة هود.
1 الآيات 9-4 من سورة إبراهيم.
والحديث عن قصص الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام مع أممهم في دعوتهم يوضح أن توحيد الله وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له، هو المهمة الأولى للرسل عليهم الصلاة والسلام كما قال لله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} 1.
ومما تقدم يتبين أهمية توحيد الألوهية المتضمن لأنواع التوحيد جميعا والمطلوب من الناس كافة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن توحيد الربوبية بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، فيكون الدين كله لله لا يخاف إلا الله ولا يدعو إلا الله، ويكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، فيحبون لله، ويبغضون لله، ويعبدون الله، ويتوكلون عليه، والعبادة تجمع غاية الحب وغاية الذل، فيحبون الله بأكمل محبة ويذلون أكمل ذل، ولا يعدلون به ولا يجعلون له أندادا ولا يتخذون من دونه أولياء ولا شفعاء كما قد بين القرآن هذا التوحيد في غير موضع، وهو فطب رحى
1 الآية 36 من سورة النحل.
القرآن الذي يدور عليه القرآن، وهو يتضمن التوحيد في العلم والقول، والتوحيد في الإرادة والعمل "1.
فتوحيد الربوبية وحده لا يكفي، وإلا لما بعث الرسل لأن أممهم كانت مقرة به وإنما انحرافهم في جانب توحيد الألوهية، وإذاً فلا بد مع توحيد الربوبية من توحيد الألوهية المتضمن له، وتحقيق ذلك بصرف جميع العبادات لله تعالى وحده لا شريك له وإخلاصها له سبحانه دون من سواه، وذلك يشمل جميع العبادات القولية والقلبية والعملية والمالية.
فالعبادات القولية:
هي ما يتعلق باللسان من الدعاء والذكر والاستعاذة والاستعانة والاستغاثة والحلف وغير ذلك، فلا يصرف شيئا منه لغير الله سبحانه، وإن شابت ذلك شائبة من الشرك فقد أشرك مع الله على قدر ما اقترف من ذلك.
والعبادات القلبية:
وهي التي تتعلق بالقلب، وهي أهم العبادات كلها فهي أساسها وأصلها، ومن هذه العبادات الحب، والخوف، والإخلاص، والصبر، والرغبة، والرهبة
…
وغيرها من العبادات المتعلقة بالقلب، وأدلة ذلك كثيرة ومعروفة من الكتاب والسنة، تأمر بإخلاصها لله وتنهى عن صرفها لأحد غيره.
1 ابن تيمية – منهاج السنة النبوية 2/62.
والعبادات البدنية:
وهي المتعلقة بالجوارح كالصلاة والصيام والحج وغير ذلك، فكلها يجب إخلاصها لله تعالى وحده لا شريك له.
والعبادات المالية:
وهي ما يتعلق بأموال العباد، وما يجب عليهم فيها عبادة لله تعالى وحده لا شريك له كالزكاة والنذر والصدقات المالية والذبح وغير ذلك مما يتعلق بالأموال1.
والعبادات التي شرعها الله كلها تتضمن إخلاص الدين كله لله تحقيقا لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} 2 فالصلاة لله وحده، والصدقة لله وحده، والصيام لله وحده، والحج لله وحده، وإلى بيت الله وحده3.
ومما تقدم من الكلام عن هذين النوعين من التوحيد وما جاء فيهما من الأدلة والشواهد يتبين لنا أن الله سبحانه وتعالى قد جعل ذلك صيانة لهذا التوحيد وترسيخا له في النفوس، وحفظا له نقيا صافيا بعيدا عن
1 انظر: كتاب مدارج السالكين لابن القيم 1/100 وكتاب دعوة التوحيد لمحمد خليل هراس ص 47-69.
2 الآية 5 من سورة البينة.
3 ابن تيمية – اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم 2/830 – تحقيق د. ناصر ابن عبد الكريم العقل.
مزالق الشرك والإلحاد، يربط الناس بخالقهم وإلههم وحده لا شريك له فيخلصوا له العبادة وحده، وقد بين ذلك رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ودعا إليه وحمى جانبه، وحذر من كل ما يدنسه أو يشوبه، وسد كل طريق يؤدي إلى الشرك، ونهى عن كل وسيلة تؤدي إليه وإن لم تكن شركا، كل ذلك حماية لجناب التوحيد الذي هو أول واجب على العبد، وأول ما دعا إليه الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه، وإمامهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.